سورة الانعام الآية 121-140

وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ‏

في من لا يحضره الفقيه : روى أبو بكر الحضرميّ، عن الورد  بن زيد قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: حدّثني حديثا وأمله عليّ حتّى أكتبه.

قال : أين حفظكم، يا أهل الكوفة؟

قلت: حتّى لا يردّه عليّ أحد. ما تقول في مجوسي قال: بسم اللّه وذبح؟

فقال: كل.

فقلت: مسلم ذبح ولم يسمّ؟

فقال: لا تأكل. إنّ اللّه يقول: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. ويقول:وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.

قال: [من ذبائح‏]  اليهود والنّصارى، وما يذبح على [غير]  الإسلام.

و فيه - أيضا-: وقوله: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ.

قال: طعامهم هاهنا الحبوب والفاكهة، غير الذّبائح التي يذبحونها. فإنّهم لا يذكرون اسم اللّه [عليها خالصا]  على ذبائحهم.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، [عن أبيه‏]  عن حنان بن سدير قال: دخلنا على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنا وأبي فقلنا له: فديناك : إنّ لنا خلطاء من النّصارى، وإنا نأتيهم فيذبحون [لنا]  الدّجاج والفراخ والجداء. [أ]  فنأكلها؟

قال: فقال: لا  تأكلوها ولا تقربوها. فإنّهم يقولون على ذبائحهم ما لا أحبّ لكم أكلها.

قال: فلمّا قدمنا  الكوفة دعانا بعضهم، فأبينا أن نذهب.

فقال: ما بالكم كنتم تأتونا ثمّ تركتموه اليوم؟

قال: فقلنا: إنّ عالما لنا- عليه السّلام- نهانا، وزعم أنّكم تقولون على ذبائحكم شيئا  لا يحبّ لنا أكلها.

فقال: من هذا العالم؟ هذا واللّه أعلم النّاس وأعلم من خلق اللّه، صدق واللّه،إنّا لنقول باسم المسيح- عليه السّلام-.

و في تهذيب الأحكام : الحسين بن سعيد، عن فضال ، عن أبي المغرا، عن سماعة، عن أبي إبراهيم- عليه السّلام- قال: سألته عن ذبيحة اليهوديّ والنّصرانيّ.

فقال: لا تقربها .

عنه،  عن عليّ بن النّعمان، عن ابن مسكان، عن قتيبة قال: سأل رجل أبا عبد اللّه- عليه السّلام- وأنا عنده.

فقال: الغنم نرسل معها اليهوديّ والنّصرانيّ، فتعرض فيها العارضة، فتذبح .

أ نأكل ذبيحته؟

فقال له أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لا تدخل ثمنها مالك، ولا تأكل. فإنّما هو الاسم، ولا يؤمن عليها إلّا المسلم.

فقال له الرّجل: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ.

فقال: كان أبي- عليه السّلام- يقول: إنما هو الحبوب وأشباهها.

محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن بشير، عن أبي عقيلة  الحسن بن أيّوب، عن داود بن كثير الرّقيّ، عن بشير  بن أبي غيلان  الشّيبانيّ قال:

سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن ذبائح اليهود والنّصارى [و النصاب‏] .قال: فلوى شدقه، وقال: كلها إلى يوم ما.

الحسن بن محبوب ، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: سألته عن رجل ذبح فسبّح أو كبر أو هلّل أو حمّد اللّه.

فقال  هذا كلّه من أسماء اللّه، ولا بأس به.

و في مجمع البيان : وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وقيل: يحلّ أكلها، إذا ترك التّسمية ناسيا بعد أن يكون معتقدا لوجوبها. ويحرم أكلها، إذا تركها متعمّدا.

عن أبي حنيفة وأصحابه، وهو المرويّ عن ائمّتنا- عليهم السّلام-.

وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ: فإنّ الفسق ما أهلّ لغير اللّه به.

و الضّمير «لما». ويجوز أن يكون للأكل الّذي دلّ عليه «لا تأكلوا».

وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ: ليوسوسون.

إِلى أَوْلِيائِهِمْ: من الكفّار.

