سورة براءة الآية 1-20

سورة براءة المشهور، أنّها مدنية.

و قيل : إلّا آيتين من قوله- تعالى-: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ. وهي آخر ما نزلت.

قيل: ولها أسماء اخر: التّوبة، والمقشقشة، والبحوث، والمبعثرة، والمنقرة، والمثيرة، والحافرة، والمخزية ، والفاضحة، والمنكلة، والمشردة، والمدمدمة، وسورة العذاب. لما فيها من التّوبة [للمؤمنين‏] ،: والقشقشة من النّفاق وهي التبري منه، والبحث عن حال المنافقين وإثارتها، والحفر  عنها، وما يخزيهم، ويفضحهم، وينكّلهم، ويشرّدهم، ويدمدم عليهم.

و آيها قيل: مائة وثلاثون. وقيل: تسع وعشرون.

و إنّما تركت التّسمية فيها، إمّا لأنّها نزلت للأمان والرّحمة ونزلت براءة لدفع الأمان والسّيف، وإمّا لأنّ الأنفال وبراءة واحدة.

ففي مجمع البيان : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: لم ينزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ على رأس سورة براءة. لأنّ بِسْمِ اللَّهِ للأمان والرّحمة، ونزلت براءة لدفع الأمان بالسّيف .و فيه ، في تفسير العيّاشي : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال: الأنفال والبراءة واحدة.

ترك البسملة في أوّلها قراءة وكتابة.

و يمكن الجمع بين الخبرين، بأنّها سورة واحدة. ولذا لم يكتب بِسْمِ اللَّهِ على رأس براءة، لكن لمّا كان إفرادها للبعث بمكّة بمنزلة جعلها سورة ورسالة توهّم استحباب تصديرها بها، كما هو المتعارف في المكتوبات والرّسائل، دفع- عليه السّلام- هذا الوهم بقوله: لأنّ بِسْمِ اللَّهِ للأمان والرّحمة، ونزلت سورة براءة لدفع الأمان والسّيف. ويؤيّد كونها واحدة،

ما روي في أوّل الأنفال من كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة الأنفال وسورة البراءة في كلّ شهر، لم يدخله نفاق ابدا وكان من شيعة أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في تفسير العيّاشي ، مثله. إلّا أنّه زاد قوله- عليه السّلام-: حقّا وأكل  يوم القيامة من موائد الجنة مع شيعة عليّ  حتّى يفرغ النّاس من الحساب.

و ما في مجمع البيان : عن أبي بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: من قرأ الأنفال وبراءة، فأنا شفيع له وشاهد يوم القيامة أنّه بري‏ء من النّفاق، واعطي من الأجر بعدد كلّ منافق ومنافقة في دار الدّنيا عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات، وكان العرش وحملته يصلّون عليه أيّام حياته في الدّنيا.

فإن جعل الثواب المذكور على قراءة المجموع، يدلّ ظاهرا على أنهما واحد، خصوصا الحديث الأخير المحذوف فيه لفظ السّورة عن البراءة.

بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، أي: هذه براءة.

و «من» ابتدائية متعلّقة بمحذوف، تقديره: واصلة من اللَّه ورسوله.

و يجوز أن يكون «براءة» مبتدأ لتخصّصها بصفتها، والخبر إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .و قرئ، بنصبها، على تقدير: اسمعوا براءة.

و المعنى: أنّ اللَّه ورسوله بريئان من العهد الّذي عاهدتم به المشركين.

و في مجمع البيان : إذا قيل: كيف يجوز أن ينقض النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- ذلك العهد؟

فأقول فيه: إنه يجوز أن ينقض- صلّى اللَّه عليه وآله- ذلك على ثلاثة أوجه: إمّا  أن يكون العهد مشروطا، بأن يبقى إلى أن يرفعه اللَّه- تعالى- بوحي. وإمّا أن يكون قد ظهر من المشركين خيانة وإما أن يكون مؤجّلا إلى مدّة.

و قد وردت الرّواية، بأنّ النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- شرط عليهم ما ذكرناه.

و روي- أيضا-: أنّ المشركين كانوا قد نقضوا العهد وهمّوا بذلك، فأمره اللَّه- سبحانه- أن ينقض عهدهم. (انتهى).

و أمهل المشركين أربعة أشهر يسيروا أين شاءوا، فقال: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ: خطاب للمشركين. أمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر آمنين أين شاءوا لا يتعرض لهم، ثمّ يقتلون حيث وجدوا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

قال: حدثني أبي، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- من غزوة تبوك في سنة تسع  من الهجرة.

قال: وكان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا فتح مكّة، لم يمنع المشركين الحجّ في تلك السّنة. وكان سنّة من العرب في الحجّ أنه من دخل مكة وطاف بالبيت في ثيابه، لم يخل له إمساكها. وكانوا يتصدّقون بها، ولا يلبسونها بعد الطّواف. وكان من وافى مكّة، يستعير ثوبا ويطوف فيه ثمّ يرده. ومن لم يجد عارية، اكترى ثيابا. ومن لم يجد عارية ولا كراء ولم يكن له إلّا ثوب واحد، طاف بالبيت عريانا. فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة، وطلبت ثوبا عارية أو كراء فلم تجده.

فقالوا لها: إن طفت في ثيابك، احتجت أن تتصدقي بها.

فقالت: أتصدّق!؟ وكيف أتصدّق بها وليس لي غيرها؟! فطافت بالبيت عريانة. وأشرف عليها النّاس. فوضعت إحدى يديها على قبلها والأخرى على دبرها وقالت:

         اليوم يبدو بعضه أو كلّه             فما بدا منه فلا أحلّه‏

 فلمّا فرغت من الطّواف، خطبها جماعة.

فقالت: إنّ لي زوجا.

و كانت سيرة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قبل نزول سورة براءة أن لا يقاتل إلّا من قاتله، ولا يحارب إلّا من حاربه وأراده. وقد كان نزل عليه في ذلك من اللّه- عزّ وجلّ- فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا . فكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه واعتزله حتّى نزلت عليه سورة براءة، وأمره [اللّه‏]  بقتل المشركين من اعتزله ومن لم يعتزله، إلّا الّذين قد كان عاهدهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يوم فتح مكّة إلى مدّة. منهم صفوان بن أميّة، وسهيل بن عمرو. فقال اللّه- عزّ وجلّ-: «براءة من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر» ثمّ يقتلون حيث ما وجدوا. فهذه أشهر السّياحة، عشرون من ذي الحجّة الحرام والمحرّم وصفر وربيع الأوّل، وعشر  من ربيع الآخر.

فلمّا نزلت الآيات من أوّل براءة، دفعها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى أبي بكر، وأمره أن يخرج إلى مكّة ويقرأها على النّاس بمنى  يوم النّحر.

فلمّا خرج أبو بكر، نزل جبرئيل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال:

يا محمّد، لا يؤذي عنك إلّا رجل منك.

فبعث رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أمير المؤمنين- عليه السّلام- في طلبه. فلحقه بالروحاء، فأخذ منه الآيات.

فرجع أبو بكر إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللّه، أنزل فيّ‏شي‏ء؟

فقال: لا، إنّ اللّه أمرني أن لا يؤدي عني إلّا أنا أو رجل مني.

