سورة الحجّ‏ الآية 21-40

وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ : سياط منه يجلدون بها. جمع مقمعة، وحقيقتها ما يقمع به، أي: يكفّ بعنف.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ. قال: نحن وبنو أميّة. نحن قلنا: صدق اللّه ورسوله. وقالت بنو أميّة: كذب اللّه ورسوله. فَالَّذِينَ كَفَرُوا يعني بني أميّة قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ- إلى قوله تعالى:- حَدِيدٍ. قال: [تشويه النار، فتسترخي شفته [السفلى‏]  حتى تبلغ سرّته. وتقلّص شفته العليا حديد» قال:]  الأعمدة الّتي يضربون بها.

كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها: من النّار.

مِنْ غَمٍّ: من غمومها. بدل من الهاء بإعادة الجارّ.

أُعِيدُوا فِيها، أي: فخرجوا، أعيدوا. لأنّ الإعادة لا تكون إلّا بعد الخروج.

و قيل: يضربهم لهيب النّار، فيرفعهم إلى أعلاها. فيضربون بالمقامع، فيهوون فيها.

وَ ذُوقُوا، أي: وقيل لهم: ذوقوا عَذابَ الْحَرِيقِ : النّار البالغة في الإحراق.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله- عزّ وجلّ-: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها [ضربا بتلك الأعمدة]  وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ. فإنّه‏

حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- خوّفني، فإنّ قلبي قد قسا. فقال:

يا أبا محمّد، استعدّ للحياة الطّويلة. فإنّ جبرئيل جاء إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو قاطب. وكان قبل ذلك يجي‏ء متبسّما. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا جبرئيل! جئتني اليوم قاطبا! فقال: يا محمّد، وضعت منافخ النّار. فقال:

و ما منافخ النّار يا جبرئيل؟ فقال: يا محمّد، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أمر بالنّار، فنفخ عليهاألف عام، حتّى ابيضّت. ثمّ نفخ عليها ألف عام، حتّى احمرت. ثمّ نفخ عليها ألف عام، حتّى اسودّت. فهي سوداء مظلمة.

و لو أنّ قطرة من الضّريع قطرت في شراب [أهل‏]  الدّنيا، لمات أهلها من نتنها. ولو أنّ حلقة واحدة  من السّلسلة الّتي طولها سبعون ذراعا وضعت على الدّنيا، لذابت الدّنيا  من حرّها. ولو أنّ سربالا من سرابيل أهل النّار علّق بين السّماء والأرض، لمات أهل الأرض من ريحه ووهجه.

قال: فبكى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وبكى جبرئيل. فبعث اللّه إليهما ملكا فقال لهما: إنّ ربّكما يقرئكما السّلام ويقول: قد آمنتكما أن تذنبا ذنبا أعذّبكما عليه.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: فما رأى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [جبرئيل‏]  متبسّما بعد ذلك. ثمّ قال: إنّ أهل النّار يعظّمون النّار. وإنّ أهل الجنّة يعظّمون الجنّة والنّعيم. وإنّ [أهل‏]  جهنّم إذا دخلوها، هووا فيها مسيرة سبعين عاما. فإذا [بلغوا أعلاها]  قمعوا بمقامع الحديد، وأعيدوا في دركها.

هذه حالهم . وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ. ثمّ تبدّل جلودهم غير الجلود  الّتي كانت عليهم.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: حسبك يا أبا محمّد؟ قلت: حسبي، حسبي.

و في مجمع البيان : وقد روي أنّ اللّه- تبارك وتعالى- يجوّعهم حتّى ينسوا عذاب النّار من شدّة الجوع . فيصرفون إلى مالك، فيحملهم إلى تلك الشّجرة. وفيهم أبو جهل. فيأكلون منها فتغلي بطونهم كغلي الحميم. فيسقون  شربة من الماء الحارّ الّذي بلغ نهايته في الحرارة. فإذا قرّبوها  من وجوههم، شوت وجوههم. فذلك قوله - تعالى-:

يَشْوِي الْوُجُوهَ. فإذا وصل إلى بطونهم، صهر ما في بطونهم كما قال- سبحانه-:يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ.

و قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:  من شرب الخمر، لم يقبل له صلاة أربعين يوما. فإن مات، وفي بطنه شي‏ء من ذلك، كان حقّا على اللّه- عزّ وجلّ- أن يسقيه من طينة خبال. وهو صديد أهل النّار، وما يخرج من فروج الزّناة. فيجتمع ذلك في قدور جهنّم، فيشربه أهل النّار، ف يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ. رواه شعيب  بن واقد  عن الحسين بن زيد، عن الصّادق، عن آبائه- عليهم السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله.

 

و روى أبو سعيد الخدريّ  قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [في قوله:]  وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ: لو وضع مقمع من حديد في الأرض، ثمّ اجتمع عليه الثّقلان، ما أقلّوه من الأرض.

و عن علا بن سيابة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [قال:]  قلت له: إنّ النّاس يتعجّبون  منّا إذا قلنا: يخرج من النّار قوم فيدخلون الجنّة. فيقولون لنا: فيكونون مع أولياء اللّه [في الجنّة] !؟ فقال: يا علا، إنّ اللّه يقول : وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ. لا واللّه، ما يكونون مع أولياء اللّه.

قلت: كانوا كافرين؟ قال: لا واللّه، لو كانوا كافرين، ما دخلوا الجنّة.

قلت: كانوا مؤمنين؟ قال: لا واللّه، لو كانوا مؤمنين، ما دخلوا النّار. ولكن بين ذلك.

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ:

غيّر الأسلوب فيه، وأسند الإدخال إلى اللّه- تعالى- وأكّده ب «إنّ» إحمادا لحال المؤمنين وتعظيما لشأنهم.يُحَلَّوْنَ فِيها:

من: حلّيت المرأة: إذا ألبست الحليّ.

و قرئ  بالتّخفيف. والمعنى واحد.

مِنْ أَساوِرَ:

صفة مفعول محذوف. و«أساور» جمع أسورة، وهي جمع سوار.

مِنْ ذَهَبٍ:

بيان له.

وَ لُؤْلُؤاً:

عطف عليها، لا على «ذهب»- لأنّه لم يعهد السّوار منه- إلّا أن يراد المرصّعة به.

و نصبه نافع وعاصم، عطفا على محلّها، أو إضمار النّاصب، مثل: ويؤتون.

و روى  حفص بهمزتين.

و قرئ : «لؤلوا» بقلب الثّانية واوا. و«لوليا» بقلبهما واوين، ثمّ قلب الثّانية ياء.

و «ليليا» بقلبهما ياءين. و«لول» كأدل.

وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ :

غيّر أسلوب الكلام فيه، للدّلالة على أنّ الحرير ثيابهم المعتادة. أو للمحافظة على هيئة الفواصل.

و في تفسير علىّ بن إبراهيم : ثمّ ذكر- سبحانه- ما أعدّه للمؤمنين. فقال- جلّ ذكره-: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ- إلى قوله تعالى:- وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ.

حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير قال، قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، شوّقني. فقال:

يا أبا محمّد، إنّ من أدنى نعيم الجنّة أن يوجد ريحها من مسيرة ألف عام من مسافة الدّنيا. وإنّ أدنى أهل الجنّة منزلا، لو نزل به الثّقلان- الجنّ والإنس- لوسعهم طعاما وشرابا، ولا ينقص ممّا عنده شي‏ء . وإنّ أيسر أهل الجنّة منزلة من يدخل الجنّة فيرفع له ثلاث حدائق. فإذا دخل أدنا هنّ، رأى فيها من الأزواج والخدم والأنهار والثّمار ما شاءاللّه، ممّا يملأ عينه قرّة وقلبه مسرّة. فإذا شكر اللّه وحمده، قيل له: ارفع رأسك إلى الحديقة الثّانية! ففيها ما ليس في الأولى . فيقول يا ربّ، أعطني هذه! فيقول اللّه- تعالى-: إن أعطيتكها، سألتني غيرها. فيقول: يا ربّ، هذه! هذه! فإذا هو دخلها، شكر اللّه وحمده.

قال: فيقال: افتحوا له بابا إلى الجنّة . ويقال له: ارفع رأسك. فإذا قد فتح له باب من الخلد، ويرى أضعاف ما كان فيما قبل. فيقول عند مضاعفة  مسرّاته: ربّ، لك الحمد الّذي لا يحصى، إذ مننت عليّ بالجنان، وأنجيتني من النّيران.

قال أبو بصير: فبكيت و قلت له: جعلت فداك، زدني! قال: يا أبا محمّد، إنّ في الجنّة نهرا في حافّتيه  جوار نابتات. إذا مرّ المؤمن بجارية أعجبته، قلعها. وأنبت اللّه- عزّ وجلّ- مكانها أخرى.

قلت: جعلت فداك، زدني! قال : يا أبا محمّد، المؤمن يزوّج ثمانمائة عذراء وأربعة آلاف ثيّب وزوجتين من الحور العين.

قلت: جعلت فداك، ثمانمائة عذراء!؟ قال: نعم، ما يفترش منهنّ  شيئا، إلّا وجدها كذلك.

قلت: جعلت فداك، من أيّ شي‏ء خلقهنّ  الحور العين؟ قال: من تربة الجنّة النّورانيّة. ويرى مخّ ساقيها  من وراء سبعين حلّة. كبدها مرآته، وكبده مرآتها.

قلت: جعلت فداك، أ لهنّ كلام يتكلّمن به في الجنّة ؟ قال: نعم، كلام لم يسمع الخلائق أعذب منه .

قلت: ما هو قال: يقلن [بأصوات رخيمة] : نحن الخالدات، فلا نموت. ونحن النّاعمات، فلا نبؤس. ونحن المقيمات، فلا نظعن. ونحن الرّاضيات، فلا نسخط. طوبى‏لمن خلق لنا. وطوبى لمن خلقنا له. ونحن اللّواتي لو أنّ قرن إحدانا  علّق في جوّ السّماء لأغشى نوره الأبصار.

فهاتان الآيتان وتفسيرهما ردّ على من أنكر خلق الجنّة والنّار.

وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ:

و هو قولهم: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ . أو كلمة التّوحيد.

وَ هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ : المحمود نفسه، أو عاقبته، وهو الجنّة. أو الحقّ، أو المستحقّ لذاته لغاية  الحمد، وهو اللّه- تعالى- وصراطه الإسلام.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ.

