سورة المؤمنون‏ الآية 81-100

بَلْ قالُوا- أي: كفّار مكّة- مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ : آباؤهم ومن دان بدينهم. 

قالُوا أَ إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ  استبعادا. ولم يتأمّلوا أنّهم كانوا قبل ذلك أيضا ترابا فخلقوا.

لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ : إلّا أكاذيبهم الّتي كتبوها. جمع أسطورة، لأنّه يستعمل فيما يتلهّى به، كالأعاجيب والأضاحيك.

و قيل : جمع أسطار  جمع سطر.قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ : إن كنتم من أهل العلم، أو من العالمين بذلك.

فيكون استهانة بهم وتقريرا لفرط جبالتهم، حتّى جهلوا مثل هذا الجبلي الواضح.

و إلزاما بما لا يمكن لمن له مسكة من العلم إنكاره. ولذلك أخبر عن جوابهم قبل أن يجيبوا، فقال:

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ:

لأنّ العقل الصّريح قد اضطرّهم بأدنى نظر إلى الإقرار بأنّه خالقها.

قُلْ- أي بعد ما قالوه-: أَ فَلا تَذَكَّرُونَ  فتعلمون أنّ من قد فطر الأرض ومن فيها ابتداء، قدر على إيجادها ثانيا!؟ فإنّ بدء الخلق ليس أهون من إعادته.

و قرئ : «تتذكّرون» على الأصل.

قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ  فإنّها أعظم من ذلك.

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ:

قرأ  أبو عمرو ويعقوب بغير لام فيه وفيما بعده، على ما يقتضيه لفظ السّؤال.

قُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ  عقابه، فلا تشركوا به بعض مخلوقاته، ولا تنكروا قدرته على بعض مقدوراته!؟

قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ: ملكه غاية ما يمكن.

و قيل : خزائنه.

وَ هُوَ يُجِيرُ: يغيث من يشاء ويحرسه.

وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ: ولا يغاث عليه أحد، ولا يمنع منه.

و تعديته ب «على» لتضمين معنى النّصرة.

إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ .

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ : فمن أين تخدعون، فتصرفون عن الرّشد مع ظهور الأمر وتظاهر الأدلّة!؟

بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ من التّوحيد والوعد بالنّشور.وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ  حيث أنكروا ذلك.

مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ لتقدّسه عن مماثلة أحد.

وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ يساهمه في الألوهيّة.

إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ:

جواب محاجّتهم. وجزاء شرط حذف، لدلالة ما قبله عليه. أي: لو كان معه آلهة كما تقولون، لذهب كلّ واحد منهم بما خلقه، واستبدّ به، وامتاز ملكه من ملك الآخرين، ووقع بينهم التّحارب والتّغالب، كما هو حال ملوك الدّنيا. فلم يكن بيده وحده ملكوت كلّ شي‏ء. واللازم باطل بالإجماع والاستقراء. وقيام البرهان على استناد جميع الممكنات إلى واجب واحد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ ردّ اللّه- عزّ وجلّ- على الثّنويّة الّذين قالوا بإلهين. فقال: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ. قال: لو كانا  إلهين كما زعمتم، [لكانا يختلفان، فيخلق هذا ولا يخلق هذا، ويريد هذا ولا يريد هذا ويطلب‏]  لطلب كلّ واحد منهما العلوّ . وإذا شاء واحد أن يخلق إنسانا، شاء الآخر أن يخالفه فيخلق بهيمة، فيكون [الخلق منهما على مشيئتهما واختلاف إرادتها]  إنسانا وبهيمة في حالة واحدة. فهذا [من أعظم المحال‏]  غير موجود. وإذا بطل هذا، ولم يكن بينهما اختلاف، بطل الاثنان وكان واحدا . فهذا التّدبير واتّصاله وقوام بعضه ببعض، يدلّ على صانع واحد . وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ. [و قوله : لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا] .

و في كتاب التّوحيد  بإسناده إلى الفتح بن يزيد الجرجانيّ، عن أبي الحسن- عليه‏

 السّلام- حديث طويل، وفي آخره.