و أمّا ما رواه العيّاشيّ : عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لا، واللَّه، ما بعث رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أبا بكر ببراءة. أ هو كان يبعث بها [معه‏]  ثمّ يأخذها منه؟ ولكنّه استعمله على الموسم، وبعث بها عليا- عليه السّلام- بعد ما فصل أبو بكر عن الموسم. فقال لعليّ- عليه السّلام- حين بعثه اللّه : إنّه لا يؤدي عني إلّا أنا أو أنت»

فمخالف لما روي سابقا. وما روي في هذا الباب محمول على التّقية، لأنّه وافق لما رواه العامّة في هذا الباب.

و في تفسير العيّاشي : عن حريز، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم، ليقرأها على النّاس.

فنزل جبرئيل- عليه السّلام- فقال: لا يبلّغ عنك إلّا عليّ.

فدعا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عليا- عليه السّلام- فأمره أن يركب فاقته  العضباء، وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة ويقرأه على النّاس بمكّة.

فقال أبو بكر: أ سخطة؟

فقال: لا، إلّا أنه أنزل عليه: أن لا يبلّغ إلّا رجل منك.

فلما قدم عليّ- عليه السّلام- مكّة، وكان يوم النّحر بعد الظّهر- وهو يوم الحجّ الأكبر- قام ثمّ قال: إني رسول [رسول اللَّه‏]  إليكم. فقرأها عليهم: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عشرين  من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأول، وعشرا  من شهر بيع الآخر.

و قال: لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك، إلّا من كان له عهد عند رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فمدّته  إلى هذه الأربعة أشهر.و في خبر محمد بن مسلم : فقال: يا عليّ، هل نزل في شي‏ء منذ فارقت  رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-؟

قال: لا، ولكن أبي اللَّه أن يبلّغ عن محمّد إلّا رجل منه.

فوافى  الموسم، فبلّغ عن اللَّه وعن رسوله بعرفة والمزدلفة ويوم النّحر عند الجمار وفي أيّام  التشريق كلّها ينادي: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ولا يطوفنّ بالبيت عريان.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - أيضا- قال: وحدثني أبي، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أمرني [أن أبلّغ‏]  عن اللَّه، أن لا يطوف بالبيت عريان ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام. وقرأ عليهم: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فأجل اللَّه المشركين الّذين حجّوا تلك السّنة أربعة أشهر حتّى يرجعوا  إلى مأمنهم، ثم يقتلون حيث وجدوا.

و في مجمع البيان : وروى أصحابنا، أنّ النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- ولّى عليّا الموسم. وأنه حين أخذ براءة من أبي بكر، رجع أبو بكر.

و روى عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: خطب عليّ- عليه السّلام- [الناس‏]  واخترط سيفه، فقال: لا يطوفنّ بالبيت عريان، ولا يحجّن البيت مشرك. ومن كانت له مدة، فهو إلى مدّته. ومن لم تكن له مدّة، فمدّته أربعة أشهر. وكان خطب يوم النّحر، فكان عشرون من ذي الحجّة ومحرم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من شهر ربيع الآخر.

و روي أنّه- عليه السّلام- قام عند جمرة العقبة وقال: أيّها الناس، إني رسول اللَّه إليكم بأن لا يدخل البيت كافر ولا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. ومن‏كان له عهد عند رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-، فله عهده إلى أربعة أشهر. ومن لا عهد له، فله [مدّة]  بقية الأشهر الحرم. وقرأ عليهم براءة.

و قيل: قرأ عليهم ثلاث عشرة آية من أوّل براءة.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، [عن أحمد بن محمّد] ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الحسين بن خالد قال: قلت لأبي الحسن- عليه السّلام-: لأيّ شي‏ء صار الحاج لا يكتب عليه الذّنب أربعة أشهر؟

قال: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أباح المشركين الحرم في أربعة أشهر، إذ يقول: فَسِيحُوا (فِي الْأَرْضِ) أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أثمّ وهب لمن يحجّ من المؤمنين البيت الذّنوب أربعة أشهر.

عليّ بن إبراهيم ، بإسناده قال: أشهر الحجّ، شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة. وأشهر السّياحة، عشرون من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من ربيع الآخر.

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب عن سعد الإسكاف قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: انّ الحاج إذا أخذ في جهازه- إلى قوله-: وكان ذا الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأول [أربعة]  أشهر تكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السّيئات، إلّا أن يأتي بموجبه. فإذا مضت الأربعة أشهر، خلط بالناس.

و في تفسير العيّاشيّ : جعفر بن أحمد، عن عليّ بن محمّد بن شجاع قال: روى أصحابنا [قيل‏]  لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: لم  صار الحاجّ لا يكتب عليه ذنب أربعة أشهر؟

قال: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أمر المشركين، فقال: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ولم يكن يقصر بوفده عن ذلك.عن زرارة  وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه- عليهما السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.

قال: عشرون من ذي الحجّة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأوّل، وعشر من شهر ربيع الآخر.

و عن داود بن سرحان ، عن الصّادق- عليه السّلام-: كان الفتح في سنة ثمان، وبراءة في سنة تسع، وحجّة الوداع في سنة عشر.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى جميع بن عمّار قال: صليت في المسجد الجامع، فرأيت ابن عمر جالسا. فجلست إليه، فقلت: حدثني عن عليّ- عليه السّلام-.

فقال: بعث رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أبا بكر ببراءة. فلمّا أتى بها ذا الحليفة، اتبعه عليّ- عليه السّلام- فأخذها منه.

فقال أبو بكر: يا عليّ، مالي، أنزل فيّ شي‏ء؟ قال: لا، ولكن [رسول اللَّه قال:]  لا يؤدي عني إلّا [أنا أو رجل‏]  من أهل بيتي.

قال: فرجع إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللَّه، أنزل فيّ شي‏ء؟

قال: لا، ولكن لا يؤدي عني إلّا أنا أو رجل من أهل بيتي.

قال كثير: قلت لجميع: أتشهد على ابن عمر بهذا هذا.

قال: نعم- ثلاثا-.

و بإسناده  إلى ابن عباس: أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بعث أبا بكر ببراءة، ثمّ اتبعه عليا- عليه السّلام- فأخذها منه.

فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه، خيف فيّ شي‏ء؟

قال: لا، إلّا أنه لا يؤدي عني إلّا أنا أو عليّ.

و كان الّذي بعث به عليّ- عليه السّلام-: لا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة ، ولا

يحجّ بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. ومن كان بينه وبين رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عهد، فهو إلى مدّته.

و بإسناده  إلى الحارث بن مالك قال: خرجت إلى مكة، فلقيت سعد بن مالك. فقلت له: هل سمعت لعلي- عليه السّلام- منقبة؟

قال: قد شهدت له أربع، لئن تكون لي إحداهنّ أحبّ إليّ من الدّنيا أعمر فيها عمر نوح- عليه السّلام- أحدها، أن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش، فسار بها يوما وليلة. ثمّ قال لعلي: اتبع أبا بكر فبلّغها.

و ردّ أبا بكر، فقال: يا رسول اللَّه، أنزل فيّ شي‏ء؟

قال: لا، إلّا أنّه لا يبلغ عني إلّا أنا أو رجل مني.

