سورة الكهف‏ الآية 41-60

أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً: غائرا في الأرض، مصدر وصف به، كالزّلق.

فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ: للماء الغائر.

طَلَباً : تردّدا في ردّه.

وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ: وأهلك أمواله حسبما توقّعه صاحبه وأنذره منه. مأخوذ من أحاط به العدوّ، فإنّه إذا أحاط به غلبه وإذا غلبه أهلكه. ونظيره: أتى عليهم العدوّ: إذا جاءهم مستعليا عليهم.

و في مجمع البيان : وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ‏

و في الخبر: أنّ اللّه- عزّ وجلّ- أرسل عليها نارا [فأهلكها]  وغار ماؤها.

فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ: ظهرا لبطن ، تلهفا وتحسّرا.

عَلى ما أَنْفَقَ فِيها: في عمارتها. وهو متعلّق «بيقلّب» لأنّ تقلّب الكفّ كناية عن النّدم، وكأنّه قيل: وأصبح يندم. أو حال، أي: متحسّرا على ما أنفق فيها.

وَ هِيَ خاوِيَةٌ: ساقطة. عَلى عُرُوشِها، بأن سقطت عروشها على الأرض، وسقطت الكروم فوقها.

وَ يَقُولُ: عطف على «يقلّب». أو حال من ضميره .

يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ، كأنّه تذكّر موعظة أخيه وعلم أنّه أتي من قبل شركه، فتمنّى لو لم يكن مشركا فلم يهلك اللّه بستانه.

و يحتمل أن يكون توبة من الشّرك، وندما [على شركه‏]  على ما سبق منه.

وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ وقرأ  حمزة والكسائيّ بالياء .يَنْصُرُونَهُ: يقدرون على نصره بدفع الإهلاك، أو ردّ المهلك، أو الإتيان بمثله مِنْ دُونِ اللَّهِ، فإنّه القادر على ذلك وحده.

وَ ما كانَ مُنْتَصِراً : وما كان ممتنعا بقوّته عن انتقام  اللّه منه.

هُنالِكَ: في ذلك المقام وتلك الحال.

الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ: النّصرة له وحده لا يقدر عليها غيره، تقريرا لقوله: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ. أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة، كما نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن، ويعضده قوله: هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً ، أي: لأوليائه.

و قرأ  حمزة والكسائيّ، بالكسر ، ومعناها: السّلطان والملك، أي: هنالك السّلطان له لا يغلب ولا يمتنع منه. أو لا يعبد غيره ، كقوله: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، فيكون تنبيها على أنّ قوله: يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ كان عن اضطرار وجزع ممّا دهاه.

و قيل : «هنالك» إشارة إلى الآخرة.

و قرأ  حمزة  والكسائيّ: «الحقّ» بالرّفع صفة «للولاية».

و قرئ : بالنّصب على المصدر المؤكّد.

و قرأ حمزة وعاصم : «عقبا» بالسّكون.

و قرئ : «عقبى» وكلّها بمعنى العاقبة.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة ومحمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن حسّان [عن عبد اللّه بن كثير] ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قوله- عزّ وجلّ-: هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ.

قال: ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام-.و في شرح الآيات الباهرة : روى محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-، عن محمّد بن همام، عن عبد اللّه بن جعفر الحضرميّ ، عن محمّد بن عبد الحميد، عن محمّد بن الفضل ، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له قوله- تعالى-: هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً.

قال: هي ولاية عليّ- عليه السّلام- هي خير ثوابا وخير عقبا، أي: عاقبة من ولاية عدوّه صاحب الجنّة  الّذي حرّم اللّه عليه الجنّة.

وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا: اذكر لهم ما يشبه الحياة الدّنيا في زهرتها وسرعة زوالها، أو صفتها الغريبة.

كَماءٍ: هو كماء. ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا «لا ضرب» على أنّه بمعنى:

صيّر .

أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ: فالتفّ  بسببه وخالط بعضه بعضا من كثرته وتكاثفه. أو بخع  في النّبات حتّى روي ورفّ ، وعلى هذا كان حقّه:

فاختلط بنبات الأرض. لكن لمّا كان كلّ من المختلطين موصوفا بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته .

فَأَصْبَحَ هَشِيماً: مهشوما مكسورا.

تَذْرُوهُ الرِّياحُ: تفرّقه.و قرئ : «تذريه» من أذرى. والمشبّه به ليس الماء ولا حاله، بل الكيفيّة المنتزعة من الجملة ، وهي حال النّبات المنبت  بالماء يكون أخضر وأرفأ ثمّ هشيما تطيّره الرّياح فيصير كأن لم يكن.

وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقْتَدِراً : من الإنشاء والإفناء.

 [في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى. وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة] ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- حديث طويل [في الزّهد في الدّنيا، وفيه يقول- عليه السّلام-:]  فهي كروضة اعتمّ  مرعاها  وأعجبت من يراها، عذب شربها  طيّب تربها ، تمجّ عروقها الثّرى وتنطف فروعها النّدى، حتّى إذا بلغ العشب إبانه  واستوى بنانه  هاجت ريح تحت الورق وتفرّق ما اتّسق فأصبحت، كما قال اللّه: هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقْتَدِراً.

 

و في نهج البلاغة : أمّا بعد، فإنّي أحذّركم الدّنيا.

... إلى أن قال- عليه السّلام-: لا تعدوا إذا تناهت إلى أمنيّة أهل الرّغبة فيها والرّضا بها أن تكون ، كما قال اللّه- سبحانه-: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقْتَدِراً.

 

الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا: يتزيّن به الإنسان في دنياه، وتفنى  عنه‏عمّا قريب.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى سعيد بن النّصر: عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وثمان ركعات  آخر اللّيل والوتر زينة الآخرة، وقد يجمعهما اللّه- عزّ وجلّ- لأقوام.

و في تهذيب الأحكام : قال- عليه السّلام-: إنّ المال والبنين حرث الدّنيا والعمل الصّالح حرث الآخرة وقد يجمعهما اللّه لأقوام.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن عمر بن عليّ بن عمر، عمّن حدّثه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: إن كان اللّه- عزّ وجلّ- قال: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا إنّ الثّمانية ركعات يصليها العبد آخر اللّيل زينة الآخرة.

وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ: والأعمال الخيّرات الّتي تبقى له ثمرتها أبد الآباد ، ويندرج فيها ما فسّرت به من الصّلوات الخمس، وأعمال الحجّ، وصيام رمضان، وسبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، والكلام الطيّب.

و في مجمع البيان : وروى أنس بن مالك، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال لجلسائه: خذوا جنّتكم.

قالوا: احضر  عدوّنا؟

قال: خذوا جنّتكم [من النّار] ، قولوا: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، فانّهنّ المقدّمات، وهنّ  المنجيات، وهنّ المعقّبات، وهنّ الباقيات الصّالحات.

و روي  عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: إن عجزتم عن اللّيل أن‏تكابدوه  وعن العدوّ أن تجاهدوه، فلا تعجزوا عن قول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، فإنّهنّ الباقيات الصّالحات، فقولوها.

و قيل

: هي الصّلوات الخمس. وروي  ذلك عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

 

و روي  عنه- أيضا-: أنّ من الباقيات الصّالحات القيام باللّيل لصلاة اللّيل.

و في كتاب ابن عقدة ، أنّ أبا عبد اللّه- عليه السّلام- قال للحصين بن عبد الرّحمن: يا حصين، لا تستصغر مودّتنا فإنّها من الباقيات الصّالحات.

قال: يا ابن رسول اللّه، ما أستصغرها  ولكن أحمد اللّه عليها.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: خذوا جنّتكم.

قالوا: يا رسول اللّه، حضر عدوّ ؟

فقال: لا، ولكن خذوا جنّتكم من النّار.

فقالوا: بم  نأخذ جنّتنا ، يا رسول اللّه [من النّار] ؟

قال: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، فإنّهنّ يأتين يوم القيامة ولهنّ مقدمات ومؤخّرات ، وهي  الباقيات الصّالحات.

ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ولذكر اللّه أكبر، قال: ذكر اللّه عند ما أحلّ أو حرّم، وشبه هذا هو  مؤخّرات.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى الحسن بن محبوب: عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لأصحابه ذات يوم: أ ترون  لو جمعتم ما عندكم من الآنية والمتاع أ كنتم ترونه تبلغ  السّماء؟قالوا: لا، يا رسول اللّه.

قال: ألا أدلّكم على شي‏ء أصله في الأرض وفرعه في السّماء؟

قالوا: بلى، يا رسول اللّه.

قال: يقول أحدكم إذا فرغ من صلاة  الفريضة: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، ثلاثين مرّة، فإنّ أصلهنّ في الأرض وفرعهنّ في السّماء، وهنّ يدفعن الحرق والغرق والهدم والتّردّي في البئر وميتة السّوء، وهنّ الباقيات الصّالحات.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد  بن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن ضريس الكناسيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: مرّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- برجل يغرس غرسا في حائط له، فوقف له وقال: ألا أدلّك على غرس أثبت أصلا وأسرع إيناعا وأطيب ثمرا وأبقى؟

قال: بلى، فدلّني يا رسول اللّه.

فقال: إذا أصبحت وأمسيت فقل: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، فإنّ لك إن قلته بكلّ تسبيحة عشر شجرات في الجنّة من أنواع الفاكهة، وهنّ من الباقيات الصّالحات. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب ثواب الأعمال : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: أكثروا من سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، فإنّهنّ يأتين يوم القيامة لهنّ مقدّمات ومؤخّرات ومعقّبات، وهنّ الباقيات الصّالحات.

خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ: من المال والبنين.

ثَواباً: عائدة وَخَيْرٌ أَمَلًا ، لأنّ صاحبها ينال بها في الآخرة ما كان يأمل في الدّنيا.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبيه، عن النّعمان، عن عمرو الجعفي قال:

 

حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن عبد الرّحمن الجعفيّ قال: دخلت أنا وعمّي، الحصين بن‏عبد الرّحمن على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فسلّم عليه فردّ عليه السّلام وأدناه، وقال:

ابن من هذا معك؟

قال: ابن أخي إسماعيل.

قال: رحم اللّه إسماعيل وتجاوز عن سيّئ عمله، كيف تخلّفوه ؟

قال: نحن جميعا بخير ما أبقى اللّه لنا مودّتكم.

قال: يا حصين، لا تستصغرنّ  مودّتنا، فإنّها من الباقيات الصّالحات.

فقال: يا ابن رسول اللّه، ما أستصغرها ولكن أحمد اللّه عليها. لقولهم- صلوات اللّه عليهم-: من حمد [اللّه‏]  فليقل: الحمد للّه على أولى  النّعم.

قيل: وما أولى  النّعم؟

قال: ولايتنا، أهل البيت.

وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ: واذكر يوم نقلعها ونسيّرها في الجوّ، ونذهب بها فنجعلها هباء منبثّا.

و يجوز عطفه على «عند ربّك»، أي: الباقيات الصّالحات خير عند اللّه ويوم القيامة.

و قرأ  ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: «تسيّر» بالتّاء، والبناء للمفعول.

و قرئ : «تسير» من سارت.

وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً: بادية، برزت من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها.

و قرئ : «ترى» على بناء المفعول.

وَ حَشَرْناهُمْ: وجمعناهم إلى الموقف.

و قيل : مجيئه ماضيا بعد «نسيّر» و«ترى» لتحقق  الحشر. أو للدّلالة على أنّ حشرهم قبل التّسيير ليعاينوا ويشاهدوا ما وعد لهم، وعلى هذا تكون الواو للحال بإضمار «قد».

فَلَمْ نُغادِرْ: فلم نترك. مِنْهُمْ أَحَداً  يقال: غادره وأغدره: إذا تركه. ومنه الغدر لترك الوفاء، والغدير لما غادره السّيل.

و قرئ : بالياء .

و في كتاب جعفر بن محمّد الدّوريسي ، بإسناده إلى ابن عبّاس قال: لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً أغشي عليه وحمل إلى حجرة أمّ سلمة، فانتظره أصحابه وقت الصّلاة فلم يخرج، فاجتمع المسلمون فقالوا: ما لنبيّ اللّه؟

قالت أمّ سلمة: إنّ نبيّ اللّه عنكم مشغول.