قال: التّوحيد والإخلاص. وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ. قال: إلى الولاية.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه، عمّن ذكره، عن حنان أبي عليّ، عن ضريس الكناسيّ قال: سألت أبا جعفر - عليه السّلام- عن قول اللّه: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ. فقال: هو- واللّه- هذا الأمر الّذي أنتم عليه.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد [عن محمّد]  بن أورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله:

وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ قال: ذلك حمزة وجعفر وعبيدة وسلمان وأبو ذرّ والمقداد بن الأسود وعمّار. هدوا إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام.

و في مجمع البيان : وروي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: ما أحد أحبّ إليه الحمد من اللّه- عزّ  ذكره.

و في شرح الآيات الباهرة : انّ قوله- تعالى-: هذانِ خَصْمانِ- إلى قوله:- الْحَرِيقِ» نزلت في شيبة وعتبة والوليد أهل بدر، على ما يأتي بيانه. وقوله:إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ- إلى قوله:- صِراطِ الْحَمِيدِ نزلت في عليّ اللّه- عليه السّلام- وحمزة وعبيدة يوم بدر، على ما يأتى تأويله.

و هو ما رواه محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- عن إبراهيم بن عبد اللّه بن مسلم ، عن حجّاج بن منهال بإسناده إلى قيس بن عبّاد، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- أنّه قال: أنا أوّل من يجثو للخصومة بين يدي الرّحمن.

و قال قيس: وفيهم نزلت هذه الآية: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ. وهم الّذين تبارزوا يوم بدر: عليّ- عليه السّلام- وحمزة وعبيدة [و شيبة وعتبة والوليد.

و روى محمّد بن يعقوب - رحمه اللّه- عن عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد البرقيّ، عن أبيه، عن محمّد بن‏]  الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا بولاية عليّ [و الأئمّة]  قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ:

لا يريد به حالا ولا استقبالا، وإنّما يريد استمرار الصّدّ منهم، كقولهم: فلان يعطي ويمنع. ولذلك حسن عطفه على الماضي.

و قيل:  وحال من فاعل «كفروا»، وخبر «إنّ» محذوف دلّ عليه آخر الآية. أي:

معذّبون.

وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ:

عطف على اسم اللّه.

و أوّله الحنفيّة بمكّة. واستشهدوا بقوله: الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ- أي: المقيم والطارئ- على عدم جواز بيع دورها وإجارتها.

قيل : وهو مع ضعفه معارض بقوله - تعالى-: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ.

و «سواء» خبر مقدّم، والجملة مفعول ثان ل «جعلناه» ويكون «للنّاس» حالا من‏الهاء، وإلّا فحال من المستكنّ فيه.

و نصبه  حفص، على أنّه المفعول أو الحال و«العاكف» مرتفع به.

و قرئ : «العاكف»- بالجرّ- على أنّه بدل من النّاس.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ. قال: نزلت في قريش حين صدّوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن مكّة. وقوله: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ. قال: أهل مكّة ومن جاء إليهم من البلدان. فهم سواء لا يمنع من النّزول ودخول الحرم.

و في نهج البلاغة : من كتاب كتبه إلى قثم بن العبّاس- رحمهما اللّه- وهو عامله على مكّة: وأمر أهل مكّة أن لا يأخذوا من ساكن  أجرا. فإنّ اللّه- سبحانه- يقول:

سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ. فالعاكف: المقيم به. والبادي: الّذي يحجّ إليه من غير أهله.

و في قرب الإسناد للحميريّ  بإسناده إلى أبي جعفر، عن أبيه، عن عليّ- عليهم السّلام- كره إجارة بيوت مكّة وقرأ: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ.

و في تهذيب الأحكام : موسى بن القاسم، عن صفوان بن يحيى، عن الحسين بن أبي العلا قال: ذكر أبو عبد اللّه- عليه السّلام- هذه الآية سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ فقال: كانت مكّة ليس على شي‏ء منها باب . وكان أوّل من علّق على بابه المصراعين معاوية بن أبي سفيان [لعنه اللّه‏] . وليس ينبغي لأحد أن يمنع الحاجّ شيئا من الدّور ومنازلها.

و في كتاب علل الشّرائع : حدّثنا أبي- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد وعبد اللّه ابني محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن‏

 عثمان النّاب، عن عبيد اللّه  بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ. فقال:

لم يكن ينبغي أن يصنع  على دور مكّة أبواب، لأنّ للحاجّ أن ينزلوا معهم في دورهم في ساحة الدّار، حتّى يقضوا مناسكهم. وإنّ أوّل من جعل لدور مكّة أبوابا معاوية- لعنة اللّه عليه.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلا قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ معاوية أوّل من علّق على بابه مصراعين بمكّة، فمنع حاجّ بيت اللّه. ما قال اللّه- عزّ وجلّ-: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ. وكان النّاس  إذا قدموا مكّة، نزل البادي على الحاضر حتّى يقضي حجّه.

و كان معاوية صاحب السّلسلة الّتي قال اللّه - عزّ وجلّ-: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ. وكان فرعون هذه الأمّة.

و في تهذيب الأحكام : موسى بن القاسم، عن ابن أبي عمير- إلى أن قال:- وعنه، عن عبد الرّحمن، عن حمّاد، عن حريز قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن الطّواف بغير أهل  مكّة ممّن جاور بها أفضل أو الصّلاة. فقال: الطّواف للمجاورين أفضل. والصّلاة لأهل مكّة والقاطنين بها أفضل من الطّواف.

و عنه ، عن عبد الرّحمن، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، وحمّاد وهشام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا أقام  الرّجل بمكّة سنة، فالطّواف أفضل. وإذا أقام  سنتين، خلط من هذا وهذا. فإذا أقام  ثلاث سنين، فالصّلاة أفضل.

موسى بن القاسم قال : حدّثنا عبد الرحمن، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من أقام بمكّة سنتين، فهو من أهل مكّة،لا متعة له.

فقلت لأبي جعفر: أ رأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكّة؟ قال: فلينظر أيّهما الغالب عليه، فهو من أهله.

و عنه ، عن محمّد بن عذافر، عن عمر  بن يزيد قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ إلى سنتين. فإذا جاوز سنتين، كان قاطنا، وليس له أن يتمتّع.

و عنه ، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-: لأهل مكّة أن يتمتّعوا؟ فقال: لا، ليس لأهل مكّة أن يتمتّعوا.

قال: قلت: فالقاطنون بها؟ قال: إذا أقاموا سنة أو سنتين، صنعوا كما يصنع أهل مكّة. فإذا أقاموا شهرا، فإنّ لهم أن يتمتّعوا.

قلت: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم.

قلت: من أين يهلّون بالحجّ؟ قال: من مكّة نحوا ممّا يقول النّاس.

وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ:

ممّا ترك مفعوله، ليتناول كلّ متناول.

و قرئ  بالفتح، من الورود.

بِإِلْحادٍ: عدول عن القصد بِظُلْمٍ: بغير حقّ.

و هما حالان مترادفان. أو الثّاني بدل من الأوّل، بإعادة الجارّ. أو صلة له. أي:

ملحدا بسبب الظّلم، كالإشراك واقتراف الآثام.

نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ :

جواب ل «من».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. قال: نزلت فيمن يلحد بأمير المؤمنين- عليه السّلام- [و يظلمه‏] .

و في كتاب علل الشّرائع : أبي- رحمة اللّه عليه - قال: حدّثنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن [محمّد بن‏]  عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. فقال: كلّ ظلم يظلم به الرّجل نفسه بمكّة- من سرقة، أو ظلم أحد، أو شي‏ء من الظّلم- فإنّي أراه إلحادا.

و لذلك كان ينهى أن يسكن الحرم.

حدّثنا محمّد بن الحسن  قال: [حدّثنا محمد بن الحسن الصفّار قال:]  حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان ومعاوية بن حفص، عن منصور جميعا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان أبو عبد اللّه- عليه السّلام- في المسجد الحرام. فقيل له: إنّ سبعا من سباع الطّير على الكعبة ليس يمرّ به شي‏ء من حمام الحرم إلّا ضربه. فقال: انصبوا له واقتلوه، فإنّه قد ألحد في الحرم.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة وعليّ بن عبد اللّه، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [في قول اللّه- عزّ وجلّ:]  وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ قال: نزلت فيهم، حيث دخلا الكعبة، فتعاهدوا وتعاقدوا على كفرهم وجحودهم بما نزل في أمير المؤمنين- عليه السّلام-. فألحدوا في البيت بظلمهم الرّسول ووليّه. فبعدا للقوم الظّالمين.

و في الكافي : عن ابن أبي عمير، عن معاوية قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ. قال: كلّ ظلم إلحاد.

و ضرب الخادم من غير ذنب من ذلك الإلحاد.محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ. قال: كلّ ظلم إلحاد وضرب الخادم في غير ذنب.

و في روضة الكافي : ابن محبوب، عن أبي ولّاد وغيره من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ ذكره-: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ  فقال:

من عبد فيه غير اللّه- عزّ وجلّ- أو تولّى فيه غير أولياء اللّه، فهو ملحد بظلم. وعلى اللّه- تبارك وتعالى- أن يذيقه من عذاب أليم.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبان، عن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن أدنى الإلحاد. فقال: إنّ الكبر أدناه.

و في تهذيب الأحكام : روى موسى بن القاسم، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا ثمّ قال:

 

و عنه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ.

قال: كلّ الظّلم فيه الحاد. حتّى لو ضربت خادمك ظلما، خشيت  أن يكون إلحادا.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. فقال: كلّ ظلم يظلم الرّجل نفسه بمكّة- من سرقة، أو ظلم أحد، أو شي‏ء من الظّلم- فإنّي أراه إلحادا.و لذلك كان يتّقي أن يسكن الحرم.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار قال:

 

حدّثني إسماعيل بن جابر قال: كنت فيما بين مكّة والمدينة أنا وصاحب لي. فتذاكرنا الأنصار. فقال أحدنا: هم [نزّاع من قبائل. وقال: أحدنا هم‏]  من أهل اليمن.

