سورة الحجّ‏ الآية 61-78

ذلِكَ، أي: ذلك النّصر. 

بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ: بسبب أن اللّه- تعالى- قادر على تغليب بعض الأمور على بعض، جار عادته على المداولة بين الأشياء المتعاندة. ومن ذلك إيلاج أحد المتلوّين في الآخر، بأن يزيد فيه ما ينقص منه. أو بتحصيل ظلمة اللّيل مكان ضوء النّهار، بتغييب الشّمس، وعكس ذلك بإطلاعها.

وَ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ يسمع قول المعاقب والمعاقب بَصِيرٌ  يرى أفعالهما فلا يهملهما.

ذلِكَ الوصف بكمال القدرة والعلم.

بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الثّابت في نفسه الواجب لذاته وحده، فإنّ وجوب وجوده ووحدته يقتضيان أن يكون مبدأ لكلّ ما يوجد سواه، عالما بذاته وبما عداه. أو: الثّابت الإلهيّة، ولا يصلح لها إلّا من كان قادرا عالما.

وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ: إلها.

و قرأ  ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو بكر بالتّاء، على مخاطبة المشركين.

و قرئ  بالبناء للمفعول، فيكون الواو ل «ما» فإنّه في معنى الآلهة.

هُوَ الْباطِلُ: المعدوم في حدّ ذاته أو باطل الإلهيّة.

وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ: علا الأشياء الْكَبِيرُ  عن أن يكون له شريك، لا شي‏ء أعلى منه شأنا وأكبر سلطانا.أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً:

استفهام تقرير. ولذلك رفع.

فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً:

عطفا على «أنزل» إذ لو نصب جوابا، لدلّ على نفي الاخضرار. كما في قولك: ألم تر أنّي جئتك فتكر مني. والمقصود إثباته.

و إنّما عدل به عن صيغة الماضي، للدّلالة على بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان.

إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ: يصل علمه أو لطفه إلى كلّ ما جلّ ودقّ خَبِيرٌ  بالتّدابير الظّاهرة والباطنة.

لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقا وملكا.

وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ في ذاته عن كلّ شي‏ء الْحَمِيدُ  المستوجب للحمد بصفاته وأفعاله.

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ: جعلها مذلّلة لكم معدّة لمنافعكم.

وَ الْفُلْكَ:

عطف على «ما» أو على اسم «أنّ».

و قرئ  بالرّفع على الابتداء.

تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ:

حال منها أو خبر.

وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ: من أن تقع- أو: كراهة أن تقع- بأن خلقها على صورة متداعية إلى الاستمساك.

إِلَّا بِإِذْنِهِ: إلّا بمشيئته. وذلك يوم القيامة.

قيل : وفيه ردّ لاستمساكها بذاتها، فإنّها مساوية لسائر الأجسام في الجسميّة.

فتكون قابلة للميل الهابط قبول غيرها.

إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ  حيث هيّأ لهم أسباب الاستدلال، وفتح عليهم أبواب المنافع، ودفع عنهم أنواع المضارّ.و في كتاب كمال الدّين وتمام النعمة  بإسناده إلى أبي حمزة الثّماليّ، عن الصّادق جعفر بن محمّد، عن أبيه عن آبائه- عليهم السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل يذكر فيه الاثني عشر- صلوات اللّه عليهم- بأسمائهم. وفي آخره يقول- صلّى اللّه عليه وآله-:

و من أنكرهم، أو أنكر واحدا منهم، فقد أنكرني. بهم يسمك اللّه- عزّ وجلّ- السّماء أن تقع على الأرض إلّا باذنه. وبهم يحفظ الأرض أن تميد بأهلها.

قوله: «و من أنكرهم، أو أنكر واحدا منه، فقد أنكرني»

يدلّ على كفر أهل السّنة صريحا، لأنّه لا شكّ في كفر من أنكر الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله.