و بإسناده  إلى أنس بن مالك، أنّ النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- بعث ببراءة إلى أهل مكة مع أبي بكر. فبعث عليا- عليه السّلام- وقال: لا يبلّغها إلّا رجل من أهل بيتي.

و في كتاب الخصال : عن الحارث بن ثعلبة قال: قلت لسعد : أشهدت شيئا من مناقب عليّ- عليه السّلام-؟

قال: نعم، شهدت له أربع مناقب والخامسة شهدتها. لئن يكون لي منهنّ واحدة، أحبّ إليّ من حمر النّعم. بعث رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أبا بكر ببراءة، ثمّ أرسل عليا- عليه السّلام- فأخذها منه.

فرجع أبو بكر، فقال: يا رسول اللَّه، أنزل فيّ شي‏ء؟

قال: لا، إلّا أنه لا يبلغ عني إلّا رجل مني.

و في احتجاج عليّ - عليه السّلام- يوم الشورى على النّاس، قال: نشدتكم باللّه، هل فيكم أحد أمر اللَّه- عزّ وجلّ- رسوله أن يبعث ببراءة بها مع أبي بكر، فأتاه جبرائيل- عليه السّلام- فقال: يا محمّد، إنّه لا يؤدي عنك إلّا أنت أو رجل منك. فبعثني رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فأخذتها من أبي بكر. فمضيت بها فأدّيتها عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فأثبت اللَّه على لسان رسول اللَّه أني منه، غيري؟قالوا: [اللهمّ‏]  لا.

و في مناقب أمير المؤمنين - عليه السّلام- وتعدادها، قال- عليه السّلام-: وأمّا الخمسون، فإنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بعث ببراءة مع أبي بكر. فلمّا مضى، أتى جبرائيل- عليه السّلام- فقال: يا محمّد، لا يؤدي عنك إلّا أنت أو رجل منك. فوجّهني على ناقته العضباء، فلحقته بذي الحليفة، فأخذتها منه. فخصّني اللَّه بذلك.

عن جابر الجعفيّ ، عن أبي جعفر، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- وقد سأله رأس اليهود: ولم تمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء وبعد وفاتهم؟

قال: يا أخا اليهود، إنّ اللَّه- تعالى- امتحنني في حياة نبيّنا- صلّى اللَّه عليه وآله- في سبعة مواطن. فوجدني فيها- من غير تزكية لنفسي بنعمة اللَّه- له مطيعا.

قال: فيم وفيم، يا أمير المؤمنين؟

قال: أمّا أوّلهنّ- إلى أن قال-: وأما السّابعة- يا أخا اليهود- فإن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا توجّه لفتح مكّة، أحبّ أن يعذر إليهم ويدعوهم إلى اللَّه آخرا ، كما دعاهم أولا. فكتب إليهم كتابا يحذرهم فيه، وينذرهم عذاب ربّهم، ويعدهم الصفح، [يمنّيهم مغفرة ربّهم‏] . ونسخ لهم في آخره سورة براءة، لتقرأ عليهم. ثمّ عرض على جميع أصحابه المضيّ إليهم فكلّ منهم يرى التّثاقل فيه. فلمّا رأى ذلك، ندب منهم رجلا فوجهه به.

فأتاه جبرائيل- عليه السّلام- فقال: يا محمّد، إنّه لا يؤدي عنك إلّا أنت أو رجل منك.

فأنبأني رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بذلك، ووجهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكّة. فأتيت مكّة، وأهلها من قدم عرفتم، ليس منهم أحد إلّا ولو قدر أن يضع على كلّ جبل مني إربا لفعل ولو أن يبذل في ذلك نفسه وماله وأهله وولده. فبلّغتهم رسالة النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- وقرأت عليهم كتابه. فكلّ تلقاني بالتّهديد  والوعيد، ويبدي لي‏البغضاء، ويظهر لي الشّحناء، من رجالهم ونسائهم. فكان مني في ذلك ما قد رأيتم. ثمّ التفت إلى أصحابه، فقال: أليس كذلك؟

فقالوا: بلى، يا أمير المؤمنين.

وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ: لا تفوتونه وإن أمهلكم.

وَ أَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ : بالأسر والقتل في الدّنيا، والعذاب في الآخرة.

وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ، أي: إيذان وإعلام. فعال، بمعنى:

الإفعال، كالأمان والعطاء، بمعنى: الإيمان والإعطاء. ورفعه، كرفع براءة على الوجهين.

يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.

قيل : يوم العيد. لأنّ فيه تمام الحج ومعظم أفعاله، ولأنّ الإعلام كان فيه.

و لما

نقل: أنه- عليه السّلام- وقف يوم النّحر عند الجمرات في حجّة الوداع فقال: هذا يوم الحجّ الأكبر.

و قيل: يوم عرفة،

لقوله- عليه السّلام-: الحج عرفة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: يوم الحجّ الأكبر، يوم النّحر. قال: ولو كان [الحج الأكبر]  يوم عرفة، لكان أربعة أشهر ويوما.

و قيل : وصف الحجّ بالأكبر. لأنّ العمرة تسمّى بالحجّ الأصغر، أو لأن المراد بالحجّ: ما يقع في ذلك اليوم من أعماله، فإنّه أكبر من باقي الأعمال، أو لأنّ ذلك الحجّ اجتمع فيه المسلمون والمشركون ووافق عيده أعياد أهل الكتاب، أو لأنّه ظهر فيه عزّ المسلمين وذلّ الكافرين .

و سيأتي بعض تلك الوجوه في الأخبار.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن فضالة بن أيّوب، عن أبان بن عثمان، عن حكيم بن جبير، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- في قوله:وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

قال: «الأذان» أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في حديث آخر: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: كنت أنا الأذان في النّاس.

و في أمالي شيخ الطائفة - قدس سرّه-، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال: قال أبي: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام- في كلام طويل: أنت الّذي أنزل اللَّه فيه وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.

و في شرح الآيات الباهرة : روي الحسن الدّيلميّ، بإسناده عن رجاله إلى عبد اللَّه بن سنان قال: قال الصادق- عليه السّلام-: إنّ لأمير المؤمنين- عليه السّلام- أسماء لا يعلمها إلّا العالمون، وأنّ منها «الأذان» من اللَّه ورسوله. وهو الأذان.

و في كتاب الخصال ، في احتجاج عليّ- عليه السّلام- على أبي بكر قال: فأنشدك باللّه، أنا الأذان من اللَّه ورسوله لأهل الموسم ولجميع الأمّة بسورة براءة أم أنت؟

قال: بل أنت.

و في كتاب معاني الأخبار ، خطبة لعليّ- عليه السّلام- يذكر فيها نعم اللَّه- عزّ وجلّ-. وفيها يقول- عليه السّلام-: ألا وإني مخصوص في القرآن بأسماء، احذروا أن تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم. أنا المؤذّن في الدّنيا والآخرة. قال اللَّه- تعالى-: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ . أنا ذلك المؤذن. وقال: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ]  وأنا ذلك الأذان.

حدّثنا  محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رضي اللَّه عنه- قال: حدثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عليّ بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن الحارث بن المغيرة النضري، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.