قلت: جعلت فداك، بقيت مسألة. قال: هات، للّه أبوك.

قلت: يعلم القديم ما لم يكن أن لو كان، كيف كان يكون؟ قال: ويحك، إنّ مسائلك لصعبة. أما سمعت اللّه يقول : لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا!؟ وقوله:

وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ. وقال - يحكي قول أهل النّار-: أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ، وقال : وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ. فقد علم الشّي‏ء الّذي لم يكن أن لو كان، كيف كان يكون.

سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ  من الولد والشّريك، لما سبق من الدّليل على فساده.

عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ:

خبر مبتدأ محذوف. وقد جرّه  ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وحفص على الصّفة. وهو دليل آخر على نفي الشّريك، بناء على توافقهم في أنّه المتفرّد بذلك.

و لهذا رتّب عليه: فَتَعالى اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ  بالفاء.

و في كتاب معاني الأخبار  بإسناده إلى ثعلبة بن ميمون، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ. فقال:

الغيب ما لم يكن. والشّهادة ما قد كان.

قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي: إن كان لا بدّ من أن ترينّي. لأنّ «ما» والنّون للتّأكيد.

ما يُوعَدُونَ  من العذاب في الدّنيا والآخرة.

و في مجمع البيان : وروى الحاكم أبو القاسم الحسكانيّ بإسناده عن أبي صالح، عن ابن عبّاس وجابر بن عبد اللّه، أنهما سمعا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول في حجّة الوداع- وهو بمنى-: لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض! وايم اللّه، لئن فعلتموها، لتعرفوني  في كتيبة يضاربونكم. قال: فغمز من خلفه منكبه الأيسر.فالتفت، فقال: أو عليّ. فنزل: قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي (الآيات).

و في شرح الآيات الباهرة  روي هذا الخبر عن محمّد بن العبّاس بأدنى تغيير.

 

رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ : قرينا لهم في العذاب.

و هو إمّا لهضم النّفس، أو لأنّ شؤم الظّلمة قد يحيق بمن وراءهم، كقوله : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً.

عن الحسن : انّ اللّه- تعالى- أخبر نبيّه أنّ له في أمّته نقمة، ولم يطلعه على وقتها. فأمره بهذا الدّعاء وتكرير النّداء.

و تصدير كلّ واحد من الشّرط والجزاء به، فضل تضرّع وجؤار.

وَ إِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ ، لكنّا نؤخّره علما بأنّ بعضهم أو بعض أعقابهم يؤمنون. أو: لأنّا لا نعذّبهم وأنت فيهم.

و لعلّه ردّ لإنكارهم الموعود واستعجالهم له استهزاء.

و قيل : قد أراه، وهو قتل بدر، أو فتح مكّة.

ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ:

و هو الصّفح عنها والإحسان في مقابلتها، لكن بحيث لم يؤدّ إلى وهن في الدّين.

و قيل : هي كلمة التّوحيد. و«السّيّئة» الشّرك.

و قيل : هو الأمر بالمعروف. و«السّيّئة» المنكر. وهو أبلغ من «ادفع بالحسنة السّيّئة» لما فيه من التّنصيص على التّفضيل.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: بعث أمير المؤمنين- عليه السّلام- إلى بشير  بن عطارد  التّيميّ  في كلام بلغه. فمرّ به رسول أمير المؤمنين- عليه السّلام- في بني أسد، وأخذه. فقام نعيم بن دجاجة الأسديّ‏فأفلته .

فبعث إليه أمير المؤمنين- عليه السّلام-، فأتوه به وأمر به أن يضرب. فقال له نعيم:

أما واللّه إنّ المقام معك لذلّ. وإنّ فراقك لكفر. قال: فلمّا سمع ذلك منه قال له: [يا نعيم‏]  قد عفونا عنك. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ. أمّا قولك: «إن المقام معك لذلّ»، فسيّئة اكتسبتها. وأمّا قولك: «و إن فراقك لكفر»، فحسنة اكتسبتها. فهذه بهذه اثم أمر أن يخلّى عنه.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه، عن حمّاد، بن عيسى، عن حريز، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ قال: الّتي هي أحسن، التّقيّة. فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ .

نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ ، أي: منك بما يصفونك- أو: بوصفهم إيّاك على خلاف حالك- وأقدر على جزائهم، فكلّ إلينا أمرهم.

وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ : وساوسهم.

و أصل الهمز: النّخس. ومنه: مهماز الرّائض. شبّه حثّهم النّاس على المعاصي، بهمز الرّاضة الدّوابّ على المشي. والجمع للمرّات، أو لتنوّع الوسوس، أو لتعدّد المضاف إليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ.

قال: ما يقع في قلبك من وسوسة الشّياطين.

وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ : يحوموا حولي في شي‏ء من الأحوال.

و تخصيص حال الصّلاة وقراءة القرآن وحلول الأجل، لأنّها أحرى الأحوال بأن يخاف عليه.

حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ:

متعلّق ب «يصفون». وما بينهما اعتراض، لتأكيد الإغضاء بالاستعاذة باللّه عن الشّيطان أن يزلّه عن الحلم، ويغريه على الانتقام. أو بقوله: إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ.

قالَ تحسّرا على ما فرط فيه من الإيمان والطّاعة، لمّا اطّلع على الأمر:

رَبِّ ارْجِعُونِ : ردّوني إلى الدّنيا.

و الواو لتعظيم المخاطب.

و قيل : لتكرير قوله «ارجعني»، كما قيل في قفا وأطرقا.

لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ: في الإيمان الّذي تركته. أي: لعلّي آتي بالإيمان وأعمل فيه.

و قيل : في المال، أو في الدّنيا.

و عنه - صلّى اللّه عليه وآله-: إذا عاين المؤمن الملائكة، قالوا: أ نرجعك إلى الدّنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان؟! بل قدوما إلى اللّه. وأمّا الكافر، فيقول: رَبِّ ارْجِعُونِ.

و في كتاب ثواب الأعمال : وذكر أحمد بن أبي عبد اللّه أنّ في رواية أبي بصير، قال:

 

سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: من منع الزّكاة، سأل الرّجعة عند الموت. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ.

و في الكافي : يونس، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من منع قيراطا من الزّكاة، فليس بمؤمن ولا مسلم. وهو قوله تعالى:

رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ.

كَلَّا:

ردع عن طلب الرّجعة، واستبعاد لها.

إِنَّها كَلِمَةٌ:

يعني قوله رَبِّ ارْجِعُونِ إلى آخره. والكلمة، الطّائفة من الكلام المنتظم  بعضها مع بعض.

هُوَ قائِلُها لا محالة، لتسلّط الحسرة عليه.و في من لا يحضره الفقيه ، في وصيّة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: يا عليّ، تارك الزّكاة يسأل الرّجعة إلى الدّنيا. وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ- حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (الآية).

و في أمالي الصّدوق - رحمه اللّه- عن الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام-: إذا مات الكافر، شيّعة سبعون ألفا من الزّبانية إلى قبره.

و أنّه ليناشد حامليه بصوت يسمعه كلّ شي‏ء إلّا الثّقلان، ويقول: لو أنّ لي كرّة فأكون من المؤمنين . ويقول: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ. فتجيبه الزّبانية:

كلّا إنّها كلمة أنت  قائلها.

و في مجمع البيان : وروى العيّاشي بإسناده عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ، قال: قلت لأبي الحسن الرّضا- عليه السّلام-: جعلت فداك، أ يعرف القديم- سبحانه- الشّي‏ء الّذي لم يكن، أن لو كان كيف كان يكون؟

قال: ويحك، إنّ مسألتك لصعبة. أما قرأت قوله- عزّ وجلّ- إلى قوله:- وقال- يحكي قول الأشقياء-: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها [و قال : وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ‏] . فقد علم الشّي‏ء الّذي لم يكن أن لو كان، كيف كان يكون.

وَ مِنْ وَرائِهِمْ: أمامهم- والضّمير للجماعة- بَرْزَخٌ: حائل بينهم وبين الرّجعة إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ : يوم القيامة.

