سورة الكهف‏ الآية 81-110

فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ: أن يرزقهما بدله ولدا خيرا منه.

زَكاةً: طهارة من الذّنوب والأخلاق الرّديئة.

وَ أَقْرَبَ رُحْماً : رحمة وعطفا على والديه.

قيل : ولدت لهما جارية فتزوّجها نبيّ، فولدت نبيّا هدى اللّه به أمّة من الأمم.

و قرأ  نافع وأبو عمرو: «يبدّلهما» بالتّشديد. وابن عامر ويعقوب: «رحما» بالتّثقيل ، وانتصابه  على التّمييز والعامل اسم التّفضيل، وكذلك «زكاة».

و في تفسير العيّاشي : عن حريز، عمّن ذكره، عن أحدهما- عليهما السّلام-: أنّه قرأ: «و كان أبواه مؤمنين فطبع كافرا».

عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّ نجدة الحروريّ كتب إلى ابن عبّاس يسأله عن سبي الذّراريّ، فكتب إليه: أمّا الذّراريّ فلم يكن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقتلهم، وكان الخضر يقتل كافرهم ويترك مؤمنهم، فإن كنت تعلم ما يعلمه الخضر فاقتلهم.

عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: بينما

العالم يمشي مع موسى  إذ همّ بغلام يلعب قال  فوكزه العالم فقتله.

قال له موسى: أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً.

قال: فأدخل العالم يده فاقتلع كتفه، فإذا عليه مكتوب: كافر مطبوع.

عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: «فخشينا» خشي إن أدرك الغلام أن يدعو أبويه إلى الكفر فيجيبانه من فرط حبّهما إيّاه .

عن عبد اللّه بن خلف ، رفعه، قال: كان في كتف الغلام الّذي قتله العالم مكتوب: كافر.

عن عثمان ، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه: فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً قال: ابدلوا  جارية، فولدت غلاما فكان نبيّا.

عن أبي يحيى الواسطيّ ، رفعه إلى أحدهما في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ- إلى قوله- وَأَقْرَبَ رُحْماً قال: أبدلهما مكان الابن بنتا فولدت سبعين نبيّا.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً قال: أبدلهما اللّه- عزّ وجلّ- مكان الابن ابنة، فولد منها سبعون نبيّا.

و في مجمع البيان : وروي أنّهما ابدلا بالغلام  المقتول جارية، فولدت سبعين نبيّا ... عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عدّة من‏

 أصحابنا ، عن الحسن بن عليّ بن يوسف، عن الحسن بن سعيد اللّحميّ  قال: ولد لرجل من أصحابنا جارية، فدخل على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فرآه متسخّطا .

فقال له أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أ رأيت لو أنّ اللّه- تبارك وتعالى- أوحى إليك:

أن أختار لك أو تختار لنفسك، ما كنت تقول؟

قال: كنت أقول: يا ربّ، تختار لي.

قال [فإنّ‏]  اللّه- عزّ وجلّ- [قد اختار لك.

قال: ثمّ قال: إنّ الغلام الّذي قتله العالم الّذي كان مع موسى- عليه السّلام- وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-:]  فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً أبدلهما اللّه به جارية ولدت سبعين نبيّا.

وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ قيل : اسمهما: أصرم وصريم، واسم المقتول: خيسون .

وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قيل : كان من ذهب وفضّة.

و قيل : من كتب العلم.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان الجمّال قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما.

قال: أما إنّه ما كان ذهبا ولا فضّة، وإنّما كان أربع كلمات: اللّه لا إله إلّا أنا، من أيقن بالموت لم يضحك سنّة ، ومن أيقن بالحساب لم يفرح قلبه، ومن أيقن بالقدر لم يخش إلّا اللّه.الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط قال: سمعت أبا الحسن الرّضا- عليه السّلام- يقول: كان في الكنز الّذي قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما كان فيه: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يضحك ، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن رأى الدّنيا وتقلّبها بأهلها كيف يركن إليها، وينبغي لمن عقل عن اللّه أن لا يتّهم اللّه في قضائه ولا يستبطئه في رزقه.

فقلت: جعلت فداك، أريد أن أكتبه.

قال: فضرب، واللّه، يده إلى الدّواة ليضعها بين يديّ، فتناولت يده فقبّلتها وأخذت الدّواة فكتبته.

و في عوالي اللآلئ : روى الفضل بن أبي قرّة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: لمّا أقام العالم الجدار أوحى اللّه- تعالى- إلى موسى- عليه السّلام-: إنّي مجازي الأبناء بسعي الآباء، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ، لا تزنوا فتزني نساؤكم، من وطئ فراش امرئ مسلم وطئ فراشه، كما تدين تدان.

و في قرب الإسناد  للحميريّ: عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد ابن أبي نصر قال: سمعت الرّضا- عليه السّلام- يقول: وكان في الكنز الّذي قال:

وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما لوح من ذهب فيه: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبا لمن أيقن بالقدر كيف يحزن، وعجبا لمن رأى الدّنيا وفعلها بأهلها كيف يركن إليها، وينبغي لمن عقل عن اللّه ألّا يتّهم اللّه- تبارك وتعالى- في قضائه، ولا يستبطئه في رزقه.

و في كتاب الخصال : عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال: واللّه، ما كان من ذهب ولا فضّة، وما كان إلّا لوحا  فيه كلمات أربع: إنّي أنّا اللّه لا إله إلّا أنا، ومحمّد رسولي، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح‏قلبه ، وعجبت لمن أيقن بالحساب كيف يضحك سنّه، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يستبطئ اللّه  في رزقه، وعجبت لمن يرى النّشأة الأولى كيف ينكر النّشأة الأخرى.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا [محمّد بن الحسن- رحمه اللّه- قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد قال: حدّثنا]  الحسن بن عليّ، رفعه، إلى عمرو بن جميع، رفعه، إلى عليّ- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال: كان ذلك الكنز لوحا من ذهب، فيه مكتوب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، عجبت لمن يعلم أنّ الموت حقّ كيف يفرح، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، عجبت لمن يذكر النّار كيف يضحك، عجبت لمن يرى الدّنيا وتصرّف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئنّ إليها.

وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً.

قيل : كان بينهما وبين الأب الّذي حفظا فيه سبعة آباء، وكان سيّاحا، واسمه: كاشحا.

و في تهذيب الأحكام ، في دعاء مرويّ عنهم- عليهم السّلام-: اللّهم، إنّك حفظت الغلامين بصلاح أبويهما.

و في أمالي شيخ الطّائفة- قدّس سرّه- ، بإسناده إلى جعفر بن حبيب النّهديّ أنّه سمع جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- يقول: احفظوا فينا ما حفظ العبد الصّالح في اليتيمين وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً.

و بإسناده  إلى أبي بصير: عن أبي جعفر- عليه السّلام- يقول: كم من إنسان له حقّ لا يعلم به.

قلت: وما ذلك، أصلحك اللّه؟

قال: إنّ صاحبي الجدار كان لهما كنز تحته لا يعلمان به، أما إنّه لم يكن بذهب ولا فضّة.قلت: فما كان؟

قال: كان علما.

قلت: فأيّهما أحق به؟

قال: الكبير، كذلك نقول نحن.

و في مجمع البيان : وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قيل: كان كنزا من الذهب والفضّة ... ورواه أبو الدّرداء، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.

و قيل : كان لوحا من ذهب، وفيه مكتوب: عجبا  لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبا لمن أيقن بالرّزق كيف يتعب ، وعجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، عجبا لمن رأى الدّنيا وتقلّبها بأهلها كيف يطمئنّ إليها لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه ... وروي ذلك عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

و في بعض الرّوايات  زيادة ونقصان.

وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً.

روي  عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّه كان بينهما وبين الأب الصّالح سبعة آباء.

و في تفسير العيّاشي : عن محمّد بن عمر، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه ليحفظ ولد المؤمن إلى ألف سنة، وإنّ الغلامين كان بينهما [و بين أبويهما]  سبعمائة سنة.

عن إسحاق بن عمّار  قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ اللّه ليصلح بصلاح الرّجل المؤمن ولده وولد ولده، ويحفظه في دويرته ودويرات حوله، فلا يزالون في حفظ اللّه لكرامته على اللّه.

ثمّ ذكر الغلامين، فقال: وكان أبوهما صالحا، ألم تر أنّ اللّه شكر صلاح أبويهما لهما.

عن يزيد بن رويان ، قال: قال الحسين- عليه السّلام- لنافع بن الأزرق: [ياابن الأزرق‏]  إنّي أخبرت أنّك تكفّر أبي وأخي وتكفّرني.

قال له نافع [بن الأزرق: يا ابن رسول اللّه أخبرت أنّك‏]  لئن قلت ذلك لقد كنتم الحكّام ومعالم الإسلام، فلمّا بدّلتم استبدلنا بكم.

فقال له الحسين: يا ابن الأزرق، أسألك عن مسألة فأجبني عن قول اللّه- عزّ وجلّ لا إله إلّا هو-: وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما- إلى قوله- كَنزَهُما. من حفظ فيهما، قال: فأيّهما أفضل أبويهما أم رسول اللّه وفاطمة؟

قال: لا، بل رسول اللّه وفاطمة بنت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

قال: فما حفظهما حتّى حيل بيننا  وبين الكفر؟

فنهض، ثمّ نفض ثوبه ، ثمّ قال: [قد]  نبّأنا اللّه عنكم، معشر قريش، أنتم قوم خصمون. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عن زرارة وحمران ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- قالا: يحفظ اللّه الأطفال بأعمال آبائهم، كما حفظ اللّه الغلامين بصلاح أبيهما.

عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه- عليهم السّلام- أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ اللّه ليخلف العبد الصّالح من بعد موته في أهله وماله وإن كان أهله أهل سوء. ثمّ قرأ هذه الآية إلى آخرها: وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي سعيد، عقيصا قال: قلت للحسن بن عليّ بن أبي طالب: يا ابن رسول اللّه، لم داهنت معاوية وصالحته  وقد علمت أنّ الحقّ لك دونه، وأنّ معاوية ضالّ باغ؟

فقال: يا أبا سعيد، أ لست حجّة اللّه- تعالى ذكره- على خلقه وإماما عليهم بعد أبي- عليه السّلام-؟قلت: بلى.

قال: أ لست الّذي قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لي ولأخي: [الحسن و]  الحسين إمامان قاما أو قعدا؟

قلت: بلى.

قال: فأنا إذن  إمام لو قمت، وأنا إمام إذ لو قعدت .

يا أبا سعيد، علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكّة حين انصرف من الحديبية، أولئك كفّار بالتّنزيل ومعاوية وأصحابه كفّار بالتّأويل.

يا أبا سعيد، إذا كنت إماما من قبل اللّه- تعالى ذكره- لم يجب أن يسفّه [رأيي‏]  فيما أتيته من مهادنة أو محاربة، وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته مشتبها ، ألا ترى إلى الخضر- عليه السّلام- لمّا خرق السّفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى- عليه السّلام- فعله  لاشتباه  وجه الحكمة عليه حتّى أخبره فرضي، هكذا أنا سخطتم  عليّ بجهلكم  بوجه الحكمة فيه، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلّا قتل.

و بإسناده  إلى عبد اللّه بن [الفضل‏]  الهاشميّ قال: سمعت الصّادق، جعفر بن محمّد- عليه السّلام- يقول: إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها، يرتاب فيها كلّ مبطل.

فقلت له: ولم، جعلت فداك؟.

قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم.

قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟قال: وجه الحكمة [في غيبته وجه الحكمة]  في غيبات من تقدمه من حجج اللّه- تعالى ذكره-. إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره، كما لا ينكشف  وجه الحكمة لما أتاه الخضر- عليه السّلام- من خرق السّفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى- عليه السّلام- إلّا وقت افتراقهما. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما، أي: الحلم وكمال الرّأي.

وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ: مرحومين من ربّك.

و يجوز أن يكون علّة. أو مصدر لأراد ، فإنّ إرادة الخير رحمة .

و قيل : متعلّق بمحذوف، تقديره: فعلت ما فعلت رحمة من ربّك.