لِيُجادِلُوكُمْ: بقولهم، تأكلون ما قتلتم أنتم وجوارحكم وتدعون ما قتله اللّه.

وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ: في استحلال ما حرّم.

إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ : فإنّ من ترك طاعة اللّه إلى طاعة غيره واتّبعه في دينه، فقد أشرك. وإنّما حسن حذف الفاء فيه، لأنّ الشّرط بلفظ الماضي.

و في كتاب تلخيص الأقوال في تحقيق أحوال الرّجال، وفي كشّي : محمّد بن مسعود قال: حدّثني عبد اللّه بن محمّد قال: حدّثني الوشّاء، عن عليّ بن عقبة، عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، [كنت‏]  أصلّي عند القبر وإذا رجل خلفي يقول: أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا .قال: فالتفت إليه وقد تأوّل [عليّ‏]  هذه الآية وما أدري من هو، وأنا أقول:

وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ. فإذا هو هارون بن سعد .

قال: فضحك أبو عبد اللّه- عليه السّلام-. ثمّ قال: إذا  أصبت  الجواب قبل  الكلام بإذن اللّه.

حمدويه  قال: حدّثني  أيّوب قال: حدّثني صفوان، عن داود بن فرقد قال:

قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ رجلا خلفي حين صلّيت المغرب في مسجد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فقال: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ . فعلمت أنّه يعنيني، فالتفت اليه فقلت: إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ. وذكر مثله إلى آخر الحديث.

أَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ: مثّل به من هداه اللّه- تعالى- وأنقذه من الضّلال، وجعل له نورا يحتجّ به وآيات يتأمّل بها في الأشياء، فيميّز بين الحقّ والباطل والمحقّ والمبطل.

و قرأ  نافع ويعقوب: «ميّتا» على الأصل.

كَمَنْ مَثَلُهُ: صفته. وهو مبتدأ خبره فِي الظُّلُماتِ. وقوله: لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها: حال من المستكنّ في الظّرف، لا من الهاء في «مثله» للفصل. وهو مثل لمن بقي على الضّلالة لا يفارقها بحال.

كَذلِكَ، كما زيّن للمؤمنين إيمانهم.زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ .

قيل : الآية نزلت  في حمزة وأبي جهل.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: أنّ الآية نزلت في عمّار بن ياسر [حين آمن‏]  وأبي جهل.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن [محمد عن‏]  محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن بريد قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول في هذه الآية: «ميتا» لا يعرف شيئا. ونُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ إماما يؤتمّ به. كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ [لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها قال:]  الّذي لا يعرف الإمام.

و في تفسير العيّاشي ، مثله.

 

و فيه  عن بريد العجليّ  قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن هذه الآية.

قال: الميت، الّذي لا يعرف هذا الشّأن، يعني: هذا الأمر. وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً إماما يأتمّ به، يعني: عليّ بن أبي طالب. [قلت: فقوله‏]  كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ [لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها]  قال  بيده هكذا: هذا الخلق الّذين  لا يعرفون شيئا.

و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب : قال الصّادق- عليه السّلام-: كان ميتا عنّا فأحييناه بنا.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: جاهلا عن  الحقّ والولاية، فهديناه إليها.

و جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ قال: النّور، الولاية. كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها، يعني: [في‏]  ولاية غير الأئمّة- عليهم السّلام-.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد عن الحسين بن زيد ، عن الحسين بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي  إبراهيم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-. قال في حديث طويل: وقال اللّه- عزّ وجلّ-: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ. فالحيّ، المؤمن الّذي تخرج طينته من طينة الكافر. والميّت الّذي يخرج من الحيّ [هو]  الكافر الّذي يخرج من طينة المؤمن.

فالحيّ، المؤمن، والميّت، الكافر. وذلك قوله- عزّ وجلّ-: أَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ. فكان موته اختلاط طينته مع طينة  الكافر. وكان حياته حين فرق اللّه- عزّ وجلّ- بينهما بكلمة . كذلك يخرج اللّه- عزّ وجلّ- المؤمن في الميلاد من الظّلمة بعد دخوله فيها إلى النّور، ويخرج الكافر من النّور إلى الظّلمة بعد دخوله الى  النّور. وذلك قوله- عزّ وجلّ-: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ .

وَ كَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها، أي: كما جعلنا في مكّة أكابر مجرميها ليمكروا فيها.

و «جعلنا» بمعنى: صيّرنا. ومفعولاه «أكابر مجرميها»، على تقديم المفعول الثّاني. أو «في كلّ قرية أكابر» «مجرميها» بدل. ويجوز أن يكون مضافا إليه.

و معنى «صيّرنا» خلّيناهم وشأنهم ولم نكفهم عن المكر.

و أفعل التّفضيل إذا أضيف، جاز فيه الإفراد والمطابقة. ولذلك قرئ: «أكبرمجرميها».

و تخصيص الأكابر، لأنّهم أقوى على استتباع النّاس والمكر بهم.

وَ ما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ: لأنّ وباله يحيق بهم.

وَ ما يَشْعُرُونَ : ذلك.

وَ إِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا، أي: الأكابر.

لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ.

روي  أنّ أبا جهل قال: زاحمنا بني عبد مناف في الشّرف حتّى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا: منّا نبيّ يوحى إليه. واللّه  ولا نرضى به إلّا أن يأتينا وحي، كما يأتيه.

فنزلت.

اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ: استئناف للرّدّ عليهم بأنّ النّبوّة ليست بالنّسب ولا بالمال، وإنّما هي بفضائل نفسانيّة يخصّ اللّه بها من يشاء من عباده، فيجتبي لرسالته من علم أنّه يصلح لها. وهو- تعالى- أعلم بالمكان الّذي فيه يضعها.

و قرأ  ابن كثير وحفص عن عاصم: «رسالته ».

سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ: ذلّ وحقارة بعد كبرهم.

عِنْدَ اللَّهِ: يوم القيامة.

و قيل : تقديره: من عند اللّه.

وَ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ : بسبب مكرهم، أو جزاء على مكرهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يعصون اللّه في السّرّ.

فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ: يعرّفه طريق الحقّ، ويوفّقه للإيمان.

يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ: فيتّسع له، ويتفسّح فيه مجاله. وهو كناية عن جعل‏النّفس قابلة للحقّ، مهيّأة لحلوله فيها، مصفّاة عمّا يمنعه وينافيه.

و في مجمع البيان : وقد وردت الرّواية الصّحيحة، أنّه لمّا نزلت هذه الآية سئل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن شرح الصّدر، ما هو؟

فقال: نور يقذفه اللّه في قلب المؤمن، فينشرح له [صدره‏]  وينفسح.

فقالوا: هل  لذلك أمارة  يعرف بها؟

قال: نعم، الإنابة إلى دار الخلود والتّجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله .

و في كتاب الاحتجاج  للطبرسيّ: روي عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه يقول- عليه السّلام-: ثمّ  إنّ اللّه- جلّ ذكره- لسعة رحمته ورأفته بخلفه وعلمه بما يحدثه  المبدّلون من تغيير كلامه ، قسّم كلامه ثلاثة أقسام: فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل، وقسما لا يعرفه إلّا من صفا ذهنه ولطف حسّه وصحّ تمييزه ممّن شرح اللّه صدره للإسلام، [و قسما: لا يعرفه الّا اللّه، وأمناؤه، والراسخون في العلم‏] .

وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً: بحيث ينبو عن قبول الحقّ، فلا يدخله الإيمان.

و قرأ  ابن كثير: «ضيقا» بالتّخفيف. ونافع وأبو بكر عن عاصم: «حرجا» بالكسر، أي: شديد الضّيق. والباقون، بالفتح وصفا بالمصدر.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن‏

 عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، عن عبد الخالق بن عبد ربّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً.

فقال: قد يكون ضيّقا وله منفذ يسمع منه ويبصر. والحرج: هو الملتأم الّذي لا منفذ له، يسمع به  ولا يبصر منه.