ثمّ خرج بعد ذلك فرقي  المنبر فقال: أيّها النّاس، إنّكم تحشرون يوم القيامة، كما خلقتم حفاة عراة. ثمّ قرأ على أصحابه: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً. ثمّ قرأ: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ.

 

و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللّه-: قال أبو  عبد اللّه بن سلام: يا محمّد، أخبرني أين  وسط الدّنيا.

قال: بيت المقدس.

قال: ولم ذلك؟

قال: لأنّ فيها المحشر والمنشر، ومنه ارتفع العرش، وفيه الصّراط والميزان.

قال: صدقت، يا محمّد.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: يحشر النّاس على مثل قرصة  النّقيّ، فيها أنهار متفجّرة  يأكلون‏و يشربون حتّى يفرغوا  من الحساب.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وقف على حمزة يوم أحد وقال: لولا أنّي أحذر نساء بني عبد المطّلب لتركته للعاوية  والسّباع حتّى يحشر يوم القيامة من بطون السّباع والطّير.

و فيه : أنّه سئل عن قوله: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً.

فقال: ما يقول النّاس فيها؟

فقلت: يقولون: إنّها في القيامة.

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أ يحشر اللّه في يوم القيامة من كلّ أمّة فوجا ويذر الباقين؟ إنّما ذلك في الرّجعة، أمّا آية القيامة فهذه: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً.

 

عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ‏

: تشبيه  حالهم بحال الجند المعروضين على السّلطان، لا ليعرفهم بل للأمر فيهم.

و في كتاب الخصال ، بإسناده إلى أبان الأحمر: عن الصّادق، جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- أنّه جاء إليه رجل فقال له: بأبي أنت وأمّي، عظني موعظة.

 

فقال: إن كان العرض على اللّه- عزّ وجلّ- حقّا فالمكر  لما ذا؟ أنكر  والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

ًّا

: مصطفّين لا يحجب أحد أحدا.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه قال السّائل: أ فيعرضون  صفوفا؟

قال: نعم، هم يومئذ عشرون ومائة ألف صفّ في عرض الأرض.َدْ جِئْتُمُونا

: على إضمار القول على وجه يكون حالا، أو عاملا في «يوم نسيّر» .

ا خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ

 قيل : عراة لا شي‏ء معكم من المال والولد، لقوله: لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى. أو أحياء، كخلفتكم الأولى.

و في مجمع البيان : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: يحشر النّاس من قبورهم يوم القيامة حفاة عراة غرلا .

فقالت عائشة: يا رسول اللّه، أما يستحيي بعضهم من بعض؟

فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ.

 

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه قال السّائل: أخبرني عن النّاس يحشرون يوم القيامة عراة؟

قال: بل يحشرون في أكفانهم.

قال: أنّى لهم بالأكفان وقد بليت؟

قال: إنّ الّذي أحيى أبدانهم جدّد أكفانهم.

قال: فمن مات بلا كفن؟

قال: يستر اللّه عورته بما يشاء من عنده.

ْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً

 : وقتا لإنجاز الوعد بالبعث والنّشور، وأنّ الأنبياء كذبوكم  به.

و «بل» للخروج من قصّة إلى أخرى.

وَ وُضِعَ الْكِتابُ: صحائف الأعمال في الأيمان والشّمائل. أو في الميزان.

و قيل : هو كناية عن وضع الحساب.فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ: خائفين.

مِمَّا فِيهِ: من الذّنوب.

وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا: ينادون هلكتهم الّتي هلكوا بها من بين الهلكات .

ما لِهذَا الْكِتابِ: تعجّبا من شأنه.

لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها: إلّا عدّها وأحاط بها.

و في تفسير العيّاشي : عن خالد بن نجيح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة دفع إلى الإنسان كتابه، ثمّ قيل له: أقرأه.

قلت: فيعرف  ما فيه؟

فقال: [إنّه‏]  يذكره، فما من لحظة ولا كلمة ولا نقل قدم [و لا شي‏ء فعله‏]  إلّا ذكره، كأنّه فعله تلك السّاعة، فلذلك قالوا: يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها.