و بإسناده  إلى سليمان بن مهران الأعمش، عن الصّادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين- عليهم السّلام- حديث طويل، يقول فيه: بنا يمسك اللّه السّماء  أن تقع على الأرض إلّا بإذنه. وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها.

و في كتاب علل الشّرائع : حدّثنا أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد، عن الهيثم النّهديّ ، عن بعض أصحابنا بإسناده رفعه قال: كان أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- يقرأ: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً  يقولها عند الزّلزلة. ويقول: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.

وَ هُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ بعد أن كنتم جمادا عناصر ونطفا.

ثُمَّ يُمِيتُكُمْ: إذا جاء أجلكم.

ثُمَّ يُحْيِيكُمْ في الآخرة.

إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ : لجحود للنّعم مع ظهورها.

لِكُلِّ أُمَّةٍ أهل دين جَعَلْنا مَنْسَكاً: متعبّدا، أو شريعة تعبّدوا بها.

و قيل : عيدا.هُمْ ناسِكُوهُ: ينسكونه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله- عزّ وجلّ-: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ. أي: مذهبا يذهبون به.

فَلا يُنازِعُنَّكَ سائر أرباب الملل فِي الْأَمْرِ، أي: في أمر الدّين، أو النسائك. لأنّهم بين جهّال وأهل عناد. أو: لأنّ أمر دينك أظهر من أن يقبل النّزاع.

و قيل : المراد نهي الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- عن الالتفات إلى قولهم وتمكينهم من المناظرة المؤدّية إلى نزاعهم. فإنّها إنّما تنفع طالب الحقّ، وهؤلاء أهل مراء.

أو عن منازعتهم، كقولك: لا يضاربنّك زيد. وهذا إنّما يجوز في أفعال المغالبة للتّلازم.

و في جوامع الجامع : روي أنّ بديل بن ورقاء وغيره من كفّار خزاعة قالوا للمسلمين: ما لكم تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتله اللّه. يعنون الميتة.

و قرئ : «فلا ينزعنّك»  على تهييج الرّسول والمبالغة في تثبيته على دينه. على أنّه من: نازعته فنزعته: إذا غلبته.

وَ ادْعُ إِلى رَبِّكَ: إلى توحيده وعبادته.

إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ  طريق إلى الحقّ سويّ.

وَ إِنْ جادَلُوكَ وقد ظهر الحقّ ولزمت الحجّة، فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ  من المجادلة الباطلة وغيرها، فيجازيكم عليها. وهو وعيد فيه رفق.

اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ: يفصل بين المؤمنين منكم والكافرين بالثّواب والعقاب يَوْمَ الْقِيامَةِ، كما فصل في الدّنيا بالحجج والآيات.

فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ  من أمر الدّين.

أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ فلا يخفى عليه شي‏ء.

إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ:

هو اللّوح. كتبه فيه قبل حدوثه. فلا يهمنّك أمرهم، مع علمنا به وحفظنا له.

إِنَّ ذلِكَ: إنّ الإحاطة به وإثباته في اللّوح، أو الحكم بينكم عَلَى اللَّهِ‏يَسِيرٌ . لأنّ علمه مقتضى ذاته المتعلّق بكلّ المعلومات على سواء.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- بالإسناد المتقدّم، عن عيسى بن داود قال: حدّثنا الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: لمّا نزلت هذه الآية: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ جمعهم [رسول اللّه‏] - صلّى اللّه عليه وآله. ثمّ قال: يا معشر الأنصار والمهاجرين! إنّ اللّه- تعالى- يقول:

لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ. والمنسك  هو الإمام لكلّ أمّة بعد نبيّها، حتّى يدركه نبيّ. ألا وإنّ لزوم الإمام وطاعته هو الدّين، وهو المنسك. وهو عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- إمامكم بعدي. فإنّي أدعوكم إلى هداه، فإنّه على هدى مستقيم.