و في تفسير العيّاشي : عنه- عليه السّلام- أنّه قال لموسى بن أشيم : أ تدري ما الحرج؟

قال: قلت: لا.

فقال بيده وضمّ أصابعه، كالشّي‏ء المصمت ، الّذي لا يدخل فيه شي‏ء ولا يخرج منه شي‏ء.

كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ: شبّهه مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه. فإنّ صعود السّماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة. ونبّه به على أنّ الإيمان يمتنع منه، كما يمتنع عليه الصّعود إلى السّماء.

و قيل : معناه: كأنّما يتصاعد الى  السّماء، نبوا به  عن الحقّ، وتباعدا في الهرب منه.

و أصل: «يصّعّد» يتصعّد، وقد قرئ به. وقرأ  ابن كثير: «يصعد». وأبو بكر عن عاصم: «يصاعد»، بمعنى: يتصاعد.

كَذلِكَ، أي: كما يضيق صدره ويبعد قلبه عن الحقّ.

يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ : يجعل العذاب والخذلان عليهم. ووضع الظّاهر موضع المضمر، للتّعليل‏

في تفسير العيّاشي : عن الصّادق- عليه السّلام-: هو الشّكّ.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: [قال‏]  إنّ القلب ليتجلجل في الجوف يطلب الحقّ. فإذا أصابه، اطمأنّ وقرّ. ثمّ تلا : فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ (الآية).

و في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير، عن أبي جهينة  قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إنّ القلب ينقلب من [لدن‏]  موضعه إلى حنجرته ما لم يصب الحقّ. فإذا أصاب الحقّ، قرّ. [ثم ضمّ أصابعه‏]  ثمّ تلا  هذه الآية: [فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً] .

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي عمير، عن عبد الحميد بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: [قال‏]  إنّ اللّه- عزّ وجلّ- إذا أراد بعبد خيرا، نكت في قلبه نكتة من نور فأضاء لها [سمعه و]  قلبه، حتّى يكون أحرص على ما في أيديكم [منكم‏] . وإذا أراد بعبد سوءا، نكت في قلبه نكتة سوداء وأظلم لها سمعه وقلبه. ثمّ تلا: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ (الآية).

و في كتاب التّوحيد . حدّثني أبي- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم‏

 بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- إذا أراد بعبد خيرا، نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكّل به ملكا يسدّده. وإذا أراد بعبد سوء، نكت في قلبه نكتة سوداء وسدّ مسامع قلبه ووكّل به شيطانا يضلّه. ثمّ تلا هذه الآية [فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ] .

و في روضة الكافي ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في حديث طويل: واعلموا أن اللّه إذا أراد بعبد خيرا، يشرح  صدره للإسلام  فإذا  أعطاه ذلك، نطق  لسانه بالحقّ وعقد قلبه عليه فعمل  به. فإذا جمع اللّه له ذلك تمّ إسلامه، وكان عند اللّه إن مات على تلك الحال من المسلمين حقّا. وإذا لم يرد اللّه بعبد خيرا، وكلّه إلى نفسه فكان صدره ضيّقا حرجا. فإن جرى على لسانه حقّ، لم يعقد قلبه عليه. وإذا لم يعقد قلبه عليه، لم يعطه اللّه العمل به. فإذا اجتمع ذلك عليه حتّى يموت وهو على تلك الحال، و كان عند اللّه من المنافقين. وصار ما جرى على لسانه من الحقّ الّذي لم يعطه اللّه، أن يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجّة عليه. فاتّقوا اللّه واسألوه  أن يشرح صدوركم للإسلام، وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحقّ  بالحكمة حتّى يتوفّاكم وأنتم على ذلك.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في التّوحيد:

 

حدّثنا عبد الواحد  بن محمّد بن عبدوس العطّار- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا عليّ [بن‏

 محمّد]  بن قتيبة النّيشابوريّ [عن حمدان بن سليمان بن النيسابوري‏]  قال: سألت أبا الحسن الرّضا- عليه السّلام- عن هذه الآية.