عن خالد بن نجيح ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [في قوله: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ‏]  قال: يذكر العبد جميع ما عمل وما كتب عليه، كأنّه فعله تلك السّاعة، فلذلك قالوا: يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها

 

 .

وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً : فيكتب عليه شيئا لم يفعله، أو يزيد في عقابه الملائم لعمله.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ- إلى قوله- وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً قال: يجدون ما عملوا كلّه مكتوبا.وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ:

كرّره في مواضع  لكونه مقدّمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحالّ، وهاهنا لمّا شنّع على المفتخرين واستقبح صنيعهم قرّر ذلك بأنّه من سنن إبليس. أو لمّا بيّن حال المغرور بالدّنيا والمعرض عنها، وكان سبب الاغترار بها حبّ الشّهوات وتسويل الشّيطان، زهّدهم أوّلا في زخارف الدّنيا  بأنّها عرضة الزّوال، والأعمال الصّالحة خير وأبقى من أنفسها وأعلاها، ثمّ نفّرهم عن الشّيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة، وهذا مذهب كلّ تكرير في القرآن.

كانَ مِنَ الْجِنِّ: حال بإضمار «قد». أو استئناف للتّعليل، كأنّه قيل ما له لم يسجد؟ فقيل: كان من الجنّ.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في هاروت وماروت، وفيه بعد أن مدح- عليه السّلام- الملائكة وقال: معاذ اللّه من ذلك، إنّ الملائكة معصومون محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف اللّه- تعالى-.

قالا: قلنا له: فعلى هذا لم يكن إبليس- أيضا- ملكا؟

فقال: لا، بل كان من الجنّ، أما تسمعان اللّه- تعالى- يقول: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فأخبر- عزّ وجلّ- أنّه كان من الجنّ، وهو الّذي قال اللّه- تعالى-: وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ.

 

و في أصول الكافي : عنه، عن أبيه، عن فضالة، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ الملائكة [كانوا]  يحسبون أن إبليس منهم، وكان في علم اللّه أنّه ليس منهم، فاستخرج ما في نفسه بالحميّة والغضب فقال: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ.

و في تفسير العيّاشي : عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن إبليس، أ كان من الملائكة، وهل كان يلي من أمر السّماء شيئا؟قال: لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي من  أمر السّماء شيئا، كان من الجنّ وكان مع الملائكة، وكانت الملائكة ترى  أنّه منها وكان اللّه يعلم أنّه ليس منها، فلمّا امر بالسّجود كان منه  الّذي كان.

فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ: فخرج عن أمره بترك السّجود.

و «الفاء» للّسبب. وفيه دليل على أنّ الملك لا يعصي أبدا، وإنّما عصى إبليس لأنّه كان جنّيّا في أصله.

أَ فَتَتَّخِذُونَهُ: أ عقيب  ما وجد منه تتّخذونه.

و «الهمزة» للإنكار والتّعجّب.

وَ ذُرِّيَّتَهُ: أولاده، أو أتباعه، سمّاهم ذرّيّة مجازا .

أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي: فتستبدلونهم بي، فتطيعونهم بدل طاعتي.

وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا : من اللّه إبليس وذرّيّته.

ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ: نفى إحضار إبليس وذرّيّته خلق السّموات والأرض وإحضار بعضهم خلق بعض، ليدلّ على نفي الاعتضاد بهم في ذلك، كما صرّح به بقوله: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً : أي أعوانا ردّا لاتّخاذهم أولياء من دون اللّه شركاء له في العبادة، فإنّ استحقاق العبادة من توابع الخالقيّة، والإشراك فيه يستلزم الإشراك فيها، فوضع المضلّين موضع الضّمير ذمّا لهم واستبعادا للاعتضاد بهم.

و قيل : الضّمير للمشركين، والمعنى: ما أشهدتهم خلق ذلك وما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتّى لو آمنوا تبعهم النّاس، كما يزعمون، فلا تلتفت إلى قولهم طمعا في نصرتهم للدّين، فإنّه لا ينبغي لي أن أعتضد بالمضلّين لديني، ويعضده قراءة من قرأ: «و ما كنت»: على خطاب الرّسول.