و هو إقناط كلّيّ عن الرّجوع إلى الدّنيا، لما علم أنّه لا رجعة يوم البعث إلى الدّنيا، وإنّما الرّجوع فيه إلى حياة تكون في الآخرة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ‏. قال: البرزخ هو أمر بين أمرين. وهو الثّواب والعقاب بين الدّنيا والآخرة.

 [و هو ردّ على من أنكر عذاب القبر والثواب والعقاب قبل القيامة].  وهو

قول الصّادق- عليه السّلام-: «و اللّه ما أخاف عليكم إلّا البرزخ. وأمّا إذا صار الأمر إلينا، فنحن أولى بكم.

و قال عليّ بن الحسين - عليهما السّلام-: إنّ القبر إمّا روضة من رياض الجنّة، وإمّا حفرة من حفر النّار .

و فيه أيضا : وقوله: وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. فقال  الصادق- عليه السّلام-: البرزخ، القبر. وهو الثّواب والعقاب بين الدّنيا والآخرة. والدّليل على ذلك، قول العالم- عليه السّلام-: واللّه ما نخاف عليكم إلّا البرزخ.

و في كتاب الخصال  عن الزّهريّ قال: قال عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام-: أشدّ ساعات ابن آدم، ثلاث ساعات: السّاعة الّتي يعاين فيها ملك الموت، والسّاعة الّتي يقوم فيها من قبره، والسّاعة الّتي يقوم  فيها بين يدي اللّه، فإمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار.

ثمّ قال: إن نجوت- يا ابن آدم!- عند الموت، فأنت أنت، وإلّا هلكت. وإن نجوت- يا ابن آدم!- حين توضع في قبرك، فأنت أنت، وإلّا هلكت. وإن نجوت حين تحمل  على الصراط، فأنت أنت، وإلّا هلكت. وإن نجوت- يا ابن آدم!- حين تقوم  لربّ العالمين، فأنت أنت، وإلّا هلكت.

 

ثمّ تلا: وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. وقال: هو القبر، وإنّ لهم فيه لمعيشة ضنكا. واللّه، إنّ القبر لروضة من رياض الجنّة، أو حفرة من حفر النّار.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد، عن‏

 عبد الرّحمن بن حمّاد، عن عمر  بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّي سمعتك وأنت تقول: كلّ شيعتنا في الجنّة على ما كان فيهم. قال: صدقتك. كلّهم- واللّه!- في الجنّة.

قال: قلت: جعلت فداك، إنّ الذّنوب كثيرة كبار! فقال: أمّا في القيامة، فكلّكم في الجنّة، بشفاعة النّبيّ المطاع، أو وصيّ النّبيّ. ولكنّي واللّه أتخوّف عليكم في البرزخ.

 [قلت: وما البرزخ؟ فقال: القبر، منذ حين موته إلى يوم القيامة.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: سلكوا في بطون البرزخ‏]  سبيلا سلّطت الأرض عليهم فيه. فأكلت من لحومهم وشربت من دمائهم. فأصبحوا في فجوات  قبورهم جمادا لا ينمون ، وضمارا  لا يوجدون. لا يفزعهم ورود الأهوال. ولا يحزنهم تنكّر الأحوال.

و لا يحفلون  بالرّواجف ، ولا يأذنون  للقواصف . غيّبا لا ينتظرون وشهودا لا يحضرون.

و إنّما كانوا جميعا، فتشتّتوا، وآلافا  فافترقوا. وما عن طول عهدهم ولا بعد محلّهم عميت أخبارهم وصمّت ديارهم، ولكنّهم سقوا كأسا بدّلتهم بالنّطق خرسا، وبالسّمع صمما، وبالحركات سكونا.فكأنّهم في ارتجال الصّفة  صرعى سبات، جيران لا يتأنّسون ، وأحباء لا يتزاورون. بليت  بينهم عرى التّعارف. وانقطعت منهم أسباب الإخاء فكلّهم وحيد وهم جميع، وبجانب الهجر، وهم أخلّاء. لا يتعارفون لليل صباحا  ولا لنهار مساء. أيّ الجديدين  ظعنوا فيه، كان عليهم سرمدا.