قيل : ولعلّ إسناد الإرادة أوّلا إلى نفسه لأنّه المباشر المتعقّب، وثانيا إلى اللّه وإلى نفسه لأنّ التّبديل بإهلاك الغلام وإيجاد اللّه بدله، وثالثا إلى اللّه وحده لأنّه لا مدخل له في بلوغ الغلامين. أو لأنّ الأوّل في نفسه شرّ، والثّالث خير، والثّاني ممتزج. أو  لاختلاف حال العارف في الالتفات إلى الوسائط .

وَ ما فَعَلْتُهُ: وما فعلت ما رأيته.

عَنْ أَمْرِي: عن رأيي، وإنّما فعلته بأمر اللّه- عزّ وجلّ-.

و مبنى ذلك على أنّه متى تعارض ضرران يجب تحمّل أهونهما لدفع أعظمهما، وهو أصل ممهّد غير أنّ الشّرائع في تفصيله مختلفة.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى إسحاق  اللّيثيّ : عن الباقر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: أنكر موسى على الخضر واستفظع أفعاله‏حتّى قال له الخضر: يا موسى ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي إنّما فعلته عن أمر اللّه- عزّ وجلّ-.

و في أصول الكافي : محمّد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال موسى للخضر- عليه السّلام-: قد تحرّمت بصحبتك فأوصني.

قال [له‏] : الزم ما لا يضرّك معه شي‏ء، كما لا ينفعك مع غيره شي‏ء.

و في أمالي الصّدوق- رحمه اللّه- ، بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام- قال: إنّ موسى بن عمران- عليه السّلام- حين أراد أن يفارق الخضر- عليه السّلام- قال له:

أوصني، فكان ممّا أوصاه أن قال له : إيّاك واللّجاجة، أو أن تمشي في غير حاجة، أو أن تضحك من غير عجب، واذكر خطيئتك، وإيّاك وخطايا النّاس.

و في كتاب الخصال : عن الزّهريّ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال: كان آخر ما أوصى به الخضر موسى بن عمران- عليه السّلام- أن قال: لا تعيّر  أحدا بذنب، وإنّ أحبّ الأمور إلى اللّه- تعالى- ثلاثة: القصد في الشّدّة ، والعفو في القدرة ، والرّفق بعباد اللّه، وما رفق أحد بأحد في الدّنيا إلّا رفق اللّه- تعالى- به يوم القيامة، ورأس الحكمة مخافة اللّه- تبارك وتعالى-.

ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ، أي: ما لم تستطع، فحذف التّاء تخفيفا.

و من فوائد هذه القصّة أن لا يعجب المرء بعلمه، ولا يبادر إلى إنكار ما لا يستحسنه فلعلّ فيه سرّا لا يعرفه، وأن يداوم على التّعلّم ويتذلّل للمعلّم، ويراعي الأدب في المقال، وأن ينبّه المجرم على جرمه، ويعفو عنه حتّى يتحقّق إصراره ثمّ يهاجر عنه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه - متّصلا بقوله: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً فقال له الخضر- عليه السّلام-: هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً.أَمَّا السَّفِينَةُ الّتي فعلت بها ما فعلت، فإنّها كانت لقوم مساكين يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ، أي: وراء السّفينة ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا. هكذا نزلت، وإذا كانت السّفينة معيوبة لم يأخذ منها شيئا.

وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ وهو طبع كافرا. كذا نزلت، فنظرت إلى جبينه وعليه مكتوب: طبع كافرا فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً، فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً فأبدل اللّه- عزّ وجلّ- والديه بنتا ولدت سبعين نبيّا.

وَ أَمَّا الْجِدارُ الّذي  أقمته فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما إلى قوله- تعالى-: ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً.

حدّثني أبي ، عن محمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: كان ذلك الكنز لوحا  من ذهب، فيه مكتوب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، عجبت لمن يعلم أنّ الموت حقّ كيف يفرح، وعجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يفرق ، وعجبت لمن يذكر النّار كيف يضحك، وعجبت لمن يرى الدّنيا وتصرّف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئنّ إليها.

و في كتاب علل الشّرائع ، متّصلا بآخر ما نقلنا، أعني: قوله: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً. قال له الخضر: هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً.

فقال: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالحة غَصْباً فأردت بما فعلت أن تبقى لهم ولا يغصبهم الملك عليها، فنسب الأنانية  في هذا الفعل إلى نفسه لعلّة ذكر التعييب ، لأنّه أراد أن‏

يعيبها عند الملك إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها، وأراد اللّه- عزّ وجلّ- صلاحهم بما أمره به من ذلك.

ثمّ قال: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ وطبع  كافرا، وعلم اللّه- تعالى ذكره- أنّه  إن بقي كفر أبواه وافتتنا به وضلّا بإضلاله إيّاهما، فأمرني اللّه- تعالى ذكره- بقتله، وأراد بذلك نقلهم إلى محلّ كرامته في العاقبة، فاشترك بالأنانية  بقوله: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً، فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً. وإنّما اشترك في الأنانية  لأنّه خشي، واللّه لا يخشى، لأنّه لا يفوته شي‏ء ولا يمتنع عليه أحد أراده، وإنّما خشي الخضر من أن يحال بينه وبين ما أمر فيه [فلا يدرك ثواب الإمضاء فيه‏] ، ووقع في نفسه أنّ اللّه- تبارك وتعالى ذكره- جعله سببا لرحمة أبوي الغلام فعمل فيه وسط الأمرين  من البشريّة، مثل ما كان عمل في موسى- عليه السّلام- لأنّه صار في الوقت مخبرا، وكليم اللّه موسى- عليه السّلام- مخبرا، ولم يكن ذلك باستحقاق للخضر- عليه السّلام- للرّتبة على موسى- عليه السّلام- وهو أفضل من الخضر، بل كان لاستحقاق موسى للتّبيين .

ثمّ قال: وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما ولم يكن ذلك الكنز  بذهب ولا فضّة، ولكن كان لوحا من ذهب فيه مكتوب: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، عجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن، عجبت لمن أيقن أنّ البعث حقّ كيف يظلم، عجبت لمن يرى الدّنيا وتصرّف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئنّ إليها.

وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً كان بينهما وبين هذا الأب الصّالح سبعون  أبا فحفظهما  اللّه بصلاحه.

ثمّ قال: فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما فتبرّأ من الأنانية  في آخرالقصص، ونسب الإرادة كلّها إلى اللّه- تعالى ذكره- في ذلك، لأنّه  لم يكن بقي شي‏ء مما فعله فيخبر به بعد، ويصير موسى- عليه السّلام- به مخبرا ومصغيا  إلى كلامه تابعا له، فتجرّد من  الأنانية والإرادة تجرّد العبد المخلص، [ثم صار]  متنصّلا  ممّا أتاه من نسبة الأنانية  في أوّل القصّة ومن ادّعاء  الاشتراك في ثاني القصّة، فقال: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن يوسف بن أبي حمّاد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا اسري برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى السّماء وجد ريحا مثل ريح المسك الأذفر، فسأل جبرئيل- عليه السّلام- عنها، فأخبره جبرئيل : أنّها تخرج من بيت عذّب فيه قوم في اللّه حتّى ماتوا.

ثم قال له: إنّ الخضر- عليه السّلام- كان من أبناء الملوك، فآمن باللّه وتخلّى في بيت دار أبيه يعبد اللّه، ولم يكن لأبيه ولد غيره، فأشاروا على أبيه أن يزوّجه فلعلّ اللّه أن يرزقه ولدا فيكون الملك فيه وفي عقبه، فخطب له امرأة بكرا وأدخلها عليه فلم يلتفت الخضر إليها، فلمّا كان في اليوم الثّاني قال لها: تكتمين عليّ أمري؟

فقالت: نعم.

قال لها: إن سألك أبي هل كان منّي إليك ما يكون من الرّجال إلى النّساء، فقولي: نعم.

فقالت: أفعل.

فسألها الملك عن ذلك، فقالت: نعم.

فأشار عليه النّاس أن يأمر النّساء أن يفتّشنها، فأمر بذلك فكانت على حالها ، فقالوا: أيّها الملك، زوّجت العزّة من العزّة ، زوّجه امرأة ثيّبا.فزوّجه، فلمّا ادخلت عليه سألها الخضر أن تكتم عليه أمره، فقالت: نعم.

فلمّا أن سألها الملك، قالت: أيّها الملك، إنّ ابنك امرأة، فهل تلد المرأة من المرأة؟

فغضب عليه وأمر بردم الباب عليه فردم، فلمّا كان اليوم الثّالث حرّكته رقّة الآباء فيه فأمر بفتح الباب، ففتح فلم يجدوه فيه، وأعطاه اللّه- عزّ وجلّ- من القوّة  أن يتصوّر كيف يشاء، ثمّ كان على مقدّمة ذي القرنين ، وشرب من الماء الّذي من شرب منه بقي إلى الصّيحة.

قال: فخرج من مدينة أبيه رجلان في تجارة في البحر حتّى وقعا  إلى جزيرة من جزائر البحر، فوجدا فيها الخضر- عليه السّلام- قائما يصلّي، فلمّا انفتل دعاهما فسألهما عن خبرهما، فأخبراه.

فقال لهما: هل تكتمان عليّ أمري إن أنا  رددتكما في يومكما هذا إلى منزلكما؟

فقالا: نعم. فنوى أحدهما أن يكتم أمره، ونوى الآخر إن ردّه إلى منزله أخبر أباه بخبره. فدعا الخضر- عليه السّلام- سحابة وقال لها: احملي هذين إلى منزلهما. فحملتهما السّحابة حتّى وضعتهما في بلدهما من يومهما، فكتم أحدهما أمره وذهب الآخر إلى الملك فأخبره بخبره.

فقال له الملك: من يشهد لك بذلك؟

قال: فلان التّاجر. فدلّ على صاحبه، فبعث الملك إليه، فلمّا حضر  أنكره وأنكر معرفة صاحبه.

فقال له الأوّل: أيّها الملك، ابعث معي خيلا إلى هذه الجزيرة وأحبس هذا حتّى آتيك بابنك. فبعث معه خيلا فلم يجدوه، فأطلق الملك  عن الرّجل الّذي كتم عليه.

ثمّ أنّ القوم عملوا بالمعاصي فأهلكهم اللّه- عزّ وجلّ- وجعل مدينتهم عاليهاسافلها، وابتدرت الجارية الّتي كتمت عليه أمره والرّجل الّذي كتم عليه كلّ واحد منهما ناحية من المدينة، فلمّا أصبحا التقيا فأخبر كلّ واحد منهما صاحبه بخبره، فقالا:

ما نجونا إلّا بذلك. فآمنا بربّ الخضر- عليه السّلام- وحسن إيمانها، وتزوّجها  الرّجل ووقعا  إلى مملكة ملك آخر، وتوصّلت المرأة إلى بيت الملك، وكانت تزيّن بنت الملك، فبينما هي تمشّطها يوما إذ سقط من يدها المشط.

فقالت: لا حول ولا قوّة إلّا باللّه.

فقال لها بنت الملك: ما هذه الكلمة؟

فقالت لها: إنّ لي إليها تجري الأمور كلّها بحوله وقوّته.

فقالت لها بنت الملك: أ لك إله غير أبي؟

قالت: نعم، وهو إلهك وإله أبيك.

فدخلت بنت الملك على أبيها فأخبرت أباها  بما سمعت من هذه المرأة، فدعاها الملك فسألها عن خبرها، فأخبرته.

فقال لها: من على دينك؟

قالت: زوجي وولدي. فدعاهما الملك، فأمرهما بالرّجوع عن التّوحيد فأبوا عن ذلك، فدعا بمرجل  من ماء فأسخنه وألقاهم فيه، فأدخلهم بيتا وهدم عليهم البيت.

فقال جبرئيل - عليه السّلام- لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فهذه الرّائحة الّتي شممتها من ذلك البيت.

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، يعني: إسكندر الرّوميّ .قيل : ملك فارس والرّوم.

و قيل : المشرق والمغرب، ولذلك سمّي: ذا القرنين، أو لأنّه طاف قرني الدّنيا، شرقها وغربها.