فقال: من يرد اللّه أن يهديه بإيمانه في الدّنيا و إلى جنّته وإلى  دار كرامته في الآخرة، يشرح صدره للتّسليم  للّه والثّقة به والسّكون إلى ما وعده من ثوابه حتّى يطمأنّ إليه. ومن يرد أن يضلّه عن جنّته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه له في الدّنيا، يجعل صدره ضيّقا حرجا حتّى يشكّ في كفره ويضطرب من  اعتقاد  قلبه حتّى يصير، كأنّما يصّعّد في السّماء كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ.

وَ هذا: إشارة إلى البيان الّذي جاء به القرآن، أو إلى الإسلام، أو إلى ما سبق من التّوفيق والخذلان.

صِراطُ رَبِّكَ: الطّريق الّذي ارتضاه، أو عادته. أو طريقه الّذي اقتضته حكمته.

مُسْتَقِيماً: لا عوج فيه، أو عادلا مطّردا. وهو حال مؤكّدة، كقوله- تعالى-:

وَ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً. أو مقيّدة، والعامل فيها معنى الإشارة.

قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ : فيعلمون أنّ القادر هو اللّه- تعالى-، وأنّ كلّ ما يحدث من خير أو شرّ بقضائه وخلقه، وأنّه- تعالى- عالم بأحوال العباد حكيم عادل فيما يفعل بهم.

لَهُمْ دارُ السَّلامِ: دار اللّه. أضاف الجنّة إلى نفسه، تعظيما لها. أو دار السّلامة من المكاره. أو دار تحيّتهم فيها سلام.

عِنْدَ رَبِّهِمْ: في ضمانه، أو ذخيرة لهم عنده لا يعلم كنهها غيره.

وَ هُوَ وَلِيُّهُمْ: مولاهم، أو ناصرهم.بِما كانُوا يَعْمَلُونَ : بسبب أعمالهم. أو متولّيهم بجزائها، فيتولّى إيصاله إليهم.

وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً: نصب بإضمار «اذكر»، أو «نقول». والضّمير لمن يحشر من الثّقلين.

و قرأ  حفص عن عاصم وروح عن يعقوب، بالياء.

يا مَعْشَرَ الْجِنِّ، يعني: الشّياطين.

قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ، أي: من إغوائهم وإضلالهم. أو منهم، بأن جعلتموهم أتباعكم فحشروا معكم، كقولهم: استكثر الأمير من الجنود.

وَ قالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ: الّذين أطاعوهم.

رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ، أي: انتفع  الإنس بالجنّ بأن دلّوهم على الشّهوات وما يتوصّل به إليها، والجنّ بالإنس بأن أطاعوهم  وحصّلوا مرادهم.

و قيل : استمتاع الإنس بهم، أنّهم كانوا يعوذون بهم  في المفاوز [و]  عند المخاوف. واستمتاعهم بالإنس اعترافهم، بأنّهم يقدرون على إجارتهم.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : في هذه الآية قال: كلّ من والى قوما، فهو منهم وإن لم يكن من جنسهم.

وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا، أي: البعث. وهو اعتراف بما فعلوا من إطاعة الشّيطان واتّباع الهوى وتكذيب البعث، وتحسّر على حالهم.

قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ: منزلكم، أو ذات مثواكم.

خالِدِينَ فِيها: حال. والعامل فيها «مثواكم» إن جعل مصدرا، ومعنى الإضافة إن جعل مكانا.إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ.

قيل : إلّا الأوقات الّتي ينقلون فيها من النّار إلى الزّمهرير.

و قيل : إلّا ما شاء اللّه قبل الدّخول، كأنّه قيل : النّار مثواكم أبدا إلّا ما أمهلكم.

إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ: في أفعاله.

عَلِيمٌ : بأفعال الثّقلين وأحوالهم.

وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً: نكل  بعضهم إلى بعض. أو نجعل بعضهم يتولّى بعضا، فيغويهم. أو أولياء بعض وقرناءهم في العذاب، كما كانوا في الدّنيا. كذا في تفسير عليّ بن إبراهيم .

