سورة الرّعد

سورة الرّعد مدنيّة.

و قيل : مكّيّة، إلّا قوله: وَيَقُولُ الَّذِينَ (الآية).

و آياتها ثلاث  وأربعون.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال: من أكثر قراءة سورة الرّعد لم يصبه اللَّه بصاعقة أبدا ولو كان ناصبيّا ، وإذا كان مؤمنا دخل  الجنّة بلا حساب ويشفع في جميع من يعرفه  من أهل بيته وإخوانه.

و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: من قرأ سورة الرّعد أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ سحاب مضى وكلّ سحاب يكون إلى يوم القيامة، وكان يوم القيامة من المؤمنين  بعهد اللَّه.

المر قيل : معناه: أنا اللَّه أعلم وأرى.و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ: عن الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- [و «المر» معناه:]»

 أنا اللَّه المحيي المميت الرّزاق.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي لبيد ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

يا أبا لبيد، إنّ لي في حروف القرآن المقطّعة لعلما جمّا. إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- أنزل الم  ذلِكَ الْكِتابُ فقام محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- حتّى ظهر نوره وثبتت كلمته وولد يوم ولد، وقد مضى من الألف السّابع مائة سنة وثلاث سنين.

ثمّ قال: وتبيانه في كتاب اللَّه في الحروف المقطّعة إذا عدّدتها من غير تكرار، وليس من حروف مقطّعة حرف تنقضي أيّامه إلّا وقائم من بني هاشم عند انقضائه.

ثمّ قال: «الألف» واحد، و«اللّام» ثلاثون، و«الميم» أربعون، و«الصّاد» تسعون ، فذلك مائة وإحدى وستّون . ثمّ كان بدو خروج الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- «الم [اللَّه‏] ». فلمّا بلغت مدّته، قام قائم  ولد العبّاس عند «المص»، ويقوم  قائمنا عند انقضائها ب «المر» ، فافهم ذلك وعه  واكتمه.

تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ:

قيل : المراد بالكتاب: السّورة، و«تلك» إشارة إلى آياتها، أي: تلك الآيات آيات السّورة الكاملة. أو القرآن.

وَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ: هو القرآن كلّه.

و محلّه الجرّ بالعطف على «الكتاب» عطف العامّ على الخاصّ، أو إحدى الصّفتين على الأخرى.أو الرّفع بالابتداء، وخبره الْحَقُّ. والجملة كالحجّة على الجملة الأولى.

وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ : لإخلالهم بالنّظر والتّأمّل فيه.

اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ: مبتدأ وخبره الموصول. ويجوز أن يكون الموصول صفة، والخبر يُدَبِّرُ الْأَمْرَ.

بِغَيْرِ عَمَدٍ: أساطين، جمع عماد، كإهاب وأهب. أو عمود، كأديم وأدم.

و قرئ : «عمد»، كرسل.

تَرَوْنَها: صفة «لعمد»، أو استئناف للاستشهاد برؤيتهم السّماوات كذلك. وهو دليل على وجود الصّانع الحكيم، فإنّ ارتفاعها على سائر الأجسام المساوية لها في حقيقة الجرميّة، واختصاصها بما يقتضي ذلك، لا بدّ وأن يكون المخصّص ليس بجسم ولا جسمانيّ، يرجّح بعض الممكنات على بعض بإرادته، وعلى هذا المنهاج سائر ما ذكر من الآيات.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: فثمّ  عمد، ولكن لا ترونها.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: فمن شواهد خلقه خلق السّماوات موطدات  بلا عمد، قائمات بلا سند.

و فيه  كلام له- عليه السّلام- يذكر فيه خلق السّماوات: جعل سفلاهنّ موجا مكفوفا، وعلياهنّ سقفا محفوظا وسمكا مرفوعا، بغير عمد يدعمها، ولا دسار  ينتظمها .

و في كتاب الإهليلجة : قال الصّادق- عليه السّلام-: فنظرت العين إلى خلق مختلف متّصل بعضه ببعض، ودلّها القلب على أنّ لذلك خالقا، وذلك أنّه فكّر حيث دلّته العين على أنّ ما عاينت من عظم السّماء وارتفاعها في الهواء بغير عمد ولا دعامة تمسكها، وأنّها لا تتأخّر فتنكشط، ولا تتقدّم فتزول، ولا تهبط مرّة فتدنو، ولا ترتفع فلاترى.

ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ: سبق معناه.

وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ: ذلّلهما لما أراد منهما، كالحركة المستمرّة على حدّ من السّرعة ينفع في حدوث الكائنات وبقائها.

كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى: لمدّة معيّنة يتمّ فيها أدواره. أو لغاية مضروبة ينقطع دونها سيره، وهي إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ.

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ: أمر ملكوته من الإيجاد والإعدام، والإحياء والإماتة، وغير ذلك.

يُفَصِّلُ الْآياتِ: ينزلها ويبيّنها مفصّلة. أو يحدث الدّلائل واحدا بعد واحد.

لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ : لكي تتفكّروا فيها وتحقّقوا كمال قدرته، فتعلموا أنّ من قدر على خلق هذه الأشياء المخلوقات وتدبيرها قدر على الإعادة والجزاء.

وَ هُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ: بسطها طولا وعرضا، لتثبت عليها الأقدام ويتقلّب عليها الحيوان وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ: جبالا ثوابت. من رسا الشّي‏ء: إذا ثبت. جمع، راسية. والتّاء للتّأنيث، على أنّها صفة أجبل، أو للمبالغة.

وَ أَنْهاراً: ضمّها إلى الجبال، وعلّق بهما فعلا واحدا من حيث أنّ الجبال أسباب لتولّدها.

وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ: متعلّق بقوله: جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، أي: وجعل فيها من جميع أنواع الثّمرات صنفين اثنين، كالحلو والحامض، والأسود والأبيض، والصّغير والكبير، والرّطب واليابس.

يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ: يلبس ظلمة اللّيل ضياء النّهار، فيصير الجوّ مظلما بعد ما كان مضيئا.

و قرأ  حمزة والكسائي، بالتّشديد.

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ : فيها، فإنّ تكوّنها وتخصيصهابوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم دبّر أمرها وهيّأ أسبابها.

وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ: بعضها طيّبة، وبعضها سبخة، وبعضها رخوة، وبعضها صلبة، وبعضها يصلح للزّرع دون الشّجر، وبعضها بالعكس. ولو لا تخصيص قادر موقع لأفعاله على وجه دون وجه لم يكن كذلك، لاشتراك تلك القطع في الطّبيعة الأرضيّة وما يلزمها ويعرض لها بتوسّط ما يعرض من الأسباب السّماويّة، من حيث أنّها متضامّة متشاركة في النّسب والأوضاع.

وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ: وبساتين فيها أنواع الأشجار والزّروع.

و توحيد الزّرع، لأنّه مصدر في أصله.

و قرأ  ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص: «و زرع ونخيل» بالرّفع عطفا على «و جنّات».

صِنْوانٌ: نخلات أصلها واحد.

وَ غَيْرُ صِنْوانٍ: ومتفرّقات مختلفة الأصول. أو أمثال وغير أمثال.

و

في الحديث النّبويّ : عمّ الرّجل صنو أبيه.

و قرأ  حفص، بالضّمّ، وهو لغة تميم، كقنوان في جمع قنو.

يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ: في الثّمر شكلا وقدرا ورائحة وطعما. وذلك- أيضا- ممّا يدلّ على الصّانع الحكيم، فإنّ اختلافها مع اتّحاد الأصول والأسباب لا يكون إلّا بتخصيص قادر مختار.

و قرأ  ابن عامر وعاصم ويعقوب: «يسقى» بالتّذكير على تأويل ما ذكر.

و حمزة والكسائي: «و يفضّل» بالياء ليطابق قوله يُدَبِّرُ الْأَمْرَ.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الخطّاب الأعور، رفعه إلى أهل العلم والفقه من آل محمّد- عليهم السّلام- قال: فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ، يعني: هذه الأرض الطّيّبة مجاورة لهذه الأرض المالحة وليست منها، كما يجاور القوم وليسوا منهم.و في مجمع البيان : وروي عن جابر قال: سمعت النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- يقول لعليّ- عليه السّلام-: النّاس من شجر شتّى، وأنا وأنت من شجرة واحدة. ثمّ قرأ هذه الآية.

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ : يستعملون عقولهم بالتّفكّر، فيهتدون إلى عظمة الصّانع وعلمه وحكمته وقدرته.

وَ إِنْ تَعْجَبْ: يا محمّد بإنكارهم البعث.

فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ: حقيق بأن يتعجّب منه، فإنّ من قدر على إنشاء ما قصّ عليك كانت الإعادة أيسر شي‏ء عليه، والآيات المعدودة، كما هي دالّة على وجود المبدأ، فهي دالّة على إمكان الإعادة.

أَ إِذا كُنَّا تُراباً أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ: بدل من قولهم، أو مفعول له، والعامل في «إذا» محذوف دلّ عليه أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ.

أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ: لأنّهم كفروا بقدرته على البعث.

وَ أُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ: مقيّدون بالضّلال لا يرجى خلاصهم، أو يغلّون يوم القيامة.

وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ : لا ينفكّون عنها. وتوسيط الفصل، لتخصيص الخلود بالكفّار .

وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ: بالعقوبة قبل العافية، وذلك أنّهم استعجلوا بما هدّدوا به من عذاب الدّنيا استهزاء.

وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ: عقوبات أمثالهم من المكذّبين، فما بالهم لم يعتبروا بها، ولم يجوّزوا حلول مثلها عليهم؟

و «المثلة» بفتح الثّاء وضمّها، كالصّدقة والصّدقة: العقوبة، لأنّها مثل المعاقب عليه. ومنه المثال للقصاص. وأمثلت الرّجل من صاحبه: إذا اقتصصته منه.

و قرئ : «المثلات» بالتّخفيف. و«المثلات» بإتباع الفاء العين. والمثلات‏بالتّخفيف بعد الإتباع. و«المثلات» على أنّها جمع، مثلة، كركبة وركبات.

و في نهج البلاغة : واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال، فتذكّروا في الخير والشّرّ أحوالهم، واحذروا أن تكونوا أمثالهم.

و فيه : قال- عليه السّلام-: فاعتبروا بما أصاب الأمم المستكبرين من قبلكم من بأس [اللَّه‏]  وصولاته ووقائعه ومثلاته، واتّعضوا بمثاوي  خدودهم ومصارع جنوبهم.

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ: مع ظلمهم أنفسهم.

و محلّه النّصب على الحال، والعامل فيه «المغفرة». والتّقييد به دليل على جواز العفو قبل التّوبة، فإنّ التّائب ليس على ظلمه . ومن منع ذلك خصّ الظّلم بالصّغائر المكفّرة لمجتنب الكبائر، أو أوّل «المغفرة» بالسّتر والإمهال.

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ : للكفّار، أو لمن شاء.

و في مجمع البيان : وروي عن سعيد بن المسيّب قال: لمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: لو لا عفو اللَّه وتجاوزه ما هنأ أحد بعيش، ولو لا وعيد اللَّه وعقابه لا تكل كلّ واحد.

و في كتاب التّوحيد : حدّثنا أبو عليّ، الحسين بن أحمد البيهقيّ بنيشابور سنة اثنين وخمسين وثلاثمائة قال: أخبرنا محمّد بن يحيى الصّوليّ قال: حدّثنا أبي ذكوان  قال: سمعت إبراهيم بن العباس  يقول: كنّا في مجلس الرّضا- عليه السّلام- فتذاكروا الكبائر وقول المعتزلة فيها: «إنّها لا تغفر».

فقال الرّضا- عليه السّلام-: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة، قال اللَّه- جلّ جلاله-: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ.

وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ: لعدم اعتقادهم بالآيات المنزلة عليهم، واقتراحا لنحو ما أوتي موسى وعيسى- عليهما السّلام-.

إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ: مرسل للإنذار، كغيرك من الرّسل، وما عليك إلّا الإتيان بما تصحّ به نبوّتك من جنس المعجزات لا بما يقترح عليك.

و الآيات كلّها متساوية الأقدام في حصول الغرض.

وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ : يهديهم إلى الحقّ، ويدعوهم إلى الصّواب.

و في مجمع البيان : عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أنا المنذر وعليّ الهادي من بعدي، بك يا عليّ يهتدي المهتدون.

و روي الحاكم أبو القاسم الحسكانيّ  في كتاب «شواهد التّنزيل» بالإسناد [عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن أبيه، عن حكم بن جبير]  عن أبي بردة الأسلميّ قال: دعا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بالطّهور، وعنده عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فأخذ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بيد عليّ- عليه السّلام- بعد ما تطهّر فألزقها  بصدره، ثمّ قال: إنّما أنت منذر، يعني: نفسه، ثمّ ردّها إلى صدر عليّ- عليه السّلام- ثمّ قال: ولكلّ قوم هاد.

ثمّ قال: إنّك منار الأنام، وغاية الهدى، وأمير القرى، أشهد على ذلك إنّك كذلك.

و في أمالي الصّدوق ، بإسناده إلى عبّاد  بن عبد اللَّه قال: قال عليّ- عليه السّلام-: ما نزلت من القرآن آية إلّا وقد علمت أين نزلت، وفيمن نزلت، [و في أيّ شي‏ء نزلت،]  وفي سهل نزلت أو في جبل نزلت.

قيل: فما نزل فيك؟

قال: لو لا أنّكم سألتموني ما أخبرتكم، نزلت فيّ هذه الآية إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ. فرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- المنذر، وأنّا الهادي إلى ما جاء به.و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ (الآية).

فقال: كلّ إمام هاد لكلّ قوم في زمانه.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّظر بن سويد وفضالة بن أيّوب، عن موسى بن بكر، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.

قال: كلّ إمام هاد للقرن الّذي هو فيهم.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد العجليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.

فقال: رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- المنذر، ولكلّ زمان إمام منّا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبيّ اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ثمّ الهداة من بعده عليّ، ثمّ الأوصياء واحدا بعد واحد.

الحسين بن محمّد الأشعريّ ، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن محمّد بن إسماعيل، عن سعدان، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.

فقال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أنا المنذر وعليّ الهادي.

يا أبا محمّد، هل من هاد اليوم؟

قلت: بلى، جعلت فداك، ما زال منكم هاد من بعد هاد حتّى دفعت إليك.

فقال: رحمك اللَّه، يا أبا محمّد، لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثمّ مات ذلك الرّجل ماتت الآية مات الكتاب، ولكنّه حيّ يجري فيمن بقي، كما جرى فيمن مضى.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن منصور، عن عبد الرّحيم القصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه- تبارك وتعالى-:إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ. فقال: قال  رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أنا  المنذر، وعليّ الهادي. أما، واللَّه، ما ذهبت منّا وما زالت فينا إلى السّاعة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن حمّاد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: المنذر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-، والهادي أمير المؤمنين- عليه السّلام-، وبعده الأئمّة- صلوات اللَّه عليهم أجمعين- وهو قوله: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.

و في تفسير العيّاشيّ : عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: فينا  نزلت هذه الآية إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.

و قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أنا المنذر وأنت الهادي، يا عليّ.

فمنّا الهادي والنجاة  والسّعادة إلى يوم القيامة.

عن عبد الرّحيم القصير  قال: كنت يوما من الأيّام عند أبي جعفر- عليه السّلام- فقال: يا عبد الرّحيم.

قلت: لبّيك.

قال: قول اللَّه: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ إذ قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أنا المنذر وعليّ الهادي. ومن الهادي اليوم؟

قال: فمكثت  طويلا، ثمّ رفعت رأسي فقلت: جعلت فداك، هي فيكم توارثونها  رجل فرجل حتّى انتهت إليك، فأنت جعلت فداك، الهادي.

قال: صدقت، يا عبد الرّحيم، إنّ القرآن حيّ لا يموت والآية حيّة لا تموت.

و قال عبد الرّحيم : قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ القرآن [حيّ‏]  لم يمت، وإنّه يجري، كما يجري اللّيل والنّهار، وكما يجري الشّمس والقمر، ويجري على آخرنا ،كما يجري على أوّلنا .

عن حنان بن سدير ، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول في قول اللَّه- تبارك وتعالى-: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ فقال: [قال‏]  رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أنا المنذر وعليّ الهادي. وكلّ إمام هاد للقرآن الّذي هو فيه.