فقام القوم يتعجّبون من ذلك ويقولون: واللّه إذا لننازعنّ  في الأمر، ولا نرضى طاعته أبدا، و[إن‏]  كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مخص  به. فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ- الآية، إلى قوله:- إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.

وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً: حجّة تدلّ على جواز عبادته.

وَ ما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ حصل لهم من ضرورة العقل واستدلاله .

وَ ما لِلظَّالِمِينَ: وما للّذين ارتكبوا مثل هذا الظّلم مِنْ نَصِيرٍ  يقرّر مذهبهم، أو يدفع العذاب عنهم.

وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا من القرآن بَيِّناتٍ: واضحات الدّلالة على العقائد الحقّة والأحكام الإلهيّة.

تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ: الإنكار، لفرط نكيرهم للحقّ، وغيظهم لأباطيل أخذوها تقليدا. وهذا منتهى الجهالة. وللإشعار بذلك، وضع الَّذِينَ كَفَرُوا موضع الضمير. أو: ما يقصدونه من الشّرّ.

يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا: يثبون، ويبطشون بهم.

قُلْ أَ فَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ: من غيظكم على التّالين وسطوتكم عليهم أو ممّا أصابكم من الضّجر بسبب ما تلوا عليكم.

النَّارُ، أي: هو النّار.

كأنّه جواب سائل قال: ما هو؟ ويجوز أن يكون مبتدأ خبره: وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا.

و قرئ  بالنّصب، على الاختصاص. وبالجرّ، بدلا من «شرّ». فتكون الجملة استئنافا كما إذا رفعت  خبرا أو حالا منها.

وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ  النّار.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، عن عيسى بن داود  قال: حدّثنا الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ - إلى قوله:- وَبِئْسَ الْمَصِيرُ قال:

كان القوم إذا نزلت في أمير المؤمنين عليّ- عليه السّلام- آية في كتاب اللّه فيها فرض طاعته  أو فضيلة فيه أو في أهله، سخطوا ذلك، وكرهوا، حتّى همّوا به، وأرادوا به العظيم ، وأرادوا برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [أيضا]  ليلة العقبة، غيظا وغضبا وحسدا. حتّى نزلت هذه الآية.

يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ: بيّن لكم حال  مستغربة، أو قصّة رائعة. ولذلك سمّاها مثلا. أو: جعل للّه مثل. أي مثل في استحقاق العبادة.

فَاسْتَمِعُوا لَهُ: للمثل- أو: لشأنه- استماع تدبّر وتفكّر.

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، يعني: الأصنام.و قرأ يعقوب  بالياء. وقرئ به مبنيّا للمفعول. والرّاجع إلى الموصول محذوف على الأوّلين.

لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً: لا يقدرون على خلقه مع صغره. لأنّ «لن» بما فيها من تأكيد النّفي، دالّة على منافاة ما بين المنفيّ والمنفيّ عنه.

و الذّباب من الذّبّ. وجمعه: أذبّة وذبّان.

وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، [أي: للخلق. هو]  بجوابه المقدّر في موضع الحال. جي‏ء به  للمبالغة. أي: لا يقدرون على خلقه، مجتمعين له متعاونين عليه. فكيف إذا كانوا منفردين!؟

وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ:

جهّلهم غاية التّجهيل بأن أشركوا إلها قدر على المقدّرات كلّها، وتفرّد بإيجاد الموجودات بأسرها، تماثيل هي أعجز الأشياء. وبيّن ذلك بأنّها لا تقدر على خلق أقلّ الأحياء وأذلّها، ولو اجتمعوا له. بل لا تقوى على مقاومة هذا الأقلّ الأذلّ، وتعجز عن ذبّه عن نفسها، واستنقاذ ما يختطفه من عندها.

قيل: كانوا يطلونها بالطّيب والعسل، ويغلقون عليها الأبواب. فيدخل الذّباب من الكوى فيأكله.

ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ : عابد الصّنم ومعبوده. أو: الذّباب يطلب ما يسلب عن الصّنم من الطّيب، والصّنم يطلب الذّباب منه السّلب. أو: الصّنم والذّباب.

كأنّه يطلبه ليستنقذ منه ما سلبه، ولو حقّقت وجدت الصّنم أضعف بدرجات.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن العبّاس بن عامر، عن أحمد بن رزق  القسمانيّ ، عن عبد الرّحمن بن الأشلّ بيّاع الأنماط، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

 كانت قريش تلطّخ الأصنام الّتي كانت حول الكعبة بالمسك والعنبر. وكان يغوث قبال الباب. و[كان‏]  يعوق عن يمين الكعبة. وكان نسر عن يسارها. وكانوا إذا دخلوا، خرّوا سجّدا ليغوث، ولا ينحنون. ثمّ يستديرون بحيالهم إلى يعوق. ثمّ يستديرون عن يسارها بحيالهم إلى نسر. ثمّ يلبّون فيقولون: لبّيك اللّهمّ لبّيك! لبّيك لا شريك لك [إلّا شريك هو لك‏]  تملكه وما ملك.

قال: فبعث اللّه ذبابا أخضر له أربعة أجنحة. فلم يبق من ذلك المسك والعنبر شيئا إلّا أكله. وأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ  مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ.

ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ: ما عرفوه حقّ معرفته، حيث أشركوا به، وسمّوا باسمه ما هو أبعد الأشياء عنه مناسبة.

إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ على خلق الممكنات بأسرها عَزِيزٌ  لا يغلبه شي‏ء.

و آلهتهم الّتي يدعونها عجزة عن أقلّها، مقهورة من أذلّها.

اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا يتوسّطون بينه وبين الأنبياء بالوحي وَمِنَ النَّاسِ يدعون سائرهم إلى الحقّ، ويبلّغون إليهم ما نزل.

كأنّه لمّا قرّر وحدانيّته في الألوهيّة، ونفى أن يشاركه غيره في صفاتها، بيّن أنّ له عبادا مصطفين للرّسالة، يتوسّل بإجابتهم والاقتداء بهم إلى عبادة اللّه- سبحانه- وهو أعلى المراتب ومنتهى الدّرجات لمن عداه من الموجودات، تقريرا للنّبوّة وتزييفا لقولهم:

ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى ، والملائكة بنات اللّه، ونحو ذلك.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: فاصطفى- جلّ ذكره- من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه. وهم الّذين قال فيهم: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله- عزّ وجلّ-: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا.أي: يختار. وهم  جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل - عليهم السّلام. ومن النّاس الأنبياء والأوصياء. ومن  الأنبياء نوح- عليه السّلام- وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله وعليهم. ومن هؤلاء الخمسة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. ومن الأوصياء أمير المؤمنين والأئمّة- صلوات اللّه عليهم. وفيه تأويل غير هذا.

إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ : مدرك للأشياء كلّها.

يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ: عالم لواقعها ومترقّبها.

وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ : وإليه ترجع الأمور كلّها. لأنّه مالكها. لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ  من الاصطفاء أو غيره، وَهُمْ يُسْئَلُونَ  عمّا يفعلون ويقولون.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا في صلاتكم. لأنّهم ما كانوا يفعلونهما  أوّل الإسلام. أو: صلّوا. وعبّر عن الصّلاة بهما، لأنّهما أعظم أركانها. أو: اخضعوا له، وخرّوا له سجّدا.

وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ بسائر ما تعبّدكم به.

و في من لا يحضره الفقيه : قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفيّة- رضي اللّه عنه-: يا بنيّ، لا تقل ما  لا تعلم. بل لا تقل كلّ ما تعلم. فإنّ اللّه- تبارك وتعالى- قد فرض على جوارحك كلّها فرائض- إلى قوله:- ثمّ استعبدها بطاعته فقال- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. فهذه فريضة جامعة واجبة على الجوارح.