و في أصول الكافي ، بإسناده إلى أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

قال: ما انتصر اللّه من ظالم إلّا بظالم. وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً.

بِما كانُوا يَكْسِبُونَ : من الكفر والمعاصي.

 مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ‏

 الرّسل من الإنس خاصّة، لكن لما جمعوا مع الجنّ في الخطاب صحّ ذلك. ونظيره:

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ. والمرجان يخرج من الملح دون العذب. وتعلّق بظاهره قوم وقالوا: بعث إلى كلّ من الثّقلين رسل من جنسهم.

و قيل : الرّسل من الجنّ، رسل الرّسل إليهم بقوله- تعالى-: وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ.و في كتاب العيون ، في خبر الشّاميّ: أنّه سأل أمير المؤمنين، هل بعث اللّه- تعالى- نبيّا إلى الجنّ؟

فقال: نعم، بعث إليهم نبيّا يقال له: يوسف. فدعاهم إلى اللّه- عزّ وجلّ-، فقتلوه.

و عن الباقر - عليه السّلام- في حديث: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أرسل محمّدا إلى الجنّ والإنس.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: هو الّذي أسكن الدّنيا خلقه. وبعث إلى الجنّ والإنس رسله، ليكشفوا لهم عن  غطائها، وليحذروهم من  ضرّائها، وليضربوا لهم أمثالها، وليبصّروهم عيوبها، ولينهجوا  عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها  وأسقامها وحلالها وحرامها  وما أعدّ اللّه- سبحانه- للمطيعين منهم والعصاة من [جنّة ونار وكرامة]  وهوان.

ُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا

: يوم القيامة.

لُوا

: جوابا.

ِدْنا عَلى أَنْفُسِنا

: بالجرم والعصيان. وهو اعتراف منهم بالكفر واستيجاب العذاب.

غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ‏

 :

ذمّ لهم على سوء نظرهم وخطأ رأيهم. فإنّهم اغترّوا بالحياة الدّنياويّة واللّذات المخدجة ،و أعرضوا عن الآخرة بالكلّيّة حتّى كان عاقبة أمرهم أن اضطرّوا إلى الشّهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب، تحذيرا للسّامعين من مثل حالهم.

ذلِكَ: إشارة إلى إرسال الرّسل. وهو خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمر ذلك.

أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ : تعليل للحكم.

و «أن» مصدريّة، أو مخفّفة من الثقيلة ، أي: الأمر ذلك، لانتفاء كون ربّك أو لأنّ الشّأن لم يكن ربّك مهلك القرى بسبب ظلم فعلوه. أو ملتبسين  بظلم. أو ظالما وهم غافلون لم ينبّهوا برسول. أو بدل من «ذلك».

وَ لِكُلٍّ: من المكلّفين.

دَرَجاتٌ: مراتب.

مِمَّا عَمِلُوا: من أعمالهم، أو من جزائها، أو من أجلها.

وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ : فيخفى عليه عمل، أو قدر ما يستحقّ به من ثواب أو عقاب.

و قرأ  ابن عامر، بالتّاء، على تغليب الخطاب على الغيبة.

وَ رَبُّكَ الْغَنِيُّ: عن العبادة.

ذُو الرَّحْمَةِ: يترحّم عليهم بالتكلّيف، تكميلا لهم ويمهلهم على المعاصي.

و فيه تنبيه على، أنّ ما سبق ذكره من الإرسال ليس لنفعه بل لترحّمه على العباد، وتأسيس لما بعده وهو قوله- تعالى-: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ، أي: ما به إليكم حاجتي . «إن يشأ يذهبكم»، أيها  العصاة.

وَ يَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ: من الخلق.

كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ، أي: قرنا بعد قرن. لكنّه‏أبقاكم ترحّما عليكم.

إِنَّ ما تُوعَدُونَ: من البعث وأحواله.

لَآتٍ: لكائن لا محالة.

وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ : طالبكم به.

و قيل : بخارجين من  ملكه.

يقال: أعجزني كذا، أي: فاتني وسبقني.

قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ: في غاية تمكّنكم واستطاعتكم. يقال:

مكن مكانة: إذا تمكّن أبلغ التّمكّن. أو على ناحيتكم وجهتكم الّتي أنتم عليها. من قولهم: مكان ومكانة، لمقام ومقامة.

و قرأ  أبو بكر عن عاصم: «مكاناتكم» بالجمع في كلّ القرآن، وهو أمر تهديد.

و المعنى: اثبتوا على كفركم وعداوتكم.

إِنِّي عامِلٌ: على ما كنت عليه من المصابرة والثّبات على الإسلام.

و التّهديد بصيغة  الأمر، مبالغة في الوعيد كأنّ المهدّد يريد تعذيبه مجمعا عليه فيحمله بالأمر على ما يفضي إليه، وتسجيل بأنّ المهدّد لا يتأتّى منه إلّا الشّرّ، كالمأمور به الّذي لا يقدر أن يتفصّى  عنه.

فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ.

إن جعل «من» استفهاميّة بمعنى: أيّنا تكون له العاقبة الحسنى الّتي خلق اللّه لها هذه الدّار، فمحلّها الرّفع، وفعل العلم معلّق عنه. وإن جعلت خبريّة، فالنّصب «بتعلمون»، أي: فسوف تعرفون الّذي يكون له العاقبة.

و فيه مع الإنذار، إنصاف في المقال وحسن الأدب، وتنبيه على وثوق المنذر بأنّه محقّ.و قرأ  حمزة والكسائيّ: «يكون» بالياء. لأنّ تأنيث العاقبة غير حقيقيّ.

إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ : وضع الظّالمين موضع الكافرين، لأنّه أعمّ وأكثر فائدة.

وَ جَعَلُوا، أي: مشركو العرب.

لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ: خلق اللّه.

مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً، فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ: من غير أن يؤمروا به.

وَ هذا لِشُرَكائِنا: أصنامهم الّتي أشركوها في أموالهم.

فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ.

و في قوله: «بزعمهم» تنبيه على أنّ ذلك ممّا اخترعوه، لم يأمرهم اللّه به.

و قرأ  الكسائيّ، بالضّمّ، في الموضعين. وهو لغة فيه. وقد جاء فيه الكسر- أيضا-.

ساءَ ما يَحْكُمُونَ : حكمهم هذا.

روي : أنّهم كانوا يعيّنون شيئا من حرث ونتاج للّه ويصرفونه إلى الضّيفان والمساكين، وشيئا منهما لآلهتهم وينفقونه  على سدنتها ويذبحون عندها. ثمّ إن رأوا ما عيّنوا للّه أزكى، بدّلوه بما لآلهتهم. وإن رأوا ما لآلهتهم أزكى، تركوه لها حبّا لآلهتهم.

و اعتلّوا لذلك، بأنّ اللّه غنيّ.

و في مجمع البيان : عن أئمّتنا- عليهم السّلام-: [إنّه‏]  كان إذا  اختلط ما جعل للأصنام بما جعل للّه، ردّوه. وإذا اختلط ما جعل للّه بما جعلوه  للأصنام، تركوه‏و قالوا: اللّه غنيّ . وإذا انخرق  الماء من الّذي للّه في الّذي للأصنام، لم يسدّوه. وإذا انخرق  من الّذي للأصنام في الّذي للّه، سدّوه وقالوا: اللّه غنيّ .

قيل : وفي قوله: «ممّا ذرأ» تنبيه على فرط جهالتهم. فإنّهم أشركوا الخالق في خلقه جمادا لا يقدر على شي‏ء، ثمّ رجّحوه عليه بأن جعلوا الزّاكي له.

وَ كَذلِكَ، مثل ذلك التّزيين في قسمة القربات.

زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ: بالوأد، خيفة العيلة أو العار. أو نحرهم لآلهتهم.

شُرَكاؤُهُمْ: من الجنّ، أو من السّدنة. وهو فاعل «زيّن».