جابر ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: أنا المنذر وعليّ الهادي إلى أمري.

اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى، أي: حملها . أو ما تحمله  على أيّ حال هو من الأحوال الحاضرة والمترقّبة، من ذكر وأنثى، تامّ وناقصّ، وحسن وقبيح، وسعيد وشقيّ.

وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ: وما تنقصه، وما تزداد في الجنّة والخلقة والمدّة والعدد. أو نقصان دم الحيض وازدياده.

و «غاض» جاء متعدّيا ولازما، وكذا «ازداد» قال اللَّه- تعالى-: وَازْدَادُوا تِسْعاً ، فإن جعلتهما لازمين تعيّن «ما» أن تكون مصدريّة . وإسنادهما إلى الأرحام على المجاز، فإنّهما للّه، أو لما فيها .

و في الكافي : عنه، عن أحمد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عمّن ذكره، عن أحدهما- عليهما السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ- إلى قوله- وَما تَزْدادُ قال: «الغيض» كلّ حمل دون تسعة أشهر. «و ما تزداد» كلّ شي‏ء يزداد على تسعة أشهر، وكلّما رأت المرأة الدّم الخالص في حملها فإنّها تزداد بعددالأيّام الّتي رأت  في حملها من الدّم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن زرارة، عن أبي جعفر أو أبي عبد اللَّه- عليهما السّلام- في قوله: ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى، يعني: الذّكر والأنثى. وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ قال:

 «الغيض» ما كان أقلّ من الحمل. «و ما تزداد» ما زاد على  الحمل فهو مكان ما رأت  من الدّم في حملها.

محمّد بن مسلم  وحمران وزرارة، عنهما- عليهما السّلام- قالا: ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى أنثى أو ذكر. وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ [ما لم يكن حملا]  [الّتي لا تحمل‏] . «و ما تزداد» من أنثى أو ذكر.

عن محمّد بن مسلم  قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه: ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ.

قال: ما لم يكن حملا. وَما تَزْدادُ قال: الذّكر والأنثى جميعا.

زرارة  عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه: يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى قال:

الذّكر والأنثى. وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ قال: ما كان من دون التّسعة فهو غيض. وَما تَزْدادُ قال: ما رأت الدّم في حال حملها ازداد به على التّسعة أشهر.

وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ : بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه، كقوله: إِنَّا كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ فإنّه- تعالى- خصّ كلّ حادث بوقت وحال معيّنين، وهيّأ له أسبابا مسوقة إليه تقتضي ذلك.

عالِمُ الْغَيْبِ: الغائب عن الحسّ.

وَ الشَّهادَةِ: الحاضر له.

الْكَبِيرُ: العظيم الشّأن، الّذي كلّ شي‏ء دونه.

الْمُتَعالِ : المستعلي على كلّ شي‏ء بقدرته. أو الّذي كبر عن نعت‏المخلوقين، وتعالى عنه.

سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ: في نفسه.

وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ: لغيره.

وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ: طالب للخفاء في مختبأ باللّيل.

وَ سارِبٌ: وبارز.

بِالنَّهارِ : يراه كلّ أحد. من سرب سروبا: إذا برز.

و هو عطف على «من» أو «مستخف»، على أنّ «من»  في معنى الاثنين ، كقوله:

         نكن مثل ما يا ذئب  يصطحبان‏

 

 كأنّه قال: سواء منكم اثنان مستخف باللّيل وسارب بالنّهار.

و الآية متّصلة بما قبلها، مقرّرة لكمال علمه وشموله.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ، يعني: فالسّرّ والعلانية عنده سواء.

لَهُ: لمن أسرّ، أو جهر، أو استخفى، أو سرب.

مُعَقِّباتٌ: ملائكة تعتقب  في حفظه.

جمع، معقّبة. من عقّبه، مبالغة عقبه: إذا جاء على عقبه، كأنّ بعضهم يعقب بعضا.

أو لأنّهم يعقّبون أقواله وأفعاله، فيكتبونها.

أو اعتقب، فأدغمت التّاء في القاف. والتّاء للمبالغة، أو لأنّ المرادبالمعقّبات : جماعات .

و قرئ : «معاقيب» جمع، معقّب أو معقّبة، على تعويض الياء من حذف إحدى القافين.

مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، أي: من جوانبه.

يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ:

قيل : من بأسه متى أذنب، بالاستمهال والاستغفار له.

و قيل : يحفظونه من المضارّ [أو يراقبون أحواله‏]  من أجل أمر اللَّه وقد قرئ به.

و قيل : «من» بمعنى الباء.

و قيل : «من أمر اللَّه» صفة ثانية «لمعقبات».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أنّ هذه الآية قرئت عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- فقال لقارئها: أ لستم عربا، فكيف يكون المعقّبات من بين يديه، وإنّما المعقّب من خلفه؟

فقال الرّجل: جعلت فداك، كيف هذا؟

فقال: إنّما أنزلت «له معقّبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر اللَّه» ومن ذا الّذي يقدر أن يحفظ الشّي‏ء من [أمر]  اللَّه، وهم الملائكة الموكّلون بالنّاس.

و في تفسير العيّاشيّ  عنه- عليه السّلام- مثله.

عن فضيل بن عثمان  بكرة ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال في هذه الآية:

لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ (الآية) قال: من المقدّمات المؤخّرات  المعقّبات الباقيات الصّالحات.و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب، أيضا.

 

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يقول: بأمر اللَّه من أن يقع في ركيّ  أو يقع عليه حائط أو يصيبه شي‏ء، حتّى إذا جاء القدر خلّوا بينه وبينه  يدفعونه إلى المقادير. وهما ملكان يحفظانه باللّيل، وملكان بالنّهار يتعاقبانه.

و في مجمع البيان : واختلف في المعقّبات على أقوال.

أحدها:

أنّها الملائكة يتعاقبون، تعقب ملائكة اللّيل ملائكة النّهار وملائكة [النّهار ملائكة اللّيل‏] ، [و هم الحفظة]  يحفظون على العبد عمله. وقد روي ذلك عن الأئمّة- عليهم السّلام-.

و الثّاني:

أنّهم ملائكة يحفظونه من المهالك، حتّى ينتهوا به إلى المقادير، فيخلّوا بينه وبين المقادير. عن عليّ- عليه السّلام-.

إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ: من العافية والنّعمة.

حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ: من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي عمرو المدائنيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ أبي كان يقول: إنّ اللَّه قضى قضاء حتما، لا ينعم على عبده نعمة فيسلبها  إيّاه قبل أن يحدث العبد ذنبا يستوجب بذلك الذّنب سلب تلك النّعمة، وذلك قول اللَّه:

إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ.

عن الحسين بن سعيد المكفوف ، كتب إليه في كتاب له: جعلت فداك، يا سيّدي، علّم مولاك ما معنى إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ.

فكتب- عليه السّلام-: أمّا التّغيير، فإنّه لا يسي‏ء  إليهم حتّى يتولّوا  ذلك‏بأنفسهم بخطاياهم وارتكابهم ما نهى عنه. وفي الحديث أشياء غير هذا سؤالا وجوابا انتزعت منه موضع الحاجة.

عن سليمان بن عبد اللَّه  قال: كنت عند أبي الحسن موسى- عليه السّلام- قاعدا، فاتي بامرأة قد صار وجهها قفاها، فوضع يده اليمنى في جبينها ويده اليسرى من خلف ذلك ثمّ عصر وجهها عن اليمين، ثمّ قال: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ فرجع وجهها.

فقال: احذري أن تفعلي، كما فعلت. [قالوا: يا بن رسول اللَّه وما فعلت؟

فقال: ذلك مستور إلّا أن تتكلّم به فسألوها، فقالت: كانت لي ضرّة فقمت اصلّي فظننت أنّ زوجي معها، فالتفّت إليها فرأيتها قاعدة وليس هو معها فرجع وجهي على ما كان.]

 

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن بريد قال: سأل رجل أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-:

فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ  (الآية).

فقال: هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة ينظر بعضهم إلى بعض وأنهار جارية وأموال ظاهرة، فكفروا نعم اللَّه- عزّ وجلّ- وغيّروا ما بأنفسهم من عافية اللَّه، فغيّر اللَّه ما بهم من نعمة، وإِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ فأرسل [اللَّه‏]  عليهم سيل العرم فغرّق قراهم وخرّب ديارهم وأذهب أموالهم، وأبدلهم مكان جنّاتهم جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْ‏ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ثمّ قال: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ .

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى أبي خالد الكابليّ قال: سمعت زين العابدين- عليه السّلام- يقول: الذّنوب الّتي تغيّر النّعم: البغي على النّاس، والزّوال عن العادة في الخير واصطناع المعروف، وكفران النّعم، وترك الشّكر. ثمّ تلا هذه الآية.وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ: فلا راد له.

و العامل في «إذا» ما دلّ عليه الجواب.

و في قرب الإسناد  للحميريّ: أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ.

فقال: إنّ القدريّة يحتجّون بأوّلها، وليس كما يقولون. ألا ترى أنّ اللَّه- تبارك وتعالى- يقول: وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ. وقال نوح: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ قال: الأمر الى اللَّه يهدي من يشاء.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أحمد بن محمّد، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- في قول اللَّه: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ فصار الأمر إلى اللَّه- تعالى-.

وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ : من يلي أمرهم، فيدفع عنهم السّوء.

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً: من أذاه.

وَ طَمَعاً: في الغيث.

و قيل : يخاف المطر من يضرّه، ويطمع فيه من ينفعه.

و في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام-: «خوفا» للمسافر. و«طمعا» للمقيم.

و انتصابهما  على العلّة بتقدير المضاف، أي: إرادة خوف وطمع. أو التّأويل بالإخافة والإطماع. أو الحال من البرق. أو المخاطبين على إضمار «ذو». أو إطلاق المصدر بمعنى المفعول، أو الفاعل للمبالغة.

وَ يُنْشِئُ السَّحابَ: الغيم المنسحب في الهواء.

الثِّقالَ : جمع ثقيلة. وإنّما وصف به السّحاب، لأنّه اسم جنس في معنى الجمع.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يعني: يرفعها من الأرض.

وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ:

قيل : أي: سامعوه.

بِحَمْدِهِ ملتبسين  به فيضجون بسبحان اللَّه  والحمد للّه. أو يدلّ الرّعد بنفسه على وحدانيّة اللَّه وكمال قدرته، متلبّسا بالدّلالة على فضله ونزول نعمته ورحمته.

و سئل  النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- عن الرّعد. فقال: ملك موكّل بالسّحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السّحاب.

و في من لا يحضره الفقيه : وروي أنّ الرّعد صوت ملك، أكبر من الذّباب وأصغر من الزّنبور.

و سأل أبو بصير  أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن الرّعد: أيّ شي‏ء هو؟

قال: إنّه بمنزلة الرّجل يكون في الإبل فيزجرها: هاي هاي، كهيئة ذلك.

قال: قلت: جعلت فداك، فما حال البرق؟

قال: تلك مخاريق الملائكة تضرب السّحاب فتسوقه إلى الموضع الّذي قضى اللَّه- عزّ وجلّ- فيه المطر.

و في مجمع البيان : وكان النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- إذا سمع صوت الرّعد قال:

سبحان من يسبّح الرّعد بحمده.

و رويّ عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال: إنّ ربّكم- سبحانه- يقول: لو أنّ عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر باللّيل وأطلعت عليهم الشّمس بالنّهار، ولم أسمعهم صوت الرّعد.

و روى  سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إذاسمع الرّعد والصّواعق قال: اللّهمّ، لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك.

وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ: من خوف اللَّه وإجلاله.

و قيل : الضّمير «للرّعد».

و في تفسير العيّاشيّ : يونس بن عبد الرّحمن، أنّ داود قال: كنّا عنده فارتعدت السّماء، فقال هو: سبحان من يسبّح له الرّعد بحمده والملائكة [من خيفته‏] .

فقال له أبو بصير: جعلت فداك، إنّ للرّعد كلاما؟

فقال: يا أبا محمّد، سل عمّا يعنيك ودع ما  لا يعنيك.

وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ: فيهلكه.

في أمالي  شيخ الطّائفة، بإسناده إلى أنس بن مالك: أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بعث رجلا إلى فرعون من فراعنة العرب يدعوه إلى اللَّه- عزّ وجلّ-.

فقال للرّسول: أخبرني عن الّذي يدعوني إليه، أمن فضّة هو أم من ذهب أو من حديد؟

فرجع إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فأخبره بقوله، فقال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: ارجع إليه فادعه.

قال: يا نبيّ اللَّه، إنّه أعتى من ذلك.

قال: ارجع إليه.

فرجع إليه، فقال كقوله. فبينا هو يكلّمه إذ رعدت  سحابة رعدة فألقت على رأسه صاعقة ذهبت بقحف رأسه، فأنزل اللَّه- جلّ ثناؤه-: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ (الآية).

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد  بن‏

 إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: يموت المؤمن بكلّ ميتة، إلّا الصّاعقة [لا تأخذه‏]  وهو يذكر اللَّه- عزّ وجلّ-.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية العجليّ قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ الصّواعق لا تصيب ذاكرا.

قال: قلت: وما الذّاكر؟

قال: من قرأ مائة آية.

حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن ميتة المؤمن.

قال: يموت المؤمن بكلّ ميتة [يموت‏] ، غرقا، ويموت بالهدم، ويبتلى بالسّبع، ويموت بالصّاعقة، ولا تصيب ذاكرا للّه- عزّ وجلّ-.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن أبيه، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال: لا تملّوا من قراءة إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها فإنّه من كانت قراءته [بها]  في نوافله لم يصبه اللَّه- عزّ وجلّ- بزلزلة أبدا، ولم يمت بها ولا بصاعقة ولا بآفة من آفات الدّنيا حتّى يموت.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في مجمع البيان : وروي عن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام-: أنّ الصّواعق تصيب المسلم وغير المسلم، ولا تصيب ذاكرا.

وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ: حيث يكذّبون رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فيما يصفه به من كمال العلم والقدرة، والتّفرّد بالألوهيّة، وإعادة النّاس ومجازاتهم.

و «الجدال» التّشدّد في الخصومة. من الجدل، وهو القتل.

و «الواو» إمّا لعطف الجملة على الجملة، أو للحال.

لما روي سابقا، ولما نقل : أنّ عامر بن الطّفيل وأربد بن ربيعة، أخا لبيد وفداعلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قاصدين لقتله، فأخذه عامر بالمجادلة، ودار أربد من خلفه ليضربه بالسّيف، فتنبّه له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وقال: اللّهمّ أكفنيهما بما شئت. فأرسل اللَّه عليه  صاعقة فقتلته، ورمى عامرا بغدّة فمات في بيت سلوليّة، وكان يقول: غدّة كغدّة البعير، وموت في بيت سلوليّة. فنزلت.

وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ :

 «المماحلة» المكايدة  لأعدائه. من محل بفلان: إذا كايده  وعرّضه للهلاك.

و منه: تمحّل: إذا تكلّف استعمال الحيلة. ولعلّ أصله، المحل، بمعنى: القحط.

و قيل : فعال، من المحل، بمعنى: القوّة.

و قيل : مفعل، من الحول أو الحيلة، أعل على غير القياس.

و قرئ ، بفتح الميم، على أنّه مفعل، من حال يحول: إذا احتال.

قيل : ويجوز أن يكون المعنى: شديد الفقار، فيكون مثلا في القوّة والقدرة، كما جاء: فساعد اللَّه أشدّ وموساه أحدّ. لأنّ الحيوان إذا اشتدّ محاله كان منعوتا بشدّة القوّة، والاصطلاح بما يعجز عنه غيره. ألّا ترى إلى قولهم: فقرته العواقر. وذلك لأنّ الفقار عمود الظّهر وقوامه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أي: شديد الغضب.

و في مجمع البيان : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: شديد الأخذ.

و هما مع اتّحاد ما لهما حاصل المعنى.

لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ: الدّعاء الحقّ، فإنّه الّذي يحقّ أن يعبد، ويدعى إلى عبادته دون غيره. أو له الدّعوة المجابة، فإنّ من دعاه أجابه.