فقال: اسم نحله اللَّه- عزّ وجلّ- عليا- عليه السّلام- من السّماء، لأنّه هو الذي‏أدّى عن رسوله براءة. وقد كان بعث بها مع أبي بكر أوّلا، فنزل عليه جبرئيل- عليه السّلام- فقال: يا محمّد، إنّ اللَّه يقول لك: لا يبلّغ عنك إلّا أنت أو رجل منك. فبعث رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عند ذلك عليا- عليه السّلام- فلحق أبا بكر وأخذ الصّحيفة من يده، ومضى بها إلى مكة. فسمّاه اللَّه- تعالى-: وأذان من اللَّه. إنّه اسم نحله اللَّه- تعالى- من السّماء لعليّ- عليه السّلام-.

و في عيون الأخبار ، بإسناده: عن الرّضا- عليه السّلام-، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: وقال- عزّ وجلّ-: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. [فكنت أنت المبلغ عن اللَّه وعن رسوله.

في كتاب علل الشّرائع بإسناده إلى حفص بن غياث النخعي القاضي قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ].

فقال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: كنت أنا الأذان في الناس.

قلت: فما معنى هذه اللّفظة «الحجّ الأكبر»؟

قال: إنّما سمي «الأكبر» لأنها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السّنة.

و في تفسير العيّاشي : عن جابر، عن جعفر بن محمّد وأبي جعفر- عليهما السلام- في قول اللَّه: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.

قال: خروج القائم. و«أذان» دعوته إلى نفسه.

عن حريز ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال في الأذان: هو اسم في كتاب اللَّه، لا يعلم ذلك أحد غيري.

عن عبد الرّحمن ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: «يوم الحج الأكبر» يوم النحر. و«الحجّ الأصغر» العمرة.

و في رواية ابن سرحان ، عنه- عليه السّلام- قال: «الحجّ الأكبر» يوم عرفة،و الجمع، ورمى الجمار بمنى. و«الحجّ الأصغر» بمعنى العمرة.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا أبي- رحمه اللَّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللَّه، عن القاسم بن محمّد الإصبهانيّ، عن سليمان بن داود المنقري، عن فضيل بن عيّاض ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الحجّ [الأكبر] .

فقال: أ عندك فيه شي‏ء؟

فقلت: نعم.

كان ابن عبّاس يقول: «الحجّ الأكبر» يوم عرفة، يعني: أنه من أدرك يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النّحر، فقد أدرك الحجّ. ومن فاته ذلك، فاته الحجّ. فجعل ليلة عرفة لما قبلها ولما بعدها. والدّليل على ذلك أنّ من أدرك ليلة النّحر إلى طلوع الفجر، فقد أدرك الحجّ وأجزأ عنه من عرفة.

فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: قال أمير المؤمنين: الحج الأكبر يوم النحر.

و احتجّ بقول اللَّه- عزّ وجلّ-: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. فهي عشرون من ذي الحجة والمحرّم وصفر وربيع الأوّل، وعشر من شهر ربيع الآخر. ولو كان الحجّ الأكبر يوم عرفة، لكان [السّيح‏]  أربعة أشهر ويوما. واحتجّ بقول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وكنت أنا الأذان في النّاس.

فقلت له: فما معنى هذه اللّفظة «الحجّ الأكبر»؟

فقال: إنّما سمي «الأكبر» لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السّنة.

أبي - رحمه اللَّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللَّه، عن يعقوب بن يزيد، عن صفوان بن يحيى، عن ذريح المحاربيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: «الحجّ الأكبر» يوم النّحر.

حدّثنا  محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال: حدثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه‏- عليه السّلام- عن يوم الحجّ الأكبر.

فقال: هو يوم النّحر. و«الأصغر» العمرة.

أبي - رحمه اللَّه- قال: حدثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: «الحجّ الأكبر» يوم الأضحى.

 [حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رحمه اللَّه- قال:]  حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن محمّد بن عيسى، عن عبيد، عن النضر بن سويد، عن عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-، مثل ذلك.

 

أبي - رحمه اللَّه- قال: حدثنا عبد اللَّه بن جعفر الحميريّ، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه عليّ بن الحسين، عن حمّاد بن عيسى، عن شعيب، عن أبي بصير والنضر، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: «الحجّ الأكبر» يوم الأضحى.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن يوم الحجّ الأكبر.

فقال: هو يوم النّحر. و«الأصغر» العمرة.

أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن ذريح، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: « [الحجّ‏]  الأكبر» يوم النّحر.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة قال: كتبت إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- بمسائل، إلى قوله: وسألته عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: «الحجّ الأكبر»، ما يعني ب «الحج الأكبر»؟

فقال: «الحجّ الأكبر» الوقوف بعرفة، ورمي الجمار. و«الحجّ الأصغر» العمرة.

أَنَّ اللَّهَ، أي: بأنّ اللَّه.

بَرِي‏ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، أي: من عهودهم.

وَ رَسُولِهِ: عطف على المستكنّ في «بري‏ء». أو على محل «أن» واسمها في‏قراءة من كسرها، إجراء للأذن مجرى القول.

و قرئ، بالنصب، عطفا على اسم «أنّ». أو لأنّ الواو بمعنى: مع. ولا تكرير فيه، فإن قوله: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إخبار بثبوت البراءة وهذه إخبار بوجوب الإعلام. ولذلك علّقه بالنّاس، ولم يخصّه بالمعاهدين.

و في مجمع البيان : قال: وقد روى عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديثا طويلا. روي أنّه لمّا نادى فيهم: أَنَّ اللَّهَ بَرِي‏ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [أي: كلّ مشرك‏] .

قال المشركون: نحن نتبرأ  من عهدك وعهد ابن عمّك.

فَإِنْ تُبْتُمْ: من الكفر والغدر.

فَهُوَ: فالتّوب.

خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ: عن التوبة. أو ثبتم  على التّولي عن الإسلام والوفاء.

فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ: لا تفوتونه طلبا، ولا تعجزونه هربا في الدّنيا.

وَ بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ : في الآخرة.

إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: استثناء من المشركين. أو استدراك، فكأنه قيل لهم بعد أن أمروا بنبذ العهد إلى النّاكثين: ولكنّ الّذين عاهدوا منهم.

ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً: من شروط العهد، ولم ينكثوه. أو لم يقتلوا منكم، ولم يضروكم قطّ.

وَ لَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً: من أعدائكم.

فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ: إلى تمام مدّتهم. ولا تجروهم مجرى النّاكثين، ولا تجعلوا الوفيّ مجرى الغادر.

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ : تعليل وتنبيه على إتمام عهدهم، من باب التقوى.

فَإِذَا انْسَلَخَ: انقضى. وأصل الانسلاخ: خروج الشي‏ء ممّن لابسه. من‏سلخ الشّاة.

الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ: الّتي أبيح للنّاكثين أن يسيحوا فيها.

و في تفسير العيّاشيّ : عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: هي يوم النحر إلى عشر مضين من شهر ربيع الآخر.

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ: النّاكثين.

حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ: من حلّ وحرم.

وَ خُذُوهُمْ: وأسروهم. والأخيذ: الأسير.