شاهدوا من أخطار دارهم أفزع  ممّا خافوا. ورأوا من آياتها أعظم ممّا قدّروا. فكلتا الغايتين  مدّت لهم إلى مباءة ، فأتت مبالغ الخوف والرّجاء. فلو كانوا ينطقون بها لعيّوا  بصفة ما شاهدوا وما عاينوا.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن خالد بن عمارة، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إذا حيل بينه وبين الكلام، أتاه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ومن شاء اللّه . فجلس رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن يمينه، والآخر عن يساره. فيقول له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أمّا ما كنت ترجو، فهو ذا أمامك. وأمّا ما كنت تخاف منه، فقد أمنت منه.

ثمّ يفتح له باب إلى الجنّة. فيقول: هذا منزلك من الجنّة. فإن شئت رددناك إلى الدّنيا، ولك فيها ذهب وفضّة. فيقول: لا حاجة في الدّنيا.

فعند ذلك يبيضّ لونه ويرشح جبينه، وتقلّص شفتاه، وينتشر  منخراه، وتدمع عينه اليسرى. فأيّ هذه العاملات رأيت، فاكتف بها.

فإذا خرجت النّفس من الجسد، فيعرض عليها كما عرض عليه، وهي في الجسد، فتختار الآخرة. فيغسّله فيمن يغسّله [و يقلّبه فيمن يقلّبه‏] .فإذا أدرج في أكفانه، ووضع على سريره، خرجت روحه تمشي بين أيدي القوم قدما، وتلقّاه أرواح المؤمنين، يسلّمون عليه ويبشّرونه بما أعدّ اللّه له- جلّ ثناؤه- من النّعيم.

فإذا وضع في قبره، ردّ إليه الرّوح إلى وركيه. ثمّ يسال عمّا يعلم. فإذا جاء بما يعلم، فتح له ذلك الباب الّذي أراه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فيدخل عليه من نورها [وضوئها]  وبردها وطيب ريحها.

قال: قلت: جعلت فداك، فأين ضغطة القبر؟ فقال: هيهات، ما على المؤمنين [منها]  شي‏ء. واللّه إنّ هذه الأرض لتفخر على هذه، فتقول: وطئ على ظهري مؤمن، ولم يطأ على ظهرك مؤمن. وتقول له الأرض: واللّه لقد كنت أحبّك وأنت تمشي على ظهري. وأمّا إذا وليتك، فستعلم ما ذا أصنع بك. فيفسح له مدّ بصره.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبديّ، عن ابن أبي يعفور قال: كان خطّاب الجهنيّ خليطا لنا، وكان شديد النّصب لآل محمّد- صلوات اللّه عليهم. وكان يصحب نجدة الحروريّ .

قال: فدخلت عليه، أعوده للخلطة والتّقيّة. فإذا هو مغمى عليه في حدّ الموت، فسمعته يقول: ما لي ولك يا عليّ!؟ فأخبرت بذلك أبا عبد اللّه- عليه السّلام. فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: رآه، وربّ الكعبة! رآه، وربّ الكعبة!

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة قال: قلت: لأبي جعفر- عليه السّلام-: أ رأيت الميّت إذا مات، لم تجعل معه الجريدة؟

قال: يتجافى عنه العذاب والحساب، ما دام العود رطبا.

قال: والعذاب كلّه في يوم واحد، في ساعة واحدة، قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم.

و إنّما جعلت السّعفتان لذلك، فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفهما- إن شاء اللّه.

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرّحمن بن أبي هاشم، عن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما من موضع قبر، إلّا وهو ينطق كلّ يوم، ثلاث‏مرّات: أنا بيت التّراب، أنا بيت البلاء، أنا بيت الدّود.

قال: فإذا دخله عبد مؤمن، قال: مرحبا وأهلا! أما واللّه لقد كنت أحبّك، وأنت تمشي على ظهري. فكيف إذا دخلت بطني!؟ فسترى ذلك. قال: فيفسح له مدّ البصر، ويفتح له باب يرى مقعده من الجنّة.