و «الحقّ» ما يناقض الباطل. وإضافة الدّعوة إليه لما بينهما من الملابسة، أو على‏تأويل دعوة المدعوّ الحقّ.

و قيل : الحقّ هو اللَّه، وكلّ دعاء إليه دعوة الحقّ.

وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ، أي: والأصنام الّذين يدعوهم المشركون، فحذف الرّاجع.

أو والمشركون الّذين يدعون الأصنام، فحذف المفعول لدلالة مِنْ دُونِهِ عليه.

لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْ‏ءٍ: من الطّلبات.

إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ: إلّا استجابة كاستجابة من بسط كفّيه.

إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ: يطلب منه أن يبلغه من بعيد، أو يغترف مع بسط كفّيه ليشربه.

وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ: لأنّ الماء جماد لا يشعر بدعائه، ولا يقدر على إجابته، ولا يستقرّ في الكفّ المبسوطة، وكذلك آلهتهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: هذا مثل ضربه اللَّه للّذين يعبدون الأصنام والّذين يعبدون الآلهة من دون اللَّه فلا يستجيبون لهم بشي‏ء ولا ينفعهم إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ ليتناوله من بعيد ولا يناله.

و حدّثني أبي ، عن أحمد بن النّظر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: جاء رجل إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللَّه، رأيت أمرا عظيما.

قال: وما رأيت؟

قال: كان لي مريض، ونعت له ماء من بئر بالأحقاف يستشفي به في برهوت.

قال: فتهيّأت ومعي قربة وقدح لآخذ من مائها وأصبّ في القربة، وإذا بشي‏ء قد هبط في جوّ السّماء، كهيئة السّلسلة، وهو يقول: يا هذا، اسقني السّاعة أموت. فرفعت رأسي إليه ورفعت إليه القدح لأسقيه، فإذا رجل في عنقه سلسلة، فلمّا ذهبت أناوله القدح اجتذب منّي حتّى علّق بالشّمس، ثمّ أقبلت على الماء أغرف إذ أقبل الثانية، وهو يقول: العطش العطش، يا هذا، اسقني السّاعة أموت. فرفعت القدح لأسقيه فاجتذب‏منّي حتّى علّق بالشّمس، حتّى فعل ذلك ثالثة، [فقمت‏]  وشددت قربتي ولم أسقه.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ذلك قابيل بن آدم الّذي قتل أخاه، وهو يقول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْ‏ءٍ- إلى قوله- إِلَّا فِي ضَلالٍ.

و قرئ : «تدعون» بالتّاء. و«باسط» بالتّنوين.

وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ : في ضياع وخسار وبطلان.

وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً:

قيل»

: يحتمل أن يكون السّجود على حقيقته، فإنّه يسجد له الملائكة والمؤمنون من الثّقلين طوعا حالتي الشّدّة والرّخاء، والكفرة له كرها حال الشّدّة والضّرورة.

وَ ظِلالُهُمْ: بالعرض، وأن يراد به انقيادهم لإحداث ما أراده منهم شاءوا أو كرهوا، وانقياد ظلالهم لتصريفه إيّاها بالمدّ والتّقلّص.

و انتصاب «طوعا وكرها» بالحال، أو العلّة، وقوله: بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ : ظرف «ليسجد» والمراد بهما الدّوام، أو حال من «الظّلال».

و تخصيص الوقتين لأنّ الامتداد والتّقلص أظهر فيهما.

و «الغدوّ» جمع غداة، كقنيّ وقناة . و«الآصال» جمع أصيل، وهو ما بين العصر والمغرب.

و قيل : «الغدو» مصدر، ويؤيّده أنّه قرئ به. و«الإيصال» وهو الدّخول في الأصيل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الباقر- عليه السّلام-: أمّا من يسجد من أهل السّماوات طوعا فالملائكة يسجدون للّه طوعا، ومن يسجد من أهل الأرض فمن ولد في الإسلام فهو يسجد له طوعا. وأمّا من يسجد له كرها، فمن اجبر  على الإسلام. وأمّا من‏لم يسجد، فظّله يسجد له بالغداة والعشيّ.

و فيه : قال: تحويل كلّ ظلّ خلقه اللَّه هو سجود للّه، لأنّه ليس شي‏ء إلّا له ظلّ يتحرّك بتحريكه، وتحويله سجوده.

و فيه : قال: ظلّ المؤمن يسجد طوعا، وظلّ الكافر يسجد كرها، وهو نموّهم وحركتهم وزيادتهم ونقصانهم.

و قيل : أريد بالظّلّ الجسد، وإنّما يقال للجسم: الظّلّ، لأنّه عنه الظّلّ ولأنّه ظلّ للرّوح، لأنّه ظلمانيّ والرّوح نورانيّ، وهو تابع له يتحرّك بحركته النّفسانيّة ويسكن بسكونه النّفسانيّ.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن غالب بن عبد اللَّه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- تبارك وتعالى-: وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ قال: هو الدّعاء قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها، وهي ساعة إجابة.

و في نهج البلاغة : فتبارك الّذي يسجد له مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ويعفّر له خدّا ووجها، ويلقي  بالطّاعة إليه  سلما وضعفا ، ويعطي له القياد  رهبة وخوفا.

 [و قال: وسجدت له بالغدوّ والآصال الأشجار.]

 

قيل : كما يجوز أن يراد بكلّ من السّجود والظّلّ والغدوّ والآصال معناه المعروف، كذلك يجوز أن يراد بالسّجود الانقياد وبالظّلّ الجسد وبالغدوّ والآصال الدّوام، ويجوز- أيضا- أن يراد بكلّ منهما ما يشمل كلا المعنيين، فيكون في كلّ شي‏ء بحسبه وعلى ما يليق به، وبهذا تتلائم الرّوايات والأقوال.قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: خالقهما، أو متولّي أمرهما.

قُلِ اللَّهُ: أجب عنه بذلك، إذ لا جواب لهم سواه. أو لأنّه البيّن الّذي لا يمكن المراء فيه. أو لقّنهم الجواب به.

قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ: ثمّ ألزمهم بذلك، لأنّ اتّخاذهم منكر بعيد عن مقتضى العقل.

أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا: لا يقدرون أن يجلبوا إليها نفعا أو يدفعوا عنها ضرا، فكيف يستطيعون نفع الغير ودفع الضّرّ عنه.

قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ.

قيل : «المشرك» الجاهل بحقيقة العبادة والموجب لها، و«الموحّد» العالم بذلك.

و قيل : المعبود الغافل عنكم، والمعبود المطّلع على أحوالكم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يعني: الكافر والمؤمن.

أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ: الشّرك والتّوحيد.

و قرأ  حمزة والكسائي وأبو بكر، بالياء.

أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ: بل جعلوا، والهمزة للإنكار، وقوله: خَلَقُوا كَخَلْقِهِ صفة «لشركاء» داخلة في حكم الإنكار.

فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ: خلق اللَّه وخلقهم.

و المعنى: أنّهم ما اتّخذوا للّه شركاء خالقين مثله حتّى يتشابه عليهم الخلق، فيقولوا: هؤلاء خلقوا، كما خلق اللَّه فاستحقّوا العبادة كما يستحقّها، ولكنّهم اتّخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا عما يقدر عليه الخالق.

قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ: لا خالق غيره فيشاركه في العبادة. جعل الخلق موجب العبادة ولازم استحقاقها، ثمّ نفاه عمّن سواه ليدلّ على قوله: وَهُوَ الْواحِدُ، أي: المتوحّد بالألوهيّة.

الْقَهَّارُ : الغالب على كلّ شي‏ء.

أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً: من السّحاب. أو من جانب السّماء أو من السّماءنفسها، فإنّ المبادئ منها .

فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ: أنهار، جمع واد، وهو الموضع الّذي يسيل الماء فيه بكثرة فاتّسع فيه ، واستعمل للماء الجاري فيه. وتنكيرها، لأنّ المطر يأتي على تناوب بين البقاع .

بِقَدَرِها: بمقدارها الّذي علم اللَّه أنّه نافع غير ضارّ. أو بمقدارها في الصّغر والكبر.

فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً: رفعه.

و «الزّبد» وضر الغليان .

رابِياً: عاليا.

وَ مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ: يعمّ الفلزّات، كالذّهب والفضّة والحديد والنّحاس، على وجه التّهاون بها إظهارا لكبريائه.

فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ: طلب حليّ.

أَوْ مَتاعٍ: كالأواني وآلات الحرب والحرث. والمقصود من ذلك: بيان منافعها.

زَبَدٌ مِثْلُهُ، أي: وممّا يوقدون عليه زبد مثل زبد الماء، وهو خبثه.

و «من» للابتداء، أو للتّبعيض.

و قرأ  حمزة والكسائي وحفص، بالياء، على أنّ الضّمير للنّاس وإضماره للعلم به.

كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ: فإنّه  مثّل الحقّ والباطل، فإنّه مثّل الحقّ في إفادته وثباته بالماء الّذي ينزل من السّماء فيسيل به الأودية على قدر الحاجةو المصلحة، فينتفع به أنواع المنافع، ويمكث في الأرض بأن يثبت بعضه في منافعه  ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والقنيّ والآبار، وبالفلزّ الّذي ينتفع به في صوغ الحلي واتّخاذ الأمتعة المختلفة ويدوم ذلك مدّة متطاولة. والباطل في قلّة نفعه وسرعة زواله بزبدهما، وبيّن ذلك بقوله: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً: يجفأ به، أي: يرمي به السّيل أو الفلزّ المذاب.

و انتصابه، على الحال.

و قرئ : «جفالا»، والمعنى واحد. يقال : جفأت القدر بزبدها، وأجفأ السيل وأجفل.

وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ: كالماء وخلاصة الفلزّات.

فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ: ينتفع به أهلها.

كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ : لإيضاح المشتبهات.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يقول: أنزل الحقّ من السماء فاحتمله  القلوب بأهوائها، ذو اليقين على قدر يقينه وذو الشّكّ على قدر شكّه، فأحتمل الهوى باطلا كثيرا أو جفاء، فالماء هو الحقّ، والأودية هي القلوب، والسّيل هو الهوى. والزّبد وخبث الحلية هو الباطل، والحلية والمتاع هو الحقّ. من أصاب الحلية والمتاع في الدّين  انتفع به، وكذلك صاحب الحقّ يوم القيامة ينفعه. ومن أصاب الزّبد وخبث الحلية في الدّنيا لم ينتفع به، وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به.

و في كتاب الاحتجاج : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: قد بيّن اللَّه قصص المغيّرين فضرب مثلهم بقوله: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الّذين أثبتوه في القرآن، فهو يضمحلّ ويبطل ويتلاشى عند التّحصيل. والّذي ينفع النّاس منه، فالتّنزيل الحقيقيّ الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والقلوب تقبله. والأرض في هذا الموضع. فهي‏

محلّ العلم وقراره. (الحديث).

لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا: للمؤمنين، الّذين استجابوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى: الاستجابة الحسنى.

وَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ: وهم الكفرة.

و «اللّام» متعلّقة «بيضرب» على أنّه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين ضرب المثل لهما.

و قيل»

: لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا خبر «الحسنى» وهي المثوبة أو الجنّة. وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا مبتدأ خبره لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً. وهو على الأوّل كلام مبتدأ لبيان ما آل غير المستجيبين.

وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ: وهو المناقشة فيه، بأن يحاسب الرّجل بذنبه ولا يغفر منه شي‏ء.

و في مجمع البيان : أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ في الحديث: من نوقش في الحساب عذّب.

و قيل : هو أن لا تقبل لهم حسنة، ولا تغفر لهم سيّئة. وروي ذلك عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.

وَ مَأْواهُمْ: مرجعهم.

جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ : المستقرّ. والمخصوص بالذّمّ محذوف.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: يمهدون في النّار.

أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ: فيستجيب.

كَمَنْ هُوَ أَعْمى: عمى القلب، لا يستبصر فيستجيب.

و «الهمزة» لإنكار أن تقع شبهة في تشابهما بعد ما ضرب من المثل.

إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ : ذو والعقول المبرّأة عن مشايعة الإلف ومعارضة الوهم.

في شرح الآيات الباهرة : نقل ابن مردويه، عن رجاله، بالإسناد إلى ابن‏عبّاس أنّه قال: إنّ قوله- تعالى-: أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ هو عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و ذكر أبو عبد اللّه ، الحسين بن جبير- رحمه اللّه- في «نخب المناقب» قال: روينا حديثا مسندا، عن أبي الورد الإماميّ المذهب، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قوله- عزّ وجلّ-: أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ هو عليّ بن أبي طالب- عليه السلام-. و«الأعمى» هنا [هو]  عدوّه. «و أولوا الألباب» شيعته الموصوفون بقوله- تعالى-: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ المأخوذ عليهم في الذّرّ بولايته ويوم الغدير.

و في تفسير العيّاشيّ : عن قصبة  بن خالد قال: دخلت على أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- فأذن لي وليس هو في مجلسه، فخرج علينا من جانب البيت من عند نسائه وليس عليه جلباب. فلما نظر إلينا رحّب بنا ، ثمّ جلس.

ثمّ قال: أنتم أولوا الألباب في كتاب اللَّه، قال اللَّه: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ.

عن أبي العبّاس ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: تفكّر ساعة خير من عبادة سنة، [قال اللَّه‏]  إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ.

الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ: ما عقدوه على أنفسهم من الاعتراف بربوبيّته حين قالوا: «بلى». أو ما عهد اللَّه عليهم في كتبه.

وَ لا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ : ما وثقوه من المواثيق بينهم وبين اللَّه وبين العباد. وهو تعميم بعد تخصيص.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: إنّ رحم آل محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- معلّقة بالعرش تقول: اللّهمّ،صل من وصلني واقطع من قطعني. وهي تجري في كلّ رحم. ونزلت هذه الآية في آل محمّد، وما عاهدهم عليه، وما آخذ عليهم من الميثاق في الذّرّ من ولاية أمير المؤمنين والأئمّة- عليهم السّلام- بعده، وهو قوله: الَّذِينَ يُوفُونَ (الآية).

وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ من الرّحم، وموالاة المؤمنين، والإيمان بجميع الأنبياء، ويندرج في ذلك مراعاة حقوق النّاس.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّ الرّحم معلّقة بالعرش تقول: اللّهمّ، صل من وصلني واقطع من قطعني. وهي رحم آل محمّد، وهو قول اللَّه- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ- إلى قوله- أَنْ يُوصَلَ ورحم كلّ ذي رحم.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن ابن بكير ، عن عمر بن يزيد قال:

سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ- الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ.

فقال: قرابتك.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان وهشام بن الحكم ودرست ابن أبي منصور، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-:

الَّذِينَ- إلى قوله- أَنْ يُوصَلَ.

فقال: نزلت في رحم آل محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- وقد يكون في قرابتك.

ثمّ قال: فلا تكوننّ ممّن يقول للشي‏ء: إنّه في شي‏ء واحد.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: وممّا فرض اللَّه- تعالى- أيضا، في المال [من‏]  غير الزكاة قوله- تعالى-: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ.و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن العلا بن فضيل ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: الرّحم معلّقة بالعرش تقول: اللّهمّ، صل من وصلني واقطع من قطعني. وهي رحم آل محمّد ورحم كلّ مؤمن، وهو قول اللَّه- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ.

عن محمّد بن الفضيل  قال: سمعت العبد الصّالح يقول: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ قال: هي رحم آل محمّد معلّقة بالعرش تقول: اللّهمّ، صل من وصلني واقطع من قطعني. وهي تجري في كلّ رحم.

عن الحسين بن موسى  قال: روى أصحابنا قال: سئل أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ.

فقال: هو صلة الإمام في كلّ سنة بما قلّ أو كثر.

ثمّ قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: ما أريد  بذلك إلّا تزكيتكم.

وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ: وعيده عموما.

وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ : خصوصا، فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن صفوان الجمّال قال: وقع بين أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- وبين عبد اللَّه بن الحسن كلام حتّى وقعت الضوضاء بينهم، فاجتمع النّاس، فافترقا عشيّتهما بذلك وغدوت في حاجة فإذا أنا بأبي عبد اللَّه- عليه السّلام- على باب عبد اللَّه بن الحسن وهو يقول:

يا جارية، قولي لأبي محمّد [يخرج‏] .