و في جوامع الجامع  عن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول اللّه، في سورة الحجّ سجدتان؟ قال: نعم. إن لم تسجدهما، فلا تقرأهما.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا

 يقول فيه- عليه السّلام- بعد أن قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- فرض الإيمان على جوارح ابن آدم، وقسّمه عليها، وفرّقه فيها:

و فرض على الوجه السّجود له باللّيل والنّهار في مواقيت الصّلاة، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وهذه فريضة جامعة على الوجه واليدين والرّجلين. وقال في موضع آخر : وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً.

وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ: تحرّوا ما هو خير وأصلح فيما تأتون وتذرون، كنوا فل الطّاعات وصلة الأرحام ومكارم الأخلاق.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمّد  القاسانيّ، جميعا عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: جعل الخير كلّه في بيت. وجعل مفتاحه الزّهد في الدّنيا.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود قال:

 

سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: من همّ بشي‏ء من الخير، فليعجّله. فإنّ كلّ شي‏ء فيه تأخير، فإنّ للشّيطان فيه نظرة.

و في عيون الأخبار  بإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: اصطنع  الخير إلى من هو أهله [و إلى من هو ليس من أهله‏] . فإن لم تصب من هو أهله، فأنت أهله.

و بإسناده  قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: رأس العقل بعد الإيمان التّودّد إلى النّاس، واصطناع الخير إلى كلّ برّ وفاجر.

لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، أي: افعلوا هذه كلّها، وأنتم راجون الفلاح، غيرمتيقّنين  له، واثقين على أعمالكم.

وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ: للّه ومن أجله، أعداء اللّه الظّاهرة- كأهل الزّيغ- والباطنة، كالهوى والنّفس.

حَقَّ جِهادِهِ، أي: جهادا فيه حقّا خالصا لوجهه. فعكس وأضيف الحقّ إلى الجهاد مبالغة، كقولك: هو حقّ عالم. وأضيف الجهاد إلى الضّمير اتّساعا، أو لأنّه مختصّ باللّه، من حيث إنّه مفعول لوجه اللّه ومن أجله.

هُوَ اجْتَباكُمْ: اختاركم لدينه ولنصرته. وفيه تنبيه على المقتضي للجهاد والدّاعي إليه.

و في قوله: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ- أي: ضيق بتكليف ما يشتدّ القيام به عليكم- إشارة إلى أنّه لا مانع لهم عنه، ولا عذر لهم في تركه. أو إلى الرّخصة في إغفال بعض ما أمرهم به حيث شقّ عليهم،

لقوله- صلّى اللّه عليه وآله-: إذا أمرتكم بشي‏ء، فأتوا منه ما استطعتم.

و قيل : ذلك بأن جعل لهم من كلّ ذنب مخرجا، بأن رخّص لهم في المضايق، وفتح عليهم باب التّوبة، وشرع لهم الكفّارات في حقوقه، والأروش والدّيات في حقوق العباد.

مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ:

منتصب على المصدر بفعل دلّ عليه مضمون ما قبلها بحذف المضاف. أي: وسّع دينكم توسعة ملّة أبيكم. أو على الإغراء. أو على الاختصاص.

و قيل : بإضمار فعل تقديره: واتّبعوا ملّة أبيكم.

 [و قيل : عليكم ملّة أبيكم.]

و قيل : تقديره: وافعلوا الخير فعل أبيكم.

و إنّما جعله أباهم لأنّه أبو رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو كالأب لأمّته، من حيث إنّه سبب لحياتهم الأبديّة، ووجودهم على الوجه المعتدّ به في الآخرة. أو لأنّ أكثر العرب كانوا من ذرّيّته، فغلّبوا على غيرهم.هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ: قبل القرآن في الكتب المتقدّمة  وَفِي هذا: وفي القرآن.