قال: ويخرج من ذلك رجل، لم تر عيناه شيئا [قطّ]  أحسن منه. فيقول: يا عبد اللّه! ما رأيت شيئا قطّ أحسن منك. فيقول: أنا رأيك الحسن الّذي كنت عليه، وعملك الصّالح الّذي كنت تعمله.

قال: ثمّ تؤخذ روحه فتوضع في الجنّة، حيث رأى منزله. ثمّ يقال له: نم قرير العين! فلا تزال نفخة من الجنّة تصيب جسده  ويجد لذّتها وطيبها، حتّى يبعث.

قال: وإذا دخل الكافر، قال له: لا مرحبا بك ولا أهلا! أما واللّه لقد كنت أبغضك وأنت تمشي على ظهري. فكيف إذا دخلت بطني!؟ سترى ذلك.

قال: فيضمّ عليه فيجعله رميما، ويعاد  كما كان. ويفتح له باب إلى النّار، فيرى مقعده من النّار.

ثمّ قال: ثمّ إنّه يخرج منه رجل أقبح من رأى قطّ. قال: فيقول له: يا عبد اللّه! من أنت؟ ما رأيت شيئا أقبح منك! قال: فيقول: أنا عملك السّيّئ الّذين كنت تعمله، ورأيك الخبيث.

قال: ثمّ تؤخذ روحه فتوضع حيث رأى مقعده من النّار. ثمّ لم تزل نفخة من النّار تصيب جسده، فيجد ألمها وحرّها في جسده إلى يوم يبعث. ويسلّط اللّه على روحه تسعة وتسعين تنّينا تنهشه، ليس فيها تنّين ينفخ على وجه الأرض، فتنبت شيئا.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن عليّ، عن غالب بن عثمان، عن بشير الدّهّان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ للقبر كلاما في كلّ يوم. يقول:

أنا بيت الغربة! أنا بيت الوحشة! أنا بيت الدّود! أنا القبر! أنا روضة من رياض الجنّة، أو حفرة من حفر النّار !عليّ بن محمّد ، عن عليّ بن الحسن، عن حسين بن راشد، عن المرتجل  بن معمّر، عن ذريح المحاربيّ، عن عبادة الأسديّ عن حبّة العرنيّ، قال: خرجت مع أمير المؤمنين- عليه السّلام- إلى الظّهر . فوقف بوادي السّلام، كأنّه مخاطب لأقوام. فقمت بقيامه، حتّى أعييت. ثمّ جلست، حتّى مللت. ثمّ قمت، حتّى نالني مثل ما نالني أوّلا. ثمّ جلست، حتّى مللت.

ثمّ قمت وجمعت ردائي. فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّي قد أشفقت عليك من طول القيام، فراحة ساعة! ثمّ طرحت الرّداء ليجلس عليه. فقال لي: يا حبّة، إن هو إلّا محادثة مؤمن أو مؤانسته.

قال: قلت يا أمير المؤمنين، وإنّهم لكذلك!؟ قال: نعم. ولو كشف لك، لرأيتهم حلقا حلقا محتبين  يتحادثون.

فقلت: أجسام  أم أرواح؟ فقال: أرواح. وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض، إلّا قيل لروحه: الحقي بوادي السّلام. وإنّها لبقعة من جنّة عدن.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد عن الحسن بن عليّ، عن أحمد بن عمر، رفعه عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: إنّ أخي ببغداد، وأخاف أن يموت بها. فقال: ما تبالي حيث ما مات. أما إنّه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض وغربها، إلّا حشر اللّه روحه إلى وادي السّلام.

قلت له: وأين وادي السّلام؟ قال: ظهر الكوفة. أما إنّي كأنّي بهم حلق حلق، قعود يتحدّثون.

علي بن إبراهيم ، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد الحنّاط، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش! فقال: لا. المؤمن أكرم على اللّه من أن يجعل روحه في‏حوصلة طير، لكن في أبدان كأبدانهم.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن مثنّى الحنّاط، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ أرواح المؤمنين لفي شجرة من الجنّة، يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها.