قال: فانتهينا إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وهو جالس في ظلّ شجرة. فابتدأ الحديث- ولم نسأله- فقال:

 [إنّ تبّعا]  لمّا أن جاء من قبل العراق، وجاع معه العلماء وأبناء الأنبياء، فلمّا انتهى إلى هذا الوادي لهذيل، أتاه ناس من بعض القبائل. فقالوا: إنّك تأتي أهل بلدة قد لعبوا بالنّاس زمانا طويلا حتّى اتّخذوا بلادهم حرما وبيتهم  ربّا أو ربّة. فقال: إن كان كما تقولون، قتلت مقاتليهم، وسبيت ذرّيّتهم وهدمت بنيتهم .

قال: فسالت عيناه حتّى وقعتا على خدّيه. قال: فدعا العلماء وأبناء الأنبياء فقال:

انظروني وأخبروني لما أصابني هذا.

قال: فأبوا أن يخبروه حتّى عزم عليهم. قالوا: حدّثنا بأيّ شي‏ء حدّثت نفسك؟ قال:

حدّثت نفسي أن أقتل مقاتليهم ، وأسبي ذرّيّتهم، وأهدم بنيتهم . فقالوا إنا لا ندري الّذي أصابك إلّا لذلك. قال: ولم هذا؟ قالوا: لأنّ البلد حرم اللّه، والبيت بيت اللّه، وسكّانه ذرّيّة إبراهيم خليل الرّحمن. فقال: صدقتم فما مخرجي  ممّا وقعت فيه؟ قالوا:

تحدّث نفسك [بغير ذلك. فعسى اللّه أن يردّ عليك.

قال: فحدث نفسه بخير. فرجعت صدقتاه حتى ثبتتا مكانهما.

قال: فدعا بالقوم‏]  الّذين أشاروا عليه يهدمها، فقتلهم. ثمّ أتى البيت وكساه وأطعم الطّعام ثلاثين يوما، كلّ يوم [مائة]  جزور، حتّى حملت الجفان إلى السّباع في رؤوس‏الجبال، ونثرت الأعلاف في الأدوية للوحش.

ثمّ انصرف من مكّة إلى المدينة. فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسّان. وهم الأنصار.

و في رواية أخرى: كساه النّطاع وطيّبه.

وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ، أي: واذكر إذ عيّنّاه، وجعلناه  له مباءة.

و قيل : اللّام زائدة ومكان ظرف. أي: وإذ أنزلناه فيه.

قيل : رفع البيت الى السّماء، أو انطمس أيّام الطّوفان، فأعلم [اللّه‏]  إبراهيم مكانه بريح أرسلها، فكنست ما حوله. فبناه على أسّه القديم.

أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ :

 «أن» مفسّرة ل «بوّأنا» من حيث إنّه تضمّن معنى تعبّدنا. لأنّ التّبوئة من أجل العبادة. أو مصدريّة موصولة بالنّهي. أي: فعلنا ذلك، لئلّا تشرك بعبادتي، وتطهّر بيتي من الأوثان والأقذار  لمن يطوف به ويصلّي فيه. ولعلّه عبّر عن الصّلاة بأركانها، للدّلالة على أنّ كلّ واحد منها مستقلّ باقتضاء ذلك، كيف وقد اجتمعت.

و قرئ : «يشرك» بالياء.

و قرأ  نافع وحفص وهشام: «بيتي» بالفتح.

و في الكافي : حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن محمّد الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تعالى- قال  في كتابه: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. فينبغي للعبد أن لا يدخل مكّة، إلّا وهو طاهر، وقد غسل عرقه والأذى، وتطهّر.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا عن‏

 ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ للّه - تبارك وتعالى- حول الكعبة عشرين ومائة رحمة. منها ستّون للطّائفين، وأربعون للمصلّين، وعشرون للنّاظرين.

و في تهذيب الأحكام : روى الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن عمران الحلبيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-: أ تغسل النّساء إذا أتين البيت؟ فقال:

نعم إنّ اللّه- تعالى- يقول: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ.

و ينبغي للعبد أن لا يدخل إلّا وهو طاهر، قد غسل عنه العرق والأذى، وتطهّر.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، عن عيسى بن داود قال: قال الإمام موسى بن جعفر- عليهما السّلام-: قوله- تعالى-: طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ يعني بهم آل محمد- صلوات اللّه عليهم.

و في كتاب التّوحيد  بإسناده إلى محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عمّا يروون أنّ اللّه- عزّ وجلّ- خلق آدم على صورته. فقال: هي صورة محدثة مخلوقة اصطفاها اللّه، واختارها على سائر الصّور المختلفة. فأضافها إلى نفسه- كما أضاف الكعبة إلى نفسه والرّوح إلى نفسه- فقال: «بيتي» وقال : نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي.

وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: ناد فيهم.

و قرئ : «آذن».

و قيل : الخطاب لرسول اللّه. أمر بذلك في حجّة الوداع.

بِالْحَجِّ: بدعوة الحجّ والأمر به.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، والحسين بن محمّد، عن عبد اللّه  بن عامر،

 و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، [جميعا عن أحمد بن محمّد]  بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن عقبة بن بشير، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: إنّ اللّه- تعالى- أمر إبراهيم ببناء الكعبة، وأن يرفع قواعدها، ويري النّاس مناسكهم. فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت كلّ يوم سافا ، حتّى انتهى إلى موضع الحجر الأسود.

ثمّ قال أبو جعفر- عليه السّلام-: فنادى أبو قبيس إبراهيم- عليه السّلام-: إنّ لك عندي وديعة. فأعطاه  الحجر. فوضعه موضعه. ثمّ إنّ إبراهيم- عليه السّلام- أذّن في النّاس بالحجّ فقال: يا أيّها النّاس! إنّي إبراهيم خليل اللّه. إنّ اللّه يأمركم  أن تحجّوا هذا البيت، فحجّوه. فأجابه من يحجّ إلى يوم القيامة. وكان أوّل من أجابه من أهل اليمن.

و في كتاب علل الشّرائع : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال:

 

حدّثنا أحمد وعليّ ابنا الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عمرو بن سعيد المدائنيّ، عن موسى بن قيس بن أخي عمّار بن موسى السّاباطيّ، عن مصدّق [بن صدقة] ، عن عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [أو عن عمّار عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-]  قال: لمّا أوحى اللّه- عزّ وجلّ- إلى إبراهيم أن أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، أخذ الحجر الّذي فيه أثر قدميه- وهو المقام- فوضعه بحذاء البيت، لاصقا بالبيت، بحيال الموضع الّذي هو فيه اليوم. ثمّ قام عليه. فنادى بأعلى صوته بما أمره اللّه- عزّ وجلّ- به. فلمّا تكلّم بالكلام، لم يحتمله الحجر، فغرقت رجلاه فيه. فقلع إبراهيم- عليه السّلام- رجليه  من الحجر قلعا. فلمّا كثر  النّاس، وصاروا إلى الشّرّ والبلاء ، ازدحموا عليه. فرأوا أن يضعوه في هذا الموضع الّذي هو فيه [اليوم‏]  ليخلو المطاف  لمن يطوف بالبيت.فلمّا بعث اللّه- عزّ وجلّ- محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- ردّه إلى الموضع الّذي وضعه فيه إبراهيم- عليه السّلام-. فما زال فيه، حتّى قبض رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وفي زمن أبي بكر وأوّل ولاية عمر. ثمّ قال عمر: قد ازدحم النّاس على هذا المقام، فأيّكم يعرف موضعه [في الجاهليّة]»؟ فقال له رجل: أنا أخذت قدره بقدر. قال:

و القدر عندك؟ قال: نعم. قال: فأت به. فجاء به. فأمر بالمقام، فحمل وردّ إلى الموضع الّذي هو فيه السّاعة.

يَأْتُوكَ رِجالًا: مشاة. جمع راجل، كقيام وقائم.

و قرئ  بضمّ الرّاء مخفّف الجيم ومثقّله. و«رجالي»- كعجالى.

وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ، أي: وركبانا على كلّ بعير مهزول أتعبه بعد السّفر فهزله.

يَأْتِينَ:

صفة ل «ضامر» محمولة على معناه.

و قرئ : «يأتون» صفة للرّجال والرّكبان، أو استئناف، فيكون الضّمير للّناس.

مِنْ كُلِّ فَجٍّ: طريق عَمِيقٍ : بعيد.

و قرئ : «معيق». يقال: بئر بعيدة العمق والمعق بمعنى.

و في كتاب علل الشّرائع  بإسناده إلى الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته: لم جعلت التّلبية؟ فقال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أوحى إلى إبراهيم- عليه السّلام-: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا. فنادى. فأجيب من كلّ فجّ عميق [يلبّون‏] .

أبي- رضي اللّه عنه- قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا أمر اللّه- عزّ وجلّ- إبراهيم وإسماعيل- عليهما السّلام- ببناء البيت، وتمّ‏بناؤه، أمره أن يصعد ركنا ثمّ ينادي في النّاس: ألا هلمّ الحجّ! [ألا  هلمّ الحجّ!] . فلو نادى: «هلّموا إلى الحجّ» لم يحجّ إلّا من كان يومئذ إنسيّا مخلوقا. ولكن نادى: «هلّم الحجّ» فلبّى النّاس في أصلاب الرّجال: «لبّيك داعي اللّه! لبّيك داعي اللّه!». فمن لبّى عشرا، حجّ عشرا. ومن لبّى خمسا، حجّ خمسا. ومن لبّى أكثر، فبعدد ذلك. ومن لبّى واحدة ، حجّ واحدة . ومن لم يلبّ، لم يحج.

و بإسناده  إلى غالب بن عثمان، عن رجل من أصحابنا، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- جلّ جلاله- لمّا أمر إبراهيم- عليه السّلام- ينادي في النّاس بالحجّ، قام على المقام. فارتفع به، حتّى صار بإزاء أبي قبيس. فنادى في النّاس بالحجّ.

فأسمع من في أصلاب الرّجال وأرحام النّساء، إلى أن تقوم السّاعة.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا أمر إبراهيم وإسماعيل ببناء البيت، تمّ بناؤه، قعد إبراهيم على ركن. ثمّ نادى: هلمّ الحجّ [هلمّ الحجّ‏] . فلو نادى: هلمّوا- وذكر مثل ما نقلناه عن كتاب العلل.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أقام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بالمدينة عشر سنين لم يحجّ. ثمّ أنزل اللّه- تعالى- عليه: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ [مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. فأمر المؤذّنين أن يؤذّنوا بأعلى أصواتهم بأنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يحجّ في عامه هذا. فعلم به من حضر في المدينة]  وأهل العوالي  والأعراب، واجتمعوا لحجّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. وإنّما كانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون ويتّبعونه، أو يصنع شيئا فيصنعونه.

فخرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في أربع بقين من ذي القعدة. فلمّا انتهى‏إلى ذي الحليفة، زالت الشّمس. فاغتسل. ثمّ خرج حتّى أتى المسجد الّذي عند الشّجرة، فصلّى فيه الظّهر. وعزم بالحجّ مفردا، وخرج حتّى انتهى إلى البيداء عند الميل الأوّل.

فصفّ النّاس سماطين . فلبّى بالحج مفردا، وساق الهدي ستّا وستّين، أو أربعا وستّين.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في عوالي اللآلي : وروي عنه- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: إنّما الحاجّ الشّعث  الغبر، يقول اللّه- تعالى- لملائكة: انظروا إلى زوّار بيتي! قد جاؤوني شعثا غبرا من كلّ فجّ عميق.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: ولمّا فرغ إبراهيم من بناء البيت، [أمره اللّه أن يؤذّن في النّاس بالحجّ. فقال: يا ربّ، ما يبلغ صوتي! فقال اللّه: أذّن! عليك الأذان، وعليّ البلاغ. وارتفع على المقام، وهو يومئذ ملصق بالبيت‏] . فارتفع به المقام، حتّى كان أطول من الجبال. فنادى وأدخل إصبعيه في أذنيه ، وأقبل بوجهه شرقا وغربا يقول:

أيّها النّاس! كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق. فأجيبوا ربّكم.

فأجابوه من تحت البحور السّبعة، ومن بين المشرق والمغرب- إلى منقطع التّراب من أطراف الأرض كلّها- ومن أصلاب الرّجال وأرحام النّساء، بالتّلبية: [لبّيك اللّهمّ‏]  لبّيك! أولا ترونهم يأتون يلبّون!؟ فمن حجّ من يومئذ إلى يوم القيامة، فهم ممّن استجاب للّه. وذلك قوله : فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ. يعني بذلك نداء إبراهيم على المقام [بالحجّ‏] .

و في مجمع البيان : وفي الشّواذّ قراءة ابن عبّاس: «رجّالا»- بالتّشديد والضّمّ.

و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-

 [و روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام‏]  أنّه‏قرأ: «يأتون».

لِيَشْهَدُوا: ليحضروا مَنافِعَ لَهُمْ دينيّة ودنيويّة.

و تنكيرها، لأنّ المراد بها نوع من المنافع مخصوص بهذه العبادة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، عن الرّبيع بن خيثم قال: شهدت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- وهو يطاف به حول الكعبة في محمل، وهو شديد المرض . فكان كلّما بلغ الرّكن اليمانيّ، أمرهم، فوضعوه بالأرض. فأخرج يده من كوّة المحمل حتّى يجرّها على الأرض. ثمّ يقول:

ارفعوني.

فلمّا فعل ذلك مرارا في كلّ شوط، قلت له: جعلت فداك، يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إنّ هذا يشقّ عليك! فقال: إنّي سمعت اللّه- عزّ وجلّ- يقول:

لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ. فقلت: منافع الدّنيا، أو منافع الآخرة؟ فقال: الكلّ.

أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن أبي المغراء ، عن سلمة بن محرز قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- إذ جاءه رجل يقال له أبو الورد، فقال لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: رحمك اللّه، إنّك [لو كنت‏]  أرحت بدنك من المحمل. فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: [يا أبا الورد، إنّي أحبّ أن أشهد المنافع الّتي قال اللّه- عزّ وجلّ-: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ. إنّه لا يشهدها أحد إلّا نفعه‏]  اللّه. أمّا أنتم، فترجعون مغفورا لكم. وأمّا غيركم، فيحفظون في أهاليهم وأموالهم.

و في مجمع البيان»

: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ. وقيل:

منافع الآخرة، وهي العفو والمغفرة. وهو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام-.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر ما كتب به الرّضا- عليه السّلام- إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وعلّة الحجّ الوفادة إلى اللّه- عزّ وجلّ- وطلب الزّيادة والخروج من كلّ ما

اقترف. وليكون تائبا ممّا مضى، مستأنفا لما يستقبل. وما فيه من استخراج الأموال وتعب الأبدان وحظرها عن الشّهوات واللّذّات، والتقرّب  بالعبادة إلى اللّه- عزّ وجلّ- والخضوع والاستكانة والذّلّ، شاخصا إليه في الحرّ والبرد والأمن والخوف، دائبا في ذلك دائما .

و ما في ذلك لجميع الخلق، من المنافع والرّغبة [و الرّهبة]  إلى اللّه- تعالى. ومنه ترك قساوة القلب وجسارة الأنفس ونسيان الذّكر وانقطاع الرّجاء والأمل، وتجديد الحقوق، وحظر النّفس عن الفساد، ومنفعة من في الشّرق وغربها، ومن في البرّ والبحر، ممّن يحجّ وممّن لا يحجّ، من تاجر وجالب وبائع ومشتر وكاسب ومسكين، وقضاء حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها. كذلك لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ.

و في باب العلل  الّتي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنّه سمعها من الرّضا- عليه السّلام- مرّة بعد مرّة وشيئا بعد شي‏ء: فإن قال: فلم أمر بالحجّ؟ قيل: لعلّة الوفادة إلى اللّه تعالى، وطلب الزّيّادة- وذكر كما ذكر محمّد بن سنان، وزاد بعد قوله: «في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها»:

مع ما فيه من التّفقّه ونقل أخبار الأئمّة- عليهم السّلام- إلى كلّ صقع  وناحية.

كما قال اللّه - عزّ وجلّ-: فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ولِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ‏

 

وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ:

قيل : عند إعداد الهدايا والضّحايا وذبحها.

و قيل : كنّى بالذّكر عن النّحر- لأنّ ذبح المسلين لا ينفكّ عنه- تنبيها على أنّه المقصود ممّا يتقرّب به إلى اللّه تعالى.

فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ‏قيل : هي عشر ذي الحجّة.

و قيل : أيّام النّحر.

و في مجمع البيان : واختلف في هذه الآية. قيل: هي أيّام التّشريق يوم النّحر وثلاثة أيّام بعده. والمعدودات أيّام العشر. وهو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام-.

و في عوالي اللآلي : وروي عن الصّادق- عليه السّلام- أنّ الذّكر في قوله:

وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ هو التّكبير عقيب خمس عشرة صلاة أوّلها ظهر العيد. وروي عن الباقر- عليه السّلام- مثله.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا محمّد بن الحسن  بن أحمد بن الوليد- رحمه اللّه- قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: قال عليّ- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ قال: أيّام العشر.

و بهذا الإسناد  عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ قال: هي أيّام التشريق.

أبي- رحمه اللّه- قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن عليّ بن الصّلت، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن المفضّل بن صالح، عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه - تبارك وتعالى-: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ قال: المعلومات والمعدودات واحدة. وهي أيّام التشريق.

و في تهذيب الأحكام : موسى بن القاسم، عن عبد الرّحمن، عن حماد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: قال أبي- عليه السّلام-: [قال عليّ‏

 - عليه السّلام-:]  اذكروا الله في أيام معلومات. قال: عشر ذي الحجّة. وأمّا  معدودات، قال: أيّام التّشريق.

العبّاس وعليّ بن السّندي  جميعا، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: قال عليّ- عليه السّلام- في قول اللّه: واذكروا اسم الله في أيام معلومات قال: أيّام العشر. وقوله : وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ قال: أيّام التّشريق.

عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ:

علّق الفعل بالمرزوق، وبيّنه بالبهيمة، تحريضا على التّقرّب، وتنبيها على مقتضى الّذكر.

فَكُلُوا مِنْها: من لحومها.

أمر بذلك إباحة وإزاحة لما عليه أهل الجاهليّة من التّحرّج فيه، وندبا إلى مواساة الفقراء ومساواتهم. وهذا في المتطوّع به دون الواجب.

وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ- الّذي أصابه بؤس، أي: شدّة- الْفَقِيرَ  المحتاج.

و الأمر فيه للوجوب. وقد قيل به في الأوّل.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن عبد اللّه بن يحيى، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قول اللّه - عزّ وجلّ-: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ. قال: «الفقير» الّذي لا يسأل النّاس. و«المسكين» أجهد منه. و«البائس» أجهدهم.

و الحديث طويل.

أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن النّوفلي، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ قال: هو الزّمن الّذي‏لا يستطيع أن يخرج لزمانته.

و في الكافي  بإسناده إلى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، وستقف عليه مسندا عند قوله - تعالى-: وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ إن شاء اللّه. وفيه: «و البائس» هو الفقير.

و في تهذيب الأحكام : روى موسى بن القاسم، عن النخعيّ، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال في حديث طويل ستقف عليه عند قوله- تعالى-: وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ: و«البائس» الفقير.

ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ: ثمّ ليزيلوا وسخهم، بقصّ الشّارب والأظفار، ونتف الإبط، والاستحداد عند الإحلال.

وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ: ما ينذرون من البرّ في حجّهم.

و قيل : مواجب الحجّ.

و قرأ  أبو بكر بفتح الواو وتشديد الفاء.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط، عن داود بن نعمان، عن أبي عبيدة، قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول  ورأى النّاس بمكّة وما يعملون، قال: فقال:

فعال كفعال الجاهليّة! أما واللّه، ما أمروا بهذا. وما أمروا إلّا أن يقضوا تفثهم، وليوفوا نذورهم، فيمرّوا بنا، فيخبرونا بولايتهم، ويعرضوا علينا نصرتهم.

و في شرح الآيات الباهرة»: قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا أحمد بن هوده بإسناده  يرفعه إلى عبد اللّه بن سنان، عن ذريح المحاربيّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-:

قوله- تعالى-: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ. قال: هو لقاء الإمام- عليه السّلام.وَ لْيَطَّوَّفُوا طواف الرّكن الّذي به تمام التّحلّل، فإنّه قرينة قضاء التّفث.