و قيل : لأنّه انقرض في أيّامه قرنان من النّاس.

و قيل : كان له قرنان، أي: ضفيرتان.

و قيل : كان لتاجه قرنان.

و قيل : إنّه كان لقّب بذلك لشجاعته، كما يقال: الكبش، للشّجاع، كأنّه ينطح أقرانه.

و اختلف في نبوّته مع الاتّفاق على إيمانه وصلاحه. والسّائلون هم اليهود سألوه امتحانا، أو مشركوا مكّة.

و في قرب الإسناد  للحميري، بإسناده إلى موسى بن جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه آيات النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وفيه: ومن ذلك أنّ نفرا من اليهود أتوه فقالوا لأبي الحسن، جدّي: استأذن لنا على ابن عمّك نسأله.

قال: فدخل عليّ- عليه السّلام- فأعلمه.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: وما يريدون منّي؟ فإنّي عبد من عبيد اللّه لا أعلم إلّا ما علّمني ربّي.

ثمّ قال: ائذن لهم. فدخلوا، فقال: أ تسألوني عمّا جئتم له، أم أنبّئكم؟

قالوا: نبّئنا.

قال: جئتم تسألوني عن ذي القرنين.

قالوا: نعم.

قال: كان غلاما من أهل الرّوم، ثمّ ملك وأتى مطلع الشّمس ومغربها، ثمّ بنى السّدّ فيها.

قالوا: نشهد أنّ هذا كذا وكذا.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن‏

 أذينة، عن بريد عن معاوية، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- قال: قلت له: ما منزلتكم، ومن تشبهون ممّن مضى؟

قال: صاحب موسى وذو القرنين، كانا عالمين ولم يكونا نبيّين.

عدّة من أصحابنا : عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحرث بن المغيرة قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-:

إنّ عليّا- عليه السّلام- كان محدّثا.

فقلت: فتقول نبيّ؟

قال: فحرّك بيده  هكذا، ثم قال: أو كصاحب سليمان، أو كصاحب موسى، أو كذي القرنين، او ما بلغكم أنّه قال: وفيكم مثله.

و في كتاب الخصال : عن محمّد بن خالد، بإسناده رفعه [إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام-]  قال: ملك الأرض كلّها أربعة: مؤمنان وكافران، فأمّا المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين، وأمّا  الكافران نمرود وبخت نصر. واسم ذي القرنين: عبد اللّه بن ضحّاك بن معد.

و في أمالي شيخ الطّائفة- قدّس سره- ، بإسناده إلى أبي حمزة الثّماليّ: عن أبي جعفر، محمّد بن عليّ- عليهما السّلام- قال: أوّل اثنين تصافحا على وجه الأرض ذو القرنين وإبراهيم الخليل- عليه السّلام-، استقبله إبراهيم فصافحه.

و في تفسير العيّاشي ، بعد أن ذكر أبا عبد اللّه- عليه السّلام- ونقل عنه حديثا طويلا قال: وفي خبر آخر عنه: جاء يعقوب إلى نمرود في حاجة، فلمّا وثب عليه وكان أشبه النّاس بإبراهيم قال له: أنت إبراهيم، خليل الرّحمن؟

قال: لا.

و في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام-، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

  [لكلّ أمّة]  صدّيق وفاروق، وصدّيق هذه الأمّة وفاروقها عليّ بن أبي طالب. إنّ عليّا سفينة نجاتها وباب حطّتها، وإنّه يوشعها [و شمعونها]  وذو قرنيها .

قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً : خطاب للسّائلين. و«الهاء» لذي القرنين، وقيل : للّه- تعالى- .

إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ، أي: مكّنّا له أمره من التّصرّف فيها كيف شاء، فحذف المفعول.

وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ: أراده وتوجّه إليه.

سَبَباً : وصلة توصله إليه من العلم والقدرة والآلة.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- لأقوام يظهرون الزّهد ويدعون النّاس أن يكونوا معهم على مثل الّذي هم عليه من التّقشّف:

أخبروني أين أنتم عن سليمان بن داود؟ ثمّ ذو القرنين- عليه السّلام- عبد أحبّ اللّه فأحبّه اللّه، وطوى له الأسباب، وملّكه مشارق الأرض ومغاربها، وكان يقول الحقّ ويعمل به، ثمّ لم يجد أحد أحدا عاب ذلك عليه.

فَأَتْبَعَ سَبَباً ، أي فأراد بلوغ المغرب، فأتبع سببا يوصله إليه.

و قرأ  الكوفيّون وابن عامر، بقطع الألف مخفّفة التّاء.

حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ: ذات حمأ. من حمئت البئر: إذا صارت ذات حماءة.

و «الحمأ» الطّين الأسود.

و قرأ  ابن عامر وحمزة وأبو بكر: «حامية»، أي: حارّة. ولا تنافي بينهما، لجواز أن يكون العين جامعة للوصفين. أو «حمية» على أنّ ياءها مقلوبة عن الهمزة لكسر ما قبلها. ولعلّه بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك، إذ لم يكن في مطمح نظره غير الماء، لذلك قال: وَجَدَها تَغْرُبُ ولم يقل: كانت تغرب.و قيل : إنّ ابن عبّاس- رضي اللّه عنه- سمع معاوية يقرأ: «حاميّة»، فقال:

 «حمئة». فبعث إلى كعب الأحبار: كيف تجد الشّمس تغرب؟

فقال: في ماء وطين، كذلك نجده في التّوراة.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ ذا القرنين لم يكن نبيّا، ولكنّه كان عبدا صالحا أحبّ اللّه فأحبّه اللّه وناصح اللّه فناصحه، أمر قومه بتقوى اللّه فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا، ثمّ رجع إليهم فضربوه على قرنه الآخر، وفيكم من هو على سنّته.

و بإسناده  إلى الأصبغ بن نباتة قال: قام ابن الكواء إلى عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وهو على المنبر، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن ذي القرنين أ نبيّا كان أو ملكا ، وأخبرني عن قرنيه أذهب  أو فضّة؟

فقال- عليه السّلام-: لم يكن نبيّا ولا ملكا، ولا كان قرناه من ذهب ولا فضّة، ولكنّه كان عبدا أحبّ اللّه فأحبّه اللّه ونصح للّه فنصحه اللّه، وإنّما سمّي: ذا القرنين، لأنّه دعا قومه فضربوه على قرنه فغاب عنهم حينا، ثمّ عاد إليهم فضرب على قرنه الآخر، وفيكم مثله.

و بإسناده  إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: إنّ ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله اللّه- عزّ وجلّ- حجّة على عباده، فدعا قومه إلى اللّه- عزّ وجلّ- وأمرهم بتقواه، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا حتّى قيل: مات أو هلك بأي واد سلك، ثمّ ظهر ورجع إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر، وفيكم من هو على سنّته، وإنّ اللّه- عزّ وجلّ- مكّن لذي القرنين في الأرض وجعل له من كلّ شي‏ء سببا، وبلغ المغرب والمشرق، وإنّ اللّه- عزّ وجلّ- سيجري سنّته في القائم من ولدي فيبلغه مشرق الأرض وغربها، حتّى لا يبقى منهل ولا موضع فيها من سهل أو جبل وطئه [ذو القرنين إلّا وطئه‏] ، ويظهر اللّه- عزّ وجلّ- له كنوز الأرض ومعادنها بيده ،و ينصره بالرّعب، ويملأ الأرض به عدلا وقسطا، كما ملئت جورا وظلما.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي الطّفيل قال: سمعت عليّا- عليه السّلام- يقول: إنّ ذا القرنين لم يكن نبيّا ولا رسولا، [و لكن‏]  كان عبدا أحبّ اللّه فأحبّه وناصح اللّه فنصحه ، دعا قومه فضربوه على أحد قرنيه فقتلوه، ثمّ بعثه اللّه فضربوه على قرنه الآخر فقتلوه.

عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه لم يبعث أنبياء ملوكا في الأرض إلّا أربعة بعد [نوح‏] : أوّلهم ذو القرنين واسمه عيّاش ، وداود، وسليمان، ويوسف، فأمّا عيّاش فملك ما بين المشرق والمغرب، وأمّا داود فملك ما بين الشّامات إلى بلاد إصطخر، وكذلك كان ملك سليمان، وامّا يوسف فملك مصر وبراريّها ولم يجاوزها إلى غيرها.

و في كتاب الخصال ، مثله.

 

و في الخرائج والجرائح : قال الحسن العسكريّ: وسئل [عليّ‏] - عليه السّلام- عن ذي القرنين: كيف استطاع أن يبلغ المشرق والمغرب؟

فقال: سخّر اللّه السّحاب، ويسّر له الأسباب، وبسط له النّور، وكان اللّيل والنّهار على سواء، وأنّه رأى في المنام كأنّه قرب من الشّمس حتّى أخذ بقرنها في شرقها وغربها، فلمّا قصّ رؤياه على قومه وعرّفهم سمّوه: ذا القرنين، فدعاهم إلى اللّه فأسلموا، ثمّ أمرهم أن يبنوا له مسجدا فأجابوه إليه، فأمر أن يجعلوا طوله أربعمائة ذراع وعرضه مائتي ذراع وعلوه إلى السّماء مائة ذراع.

فقالوا: كيف لك بخشبات تبلغ ما بين الحائطين؟

قال: إذا فرغتم من بنيان الحائطين فاكبسوه بالتّراب  حتّى يستوي مع حيطان‏المسجد، فإذا فرغتم من ذلك أخذتم من الذّهب والفضّة على قدره، ثمّ قطّعتموه مثل قلامة الظّفر، ثمّ خلطتموه مع ذلك الكبس، وعملتم له خشبا من نحاس وصفائح من نحاس تذوّبون ذلك وأنتم متمكّنون من العمل كيف شئتم وأنتم على أرض مستوية، فإذا فرغتم من ذلك دعوتم المساكين لنقل ذلك التّراب، فيسارعون فيه لأجل ما فيه من الذّهب والفضّة.

فبنوا المسجد، وأخرج المساكين ذلك التّراب وقد استقلّ السّقف واستغنى المساكين، فجنّدهم أربعة أجناد، في كلّ جند عشرة آلاف ونشرهم في البلاد.

وَ وَجَدَ عِنْدَها: عند تلك العين قَوْماً.

قيل : كان لباسهم جلود الوحش وطعامهم ما لفظه البحر، وكانوا كفارا، فخيّره اللّه بين أن يعذّبهم أو يدعوهم إلى الإيمان، كما حكى بقوله: قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ، أي: بالقتل على كفرهم، وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً :

 

بالإرشاد وتعلّم الشّرائع.

و قيل : خيّره بين القتل والأسر، وسمّاه إحسانا في مقابلة القتل.

و يؤيّد الأوّل قوله : قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً ، أي: فاختار الدّعوة، وقال: أمّا من دعوته وظلم نفسه بالإصرار على كفره واستمرّ على ظلمه، الّذي هو الشّرك، فنعذّبه أنا ومن معي في الدّنيا بالقتل، ثمّ يعذّبه اللّه في الآخرة عذابا منكرا لم يعهد مثله. وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وهو ما يقتضيه الإيمان فَلَهُ: في الدّارين جَزاءً الْحُسْنى: فعلته الحسنى.

و قرأ  حمزة والكسائيّ ويعقوب وحفص: «جزاء» منوّنا منصوبا على الحال، أي: فله [المثوبة الحسنى مجزيا بها. أو على المصدر لفعله المقدّر حالا، أي: يجزى بها جزاء. أو التمييز ] .

و قرئ : منصوبا غير منوّن، على أنّ تنوينه حذف لالتقاء السّاكنين. ومنوّنامرفوعا، على أنّه المبتدأ و«الحسنى» بدله.

و يجوز أن يكون «إمّا وإمّا» للتّقسيم دون التّخيير، أي: ليكن شأنك معهم إمّا التّعذيب وإمّا الإحسان، فالأوّل لمن أصرّ على الكفر، والثاني لمن تاب عنه .