و يقولون: ربّنا أقم السّاعة لنا وأنجز لنا ما وعدتنا والحق آخرنا بأوّلنا.

سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران، عن درست بن أبي منصور، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ الأرواح في صفة الأجساد، في شجرة في الجنّة، تتعارف وتتسائل . فإذا قدمت الرّوح على الأرواح، تقول: دعوها، فإنّها قد أقبلت  من هول عظيم. ثمّ يسألونها: ما فعل فلان؟ وما فعل فلان؟ فإن قالت لهم: «تركته حيّا» ارتجوه. وإن قالت لهم: «قد هلك» قالوا: قد هوى هوى.

علي بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، وعن محمّد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن أرواح المؤمنين. فقال:

في حجرات في الجنّة. يأكلون من طعامها. ويشربون من شرابها. ويقولون: ربّنا أقم لنا السّاعة. وأنجز لنا ما وعدتنا. والحق آخرنا بأوّلنا.

عليّ ، عن أبيه، عن محسن بن أحمد، عن محمّد بن حمّاد، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا مات الميّت، اجتمعوا عنده يسألونه عمّن مضى وعمّن بقي. فإن كان مات ولم يرد عليهم، قالوا: قد هوى هوى. ويقول بعضهم لبعض: دعوه، حتّى يسكن ممّا مرّ عليه من الموت.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد، عن القاسم بن‏

 محمّد، عن الحسين بن أحمد، عن يونس بن ظبيان قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقال: ما يقول النّاس في أرواح المؤمنين؟

فقلت: يقولون: تكون في حواصل طيور خضر، في قناديل تحت العرش. فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:

سبحان اللّه! المؤمن أكرم على اللّه من أن يجعل روحه في حوصلة طير. يا يونس! إذا كان ذلك، أتاه محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، والملائكة المقرّبون- عليهم السّلام. فإذا قبضه اللّه- عزّ وجلّ- صيّر تلك الرّوح في قالب كقالبه في الدّنيا. فيأكلون، ويشربون. فإذا قدم عليهم القادم، عرفوه بتلك الصّورة الّتي كانت في الدّنيا.

محمّد ، عن أحمد، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّا نتحدّث عن أرواح المؤمنين، أنّها في حواصل طيور خضر ترعى في الجنّة، وتأوي إلى قناديل تحت العرش. فقال: لا! إذن ما هي في حواصل طير.

قلت: فأين هي؟ قال: في روضة كهيئة الأجساد في الجنّة.

عليّ بن إبراهيم  عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمّد بن عثمان عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن أرواح المشركين. فقال: في النّار يعذّبون ويقولون: ربّنا لا تقم لنا السّاعة.

و لا تنجز لنا ما وعدتنا. ولا تلحق آخرنا بأوّلنا.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن مثنّى، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ أرواح الكفّار في نار جهنّم، يعرضون عليها يقولون: ربّنا لا تقم لنا السّاعة. ولا تنجز لنا ما وعدتنا. ولا تلحق آخرنا بأوّلنا.

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد، بإسناد له، قال: قال أمير المؤمنين- عليه‏

 

السّلام-: شرّ بئر في النّار برهوت، الّذي فيه أرواح الكفّار.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن القدّاح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: شرّ ماء على [وجه‏]  الأرض ماء برهوت. وهو الّذي بحضر موت. يرده  هام  الكفّار.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [عن آبائه، قال: قال امير المؤمنين- عليه السّلام-]  قال: إنّما يسال في قبره من محض الإيمان محضا والكفر  محضا. وما سوى ذلك، فيلهى عنه .

أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحجّال، عن ثعلبة، عن أبي بكر الحضرميّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لا يسال في القبر، إلّا من محض الإيمان محضا، أو محض الكفر محضا، والآخرون يلهون عنهم.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد [بن عيسى‏] ، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن بريد بن معاوية، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لا يسال في القبر إلّا من محض الإيمان محضا، أو محض الكفر محضا.عنه ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يسال وهو مضغوط.

