سورة براءة الآية 81-100

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ: بقعودهم عن الغزو خلفه.

يقال: أقام خلاف الحيّ، أي بعدهم.

و يجوز أن يكون بمعنى المخالفة، فيكون انتصابه على العلة أو الحال.

وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: إيثارا للدّعة، والخفض على طاعة اللَّه. وفيه تعريض بالمؤمنين الّذين آثروا عليها تحصيل رضاه، ببذل الأموال والمهج.

وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ: قاله بعضهم لبعض. أو قالوا للمؤمنين، تثبيطا.

قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا: وقد آثرتموها بهذه المخالفة.لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ : أنّ مآبهم إليها. أو أنّها كيف هي ما اختاروها بإيثار الدّعة على الطّاعة.

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً: إمّا على ظاهر الأمر، وإمّا إخبار عمّار يؤول إليه حالهم في الدنيا والآخرة. أخرجه على صيغة الأمر، للدّلالة على أنه حتم واجب.

و يجوز أن يكون الضّحك والبكاء كنايتين عن السّرور والغمّ. والمراد من القلّة: العدم.

و في مجمع البيان : وروى أنس بن مالك، عن النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا.

جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ : من الكفر والنّفاق والتخلّف.

فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ: فإن ردك إلى المدينة وفيها طائفة من المتخلّفين، يعني: منافقيهم. فإنّ كلّهم لم يكونوا منافقين. أو من بقي منهم. وكان المتخلّفون اثني عشر رجلا.

فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ: إلى غزوة أخرى بعد تبوك.

فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا: إخبار في معنى النّهي، للمبالغة.

إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ: تعليل له. وكان إسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبة لهم في تخلّفهم. وأوّل مرة، هي الخرجة إلى غزوة تبوك.

فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ ، أي: المتخلّفين لعدم لياقتهم للجهاد، كالنّساء والصّبيان.

و قرئ : «مع الخلفين» على قصر «الخالفين».

وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً: بأن تدعو له وتستغفر.

وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ: للدّعاء.

و في مجمع البيان : فإنّه- عليه السّلام- كان إذا صلّى على ميّت، يقف على قبره ساعة ويدعو له. فنهاه اللَّه عن الصلاة على المنافقين، والوقوف على قبرهم ،و الدّعاء لهم. ثمّ بيّن سبب الأمرين [فقال: إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ (الآية)] .

إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ .

في تفسير العيّاشيّ : عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إنّ النبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال لابن عبد اللّه بن أبيّ: إذا فرغت من أبيك فأعلمني.

و كان قد توفي. فأتاه، فأعلمه. فأخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نعليه للقيام.

فقال له عمر: أليس قد قال اللّه- تعالى-: «و لا تصلّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره»؟

فقال له: ويحك- أو ويلك- إنّما أقول: اللّهم، املأ قبره نارا واملأ جوفه نارا وأصله يوم القيامة نارا.

عن حنان بن سدير ، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: توفي رجل من المنافقين. فأرسل [رسول اللّه‏]  إلى ابنه: أن إذا أردتم أن تخرجوا، فاحضروني. فلمّا حضر أمره، أرسلوا إلى النبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-. فأقبل- صلّى اللّه عليه وآله- نحوهم، حتّى أخذ بيد ابنه في الجنازة فمضى.

فتصدى له عمر، ثمّ قال: أما نهاك ربّك عن هذا أن تصلي على أحد منهم مات أبدا أو تقوم على قبره؟

فلم يجبه النبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-. فلما كان قبل أن ينتهوا به إلى القبر، أعاد عمر ما قاله أوّلا.

فقال النبي- صلّى اللّه عليه وآله- لعمر عند ذلك: ما رأيتنا صلينا له  على جنازة ولا قمنا له على قبر.

ثمّ قال: إن ابنه رجل من المؤمنين وكان يحقّ علينا أداء حقّه.

فقال عمر: أعوذ بالله من سخط اللّه وسخطك، يا رسول اللّه.