و قيل : طواف الوداع.

و قرأ  ابن عامر وحده بكسر اللّام.

بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ : القديم- لأنّه أوّل بيت وضع للنّاس- أو المعتق من تسلّط الجبابرة. فكم من جبّار سار إليه ليهدمه، فمنعه اللّه.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، وابن أبي عمير، جميعا عن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إذا أحرمت، فعليك بتقوى اللّه- إلى أن قال:- وقال: اتّق المفاخرة. وعليك بورع يحجزك عن معاصي اللّه. فإنّ اللّه- تعالى- يقول: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ .

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: من التّفث أن تتكلّم في إحرامك بكلام قبيح.

فإذا دخلت مكّة، وطفت بالبيت، وتكلّمت بكلام طيّب، فكان ذلك كفّارة.

أحمد بن محمّد ، [عن‏]  ابن أبي نصر قال: قلت لأبي الحسن الرضا - عليه السّلام-: إنّا حين نفرنا من منى، أقمنا أيّاما. ثمّ حلقت رأسي، طلب التّلذّذ. فدخلني من ذلك شي‏ء. فقال:

كان أبو الحسن- صلوات اللّه عليه- إذا خرج من مكّة، فاتي بثيابه، حلق رأسه.

قال: وقال في قوله اللّه- تعالى-: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ. قال: التّفث تقليم الأظفار، وطرح الوسخ، وطرح الإحرام.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن رجل نسي أن يقصّر من شعره وهو حاجّ، حتّى ارتحل من منى.قال: ما يعجبني أن يلقي شعر رأسه  إلّا بمنى. وقال في قول اللّه- تعالى-: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ قال: هو الحلق وما في جلد الإنسان.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن سليمان، عن زياد القنديّ، عن عبد اللّه بن سنان، عن ذريح المحاربيّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ اللّه أمرني في كتابه بأمر، فأحبّ أن أعمله.

قال: وما ذاك؟ قلت: قول اللّه- تعالى-: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ. قال:

لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ لقاء الإمام. ولْيُوفُوا نُذُورَهُمْ تلك المناسك.

قال عبد اللّه بن سنان: فأتيت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فقلت: جعلت فداك، قول اللّه- تعالى-: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ. قال: أخذ الشّارب، وقصّ الأظفار، وما أشبه ذلك. قال: [قلت:]  جعلت فداك، إنّ ذريح المحاربيّ حدّثني عنك بأنّك قلت له: لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ لقاء الامام. ولْيُوفُوا نُذُورَهُمْ تلك المناسك. فقال:

صدق [ذريح‏]  وصدقت. إنّ للقرآن ظاهرا وباطنا. ومن يحتمل ما يحتمل ذريح!؟

حميد بن زياد ، عن ابن سماعة، عن غير واحد، عن أبان عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- جلّ ثناؤه-: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ قال: هو ما يكون من الرّجل في إحرامه. فإذا دخل مكّة، فتكلّم بكلام طيّب، كان ذلك كفّارة لذلك الّذي كان منه.

و في من لا يحضره الفقيه : وروى حمران، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ قال: التّفث حقوق الرّجل من الطّيب. [فإذا قضى نسكه ، حلّ له الطّيب‏] .

و روى ربعي ، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ فقال: قصّ الشّارب والأظفار.و في رواية البزنطيّ  عن الرّضا- عليه السّلام- قال: التّفث تقليم الأظفار، وطرح الوسخ، وطرح الإحرام عنه.

و في قرب الإسناد  للحميريّ: أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال:

 

سألت الرّضا- عليه السّلام- عن قول اللّه- تبارك وتعالى- لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ. قال: تقليم الأظفار، وطرح الوسخ عنك، والخروج من الإحرام. وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ طواف الفريضة.

و في تهذيب الأحكام : محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد قال: قال أبو الحسن- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ شأنه-:

وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ قال: طواف الفريضة طواف النّساء.

و روى محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن عليّ بن إسماعيل، عن محمّد بن يحيى الصّيرفيّ، عن حمّاد النّاب قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ قال: هو طواف النّساء.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في قول النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: «أنا ابن الذّبيحين» حديث طويل. وفي آخره: وكانت لعبد المطلّب خمس سنن  أجراها اللّه- تعالى- في الإسلام: حرّم نساء الآباء على الأبناء- إلى قوله:- وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط.

و في كتاب الخصال : عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه ، عن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال في وصيّة له: يا عليّ، إنّ عبد المطّلب سنّ في الجاهليّة خمس سنن أجراها اللّه له في الإسلام: حرّم نساء الآباء على الأبناء- إلى قوله:- ولم يكن للطّواف عدد عند قريش، فسنّ فيهم عبد المطّلب سبعة أشواط. فأجرى اللّه ذلك في الإسلام.و في عيون الأخبار ، في باب ذكر ما كتب به الرّضا- عليه السّلام- إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وعلّة الطّواف بالبيت أنّ اللّه- عزّ وجلّ- قال للملائكة : إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ. فردّوا على اللّه- عزّ وجلّ- هذا الجواب. فندموا، فلاذوا  بالعرش، واستغفروا. فأحبّ اللّه- عزّ وجلّ- أن يتعبد بمثل ذلك العباد ، فوضع في السّماء الرّابعة بيتا بحذاء العرش يسمّى الضّراح . ثمّ وضع في السّماء الدّنيا بيتا يسمّى البيت  المعمور بحذاء الضّراح . ثمّ وضع هذا البيت بحذا البيت المعمور. ثمّ أمر آدم، فطاف به. فتاب اللّه- عزّ وجلّ- عليه. فجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن الحسين بن عليّ بن مروان، عن عدّة من أصحابنا، عن أبي حمزة الثّماليّ قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- في المسجد الحرام: لأيّ شي‏ء سمّاه»

 اللّه البيت  العتيق؟

فقال: إنّه ليس من بيت وضعه اللّه على وجه الأرض، إلّا له ربّ وسكّان يسكنونه غير هذا البيت، فإنّه لا ربّ له إلّا اللّه- تعالى. وهو الحرّ. ثمّ قال: إنّ اللّه- تعالى- خلقه قبل الأرض. ثمّ خلق الأرض من بعده، فدحاها من تحته.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن أبان بن عثمان، عمّن أخبره عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: لم سمّى اللّه  البيت العتيق؟ قال: هو بيت  حرّ  عتيق من النّاس، لم يملكه أحد.و في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه ومحمّد بن عليّ، عن عليّ بن النّعمان، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّما سمّي  البيت العتيق، لأنّه أعتق من الغرق، وأعتق  الحرم معه، كفّ عنه الماء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن صفوان بن يحيى، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا أراد اللّه هلاك قوم نوح- وذكر حديثا طويلا.

و فيه يقول- عليه السّلام-: وإنّما سمّي البيت العتيق، لأنّه أعتق من الغرق.

و في كتاب علل الشّرائع  بإسناده إلى أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول- عليه السّلام- في آخره: وإنّما سمّي البيت العتيق، لأنّه أعتق من الغرق‏] .

و بإسناده  إلى ذريح بن يزيد المحاربيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أغرق الأرض كلّها يوم نوح، إلّا البيت. فيومئذ سمّي العتيق، لأنّه أعتق يومئذ من الغرق. فقلت له: أصعد إلى السّماء؟ فقال: لا، لم يصل إليه الماء، ورفع عنه.

ذلِكَ:

خبر محذوف. أي: الأمر ذلك. وهو وأمثاله تطلق للفصل بين كلامين.

وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ: أحكامه وسائر ما لا يحلّ هتكه. أو: الحرم  وما يتعلّق بالحجّ من التّكاليف.

و قيل : الكعبة، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، والشّهر الحرام، والمحرّم.

فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ: فالتّعظيم خير له عِنْدَ رَبِّهِ ثوابا.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- حدّثنا محمّد بن‏

 همّام، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، عن عيسى بن داود، عن الإمام موسى بن جعفر - عليهما السّلام- في قول اللّه- تبارك وتعالى-: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ قال:

هي ثلاث حرمات واجبة. فمن قطع منها حرمة، فقد أشرك باللّه: الأولى انتهاك حرمة اللّه في بيته الحرام. والثّانية تعطيل الكتاب والعمل بغيره. والثّالثة قطيعة ما أوجب اللّه من فرض مودّتنا وطاعتنا.

وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ: إلّا المتلوّ عليكم تحريمه. وهو ما حرّم منها لعارض، كالميتة وما أهلّ به لغير اللّه. فلا تحرّموا منها غير ما حرّمه اللّه، كالبحيرة  والسّائبة .

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ: فاجتنبوا الرّجس الّذي هو الأوثان.

و هو غاية المبالغة في النّهي عن تعظيمها والتّنفير عن عبادتها وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ :

تعميم بعد التّخصيص، فإنّ عبادة الأوثان رأس الزّور.

كأنّه لمّا حثّ على تعظيم الحرمات، أتبعه ذلك، ردّا لما كانت الكفرة عليه من تحريم البحائر والسّوائب، وتعظيم الأوثان، والافتراء على اللّه بأنّه حكم بذلك.

و قيل : شهادة الزّور. والزّور من الزّور، وهو: الانحراف. كما أنّ الإفك من الأفك، وهو: الصّرف. فإنّ الكذب منحرف مصروف عن الواقع.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن يحيى بن عبادة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه سمعه يقول: الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ‏

 

الشّطرنج. وقَوْلَ الزُّورِ الغناء.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

حدّثنا أبي - رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن يحيى الخزّاز، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قَوْلَ الزُّورِ. قال: منه قول الرّجل للّذي يغنّي: أحسنت.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللّه بن جبلة، عن سماعة بن مهران، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله اللّه- عزّ وجلّ-: فَاجْتَنِبُوا  الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال: الغناء.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد، جميعا عن النّضر بن سويد، عن درست، عن زيد الشّحّام قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ. قال:

الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ الشّطرنج. وقَوْلَ الزُّورِ الغناء.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن أبن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال: الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ الشّطرنج. وقَوْلَ الزُّورِ الغناء.

و في مجمع البيان : فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ. وروى أصحابنا أنّ اللّعب بالشّطرنج والنّرد وسائر أنواع القمار من ذلك. وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ. وروى أصحابنا أنّه يدخل فيه الغناء وسائر الأقوال الملهية.