قال: فخرج، فقال: يا أبا عبد اللَّه، ما كبر بك؟قال: إنّي تلوت آية من كتاب اللَّه- عزّ وجلّ- البارحة فأقلقتني.

قال: وما هي؟

قال: قول اللَّه- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ فقال: صدقت، لكأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب [اللَّه- جلّ وعزّ-]  فاعتنقا وبكيا.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن هشام بن أحمر. وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه. ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، جميعا، عن سلمة ، مولاة أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قالت: كنت عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حين حضرته الوفاة، فاغمي عليه، فلمّا أفاق قال: أعطوا الحسن بن عليّ بن الحسين، وهو الأفطس، سبعين دينارا، وأعطوا فلانا كذا [و كذا وفلانا كذا وكذا] .

فقلت: أ تعطي رجلا حمل عليك بالشّفرة؟

فقال: ويحك، أما تقرئين القرآن؟

قلت: بلى.

قال: أما سمعت قول اللَّه- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ يَصِلُونَ- إلى قوله- سُوءَ الْحِسابِ.

قال ابن محبوب في حديثه: حمل عليك بالشّفرة يريد أن يقتلك؟

فقال: أ تريدين على أن لا أكون من الّذين قال اللَّه- تبارك وتعالى-:

الَّذِينَ يَصِلُونَ- إلى قوله- سُوءَ الْحِسابِ نعم، يا سلمة ، إنّ اللَّه خلق الجنّة وطيّبها وطيّب ريحها [، وإن ريحها]  ليوجد من مسيرة ألفي عام، ولا يجد ريحها عاقّ ولا قاطع رحم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه‏

 - صلّى اللَّه عليه وآله-: برّ الوالدين وصلة الرّحم يهونان الحساب. ثمّ تلا هذه الآية:

الَّذِينَ يَصِلُونَ- إلى قوله- سُوءَ الْحِسابِ.

و في مجمع البيان : وروى الوليد بن آبان، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: قلت له: هل على الرّجل في ماله سوى الزكاة؟

قال: نعم، أين ما قال اللَّه: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ (الآية).

و في كتاب معاني الاخبار : أبي- رضي اللَّه عنه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه  قال لرّجل: يا فلان، مالك ولأخيك؟

قال: جعلت فداك، كان لي عليه شي‏ء فاستقصيت  عليه  في حقّي.

فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: أخبرني عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ أ تراهم يخافون  أن يظلمهم أو يجوز عليهم؟ لا، ولكنّهم خافوا الاستقصاء والمداقّة .

و في روضة الواعظين : قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا معشر المؤمنين ، إيّاكم والزّنا، فإنّ فيه ستّ خصال: ثلاث في الدّنيا، وثلاث في الآخرة. أمّا الّتي في الدّنيا، فإنّه يذهب البهاء، ويورث الفقر، وينقص العمر. وأمّا الّتي في الآخرة، فإنّه يوجب سخط الرّبّ- عزّ وجلّ-، وسوء الحساب، والخلود في النّار.

و في الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن حمّاد بن عثمان قال: دخل رجل على أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- فشكا إليه رجلا من أصحابه، فلم يلبث أن جاء المشكوّ إليه .

فقال له أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: ما لفلان يشكوك؟فقال له: يشكوني أنّي استقصيت منه حقّي.

قال: فجلس أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- مغضبا، ثمّ قال: كأنّك إذا استقصيت حقّك لم تسئ، أ رأيتك ما حكى اللَّه- عزّ وجلّ- فقال: وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ ترى أنّهم خافوا اللَّه- عزّ وجلّ- أن يجوز عليهم؟ لا واللَّه، ما خافوا إلّا الاستقصاء، فسمّاه  اللَّه- جلّ وعزّ-: سُوءَ الْحِسابِ، فمن استقصى  فقد أساء.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي إسحاق قال: سمعته يقول في سُوءَ الْحِسابِ: لا تقبل حسناتهم، ويؤخذون بسيّئاتهم .

عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه: يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ [قال: تحسب عليهم السّيّئات و[لا]  تحسب لهم الحسنات‏]  وهو الاستقصاء.

عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ قال: الاستقصاء والمداقّة.

و قال: تحسب عليهم السّيّئات، ولا تحسب لهم الحسّنات.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: لو لم يكن للحساب مهولة  إلّا حياء العرض على اللَّه وفضيحة  هتك السّتر على المخفيات، لحقّ للمرء أن لا يهبط من رؤوس الجبال، ولا يأوي إلى عمران، ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام إلّا عن اضطرار متصل بالتّلف.

وَ الَّذِينَ صَبَرُوا: على ما تكرهه النّفس ويخالفه الهوى.

ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ: طلبا لرضاه، لا لرياء أو سمعة أو نحوهما.

وَ أَقامُوا الصَّلاةَ: المفروضة.

وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ: بعض الّذي وجب عليهم إنفاقه.سِرًّا: في السّرّ، كمن لم يعرف به.

وَ عَلانِيَةً: وفي العلانية، كمن عرف به.

وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ: ويدفعونها بها، فيجازون الإساءة بالإحسان.

أو يتبعون الحسنة السّيّئة، فتمحوها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن حمّاد، عن أبي بصير، عن الصّادق- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: يا عليّ ، ما من دار فيها فرحة إلّا تبعها ترحة ، وما من له  همّ إلّا وله فرج إلّا همّ أهل النّار فإذا عملت سيّئة فاتبعها بحسنة تمحها سريعا، وعليك بصنايع الخير فإنّها تدفع مصارع السّوء.

و إنّما قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لأمير المؤمنين- عليه السّلام- على حدّ تأديب النّاس، لا بأنّ لأمير المؤمنين- عليه السّلام-  سيّئات عملها.

أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ : عاقبة الدّنيا، وما ينبغي أن يكون مآل أهلها وهي الجنّة.

و الجملة خبر الموصولات إن رفعت بالابتداء، وإن جعلت صفات «لأولي الألباب» فاستئناف بذكر ما استوجبوا بتلك الصّفات.

جَنَّاتُ عَدْنٍ: بدل من عُقْبَى الدَّارِ. أو مبتدأ خبره يَدْخُلُونَها.

و «العدن» الإقامة، أي: جنّات يقيمون فيها. وقد مضى في شأنها أخبار.

و قيل : هو بطنان الجنّة.

و في كتاب الخصال ، في احتجاج عليّ- عليه السّلام- على النّاس يوم الشّورى قال: نشدتكم باللّه، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّتي الّتي وعدني اللَّه، ربّي، جنّات عدن، قضيب غرسه [اللَّه‏]  بيده ثمّ قال له: كن فكان، فليوال عليّ بن أبي طالب وذرّيّته من بعده، فهم الأئمّة وهم الأوصياء، أعطاهم اللَّه علمي وفهمي، لا يدخلونكم في باب ضلال ولايخرجونكم من باب هدى، لا تعلّموهم فهم أعلم منكم، يزول الحقّ معهم أينما زالوا غيري؟

قالوا: اللّهمّ، لا.

و عن عليّ - عليه السّلام- أنّه سأله بعض اليهود، فقال: أين يسكن نبيّكم من الجنّة؟

قال: في أعلاها درجة وأشرفها مكانا، في جنّات عدن.

قال: صدقت، واللَّه، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبي المغرا، عن محمّد بن سلام، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: من أراد أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنّة عدن الّتي غرسها اللَّه بيده، فليوال  عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-، وليتولّ وليّه، وليعاد عدوّه، وليسلّم للأوصياء من بعده، فإنّهم عترتي من لحمي ودمي، أعطاهم اللَّه فهمي وعلمي، إلى اللَّه أشكو أمر أمّتي المنكرين  لفضلهم القاطعين فيهم صلتي، وأيم اللَّه، ليقتلنّ  ابني لا أنالهم اللَّه شفاعتي.

و فيمن لا يحضره الفقيه : في خبر بلال، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- الّذي يذكر فيه صفة الجنّة قال: فقلت لبلال: هل وسطها غيرها؟

قال: نعم، جنّة عدن وهي في وسط الجنان، وأمّا جنّة عدن فسورها ياقوت أحمر وحصاها اللؤلؤ.

وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ: عطف على المرفوع في «يدخلون»، وإنّما ساغ للفصل بالضّمير الآخر. أو مفعول معه، والمعنى: أنّه يلحق بهم من صلح من أهلهم وإن لم يبلغ مبلغ فضلهم، تبعا لهم وتعظيما لشّأنهم. وهو دليل على أنّ الدّرجة تعلو بالشّفاعة، وأنّ الموصوفين بتلك الصّفات يقترن بعضهم ببعض لما بينهم من القرابة والوصلة في دخول الجنّة زيادة في أنسهم.و في التّقييد بالصّلاح دلالة على أنّ مجرّد الأنساب لا ينفع.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن أبي أسامة، عن هشام ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق قال: حدّثني الثّقة من أصحاب أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّهم سمعوا أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقول في خطبة له:

اللّهمّ، وإنّي لأعلم أنّ العلم لا يأرز  كلّه ولا تنقطع موادّه ، وأنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع أو خائف مغمور، كيلا تبطل حجّتك ولا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم، بل أين هم وكم [هم‏] ؟

أولئك الأقلّون عددا والأعظمون عند اللّه- جلّ ذكره- قدرا ، المتّبعون لقادة الدّين الأئمّة الهادين، الّذين يتأدّبون بآدابهم وينهجون نهجهم، فعند ذلك يهجم بهم العلم  على حقيقة الإيمان، فتستجيب أرواحهم لقادة العلم، ويستلينون  من حديثهم ما استوعر  على غيرهم، ويأنسون بما استوحش منه  المكذّبون وأباه المسرفون.

أولئك أتباع العلماء، صحبوا أهل الدّنيا بطاعة اللّه- تبارك وتعالى- وأوليائه ، ودانوا بالتّقيّة على دينهم والخوف من عدوّهم، فأرواحهم معلّقة بالمحلّ الأعلى، فعلماؤهم وأتباعهم خرس صمت في دولة الباطل منتظرون لدولة الحقّ، وسيحقّ اللّه الحقّ بكلماته ويمحق الباطل، ها ها، طوبى لهم على صبرهم على دينهم في حال هدنتهم، ويا شوقاه إلى رؤيتهم في حال ظهور دولتهم، وسيجمعنا اللّه وإيّاهم في جنّات عدن وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سئل عن الرّجل المؤمن له‏

امرأة مؤمنة يدخلان الجنّة، يتزوّج أحدهما الآخر؟

فقال: إنّ اللّه حكم عدل، إذا كان أفضل منها خيّره، فإن اختارها كانت من أزواجه. وإن كانت هي خيرا منه خيّرها، فإن اختارته كان زوجا لها.

و في كتاب الخصال : عن موسى بن إبراهيم [عن الحسن‏] ، عن أبيه رفعه  بإسناده رفعه إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنّ أمّ سلمة قالت له: بأبي أنت وأمّي، المرأة يكون لها زوجان فيموتان فيدخلان الجنّة، لأيّهما تكون؟

فقال: يا أمّ سلمة، تخيّر أحسنهما خلقا وخيرهما لأهله. يا أمّ سلمة، إنّ حسن الخلق ذهب بخير الدّنيا والآخرة.

وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ : من أبواب المنازل.

قيل : أو من أبواب الفتوح  والتّحف قائلين: سَلامٌ عَلَيْكُمْ: بشارة بدوام السّلامة.

بِما صَبَرْتُمْ: متعلّق «بعليكم»، أو بمحذوف، أي: هذا بما صبرتم.

قيل : لا «بسلام» فإنّ الخبر فاصل . والباء للسّببيّة، أو للبدليّة.

فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ :و قرئ : «فنعم» بفتح النّون، والأصل «نعم» فسكّن العين بنقل كسرتها إلى الفاء وبغيره.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي عن، حمّاد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: نزلت في الأئمة- عليهم السّلام- وشيعتهم الّذين صبروا.

و حدثني  أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: نحن صبر [نا]  وشيعتنا أصبر منّا، لأنّا صبرنا بعلم وصبروا على ما لا يعلمون.

حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن إسحاق، عن أبي جعفر- عليه السّلام-، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث طويل، يصف فيه حال المؤمن إذا دخل الجنان والغرف، وفيه: ثمّ يبعث اللَّه له ألف ملك يهنّئونه بالجنّة ويزوّجونه بالحوراء ، فينتهون إلى أوّل باب من جنانه، فيقولون للملك الموكّل بأبواب الجنان: استأذن لنا على وليّ اللَّه، فإن اللَّه قد بعثنا مهنّئين.

فيقول الملك الموكّل : قفوا حتّى أقول للحاجب فيعلمه مكانكم.

قال: فيدخل الملك  إلى الحاجب، وبينه وبين الحاجب ثلاث جنان، حتّى ينتهي إلى أوّل باب.

فيقول للحاجب: إنّ على باب العرصة  ألف ملك أرسلهم ربّ العالمين، جاؤوا يهنّئون وليّ اللَّه، وقد سألوا أن استأذن لهم عليه.

فيقول له الحاجب: إنّه ليعظم عليّ أن استأذن لأحد على وليّ اللَّه وهو مع زوجته.

قال: وبين الحاجب وبين وليّ اللَّه جنّتان، فيدخل الحاجب على القيّم.

فيقول له: إنّ على باب العرصة  ألف ملك أرسلهم ربّ العالمين يهنّئون وليّ اللَّه، فاستأذن [لهم‏] .فيقوم القيّم إلى الخدّام، فيقول لهم: إنّ رسل الجبّار على باب العرصة، وهم ألف ملك، أرسلهم يهنّئون وليّ اللَّه فأعلموه  مكانهم.

قال: فيعلمونه الخدّام مكانهم.

قال: فيؤذن لهم، فيدخلون على وليّ اللَّه وهو في الغرفة ولها ألف باب، وعلى كلّ باب من أبوابها ملك موكّل به. فإذا أذن للملائكة بالدّخول على وليّ اللَّه [و هو في الغرفة]  فتح كلّ ملك بابه الّذي قد وكل به، فيدخل كلّ ملك من باب من أبواب الغرفة فيبلغونه رسالة الجبّار، وذلك قول اللَّه- تعالى-: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ، يعني: من أبواب الغرفة سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ.

و في روضة الكافي ، مثله سندا ومتنا.

 

و في الصّحيفة السّجّاديّة ، في دعائه- عليه السّلام- في الصّلاة على حملة العرش قال- عليه السّلام- بعد أن عدّ أصنافا من الملائكة: والّذين يقولون: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: ثمّ قال: إنّ طائفة من الملائكة عابوا ولد آدم في اللّذّات والشّهوات، أعني لكم: الحلال ليس الحرام. قال: فأنف اللَّه للمؤمنين من ولد آدم من تعيير الملائكة لهم. قال: فألقى اللَّه في همم  أولئك الملائكة اللّذّات والشّهوات كي لا يعيبوا المؤمنين، فلمّا أحسّوا ذلك [من هممهم‏]  عجّوا إلى اللَّه من ذلك فقالوا:

ربّنا، عفوك عفوك، ردّنا إلى ما خلقتنا له واخترتنا عليه فإنّا نخاف أن نصير في أمر مريج . قال: فنزع اللَّه ذلك [من هممهم‏] . قال: فإذا كان يوم القيامة، وصار أهل الجنّة في الجنّة، استأذن أولئك الملائكة على أهل الجنّة فيؤذن لهم، فيدخلون عليهم [فيسلّمون عليهم‏]  ويقولون لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ [في الدنيا عن اللذات‏و الشهوات الحلال.

عن محمد بن الهيثم ، عن رجل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ على الفقر في الدنيا]  فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ قال: يعني: الشّهداء.

و في كتاب جعفر بن محمّد الدّوريستي ، بإسناده إلى أبي ذرّ- رضي اللَّه عنه-:

 

عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: وما نال الفوز في القيامة إلّا الصّابرون، إنّ اللَّه يقول: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ قال: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ.

وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ:

قيل : يعني: مقابلي الأوّلين.

مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ: من بعد ما أوثقوه به من الإقرار والقبول.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يعني: في أمير المؤمنين. وهو الّذي أخذ اللَّه عليهم في الذّرّ، وأخذ عليهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بغدير خمّ.

وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ: من الرّحم وغيرها.

وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ: بالظّلم وتهييج الفتن.

أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ : عذاب جهنّم. أو سوء عاقبة الدّنيا، لأنّه في مقابلة عُقْبَى الدَّارِ.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد [و علي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا] ، عن عمرو  بن عثمان، عن محمّد بن عذافر، عن بعض أصحابهما ، عن محمّد بن مسلم وأبي حمزة، عن أبي عبد اللَّه، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: قال عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-: يا بنيّ إيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي  وجدته ملعونا في‏كتاب اللَّه- عزّ وجلّ- في ثلاثة  مواضع، قال: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ (الآية).

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل في تعداد الكبائر وبيانها عن كتاب اللَّه، وفيه: عن الصّادق- عليه السّلام-: ونقض العهد وقطيعة الرّحم، لأن اللَّه- تعالى- يقول: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ.

اللَّهُ: وحده، لا يشاركه في البسط والقبض غيره.

يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ: يوسعه ويضيّقه.

وَ فَرِحُوا، أي: القاطعون.

و قيل : أهل مكّة.

بِالْحَياةِ الدُّنْيا: بما بسط لهم في الدّنيا.

وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ: في جنب الآخرة.

إِلَّا مَتاعٌ : إلّا متعة لا تدوم، كعجالة الرّاكب وزاد الرّاعي.

و المعنى: أنّهم اشتروا بما نالوا من الدّنيا، ولم يصرفوه فيما يستوجبون به نعيم الآخرة، واغترّوا بما هو في جنبه نزر قليل النّفع سريع الزّوال.

وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ: باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات.

وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ : أقبل إلى الحقّ ورجع عن العناد.

و هو جواب يجري مجرى التّعجّب من قولهم، كأنّه قال: قل لهم: ما أعظم عنادكم، إنّ اللَّه يضلّ من يشاء ممّن كان على صفتكم، فلا سبيل إلى اهتدائهم وإن أنزلت كلّ آية، ويهدي إليه من أناب بما جئت به بل بأدنى منه من الآيات.

الَّذِينَ آمَنُوا: بدل من «من». أو خبر مبتدأ محذوف.

وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ: أنسا به، واعتمادا عليه، ورجاء منه. أو بذكر رحمته بعد القلق من خشيته. أو بذكر دلائله الدالّة على وجوده ووحدانيّته. أو بكلامه، يعني: القرآن، الّذي هو أقوى المعجزات.

و في تفسير العيّاشيّ : عن خالد بن نجيح، عن جعفر بن محمّد- عليه السّلام- [في‏قوله: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ‏]  قال: بمحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- تطمئنّ [القلوب‏] ، وهو ذكر اللَّه وحجابه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : «الّذين آمنوا» الشّيعة، و«ذكر اللَّه» أمير المؤمنين والأئمّة- عليهم السّلام-.

و حال الخبرين واحد لا اختلاف بينهما، لأنّ محمّدا- صلّى اللَّه عليه وآله- والأئمة- عليهم السّلام- واحد في كونهم ذكر اللَّه.

أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ : تسكن إليه.

الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ: مبتدأ خبره طُوبى لَهُمْ. وهو فعلى، من الطّيب، قلبت ياؤه واوا لضمّه ما قبلها، مصدر لطاب، كبشرى وزلفى.

و يجوز فيه الرّفع والنّصب ، كقولك: طيبا لك، وطيب لك. ولذلك قرئ.

وَ حُسْنُ مَآبٍ : بالرّفع والنّصب.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث طويل، وفيه يقول- صلّى اللَّه عليه وآله-: دخلت الجنّة وإذا أنا بشجرة ، لو أرسل طائر في أصلها ما دارها سبعمائة عام»

، وليس في الجنّة منزل إلّا وفيها فرع  منها، فقلت: ما هذه، يا جبرئيل؟

فقال: هذه شجرة طوبى، قال اللَّه- تعالى-: طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ.

حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: «طوبى» شجرة في الجنّة في دار أمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه-. وليس أحد من شيعة إلّا وفي داره غصن من أغصانها وورق من أوراقها، تستظلّ  تحتها أمّة من‏الأمم.

و عنه  [قال‏] : كان- صلّى اللَّه عليه وآله- يكثر تقبيل فاطمة- عليها السّلام- فأنكرت ذلك عائشة.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا عائشة، إنّي لمّا اسري بي إلى السّماء دخلت الجنّة، فأدناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني من ثمارها، فأكلته فحول اللَّه ذلك ماء في ظهري. فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة، فحملت بفاطمة، [و كلّما اشتقت إلى الجنّة قبّلتها] ، وما قبّلتها قطّ إلّا وجدت رائحة شجرة طوبى منها، [فهي حوراء أنسيّة] .

و أمّا

ما رواه  الشّيخ أبو جعفر الطوسيّ- رضي اللَّه عنه-، عن رجاله، عن الفضل بن شاذان وكتبه في كتابه «مسائل البلدان» يرفعه إلى سلمان الفارسيّ- رضي اللَّه عنه- قال: دخلت على فاطمة- عليها السّلام- والحسن والحسين- عليهما السّلام- يلعبان بين يديها ففرحت بهما فرحا شديدا، فلم ألبث حتّى دخل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

فقلت: يا رسول اللَّه، أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حبّا.

فقال: يا سلمان، ليلة اسري بي إلى السّماء أدارني جبرئيل في سماواته وجنانه، فبينما أنا أدور في قصورها وبساتينها ومقاصيرها إذ شممت رائحة طيّبة، فأعجبتني تلك الرّائحة.

فقلت: يا حبيبي: ما هذه الرّائحة الّتي غلبت على روائح الجنّة كلّها؟

فقال: يا محمّد، تفاحة خلقها اللَّه- تبارك وتعالى- بيده منذ ثلاثمائة ألف عام، ما ندري ما يريد بها.

فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة ومعهم تلك التّفاحة. [فقالوا: يا محمّد، ربّنا السلام يقرأ عليك السلام وقد أتحفك بهذه التفاحة] .

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فأخذت تلك التّفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل. فلمّا هبط بي إلى الأرض أكلت تلك التّفاحة، فجمع اللّه ماءها في ظهري، فغشيت خديجة بنت خويلد فحملت بفاطمة من ماء التّفاحة.

فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- [إليّ‏]  أن قد ولد لك حوراء أنسيّة، فزوّج النّور من النّور، فاطمة من عليّ، فإنّي قد زوّجتها في السّماء وجعلت خمس الأرض مهرها، وستخرج فيما بينهما ذرّيّة طيّبة وهما سراجا الجنّة، الحسن والحسين، ويخرج من صلب الحسين أئمّة يقتلون ويخذلون، فالويل لقاتلهم وخاذلهم».

فلا ينافي الخبر الّذي قدّمناه، لأنّه ليس في ذلك الخبر أنّ تلك التّفاحة من أيّ شجرة، ويحمل على أنّها من شجرة طوبى ليوافق الخبر الأوّل، وليس في الخبر الأوّل أنّه- عليه السّلام- أين أكلها، ويحمل على أنّه أكلها حين هبط ليتوافق الخبران.

و في أصول الكافي : عنه، عن أبيه، عن عبد اللّه بن القاسم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: فإنّ لأهل الدّين علامات يعرفون بها، صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وصلة الأرحام، ورحمة الضعفاء، وقلّة المراقبة للنّساء، أو قال قلّة الموافاة  للنّساء، وبذل المعروف، وحسن الخلق، وسعة الخلق، واتّباع العلم وما يقرّب إلى اللَّه- عزّ وجلّ- زلفى طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ.

و «طوبى» شجرة في الجنّة، أصلها في دار النّبيّ محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و ليس مؤمن إلّا وفي داره غصن منها، لا يخطر على قلبه شهوة [شي‏ء]  إلّا أتاه به ذلك.

و لو أنّ راكبا مجدّا سار في ظلّها مائة عام ما خرج منه، ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتّى يسقط [هرما] ، ألا ففي هذا فارغبوا. إنّ المؤمن من نفسه في شغل والنّاس منه في راحة، إذا جنّ عليه اللّيل افترش وجهه وسجد للّه- عزّ وجلّ- بمكارم بدنه، يناجي الّذي خلقه في فكاك رقبته، ألا فهكذا كونوا.

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام- أنّه قال: ولقد حدّثني‏

 أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن أمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه- في «أ- ب- ت- ث» قال:

 «الألف» آلاء اللَّه.

إلى أن قال- عليه السّلام-: و«الطّاء» طوبى للمؤمنين وحسن مآب.

و بإسناده  إلى الرّضا، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا عليّ، أنت المظلوم بعدي، وأنت صاحب شجرة طوبى في الجنّة أصلها في دارك وأغصانها في دور  شيعتك ومحبيك.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الخصال : عن محمّد بن سالم، رفعه إلى أمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه-: تعلّموا تفسير أبجد.

... إلى أن قال- صلوات اللَّه عليه-: وأمّا «حطّي» فالحاء، حطوط للخطايا عن المستغفرين في ليلة القدر وما نزل به جبرئيل مع الملائكة إلى مطلع الفجر. وأمّا الطّاء ف طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ وهي شجرة غرسها اللَّه- تبارك وتعالى- بيده ونفخ فيها من روحه، وأنّ أغصانها لترى من وراء سور الجنّة، تنبت بالحلي والحلل، والثّمار متدلّية على أفواههم.

عن أبي سعيد الخدريّ  قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: من رزقه اللَّه حبّ الأئمّة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدّنيا والآخرة، فلا يشكّنّ أحد أنّه في الجنّة، فإنّ في حبّ أهل بيتي عشرين  خصلة: عشرة منها في الدّنيا وعشرة منها في الآخرة، فأمّا الّتي في الدّنيا فالزّهد والحرص على العلم.

... إلى أن قال- عليه السّلام- بعد تعدادها: فطوبى لهم  لمحبّي أهل بيتي.

و في احتجاج  عليّ- عليه السّلام- يوم الشّورى على النّاس قال: نشدتكم باللّه، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا عليّ، إنّ اللَّه خصّك بأمر وأعطاكه، ليس من الأعمال شي‏ء أحبّ إليه ولا أفضل منه عنده الزّهد في الدّنيا، فليس‏تنال منها شيئا ولا تناله منك، وهو زينة الأبرار عند اللَّه- عزّ وجلّ- يوم القيامة، فطوبى لمن أحبّك وصدّق عليك، وويل لمن أبغضك وكذّب عليك [غيري‏] .

قالوا: اللّهمّ، لا.

 [و في هذا الاحتجاج  أيضا]  [قال: نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-]  كما قال لي: إنّ طوبى شجرة في الجنّة، أصلها في دار عليّ، ليس من مؤمن إلّا في داره غصن من أغصانها غيري؟

قالوا: اللّهمّ، لا.

عن أبي أمامة  قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: طوبى لمن رآني ثمّ آمن بي، وطوبى [ثمّ طوبى‏] ، يقولها سبع مرّات، لمن  لم يرني وآمن بي.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى مروان بن مسلم: عن أبي بصير قال: قال الصّادق، جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-: طوبى لمن تمسّك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية.

قيل له: جعلت فداك، وما طوبى؟

قال: شجرة في الجنّة في دار عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. وليس من مؤمن إلّا وفي داره غصن من أغصانها، وذلك قول اللَّه- عزّ وجلّ-: طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ.

و بإسناده  إلى أبي حمزة: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتمّ به في غيبته قبل قيامه، ويتولّى أولياءه، ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذو [ي‏]  مودّتي وأكرم أمّتي عليّ يوم القيامة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر، محمّد بن‏

 

عليّ، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: بينما رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- جالس ذات يوم إذ دخلت [عليه‏]  أم أيمن، في ملحفتها»

 شي‏ء.

فقال لها رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا أمّ أيمن، أيّ شي‏ء في ملحفتك؟

فقالت: يا رسول اللَّه، فلانة بنت فلانة أملكوها  فنثروا عليها فأخذت [من نثارها شيئا. ثمّ إنّ أمّ أيمن بكت.

فقال لها رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما يبكيك؟

فقالت: فاطمة]  زوّجتها فلم ينثر عليها [شيئا] .

فقال لها رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: لا تبكين، فو الّذي بعثني بالحقّ نبيا  بشيرا ونذيرا، لقد شهد إملاك فاطمة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في ألوف من الملائكة، ولقد أمر اللَّه طوبى فنثرت عليهم من حللها وسندسها وإستبرقها ودرّها وزمرّدها وياقوتها وعطرها، فأخذوا منه حتّى ما دروا ما يضعون به، ولقد نحل اللَّه طوبى في مهر  فاطمة فهي في دار عليّ بن أبي طالب.

عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: طوبى هي شجرة تخرج من جنّة عدن، غرسها ربّنا بيده.

عن أبي عبد اللَّه - عليه السّلام- قال: إنّ المؤمن إذا لقي أخاه وتصافحا ، لم تزل الذّنوب تتحاتّ  عنهما ما داما متصافحين، كتحاطّ الورق عن الشّجر، فإذا افترقا، قال ملكاهما: جزاكما اللَّه خيرا عن أنفسكما فإن التزم كلّ واحد منهما صاحبه، ناداهما مناد:

طوبى لكما وحسن مآب. و«طوبى» شجرة في الجنّة أصلها في دار أمير المؤمنين- عليه السّلام- وفرعها في منازل أهل الجنّة. فإذا افترقا، ناداهما ملكان كريمان: أبشرا، يا وليّي اللَّه، بكرامة اللَّه والجنّة من ورائكما.و في كتاب ثواب الأعمال : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من أطعم ثلاثة نفر من المؤمنين، أطعمه اللَّه من ثلاث جنات: ملكوت [السماء]  الفردوس، وجنّة عدن، وطوبى هي شجرة من جنّة عدن غرسها ربّنا بيده.

و في مجمع البيان : وروى الحاكم، أبو القاسم الحسكانيّ، بإسناده، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: سئل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عن طوبى.

 [قال: شجرة أصلها في داري، وفرعها على أهل الجنّة.

ثمّ سئل عنها مرّة أخرى، فقال:]  في دار عليّ.

فقيل له في ذلك، فقال: إنّ داري ودار عليّ في الجنّة بمكان واحد.

كَذلِكَ: مثل ذلك، يعني: إرسال الرّسل قبلك.

أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها: تقدّمتها .

أُمَمٌ: أرسلوا إليهم، فليس ببدع إرسالك إليها.

لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ: لتقرأ عليهم الكتاب الّذي أوحينا إليك.

وَ هُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ: وحالهم أنّهم يكفرون بالبليغ الرّحمة، الّذي أحاطت بهم نعمته ووسعت كلّ شي‏ء رحمته، فلم يشكروا نعمته، وخصوصا ما أنعم عليهم بإرسالك إليهم وإنزال القرآن الّذي هو مناط المنافع الدّينيّة والدّنيويّة عليهم.

و قيل : نزلت في مشركي مكة حين قيل لهم: اسجدوا للرّحمن، فقالوا: وما الرّحمن ؟

قُلْ هُوَ رَبِّي، أي: الرّحمن خالقي، ومتولّي أمري.

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: لا مستحقّ للعبادة سواه.

عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ: في نصرتي عليكم.وَ إِلَيْهِ مَتابِ : مرجعي ومرجعكم، فيثبّتني على مجاهدتي ومصابرتي ويعاقبكم على مخالفتي.

وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ: شرط حذف جوابه، والمراد منه تعظيم شأن القرآن أو المبالغة في عناد الكفرة وتصميمهم، أي: ولو أنّ كتابا زعزعت به الجبال عن مقارّها.

أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ: تصدّعت من خشية اللَّه عند قراءته. أو شققت، فجعلت أنهارا وعيونا.

أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى: فتسمع وتجيب عند قراءته لكان هذا القرآن، لأنّه الغاية في الإعجاز والنّهاية في التّذكير والإنذار، أو لما آمنوا به، كقوله: «و لو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة» [الآية] .