و اعلم أن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان حييا كريما، كما قال الله‏- عزّ وجلّ-: فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ . فكان يكره أن يفتضح رجل من أصحابه ممّن يظهر الإيمان. وكان يدعو على المنافقين ويوري  أنه يدعوا لهم. وهذا معنى قوله لعمر: ما رأيتنا صلّينا له على جنازة ولا قمنا له على قبر. وكذا معنى قوله في حديث عليّ بن إبراهيم: خيّرت فاخترت. فورّى- عليه السّلام- باختيار الاستغفار.

و أمّا قوله فيه: «فاستغفر له» فلعلّه استغفر لابنه لمّا سأل لأبيه الاستغفار، وكان يعلم أنّه من أصحاب الجحيم. ويدلّ على ما قلناه قوله- عليه السّلام-: فبدا من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ما لم يكن يحبّ.

هذا ان صحّ حديث عليّ بن إبراهيم، فإنّه لم يستند إلى المعصوم. والاعتماد على حديث العيّاشيّ هنا أكثر منه على حديث عليّ بن إبراهيم، لاستناده إلى قول المعصوم دونه. لأنّ سياق كلام عليّ بن إبراهيم تارة يدل على أنّه كان سبب نزول الآية قصّة ابن أبي، وأخرى يدلّ على أنّ نزولها قبل ذلك.

و في الكافي : عن الصادق- عليه السّلام-: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يكبّر على قوم خمسا، وعلى قوم آخرين أربعا. فإذ كبّر على رجل أربعا، اتّهم، يعنى:

بالنّفاق.

و فيه ، وفي تفسير العيّاشي : عنه- عليه السّلام-: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إذا صلّى على ميّت كبّر وتشهد، ثم كبّر وصلّى على الأنبياء [و دعا] ، ثمّ كبّر ودعا للمؤمنين، ثمّ كبّر الرابعة ودعا للميت، ثمّ كبّر وانصرف. فلمّا نهاه اللّه- عزّ وجلّ- عن الصلاة على المنافقين كبّر وتشهد، ثمّ كبر وصلّى على النبيين، ثمّ كبّر ودعا للمؤمنين، ثمّ كبّر الرّابعة وانصرف. ولم يدع للميت.

وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا:بما يلحقهم فيها من المصائب والغموم، وبما يشقّ عليهم إخراجها من الزكاة والإنفاق في سبيل اللّه.

وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ : تكرير للتّأكيد، والأمر حقيق به. فإنّ الأبصار طامحة إلى الأموال والأولاد والنّفوس، مغبوطة عليها.

و يجوز أن يكون هذه في فريق غير الأوّل.

و في أصول  الكافي : أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي أميّة، يوسف بن ثابت، بن  أبي سعيدة قال: دخل قوم على أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.

فقالوا لمّا دخلوا عليه: إنّا أحببناكم لقرابتكم من رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ولما أوجب اللَّه علينا من حقّكم. ما أحببناكم لدنيا نصيبها منكم، إلّا لوجه اللَّه- تعالى- وللدّار الآخرة وليصلح امرؤ منا دينه.

فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: صدقتم [صدقتم، ثمّ قال‏]  من أحبّنا، كان معنا- أو قال:- جاء معنا يوم القيامة هكذا. ثمّ جمع بين السّبابتين.

ثمّ قال: واللَّه، لو أنّ رجلا صام النّهار وقام اللّيل ثمّ لقي اللَّه- عزّ وجلّ- بغير ولايتنا، أهل البيت، للقيه وهو عنه غير راض- أو قال:- ساخط عليه.

ثمّ قال: وذلك قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ

 

و هذا الخبر يدلّ بصريحه على كفر من أنكر الولاية، وإن أقرّ بما سواها وعبد ما عبد، كما قدّمنا لك بيانه مرارا.

وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ: من القرآن. ويجوز بها عن بعضها، كما في القرآن‏و الكتاب.

و قيل : هي براءة ، لأنّ فيها الأمر بالإيمان والجهاد.

أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ: بأن آمنوا. ويجوز أن تكون «أن» المفسرة.

وَ جاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ: ذو الفضل والسعة. من طال عليه، طولا.

وَ قالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ : الّذين قعدوا لعذر.

رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ: مع النّساء. جمع، خالفة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الباقر- عليه السّلام- قال: النساء .

و قد يقال: الخالفة، للّذي لا خير فيه.

وَ طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ : ما في الجهاد وموافقة الرّسول من السّعادة، وما في التّخلّف عنه من الشّقاوة.

لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، أي: إن تخلّف هؤلاء ولم يجاهدوا، فقد جاهد من هو خير منهم.

وَ أُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ: منافع الدّارين، النصر والغنيمة في الدّنيا، والجنّة والكرامة في الآخرة.

و قيل : الحور، لقوله: «فيهنّ خيرات حسان». وهي جمع، خيرة. تخفيف، خيّرة.

وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : الفائزون بالمطالب.

أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ : بيان لما لهم من الخيرات الأخرويّة.

وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ قيل : يعني: أسدا وغطفان، استأذنوا في التّخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال.

و قيل : هم رهط عامر بن الطفيل، قالوا: إن غزونا معكم، أغارت أعراب طي‏ءعلى أهالينا ومواشينا.

و «المعذّر» إمّا من عذر في الأمر: إذا قصّر فيه، موهما أن له عذرا ولا عذر له. أو من اعتذر: إذا مهّد العذر. بإدغام التّاء في الذال، ونقل حركتها إلى العين. ويجوز في العربيّة  كسر العين لالتقاء السّاكنين، وضمّها للإتباع. لكن لم يقرأ بهما.

و قرأ  يعقوب: «معذورون». من أعذر: إذا اجتهد في العذر.

و قرئ : «المعذّرون» بتشديد العين والذال، على أنه من تعذّر، بمعنى: اعتذر.

و هو لحن، إذ التّاء لا تدغم في العين.

و قد اختلف في أنّهم كانوا معتذرين بالتصنّع، أو بالصّحة. فيكون قوله: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ في غيرهم، وهم منافقوا الأعراب كذبوا اللَّه ورسوله في ادّعاء الإيمان. وإن كانوا هم الأولين، فكذبهم بالاعتذار.

سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ: من الأعراب، أو المعذّرين. فإنّ منهم من اعتذر لكسله، لا للكفر.

عَذابٌ أَلِيمٌ : بالقتل والنّار.

لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى، كالهرمى والزمنى.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عبد الرّحمن بن حرب قال: لمّا أقبل النّاس مع أمير المؤمنين علّي- عليه السّلام- من صفّين، أقبلنا معه . حتّى إذا جزنا النخيلة ورأينا أبيات الكوفة، إذا شيخ جالس في ظلّ بيت وعلى وجهه أثر المرض. فأقبل إليه أمير المؤمنين- عليه السّلام- ونحن معه حتّى سلّم عليه وسلّمنا معه، فردّ بنا حسنا . فقال له أمير المؤمنين: فهل شاهدت  معنا غزانا  هذه؟

فقال: لا. لقد أردتها، ولكن ما نزل في طلب حتّى  الحمى خذلتني  عنها.

فقال أمير المؤمنين: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ (إلى آخر الآية)

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ: لفقرهم، كجهينة ومزينة وبني عذرة.

حَرَجٌ: إثم في التأخر.

إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ: بالإيمان والطّاعة في السّر والعلانية، كما يفعل الموالي النّاصح. أو بما قدروا عليه فعلا أو قولا، يعود على الإسلام والمسلمين بالصّلاح.

و في كتاب الخصال : عن تميم الدّارمي  قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: من يضمن لي خمسا ، أضمن له الجنّة.

قال: وما هي، يا رسول اللَّه؟

قال: النّصيحة للَّه- عزّ وجلّ- والنصيحة لرسوله، والنّصيحة لكتاب اللَّه، والنصيحة لدين اللَّه، والنصيحة لجماعة المسلمين.

ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، أي: ليس عليهم جناح، ولا إلى معاتبتهم سبيل.

و إنّما وضع «المحسنين» موضع الضّمير، للدّلالة على أنّهم منخرطون في سلك المحسنين غير معاتبين لذلك.

و في كتاب من لا يحضره الفقيه : قال الصّادق- عليه السّلام-: شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا. فأمّا التّائبون، فإن اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ.

وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ : لهم. أو للمسي‏ء، فكيف للمحسن.

وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ، يعني: معك. عطف على «الضعفاء» أو على «المحسنين».

قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ: حال من «الكاف» في «أتوك» بإضمار «قد».

تَوَلَّوْا: جواب «إذا».

وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ: تسيل.

مِنَ الدَّمْعِ: أي: دمعا. فإنّ «من» للبيان. وهي مع المجرور في محلّ النصب، على التّمييز. وهو أبلغ من: يفيض دمعها، لأنّه يدل على أنّ العين صارت دمعا فياضا.

حَزَناً: نصب على العلّة. أو الحال. أو المصدر، لفعل دلّ عليه ما قبله.

أَلَّا يَجِدُوا، أي: لئلا يجدوا. متعلّق «بحَزَناً» أو «تفيض».

ما يُنْفِقُونَ : في مغزاهم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الحلبيّ وزرارة، عن حمران ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه- عليهما السّلام- حديث طويل. وفي آخره: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ (الآية).

قال: عبد اللَّه بن يزيد  [بن‏]  ورقاء الخزاعيّ أحدهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، في قصة غزوة تبوك. وجاء البكاؤون إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. وهم سبعة نفر: من بني عمرو بن عوف، بن  سالم بن عمير، قد شهد بدرا لا خلاف فيه. ومن بني واقف، هرمي  بن عمير. ومن بني حارثة ، علية بن زيد. وهو الّذي تصدّق بعرضه، وذلك أن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أمر بالصّدقة، فجعل النّاس يأتون بها.

فجاء علية، فقال: يا رسول اللَّه، [و اللَّه‏]  ما عندي ما أتصدق به. وقد جعلت عرضي حلّا.فقال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: قد قبل اللَّه صدقتك.

و من بني مازن بن النّجار، أبو ليلى، عبد الرّحمن بن كعب. ومن بني سلمة، عمرو بن غنيمة . ومن بني زريق، مسلمة بن صخر . ومن بني المعز، ماضرة بن سارية السّلميّ، هؤلاء جاءوا إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يبكون. فقالوا: يا رسول اللَّه، ليس بنا قوة أن نخرج معك.

فأنزل اللَّه- تعالى- فيهم لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى- إلى قوله- أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ.

قال: وإنّما سأل هؤلاء البكّاؤون نعلا  يلبسونها.

و قيل : هم بنو مقرن، معقل وسويد ونعمان.

و قيل : أبو موسى وأصحابه.

إِنَّمَا السَّبِيلُ: بالمعاتبة.

عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ: واجدون للأهبة.

رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ: استئناف لبيان ما هو السّبب، لاستئذانهم من غير عذر. وهو رضاهم بالدّناءة والانتظام في جملة الخوالف، إيثارا للدّعة.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : و المستأذنون ثمانون رجلا من قبائل شتّى.

و «الخوالف» النّساء.

وَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ: حتّى غفلوا عن وخامة العاقبة.

فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ : مغبّته.

يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ: في التّخلّف.

إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ: من هذه السّفرة.

قُلْ لا تَعْتَذِرُوا: بالمعاذير الكاذبة.

لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ: لم نصدقكم، لأنّه قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ: أعلمنابالوحي إلى نبيّه بعض أخباركم، وهو ما في ضمائركم من الشّرّ والفساد.

وَ سَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ.

قيل : أي: تتوبون عن الكفر  أم تثبتون عليه. فكأنّه استتابه وإمهال للتّوبة.

ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، أي: إليه. فوضع الوصف موضع الضّمير، للدّلالة على أنه مطلع على سرّهم وعلنهم، ولا يفوت عن علمه شي‏ء من ضمائرهم وأعمالهم.

فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : بالتّوبيخ والعقاب عليه.

سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ: فلا تعاتبوهم.

فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ: فلا توبّخوهم.

إِنَّهُمْ رِجْسٌ: لا ينفع فيهم التّأنيب. فإنّ المقصود منه: التّطهير، بالحمل على الإنابة، وهؤلاء أرجاس لا تقبل التّطهير. فهو علّة الإعراض، وترك المعاتبة.

وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ: من تمام التّعليل، كأنّه قال: إنّهم أرجاس من أهل النّار، لا ينفع فيهم التّوبيخ في الدّنيا والآخرة. أو تعليل ثان، والمعنى: أنّ النّار كفتهم عتابا، فلا تتكلّفوا عتابهم.

جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ : يجوز أن يكون مصدرا، وأن يكون علّة.

يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ: بحلفهم، فتستديموا عليهم ما كنتم تفعلون بهم.

فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ ، أي: فإنّ رضاكم لا يستلزم رضا اللَّه، ورضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كانوا في سخط اللَّه وبصدد عقابه، وإن أمكنهم أن يلبسوا عليكم لا يمكنهم أن يلبسوا على اللَّه، فلا يهتك سترهم ولا ينزل الهوان بهم.

و المقصود من الآية: النهي عن الرّضا عنهم والاغترار بمعاذيرهم، بعد الأمر بالإعراض وعدم الالتفات نحوهم.

و في مجمع البيان : عن النبي- صلّى اللَّه عليه وآله- [أنه قال‏]

 من التمس رضااللَّه بسخط النّاس، رضي اللَّه عنه وأرضى عنه النّاس. ومن التمس رضا النّاس بسخط اللَّه، سخط اللَّه عليه وأسخط عليه النّاس.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : لمّا قدم النبي- صلّى اللَّه عليه وآله- من تبوك، كان أصحابه المؤمنون يتعرّضون للمنافقين ويؤذونهم. وكانوا يحلفون لهم أنهم على الحقّ وليس هم بمنافقين، لكي يعرضوا عنهم ويرضوا عنهم. فأنزل اللَّه سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ (الآية).

الْأَعْرابُ: أهل البدو.

أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً: من أهل الحضر. لتوحشهم، وقساوتهم، وعدم مخالطتهم لأهل العلم، وقلّة استماعهم للكتاب والسنّة.

وَ أَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا: وأحقّ بإن لا يعلموا.

حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ: من الشرائع، فرائضها وسننها.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ: يعلم كلّ واحد من أهل الوبر والمدر.

حَكِيمٌ : فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم، عقابا وثوابا.

و في روضة الكافي : سهل، عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللَّه بن جبلة ، عن إسحاق بن عمّار أو غيره قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: نحن بنو هاشم، وشيعتنا العرب، وسائر النّاس الأعراب.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمد بن عبد الرّحمن ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: تفقّهوا في الدّين. فإنه من لم يتفقه منكم في الدّين، فهو أعرابيّ. إنّ اللَّه يقول في كتابه : لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.

الحسين بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن الرّبيع، عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: عليكم بالتفقه في الدّين، ولا تكونواأعرابا. فإنّه من لم يتفقّه في دين اللّه، لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة ولم يزك له عملا.

وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ: يصرفه في سبيل اللّه، ويتصدّق به.

مَغْرَماً: غرامة وخسرانا. إذ لا يحتسبه [قربة]  عند اللّه، ولا يرجو عليه ثوابه. وإنّما ينفق رياء، أو تقيّة.

وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ: دوائر الزّمان ونوبه. لينقلب الأمر عليكم، فيتخلّص من الإنفاق.

عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ: اعتراض بالدّعاء عليهم بنحو ما يتربّصونه. أو الإخبار عن وقوع ما يتربّصون عليهم.

و «الدّائرة» في الأصل مصدر، أو اسم فاعل. من دار، يدور. سمّي بها عقبة الزّمان.

و «السّوء» بالفتح مصدر، أضيف إليه للمبالغة، كقولك: رجل صدق.

و قرئ : بضمّ السّين.

وَ اللَّهُ سَمِيعٌ: لما يقولون عند الإنفاق.

عَلِيمٌ : بما يضمرون.

وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ: سبب قربات. وهي ثاني مفعولي «يتّخذ». و«عند اللَّه» صفتها، أو ظرف «ليتّخذ».

و في تفسير العيّاشي : عن داود بن الحصين، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قوله: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ: أ يثيبهم عليه؟

قال: نعم.