و روى أيمن بن خزيم  عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قام خطيبا فقال: أيّها النّاس! عدلت شهادة الزّور بالشّرك باللّه. ثمّ قرأ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي‏

 عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ الشّطرنج. وقَوْلَ الزُّورِ الغناء.

حُنَفاءَ لِلَّهِ: مخلصين له غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ:

و هما حالان من الواو.

و في كتاب التّوحيد  بإسناده إلى زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وعن الحنيفيّة. فقال: هي الفطرة الّتي فطر [اللّه‏]  النّاس عليها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ . وقال: فطرهم اللّه على المعرفة.

وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ:

لأنّه سقط من أوج الإيمان إلى حضيض الكفر.

فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ:

فإنّ الأهواء المردية توزّع أفكاره.

و قرأ  نافع وحده بفتح الخاء وتشديد الطّاء.

أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ : بعيد، فإنّ الشّيطان قد طوّح به في الضّلالة.

و «أو» للتّخيير، كما في قوله : «أو صيّب». أو للتّنويع- فإنّ من المشركين من لا خلاص لهم أصلا، ومنهم من يمكن خلاصه بالتّوبة- ولكن على بعد.

و يجوز أن يكون من التّشبيهات المركّبة فيكون المعنى: ومن يشرك باللّه، فقد هلكت نفسه هلاكا يشبه أحد الهلاكين.

ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ: دين اللّه. أو: فرائض الحجّ ومواضع نسكه. أو:

الهدايا لأنّها من معالم الحجّ . وهو أوفق لظاهر ما بعده. وتعظيمها أن تختار حسانا سمانا غالية الأثمان.

فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ :فإنّ تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب. فحذفت هذه المضافات. والعائد إلى «من». وذكر «القلوب»، لأنّها منشأ التّقوى والفجور، والآمرة بهما.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّما يكون الجزاء مضاعفا فيما دون البدنة، حتّى يبلغ البدنة. فإذا بلغ البدنة، فلا تضاعف، لأنّه أعظم ما يكون. قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.

لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ، أي: لكم فيها منافع درّها ونسلها وصوفها وظهرها إلى أن تنحر. ثمّ وقت نحرها منتهية إلى البيت، أي ما يليه من الحرم.

و «ثمّ» تحتمل التّراخي في الوقت والتّراخي في الرّتبة. أي: لكم فيها منافع دنيويّة إلى وقت النّحر، وبعده منافع دينيّة أعظم منها. وهو على الأوّلين إمّا متّصل بحديث الأنعام والضّمير فيه لها. أو المراد على الأوّل: لكم فيها منافع [دينيّة]  تنتفعون بها إلى أجل مسمّى- هو الموت- ثمّ محلّها منتهية إلى البيت [العتيق‏]  الّذي ترفع إليه الأعمال، أو يكون فيه ثوابها، وهو البيت المعمور، أو الجنّة. وعلى الثّاني: لكم فيها منافع التّجارات في الأسواق إلى وقت المراجعة، ثمّ وقت الخروج منها منتهية إلى الكعبة بالإحلال بطواف الزّيارة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله- تعالى-: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ. قال: تعظيم البدن وجودتها. وقوله- عزّ وجلّ-: لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى. قال: البدن يركبها المحرم من موضعه الّذي يحرم فيه غير مضرّبها، ولا معنّف عليها. وإن كان لها لبن، يشرب من لبنها إلى يوم انّحر.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قال: إن احتاج إلى ظهرها، ركبها من‏غير أن يعنّف عليها. وإن كان لها لبن، حلبها حلابا لا ينهكها .

و في من لا يحضره الفقيه : وروى أبو بصير عنه في قول اللّه- عزّ وجلّ-: لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قال: إن احتاج إلى ظهرها، ركبها من غير أن يعنّف عليها.

و إن كان لها لبن، حلبها حلابا لا ينهكها.

و في مجمع البيان : لَكُمْ فِيها، أي: في الشّعائر منافع. فمن تأوّل أنّ الشّعائر الهدي قال: إنّ منافعها ركوب ظهرها وشرب لبنها، إذا احتيج إليها. وهو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام.

وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ: ولكلّ أهل دين.

جَعَلْنا مَنْسَكاً: معتبّدا وقربانا يتقرّبون به إلى اللّه.

و قرأ  حمزة والكسائيّ بالكسر. أي: موضع نسك.

لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ دون غيره، ويجعلوا نسكهم لوجهه.

علّل الجعل به، تنبيها على أنّ المقصود من المناسك تذكّر المعبود.

عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ عند ذبحها.

و فيه تنبيه على أنّ القربان يجب أن يكون نعما.

فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا: أخلصوا التّقرّب أو الذّكر، ولا تشوبوه بالإشراك.

وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ : المتواضعين، أو المخلصين، فإنّ الإخبات صفتهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله- عزّ وجلّ-: فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ. قال:

العابدين.

الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، هيبة منه لإشراق أشعّة جلاله عليها.

وَ الصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ من الكلف والمصائب.

وَ الْمُقِيمِي الصَّلاةِ في أوقاتها.

و قرئ : «المقيمين الصّلاة على الأصل.وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ  في وجوه الخير.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل [العلويّ‏] ، عن عيسى بن داود قال: قال موسى بن جعفر- عليهما السّلام-: سألت أبي عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ. قال: نزلت فينا خاصّة.

وَ الْبُدْنَ: جمع بدنة، كخشب وخشبة.

و أصله الضّمّ وقد قرئ  به. وإنّما سمّي بها الإبل، لعظم بدنها مأخوذة من: بدن بدانة: إذا ضخم. ولا يلزم من مشاركة البقر لها في أجزائها عن سبعة

بقوله- صلّى اللّه عليه وآله-: «البدنة عن سبعة، [و البقرة عن سبعة] ».

تناول  اسم البدنة لها شرعا بل الحديث يمنع ذلك. وانتصابه بفعل يفسّره.

جَعَلْناها لَكُمْ:

و من رفعه، جعله مبتدأ.

مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ: من أعلام دينه الّتي شرعها اللّه.

لَكُمْ فِيها خَيْرٌ: منافع دينيّة ودنيويّة.

فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها بأن تقولوا عند ذبحها: اللّه أكبر. لا إله إلّا اللّه.

و اللّه أكبر. اللّهمّ منك وإليك.

صَوافَّ:

قيل : قائمات قد صففن أيديهنّ وأرجلهنّ.

و قرئ : «صوافن». من: صفن الفرس: إذا قام على ثلاث وطرف سنبك الرّابعة.

لأنّ البدنة تعقل إحدى يديها، وتقوم على ثلاث. و«صوافنا» بإبدال التّنوين من حرف الإطلاق عند الوقف. و«صوافيّ»، أي: خوالص لوجه اللّه. و«صوافي» [بسكون الياء]  على لغة من يسكّن الياء مطلقا، كقولهم: أعط القوس باريها.و في مجمع البيان : وقيل: هو أن تنحر وهي صافّة- أي: قائمة- ربطت يداها  ما بين الرّسغ والخفّ إلى الرّكبة. عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.

و قرأ أبو جعفر - عليه السّلام-: «صوافن» بالنّون.

فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها: سقطت على الأرض. وهو كناية عن الموت.

و في الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية قال: ذلك حين تصفّ للنّحر، تربط يديها ما بين الخفّ إلى الرّكبة. ووجوب جنوبها إذا وقعت على الأرض.

فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ:

قيل : الرّاضي بما عنده وبما يعطى من غير مسألة. ويؤيّده أنّه قرئ: «القنع». أو:

السّائل. من: قنعت إليه قنوعا: إذا خضعت له في السّؤال.

وَ الْمُعْتَرَّ:

قيل : المعترض بالسؤال.

و قرئ : «و المعتري». يقال: عرّه وعراه، واعترّه  واعتراه .

و في الكافي : حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها قال: إذا وقعت على الأرض. فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ. قال: «القانع» الّذي يرضى بما أعطيته، ولا يسخط ولا يكلح ولا يلوي شدقه غضبا. و«المعترّ» المارّ بك لتطعمه.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان [بن يحيى‏] ، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية قال:

  «القانع» الّذي يقنع بما أعطيته. و«المعترّ» الّذي يعتريك. «و السّائل» الّذي يسألك في يديه. و«البائس» هو الفقير.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن مولى لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: رأيت أبا الحسن- عليه السّلام- دعا ببدنة فنحرها. فلمّا ضرب الجزّارون عراقيبها  فوقعت إلى الأرض، وكشفوا شيئا عن سنامها، قال: اقطعوا وكلوا منها [و أطعموا] . فإنّ اللّه- تعالى- يقول: فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا تصرم باللّيل. ولا تحصد باللّيل. ولا تضحّ باللّيل. ولا تبذر باللّيل. فإنّك إن تفعل، لم يأتك القانع والمعترّ.

فقلت: ما القانع والمعترّ؟ قال: «القانع» الّذي يقنع بما أعطيته. و«المعترّ» الّذي يمرّ بك فيسألك.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في تهذيب الأحكام : روى موسى بن القاسم، عن النّخعي، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا ذبحت أو نحرت، فكل وأطعم، كما قال اللّه- تعالى-: فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ.

فقال: «القانع» الّذين يقنع بما أعطيته. و«المعترّ» الّذي يعتريك. و«السّائل» الّذي يسألك في يده. و«البائس» الفقير.

و في كتاب علل الشّرائع : أبي- رحمه اللّه- ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رضي اللّه عنه- قالا : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن  عمران الأشعريّ، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى الأزرق قال: قلت لأبي إبراهيم- عليه السّلام-: الرّجل يعطي الضّحية من يسلخها بجلدها. قال: لا بأس به. إنّماقال اللّه- عزّ وجلّ-: فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا. والجلد لا يؤكل ولا يطعم.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن العبّاس بن معروف، عن عليّ بن مهزيار، عن فضّالة، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها قال:

إذا وقعت على الأرض. فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ. قال: «القانع» الّذي يرضى بما أعطيته، ولا يسخط ولا يكلح ولا يزبد  شدقه غضبا. و«المعترّ» المارّ بك تطعمه .