و قيل : إنّ قريشا قالوا: يا محمّد، إن سرّك أن نتّبعك فسيّر بقرآنك الجبال عن مكّة حتّى تتّسع لنا، فنتّخذ فيها بساتين وقطائع. أو سخّر لنا به الرّيح، لنركبها ونتّجر إلى الشّام. أو ابعث لنا قصيّ بن كلاب وغيره من آبائنا، ليكلّمونا فيك. فنزلت. وعلى هذا فتقطيع الأرض قطعها بالسّير.

و قيل : الجواب مقدّم، وهو قوله: «و هم يكفرون بالرّحمن» وما بينهما اعتراض. وتذكير «كلّم» خاصّة  لاشتمال الموتى على المذكّر الحقيقيّ.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر [أ]  وغيره، عن محمّد بن حمّاد، عن أخيه، أحمد بن حمّاد، عن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، أخبرني عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- ورث النّبيّين كلّهم؟

قال: نعم.

قلت: من لدن آدم حتّى انتهى إلى نفسه؟

قال: ما بعث اللَّه نبيّا إلّا ومحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- أعلم منه.قال: قلت: إنّ عيسى ابن مريم- عليه السّلام- كان يحيي الموتى بإذن اللَّه.

قال: صدقت.

و سليمان بن داود كان يفهم منطق الطّير، وكان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقدر على هذه المنازل؟

قال: فقال: إنّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشكّ في أمره: فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ حين فقده وغضب عليه، فقال: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ. وإنّما غضب، لأنّه كان يدلّه على الماء. فهذا وهو طائر قد اعطي ما لم يعط سليمان، وقد كانت الرّيح والنّمل والإنس والجنّ والشّياطين [و]  المردة له طائعين، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء، وكان الطّير يعرفه، وإنّ اللَّه يقول في كتابه: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً (الآية) وقد ورثنا نحن هذا القرآن [الذي‏]  فيه ما تسيّر به الجبال، وتقطّع به البلدان، وتحيى به الموتى، ونحن نعرف الماء تحت الهواء. وإنّ في كتاب اللَّه لآيات ما يراد بها أمر إلّا أن يأذن اللَّه به، مع ما قد يأذن اللَّه، ممّا كتبه الماضون  جعله اللَّه لنا في أم الكتاب. إنّ اللَّه يقول: وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ. ثمّ قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فنحن الّذين اصطفانا اللَّه- عزّ وجلّ- وأورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كلّ شي‏ء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: لو كان شي‏ء من القرآن كذلك، لكان هذا.

بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً: بل للّه القدرة على كلّ شي‏ء.

و هو إضراب عمّا تضمّنته «لو» من معنى النّفي ، أي: بل اللَّه قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات، لكنّ الإرادة لم تتعلّق بذلك لعلمه بأنّه لا تلين له شكيمتهم.قيل : ويؤيّد ذلك قوله: أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا: عن إيمانهم مع ما رأوا من أحوالهم.

و قيل : أي: أ فلم يعلم. وهو لغة قوم من النّخع.

و قيل : إنّما استعمل اليأس بمعنى: العلم، لأنّه مسبّب عن العلم، فإنّ الميئوس عنه لا يكون إلّا معلوما .

و في مجمع البيان : قرأ عليّ وعليّ بن الحسين وجعفر بن محمّد- عليهم السّلام-:

 «أ فلم يتبيّن».

و قيل : تنسب هذه القراءة إلى جماعة من الصّحابة والتّابعين، وهو تفسيره.

أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً، معناه: نف هدى بعض النّاس لعدم تعلّق المشيئة باهتدائهم.

و هو على الأول متعلّق بمحذوف، تقديره: أ فلم ييأس الّذين آمنوا عن إيمانهم علما منهم أن لو يشاء اللَّه لهدى النّاس جميعا [، أو ب «آمنوا»]»

.

وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا: من الكفر وسوء الأعمال.

قارِعَةٌ: داهية تقرعهم وتقلعهم وتهدّمهم.

أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ: فيفزعون منها، ويتطاير إليهم شرورها.

و قيل : الآية في كفار مكّة لا يزالون مصابين بما صنعوا برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-، فإنّه كان- صلّى اللَّه عليه وآله- لا يزال يبعث السّرايا عليهم فتغير  حواليهم وتختطف مواشيهم. وعلى هذا يجوز أن يكون تحلّ خطابا للرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله-، فإنّه حلّ بجيشه قريبا من دارهم عام الحديبية.

حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ: القيامة. أو الموت. أو فتح مكّة.

إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ : لامتناع الكذب في كلامه.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ وهي النّقمة. أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ فتحلّ بقوم غيرهم فيرون ذلك ويسمعون به، والّذين حلّت بهم عصاة كفّار مثلهم ولا يتّعظ بعضهم ببعض، ولن يزالوا كذلك حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ الّذي وعد المؤمنين من النّصر ويخزي اللّه الكافرين.

وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ: تسلية للرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- ووعيد للمستهزئين به والمقترحين عليه.

و «الإملاء» أن يترك ملاوة  من الزّمان في دعة وأمن.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أي: طوّلت لهم الأمل ثمّ أهلكتهم.

فَكَيْفَ كانَ عِقابِ ، أي: عقابي إيّاهم.

أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ: رقيب عليها، حافظ بِما كَسَبَتْ: من خير أو شرّ، لا يخفى عليه شي‏ء من أعمالهم ولا يفوت عنده شي‏ء من جزائهم.

و الخبر محذوف، تقديره: كمن ليس كذلك. أو لم يوحّدوه.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، مرسلا، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: قال: اعلم علّمك، اللّه الخير، أنّ اللّه- تبارك وتعالى- قديم.

... إلى أن قال: وهو قائم، ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد ، كما قامت الأشياء، ولكن قائم يخبر أنّه حافظ، كقول الرّجل: القائم بأمر [نا]  فلان. واللّه هو القائم عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ. والقائم- أيضا- في كلام النّاس:

الباقي، والقائم- أيضا- يخبر [عن‏]  الكفاية، كقولك للرّجل: قم بأمر [بني‏]  فلان، أي أكفهم. والقائم منّا قائم على ساق، فقد جمعنا الاسم ولم يجتمع المعنى.

و في عيون الأخبار : حدّثنا عليّ بن أحمد بن [محمد بن‏]  الدّقّاق- رضي اللّه‏

 عنه- قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيّ قال: حدّثنا عليّ بن محمّد المعروف بعلان ، عن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- أنّه قال: اعلم، علّمك اللّه الخير. وذكر نحوه.

وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ: استئناف. أو عطف  على «كسبت» إن جعلت «ما» مصدريّة، أو «لم يوحّدوه» المقدّر [و «جعلوا» عطف عليه‏] ، ويكون الظّاهر فيه موضع المضمر للتّنبيه على أنّه المستحقّ للعبادة، وقوله: قُلْ سَمُّوهُمْ تنبيه على أنّ هؤلاء الشّركاء لا يستحقّونها. والمعنى: صفوهم فانظروا، هل لهم ما يستحقّون به العبادة ويستأهلون الشّركة؟

أَمْ تُنَبِّئُونَهُ: بل أ تنبّئونه.

و قرئ : «تنبئونه» بالتّخفيف.

بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ: بشركاء يستحقّون العبادة لا يعلمهم. أو بصفات لهم يستحقّونها لأجلها لا يعلمها وهو العالم بكلّ شي‏ء، فإذا لم يعلمهم لم يكونوا شيئا يتعلّق به العلم، والمراد: نفي أن يكونوا له شركاء. أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ: أمّ تسمّونهم شركاء بظاهر من القول من غير حقيقة واعتبار معنى، كتسمية الزّنجيّ كافورا.

و هذا احتجاج بليغ على أسلوب عجيب ينادي على نفسه بالإعجاز .بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ: تمويههم، فتخيّلوا أباطيل ثمّ خالوها حقّا. أو كيدهم للإسلام بشركهم.

وَ صُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ: سبيل الحقّ.

و قرأ  ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «و صدّوا» بالفتح، أي: وصدّوا النّاس عن الإيمان.

و قرئ ، بالكسر، و«صدّ» بالتّنوين.

وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ: يخذله.

فَما لَهُ مِنْ هادٍ : يوفّقه للهدى.

لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

: بالقتل والأسر، وسائر ما يصيبهم من المصيبات.

وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ‏

: لشدّته ودوامه.

وَ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ‏

: من عذابه. أو من رحمته.

مِنْ واقٍ‏

 : حافظ.

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ: صفتها الّتي هي مثل في الغرابة.

و هو مبتدأ خبره محذوف عند سيبويه، أي: فيما قصصنا عليكم مثل الجنّة.

و قيل : خبره تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ [على طريقة قولك: صفة زيد أسمر ، أو على حذف موصوف، أي: مثل الجنّة جنّة تجري من تحتها الأنهار،]  أو على‏زيادة المثل. وهو على قول سيبويه حال  من العائد المحذوف، أو من الصّلة.

أُكُلُها دائِمٌ: لا ينقطع ثمرها.

وَ ظِلُّها، أي: وظلّها كذلك لا ينسخ، كما ينسخ في الدّنيا بالشّمس.

تِلْكَ: أي: الجنّة الموصوفة.

عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا: مآلهم ومنتهى أمرهم.

وَ عُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ : لا غير. وفي ترتيب النّظمين  إطماع للمتّقين، وإقناط للكافرين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أي: عاقبة ثوابهم النّار.

قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنّم، وقد أطفئت سبعين مرّة بالماء ثمّ التهبت، ولو لا ذلك ما استطاع [ادميّ‏]  أن يطفئها، وأنّها ليؤتى بها يوم القيامة حتّى توضع على النّار، فتصرخ صرخة لا يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلّا جثا  على ركبتيه فزعا من صرختها.

وَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ:

قيل : يعني: المسلمين من أهل الكتاب، كابن سلام وأصحابه ومن آمن من النّصاري، وهم ثمانون رجلا: أربعون بنجران، وثمانية باليمن، واثنان وثلاثون بالحبشة.أو عامّتهم، فإنّهم كانوا يفرحون بما يوافق كتبهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، [عن أبي جعفر- عليه السّلام-] : أي: يفرحون  بكتاب اللَّه إذا يتلى عليهم، وإذا تلوه تفيض أعينهم دمعا من الفزع والحزن، وهو عليّ بن أبي طالب.

وَ مِنَ الْأَحْزابِ، يعني: كفرتهم الّذين تحزّبوا على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بالعداوة، ككعب بن الأشرف وأصحابه، والسّيّد والعاقب وأشياعهما.

مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ: وهو ما يخالف شرائعهم. أو ما يوافق ما حرّفوه منها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي قراءة ابن مسعود: «و الّذي أنزل إليك الكتاب هو الحقّ فمن يؤمن به» أي عليّ بن أبي طالب يؤمن به وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ أنكروا  من تأويله ما أنزله في عليّ وآل محمّد وآمنوا ببعضه، فأمّا المشركون فأنكروه كلّه أوّله وآخره وأنكروا أنّ محمّدا رسول اللَّه.

قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ: جواب للمنكرين، أي: قل لهم: إنّي أمرت فيما انزل إليّ بأن أعبد اللَّه وأوحّده، وهو العمدة في الدّين، ولا سبيل لكم إلى إنكاره.

إِلَيْهِ أَدْعُوا: لا إلى غيره.

قيل : يعني: هذا هو القدر المتّفق عليه بين الأنبياء، وأمّا ما عدا ذلك من التّفاريع فممّا يختلف بالأعصار والأمم، فلا معنى لإنكاركم المخالفة فيه.

وَ إِلَيْهِ مَآبِ : وإليه مرجعي لا إلى غيره.

و قرئ : «لا أشرك» بالرّفع على الاستئناف.

وَ كَذلِكَ: ومثل هذا الإنزال المشتمل على أصول الدّيانات المجمع عليها.

أَنْزَلْناهُ حُكْماً: يحكم في القضايا والوقائع بما تقتضيه الحكمة.

عَرَبِيًّا: مترجما بلسان العرب ليسهل لهم فهمه وحفظه. وانتصابه على الحال .

وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ: الّتي يدعونك إليها، كتقرير دينهم، والصّلاة إلى قبلتهم بعد ما حوّلت عنها.

بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ: بنسخ ذلك.

ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ: ينصرك.

وَ لا واقٍ : يمنع العقاب عنك. وهو حسم لأطماعهم، وتهييج للمؤمنين على الثّبات في دينهم.

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ: بشرا مثلك.

وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً: نساء وأولادا، كما هي لك.

و في روضة الكافي : سهل، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللَّه بن وليد الكنديّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: قال اللَّه- عزّ وجلّ- في كتابه: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً فنحن ذرّيّة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن معاوية بن وهب، عن الصّادق- عليه السّلام-: فما كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إلّا كأحد أولئك، جعل اللَّه له أزواجا وجعل له ذرّيّة، ثمّ لم يسلم مع أحد من الأنبياء مثل من أسلم مع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- من أهل بيته، أكرم اللَّه بذلك رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

عن بشير الدّهان ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: ما آتى اللَّه أحدا من المرسلين شيئا إلّا وقد آتاه محمّدا- صلّى اللَّه عليه وآله-. وقد آتاه اللَّه، كما آتى المرسلين من قبله. ثم تلا هذه الآية: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً.

عن عليّ بن عمر  بن أبان الكلبيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- [قال‏] :أشهد على أبي أنّه كان يقول: ما بين أحدكم وبين أن يغتبط  ويرى ما تقرّ به عينه إلّا أن تبلغ نفسه هذه. وأهوى إلى حلقه، قال اللَّه في كتابه: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً فنحن ذرّيّة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-

، [عن المفضل بن صالح ، عن جعفر بن محمد- عليهما السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-] .

خلق اللَّه الخلق قسمين فألقى قسما وأمسك قسما، ثمّ قسّم ذلك القسم على ثلاثة أثلاث فألقى ثلثين وأمسك ثلثا، ثمّ اختار من ذلك الثّلث قريشا، ثمّ اختار من قريش بني عبد المطّلب، ثمّ اختار من بني عبد المطّلب رسول رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فنحن ذرّيّته. فإن قالت النّاس: ليس  لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ذرّيّة، جحدوا، ولقد قال اللَّه: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً فنحن ذرّيّته.

قال: فقلت: أنا أشهد أنّكم ذرّيّته.

ثمّ قلت له: ادع اللَّه لي، جعلت فداك، أن يجعلني معك في الدّنيا والآخرة.

فدعا لي بذلك. قال: فقبّلت باطن يده.

و في رواية شعيب ، عنه- عليه السّلام- أنّه قال: نحن ذرّيّة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. ما أدري على ما يعادوننا إلّا لقرابتنا من رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و في محاسن البرقي : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال في آخر كلام له: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً فجعل لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- من الأزواج والذّريّة مثل ما جعل للرّسل من قبله، فنحن عقب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وذرّيّته، أجرى اللَّه لآخرنا مثل ما أجرى لأوّلنا.

و في شرح الآيات الباهرة : وروى الشّيخ أبو جعفر، محمّد الطّوسيّ- رضي اللَّه عنه-، عن محمّد بن محمّد قال: أخبرني أبو الحسن [أحمد بن محمد بن الحسن‏]  بن الوليد- رضي اللَّه عنه- قال: حدّثني أبي قال: حدّثني محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمد بن محمّد

 بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن [أبي‏]  حمزة، عن عبد اللَّه بن الوليد قال: دخلت على أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في زمن بني مروان.

فقال: ممن أنتم؟

قلنا: من أهل الكوفة.

قال: ما من البلدان أكثر محبّا لنا من أهل الكوفة، لا سيما هذه العصابة، إنّ اللَّه هداكم لأمر  من  جهله النّاس فأحببتمونا وأبغضنا النّاس، وتابعتمونا وخالفنا النّاس، وصدّقتمونا وكذّبنا النّاس، فأحياكم اللَّه محيانا وأماتكم مماتنا، وأشهد على أبي أنّه كان يقول: ما بين أحدكم وبين ما تقر عينه أو يغتبط إلّا أن تبلغ به نفسه هكذا. وأهوى بيده إلى حلقه، وقد قال- عزّ وجلّ- في كتابه: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً فنحن ذرّيّة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و في الجوامع : كانوا يعيّرون رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بكثرة تزوّج  النّساء، فقيل: إنّ الرّسل قبله كانوا مثله ذوي أزواج وذرّيّة.