و في شرح الآيات الباهرة : محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن عاصم، عن الهيثم بن عبد اللّه قال: حدّثنا مولاي، عليّ بن موسى، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنه أتاني جبرئيل عن ربّه- عزّ وجلّ- وهو يقول: ربّي يقرئك السّلام ويقول لك: يا محمّد، بشّر المؤمنين الّذين يعملون الصّالحات ويؤمنون بك وبأهل بيتك بالجنّة، ولهم عندي جَزاءً الْحُسْنى يدخلون الجنّة، أي: جزاء الحسنى، وهي ولاية أهل البيت- عليهم السّلام- دخول الجنّة والخلود فيها في جوارهم- صلوات اللّه عليهم-.

وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا: ممّا نأمر به .

يُسْراً : سهلا ميسّرا غير شاقّ، وتقديره: ذا يسر.

و قرئ  بضمّتين.

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً  [: ثمّ أتبع طريقا يوصله إلى المشرق.

و قرأ  الكوفيّون وابن عامر، بقطع الألف مخفّفة التّاء.]

حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، يعني: الموضع الّذي تطلع الشّمس عليه أوّلا من معمورة الأرض.

و قرئ ، بفتح اللّام، على إضمار مضاف، أي: مكان مطلع الشّمس، فإنّه مصدر .

وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً : من اللّباس، أو

البناء، فإنّ أرضهم لا تمسك الأبنية. أو أنّهم اتّخذوا الأسراب  بدل الأبنية.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً كَذلِكَ قال: لم يعلموا صفة  البيوت.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال لم يعلموا صفة اللّباس.

كَذلِكَ: أي: أمر ذي القرنين، كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك.

أو أمره فيهم، كأمره في أهل المغرب من التّخيير والاختيار.

و يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف «لوجدها»، أو «نجعل»، أو صفة «قوم»، أي: على قوم مثل ذلك القبيل الّذي تغرب عليهم الشّمس في الكفر والحكم.

وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ: من الجنود والآلات والعدد والأسباب.

خُبْراً : علما تعلّق بظاهره وخفاياه، والمراد: أنّ كثرة ذلك بلغت مبلغا لا يحيط به إلّا علم اللّطيف الخبير.

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ، يعني: طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب، آخذا من الجنوب إلى الشّمال.

حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ: بين الجبلين المبنيّ بينهما سدّه.

و الجبلان قيل : بين  إرمينة وأذربايجان.

و قيل : جبلان في أواخر الشّمال في منقطع أرض التّرك منيفان ، من ورائهما يأجوج ومأجوج.

و قرأ  نافع وحمزة وابن عامر والكسائيّ وأبو بكر ويعقوب: «بين السّدّين» بالضّمّ، وهما لغتان.و قيل : المضموم لما خلقه اللّه- تعالى-. والمفتوح لما عمله النّاس، لأنّه في الأصل مصدر سمّي به حدث يحدثه النّاس.

و قيل : بالعكس.

و «بين» هاهنا مفعول به، وهو من الظّروف المتصرّفة.

وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا : لغرابة لغتهم، وقلّة فطنتهم.

و قرأ  حمزة والكسائيّ : «لا يفقهون» [أي: لا يفهمون‏]  السامع كلامهم ولا يبيّنونه لتلعثمهم فيه.

قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ، أي: قال مترجمهم.

و في مصحف ابن مسعود- رضي اللّه عنه-  قال: الّذين من دونهم إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ.

قيل : هما قبيلتان من ولد يافث بن نوح- عليه السّلام-.

و قيل : يأجوج من التّرك، ومأجوج من الجبل، وهما اسمان أعجميّان بدليل منع الصّرف.

و قيل : عربيّان، من أجّ الظّليم: إذا أسرع. وأصلهما الهمز، كما قرأ عاصم.

و منع صرفهما للتّعريف والتّأنيث.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى سهل بن زياد: عن عبد العظيم الحسنيّ، عن عليّ بن محمّد العسكري- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه نوحا- عليه السّلام- وأولاده، ساما وحاما ويافثا حين سارت بهم السّفينة، ودعاء نوح- عليه السّلام- أن يغيّر اللّه ماء صلب حام ويافث، وقد كتبناه بتمامه عند قوله- تعالى-: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وفيه يقول- عليه السّلام-: جميع التّرك والسّقالبة  ويأجوج ومأجوج والصّين من يافث حيث كانوا.و في روضة الكافي : الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن العبّاس بن أبي  العلا، عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال: سئل أمير المؤمنين- عليه السّلام- عن الخلق.

فقال: خلق اللّه ألفا ومائتين في البرّ، وألفا ومائتين في البحر، وأجناس بني آدم سبعون جنسا، والنّاس ولد آدم ما خلا يأجوج ومأجوج.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ليس منهم رجل يموت حتّى يولد له من صلبه ألف ولد ذكر.

ثمّ قال: هم أكثر خلق خلقوا بعد الملائكة.

و في كتاب الخصال : عن الصّادق- عليه السّلام- قال: الدّنيا سبعة أقاليم:

يأجوج، ومأجوج، والرّوم، والصّين، والزّنج، وقوم موسى، وإقليم  بابل.

و في مجمع البيان : ورد في خبر عن حذيفة قال: سألت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن يأجوج ومأجوج.

فقال: يأجوج أمّة، ومأجوج أمّة، كلّ أمّة أربعمائة أمّة، لا يموت الرّجل منهم حتّى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه، كلّ قد حمل السّلاح.

قلت: يا رسول اللّه، صفهم لنا.

قال: هم ثلاثة أصناف: صنف منهم أمثال الأرز.

قلت: يا رسول اللّه، وما الأرز؟

قال: شجر بالشّام طويل ، وصنف منهم طولهم وعرضهم سواء وهؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد، وصنف منهم يفترش أحدهم  إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى. ولا يمرّون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلّا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه، مقدّمتهم بالشّام وساقتهم بخراسان، يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبريّة.

مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، أي: في أرضنا، بالقتل والتّخريب وإتلاف الزّرع.قيل : كانوا يخرجون في الرّبيع، فلا يتركون أخضر إلّا أكلوه، ولا يابسا إلّا حملوه.

و قيل : كانوا يأكلون النّاس.

فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً: جعلا  نخرجه من أموالنا.

و قرأ  حمزة والكسائيّ: «خراجا». وكلاهما واحد، كالنّول  والنّوال.

و قيل : «الخراج» على الأرض والذّمّة، و«الخرج» المصدر.

عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا : يحجز دون خروجهم علينا.

و قد ضمّه من ضمّ «السّدّين» غير حمزة والكسائيّ.

قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ: ما جعلني  فيه مكينا من المال والملك خير ممّا تبذلون لي من الخراج، ولا حاجة بي إليه.

و قرأ  ابن كثير: «مكّنني» على الأصل.

فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ، [أي: بقوّة]  فعلة. أو بما أتقوّى به من الآلات.

أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً : حاجزا حصينا، وهو أكبر من السّدّ، من قولهم: ثوب مردم: إذا كان رقاعا  فوق رقاع.

آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ: قطعه.

و «الزّبرة» القطعة الكبيرة.

و هو لا ينافي  ردّ الخراج  والاقتصار على المعونة، لأنّ الإيتاء بمعنى: المناولة.

و يدلّ عليه  قراءة أبي بكر: «ردما ائتوني» بكسر التّنوين موصولة الهمزة، على معنى:جيئوني بزبر الحديد، والباء محذوفة حذفها في: أمرتك الخير، ولأنّ  إعطاء الآلة من الإعانة بالقوّة  دون الخراج على العمل.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ ذا القرنين خيّر بين السّحاب الصعب والسّحاب الذّلول، فاختار الذّلول فركب الذّلول، فكان إذا انتهى إلى قوم كان رسول نفسه إليهم لكي لا يكذب الرّسل.

عن حارث بن حبيب  قال: أتى رجل عليّا- عليه السّلام- فقال له: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن ذي القرنين.

فقال له: سخّر له السّحاب، وقرنت  له الأسباب، وبسط له في النّور.

فقال له الرّجل: كيف بسط له في النّور؟

فقال عليّ- عليه السّلام-: كان يبصر  باللّيل، كما يبصر بالنّهار.

ثمّ قال عليّ- عليه السّلام- للرّجل: أزيدك فيه؟

فسكت.

عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: سئل عن ذي القرنين.

قال: كان عبدا صالحا، واسمه: عيّاش، اختاره اللّه وابتعثه  إلى قرن من القرون الأولى  في ناحية المغرب، وذلك بعد طوفان نوح- عليه السّلام-. فضربوه على قرن رأسه الأيمن فمات منها، ثمّ أحياه اللّه بعد مائة عام، ثمّ بعثه اللّه  إلى قرن من القرون الأولى في ناحية المشرق فكذّبوه فضربوه [ضربة على قرن  رأسه الأيسر فمات منها، ثمّ‏أحياه اللّه بعد مائة عام وعوّضه [اللّه‏]  من الضّربتين اللّتين على رأسه قرنين في موضع‏] .

الضّربتين أجوفين، وجعل عين  ملكه وآية نبوّته في قرنيه .

ثمّ رفعه [اللّه‏]  إلى السّماء الدّنيا، فكشط له عن الأرض كلّها، جبالها وسهولها وفجاجها، ثمّ أبصر ما بين المشرق والمغرب، وآتاه اللّه من كلّ شي‏ء علما يعرف به الحقّ والباطل، وأيّده في قرنيه وبكسف  من السّماء فيه ظلمات ورعد وبرق. ثمّ اهبط إلى الأرض، وأوحي إليه: أن سر في ناحية غرب  الأرض وشرقها، فقد طويت لك البلاد وذللّت لك العباد فأرهبتهم منك. فصار  ذو القرنين إلى ناحية المغرب، فكان إذا مرّ بقرية زأر فيها، كما يزأر الأسد المغضب، فينبعث  من قرنيه  ظلمات ورعد وبرق وصواعق تهلك  من ناوأه وخالفه، فلم يبلغ مغرب الشّمس حتّى دان له [أهل‏]  المشرق والمغرب، قال: وذلك قول اللّه: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ سَبَباً، فَأَتْبَعَ سَبَباً، حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ إلى قوله: أَمَّا مَنْ ظَلَمَ ولم يؤمن بربّه فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ في الدّنيا بعذاب الدّنيا ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ في مرجعه فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً إلى قوله: وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً، ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ذو القرنين من  الشّمس «سببا».

ثمّ قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ ذا القرنين لمّا انتهى مع الشّمس إلى العين الحامية وجد الشّمس تغرب فيها ومعها سبعون ألف ملك يجرّونها بسلاسل الحديد والكلاليب، يجرّونها من قعر البحر في قطر  الأرض الأيمن، كما تجري السّفينة على ظهر الماء. فلمّا انتهى معها إلى مطلع الشّمس سببا وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ إلى قوله: بِما لَدَيْهِ خُبْراً.فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ ذا القرنين ورد على قوم قد أحرقتهم الشّمس وغيّرت أجسادهم وألوانهم حتّى صيّرتهم كالظّلمة، [ثمّ أتبع ذو القرنين سببا في ناحية الظلمة]  حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا، قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ خلف هذين الجبلين وهم يفسدون في الأرض، إذا كان إبّان  زروعنا وثمارنا خرجوا علينا من هذين السّدّين فرعوا من ثمارنا وزروعنا حتّى لا يبقون منها شيئا فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً نؤدّيه  إليك في كلّ عام عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا إلى قوله: زُبَرَ الْحَدِيدِ.

قال: فاحتفر له جبل حديد فقلعوا له أمثال  اللّبن  فطرح بعضه على بعض فيما بين الصّدفين، وكان ذو القرنين هو أوّل من بنى ردما  على الأرض، ثمّ جعل  عليه الحطب وألهب فيه النّار، ووضع عليه المنافيخ فنفخوا عليه.

قال : فلمّا ذاب قال: ائتوني بقطر ، وهو المس الأحمر ، قال: فاحتفروا  له جبلا من مسّ فطرحوه على الحديد فذاب معه واختلط به، قال: فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً، يعني: يأجوج ومأجوج قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا. إلى هنا رواية عليّ بن الحسن  ورواية محمّد بن نصر.

