سورة المؤمنون‏ الآية 61-80

أولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ: يرغبون في الطّاعات أشدّ الرّغبة، فيبادرونها. أو: يسارعون في نيل الخيرات الدّنيويّة الموعودة على صالح الأعمال، بالمبادرة إليها، كقوله : فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا. فيكون إثباتا لهم ما نفى عن أضدادهم.

وَ هُمْ لَها سابِقُونَ  لأجلها فاعلون السّبق. أو: يسابقون النّاس إلى الطّاعة، أو الثّواب، أو الجنّة. أو: يسابقونها، أي: ينالونها قبل الآخرة، حيث عجّلت لهم في الدّنيا، كقوله : هُمْ لَها عامِلُونَ.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ، جميعا عن القاسم بن محمّد، عن سليمان المنقريّ، عن حفص بن غياث قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إن قدرت أن لا تعرف، فافعل. وما عليك أن لا يثني عليك النّاس. وما عليك أن تكون مذموما عند النّاس، إذا كنت محمودا عند اللّه.

ثمّ قال : قال [أبي‏]  عليّ بن أبي طالب: لا خير في العيش إلّا لرجلين: رجل يزداد كلّ يوم خيرا، ورجل يتدارك منيّته بالتّوبة.

و أنّى له بالتّوبة! وو اللّه، لو سجد حتّى ينقطع عنقه، ما قبل اللّه- تبارك وتعالى- منه، إلّا بولايتنا أهل البيت. ألا ومن عرف حقّنا ورجا  الثّواب فينا، ورضي‏بقوته نصف مدّ في كلّ يوم، وما ستر عورته، وما أكنّ رأسه. وهم واللّه في ذلك خائفون وجلون. ودّوا أنّه حظّهم من الدّنيا. وكذلك وصفهم اللّه- عزّ وجلّ- فقال: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ.

ثمّ قال: ما الّذين آتوا؟ آتوا- واللّه!- مع الطّاعة المحبّة والولاية، وهم في ذلك خائفون. ليس خوفهم خوف شكّ، ولكنّهم خافوا أن يكونوا مقصّرين في محبّتنا وطاعتنا!

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ذكر- عزّ وجلّ- من يريد بهم الخيرة فقال: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ- إلى قوله:- يُؤْتُونَ ما آتَوْا. [قال: من العبادة والطّاعة.

و في روضة الكافي : وهيب، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ- وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا]  وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ. قال: هي شفاعتهم ورجاؤهم. يخافون أن تردّ عليهم أعمالهم، إن لم يطيعوا اللّه- عزّ ذكره- ويرجون أن يقبل منهم.

و في مجمع البيان : وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ. و

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: معناه:

خائفة أن لا يقبل منهم.

و في رواية أخرى : يؤتي ما آتى، وهو خائف راج.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن [الحسن بن عليّ‏]  بن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه-: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ قال: يعملون ما عملوا من عمل، وهم يعلمون أنّهم يثابون عليه.

و روى عثمان بن عيسى ، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: يعملون ويعلمون أنّهم سيثابون عليه.عنه ،

عن أبيه، عن ابن سنان، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لو أنّ العباد وصفوا الحقّ وعملوا به، ولم تعقد  قلوبهم على  أنّه الحقّ، ما انتفعوا به .

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن منصور بن يونس، عن الحارث بن المغيرة أو أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: ما كان في وصيّة لقمان؟ قال: كان فيها الأعاجيب. وكان أعجب ما كان فيها أن قال لابنه: خف اللّه- عزّ وجلّ- خيفة لو جئته ببرّ الثّقلين، لعذّبك. وارج اللّه رجاء لو جئته بذنوب الثّقلين، لرحمك.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النّعمان، عن حمزة بن حمران قال:

 

سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ ممّا حفظ من خطب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال:

ألا إنّ المؤمن يعمل بين مخافتين : بين أجل قد مضى لا يدري ما اللّه صانع فيه.

و بين أجل قد بقي لا يدري ما اللّه- عزّ وجلّ- قاض فيه.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ يقول: هو عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام. لم يسبقه أحد .

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود قال: حدّثنا الإمام موسى بن جعفر [عن أبيه‏] - عليهما السّلام- قال: نزلت في أمير المؤمنين وولده:إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ- الآية إلى قوله:- وَهُمْ لَها سابِقُونَ.

وَ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها: قدر طاقتها.

يريد التّحريض على ما وصف به الصّالحين، وتسهيله على النّفوس.

وَ لَدَيْنا كِتابٌ يعني: اللّوح أو صحيفة الأعمال يَنْطِقُ بِالْحَقِّ: بالصّدق.