و الضّمير للّه. ويدلّ عليه أنّه قرئ : «اللّه سمّاكم». أو لإبراهيم، وتسميتهم «مسلمين» في القرآن- وإن لم تكن منه- كان بسبب تسميته من  قبل في قوله :

وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ.

و قيل : «و في هذا» تقديره: وفي هذا بيان تسميته إيّاكم مسلمين.

لِيَكُونَ الرَّسُولُ يوم القيامة. شَهِيداً عَلَيْكُمْ:

قيل : بأنّه بلّغكم.

و قيل : بالطّاعة والقبول.

وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ بتبليغ الرّسل إليهم.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد العجليّ قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ. قال:

إيّانا عنى. ونحن المجتبون. ولم يجعل اللّه- تبارك وتعالى- في الدّين من حرج.

فالحرج أشدّ من الضّيق. مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ. إيّانا عنى خاصّة. هُوَ  سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ. اللّه- عزّ وجلّ- سمّانا المسلين من قبل في الكتب الّتي مضت، وفي هذا القرآن لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ. فرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الشّهيد علينا، بما بلّغنا عن اللّه- تبارك وتعالى. ونحن الشّهداء على النّاس يوم القيامة. فمن صدّق يوم القيامة، صدّقناه. ومن كذّب، كذّبناه.

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن‏

 عائذ، عن عمر بن أذينة، عن بريد العجليّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قول اللّه- عزّ وجلّ-: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ. قال:

إيّانا عنى خاصّة. هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ في الكتب الّتي مضت وَفِي هذا القرآن لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ. فرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الشّهيد علينا، بما بلّغنا عن اللّه- عزّ وجلّ. ونحن الشّهداء على النّاس. فمن صدّق، صدّقناه يوم القيامة. ومن كذّب، يوم القيامة كذّبناه.

و في عيون الأخبار» بإسناده إلى ابن أبي عبدون، عن أبيه قال: لمّا حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون- وقد كان خرج بالبصرة، وأحرق دور ولد العبّاس- وهب المأمون جرمه لأخيه عليّ بن موسى الرّضا. وقال له: يا أبا الحسن، لئن خرج  أخوك وفعل ما فعل، لقد خرج [قبله‏]  زيد بن عليّ، فقتل. ولو لا مكانك منّي، لقتلته. فليس ما أتاه بصغير.

فقال الرّضا- عليه السّلام-: يا أمير المؤمنين، لا تقس أخي زيدا إلى زيد بن عليّ! فإنّه كان من علماء  آل محمّد. غضب للّه- تعالى- فجاهد أعداءه حتّى قتل في سبيله. ولقد حدّثني أبي موسى بن جعفر- عليهما السّلام- أنّه سمع أباه جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- يقول: رحم اللّه عمّي زيدا! إنّه دعا إلى الرّضا من آل محمّد- عليهم السّلام. ولو ظفر، لوفى بما دعا إليه. ولقد استشارني في خروجه، فقلت له: يا عمّي، إن رضيت أن تكون [المقتول‏]  المصلوب بالكناسة ، فشأنك. فلمّا ولّى، قال جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-: ويل لمن سمع واعيته، فلم يجبه.

فقال المأمون: با أبا الحسن، أليس قد جاء فيمن ادّعى الإمامة بغير حقّها ما جاء؟

فقال الرّضا- عليه السّلام-: إنّ زيد بن عليّ- عليه السّلام- لم يدّع ما ليس له بحقّ. وإنّه كان أتقى للّه- تعالى- من ذلك. إنّه قال: أدعوكم إلى  الرّضا من آل محمّد. وإنّما جاء ما جاء فيمن يدّعى أنّ اللّه- تعالى- نصّ عليه، ثمّ يدعو إلى غير دين‏اللّه، ويضلّ عن سبيله بغير علم. وكان زيد- واللّه- ممّن خوطب بهذه الآية:

وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ.

و في كتاب الخصال  عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: الحجّ جهاد كلّ ضعيف.