 

و زاد جبرئيل بن أحمد في حديثه، بأسانيد: عن الأصبغ بن نباتة، عن عليّ بن أبي طالب- صلوات اللّه عليه- وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ، يعني: يوم القيامة، وكان ذو القرنين عبدا صالحا وكان من اللّه بمكان، نصح للّه  فنصح له وأحبّ اللّه فأحبّه، فكان قد سبّب له في البلاد ومكّن له فيها حتّى ملك ما بين المشرق والمغرب،و كان له خليل  من الملائكة يقال له: رقائيل ، ينزل إليه فيحدّثه ويناجيه، فبينا هو ذات يوم عنده إذ قال له ذو القرنين: يا رقائيل ، كيف عبادة أهل السّماء، وأين هي من عبادة أهل الأرض؟

قال رقائيل : يا ذا القرنين، وما عبادة أهل الأرض! فقال: أمّا عبادة أهل السّماء ما في السّموات موضع قدم إلّا وعليه ملك قائم لا يقعد أبدا، أو راكع لا يسجد أبدا، أو ساجد لا يرفع رأسه أبدا.

فبكى ذو القرنين بكاء شديدا، فقال: يا رقائيل ، إنّي أحبّ أن أعيش حتّى أبلغ من عبادة ربّي وحقّ طاعته بما هو أهله.

فقال له رقائيل : يا ذا القرنين، إنّ للّه في الأرض عينا تدعى عين الحياة، فيها عزيمة من اللّه أنّه من يشرب منها لم يمت حتّى يكون هو [الّذي‏]  يسأل اللّه الموت، فإن ظفرت بها تعيش ما شئت.

قال: وأين تلك  العين، وهل تعرفها؟

قال: لا، غير أنّا نتحدّث في السّماء أنّ للّه في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جانّ.

فقال ذو القرنين: وأين تلك الظّلمة؟

قال رقائيل : ما أدري.

ثمّ صعد رقائيل ، فدخل ذا القرنين  حزن طويل من قول رقائيل  وممّا أخبره عن العين [و الظلمة]  ولم يخبره بعلم ينتفع به  منهما، فجمع ذو القرنين فقهاء أهل مملكته وعلماءهم وأهل دراسة الكتب وآثار النّبوّة، فلمّا اجتمعوا عنده قال ذو القرنين: يا معشر الفقهاء وأهل الكتب وآثار النّبوّة، هل وجدتم فيما قرأتم من كتب اللّه أو من‏كتب من كان قبلكم من الملوك، أنّ للّه عين تدعى عين الحياة، فيها من اللّه عزيمة أنّه من يشرب منها لم يمت حتّى يكون هو الّذي يسأل الموت؟

قالوا: لا، يا أيّها الملك.

قال: فهل وجدتم فيما قرأتم من الكتب، أنّ للّه في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جانّ؟

قالوا: لا، يا أيّها الملك.

فحزن عليه ذو القرنين حزنا شديدا وبكى إذ لم يخبر عن العين والظّلمة بما يحبّ، وكان فيمن حضر غلام من الغلمان من أولاد الأوصياء أوصياء الأنبياء، وكان ساكتا  لا يتكلّم، حتّى إذا أيس ذو القرنين منهم قال له الغلام: أيّها الملك، إنّك تسأل هؤلاء عن أمر ليس لهم به علم وعلم ما تريد عندي.

ففرح ذو القرنين فرحا شديدا حتّى نزل عن فراشه وقال له: ادن منّي. فدنا منه، فقال: أخبرني.

قال: نعم، أيّها الملك، إنّي وجدت في كتاب آدم الّذي  كتب يوم سمّي له ما في الأرض من عين أو شجرة، فوجدت فيه أنّ للّه عينا تدعى [عين‏]  الحياة، فيها من اللّه عزيمة أنّه من يشرب منها لم يمت حتّى يكون هو الّذي يسأل اللّه الموت، بظلمة لم يطأها إنس ولا جانّ.

ففرح ذو القرنين، وقال: ادن منّي، يا أيّها الغلام، تدري أين موضعها؟

قال: نعم، وجدت في كتاب آدم أنّها على قرن الشّمس، يعني: مطلعها.

ففرح ذو القرنين، وبعث إلى أهل مملكته فجمع أشرافهم وفقهاءهم وعلماءهم وأهل الحكم منهم، فاجتمع إليه ألف حكيم وعالم وفقيه، فلمّا اجتمعوا إليه تهيّأ للمسير وتأهّب له بأعدّ العدّة وأقوى القوّة، فسار بهم يريد مطلع الشّمس يخوض البحار ويقطع الجبال والفيافي والأرضين والمفاوز [فسار]  اثني عشرة سنة حتّى انتهى إلى طرف الظّلمة، فإذا هي ليست بظلمة  ليل ولا دخان، ولكنّها هواء يغور فسدّ  ما بين الأفقين، [فنزل‏]  بطرفها وعسكر عليها، وجمع علماء أهل عسكره وفقهاءهم وأهل الفضل منهم فقال: يا معشر الفقهاء والعلماء، إنّي أريد أن أسلك هذه الظّلمة.

فخرّوا له سجّدا وقالوا: يا أيّها الملك، [إنّا لنعلم‏]  إنّك لتطلب أمرا  ما طلبه ولا سلكه أحد كان  قبلك من النّبيّين والمرسلين، ولا من الملوك.

قال: إنّه لا بدّ لي من طلبها.

قالوا: أيّها الملك، إنّا لنعلم إنّك إذا سلكتها ظفرت بحاجتك منها بغير عنت عليك لأمرنا ، ولكنّا نخاف أن يعلق بك منها  أمر يكون فيه هلاك ملكك وزوال سلطانك وفساد من في الأرض.

فقال: لا بدّ من أن أسلكها.

فخرّوا سجّدا [للّه‏]  وقالوا: إنّا نتبرّأ إليك ممّا يريد ذو القرنين.

فقال ذو القرنين: يا معشر العلماء، أخبروني بأبصر الدّوابّ.

قالوا: الخيل الإناث البكارة أبصر الدّواب.

فانتخب من عسكره فأصاب ستّة آلاف فرس إناثا أبكارا، وانتخب من أهل العلم والفضل والحكمة ستّة آلاف رجل فدفع إلى كلّ رجل فرسا، وعقد لأفسحر، وهو الخضر على ألف فرس فجعلهم على مقدّمته وأمرهم أن يدخلوا الظّلمة، وسار ذو القرنين في أربعة آلاف، وأمر أهل عسكره أن يلزموا معسكره  اثني عشرة سنة، فإن رجع هو إليهم إلى ذلك الوقت وإلّا تفرّقوا في البلاد ولحقوا ببلادهم أو حيث شاءوا.

فقال الخضر: أيّها الملك، إنّا نسلك في الظّلمة لا يرى بعضنا بعضا، كيف نصنع بالضّلال إذا أصابنا؟

فأعطاه ذو القرنين خرزة  حمراء، كأنّها مشعلة  لها ضوء، فقال: خذ هذه الخرزة ، فإذا أصابكم  الضّلال فارم بها إلى الأرض فإنّها تصيح، فإذا صاحت رجع‏

أهل الضّلال إلى صوتها .

فأخذها الخضر ومضى في الظّلمة، وكان الخضر يرتحل وينزل ذو القرنين، فبينا الخضر يسير ذات يوم إذ عرض له واد في الظّلمة، فقال لأصحابه: قفوا في هذا الموضع، لا يتحرّكنّ أحد منكم عن موضعه. ونزل عن فرسه فتناول الخرزة فرمى بها في الوادي، فأبطأت عنه بالإجابة حتّى ساء ظنّه  وخاف أن لا تجيبه، ثمّ أجابته فخرج إلى صوتها فإذا هي [على جانب‏]  العين بقعرها ، وإذا ماؤها أشدّ بياضا من اللّبن وأصفى من الياقوت وأحلى من العسل فشرب منه، ثمّ خلع ثيابه فاغتسل منها، ثمّ لبس ثيابه، ثمّ رمى بالخرزة نحو أصحابه فأجابته فخرج إلى أصحابه وركب وأمرهم بالمسير فساروا.

و مرّ ذو القرنين بعده فأخطأ  الوادي، فسلكوا تلك الظّلمة أربعين [يوما وأربعين‏]  ليلة، ثمّ خرجوا بضوء ليس بضوء نهار ولا شمس ولا قمر ولكنّه نور، فخرجوا إلى أرض  حمراء ورملة خشخاشة فركة  كان حصاها اللّؤلؤ، فإذا هو بقصر مبنيّ على طول  فرسخ، فجاء ذو القرنين إلى الباب فعسكر عليه، ثمّ توجّه بوجهه  وحده إلى القصر، فإذا طائر وإذا حديدة طويلة  قد وضع طرفاها على جانبي القصر والطّير أسود  معلق بأنفه  في تلك الحديدة بين السّماء والأرض مزموم ، كأنّه الخطّاف، أو صورة الخطّاف، أو شبية الخطّاف ، أو هو خطّاف.

فلمّا سمع خشخشة ذي القرنين قال: من هذا؟

قال: أنا ذو القرنين.

قال : أما كفاك ما وراءك حتّى وصلت إلى حدّ بابي هذا. ففرق ذو القرنين‏فرقا شديدا، فقال: يا ذا القرنين، لا تخف وأخبرني.

قال: سل.

قال: هل كثر بنيان الآجر والجصّ ؟

قال: نعم.

قال: فانتفض الطّير وامتلأ حتّى ملأ من الحديد  ثلثها، ففرق ذو القرنين.

فقال: لا تخف، وأخبرني.

قال: سل.

قال: نعم.

قال: هل كثر المعازف؟

قال: فانتفض الطير وامتلأ حتّى ملأ من الحديدة ثلثيها، ففرّق ذو القرنين.

فقال: لا تخف، وأخبرني.

قال: سل.

قال: هل ارتكب النّاس شهادة الزّور في الأرض؟

قال: نعم، فانتفض انتفاضة وانتفخ فسدّ ما بين جداري القصر، قال: فامتلأ ذو القرنين عند ذلك فرقا منه.

فقال له: لا تخف، وأخبرني.

قال: سل.

قال: هل ترك النّاس شهادة أن لا إله إلّا اللّه؟

قال: لا.

فانظمّ ثلثة ، ثمّ قال: يا ذا القرنين، لا تخف وأخبرني.

قال: سل.

قال: هل ترك النّاس [الصلاة المفروضة؟

قال: لا.

قال: فانضمّ ثلث آخر.ثم قال: يا ذا القرنين، لا تخف وأخبرني.

قال: سل.

قال: هل ترك الناس‏]  الغسل من الجنابة؟

قال: لا.

قال: فانضمّ حتّى عاد إلى حاله الأولى ، وإذا هو بدرجة مدرجة  إلى أعلى القصر.

قال: فقال الطّير: يا ذا القرنين، اسلك هذه الدّرجة.

فسلكها وهو خائف لا يدري ما يهجم  عليه حتّى استوى على ظهرها، فإذا هو بسطح ممدود [مدّ]  البصر ، وإذا هو برجل شابّ أبيض مضي‏ء  الوجه عليه ثياب بيض ، حتّى كأنّه رجل أو [في صورة رجل أو]  شبيه بالرّجل أو هو رجل، وإذا هو رافع رأسه إلى السّماء ينظر إليها واضع يده على فيه، فلمّا سمع خشخشة ذي القرنين قال: من هذا؟

قال: أنا ذو القرنين.

قال: يا ذا القرنين، ما كفاك ما وراءك حتّى وصلت إليّ.

قال ذو القرنين: ما لي أراك واضعا يدك على فيك؟

قال: يا ذا القرنين، أنا صاحب الصّور، وأنّ السّاعة قد اقتربت، وأنا أنتظر أن أؤمر بالنّفخ فأنفخ.

ثمّ ضرب بيده فتناول حجرا فرمى به إلى ذي القرنين، كأنّه حجر أو شبه  حجر أو هو حجر، فقال: يا ذا القرنين خذ هذا ، فإن جاع جعت وإن شبع شبعت فارجع.