وَ احْصُرُوهُمْ: واحبسوهم، وحيلوا بينهم وبين المسجد الحرام.

وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ: كلّ ممّر ومرصد يرصدونهم، لئلّا يتبسّطوا في البلاد.

فَإِنْ تابُوا: عن الشّرك بالإيمان.

وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ: تصديقا لتوبتهم وإيمانهم.

فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ: فدعوهم، ولا تتعرّضوا لهم بشي‏ء.

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : تعليل للأمر، أي: فخلوهم، لأنّ اللَّه غفور رحيم، غفر لهم ما سلف ووعد لهم الثّواب بالتّوبة.

و في كتاب الخصال : عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث طويل. وفيه: «منها أربعة حرم» رجب نص الّذي بين جمادى وشعبان، وذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم.

و عن محمّد بن أبي عمير ، حديث يرفعه إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-. وفيه: «منها أربعة حرم» عشرون من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأول، وعشر من ربيع الآخر.

و في تهذيب الأحكام : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سأل رجل أبي عن حروب أمير المؤمنين- عليه السّلام-. وكان السّائل من محبينا.

فقال له أبي: إنّ اللَّه- تعالى- بعث محمّدا- صلّى اللَّه عليه وآله- بخمسة أسياف،ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن تضع الحرب أوزارها، ولن تضع الحرب أوزارها حتّى تطلع الشّمس من مغربها. فإذا طلعت الشّمس من مغربها، آمن النّاس كلّهم في ذلك اليوم. فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في إيمانها خيرا.

 [و سيف منها مكفوف‏]  وسيف منها مغمد سلّه إلى غيرنا وحكمه إلينا.

فأمّا السيوف الثّلاثة الشّاهرة، فسيف على مشركي العرب. قال اللَّه- تبارك وتعالى-: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا، يعني: فإن آمنوا [وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ]  فإخوانكم في الدّين فهؤلاء لا يقبل منهم إلّا القتل، أو الدّخول في الإسلام. [و أموالهم و]  ذراريّهم [تسبى على ما سبى‏]  رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فإنه سبى وعفا، وقبل الفداء.

وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: المأمور بالتعرض لهم.

اسْتَجارَكَ: استأمنك، وطلب منك جوارك.

فَأَجِرْهُ: فآمنه.

حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ: ويتدبّره ويطّلع على حقيقة الأمر. فإنّ معظم الأدلّة فيه.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار قال: أظنّه عن أبي حمزة الثماليّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إذا أراد أن يبعث سريّة، دعاهم فأجلسهم بين يديه.

ثمّ يقول: سيروا بسم اللَّه وباللّه وفي سبيل اللَّه وعلى ملّة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. لا تغلّوا، ولا تمثّلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرا إلّا أن تضطروا إليها. وأيّما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى رجل  من المشركين، فهو جار حتّى يسمع كلام اللَّه. فإن تبعكم، فأخوكم  في الدّين.

و إن أبى، فأبلغوه مأمنه واستعينوا باللّه عليه.

و في نهج البلاغة : وإنّما كلامه- سبحانه- فعل منه أنشأه ومثله، لم يكن من قبل ذلك كائنا. ولو كان قديما، لكان [إلها ثانيا] .

ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ: موضع أمنه إن لم يسلم.

و «أحد» رفع بفعل يفسره ما بعده، لا بالابتداء. لأنّ «إن» من عوامل الفعل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال الباقر - عليه السّلام-: اقرأ عليه وعرّفه، ثمّ لا تتعرّض له حتى يرجع إلى مأمنه.

ذلِكَ: الأمن والأمر.

بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ : ما الإيمان، وما حقيقته، وما تدعوهم إليه. فلا بد من أمانهم، ريثما يسمعون ويتدبّرون.

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ: استفهام بمعنى الإنكار، والاستبعاد لأن يكون لهم عهد ولا ينكثوه مع وغرة صدورهم. أو لأن يفي اللَّه ورسوله بالعهد، وهم نكثوه.

و خبر «يكون» «كيف» وقدّم للاستفهام، أو «للمشركين» أو «عند اللَّه». وهو على الأوّلين صفة «للعهد» أو ظرف له، أو «ليكون». و«كيف» على الأخيرين حال من «العهد» و«للمشركين»، إن لم يكن خبرا فتبين.

إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ: هم المستثنون قبله.

و محلّه النّصب، على الاستثناء. أو الجرّ، على البدل. أو الرّفع، على أنّ الاستثناء منقطع، أي: ولكنّ الّذين عاهدتم منهم عند المسجد الحرام.

فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ، أي: فتربّصوا أمرهم، فإن استقاموا على العهد فاستقيموا على الوفاء. وهو كقوله: فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ، غير أنّه مطلق وهذا مقيّد.

و «ما» تحتمل الشّرطية والمصدريّة.

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ : سبق بيانه.

كَيْفَ: تكرار، لاستبعاد ثباتهم على العهد، أو بقاء حكمه مع التّنبيه على‏العلّة. وحذف الفعل للعلم به، كما في قوله:

         وخبّرتماني إنّما الموت بالقرى             فكيف وهاتا هضبة وقليب‏

 أي: فكيف مات.

وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ، أي: وحالهم أنّهم إن يظفروا بكم.

لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ: لا يراعوا فيكم.

إِلًّا: حلفا.

و قيل : قرابة. قال حسّان:

         لعمرك إن إلّك  من قريش             كإلّ السقب  من رأل  النّعام‏

 وقيل: ربوبيّة. ولعلّة اشتقّ للحلف من الأل، وهو الجواز. لأنّهم كانوا إذا تحالفوا، رفعوا به أصواتهم وشهروه. ثمّ استعير للقرابة، لأنها تعقد بين الأقارب ما لا يعقده الحلف. ثمّ للربوبية والتّربية.

و قيل: اشتقاقه من ألل الشي‏ء: إذا حدّده. أو من ألّ البرق: إذا لمع.

و قيل: إنّه عبريّ: بمعنى: الاله. لأنه قرئ: إيلا، كجبرئل وجبرئيل.

وَ لا ذِمَّةً: عهدا، أو حقّا يعاب على إغفاله.

يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ: استئناف، لبيان حالهم المنافية لثباتهم على العهد المؤدية إلى عدم مراقبتهم عند الظّفر. ولا يجوز جعله حالا من فاعل «لا يرقبوا». فإنّهم بعد ظهورهم لا يرضون. ولأنّ المراد إثبات إرضائهم المؤمنين بوعد الإيمان والطّاعة والوفاء بالعهد في الحال واستبطان الكفر والمعاداة، بحيث إن ظفروا لم يبقوا عليهم، والحاليّة تنافيه.

وَ تَأْبى قُلُوبُهُمْ: ما تتفوه به أفواههم.

وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ : متمرّدون. لا عقيدة تزعهم، ولا مروءة تردعهم.

و تخصيص الأكثر، لما في بعض الكفرة من التفادي عن الغدر والتعفف عمّا يجرّ إلى أحدوثةالسّوء.

اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ: استبدلوا بالقرآن.

ثَمَناً قَلِيلًا: عرضا يسيرا. وهو اتّباع الأهواء والشّهوات.

فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ: عن دينه الموصل إليه، أو سبيل بيته بحصر الحجّاج والعمّار.