و قرئ : «متّخذا المضلّين» على الأصل. و«عضدا» بالتخفيف. و«عضدا»بالاتباع. و«عضدا»، كخدم، جمع عاضد، من عضده: إذا قوّاه.

و في تفسير العيّاشي : عن محمّد بن مروان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله:

ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: اللّهم، أعزّ الإسلام بعمر بن الخطّاب أو بأبي جهل بن هشام. فأنزل اللّه: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً يعنيهما.

عن محمّد بن مروان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أعزّ الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطّاب؟

فقال: يا محمّد، قد واللّه، قال ذلك وكان [عليّ‏]  أشدّ من ضرب العنق.

ثمّ أقبل عليّ فقال: هل تدري ما أنزل اللّه، يا محمّد؟

قلت: أنت علم، جعلت فداك.

قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان في دار الأرقم فقال: اللّهم، أعزّ الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطّاب. فأنزل اللّه ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [يعنيهما]

 .

و في أمالي شيخ الطّائفة- قدس سرّه- ، بإسناده إلى جبلة بن سجيم: عن أبيه قال: لمّا بويع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- بلغه أنّ معاوية قد توقّف عن إظهار البيعة له، وقال: إنّ أقرّني على الشّام أو الأعمال  الّتي ولّانيها عثمان بايعته.

فجاء المغيرة إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّ معاوية من قد عرفت وقد ولّاه الشّام من كان قبلك، فولّه أنت كيما تتسّق عرى الأمور ثمّ أعزله إن بدا لك.

فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أتضمن لي عمري، يا مغيرة، فيما بين توليته إلى خلعه؟

قال: لا.قال: لا يسألني اللّه- عزّ وجلّ- عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبدا وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب مقتل الحسين- عليه السّلام-  لأبي مخنف: أنّ الحسين- عليه السّلام- قام يتمشّى إلى عبيد اللّه [بن الحرّ]  الجعفيّ، وهو في فسطاطه، حتّى دخل عليه وسلّم عليه، فقام إليه بن الحرّ وأخلى له المجلس، فجلس ودعاه إلى نصرته.

فقال عبيد اللّه بن الحرّ: واللّه، ما خرجت من الكوفة إلّا مخافة أن تدخلها ولا أقاتل معك، ولو قاتلت لكنت أوّل مقتول، ولكن هذا سيفي وفرسي فخذهما.

فأعرض عنه- عليه السّلام- بوجهه فقال: إذا بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في مالك وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً.

و في كتاب الخصال : عن جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- وقد ذكر معاوية بن حرب : وأعجب العجب أنّه لمّا رأى ربّي- تبارك وتعالى- قد ردّ إليّ حقّي، وأقرّ في معدنه، وانقطع طمعه في أن يصير  في دين اللّه رابعا وفي أمانة حملناها حاكما، كرّ على العاصي  بن العاص فاستماله فمال إليه، ثم أقبل به بعد أن أطعمه مصر، وحرام عليه أن يأخذ من الفي‏ء دون قسمته  درهما، وحرام على الرّاعي إيصال درهم إليه فوق حقّه، فأقبل يخبط  البلاد بالظّلم ويطأها بالغشم ، فمن بايعه أرضاه ومن خالفه ناوأه، ثمّ توجّه إليّ ناكثا علينا مغيرا في البلاد شرقا وغربا ويمينا وشمالا، والأنباء تأتيني والأخبار ترد عليّ بذلك، فأتاني أعور ثقيف فأشار عليّ أن أوّليه البلاد الّتي هو بها لأداريه بما اوّليه  منها، وفي الّذي أشار به الرّأي في أمر الدّنيا، لو وجدت عند اللّه- عزّ وجلّ- في‏توليته لي مخرجا أو أصبت لنفسي في ذلك عذرا فأعملت الرّأي في ذلك، وشاورت من أثق بنصيحته للّه- عزّ وجلّ- ولرسوله  ولي وللمؤمنين، فكان رأيه في ابن آكلة الأكباد لرأي ينهاني عن توليته ويحذّرني أن أدخل في أمر المسلمين يده، ولم يكن اللّه ليراني أن أتّخذ المضلّين عضدا.