لا يوجد فيه ما يخالف الواقع.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب، في مناقب زين العابدين- عليه السّلام-: وكان إذا دخل شهر رمضان، يكتب على غلمانه ذنوبهم. حتّى إذا كان آخر ليلة، دعاهم. ثمّ أظهر الكتاب وقال: يا فلان، فعلت كذا وكذا، ولم أوذيك. فيقرّون أجمع.

فيقوم وسطهم ويقول لهم: ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا عليّ بن الحسين! ربّك قد أحصى عليك ما عملت، كما أحصيت علينا. ولديه كتاب ينطق بالحقّ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة. فاذكر ذلّ مقامك بين يدي ربّك الّذي لا يظلم مثقال ذرّة. وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً . فاعف واصفح، يعف عنك المليك، لقوله - تعالى-: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ. ويبكي وينوح.

وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ  بزيادة عقاب أو نقصان ثواب.

بَلْ قُلُوبُهُمْ: قلوب الكفرة فِي غَمْرَةٍ: في غفلة غامرة لها مِنْ هذا: من الّذي وصف به هؤلاء. أو: من كتاب الحفظة.

وَ لَهُمْ أَعْمالٌ خبيثة مِنْ دُونِ ذلِكَ: متجاوزة لما وصفوا به، أو متخطّية عمّا هم عليه من الشّرك.

هُمْ لَها عامِلُونَ : معتادون فعلها.

حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ: متنعّميهم بِالْعَذابِ، يعني: القتل يوم بدر.

و في جوامع الجامع : حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ. والعذاب قتلهم يوم بدر، والجوع حين دعا عليهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر. واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف. فابتلاهم [اللّه‏]  بالقحط، حتّى أكلواالجيف والكلاب والعظام المحترقة والقذر  والأولاد.

و في مجمع البيان  ذكر نحو الثّاني، ونقله قولا عن الضّحّاك.

و في جوامع الجامع : أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ  حيث خافوا اللّه، فآمنوا به، وأطاعوه. «و آباءهم» إسماعيل وأعقابه .

و عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وآله-: لا تسبّوا مضر، ولا ربيعة، فإنّهما كانا مسلمين. ولا تسبّوا الحارث بن كعب، ولا أسد بن خزيمة، ولا تميم بن عامر ، فإنّهم كانوا على الإسلام. وما شككتم فيه  من شي‏ء، فلا تشكّوا في أنّ تبّعا كان مسلما.

إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ : فاجئوا الصّراخ بالاستغاثة.

و هو جواب الشّرط. والجملة مبتد [بعد «حتّى»] .

و يجوز أن يكون الجواب: لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ: فإنّه مقدّر بالقول. أي: قيل لهم: لا تجأروا.

إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ :

تعليل للنّهي. أي: لا تجأروا، فإنّه لا ينفعكم، إذ لا تمنعون منّا، أو لا يلحقكم نصر ومعونة من جهتنا.

قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ، يعني: القرآن.

فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ : تعرضون مدبرين عن سماعها وتصديقها والعمل بها.

و النكوص: الرّجوع قهقرى.

مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ:

قيل : الضّمير للبيت. وشهرة استكبارهم وافتخارهم بأنّهم قوّامه، أغنى عن سبق‏ذكره. أو ل «آياتي» فإنّها بمعنى كتابي، والباء متعلّقة ب «مستكبرين» لانّه بمعنى مكذّبين.

أو لأنّ استكبارهم على المسلمين حدث بسبب استماعه. أو بقوله:

سامِراً، أي: تسمرون بذكر القرآن والطّعن فيه. وهو في الأصل مصدر جاء على لفظ الفاعل، كالعاقبة.

و قرئ : «سمّرا» جمع سامر.

تَهْجُرُونَ :

من الهجر- بالفتح- إمّا بمعنى القطيعة، أو الهذيان. أي: تعرضون عن القرآن. أو:

تهذون في شأنه. أو الهجر- بالضّمّ-: الفحش. ويؤيّد الثّاني قراءة النّافع : «تهجرون» من أهجر، بمعنى أفحش.

و قرئ : «تهجّرون» على المبالغة.

أَ فَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ- أي: القرآن- ليعلموا أنّه الحقّ من ربّهم بإعجاز لفظه ووضوح مدلوله.

أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ  من الرّسول والكتاب- أو من الأمن من عذاب اللّه- فلم يخافوا كما خاف آباؤهم الأقدمون- كإسماعيل وأعقابه- فآمنوا به وبكتبه ورسله وأطاعوه.

أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ بالأمانة والصّدق وحسن الخلق وكمال العلم مع عدم التّعلّم، إلى غير ذلك ممّا هو من صفة الأنبياء.

فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ  دعواه لأحد هذه الوجوه، إذ لا وجه له غيرها. فإنّ إنكار الشّي‏ء، قطعا أو ظنّا، إنّما يتّجه إذا ظهر امتناعه بحسب النّوع أو الشّخص أو بحث عمّا يدلّ عليه أقصى ما يمكن فلم يوجد.

أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ فلا يبالون بقوله، وكانوا يعلمون أنّه أرجحهم عقلا، وأتقنهم نظرا.

بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ . لأنّه يخالف شهواتهم وأهواءهم، فلذلك أنكروه.

و إنّما قيّد الحكم بالأكثر، لأنّه كان منهم من ترك الإيمان استنكافا من توبيخ قومه،أو لقلّة فطنته وعدم فكره، لا لكراهة الحقّ.

وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ بأن كان في الواقع آلهة شتّى لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ:

كما سبق تقريره في قوله : لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا.

و قيل : لو اتّبع الحقّ أهواءهم وانقلب باطلا، لذهب ما قام به العالم فلا يبقى. أو:

لو اتّبع الحقّ الّذي جاء به محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أهواءهم [و انقلب شركا، لجاء اللّه بالقيامة وأهلك العالم من فرط غضبه. أو: لو اتّبع اللّه أهواءهم‏]  بأن أنزل ما يشتهونه من الشّرك والمعاصي، لخرج عن الألوهيّة، ولم يقدر أن يمسك السّموات والأرض. [و هو على أصل المعتزلة.]

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ. قال: الحقّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين- عليه السّلام.

بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ: بالكتاب الّذي هو ذكرهم، أي: وعظهم، أوصيتهم.

أو الذّكر الّذي تمنّوه بقولهم: لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ .

و قرئ : «بذكراهم».

فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ  لا يلتفتون إليه.

أَمْ تَسْأَلُهُمْ:

قيل : إنّه قسيم قوله: «أم به جنّة».

خَرْجاً: أجرا على أداء الرّسالة.

فَخَراجُ رَبِّكَ: رزقه في الدّنيا. أو: ثوابه في الآخرة خَيْرٌ لسعته ودوامه.

ففيه مندوحة لك عن عطائهم.

و الخرج بإزاء الدّخل، يقال لكلّ ما تخرجه إلى غيرك. والخراج غالب في الضّريبة على الأرض. ففيه إشعار بالكثرة واللّزوم، فيكون أبلغ. ولذلك عبّر به عن عطاء

اللّه إيّاه.

و قرأ  ابن عامر: «خرجا فخرج ربّك». وحمزة والكسائيّ: «خراجا فخراج» للمزاوجة.

وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ :

تقرير لخيريّة خراجه.

وَ إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ  تشهد العقول السّليمة على استقامته لا عوج فيه يوجب اتّهامهم له. واعلم أنّه- سبحانه- ألزمهم الحجّة، وأزاح العلّة في هذه الآيات، بأن حصر أقسام ما يؤدّي إلى الإنكار والاتّهام، وبيّن انتفاءها عدا كراهة الحقّ وقلّة الفطنة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ يقول: أم تسألهم أجرا، فأجر ربّك خير . وقوله: وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ  قال: إلى ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في أمالي شيخ الطّائفة  بإسناده إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: من أحبّك لدينك، وأخذ بسبيلك، فهو ممّن يهدى إلى صراط مستقيم. ومن رغب عن هواك، وأبغضك وانجلاك، لقي اللّه يوم القيامة لا خلاق له.

وَ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ السّويّ لَناكِبُونَ :

لعادلون عنه، فإنّ خوف الآخرة أقوى البواعث  على طلب الحقّ وسلوك طريقه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ. قال: عن الإمام لحائدون .و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن عبد اللّه  بن عبد الرّحمن، عن الهيثم بن واقد، عن مقرن  قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول : قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- لو شاء، لعرّف العباد نفسه، ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله، والوجه الّذي يؤتى منه. فمن عدل عن ولايتنا، أو فضّل علينا غيرنا، فإنّهم عن الصّراط لناكبون.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في روضة الكافي  خطبة مسندة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وهي خطبة الوسيلة، يقول فيها- عليه السّلام- وقد ذكر الأشقيين: يقول لقرينه إذا التقيا: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ . فيجيبه الأشقى على رثوثة: يا ليتني لم أتّخذك خليلا لَقَدْ أَضَلَّنِي  عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا .

فأنا الذّكر الّذي عنه ضلّ، والسّبيل الّذي عنه مال، والإيمان الّذي به كفر، والقرآن الّذي إيّاه هجر، والدّين الّذي به كذّب والصّراط الّذي عنه نكب!