وَ ما كانَ لِرَسُولٍ: وما صحّ له، ولم يكن في وسعه.

أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ: تقترح عليه، وحكم يلتمس منه.

إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ: فإنّه المليّ بذلك والقادر عليه.

لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ : لكلّ وقت وأمد حكم يكتب على العباد على ما يقتضيه استصلاحهم.

يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ: ينسخ ما يستصوب نسخه.

وَ يُثْبِتُ: ما تقتضيه حكمته.

و قيل : يمحو سيّئات التّائب ويثبت الحسنات مكانها.

و قيل : يمحو من كتاب الحفظة ما لا يتعلّق به جزاء ويترك غيره مثبتا، أو يثبت ما رآه وحده في صميم قلبه.

و قيل : يمحو قرنا ويثبت آخرين.

و قيل : يمحو الفاسدات ويثبت الكائنات.و الآية بعمومها أو إطلاقها تشتمل المعاني كلّها.

و قرأ  ابن عامر وحمزة والكسائي: «و يثبّت» بالتّشديد.

وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ : أصل الكتب، وهو اللّوح المحفوظ عن المحو والإثبات، إذ ما من كائن إلّا وهو مكتوب فيه، ففيه إثبات المثبت وإثبات المحو ومحوه وإثبات بدله.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد [و محمد بن يحيى‏] ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثّماليّ قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: يا ثابت، إنّ اللّه- تبارك وتعالى- قد كان وقّت هذا الأمر في السّبعين، فلما أن قتل الحسين- عليه السّلام- اشتدّ غضب اللّه على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة، فحدّثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم  قناع السر  ولم يجعل اللّه له بعد ذلك وقتا عندنا ويَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

قال أبو حمزة: فحدّثت بذلك أبا عبد اللَّه- عليه السّلام-.

فقال: قد كان كذلك.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وحفص بن البختريّ وغيرهما، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال في هذه الآية: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قال: فقال: وهل يمحو إلّا ما كان ثابتا، وهل يثبت إلّا ما لم يكن؟

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- عرض على آدم ذرّيّته عرض العين في صور الذّرّ، نبيّا فنبيّا، ملكا فملكا، مؤمنا فمؤمنا، كافرا فكافرا.فلمّا انتهى إلى داود- عليه السّلام- قال: من هذا الّذي نبئته  وكرّمته وقصّرت عمره؟

قال: فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه: هذا ابنك داود، عمره أربعون سنة، فإنّي قد كتبت الآجال وقسّمت الأرزاق، وأنا أمحو ما أشاء وأثبت وعندي أمّ الكتاب، فإن جعلت له شيئا من عمرك أثبته  له.

قال: يا ربّ، قد جعلت له من عمري ستّين سنة تمام المائة.

قال: فقال اللّه- عزّ وجلّ- لجبرئيل وميكائيل وملك الموت: اكتبوا عليه كتابا، فإنّه سينسى. فكتبوا عليه كتابا، فختموه بأجنحتهم من طينة علّيّين.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- عرض على آدم أسماء الأنبياء وأعمارهم.

قال فمرّ آدم باسم داود النّبيّ- عليه السّلام- وإذا عمره أربعون  سنة.

فقال: يا ربّ، ما أقلّ عمر داود وأكثر عمري! إن أنا زدت داود من عمري ثلاثين سنة أ ينفذ ذلك له؟

قال: نعم، يا آدم.

قال: فإنّي قد زدته من عمري ثلاثين سنة، فأنفذ ذلك له وأثبتها له عندك واطرحها من عمري.

قال: فأثبت اللّه لداود من عمره ثلاثين سنة ولم يكن عند اللّه مثبتة، ومحا من عمر آدم ثلاثين سنة وكانت له عند اللّه مثبتة.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام- فذلك قول [اللّه‏] : يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

قال: فمحا  اللّه ما كان عنده مثبتا لآدم، وأثبت لداود ما لم يكن عنده مثبتا.

قال: فلمّا دنا عمر آدم، هبط عليه ملك الموت- عليه السّلام- ليقبض روحه.فقال له آدم- عليه السّلام-: يا ملك الموت، قد بقي من عمري ثلاثون  سنة.

فقال له ملك الموت: ألم تجعلها لابنك، داود النّبيّ- عليه السّلام- وطرحتها  من عمرك حيث عرض [اللّه‏]  عليك أسماء الأنبياء من ذرّيّتك وعرض أعمارهم، وأنت يومئذ بوادي دحناء ؟

فقال آدم: يا ملك الموت، ما أذكر هذا.

فقال له ملك الموت: يا آدم، لا تجهل، ألم تسأل اللّه أن يثبتها لداود ويمحوها من عمرك، فأثبتها لداود في الزّبور ومحاها من عمرك من الذّكر؟

قال: فقال آدم: فأحضر الكتاب حتّى أعلم ذلك.

قال أبو جعفر- عليه السّلام- فمن ذلك اليوم أمر اللّه العباد أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلى أجل مسمّى، لنسيان آدم وجحده ما جعل على نفسه.

عن عمّار بن موسى ، عن أبي عبد الله- عليه السّلام- [سئل‏]  عن قول اللّه:

يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

قال: إنّ ذلك الكتاب كتاب يمحو اللّه فيه ما يشاء ويثبت، فمن ذلك الّذي يردّ الدّعاء القضاء، وذلك الدّعاء مكتوب عليه: الّذي يردّ به القضاء، حتّى إذا صار الى أمّ الكتاب لم يغن الدّعاء فيه شيئا.

عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه- عليهما السّلام- عن قوله: يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ.

قال: كتبها لهم ثمّ محاها.

عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه سئل عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ.قال: كتبها لهم ثمّ محاها، ثمّ كتبها لأبنائهم فدخلوها، واللَّه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب.

عن زرارة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان عليّ بن الحسين- عليه السّلام- يقول: لو لا آية في كتاب اللَّه لحدّثتكم بما يكون إلى يوم القيامة.

فقلت له: آيّة  آية؟

قال: قول اللَّه: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ قال: هل يثبت إلّا ما لم يكن، و[هل‏]  يمحو إلّا ما كان مثبتا .

عن حمران  قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

فقال: يا حمران، إنّه إذا كان ليلة القدر ونزل الملائكة الكتبة إلى السّماء الدّنيا فيكتبون ما يقضى في تلك السّنة من أمر، فإذا أراد اللَّه أن يقدّم شيئا أو يؤخّر أو ينقص منه أو يزيد أمر الملك فمحا ما شاء ثمّ أثبت الّذي أراد.

قال: فقلت له عند ذلك: فكلّ شي‏ء يكون وهو عند اللَّه في كتاب؟

قال: نعم.

قلت: فيكون كذا وكذا حتّى ينتهي إلى آخره؟

قال: نعم.

قلت: فأيّ شي‏ء يكون [بيده‏]  بعده ؟

قال: سبحان اللَّه، ثمّ يحدث اللَّه- أيضا- ما شاء- تبارك وتعالى-.

عن أبي حمزة الثّماليّ  قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام- وأبو عبد اللَّه- عليه‏

 السّلام-: يا أبا حمزة، إن حدّثناك [بأمر أنّه يجي‏ء من ها هنا [فجاء من ها هنا]  فإنّ اللَّه يصنع ما يشاء، وإن حدّثناك‏]  اليوم بحديث وحدّثناك غدا بخلافه فإنّ اللَّه يمحو ما يشاء ويثبت.

عن إبراهيم بن أبي يحيى ، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: ما من مولود يولد إلّا وإبليس من الأبالسة بحضرته، فإن علم اللَّه أنّه [من شيعتنا حجبه عن ذلك الشيطان‏]  وإن لم يكن  من شيعتنا أثبت الشّيطان إصبعه السّبّابة في دبره فكان مأبونا ، وذلك أنّ الذّكر يخرج للوجه، وإن كانت امرأة أثبت في فرجها فكانت فاجرة، فعند ذلك يبكي الصّبيّ بكاء شديدا إذا هو خرج من بطن أمّه، واللَّه بعد ذلك يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب.

عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه إذا أراد فناء قوم أمر الفلك فاسرع الدّور بهم فكان ما يريد من النّقصان، وإذا أراد بقاء قوم أمر الفلك فأبطأ الدّور بهم فكان ما يريد من الزيادة، فلا تنكروا، فإنّ اللَّه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب.

عن ابن سنان ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: إنّ اللَّه يقدّم ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء، ويمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء وعنده أمّ الكتاب.

و قال: لكلّ أمر  يريده اللَّه فهو في علمه قبل أن يصنعه ، وليس شي‏ء يبدو له إلّا وقد كان في علمه، إنّ اللَّه لا يبدو له من جهل.

و في قرب الإسناد  للحميريّ: أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: قال أبو عبد اللَّه وأبو جعفر وعليّ بن الحسين والحسين بن علي بن أبي طالب- عليهم السّلام-: واللَّه، لو لا آية في كتاب اللَّه لحدّثناكم بما يكون‏إلى أن تقوم السّاعة يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

و في الخرائج والجرائح : روي عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي إسحاق السّبيعيّ، عن عمرو بن الحمق قال: دخلت على عليّ- عليه السّلام- حين ضرب الضّربة بالكوفة، فقلت: ليس عليك بأس، إنّما هو خدش.

قال: لعمري، إنّي مفارقكم.

ثمّ قال: إلى السّبعين بلاء، قالها ثلاثا.

قلت: فهل بعد البلاء رخاء؟ فلم يجبني وأغمي عليه، فبكت أمّ كلثوم.

فلمّا أفاق قال: لا تؤذيني، يا أمّ كلثوم، فإنّك لن تري ما أرى، إنّ الملائكة من السّماوات السّبع بعضهم خلف بعض والنّبيّين يقولون: يا علي، انطلق إنّما أمامك خير لك ممّا أنت فيه.

فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّك قلت: «إلى السّبعين بلاء» فهل بعد السّبعين رخاء؟

قال: نعم، وإن بعد البلاء رخاء يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

قال أبو حمزة : قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: إنّ عليّا- عليه السّلام- قال: إلى السّبعين بلاء، وقال: بعد السّبعين رخاء، وقد مضت السّبعون ولم نر رخاء.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ اللَّه قد كان وقّت هذا الأمر في السّبعين، فلمّا قتل الحسين- عليه السّلام- غضب اللَّه على أهل الأرض فأخّره إلى الأربعين ومائة سنة، فحدّثناكم فأذعتم الحديث وكشفتم القناع فأخّره اللَّه ولا يجعل له بعد ذلك وقتا، واللَّه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب.

قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: وكان ذلك؟

فقال: قد كان ذلك.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى سماعة، أنّه سمعه- عليه السّلام- يقول:

ما ردّ اللَّه العذاب عن قوم قد أظلّهم إلّا قوم يونس.فقلت: أ كان قد أظلّهم؟

فقال: نعم، حتّى نالوه بأكفّهم.

قلت: فكيف كان ذلك؟

قال: كان ذلك في العلم المثبت عند اللَّه- عزّ وجلّ- الّذي لم يطلع عليه أحدا أنّه سيصرفه عنهم.

و في كتاب الخصال : عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام-: وبنا يمحو اللَّه ما يشاء وبنا يثبت.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: ولو لا آية في كتاب اللَّه لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

و بإسناده  إلى إسحاق بن عمّار، عمّن سمعه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ لم يعنوا: أنّه هكذا، ولكنّهم قالوا: قد فرغ من الأمر فلا يزيد ولا ينقص. وقال اللَّه- جلّ جلاله- تكذيبا لقولهم: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ ألم تسمع اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

و في عيون الأخبار ، في باب مجلس الرّضا- عليه السلام- مع سليمان المروزيّ، قال الرّضا- عليه السّلام- بعد كلام طويل لسليمان: ومن أين قلت ذلك، وما الدّليل على أنّ إرادته علمه، وقد يعلم ما لا يريده أبدا وذلك قوله- تعالى-: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ فهو يعلم كيف يذهب به ولا يذهب به أبدا؟

قال سليمان: لأنّه قد فرغ من الأمر، فليس يزيد فيه شيئا.

قال الرّضا- عليه السّلام-: هذا قول اليهود، فكيف قال: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ؟

قال سليمان: إنّما عني بذلك: أنّه قادر عليه.

قال: أ فيعد بما لا يفي به، فكيف قال: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ وقال- عزّ وجلّ-: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ وقد فرغ من الأمر؟ فلم يحر  جوابا.

و في هذا المجلس - أيضا- قال الرّضا- عليه السّلام-: إنّ من الأمور أمورا موقوفة عند اللَّه- تعالى- يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر ما يشاء [و يمحو ما يشاء] ، يا سليمان، إنّ عليّا- عليه السّلام- كان يقول: العلم علمان: فعلم علّمه اللَّه ملائكته ورسله [فلما علّمه ملائكته ورسله‏]  فإنّه يكون ولا يكذّب نفسه ولا ملائكته ورسله. وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه، يقدّم منه ما يشاء، ويؤخّر منه ما يشاء، [و يمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء.] .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن عبد اللَّه بن مسكان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والرّوح والكتبة إلى سماء الدّنيا فكتبوا  ما يكون من قضاء اللَّه- تبارك وتعالى- في تلك السنة  فإذا أراد اللَّه أن يقدّم شيئا أو يؤخّره أو ينقص شيئا [أو يزيده‏]  أمر الملك  أن يمحو ما يشاء ثمّ أثبت الّذي أراد.

قلت: [و كلّ شي‏ء]  هو عند اللَّه مثبت في كتاب؟

قال: نعم.

قلت: فأيّ شي‏ء يكون بعده؟

قال: سبحان اللَّه، ثمّ يحدث اللَّه- أيضا- ما يشاء- تبارك وتعالى-.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجّال، عن أبي إسحاق، ثعلبة، عن زرارة بن أعين، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: ما عبد اللَّه‏بشي‏ء مثل البداء.

و في رواية  ابن أبي عمير، عن هشام [بن سالم‏] ، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله- عليه السّلام- قال: ما بعث اللّه نبيّا حتّى يأخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار له بالعبوديّة، وخلع الأنداد، وأنّ اللّه يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء.

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد قال: سئل العالم- عليه السّلام- كيف علم الله؟

قال: علم وشاء وأراد وقدّر وقضى وأمضى، فأمضى ما قضى وقضى ما قدّر وقدّر ما أراد، فبعلمه كانت المشيئة، وبمشيئته كانت الإرادة، وبإرادته كان التّقدير، وبتقديره كان القضاء، وبقضائه كان الإمضاء، والعلم مقدّم على المشيئة، والمشيئة ثانية والإرادة ثالثة، والتّقدير واقع على القضاء بالإمضاء، فلله- تبارك وتعالى- البداء فيما علم متى شاء وفيما أراد لتقدير الأشياء. فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء، فالعلم في المعلوم قبل كونه، والمشيئة في المنشأ قبل عينه، والإرادة في المراد قبل قيامه، والتّقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا  ووقتا، والقضاء بالإمضاء. هو المبرم من المعقولات  ذوات الأجسام المدركات بالحواسّ من ذي  لون وريح ووزن وكيل، وما دبّ ودرج من إنس وجنّ وطير وسباع وغير ذلك ممّا لا يدرك بالحواسّ، فلله- تعالى- فيه البداء ممّا لا عين له، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء، واللّه يفعل ما يشاء.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد الله- عليه السّلام- قال: ما بدا للّه  في شي‏ء إلّا كان في علمه قبل أن يبدو له.

عنه، عن  أحمد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن داود بن فرقد، عن عمر بن عثمان الجهنيّ، عن أبي عبد الله- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه لم يبد  له من جهل.عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن منصور بن حازم قال:

سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-: هل يكون اليوم شي‏ء لم يكن في علم اللّه بالأمس؟

قال: لا، من قال هذا فأخزاه اللّه.

قال: قلت: أ رأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، أليس في علم اللّه؟

قال: بلى، قبل أن يخلق الخلق. الحقّ .

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن عمرو  الكوفيّ، أخي يحيى، عن مرازم ابن حكيم قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: ما تنبّأ نبيّ قط حتّى يقرّ للّه بخمس [خصال‏] : بالبداء وبالمشيئة والسّجود والعبوديّة والطّاعة.