و «الفاء» للدّلالة على أنّ اشتراءهم أدّاهم إلى الصّدّ.

إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ : عملهم هذا. أو ما دلّ عليه قوله: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً: فهو تفسير لا تكرير.

و قيل : الأوّل عامّ في الناقضين  وهذا خاصّ بالّذين اشتروا، وهم اليهود أو الأعراب الّذين جمعهم أبو سفيان وأطعمهم.

وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ »: في الشّرارة.

فَإِنْ تابُوا، أي: من الكفر.

وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ: فهم إخوانكم.

فِي الدِّينِ: لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم.

وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ : اعتراض للحثّ على تأمّل ما فصّل من أحكام المعاهدين، أو خصال التّائبين.

وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ: وإن نكثوا ما بايعوا عليه من الإيمان أو الوفاء بالعهود.

وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ: بصريح التّكذيب، وتقبيح الأحكام.

فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ، أي: فقاتلوهم. فوضع «أئمّة الكفر» موضع الضّمير، للدّلالة على أنّهم صاروا بذلك ذوي الرّئاسة والتقدّم في الكفر أحقّاء بالقتل.

و قيل : المراد بالأئمّة، رؤساء المشركين. فالتّخصيص إمّا لأنّ قتلهم أهمّ وهم أحقّ به، أو للمنع من مراقبتهم.

و قرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ وروح، عن يعقوب: «أئمّة» بتحقيق‏الهمزتين على الأصل، والتّصريح بالياء لحن.

و قرأ هشام، بإدخال الألف بين الهمزتين.

و روي- أيضا- عنه بخلاف ذلك.

إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ: على الحقيقة، وإلّا لما طعنوا ولم ينكثوا.

قيل : وفيه دليل على أنّ الذّمّيّ إذا طعن في الإسلام، فقد نكث عهده.

و قرأ ابن عامر: «لا إيمان» بكسر الهمزة، بمعنى: لا أمان، أو لا إسلام.

و رواها في مجمع البيان  عن الصّادق- عليه السّلام-.

 

يعني: لا عبرة بما أظهروه من الإيمان.

لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ : متعلّق بقاتلوا، أي: ليكن غرضكم في المقاتلة أن ينتهوا عمّا هم عليه لا إيصال الأذيّة بهم، كما هو طريقة المؤذين. وهذا من غاية كرمه- سبحانه- وفضله.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : نزلت هذه الآية في أصحاب الجمل. و

قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- يوم الجمل: [و اللّه‏]  ما قاتلت هذه الفئة النّاكثة إلّا بآية من كتاب اللّه. وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ (الآية).

و في قرب الإسناد  للحميريّ: حدّثني محمّد بن عبد الحميد وعبد الصّمد بن محمّد جميعا، عن حنان بن سدير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: دخل عليّ أناس من أهل البصرة، فسألوني عن طلحة والزّبير.

فقلت لهم: كانا من أئمّة الكفر. إنّ عليّا يوم البصرة لمّا صفّ الخيول، قال لأصحابه: لا تعجلوا على القوم حتّى أعذر فيما بيني وبين اللَّه- عزّ وجلّ- وبينهم.

فقام إليهم فقال: يا أهل البصرة، هل تجدون عليّ جور في حكم اللّه؟

قالوا: لا.

قال: فحيفا في قسمة؟

قالوا: لا.قال: فرغبة في دنيا أخذتها لي ولأهل بيتي دونكم، فنقمتم عليّ فنكثتم بيعتي؟

قالوا: لا.

قال: فأقمت فيكم الحدود وعطّلتها عن غيركم؟

قالوا: لا.

قال: فما بال بيعتي تنكث وبيعة غيري لا تنكث؟ إنّي ضربت الأمر  أنفه وعينه، فلم أجد إلّا الكفر .

ثمّ ثنى إلى أصحابه  فقال: إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- يقول في كتابه: «و إن نكثوا أيمانهم» (الآية).

ثمّ قال: والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة واصطفى محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- بالنّبوّة، إنّهم لأصحاب هذه الآية، وما قوتلوا منذ نزلت.

و في أمالي  شيخ الطّائفة- قدّس سرّه- بإسناده إلى أبي عثمان البجليّ، مؤذّن بني أقصى. قال بكير: أذن لها أربعين سنة. قال: سمعت عليّا- عليه السّلام- يقول [يوم الجمل‏] : وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ (الآية). ثمّ حلف حين قرأها، إنّه ما قوتل أهلها منذ نزلت حتّى اليوم.

قال بكير: فسألت عنها أبا جعفر.

فقال: صدق الشّيخ. هكذا قال عليّ- عليه السّلام- هكذا كان.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي الطّفيل قال: سمعت عليّا- عليه السّلام- يوم الجمل وهو يحرّض  النّاس على قتالهم، ويقول: واللّه، ما رمى أهل هذه الآية بكنانة قبل اليوم فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ.

فقلت لأبي الطفيل: ما الكنانة؟

قال: السّهم يكون موضع الحديد فيه عظم، تسميّه بعض العرب: الكنانة.

عن الحسن البصريّ  قال: خطبنا عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- على هذاالمنبر، وذلك بعد ما فرغ من أمر طلحة والزّبير وعائشة، صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على رسوله- صلّى اللّه عليه وآله-.

ثمّ قال: يا أيّها النّاس، واللّه، ما قاتلت هؤلاء [بالأمس‏]  إلّا بآية نزلت  في كتاب اللّه. إنّ اللّه يقول: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ. أما واللّه، لقد عهد إليّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقال: يا عليّ، لتقاتلنّ الفئة الباغية والفئة النّاكثة والفئة المارقة.

عن عمّار ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من طعن في دينكم هذا، فقد كفر. قال اللّه: «وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ- إلى قوله-: يَنْتَهُونَ».

عن الشّعبيّ  قال: قرأ عبد اللّه: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ (إلى آخر الآية) ثم قال: ما قوتل أهلها بعد. فلمّا كان يوم الجمل، قرأها عليّ- عليه السّلام-. ثمّ قال: ما قوتل أهلها منذ يوم نزلت حتّى كان اليوم.

عن أبي عثمان  مولى بني أقصى قال: سمعت عليّا- صلوات اللّه عليه- يقول: عذرني اللّه من طلحة والزّبير، بايعاني طائعين غير مكرهين ثمّ نكثا بيعتي من غير حدث أحدثته. واللّه، ما قوتل أهل هذه الآية منذ نزلت حتّى قاتلتهم وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ (الآية).

أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً: تحريض على القتال. لأنّ الهمزة دخلت على النّفي للإنكار، فأفادت المبالغة في الفعل.

نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ: الّتي حلفوها مع الرّسول والمؤمنين على أن لا يعاونوا عليهم، فعاونوا بني بكر على خزاعة.

وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ: حين تشاوروا في أمره بدار النّدوة. على ما مرّ ذكره في قوله: «و إذ يمكر بك الّذين كفروا».

و قيل : هم اليهود، نكثوا عهد الرّسول وهمّوا بإخراجه من المدينة.

وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ: بالمعاداة والمقاتلة. لأنّه- عليه السّلام- بدأهم بالدّعوةو إلزام الحجّة بالكتاب والتّحدّي به، فعدلوا عن معارضته إلى المعاداة والمقاتلة فما يمنعكم إن تعارضوهم وتصادموهم.