جهاد المرأة حسن التّبعّل. لا يخرج المؤمن  في الجهاد وهو مع من لا يؤمن على الحكم ولا ينفّذ في الفي‏ء  أمر اللّه- تعالى. فإن  مات في ذلك، كان معينا لعدوّنا في حبس حقوقنا، والإشاطة  بدمائنا وميتته  ميتة  جاهليّة.

عن الأصبغ بن نباتة  عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل يقول فيه: والجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، والصّدق في المواطن، وشنآن الفاسقين. فمن أمر بالمعروف، شدّ ظهر المؤمن. ومن نهى عن المنكر، أرغم  أنف الشّيطان . ومن صدق في المواطن، قضى الّذي عليه. ومن شنأ الفاسقين، وغضب للّه- تعالى- غضب اللّه له.

عن فضيل بن عياض ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الجهاد:

أسنّة هو أم فريضة؟ فقال:

الجهاد على أربعة أوجه: فجهادان فرض، وجهاد سنّة لا يقام إلّا مع فرض، وجهاد سنّة.

فأمّا أحد الفرضين، فمجاهدة الرّجل نفسه عن معاصي اللّه، وهو من أعظم الجهاد.

و مجاهدة الّذين يلونكم من الكفّار فرض.

و أمّا الجهاد الّذي هو سنّة لا يقام إلّا مع فرض، فإنّ مجاهدة العدوّ فرض على جميع الأمّة . ولو تركوا الجهاد، لأتاهم العذاب. وهذا هو من عذاب الأمّة. وهو سنّة على الإمام أن يأتي العدوّ مع الأمّة فيجاهدهم. وأمّا الجهاد الّذي هو سنّة، فكلّ سنّة أقامهاالرّجل، وجاهد في إقامتها وبلوغها وأحياها. فالعمل والسّعي فيها من أفضل الأعمال، لأنّه إحياء سنّة. قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: من سنّ سنّة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها  من غير أن ينقص من أجورهم شي‏ء.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن ابن محبوب، عن عليّ بن حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ في الصّلاة والزّكاة والصّوم [و الخير] . إذا تولّوا اللّه ورسوله وأولي الأمر منّا أهل البيت، قبل اللّه أعمالهم.

و في جوامع الجامع : وفي الحديث: انّ أمّتي أمّة مرحومة.

و في الاستبصار  بإسناده إلى أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الجنب يجعل الرّكوة أو التّور، فيدخل إصبعه فيه. قال: إن كانت يده قذرة، فأهرقه.

و إن كانت لم يصبها قذر، فليغتسل منه. هذا ممّا قال اللّه- تعالى-: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.

و بإسناده إلى أبي بصير  قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّا نسافر. فربّما بلينا بالغدير من المطر يكون إلى جانب القرية، فيكون فيه العذرة، ويبول فيه الصّبيّ، ويبول فيه الدّوابّ  وتروث. فقال: إن عرض في قلبك منه شي‏ء، فافعل  هكذا- يعني:

افرج الماء بيدك- ثمّ توضّأ. فإنّ الدّين ليس بمضيق. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.

و في تهذيب الأحكام : أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: عثرت، فانقطع ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة. كيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا

و أشباهه من كتاب اللّه- عزّ وجلّ. قال اللّه: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.

امسح عليه.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن ابن مسكان، قال: حدّثني محمّد بن ميسر قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن الرّجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطّريق، ويريد أن يغتسل منه، وليس معه إناء يغرف. ويداه قذرتان. قال: يضع يده. ثمّ  يتوضّأ. ثمّ يغتسل. هذا ممّا قال اللّه- عزّ وجلّ-: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: عثرت، فانقطع ظفري- ونقل كما نقلت عن التّهذيب سواء.