فرجع ذو القرنين بذلك الحجر حتّى خرج به إلى أصحابه، فأخبرهم بالطّير وما سأله عنه وما قال له وما كان من أمره، وأخبرهم بصاحب السّطح وما قال له وما أعطاه،ثمّ قال لهم: إنّه أعطاني هذا الحجر، وقال لي: إن جاع جعت وإن شبع شبعت. وقال:

أخبروني بأمر هذا الحجر. [فوضع الحجر]  في إحدى  الكفّتين ووضع حجر مثله في الكفّة الأخرى، ثمّ رفع  الميزان، فإذا الحجر الّذي جاء به أرجح يميل  الآخر، فوضعوا آخر فمال به حتّى وضعوا ألف حجر كلّها مثله ثمّ رفعوا الميزان فمال بها ولم يستمل به الألف حجر.

فقالوا: يا أيّها الملك، لا علم لنا بهذا.

فقال له الخضر: أيّها الملك، إنّك تسأل هؤلاء عمّا لا علم لهم به و[قد أوتيت‏]  علم هذا الحجر .

فقال ذو القرنين: فأخبرنا به وبيّنه لنا.

فتناول الخضر الميزان، فوضع الحجر الّذي جاء به ذو القرنين في كفّة الميزان، ثمّ وضع حجرا آخر في كفّة أخرى ، ثم وضع كفّ  تراب على حجر ذي القرنين يزيده ثقلا، ثمّ رفع الميزان فاعتدل وعجبوا وخرّوا سجّدا [للّه‏] ، وقالوا: أيّها الملك، هذا أمر لم يبلغه علمنا، وإنّا لنعلم أنّ الخضر ليس بساحر، فكيف هذا وقد وضعنا معه ألف حجر كلّها مثله فمال بها وهذا قد اعتدل به وزاده ترابا؟

قال ذو القرنين: بيّن، يا خضر، لنا أمر هذا الحجر.

فقال الخضر: أيّها الملك، إنّ أمر اللّه نافذ في عباده وسلطانه قاهر وحكمه فاصل، وأنّ اللّه ابتلى عباده بعضهم ببعض، وابتلى العالم بالعالم والجاهل بالجاهل والعالم بالجاهل والجاهل بالعالم، وأنّه ابتلاني بك وابتلاك بي.

فقال [ذو القرنين‏] : يرحمك اللّه، يا خضر، إنّما تقول: ابتلاني بك، حين جعلت أعلم منّي وجعلت تحت يدي، أخبرني يرحمك اللّه عن أمر هذا الحجر.فقال الخضر: أيّها الملك، إنّ هذا الحجر مثل ضربه لك صاحب الصّور، يقول: إنّ مثل بني آدم مثل هذا الحجر الّذي وضع ووضع معه ألف حجر فمال بها، ثمّ إذا وضع عليه التّراب شبع وعاد حجرا مثله، فيقول: كذلك مثلاء ، أعطاك اللّه من الملك ما أعطاك فلم ترض به حتّى طلبت أمرا لم يطلبه أحد كان قبلك، ودخلت مدخلا لم يدخله إنس ولا جانّ، يقول: كذلك ابن آدم لا يشبع حتّى يحثى عليه التّراب.

قال: فبكى ذو القرنين بكاء شديدا وقال: صدقت، يا خضر، ضرب  لي هذا المثل لا جرم أنّي لا أطلب أثرا في البلاد بعد مسلكي هذا.

ثم انصرف راجعا في الظّلمة، فبيناهم  يسيرون إذ سمعوا خشخشة تحت سنابك خيلهم، فقالوا: أيّها الملك، ما هذا ؟

فقال: خذوا منه، فمن أخذ منه ندم ومن تركه ندم. فأخذ بعض وترك بعض، فلمّا خرجوا من الظّلمة إذا هم بالزّبرجد فندم الآخذ والتّارك، ورجع ذو القرنين إلى دومة الجندل  وكان بها منزله، فلم يزل بها حتّى قبضه اللّه إليه.

قال: وكان- صلّى اللّه عليه وآله- إذا حدّث بهذا الحديث قال: رحم  اللّه أخي، ذو القرنين  ما كان مخطئا إذ سلك ما سلك وطلب ما طلب، ولو ظفر بوادي الزّبرجد في مذهبه لما ترك فيه شيئا  إلّا أخرجه للنّاس، لأنّه كان راغبا، ولكنه ظفر به بعد ما رجع فقد زهد.

جبرئيل بن أحمد ، عن موسى بن جعفر، رفعه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ ذا القرنين عمل صندوقا من قوارير، ثمّ حمل في مسيره ما شاء اللّه، ثمّ ركب البحر، فلمّا انتهى إلى موضع منه قال لأصحابه: دلّوني فإذا حركت الحبل فأخرجوني،فإن لم أحرّك الحبل فأرسلوني إلى آخره. فأرسلوه في البحر وأرسلوا  الحبل مسيرة أربعين يوما، فإذا ضارب يضرب جنب  الصندوق ويقول: يا ذا القرنين، [أين تريد؟

قال: أريد أن أنظر إلى ملك ربّي في البحر كما رأيته في البرّ.

فقال: يا ذا القرنين،]  إنّ هذا الموضع الّذي أنت فيه مرّ فيه نوح زمان الطّوفان، فسقط منه قدّوم، فهو يهوي في قعر البحر إلى السّاعة لم يبلغ قعره. فلمّا سمع ذو القرنين ذلك حرّك الحبل وخرج.

عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الزّلزلة.

فقال: أخبرني أبي، عن أبيه، عن آبائه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ ذا القرنين لمّا انتهى إلى السّدّ جاوزه، فدخل الظّلمة فإذا هو بملك قائم  طوله خمسمائة ذراع.

فقال له الملك: يا ذا القرنين، أما كان خلفك مسلك؟

فقال له ذو القرنين: ومن أنت؟

قال: أنا ملك من ملائكة الرّحمن موكّل بهذا الجبل، وليس من جبل خلقه اللّه إلّا وله عرق إلى هذا الجبل، فإذا أراد اللّه أن يزلزل مدينة أوحى إليّ فزلزلتها.

عن ابن هشام ، عن أبيه، عمّن حدّثه، عن بعض آل محمّد- عليه وعليهم السّلام- قال: إنّ ذا القرنين كان عبدا صالحا طويت له الأسباب ومكّن له في البلاد، وكان قد وصفت  له عين الحياة، وقيل له: من يشرب منها شربة لم يمت حتّى يسمع الصّوت، وأنّه قد خرج في طلبها حتّى أتى موضعها، وكان في ذلك الموضع ثلاثمائة وستّون عينا، وكان الخضر على مقدّمته وكان من أشدّ أصحابه عنده، فدعاه وأعطاه وأعطى قوما من أصحابه كلّ رجل  منهم حوتا مملّحا، فقال: انطلقوا إلى هذه المواضع فليغسل كلّ رجل منكم حوته عند عين، ولا يغسل معه أحد .فانطلقوا، فلزم كلّ رجل منهم عينا يغسل  فيها حوته، وأنّ الخضر انتهى إلى عين من تلك العيون، فلمّا غمس الحوت ووجد الحوت ريح  الماء حيي فانساب في الماء، فلمّا رأى ذلك الخضر رمى بثيابه وسقط وجعل يرتمس في الماء ويشرب ويجتهد أن يصيبه [و لا يصيبه‏] ، فلمّا رأى ذلك رجع فرجع أصحابه.

و أمر ذو القرنين بقبض السّمك، فقال: انظروا فقد تخلّفت  سمكة.

فقالوا: الخضر صاحبها.

قال: فدعاه، فقال: ما خلّف سمكتك؟

قال: فأخبره الخبر.

فقال له: فصنعت ما ذا؟

قال: سقطت عليها فجعلت أغوص وأطلبها فلم أجدها.

قال: فشربت من الماء؟

قال: نعم.

قال: فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها، فقال للخضر: أنت صاحبها.

عن جابر ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه-: تغرب الشّمس في عين حمئة  في بحر دون المدينة الّتي [تلي‏]  ممّا يلي المغرب، يعني: جابلقاء .

حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ: بين جانبي الجبلين بتنضيدها .

و قرأ  ابن كثير وابن عامر والبصريّان بضمّتين، وأبو بكر بضمّ الصّاد وسكون الدّال.

و قرئ  بفتح الصّاد وضمّ الدّال، وكلّها لغات من الصّدف، وهو الميل، لأنّ كلا منهما منعزل  من الآخر. ومنه التّصادف، وهو التّقابل.

قالَ انْفُخُوا، أي: قال للعملة: انفخوا في الأكوار والحديد.

حَتَّى إِذا جَعَلَهُ: جعل المنفوخ فيه ناراً، كالنّار بالإحماء.

قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ، أي: آتوني قطرا، أي: نحاسا مذابا أفرغ عليه قطرا. فحذف الأول لدلالة الثّاني عليه، وبه تمسّك البصريّون على أنّ إعمال الثّاني من العاملين المتوجّهين نحو معمول واحد أولى، إذ لو كان «قطرا» مفعول «آتوني» لأضمر  لأتى بضمير مفعول «أفرغ» حذرا من الإلباس .

و قرأ  حمزة والكسائي  وأبو بكر: «قال ائتوني» موصولة الألف.

فَمَا اسْطاعُوا: بحذف «التّاء» حذرا من تلاقي متقاربين.

و قرأ  حمزة، بالإدغام، جامعا بين السّاكنين على غير حدّه.

و قرئ  بقلب السّين صادا.

أَنْ يَظْهَرُوهُ: أن يعلوه بالصّعود لارتفاعه وانملاسه.

وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً : لثخنه وصلابته.

قيل : حفر للأساس حتّى بلغ الماء وجعله من الصخر  والنّحاس المذاب، والبنيان من زبر الحديد، بينهما الحطب والفحم حتّى ساوى أعلى الجبلين، ثمّ وضع المنافيخ حتّى صارت كالنّار، فصبّ النّحاس المذاب عليها فاختلط والتصق  بعضه ببعض وصار جبلا صلدا.

و قيل : بناه من الصّخور، مرتبطا بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها.قالَ هذا: هذا السّدّ. أو الإقدار على تسويته.

رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي: على عباده.

فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي: وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج. أو بقيام السّاعة، بأن شارف يوم القيامة.

جَعَلَهُ دَكًّا: مدكوكا مبسوطا مسوى بالأرض. مصدر، بمعنى: مفعول. ومنه جمل أدكّ: لمنبسط السّنام.

و قرأ  الكوفيّون: «دكّاء» بالمدّ، أي: أرضا مستوية.

وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا : كائنا لا محالة، وهو آخر حكاية ذي القرنين.

و في تفسير العيّاشي : عن المفضّل قال: سألت الصّادق- عليه السّلام- عن قوله:

أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً.

قال: التّقيّة.

فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً [قال: مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً.]  إذا عملت  بالتّقيّة لم يقدروا لك  على حيلة، وهو الحصن الحصين، وصار بينك وبين أعداء اللّه سدّا لا يستطيعون له نقبا.

عن جابر ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً [قال: التقيّة] .

فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً [قال: هو التّقية] .

عن المفضّل  قال: سألت الصّادق- عليه السّلام- عن قوله: فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ.

قال: رفع التّقيّة عند الكشف فينتقم  من أعداء اللّه.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن‏

 صدقة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- لأقوام يظهرون الزّهد، ويدعون النّاس أن يكونوا معهم على مثل الّذي هم عليه من التّقشّف:

أخبروني أين أنتم عن سليمان بن داود؟ ثمّ ذو القرنين عبد أحبّ اللّه فأحبّه اللّه، طوى له الأسباب وملّكه مشارق الأرض ومغاربها، وكان يقول الحقّ ويعمل به، ثمّ لم نجد أحدا عاب ذلك [عليه‏] .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا قال: إذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزّمان انهدم ذلك السّدّ، وخرج يأجوج ومأجوج إلى الدّنيا وأكلوا النّاس.