و بهذا الإسناد : عن أحمد بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن يونس، عن جهم [بن أبي جهمة] ، عمّن حدّثه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أخبر محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- بما كان منذ كانت الدّنيا وبما يكون إلى انقضاء الدّنيا، وأخبره بالمحتوم من ذلك واستثنى عليه فيما سواه.

و في مجمع البيان : وروى عمر بن حفص، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: هما كتابان سوى أمّ الكتاب، يمحو اللّه منه ما يشاء ويثبت. عنده  وأمّ الكتاب لا يغيّر منه [شي‏ء] .

و روى محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن ليلة القدر.

فقال: ينزل اللّه فيها الملائكة والكتبة إلى السّماء الدّنيا فيكتبون ما يكون من أمر السّنة وما يصيب العباد، وأمر ما عنده موقوف له فيه المشيئة، فيقدّم منه ما يشاء ويؤخّرما يشاء ويمحو ويثبت وعنده أمّ الكتاب.

روى زرارة ، عن عمران ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: هما أمران:

موقوف ومحتوم، فما كان من محتوم أمضاه، وما كان من موقوف فله فيه المشيئة يقضي فيه ما يشاء.

و فيمن لا يحضره الفقيه : وروى أحمد بن إسحاق بن سعد، عن عبد اللّه بن ميمون، عن الصّادق، جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: قال الفضل بن عبّاس: قال لي رسول الله- صلّى اللّه عليه وآله-: إذا سألت فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه- عزّ وجل-. قد مضى القلم  بما هو كائن، فلو جهد النّاس بما ينفعوك بأمر لم يكتبه اللّه لك لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضرّوك بأمر لم يكتبه اللّه عليك لم يقدروا عليه.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى يحيى بن أبي العلا الرّازيّ: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول- عليه السّلام- في آخره، وقد سئل عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ: وأما «ن» فكان نهرا في الجنّة أشدّ بياضا من الثّلج وأحلى من العسل، قال اللّه- عزّ وجلّ- له: كن مدادا. فكان مدادا، ثمّ أخذ شجرة فغرسها بيده، ثمّ قال: «و اليد» القوّة، وليس حيث تذهب إليه المشبّهة، ثمّ قال لها:

كوني قلما. ثمّ قال له: اكتب.

فقال له: يا ربّ، وما أكتب؟

قال: [اكتب‏]  ما هو كائن إلى يوم القيامة.

ففعل ذلك، ثمّ ختم عليه وقال: لا تنطقنّ إلى يوم الوقت المعلوم.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ: عن الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وأما «ن» فهو نهر في الجنّة، قال اللّه- عزّ وجلّ-: اجمد. فجمد فصار مدادا، ثمّ قال- عزّ وجلّ- للقلم: اكتب. فسطّر القلم‏في اللّوح المحفوظ ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرّحيم  القصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن ن وَالْقَلَمِ.

قال: إنّ اللّه خلق القلم من شجرة في الجنّة يقال لها: الخلد. ثمّ قال لنهر في الجنّة: كن مدادا. فجمد النّهر، وكان أشدّ بياضا من الثّلج وأحلى من الشّهد، ثمّ قال للقلم: اكتب.

قال: يا ربّ، ما أكتب؟

قال: اكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة.

فكتب القلم في رق  أشد بياضا من الفضّة وأصفى من الياقوت، ثمّ طواه فجعله في ركن العرش، ثمّ ختم على فم القلم فلم ينطق بعد ولا ينطق أبدا، فهو الكتاب المكنون الّذي منه النّسخ كلّها، او لستم عربا، فكيف لا تعرفون معنى الكلام وأحدكم يقول لصاحبه: انسخ ذلك الكتاب. او ليس إنّما ينسخ من كتاب أخذ من الأصل؟ وهو قوله: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أوّل ما خلق اللّه القلم، فقال له: اكتب. فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة.

و

في مجمع البيان : قيل: «ن» هو نهر في الجنّة، قال اللّه له: كن مدادا. فجمد وكان أبيض من اللّبن وأحلى من الشّهد، ثمّ قال للقلم: اكتب. فكتب القلم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة. عن أبي جعفر- عليه السّلام-.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

إنّ اللّه كتب كتابا فيه ما كان وما هو كائن فوضعه بين يديه، فما شاء منه [قدّم، وما شاء منه‏]  أخّر، وما شاء منه محا، وما شاء منه أثبت، وما شاء منه كان، وما لم يشأ  منه لم‏يكن.

و في أصول الكافي : محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: العلم علمان: فعلم عند اللّه مخزون ولم يطلع عليه أحدا من خلقه وعلم علمه ملائكته ورسله، فما علّمه ملائكته ورسله فإنّه سيكون لا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله. وعلم عنده مخزون، يقدّم منه ما يشاء، ويؤخّر منه ما يشاء، ويثبت ما يشاء.

و بهذا الإسناد : عن حمّاد، عن ربعي، عن الفضل  قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: من الأمور أمور موقوفة عند اللّه، يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر منها ما يشاء.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن جعفر بن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير [و وهيب بن حفص عن أبي بصير] ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ للّه علمين: علم مكنون مخزون لا يعلمه إلّا هو، من ذلك يكون البداء، وعلم علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه فنحن نعلمه.

و في كتاب التّوحيد ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع سليمان المروزيّ:

 

قال الرّضا- عليه السّلام-: لقد أخبرني أبي، عن آبائه أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أوحى إلى نبيّ من أنبيائه، أن أخبر فلان الملك أنّي متوفّيه إلى كذا وكذا.

فأتاه ذلك النّبيّ فأخبره، فدعا اللّه الملك وهو على سريره حتّى سقط من السّرير، فقال: يا رب، أجّلني حتّى يشبّ طفلي واقضي أمري.

فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إلى ذلك النّبيّ، أن ائت فلان الملك فأعلمه أنّي قد أنسيت في أجله وزدت في عمره خمس عشرة [سنة] .

فقال ذلك النّبيّ: يا ربّ، إنّك لتعلم أنّي لم أكذب قطّ.فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه: إنّما أنت عبد مأمور، فأبلغه ذلك، واللّه لا يسأل عمّا يفعل.

وَ إِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ: وكيفما دارت الحال أريناك بعض ما أوعدناهم، أو توفيناك قبله.

فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ: لا غير.

وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ : للمجازاة لا عليك، فلا تحتفل بإعراضهم ولا تستعجل بعذابهم فإنّا فاعلون له، وهذا طلائعه .

أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ:

قيل : أي: أرض الكفرة.

نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها: بذهاب أهلها.

و قيل : بما نفتحه على المسلمين.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد [عن محمد]  بن عليّ، عمّن ذكره، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان عليّ بن الحسين- عليه السّلام- يقول: إنّه يسخى نفسي  في سرعة الموت والقتل فينا قول اللّه- عزّ وجلّ-:

أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها. وهو ذهاب العلماء.

و في من لا يحضره الفقيه : وسئل عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها.

فقال: فقد العلماء.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وقال: أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها، يعني‏بذلك: ما يهلك من القرون، فسمّاه إتيانا.

و في مجمع البيان : اختلف في معناه على أقوال.

... إلى قوله: ثانيها «ننقصها» بذهاب علمائها وفقهائها وخيار أهلها. وروي ذلك عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

وَ اللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ: لا رادّ له. وحقيقته، الّذي يعقّب الشي‏ء بالإبطال. ومنه قيل لصاحب الحقّ: معقّب، لأنّه يقفو غريمه بالاقتضاء . والمعنى: أنّه حكم للإسلام بالإقبال، وعلى الكفر بالإدبار، وذلك كائن لا يمكن تغييره.

و محلّ «لا» مع معموله النّصب على الحال، أي: يحكم نافذا حكمه، كما تقول:

جاء زيد لا عمامة على رأسه ولا قلنسوة، تريد: حاسرا.

وَ هُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ : فيحاسبهم عمّا قليل في الآخرة بعد ما عذبهم بالقتل والإجلاء في الدّنيا.

وَ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: بأنبيائهم والمؤمنين منهم.

فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً: إذ لا يؤبه  بمكر دون مكره، لأنّه القادر على ما هو المقصود منه دون غيره.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: المكر من اللّه هو العذاب.

يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ: فيعدّ جزاءها.

وَ سَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ : من الحزبين حيثما يأتيهم العذاب المعدّ لهم وهم في غفلة منه. وهذا كالتّفسير لمكر اللّه بهم.

و «اللّام» تدلّ على أنّ المراد بالعقبى: العاقبة المحمودة ، مع ما في الإضافة، كما عرفت.

و قرأ  ابن كثير ونافع وأبو عمرو: «الكافر» على إرادة الجنس.

و قرئ : «الكافرون». و«الّذين كفروا». و«الكفر»، أي: أهله.

 «و سيعلم» من أعلمه: إذا أخبره.وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا:

قيل : المراد بهم: رؤساء اليهود.

قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ: فإنّه أظهر من الأدلّة على رسالتي ما يغني عن شاهد يشهد عليها.

وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ : مرتفع بالظّرف، فإنّه معتمد على الموصول.

و يجوز أن يكون مبتدأ والظّرف خبره.

و قيل : أي: علم القرآن وما الّف عليه من النّظم المعجز. أو علم التّوراة، وهو ابن سلام وأضرابه. أو علم اللّوح المحفوظ، وهو اللّه- تعالى-، أي: كفى بالّذي يستحقّ العبادة وبالّذي لا يعلم ما في اللّوح إلّا هو شهيدا بيننا، فيخزي الكاذب منّا. ويؤيّده قراءة من قرأ: «و من عنده» بالكسر .

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رضي اللّه عنه-: محمّد بن أبي عمير الكوفيّ، عن عبد اللّه بن الوليد السّمّان قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما يقول النّاس في أولى العزم وصاحبكم أمير المؤمنين- عليه السّلام-؟

قال: قلت: ما يقدّمون على أولي العزم أحدا.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- قال لموسى: وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْعِظَةً ولم يقل: كلّ شي‏ء، وقال لعيسى - عليه السّلام-:

وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ولم يقل: كلّ [شي‏ء]  [الّذي تختلفون به‏] ، وقال لصاحبكم  أمير المؤمنين- عليه السّلام-: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ وقال- عزّ وجلّ-: وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ وعلم هذا الكتاب عنده.عن سليم بن قيس  قال: سأل رجل عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- فقال له، وأنا أسمع: أخبرني بأفضل منقبة لك.

قال: ما أنزل اللّه في كتابه.

قال: وما أنزل اللّه فيك؟

قال: قوله: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا- إلى قوله- بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ إيّاي عنى بمن عنده علم الكتاب.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه. ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن ، عمّن ذكره، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ.

قال: إيّانا عنى، وعليّ أوّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.

و في الخرائج والجرائح : عن سعد ، عن محمّد بن يحيى، عن عبيد بن معروف، عن عبيد اللّه  بن الوليد السّمّان، عن الباقر- عليه السّلام- مثله.

 

و في أصول الكافي : أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن عبّاد بن سليمان، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن سدير قال: كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزّاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبد الله- عليه السّلام- إذ خرج علينا  وهو مغضب، فلمّا أخذ مجلسه قال: يا عجبا لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلّا اللّه- عزّ وجلّ-. لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت منّي، فما علمت في أيّ بيوت الدّار هي.

قال سدير: فلمّا أن قام من مجلسه وصار في منزله دخلت أنا وأبو بصير وميسر، فقلنا له: جعلنا فداك، سمعناك وأنت تقول كذا وكذا في أمر جاريتك، ونحن نعلم أنّك تعلم علما كثيرا ولا ننسبك إلى علم الغيب.

قال: فقال: يا سدير، ألم تقرأ القرآن؟

قلت: بلى.

قال: فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه- عزّ وجلّ-: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ؟

قال: قلت: جعلت فداك، قد قرأته .

قال: فهل عرفت الرّجل، وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب؟

قال: قلت: أخبرني به.

قال: قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر، فما يكون ذلك من علم الكتاب؟

قال: قلت: جعلت فداك، ما أقلّ هذا! قال: فقال: يا سدير، ما أكثر هذا  أن ينسبه اللّه- عزّ وجلّ- إلى العلم الّذي أخبرك به! يا سدير، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه- عزّ وجلّ- أيضا: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ؟

قال: قلت: قد قرأته، جعلت فداك.

قال: أ فمن عنده علم الكتاب كلّه [أفهم، أم من عنده علم الكتاب بعضه؟

قلت: لا، بل من عنده علم الكتاب كلّه‏]  قال: فأومأ بيده إلى صدره، وقال: علم الكتاب، واللّه، كلّه عندنا [علم الكتاب واللّه كلّه عندنا] .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله- عليه السّلام- قال: الّذي عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و سئل عن الّذي عنده علم من الكتاب أعلم، أم الّذي عنده علم الكتاب.

فقال: ما كان علم الّذي كان  عنده علم من الكتاب عند الّذي عنده علم الكتاب إلّا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر.و قال أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه-: ألا إنّ العلم الّذي هبط به آدم من السّماء إلى الأرض وجميع ما فضّلت به النّبيّون، إلى خاتم النّبيّين، في عترة خاتم النّبيّين.

و في أمالي الصّدوق ، بإسناده إلى أبي سعيد الخدريّ قال: سألت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن قول اللّه- عزّ وجلّ ثناؤه-: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ.

قال: ذاك أخي، عليّ بن أبي طالب.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عبد اللّه بن عطاء  قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: هذا ابن عبد اللّه بن سلام  يزعم أنّ أباه الّذي يقول اللّه: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ.

قال: كذب، هو عليّ بن أبي طالب.

عن عبد اللّه بن عجلان ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قوله:

قُلْ كَفى بِاللَّهِ.

فقال: نزلت في عليّ بعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وفي الأئمّة [بعده، وعليّ عنده علم الكتاب‏] .

عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ قال: نزلت في عليّ- عليه السّلام- إنّه عالم هذه الأمّة بعد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.

عن عمر بن حنظلة ، عن أبي عبد الله- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ فلمّا رآني أتتبّع هذا وأشباهه من الكتاب قال: حسبك كلّ شي‏ء في الكتاب من فاتحته إلى خاتمته مثل هذا، فهو في الأئمّة عني به.و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللّه-: قال الباقر- عليه السّلام-: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ عليّ بن أبي طالب عنده علم الكتاب الأوّل والآخر.

و في شرح الآيات الباهرة : ذكر الشّيخ محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ قال: إيّانا عنى، وعليّ أوّلنا وخيرنا وأفضلنا بعد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.

و روى  أيضا، عن رجاله، بإسناده إلى جابر بن عبد اللّه قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام-: يقول: ما ادّعى أحد من النّاس أنّه جمع القرآن كلّه، كما أنزل ، إلّا كذّاب. وما جمعه وحفظه، كما أنزل [اللّه‏] ، إلّا عليّ بن أبي طالب والأئمّة من بعده- عليهم السّلام-.

و روى الشّيخ المفيد - رضي اللّه عنه-، عن رجاله حدّيثا  مسندا إلى سلمان الفارسيّ- رضي اللّه عنه- قال: قال لي أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه-: [يا سلمان‏]  الويل كلّ الويل لمن لا يعرف لنا حقّ معرفتنا وأنكر فضلنا، يا سلمان، أيّما أفضل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أو سليمان بن داود؟

قال سلمان: فقلت: بل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال: يا سلمان، هذا آصف من برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من سبأ إلى فارس في طرفة عين وعنده علم من الكتاب، ولا أقدر أنا وعندي علم ألف كتاب، أنزل اللّه منها على شيث بن آدم خمسين صحيفة، وعلى إدريس النّبيّ ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم الخليل عشرين صحيفة، وعلم التّوراة والإنجيل والزّبور والفرقان؟

قلت: صدقت، يا سيّدي.

فقال: اعلم، يا سلمان، أنّ الشّاكّ في أمورنا وعلومنا كالممتري في معرفتناو حقوقنا، وقد فرض اللّه [طاعتنا و]  ولايتنا [في كتابه‏]  في غير موضع وبيّن فيه ما وجب العمل به، وهو مكشوف.