و قرأ  ابن عامر: «زيّن» على البناء للمفعول الّذي هو القتل، ونصب الأولاد، وجرّ الشّركاء بإضافة القتل إليه مفصولا بينهما بمفعوله. وهو ضعيف في العربيّة، معدود من ضرورات الشّعر.

و قرئ ، بالبناء للمفعول، وجرّ «أولادهم» ورفع «شركاؤهم» بإضمار فعل دلّ عليه «زيّن».

لِيُرْدُوهُمْ: ليهلكوهم بالإغواء.

وَ لِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ: وليخلطوا عليهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل- عليه السّلام-. أو ما وجب عليهم أن يتديّنوا به.

و «الّلام» للتعلّيل إن كان التّزيين من الشّياطين، وللعاقبة إن كان من السّدنة.

وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ: ما فعل المشركون ما زيّن لهم، أو الشّركاء التّزيين، أو الفريقان جميع ذلك.

فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ : افتراءهم. أو ما يفترونه من الإفك.

وَ قالُوا هذِهِ: إشارة إلى ما جعل لآلهتهم.

أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ: حرام. فعل بمعنى: مفعول، كالذّبح يستوي فيه الواحد والكثير والذّكر والأنثى.

و قرئ : «حجر» بالضّمّ. وحرج، أي: مضيق.

لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ: من خدم الأوثان والرّجال دون النّساء.

بِزَعْمِهِمْ: من غير حجّة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: كانوا يحرمون على قوم.

وَ أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها، يعني: البحائر والسّوائب والحوامي.

وَ أَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا: في الذّبح. وإنّما يذكرون أسماء الأصنام عليها.

و قيل : لا يحجّون على ظهورها.

افْتِراءً عَلَيْهِ: نصب على المصدر، لأنّ ما قالوا تقوّل على اللّه- تعالى-. والجارّ متعلّق «بقالوا»، أو بمحذوف هو صفة له.

أو على الحال، أو المفعول له. والجار متعلّق به، أو بالمحذوف.

سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ : بسببه أو بدله.

وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ، يعنون: أجنّة البحائر والسّوائب.

خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا: حلال للذّكور خاصّة دون الإناث إن ولد حيًّا، لقوله: وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ: فالذّكور والإناث فيه سواء.

و تأنيث «الخالصة» للمعنى، فإنّ «ما» في معنى: الأجنّة. ولذلك وافق عاصم في رواية أبي بكر ابن عامر في «تكن» بالتّاء، وخالفه هو وابن كثير في «ميتة» فنصب كغيرهم. أو التّاء فيه للمبالغة، كما في رواية الشّعر. وهو مصدر، كالعافية وقع موقع الخالص.و قرئ ، بالنّصب، على أنّه مصدر مؤكّد والخبر «لذكورنا». أو حال من الضّمير الّذي هو في الظّرف، لا من الّذي في «ذكورنا»، ولا من الذّكور. لأنّها لا تتقدّم على العامل المعنويّ ولا على صاحبها المجرور.

و قرئ : «خالص» بالرّفع والنّصب. و«خالصة» بالرّفع والإضافة إلى الضّمير، على أنّه بدل من «ما»، أو مبتدأ ثان. والمراد به ما كان حيّا. والتّذكير في «فيه»، لأنّ المراد بالميتة ما يعمّ الذكور والأنثى، فغلّب الذّكر.

سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ، أي: جزّاء وصفهم الكذب على اللّه- تعالى- في التّحريم والتّحليل. من قوله- تعالى-: وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ.

إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ  قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً: يريد بهم العرب الّذين كانوا يقتلون بناتهم، مخافة السّبي والفقر.

و قرأ  ابن كثير وابن عامر: «قتّلوا» بالتّشديد، بمعنى: التّكثير.

بِغَيْرِ عِلْمٍ: لخفّة عقلهم، وجهلهم بأنّ اللّه رازق أولادهم.

و يجوز نصبه على الحال، أو المصدر.

وَ حَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ: من البحائر والسّبائب ونحوها.

افْتِراءً عَلَى اللَّهِ: يحتمل الوجوه المذكورة في مثله.

قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ : إلى الحقّ والصّواب.