و في مجمع البيان : وجاء في الحديث: أنّهم يدأبون في حفره نهارهم، حتّى إذا أمسوا وكادوا يبصرون شعاع الشّمس قالوا: نرجع غدا نفتتحه. ولا يستثنون، فيعودون الغد وقد استوى، كما كان، حتى إذا جاء وعد اللّه قالوا: غدا نفتح ونخرج، إن شاء اللّه. فيعودون إليه وهو كهيئة  حين تركوه بالأمس، فيحفرونه  ويخرجون على النّاس، فينشفون المياه ويتحصّن النّاس في حصونهم منهم، فيرمون سهامهم إلى السّماء فترجع وفيها كهيئة الدّماء، فيقولون: قد قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السّماء. فيبعث  اللّه عليهم نغفا  في أقفائهم، فيدخل في آذانهم فيهلكون بها.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: والّذي نفس محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- بيده، إنّ دوابّ الأرض لتسمن وتسكر من لحومهم سكرا.

و في أمالي شيخ الطّائفة- قدّس سرّه- ، بإسناده إلى حذيفة [بن‏]  اليمان: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عن أهل يأجوج ومأجوج قال: إنّ القوم لينقرون بمعاولهم دائبين، فإذا كان اللّيل قالوا: غدا نفرغ. فيصبحون وهو أقوى منه بالأمس، حتّى يسلم منهم  رجل حين يريد اللّه أن يبلغ أمره، فيقول المؤمن: غدا نفتحه، إن شاء اللّه.

فيصبحون، ثمّ يغدون عليه فيفتحه اللّه. فو الّذي نفسي بيده، ليمرّنّ الرّجل منهم على شاطئ الوادي الّذي بكوفان وقد شربوه حتّى نزحوه ، فيقول: واللّه، لقد رأيت هذا الوادي مرّة وأنّ الماء ليجري في عرضه.

قيل: يا رسول اللّه، ومتى هذا؟

قال: حين لا يبقى من الدّنيا إلّا مثل صبابة الإناء.

و في كتاب الخصال : عن أبي الطّفيل، عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاريّ قال: كنّا جلوسا في المدينة في ظلّ حائط، قال: وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في غرفة فاطّلع علينا  فقال: فيم أنتم؟

قلنا: نتحدّث.

قال: عمّا ذا؟

قلنا: عن  السّاعة.

فقال: إنّكم لا ترون السّاعة حتّى تروا  قبلها عشر آيات: طلوع الشّمس من مغربها، والدّجال، ودابّة الأرض، وثلاثة خسوف  في الأرض، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ، وخروج عيسى بن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، وتكون في آخر الزّمان نار تخرج من اليمن من قعر الأرض لا تدع خلفها أحدا، تسوق  النّاس إلى المحشر، كلّما قاموا قامت، ثمّ  تسوقهم إلى المحشر.

عن حذيفة بن أسيد  قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: عشر آيات بين يدي السّاعة: خمس بالمشرق وخمس بالمغرب، فذكر الدّابّة والدّجّال وطلوع الشّمس من مغربها وعيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج، وأنّه يغلبهم ويغرقهم في البحر، ولم يذكر تمام الآيات.

وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ‏قيل : وجعلنا بعض يأجوج ومأجوج، حين يخرجون من وراء السّدّ، يموجون [في بعض‏]  مزدحمين في البلاد. أو يموج بعض الخلق في بعض، فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنّهم حيارى، ويؤيّده وَنُفِخَ فِي الصُّورِ: لقيام السّاعة.

فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً : للحاسب والجزاء.

وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ: وأبرزناها وأظهرناها لهم عَرْضاً .

الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي: عن آياتي الّتي ينظر إليها، فاذكر بالتّوحيد والتّعظيم.

وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً : استماعا لذكري وكلامي لإفراط صممهم عن الحقّ، فإنّ الأصمّ قد يستطيع السّمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم اصمّت مسامعهم بالكلّيّة.

و في تفسير العيّاشي : عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ، يعني: يوم القيامة.

عن محمّد بن حكيم  قال: كتبت رقعة إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فيها:

أ تستطيع النّفس المعرفة؟

قال: فقال: لا.

قلت: يقول اللّه: الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً.

قال: هو كقوله: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ.

قلت: يعاتبهم .

قال: لم يعتبهم  بما صنع هو بهم ، ولكن يعاتبهم  بما صنعوا، ولو لم يتكلّفوا لم يكن عليهم شي‏ء.و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار في التّوحيد: حدّثنا تميم بن عبد اللّه بن تميم القرشي قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن عليّ الأنصاريّ، عن أبي الصّلت، عن عبد اللّه بن صالح الهرويّ قال: سأل المأمون أبا الحسن، عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً.

فقال: [إنّ‏]  غطاء العين لا يمنع [من‏]  الذّكر والذّكر لا يرى بالعين، ولكنّ اللّه- عزّ وجلّ- شبّه الكافرين بولاية عليّ بن أبي طالب بالعميان، لأنّهم كانوا يستثقلون قول النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فيه ولا يستطيعون له سمعا.

فقال المأمون: فرّجت عنّي، فرّج اللّه عنك. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: كانوا لا ينظرون إلى ما خلق اللّه من الآيات والسّموات [و الأرض‏] .

و بإسناده إلى أبي بصير : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه قوله- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي قال: يعني بالذّكر: ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام- وهو قوله: ذِكْرِي.

قلت: قوله- عزّ وجلّ-: لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً.

قال: كانوا لا يستطيعون إذا ذكر عليّ- صلوات اللّه عليه- عندهم أن يسمعوا ذكره، لشدّة بغض له وعداوة منهم له ولأهل بيته.

أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا: أ فظنّوا. والاستفهام للإنكار.

و في مجمع البيان : قرأ أبو بكر في رواية الأعشى والبرجميّ  عنه، وزيد عن يعقوب:

أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا برفع الباء وسكون السّين، وهو قراءة أمير المؤمنين- عليه السّلام-.أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي: اتّخاذهم الملائكة والمسيح.

مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ: معبودين نافعهم، أو لا أعذّبهم به. فحذف المفعول الثّاني، كما يحذف الخبر للقرينة، أو سدّ «أن يتّخذوا» مسدّ مفعوليه .

و قرئ : «أ فحسب الّذين كفروا»، أي: أ فكافيهم في النّجاة. و«أن» بما في حيّزها مرتفع بأنّه فاعل «حسب» فإنّ النّعت إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل، أو خبر له .

إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا : ما يقام للتّنزيل. وفيه تهكّم وتنبيه على أنّ لهم وراءها من العذاب ما تستحقر دونه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه-  متّصلا بقوله: وعداوة منهم له ولأهل بيته. قلت: قوله- عزّ وجلّ-: أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا.

قال: يعنيهما  وأشياعهما الّذين اتّخذوهما من دون اللّه أولياء، وكانوا يرون أنّهم بحبّهم إيّاهما ينجيانهم من عذاب اللّه- عزّ وجلّ- وكانوا بحبّهما كافرين.

قلت: قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا، أي: منزلا، فهي لهما ولأشياعهما معدّة  عند اللّه- تعالى.

قلت: قوله- عزّ وجلّ-: «نزلا».

قال: مأوى ومنزلا.

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا .

نصب على التّمييز وجمع لأنّه من أسماء الفاعلين، أو لتنوّع أعمالهم .و في عوالي اللآلي : وروى محمّد بن الفضل، عن الكاظم- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا أنّهم الّذين يتمادون بحجّ الإسلام ويسوّفونه.

الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا: ضاع وبطل لكفرهم وعجبهم، كالرّهابنة  فإنّهم خسروا دنياهم وآخرتهم.

و محلّه الرّفع على الخبر لمحذوف، فإنّه جواب السّؤال. أو الجرّ على البدل. أو النّصب على الذّمّ .

وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً : بعجبهم، واعتقادهم أنّهم على الحقّ.

و في كتاب الاحتجاج للطّبرسي- رحمة اللّه عليه- : عن الأصبغ بن نباتة قال:

 

قال ابن الكوّاء لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: أخبرني عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (الآية).

قال: كفرة أهل الكتاب، اليهود والنّصارى، وقد كانوا على الحقّ فابتدعوا في أديانهم وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً.

أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ: بالقرآن، أو بدلائله المنصوبة على التّوحيد والنّبوّة.

وَ لِقائِهِ: بالبعث على ما هو عليه . أو لقاء عذابه.

فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ: بكفرهم، فلا يثابون عليها.

فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ، أي: فنزدري بهم ولا نجعل لهم‏مقدارا واعتبارا. أو لا نضع لهم ميزانا يوزن به أعمالهم لانحباطها.

و في عيون الأخبار ، في باب ما كتبه الرّضا- عليه السّلام- للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدّين: والبراءة من أهل  الاستئثار، ومن أبي موسى الأشعريّ وأهل ولايته الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ بولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام- «و لقائه» كفروا بأن لقوا اللّه بغير إمامته فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً فهم كلاب أهل النّار.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن أحمد بن عمر الحلال ، عن عليّ بن سويد، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: سألته عن العجب الّذي يفسد العمل.

فقال: العجب درجات، منها أن يزيّن للعبد سوء عمله فيراه حسنا [فيعجبه‏]  ويحسب أنّه يحسن صنعا، ومنها أن يؤمن العبد بربّه فيمنّ على اللّه- عزّ وجلّ- وللّه عليه فيه المنّة .

و في تفسير العيّاشي : عن امام بن ربعي  قال: قام ابن الكوّاء إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- فسأله عن أهل هذه الآية.

فقال: أولئك أهل الكتاب كفروا بربّهم وابتدعوا في دينهم فحبطت  أعمالهم، وما أهل النّهر منهم ببعيد.

و في مجمع البيان : وروى العيّاشي، بإسناده، قال: قام ابن الكوّاء إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- وذكر إلى آخر ما سبق، وزاد بعد قوله: ببعيد، يعني: الخوارج.

و فيه: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً

و روي  في الصّحيح، أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّه ليأتي الرّجل العظيم السّمين يوم القيامة لا يزن جناح بعوضة.و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه أهل الموقف وأحوالهم، وفيه ومنهم أئمّة الكفر وقادة الضّلالة، فأولئك لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا ولا يعبأ بهم، [لأنّهم لم يعبئوا]  بأمره ونهيه يوم القيامة، فهم في جهنّم خالدون، تلفح وجوههم النّار وهم فيها كالحون.

ذلِكَ: الأمر ذلك، وقوله: جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ جملة مبيّنة له.

و يجوز أنّ يكون «ذلك» مبتدأ، والجملة خبره، والعائد محذوف، أي: جزاؤهم به. أو «جزاؤهم» بدله، و«جهنّم» خبره. أو «جزاؤهم» خبره و«جهنّم» عطف بيان للخبر.

بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً ، أي: بسبب ذلك.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا : فيما سبق من حكم اللّه ووعده.

و «الفردوس» أعلى درجات الجنّة، وأصله: البستان الّذي يجمع الكرم والنّخل.

خالِدِينَ فِيها: حال مقدّرة .

لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا : تحوّلا، إذ لا يجدون أطيب منها حتّى تنازعهم إليه أنفسهم. ويجوز أن يراد به: تأكيد الخلود.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً قال: هم النّصارى والقسّيسون والرّهبان وأهل الشّبهات والأهواء من أهل القبلة والحروريّة وأهل البدع.

و قال عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه- : نزلت في اليهود وجرت في الخوارج.

و قوله- عزّ وجلّ-: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناًقال: أي: حسنة ذلك جزاؤهم جهنّم بما كفروا واتّخذوا آياتي ورسلي هزوا، يعني بالآيات: الأوصياء الّتي اتّخذوها هزوا.

حدّثنا جعفر بن أحمد ، عن عبد اللّه بن موسى، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا قال: خالِدِينَ فِيها لا يخرجون منها. ولا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا قال: لا يريدون بها بدلا.

قلت: قوله- عزّ وجلّ- [قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي الخ قال: قد أخبرك أنّ كلام اللّه ليس له آخر ولا ينقطع أبدا قلت: قوله‏] : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا.

قال: هذه نزلت في أبي ذرّ والمقداد وسلمان الفارسي وعمّار بن ياسر، جعل اللّه- عزّ وجلّ- لهم جنّات الفردوس نزلا، أي: مأوى ومنزلا.