وَ يَوْمَ يَقُولُ، أي: اللّه للكافرين.

و قرأ  حمزة، بالنّون.

نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ: أنّهم شركائي، أو شفعاؤكم ليمنعوكم من عذابي.

و إضافة الشّركاء على زعمهم للتّوبيخ، والمراد: ما عبد من دونه.

و قيل»

: إبليس وذرّيّته.

فَدَعَوْهُمْ: فنادوهم للإغاثة.

فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ: فلم يغيثوهم.

وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ: بين الكفّار وآلهتهم.

مَوْبِقاً : مهلكا يشتركون فيه، وهو النّار. أو عداوة هي في شدّتها هلاك. اسم مكان أو مصدر، من وبق يوبق وبقا، ووبق يبق وبقا ووبوقا: إذا هلك.

و قيل : «البين الوصل، أي: وجعلنا تواصلهم في الدّنيا هلاكا يوم القيامة.

وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا: فأيقنوا.

أَنَّهُمْ مُواقِعُوها: مخالطوها، واقعون فيها.

و في كتاب التّوحيد ، حديث طويل: عن عليّ- عليه السّلام- يقول فيه- عليه السّلام- وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات: وأمّا قوله: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها، يعني: أيقنوا أنّهم داخلوها.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-

 حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وقد يكون بعض ظنّ الكافرين يقينا، وذلك قوله: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها، أي: أيقنوا  أنّهم مواقعوها.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: افتحوا عيونكم عند الوضوء، لعلّها لا ترى نار جهنّم.

وَ لَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً : انصرافا. أو مكانا ينصرفون إليه.

وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ: من كلّ جنس يحتاجون إليه.

وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْ‏ءٍ: يتأتّى منه الجدل.

جَدَلًا : خصومة بالباطل وانتصابه على التّمييز .

وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا: من الإيمان.

إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى: وهو الرّسول الدّاعي. أو القرآن المبين.

وَ يَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ: ومن الاستغفار من الذّنوب.

إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ: إلّا طلب أو انتظار أو تقدير أن يأتيهم سنّة الأوّلين، وهو الاستئصال، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه .

أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ: عذاب الآخرة.

قُبُلًا : عيانا.

و قرأ  الكوفيّون، بضمّتين، وهو لغة فيه. أو جمع قبيل، بمعنى: أنواع.

و قرئ ، بفتحتين، وهو- أيضا- لغة. يقال: لقيته مقابلة وقبلا وقبلا وقبلا وقبيلا وقبليّا.

و انتصابه على الحال من الضّمير، أو «العذاب».وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ: للمؤمنين والكافرين.

وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ: باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات، والسؤال عن قصّة أصحاب الكهف ونحوها تعنّتا.

لِيُدْحِضُوا بِهِ: ليزيلوا بالجدال الْحَقَّ عن مقرّه ويبطلوه. من إدحاض القدم، وهو إزلاقها .

وَ ما أُنْذِرُوا: وإنذارهم. أو والّذي أنذروا به من العقاب.

هُزُواً : استهزاء.

و قرئ : «هزوا» بالسّكون، وهو ما يستهزأ به [على التقديرين‏] .

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ: بالقرآن.

فَأَعْرَضَ عَنْها: فلم يتدبّرها ولم يتذكّر بها.

وَ نَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ: من الكفر والمعاصي فلم يتفكّر في عاقبتهما.

إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً: تعليل لإعراضهم ونسيانهم بأنّهم مطبوع على قلوبهم.

أَنْ يَفْقَهُوهُ: كراهة أن يفقهوه. وتذكير الضّمير وإفراده للمعنى .

وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً: يمنعهم أن يسمعوه حقّ استماعه.

وَ إِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً : أخبر- سبحانه- أنّهم لا يؤمنون أبدا، وقد خرج مخبره موافقا لخبره فماتوا على كفرهم.

وَ رَبُّكَ الْغَفُورُ: البليغ المغفرة .

ذُو الرَّحْمَةِ: الموصوف بالرّحمة.

لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ: استشهاد على ذلك  بإمهال قريش مع إفراطهم في عداوة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ: وهو يوم بدر. أو يوم القيامة.

لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا : منجا ولا ملجأ. يقال: وأل: إذا نجا.

و وأل إليه: إذا لجأ إليه.

وَ تِلْكَ الْقُرى، يعني: قرى عاد وثمود وأضرابهم.

و «تلك» مبتدأ خبره أَهْلَكْناهُمْ. أو مفعول مضمر مفسّر به ، والقرى صفته، ولا بدّ من تقدير مضاف في أحدهما ليكون مرجع الضّمائر .

لَمَّا ظَلَمُوا، كقريش، بالتّكذيب والمراء وأنواع المعاصي.

وَ جَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً : لإهلاكهم وقتا معلوما  لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون، فليعتبروا بهم ولا يغترّوا بتأخّر العذاب عنهم.

و قرأ  أبو بكر: «لمهلكهم» بفتح الميم والّلام، أي: لهلاكهم . وحفص، بكسر اللّام، حملا على ما شذّ من مصادر يفعل، كالمرجع، والمحيص.

وَ إِذْ قالَ مُوسى: مقدّر «باذكر» لِفَتاهُ.

قيل : يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف- عليهم السّلام-. فإنّه كان يخدمه ويتبعه، ولذلك سمّاه: فتاه.

و قيل : لعبده .

لا أَبْرَحُ، أي: لا أزال أسير. فحذف الخبر لدلالة حاله عليه، وهو السّفر، وقوله : حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ: من حيث أنّها تستدعي ذا غاية عليه.

و يجوز أن يكون أصله: لا يبرح مسيري حتّى أبلغ. على أنّ حَتَّى أَبْلُغَ هو الخبر، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه  فانقلب الضّمير والفعل، وأن يكون «لاأبرح» بمعنى: لا أزول عمّا أنا عليه من السّير والطّلب ولا أفارقه. فلا يستدعي الخبر .

و «مجمع البحرين» ملتقى بحري  فارس والرّوم ممّا يلي المشرق، وعد لقاء الخضر- عليه السّلام- فيه.

و قيل : «البحرين» موسى والخضر- عليهما السّلام-. فانّ موسى كان بحر علم الظّاهر، والخضر كان بحر علم الباطن.

و قرئ : «مجمع» بكسر الميم، على الشّذوذ من يفعل، كالمشرق، والمطلع.

أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً : أو أسير زمانا طويلا.

و المعنى: حتّى يقع إمّا بلوغ المجمع أو مضيّ الحقب. أو حتّى أبلغ إلّا أن أمضي زمانا  أتيقّن معه فوات المجمع .

و «الحقب» الدّهر.

و قيل»

: ثمانون سنة.

و قيل»

: سبعون.

نقل : أنّ موسى- عليه السّلام- خطب النّاس بعد هلاك القبط ودخوله مصر خطبة بليغة فاعجب بها.

فقيل له: هل تعلم أحدا أعلم منك؟

فقال: لا.فأوحى اللّه- تعالى- إليه: بل [أعلم منك‏]  عبدنا الخضر، وهو بمجمع البحرين.

و كان الخضر في أيّام إفريدون، و[كان‏]  على مقدّمة ذي القرنين الأكبر، وبقي إلى أيّام موسى.

و قيل : إنّ موسى سأل ربّه: أيّ عبادك أحبّ إليك؟

فقال: الّذي يذكرني ولا ينساني.

قال: فأيّ عبادك أقضى؟

قال: الّذي يقضي بالحقّ ولا يتّبع الهوى.

قال: فأيّ عبادك أعلم؟

قال: الّذي يبتغي علم النّاس إلى علمه، عسى أن يصيب كلمة تدلّه على هدى أو تردّه عن ردى.

فقال: إنّ كان في عبادك أعلم منّي فأدللني عليه.

قال: أعلم منك الخضر.

قال: أين أطلبه؟

قال: على السّاحل عند الصّخرة.

قال: كيف لي به؟

قال: تأخذ حوتا في مكتل، فحيث فقدته فهو هناك.

فقال لفتاه: إذا فقدت الحوت فأخبرني. فذهبا يمشيان.