و بهذا الإسناد ، عن عليّ بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن سيف التّمّار قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ سعيد بن عبد الملك قدم حاجّا فلقي أبي- عليه السّلام- فقال: إنّي سقت هديا، فكيف أصنع؟

فقال: أطعم أهلك ثلثا. وأطعم القانع ثلثا. وأطعم المسكين ثلثا.

قلت: المسكين هو السّائل؟ قال: نعم. والقانع يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها. و«المعترّ» يعتريك لا يسألك.

و في عوالي اللآلي : وروى معاوية بن عمّار، عن الصّادق- عليه السّلام-: إذا ذبحت أو نحرت، فكل وأطعم، كما قال اللّه: فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ.

و في قرب الإسناد  للحميريّ: أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: سألته عن القانع والمعترّ. قال: «القانع» الّذي يقنع بما أعطيته. و«المعترّ» الّذي يعتريك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ. قال: «القانع» الّذي يسأل فتعطيه. و«المعترّ» الّذي يعتريك ولا يسأل .و في مجمع البيان : في رواية الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [قال: «القانع» الّذي يسأل فيرضى بما أعطي. و«المعترّ» الّذي يعترى رحلك ممّن لا يسأل.

و قال أبو جعفر وأبو عبد اللّه - عليهما السّلام-:]  «القانع» الّذي يقنع بما أعطيته، ولا يسخط [و لا يكلح‏]  ولا يلوي شدقه غضبا. و«المعترّ» المارّ بك  لتطعمه.

و روي عنهم - عليهم السّلام- أنّه ينبغي أن يطعم ثلثه، ويعطي القانع والمعترّ ثلثه، ويهدي لأصدقائه الثّلث الباقي.

كَذلِكَ: مثل ما وصفنا من نحرها قياما.

سَخَّرْناها لَكُمْ مع عظمها وقوّتها، حتّى تأخذوها  منقادة فتعقلو لها وتحبسوها  صافّة قوائمها، ثمّ تطعنون  في لبّاتها .

لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  إنعامنا عليكم بالتّقرّب والإخلاص.

لَنْ يَنالَ اللَّهَ:

قيل : لن يصيب رضاه، ولن يقع منه موقع القبول.

لُحُومُها المتصدّق بها، وَلا دِماؤُها المهراقة بالنّحر، من حيث إنّها لحوم ودماء.

وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ: ولكن يصيبه [ما يصحبه‏]  من تقوى قلوبكم التّي تدعوكم إلى تعظيم أمر اللّه والتّقرّب إليه والإخلاص له.

و قيل : كان أهل الجاهليّة إذا ذبحوا القرابين، لطّخوا الكعبة بدمائها، قربة إلى اللّه.

فهمّ به المسلمون، فنزلت.و في كتاب علل الشّرائع  بإسناده إلى أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: ما علّة الأضحيّة؟ قال: إنّه يغفر لصاحبها، عند أوّل قطرة تقطر من دمها إلى الأرض. وليعلم اللّه- عزّ وجلّ- من يتّقيه بالغيب. قال اللّه- عزّ وجلّ-: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ. ثمّ قال: انظر كيف قبل اللّه قربان هابيل، وردّ قربان قابيل.

كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ:

كرّره تذكيرا للنّعمة، وتعليلا له بقوله:

لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ:

قيل : أي: لتعرفوا عظمته  باقتداره على ما لا يقدر عليه غيره، فتوحّدوه بالكبرياء.

و قيل : هو التّكبير عند الإحلال أو الذّبح.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: التّكبير أيّام التشريق في الصّلوات  بمنى في عقيب خمس عشرة صلاة. وفي الأمصار عقيب عشر صلوات.

عَلى ما هَداكُمْ: أرشدكم إلى طريق  تسخيرها وكيفيّة التّقرّب بها.

و «ما» تحتمل المصدريّة والخبريّة. و«على» متعلّقة ب «تكبّروا» لتضمّنه معنى الشكر .

وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ  المخلصين فيما يأتونه ويذرونه.

إن الله يدفع عن الذين آمنوا غائلة المشركين.

و قرئ : «يُدافِعُ»، أي: يبالغ في الدّفع مبالغة من يغالب فيه.

إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ- أي: في أمانة اللّه- كَفُورٍ  لنعمه، كمن يتقرّب إلى الأصنام بذبيحته ، فلا يرتضي فعلهم ولا ينصرهم.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن الحسين  بن عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن هذه الآية. قال: نحن الّذين آمنوا. واللّه يدافع عنّا ما إذا أذاعت شيعتنا.

يعني أنّ بعض شيعتهم يذيع عنهم بعض أسرارهم إلى أعدائهم ، يقصد بذلك أذاهم. أو لا يقصد، فإنّ اللّه- سبحانه- يدافع عنهم. إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ لمودّتهم [ «كفور» بولايتهم‏] .

أُذِنَ: رخّص.

و قرئ  على البناء للفاعل، وهو اللّه.

لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ المشركين.

و المأذون فيه محذوف لدلالته عليه.

و قرئ  بفتح التّاء. أي: للّذين يقاتلهم المشركون.

بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا:

قيل : هم أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. كان المشركون يؤذونهم.

و كانوا يأتونه من بين مضروب ومشجوج يتظلّمون إليه، فيقول لهم: اصبروا، فإنّي لم أؤمر بالقتال. حتّى هاجر، فأنزلت. وهي أوّل آية [نزلت‏]  في القتال بعد ما نهي عنه في نيف وسبعين آية.

وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ :

وعد لهم بالنّصر، كما وعد بدفع أذى الكفّار عنهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال. نزلت في عليّ وجعفر وحمزة- صلّوات اللّه عليه وعليهما. ثمّ جرت.حدّثني  أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية قال: إنّ العامّة يقولون: نزلت في رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا أخرجته قريش [من مكّة] ، وإنّما هي للقائم - صلوات اللّه عليه. إذا خرج، يطلب بدم الحسين- عليه السّلام- وهو يقول : نحن أولياء الدّم وطلّاب التّرة .

و في مجمع البيان : روي عن الباقر- عليه السّلام- أنّه قال: لم يؤمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بقتال، ولا أذن له فيه، حتّى نزل جبرئيل- عليه السّلام- بهذه الآية.

و في شرح الآيات  الباهرة: قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن همّام- رحمه اللّه- عن محمّد بن إسماعيل العلويّ- رحمه اللّه- عن عيسى بن داود قال:

 

حدّثنا موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال: نزلت هذه الآية في آل محمّد خاصّة: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ. ثمّ تلا إلى قوله: وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ.

و قال أيضا : حدّثنا الحسين بن عامر، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن صفوان بن يحيى، عن حكيم الحنّاط، عن ضريس، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. قال: الحسن والحسين- عليهما السّلام.

و قال أيضا : حدّثنا الحسين بن أحمد المالكي، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن المثنّى الحنّاط، عن عبد اللّه بن عجلان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ قال: هي‏في القائم- عليه السّلام- وأصحابه.

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ، يعني: مكّة بِغَيْرِ حَقٍّ: بغير موجب استحقّوا به، إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ:

على طريقة قول النّابغة:

         ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم             بهنّ فلول من قراع الكتائب‏

 وقيل : منقطع.

و في روضة الكافي : ابن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- تبارك وتعالى-: الَّذِينَ أُخْرِجُوا (الآية).

قال: نزلت في رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعليّ وحمزة وجعفر. وجرت في الحسين- عليهم السّلام أجمعين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ أُخْرِجُوا (الآية). قال الحسين- [صلوات اللّه عليه، وعلى جدّه وأبيه، وأمّه وأخيه، وذرّيّته وبنيه-]  حين طلبه يزيد- لعنه اللّه- ليحمله إلى الشّام، فهرب إلى الكوفة، وقتل بالطّفّ.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ قال: نحن . نزلت فينا.

و في مجمع البيان : وقال أبو جعفر- عليه السّلام-: «نزلت في المهاجرين.

و جرت في آل محمّد الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ [بِغَيْرِ حَقٍ‏]  وأخيفوا.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن المفضّل ، عن جعفر بن الحسين الكوفيّ، عن محمّد بن زيد مولى أبي جعفر، عن أبيه قال: سألت مولاي أبا جعفر- عليه السّلام- قلت: قوله- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ؟

 قال: نزلت في عليّ وحمزة وجعفر- عليهم السّلام. ثمّ جرت في الحسين- عليه السّلام.

و قال أيضا:  حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود النّجّار، قال: حدّثنا مولانا موسى بن جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- في قوله- تعالى-: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ قال: نزلت فينا خاصّة، في أمير المؤمنين وذرّيّته، وما ارتكب من  أمر فاطمة- عليها السّلام.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد ، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: أخبرني عن الدّعاء إلى اللّه- تعالى- والجهاد في سبيله: أهو لقوم لا يحلّ إلّا لهم، ولا يقوم به إلّا من كان منهم، أم هو مباح لكلّ من وحّد اللّه- عزّ وجلّ- وآمن برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ومن كان كذا، فله أن يدعو إلى اللّه- عزّ وجلّ- وإلى طاعته وأن يجاهد في سبيله؟ فقال: ذلك لقوم لا يحلّ إلّا لهم، ولا يقوم بذلك إلّا من كان منهم.

قلت: من أولئك؟ قال: من قام بشرائط اللّه- تعالى- في القتال والجهاد على المجاهدين، [فهو مأذون له في الدّعاء إلى اللّه- تعالى-. ومن لم يكن قائما بشرائط اللّه في الجهاد على المجاهدين،]  فليس بمأذون له في الجهاد، ولا الدّعاء إلى اللّه، حتّى يحكم في نفسه ما أخذ اللّه عليه من شرائط الجهاد.

قلت: فبيّن لي- رحمك اللّه. قال: إنّ اللّه- تعالى- أخبر [نبيه‏]  في كتابه الدّعاء إليه، ووصف الدّعاة  إليه. فجعل ذلك لهم درجات يعرّف بعضها بعضا، ويستدلّ ببعضها على بعض- إلى أن قال- عليه السّلام-:

ثمّ أخبر- تبارك وتعالى- أنّه لم يؤمر بالقتال إلّا أصحاب هذه الشّروط. فقال- سبحانه وتعالى-: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ

 الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ.