و في مجمع البيان : كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا

و روى  عبادة بن الصّامت، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: الجنّة مائة درجة، ما بين كلّ درجتين، كما بين السّماء والأرض، الفردوس أعلاها درجة، منها تفجّر أنهار الجنّة الأربعة، فإذا سألتم اللّه- عزّ وجلّ- فاسألوه الفردوس.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا بن همام بن سهيل ، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، عن عيسى بن داود النّجّار قال: حدّثني مولاي، موسى بن جعفر- عليه السّلام- قال: سألت أبي عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا.

قال: نزلت في آل محمّد- صلّى اللّه عليهم-.و قال - أيضا-: حدّثنا محمّد بن الحسين الخثعميّ، عن محمّد بن عيسى  الحجريّ، عن عمر بن صخر الهذليّ، عن الصّباح بن يحيى، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: [لكلّ شي‏ء]  ذروة ، وذروة الجنّة  الفردوس، وهي لمحمّد وآل محمّد- صلوات اللّه عليه وعليهم-.

قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً: ما يكتب به، وهو اسم ما يمدّ به الشّي‏ء، كالحبر للدّواة، والسّليط  للسّراج.

لِكَلِماتِ رَبِّي: لكلمات علمه وحكمته.

لَنَفِدَ الْبَحْرُ: لنفد جنس البحر بأسره، لأنّ كلّ جسم متناه.

قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي: فإنّها غير متناهية [لا تنفذ، كعلمه.

وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ: بمثل البحر الموجود.

مَدَداً : زيادة ومعونة، لأنّ مجموع المتناهين‏]  متناه، بل مجموع ما يدخل في الوجود من الأجسام لا يكون إلّا متناهيا للدّلائل القاطعة على تناهي الأبعاد، والمتناهي ينفد قبل أن ينفد غير المتناهي لا محالة.

و قرأ  حمزة والكسائيّ: «ينفد» بالياء. و«مددا» بالكسر في الميم، جمع مدّة، وهي ما يستمدّه الكاتب.

و سبب نزولها أنّ اليهود قالوا: في كتابكم وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وتقرءون: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في الحديث السّابق المنقول عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قلت: قوله: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً.

 قال: قال: قد أخبرك أنّه كلام ليس له آخر ولا غاية، ولا ينقطع أبدا.

قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ: وإنّما تميّزت عنكم بذلك.

فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ: يأمل حسن لقائه.

فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً: يرتضيه اللّه.

وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً : بأن يرائيه، أو يطلب منه أجرا.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا جعفر بن أحمد، عن عبيد اللّه بن موسى، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، والحسين‏]  بن أبي العلا وعبد اللّه بن وضّاح وشعيب العقرقوفيّ، جميعهم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ قال: يعني: في الخلق أنّه مثلهم مخلوق.

يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال: لا يتّخذ مع ولاية آل محمّد- صلوات اللّه عليهم- غيرهم، وولايتهم العمل الصّالح، فمن أشرك بعبادة ربّه فقد أشرك بولايتنا وكفر بها وجحد أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- حقّه وولايته.

و في رواية أبي الجارود  عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سئل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن تفسير قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ (الآية).

فقال: من صلّى مراءاة النّاس فهو مشرك، ومن زكّى مراءاة النّاس فهو مشرك، ومن صام مراءاة النّاس فهو مشرك، ومن حجّ مراءاة النّاس فهو مشرك، ومن عمل عملا ممّا أمره  اللّه- عزّ وجلّ- به مراءاة النّاس فهو مشرك، ولا يقبل اللّه- عزّ وجلّ- عمل مراء .

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: وعن أبي الحسن العسكريّ- عليه السّلام- قال: قلت لأبي، عليّ بن محمّد- عليهما السّلام-: هل كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجّهم؟

قال: بلى مرارا كثيرة، إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان قاعدا ذات يوم بمكّة بفناء الكعبة إذ ابتدأ عبد اللّه بن أبي أميّة المخزوميّ فقال: يا محمّد، لقد ادّعيت دعوى عظيمة وقلت مقالا هائلا، زعمت أنّك رسول ربّ العالمين، وما ينبغي لربّ العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشر  مثلنا تأكل، كما نأكل [و تشرب كما نشرب‏]  وتمشي في الأسواق، كما نمشي.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: اللّهمّ، أنت السّامع لكلّ صوت والعالم بكلّ شي‏ء، تعلم ما قاله عبادك.

فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- عليه: يا محمّد وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ- إلى قوله-: رَجُلًا مَسْحُوراً ثمّ أنزل اللّه عليه: يا محمّد قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، يعني: آكل الطّعام يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، يعني: قل لهم: أنا في البشريّة مثلكم، ولكن ربّي خصّني بالنّبوّة دونكم، كما يخصّ بعض البشر بالغنى والصّحّة والجمال دون بعض من البشر، فلا تنكروا أن يخصّني- أيضا- بالنّبوّة دونكم.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب التّوحيد : عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات: فأمّا قوله: بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ [، يعني:]  بالبعث، فسمّاه اللّه- عزّ وجلّ- لقاءه، وكذلك قوله: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وقوله: مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ، يعني بقوله: من كان يؤمن بأنّه مبعوث فإنّ وعد اللّه لآت من الثّواب والعقاب، فاللّقاء هاهنا ليس بالرّؤية، واللّقاء هو البعث، فافهم جميع ما في كتاب اللّه من لقائه فإنّه يعني بذلك:

البعث.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى شهاب بن عبد ربّه: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان أمير المؤمنين- عليه السّلام- إذا توضّأ لم يدع أحدا يصبّ عليه الماء، قال: لا أحبّ أن أشرك في صلاتي أحدا.و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جرّاح المدائنيّ، عن أبي جعفر - عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال: الرّجل يعمل شيئا من الثّواب لا يطلب به وجه اللّه، إنّما يطلب تزكية النّاس، يشتهي أن يسمع به النّاس ، فهذا الّذي أشرك بعبادة ربّه.

ثمّ قال: ما من عبد أسر خيرا فذهبت الأيّام أبدا حتّى يظهر اللّه له خيرا، وما من عبد أسر  شرّا فذهبت  الأيّام أبدا حتّى يظهر اللّه له شرّا.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن الرّجل يعمل الشّي‏ء من الخير فيراه إنسان فيسرّه ذلك.

قال: لا بأس، ما من أحد إلّا ويحبّ أن يظهر له في النّاس الخير إذا لم يصنع  ذلك لذلك.

و في الكافي : عليّ بن محمّد بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن الحسن بن عليّ الوشّاء قال: دخلت على الرّضا- عليه السّلام- وبين يديه إبريق يريد أن يتهيّأ للصّلاة، فدنوت منه لأصبّ عليه فأبى ذلك، وقال: مه، يا حسن.

فقلت له: لم تنهاني أن أصبّ على يدك ، تكره أن أوجر؟

قال: تؤجر أنت وأؤزر أنا.

قلت له: وكيف ذلك؟

قال: أما سمعت اللّه- عزّ وجلّ- يقول: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً. وها أنا [ذا]  أتوضّأ للصّلاة، وهي العبادة، فأكره أن يشركني، فيها أحد.و في مجمع البيان : فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ (الآية) [

عن سعيد بن جبير]  قال مجاهد: جاء رجل إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: إنّي أتصدّق وأصل الرّحم ولا أصنع ذلك إلّا للّه، فيذكر [ذلك‏]  منّي واحمد عليه فيسرّني ذلك واعجب به.

فسكت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ولم يقل شيئا، فنزلت الآية.

و روي  عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: قال اللّه- عزّ وجلّ- أنا  أغنى الشّركاء عن الشّرك، فمن عمل عملا أشرك  فيه غيري فأنا منه بري‏ء، فهو للّذي أشرك.

أورده مسلم في الصّحيح.

و روي  عن عبادة بن الصّامت وشدّاد بن أوس  قالا: سمعنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: من صلّى صلاة يرائي بها فقد أشرك، ومن صام صوما يرائي به فقد أشرك، ثمّ قرأ هذه الآية.

و روي  أنّ أبا الحسن الرّضا- عليه السّلام- دخل يوما على المأمون فرآه يتوضّأ للصّلاة، والغلام يصبّ على يده الماء، فقال: لا تشرك بعبادة ربّك أحدا. فصرف  المأمون الغلام، وتولّى إتمام وضوئه بنفسه.

و في تفسير العيّاشي : عن العلا بن الفضيل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن تفسير هذه الآية فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.

قال: من صلّى أو صام أو أعتق أو حجّ يريد محمدة النّاس فقد أشرك  في عمله، فهو مشرك مغفور .عن عليّ بن سالم ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال اللّه- تبارك وتعالى-: أنا خير شريك، من أشرك بي في عمله  لن أقبله إلّا ما كان لي خالصا.

و في رواية أخرى  عنه [إنّ اللّه يقول‏] : أنّا خير شريك، من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل له دوني.

عن زرارة وحمران ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- قالا: لو أنّ عبدا عمل عملا يطلب به رحمة اللّه والدّار الآخرة، ثمّ أدخل فيه رضاء أحد من النّاس، كان مشركا.

عن سماعة بن مهران  قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.

قال: العمل الصّالح المعرفة بالأئمّة، وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً التّسليم لعليّ، لا يشرك معه في الخلافة من ليس ذلك له ولا هو من أهله.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأ هذه الآية عند منامه: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ (إلى آخرها) سطع له نور إلى  المسجد الحرام، حشو ذلك النّور ملائكة يستغفرون له حتّى يصبح.

و في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- يقول: ما من عبد يقرأ: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (إلى آخر السّورة) إلّا كان له نور من مضجعه إلى بيت اللّه الحرام، وأنّ من كان له نور من بيت اللّه الحرام كان [له نور إلى‏]  بيت المقدس.

و في مجمع البيان : وروى الشّيخ، أبو جعفر بن بابويه، بإسناده، عن عيسى بن عبد اللّه، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: ما من عبد يقرأ:قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (إلى آخره) إلّا كان له نور في مضجعه إلى بيت اللّه الحرام، فإن كان من أهل البيت الحرام كان له [نور]  إلى بيت المقدس.

ابيّ بن كعب ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: ومن  قرأ الآية الّتي في آخرها: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ حين يأخذ مضجعه كان له من مضجعه نور يتلألأ إلى الكعبة حشو ذلك النّور ملائكة يصلّون عليه حتّى يقوم من مضجعه، فإن كان في مكّة فتلاها  كان له نور  يتلألأ إلى البيت المعمور حشو ذلك النّور ملائكة يصلّون عليه حتّى يستيقظ.

و قال : أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما من أحد يقرأ آخر الكهف عند النّوم إلّا تيّقظ في السّاعة الّتي يريدها.

و روى  هذا الخبر، كما رواه صاحب مجمع البيان، محمّد بن يعقوب، بإسناده، إلى عامر بن عبد اللّه  بن جذاعة  عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

 

 (تمّت بعون الملك الوهّاب في 1240).كلمة المحقّق‏

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين والصلوة والسلام على نبيّنا وآله الطيبين الطاهرين ولا سيّما بقيّة اللّه في الأرضين واللعنة الدائمة على أعدائه وأعدائهم أجمعين النسخ التي استفدنا منها في تحقيق الربع الثالث (من سورة مريم الى نهاية سورة فاطر) من تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب:

1- نسخة في مكتبة آية اللّه العظمى النجفي المرعشي العامة، قم، رقم 2969، مذكورة في فهرسها 8/ 150. (رمز ع).

2- نسخة في مكتبة مدرسة الشهيد المطهري، رقم 2055، مذكورة في فهرسها 5/ 450. (رمز س).

3- نسخة في المكتبة المركزية لجامعة طهران، رقم 7345، مذكورة في فهرسها 16/ 517. (رمز أ).

4- نسخة في مكتبة العلّامة المغفور له السيد جلال الدين المحدّث الأرموي، نزيل طهران. (رمز م).

5- نسخة في مكتبة العلّامة المغفور له الشيخ علي النّمازي الشاهرودي، نزيل مشهد، مكتوبة في حياة المؤلف، سنة 1111 ه. ق وعلى ظهرها كتاب الوقف لبنت المؤلف. (رمز ن).

و الحمد للّه أوّلا وآخرا.

حسين الدّركاهي.