عدّة من أصحابنا» عن أحمد بن محمّد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أ يفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال: فقال: نعوذ باللّه منها. ما أقلّ ما يفلت من ضغطة القبر!

و هذا الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن، عن عبد اللّه بن القاسم، عن أبي بكر الحضرميّ قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: أصلحك اللّه، من المسئولون في قبورهم؟ قال:

من محض الإيمان  ومن محض الكفر.

قال: قلت: فبقيّة هذا الخلق؟ قال: يلهى- واللّه- عنهم. ما يعبأ بهم.

قال: قلت: وعمّ يسألون؟ قال: عن الحجّة القائمة بين أظهركم. فيقال للمؤمن: ما تقول في فلان بن فلان؟ فيقول: ذلك إمامي. فيقال: نم! أنام اللّه عينيك . ويفتح له باب من الجنّة، فلا يزال يتحفه  من روحها إلى يوم القيامة.

و يقال للكافر: ما تقول في فلان بن فلان؟ قال: فيقول: سمعت به وما أدري ما هو. قال: فيقال له: لا دريت. قال: ويفتح له باب من النّار. فلا يزال يتحفه  من حرّها إلى يوم القيامة.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن ضريس الكناسيّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام-: أنّ النّاس يذكرون أنّ فراتنا يخرج من الجنّة.

فكيف، وهو يقبل من المغرب، وتصبّ فيه العيون والأودية!؟قال: فقال أبو جعفر- عليه السّلام- وأنا أسمع-: إنّ للّه جنّة خلقها اللّه في المغرب، وماء فراتكم يخرج منها. وإليها تخرج أرواح المؤمنين من حفرهم عند كلّ مساء، فتسقط على ثمارها، وتأكل منها وتتنعّم فيها، وتتلاقى وتتعارف. فإذا طلع الفجر، هاجت من الجنّة، فكانت في الهواء» فيما بين السّماء والأرض، تطير ذاهبة وجائية، وتعهد حفرها إذا طلعت الشّمس، وتتلاقى في الهواء وتتعارف.

قال: وإنّ اللّه نارا في المشرق، خلقها ليسكنها أرواح الكفّار. ويأكلون من زقّومها.

و يشربون من حميمها ليلهم. فإذا طلع الفجر، هاجت إلى واد باليمن، يقال له: برهوت، أشد حرّا من نيران الدّنيا. كانوا فيه يتلاقون ويتعارفون. فإذا كان المساء، عادوا إلى النّار، فهم كذلك إلى يوم القيامة.

قال: قلت: أصلحك اللّه، فما حال الموحّدين المقرّين بنبوّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- من المسلمين المذنبين الّذين يموتون، وليس لهم إمام، ولا يعرفون ولايتكم؟

فقال: أمّا هؤلاء، فإنّهم في حفرهم  لا يخرجون منها. فمن كان منهم له عمل صالح، ولم يظهر منه عداوة، فإنّه يخدّ له خدّ إلى الجنّة الّتي خلقها اللّه في المغرب، فيدخل عليه منها الرّوح في حفرته إلى يوم القيامة. فيلقى اللّه، فيحاسبه بحسناته وسيّئاته، فإمّا إلى النّار، وإمّا إلى الجنّة. فهؤلاء موقوفون لأمر اللّه.

قال: وكذلك يفعل بالمستضعفين، والبله، والأطفال، وأولاد المسلمين الّذين لم يبلغوا الحلم.

فأمّا النّصّاب من أهل القبلة، فإنّهم يخدّ لهم خدّ إلى النّار الّتي خلقها اللّه- عزّ وجلّ- في المشرق. فيدخل عليهم منها اللّهب والشّرر والدّخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة. ثمّ مصيرهم إلى الحميم. ثمّ في النّار يسجرون. ثمّ قيل لهم: أينما كنتم تدعون من دون اللّه !؟ أين إمامكم الّذي اتّخذتموه دون الإمام الّذي جعله اللّه للنّاس إماما!؟