أَ تَخْشَوْنَهُمْ: أ تتركون قتالهم خشية أن ينالكم مكروه منهم.

فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ: فقاتلوا أعداءه، ولا تتركوا أمره.

إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ : فإنّ قضيّة الإيمان أن لا يخشى إلّا منه.

قاتِلُوهُمْ: أمر بالقتال بعد بيان موجبه، والتّوبيخ على تركه، والتّوعّد عليه.

يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ: وعد لهم إن قاتلوهم بالنّصر عليهم، والتّمكّن من قتلهم وإذلالهم.

وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ .

قيل : يعني: بني خزاعة.

و قيل: بطونا من اليمن وسبأ قدموا مكّة، فأسلموا. فلقوا من أهلها أذى شديدا، فشكوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فقال: أبشروا، فإنّ الفرج قريب.

وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ: لما لقوا منهم، وقد أوفى اللّه بما وعدهم. والآية من المعجزات.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عليّ بن عقبة، عن أبيه قال: دخلت أنا والمعلّى على أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

فقال: أبشروا. أنتم على إحدى الحسنيين، شفى اللّه صدوركم وأذهب غيظ قلوبكم وأدالكم  على عدوّكم. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ.

فإن مضيتم قبل  أن تروا  ذلك، مضيتم على دين اللّه الّذي رضيه لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- ولعليّ- عليه السّلام-.

عن أبي الأغرّ اليمنيّ  قال: كنت واقفا يوم صفّين إذ نظرت إلى العبّاس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب وهو شاك في السّلاح، على رأسه مغفر وبيده صفيحة يمانيّة، وهو على فرس أدهم  [و كأنّ عينيه عينا أفعى. فبينا هو يروض فرسه ويلين عن عريكته‏]  إذ هتف به هاتف من أهل الشّام، يقال له: عرار بن أدهم: يا عبّاس، هلمّ إلى البراز. [قال: فالنزول إذا] .

قال: ثمّ تكافحا بسيفيهما مليّا من نهارهم لا يصل واحد منهما إلى صاحبه، لكمال لأمته. إلى أن لحظ  العبّاس وهياً  في درع الشّاميّ، فأهوى إليه [بيده، فهتكه إلى ثندوته. ثمّ عاود لمجاولته وقد أصحر له، ففتق الدرع. فضربه العبّاس‏]  بالسّيف، فانتظم به جوانح صدره  وخرّ الشّاميّ صريعا. وكبّر النّاس تكبيرة ارتجّت [لها الأرض‏]  فسمعت قائلا يقول: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ (الآية) فالتفتّ، فإذا هو أمير المؤمنين- عليه السّلام-. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ: ابتداء إخبار، بأنّ بعضهم يتوب عن كفره.

و قد كان ذلك- أيضا-.

و قرئ: «و يتوب» بالنّصب على إضمار «أن»، على أنّه من جملة ما أجيب به الأمر. فإنّ القتال، كما تسبّب لتعذيب قوم، تسبّب لتوبة آخرين.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ: بما كان وبما سيكون.

حَكِيمٌ : لا يفعل ولا يحكم إلّا على وفق الحكمة.

أَمْ حَسِبْتُمْ قيل : خطاب للمؤمنين حين كره بعضهم القتال.

و قيل: للمنافقين. و«أم» منقطعة. ومعنى الهمزة فيها: التّوبيخ على الحسبان.

أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ: ولم يتبيّن الخلّص منكم، وهم الّذين جاهدوا من غيرهم. نفى العلم وأراد نفي المعلوم، للمبالغة. فإنّه، كالبرهان عليه، من حيث أن تعلّق العلم به مستلزم لوقوعه.

وَ لَمْ يَتَّخِذُوا: عطف «على جاهدوا» داخل في الصّلة.

مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً: بطانة يوالونهم، ويفشون‏إليهم أسرارهم. وما في «لمّا» من معنى التّوقّع منبّه على أنّ تبيّن ذلك متوقّع.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبان قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: يا معشر الأحداث، اتّقوا اللّه ولا تأتوا الرّؤساء، دعوهم حتّى يصيروا  أذنابا. لا تتّخذوا الرّجال ولائج دون اللّه. أنا واللّه خير لكم منهم. ثمّ ضرب بيده إلى صدره.

عن أبي الصّباح الكنانيّ  قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: ايّاكم والولائج.

فإنّ كلّ وليجة دوننا، فهي طاغوت. أو قال: ندّ.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سليم بن قيس الهلاليّ:

 

عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان: فأنشدكم اللّه- عزّ وجلّ-، أ تعلمون حيث نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ . وحيث نزلت إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ . وحيث نزلت وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً. قال النّاس: يا رسول اللّه، أ هذه خاصّة لبعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟ فأمر اللّه- عزّ وجلّ- نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يعلمهم ولاة أمرهم، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم. فنصّبني للنّاس بغدير خمّ.

إلى قوله: فقام أبو بكر وعمر، فقالا: يا رسول اللّه، هذه الآيات خاصّة .

قال: بلى، فيّ  وفي أوصيائي إلى يوم القيامة.

قالا: يا رسول اللّه، بيّنهم لنا.

قال: عليّ أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في أمّتي، ووليّ كلّ مؤمن من بعدي. ثمّ ابني الحسن. ثمّ ابني الحسين. ثمّ تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد. القرآن معهم، وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم، حتّى يردوا عليّ حوضي. [فقالوا كلّهم‏] : اللّهم، نعم، قد سمعنا ذلك وشهدنا، كما قلت سواء.

و الحديث بتمامه مذكور في النّساء والمائدة عند الآيتين.

و في أصول الكافيّ : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن مثنى، عن عبد اللّه بن عجلان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً، يعني: أمير المؤمنين و الأئمّة- عليهم السّلام-. لم يتّخذوا الولائج من دونهم.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، مرسلا قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: لا تتّخذوا من دون اللّه وليجة، فلا تكونوا مؤمنين. فإنّ كلّ سبب ونسب وقرابة ووليجة وبدعة وشبهة منقطع، إلّا ما أثبته القرآن.

عليّ بن محمّد  ومحمّد بن أبي عبد اللّه، عن إسحاق بن محمّد النّخعيّ قال:

حدّثني سفيان بن محمّد الضيعيّ قال: كتبت إلى أبي محمّد أسأله عن الوليجة، وهو قول اللّه: وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً. [قلت في نفسي- لا في الكتاب-: من ترى المؤمنين ها هنا؟

فرجع الجواب: الوليجة الّذي يقام دون وليّ الأمر. وحدّثتك نفسك عن المؤمنين: من هم في هذا الموضع؟ فهم الأئمّة الّذين يؤمنون على اللّه، فيجيز أمانهم.]

في تفسير عليّ بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً:  يعني بالمؤمنين: آل محمّد.

و «بالوليجة» البطانة.

وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ : يعلم غرضكم منه. وهو، كالمزيح لما يتوهّم من ظاهر قوله: «و لمّا يعلم اللّه».

ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ: ما صحّ لهم.

أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ: شيئا من مساجده، فضلا عن المسجد الحرام.