و ذلك أنّ جميع ما بين السّماء والأرض للّه- عزّ وجلّ- ولرسوله ولأتباعهما  من المؤمنين من أهل هذه الصّفة. فما كان من الدّنيا في أيدي المشركين والكفّار والظّلمة والفجّار، من أهل الخلاف لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- والمولّي عن طاعتهما، ممّا كان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصّفات وغلبوهم عليه ما أفاء اللّه على رسوله. فهو حقّهم أفاء اللّه عليهم، وردّه إليهم.

و إنّما معنى الفي‏ء كلّما صار إلى المشركين، ثمّ رجع ممّا كان قد غلب عليه أو هو فيه.

فما يرجع إلى مكانه- من قول أو فعل- فقد فاء، مثل قول اللّه - عزّ وجلّ- فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، أي: رجعوا. ثمّ قال: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

و قال  وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ، أي: ترجع. فَإِنْ فاءَتْ، أي: رجعت، فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. يعني بقوله: «تفي‏ء» ترجع.

فذلك الدّليل على أنّ الفي‏ء كلّ راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه. ويقال للشّمس [إذا زالت‏] : قد فاءت الشّمس، حين يفي‏ء الفي‏ء عند رجوع الشّمس إلى زوالها.

و كذلك ما أفاء اللّه على المؤمنين من الكفّار، فإنّما هي حقوق المؤمنين رجعت إليهم، بعد ظلم الكفّار إيّاهم. فذلك قوله أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ما كان المؤمنون أحقّ به منهم.

و إنّما أذن للمؤمنين الّذين قاموا بشرائط الإيمان الّتي وصفناها. وذلك أنّه لا يكون مأذونا له في القتال، حتّى يكون مظلوما. و[لا يكون مظلوما،]  حتّى يكون مؤمنا. ولا يكون مؤمنا، حتّى يكون قائما بشرائط الإيمان الّتي اشترط اللّه- تعالى- على المؤمنين والمجاهدين . فإذا تكاملت فيه شرائط اللّه- تعالى- كان مؤمنا. [و إذا كان مؤمنا،]  كان مظلوما. وإذا كان مظلوما، كان مأذونا له في الجهاد، لقوله- عزّ وجلّ-:أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. وإن لم يكن مستكملا لشرائط الإيمان، فهو ظالم ممّن يبغي ، ويجب جهاده حتّى يتوب. وليس مثله مأذونا له في الجهاد والدّعاء إلى اللّه- عزّ وجلّ-. لأنّه ليس من المؤمنين المظلومين الّذين أذن لهم في القرآن في القتال.

فلمّا نزلت هذه الآية: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا في المهاجرين الّذين أخرجهم أهل مكّة من ديارهم وأموالهم، أحلّ لهم جهادهم. بظلمهم إيّاهم، وأذن لهم في القتال.

فقلت: فهذه نزلت في المهاجرين بظلم مشركي أهل مكّة لهم، فما بالهم في قتالهم كسرى وقيصر ومن دونهم من مشركي قبائل العرب؟

فقال: لو كان [إنّما]  أذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكّة فقط، لم يكن لهم إلى قتال جموع كسرى وقيصر وغير أهل مكّة من قبائل العرب سبيل. لأنّ الّذين ظلموهم غيرهم، وإنّما أذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكّة لإخراجهم إيّاهم من ديارهم وأموالهم بغير حقّ. ولو كانت الآية إنّما عنت المهاجرين الّذين ظلمهم أهل مكّة، كانت الآية مرتفعة الفرض عمّن بعدهم، إذ لم يبق من الظّالمين والمظلومين أحد، وكان فرضها مرفوعا عن النّاس بعدهم، إذا لم يبق من الظّالمين والمظلومين أحد.

و ليس كما ظننت، ولا كما ذكرت، ولكنّ المهاجرين ظلموا من جهتين: ظلمهم أهل مكّة بإخراجهم من ديارهم [و أموالهم‏] ، فقاتلوهم بإذن اللّه لهم في ذلك. وظلمهم كسرى وقيصر ومن كان دونهم من قبائل العرب والعجم، بما كان في أيديهم، ممّا كان المؤمنون أحقّ به منهم. فقد قاتلوهم بإذن اللّه- تعالى- لهم في ذلك.

و بحجّة هذه الآية يقاتل مؤمنو كلّ زمان. وإنّما أذن اللّه- تعالى- للمؤمنين الّذين قاموا بما وصف اللّه- تعالى- من الشّرائط الّتي شرطها على المؤمنين في الإيمان والجهاد.

و من كان [قائما بتلك الشرائط، فهو مؤمن، وهو مظلوم ومأذون له في الجهاد بذلك المعنى. ومن كان‏]  على خلاف ذلك، فهو ظالم وليس من المظلومين، وليس بمأذون له في القتال، ولا بالنّهي عن المنكر والأمر بالمعروف. لأنّه ليس من أهل ذلك، ولا مأذون‏له في الدّعاء إلى اللّه، لأنّه ليس يجاهد مثله وأمر بدعائه إلى اللّه. ولا يكون مجاهدا من قد أمر المؤمنين  بجهاده، وحضر الجهاد عليه ومنعه منه. ولا يكون داعيا إلى اللّه- تعالى- من أمر بدعاء  مثله إلى التّوبة والحقّ والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. ولا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به. ولا ينهى عن المنكر من قد أمر أن ينهى عنه.

فمن كانت قد تمّت فيه شرائط اللّه- تعالى- الّتي وصف بها أهلها من أصحاب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وهو مظلوم، فهو مأذون له في الجهاد، كما أذن لهم في الجهاد. لأنّ حكم اللّه- تعالى- في الأوّلين والآخرين وفرائضه عليهم سواء، إلّا من علّة، أو حادث يكون. والأوّلون والآخرون- أيضا- في منع الحوادث شركاء، والفرائض عليهم واحدة. يسأل الآخرون عن أداء الفرائض عمّا يسال عنه الأوّلون، ويحاسبون عمّا به يحاسبون.

و من لم يكن على صفة من أذن اللّه له في الجهاد من المؤمنين، فليس من أهل الجهاد، وليس بمأذون له فيه، حتّى يفي‏ء بما شرط اللّه- تعالى- عليه. فإذا تكاملت فيه شرائط اللّه- تعالى- على المؤمنين والمجاهدين ، فهو من المأذون  لهم في الجهاد.

فليتّق اللّه- تعالى- عبد  ولا يغترّ بالأمانيّ الّتي نهى اللّه- تعالى- عنها من هذه الأحاديث الكاذبة على اللّه الّتي يكذّبها القرآن، ويتبرّأ منها ومن حملتها  ورواتها، ولا يقدم على اللّه- تعالى- بشبهة لا يعذر بها. فإنّه ليس وراء المتعرّض  للقتل في سبيل اللّه منزلة يؤتى اللّه من قبلها، وهي غاية الأعمال في عظم قدرها.

فليحكم امرؤ لنفسه، وليرها كتاب اللّه- تعالى- ويعرضها عليه. فإنّه لا أحد أعرف بالمرء من نفسه. فإن وجدها قائمة بما شرط اللّه عليه في الجهاد، فليقدم على الجهاد.

و إن علم تقصيرا، فليصلحها وليقمها  على ما فرض اللّه عليها من الجهاد. ثمّ ليقدم بها وهي طاهرة [مطهّرة]  من كلّ دنس يحول بينها وبين جهادها.و لسنا نقول لمن أراد الجهاد، وهو على خلاف ما وصفناه من شرائط اللّه- عزّ وجلّ- على المؤمنين والمجاهدين: لا تجاهدوا! ولكن نقول: قد علّمناكم ما شرط اللّه- تعالى- على أهل الجهاد الّذين بايعهم، واشترى منهم أنفسهم  وأموالهم بالجنان.

فليصلح امرؤ ما علم من نفسه من تقصير عن ذلك، وليعرضها على شرائط اللّه. فإن رأى أنّه قد وفي بها، وتكاملت فيه، فإنّه ممّن أذن اللّه- تعالى- له في الجهاد. وإن أبى إلّا أن يكون  مجاهدا- على ما فيه من الإصرار على المعاصي والمحارم والإقدام على الجهاد بالتّخبيط والعمى، والقدوم على اللّه- عزّ وجلّ- بالجهل والرّوايات الكاذبة- فلقد لعمري  جاء الأثر فيمن فعل هذا الفعل : أنّ اللّه- تعالى- ينصر هذا الدّين بأقوام لا خلاق لهم.

فليتّق اللّه- تعالى- امرؤ. وليحذر أن يكون منهم. فقد بيّن لكم، ولا عذر لكم بعد البيان في الجهل. ولا قوّة إلّا باللّه. وحسبنا اللّه، عليه توكّلنا، وإليه المصير.

وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ بتسليط المؤمنين منهم على الكافرين.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد  بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن حجر بن زائدة، عن حمران، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ (الآية).

فقال: كان قوم صالحون هم مهاجرون قوم سوء خوفا أن يفسدوهم. فيدفع اللّه أيديهم عن الصّالحين، ولم يأجر أولئك بما يدفع  بهم. وفينا مثلهم.

لَهُدِّمَتْ: لخرّبت باستيلاء المشركين على أهل الملل.

و قرئ : «لهدمت» بالتّخفيف.

صَوامِعُ: صوامع الرّهبانيّة وَبِيَعٌ: وبيع النّصارى.

وَ صَلَواتٌ:قيل : وكنائس اليهود سمّيت بها، لأنّها يصلّى فيها.

و قيل : أصلها «صلوتا» بالعبريّة، فعرّب.

و في مجمع البيان : وقرأ جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-: «و صلوات»- بضمّ الصّاد [و اللّام‏] .

وَ مَساجِدُ: ومساجد المسلمين.

يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً:

صفة للأربع، أو ل «مساجد» خصت بها تفضيلا.

وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ: من ينصر دينه.

قيل : وقد أنجز وعده بأن سلّط المهاجرين والأنصار على صناديد العرب وأكاسرة العجم وقياصرتهم، وأورثهم أرضهم وديارهم.

إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ على نصرهم عَزِيزٌ  لا يمانعه شي‏ء.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ (الآية) قال:

هم الأئمّة. وهم الأعلام. ولولا صبرهم وانتظارهم الأمر أن يأتيهم من اللّه- تعالى- لقتلوا جميعا. قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.