و في قرب الإسناد  للحميريّ بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن أبيه، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ممّا أعطى اللّه أمّتي، وفضّلهم به على سائر الأمم، أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها إلّا نبيّ. وذلك أنّ اللّه- تبارك وتعالى- [كان إذا بعث نبيّا»

 

 قال له: اجتهد في دينك، ولا حرج عليك. وإنّ اللّه- تبارك وتعالى-]  أعطى أمّتي ذلك، حيث يقول: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. يقول: من ضيق.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- أنّه قال: ليس على ملّة إبراهيم غيرنا. وسائر النّاس منها براء.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في قرب الإسناد  للحميريّ بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن أبيه، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ممّا أعطى اللّه أمّتي، وفضّلهم به على‏سائر الأمم، أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها إلّا نبيّ. وذلك أنّ اللّه- تبارك وتعالى- كان إذا بعث نبيّا، جعله شهيدا على قومه، وأنّ اللّه- تبارك وتعالى- جعل أمّتي شهيدا  على الخلق، حيث يقول: لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ [وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب المناقب  لابن شهرآشوب: وفي خبر أنّ قوله- تعالى-: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ فدعوة إبراهيم وإسماعيل لآل محمّد- صلوات اللّه عليهم. فإنّه لمن لزم الحرم من قريش حتّى جاء النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ اتّبعه وآمن به. وامّا قوله- تعالى-: لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ‏]  النبيّ يكون على آل محمّد شهيدا، ويكونون  شهداء على الناس.

عبد اللّه بن الحسن ، عن زين العابدين- عليه السّلام- في قوله- تعالى -:

لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ قال: نحن هم.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة  بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود، عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: نحن حجج اللّه في خلقه. ونحن شهداء اللّه وأعلامه في بريّته.

و بإسناده  إلى سليم بن قيس الهلاليّ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال في جمع من المهاجرين والأنصار بالمسجد أيّام خلافة عثمان: أنشدكم اللّه، أ تعلمون أنّ اللّه- عزّ وجلّ- أنزل في سورة الحجّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ [لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏] - إلى آخر السّورة- فقام سلمان فقال: يا رسول اللّه، من هؤلاء الّذين أنت عليهم شهيد، وهم شهداء على النّاس الّذين اجتباهم اللّه ولم يجعل عليهم في الدّين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم؟ فقال- عليه السّلام-: عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصّة دون هذه الأمّة. قال سلمان: بيّنهم لنا يا رسول اللّه. قال: أنا وأخي‏ [عليّ‏]  وأحد عشر من ولدي. قالوا: اللّهم نعم.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ: فتقرّبوا إلى اللّه بأنواع الطّاعات لما خصّكم بهذا الفضل والشّرف.

و في مجمع البيان : وروى عبد اللّه بن عمر، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: لا تقبل الصّلاة إلّا بالزّكاة.

وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ: وثقوا به في مجامع أموركم، ولا تطلبوا الإعانة والنّصرة إلّا منه.

هُوَ مَوْلاكُمْ: ناصركم ومتولّي أموركم.

فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ  هو، إذ لا مثل له في الولاية والنّصرة، بل لا مولى ولا ناصر  سواه في الحقيقة.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، عن عيسى بن داود قال: حدّثنا الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ‏]  (الآية): أمرهم بالرّكوع والسّجود وعبادة اللّه وقد افترضها اللّه  عليهم. وأمّا فعل الخير، فهو طاعة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- بعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ يا شيعة آل محمّد وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. قال: من ضيق.

مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ يا آل محمّد، يا من قد استودعكم المسلمين، وافترض طاعتكم عليهم. وَتَكُونُوا [أنتم‏]  شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ بما قطعوا من رحمكم، وضيّعوا من حقّكم، ومزّقوا من كتاب اللّه،و عدلوا حكم غيركم بكم. فالزموا الأرض وأقيموا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ يا آل محمد وأهل بيته. هُوَ مَوْلاكُمْ أنتم وشيعتكم فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.