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا أحمد بن الفضيل  الأهوازيّ، عن بكر بن محمّد بن إبراهيم غلام الخليل قال: حدّثنا زيد بن موسى، عن أبيه موسى، عن أبيه جعفر، عن أبيه محمّد، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه عليّ بن طالب- عليهم السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ قال: عن ولايتنا [أهل البيت.

و عنه أيضا قال : حدّثنا عليّ بن العبّاس، عن جعفر الرّيّانيّ ، عن الحسين بن‏

 علوان ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة، عن عليّ- عليه السّلام- قال: قوله- عزّ وجلّ-: وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ قال: عن ولايتنا] .

وَ لَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ- يعني: القحط- لَلَجُّوا:

لثبتوا- واللّجاج: التّمادي في الشّي‏ء- فِي طُغْيانِهِمْ: إفراطهم في الكفر والاستكبار عن الحقّ وعداوة الرّسول والمؤمنين يَعْمَهُونَ  عن الهدى.

و

في جوامع الجامع : وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ. ولمّا أسلم ثمامة بن أثال الحنفيّ، ولحق باليمامة، ومنع الميرة من أهل مكّة، وأخذهم اللّه بالسّنين حتّى أكلوا العلهز- وهو دم القراد مع الصّوف- جاء أبو سفيان بن حرب إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال له: أنشدك اللّه والرّحم، أ لست تزعم أنّك بعثت رحمة للعالمين!؟ فقال: بلى. فقال له: قتلت الآباء بالسّيف، والأبناء بالجوع.

وَ لَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ: يعني: القتل يوم بدر.

فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ ، بل أقاموا على عتوّهم واستكبارهم.

و استكان: استفعل من الكون، لأنّ المفتقر انتقل من كون إلى كون. أو أفتعل من السّكون أشبعت فتحته. وليس من عادتهم التّضرّع. وهو استشهاد على ما قبله.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ. فقال: الاستكانة هو الخضوع. والتّضرّع رفع اليدين، والتّضرّع بهما.

 [محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن‏

 مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ. قال: الاستكانة هي الخضوع. والتّضرع رفع اليدين والتّضرع بهما.]

 

و في مجمع البيان : وروي عن مقاتل بن حيّان، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: رفع الأيدي من الاستكانة.

 [قلت: وما الاستكانة؟]  قال: ألا تقرأ هذه الآية: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ!؟ أورده الثّعلبيّ والواحديّ في تفسيريهما.

و قال أبو عبد اللّه - عليه السّلام-: الاستكانة الدّعاء. والتّضرّع رفع اليدين  في الصّلاة.

حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ:

قيل : يعني الجوع، فإنّه أشدّ من الأسر والقتل.

و في مجمع البيان : وذلك حين دعا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عليهم، فقال:

اللّهم [اجعلها عليهم‏]  سنين كسني  يوسف. فجاعوا، حتّى أكلوا العلهز. وهو الوبر بالدّم.

و قال أبو جعفر : هو في الرّجعة.

و قيل : هو القتل يوم بدر.

و قيل : فتحنا عليهم بابا من عذاب جهنّم في الآخرة.

و قيل : ذلك حين فتح مكّة.

إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ : متحيّرون آيسون من كلّ خير، حتّى جاءك أعتاهم يستعطفك.وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ لتحسّوا بها ما نصب من الآيات وَالْأَفْئِدَةَ لتتفكّروا فيها، وتستدلّوا بها، إلى غير ذلك من المنافع الدّينيّة [و الدنيويّة] .

قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ : تشكرونها شكرا قليلا، لأنّ العمدة في شكرها استعمالها فيما خلقت لأجلها، والإذعان لمانحها من غير إشراك.

و «ما» صلة للتّأكيد.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: اعجبوا لهذا الإنسان ينظر بشحم، ويتكلّم بلحم، ويسمع بعظم، ويتنفّس من خرم.

وَ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ [خلقكم‏]  وبثّكم فيها بالتّناسل.

وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ : تجمعون يوم القيامة بعد تفرّقكم.

وَ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ومختصّ به تعاقبهما، لا يقدر عليه غيره. فيكون ردّا لنسبته إلى الشّمس حقيقة. أو: لأمره وقضائه تعاقبهما، أو انتقاص أحدهما وازدياد الآخر.

أَ فَلا تَعْقِلُونَ  بالنّظر والتّأمّل أنّ الكلّ منّا، وأنّ قدرتنا تعمّ الممكنات كلّها، وأنّ البعث من جملتها!؟

و قرئ  بالياء، على أنّ الخطاب السّابق لتغليب المؤمنين.