و قيل : هو المراد. وإنّما جمع، لأنّه قبلة المساجد وإمامها. فعامره، كعامر الجميع. ويدلّ عليه قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب، بالتّوحيد.

شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ: بإظهار الشّرك وتكذيب الرّسول. وهو حال من الواو. والمعنى: ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين، عمارة بيت اللّه وعبادة غيره.

و في الجوامع : روي أنّ المسلمين عيّروا أسارى بدر، ووبّخ عليّ العبّاس بقتال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقطيعة الرّحم.

فقال العبّاس: تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا.

فقالوا: او لكم محاسن؟

قال : نعم. إنّما نعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني . فنزلت.

أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ: الّتي يفتخرون بها بما قارنها من الشّرك.

وَ فِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ : لأجله.

إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ

و في الحديث النّبويّ : يأتي في آخر الزّمان أناس من أمّتي يأتون المساجد، يقعدون  فيها حلقا، ذكرهم الدّنيا وحبّ الدّنيا. لا تجالسوهم، فليس للّه بهم حاجة.

أي: إنّما يستقيم عمارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلميّة والعمليّة. ومن عمارتها تزيينها بالفرش، وتنويرها بالسّراج، وإدامة العبادة فيها، والذكر ودرس العلم فيها، وصيانتها ممّا لم تبن له، كحديث الدّنيا.

عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وآله-: قال اللّه- تعالى-: إنّ بيوتي في أرضي‏المساجد، وإنّ زوّاري فيها عمّارها. فطوبى لعبد تطهّر في بيته، ثمّ زارني في بيتي. فحقّ على المزور أن يكرم زائره.

و إنّما لم يذكر الإيمان بالرّسول، لما علم أنّ الإيمان باللَّه قرينه وتمامه الإيمان به، ولدلالة قوله: وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ عليه.

وَ لَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ، أي: في أبواب الدّين. فإنّ الخشية عن المحاذير جبليه، لا يكاد العاقل يتمالك عنها.

فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ .

ذكره بصيغة التّوقّع، قطعا لأطماع المشركين في الاهتداء والانتفاع بأعمالهم، وتوبيخا لهم بالقطع بأنّهم مهتدون. فإنّ هؤلاء مع كمالهم، إذا كان اهتداؤهم دائرا بين «عسى» و«لعلّ»، فما ظنّك بأضدادهم؟! ومنعا للمؤمنين أن يغترّوا بأحوالهم ويتّكلوا عليها.

أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ «السّقاية» و«العمارة» مصدرا، سقى وعمر، فلا يشبّهان بالجثث. بل لا بدّ من إضمار، تقديره: أ جعلتم أهل سقاية الحاجّ، كمن آمن. أو أ جعلتم سقاية الحاج، كإيمان من آمن. ويؤيد الأوّل قراءة من قرأ: «سقاة الحاجّ وعمرة المسجد الحرام» والمعنى:

إنكار أن يشبّه المشركون وأعمالهم المحبطة بالمؤمنين وأعمالهم المثبتة.

ثمّ قرر ذلك بقوله: لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ. وبيّن عدم تساويهم بقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، أي: الكفرة ظلمة بالشّرك ومعاداة الرّسول، منهمكون في الضّلالة، فكيف يساوون الّذين هداهم اللَّه ووفّقهم للحقّ والصّواب.

و قيل : المراد بالظّالمين: الّذين يسوّون بينهم وبين المؤمنين.

و في أصول الكافيّ : حدّثني أبي، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزلت في عليّ والعبّاس وشيبة.

قال العبّاس: أنا أفضل، لأنّ سقاية الحاجّ بيدي.و قال شيبة: أنا أفضل، لأنّ حجابة البيت بيدي.

و قال عليّ: أنا أفضل، فإنّي آمنت قبلكما ثمّ هاجرت وجاهدت.

فرضوا برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فأنزل اللَّه أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ (الآية).

و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و في كتاب الخصال : عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال في وصيّته له: يا عليّ، إنّ عبد المطّلب سنّ في الجاهليّة خمس سنن أجراها اللَّه في الإسلام.

إلى قوله: ولمّا حفر زمزم، سمّاه  سقاية الحاجّ. فأنزل اللَّه- تعالى- أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ (الآية).

و في روضة الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما- عليهما السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ:

نزلت في حمزة وعليّ وجعفر والعبّاس وشيبة، أنّهم فخروا بالسّقاية والحجابة فأنزل اللَّه- عزّ ذكره- أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ (الآية).

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه للقوم بعد موت عمر بن الخطّاب: نشدتكم باللّه، هل فيكم أحد أنزل اللَّه- تعالى- فيه أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ غيري؟

قالوا: لا.

و في مجمع البيان : عن محمّد بن عليّ الباقر- عليه السّلام- أنّه قرأ: سقاة  الحاجّ وعمرة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد في سبيل اللَّه.و فيه : أنّه قيل: إنّ عليّا- عليه السّلام- قال للعبّاس: يا عمّ، ألا تهاجر ألا تلحق برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-؟

فقال: أ لست في أعظم  من الهجرة، أعمر المسجد الحرام وأسقي حاجّ بيت اللَّه؟

فنزل أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.

و روى الحاكم، أبو القاسم الحسكانيّ ، بإسناده: عن ابن بريدة، عن أبيه قال: بينا شيبة والعبّاس يتفاخران، إذ مرّ بهما عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

فقال: بماذا تتفاخران؟

فقال العبّاس: لقد أوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد، سقاية الحاجّ.

و قال شيبة: أوتيت عمارة المسجد الحرام.

فقال عليّ- عليه السّلام-: استحييت لكما، فقد أوتيت على صغري ما لم تؤتيا.

فقالا: وما أوتيت، يا عليّ؟

فقال: ضربت خراطيمكما  بالسّيف حتّى آمنتما باللّه [و رسوله‏] .

فقام العبّاس مغضبا يجرّ ذيله  حتّى دخل على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: أما ترى إلى ما استقبلني به عليّ- عليه السّلام-.

فقال: ادعوا لي عليّا.

فدعي له، فقال: ما دعاك إلى  ما استقبلت به عمّك؟

فقال: يا رسول اللَّه، صدمته بالحقّ. فمن شاء، فليغضب. ومن شاء فليرض.

فنزل جبرئيل- عليه السّلام- وقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرأ [عليك‏]  السّلام، ويقول: اتل عليهم: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ (الآية).

فقال العبّاس: إنّا قد رضينا- ثلاث مرّات-.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قيل‏لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: يا أمير المؤمنين، أخبرنا بأفضل مناقبك.

قال: نعم. كنت أنا وعبّاس وعثمان بن أبي شيبة في المسجد الحرام. قال عثمان بن أبي شيبة: أعطاني رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- الخزانة. [يعني‏]  مفاتيح الكعبة.

و قال العبّاس: أعطاني رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- السّقاية، وهي زمزم. ولم يعطك شيئا، يا عليّ. فأنزل اللَّه أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ.

الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ: أعلى رتبة وأكثر كرامة ممّن لم تستجمع فيه هذه الصّفات. أو من أهل السّقاية والعمارة عندكم.

وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ : بالثّواب، ونيل الحسنى عند اللَّه دونكم.