و في رواية أخرى عنه : يثابون عليه؟

قال: نعم.

وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ: وسبب دعواته. لأنّه- عليه السّلام- كان يدعو للمتصدقين‏بالخير والبركة، ويستغفر لهم.

أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ: شهادة لهم من اللَّه، بصحّة معتقدهم وتصديق لرجائهم.

على الاستئناف، مع حرف التّنبيه و«إنّ» المحققة للنسبة. والضّمير «لنفقتهم».

و قرأ  ورش: «قربة» بضمّ الرّاء.

سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ: وعد لهم بإحاطة الرّحمة عليهم، والسّين لتحقيقه.

و قوله: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : لتقريره.

و قيل : الأولى في أسد وغطفان وبني تميم. والثّانية في عبد اللَّه ذي البجادين، وقومه.

وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ قيل : هم الّذين صلوا إلى القبلتين. أو الّذين شهدوا بدرا. أو الذين اسلموا قبل الهجرة.

وَ الْأَنْصارِ.

و قرئ : بالرّفع، عطفا على «و السّابقون».

قيل : أهل بيعة العقبة الأولى وكانوا سبعة، وأهل [بيعة]  العقبة الثانية [و كانوا]  سبعين، والّذين آمنوا حين تقدم عليهم أبو زرارة، مصعب بن عمير.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : هم النّقباء، و أبو ذر والمقداد وسلمان وعمّار، ومن آمن وصدّق وثبت على ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: لا يقع اسم الهجرة على أحد، إلّا بمعرفة الحجّة في الأرض. فمن عرفها وأقرّ بها، فهو مهاجر.

وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ: اللّاحقون بالسّابقين من القبيلين. أو من اتّبعوهم بالإيمان والطّاعة إلى يوم القيامة.و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت له: إنّ الإيمان  درجات ومنازل، يتفاضل المؤمنون فيها عند اللَّه؟

قال: نعم.

قلت: صفه لي، رحمك اللَّه، حتى أفهمه.

قال: إنّ اللَّه سبق بين المؤمنين، كما يسبّق بين الخيل يوم الرهان ، ثمّ فضّلهم على درجاتهم في السّبق إليه. فجعل كلّ امرئ منهم على درجة سبقه لا ينقصه فيها حقّه، ولا يتقدّم مسبوق سابقا ولا مفضول فاضلا، تفاضل بذلك أوائل هذه الأمة وأواخرها.

و [لو]  لم يكن للسّابق إلى الإيمان فضل على المسبوق، إذا للحق آخر  هذه الأمة أوّلها.

نعم، ولتقدّموهم إذا لم يكن لمن سبق إلى الإيمان الفضل على من أبطأ عنه. ولكن بدرجات الإيمان قدم اللَّه السّابقين، وبالإبطاء عن الإيمان أخر اللَّه المقصرين. لأنّا نجد من المؤمنين من الآخرين من هو أكثر عملا من الأولين، وأكثرهم صلاة وصوما وحجّا وزكاة وجهادا وإنفاقا. ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون بعضهم بعضا عند اللَّه، لكان الآخرون بكثرة  العمل مقدّمين على الأولين. ولكن أبى اللَّه- عزّ وجلّ- أن يدرك آخر درجات الإيمان أوّلها، ويقدّم فيها من أخر اللَّه أو يؤخّر فيها من قدّم اللَّه.

قلت: أخبرني عمّا ندب اللَّه- عزّ وجلّ- المؤمنين عليه من الاستباق إلى الإيمان.

فقال: قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ- إلى قوله- وَرَضُوا عَنْهُ. فبدأ بالمهاجرين الأوّلين على درجة سبقهم، ثم ثنّى بالأنصار، ثم ثلث بالتّابعين لهم بإحسان. فوضع كلّ قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي:

 

عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في‏المسجد أيّام خلافة عثمان: فأنشدكم اللَّه، أ تعلمون حيث نزلت وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ، سئل عنها رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: أنزلها اللَّه- تعالى- في الأنبياء وأوصيائهم. فأنا أفضل أنبياء اللَّه ورسوله، وعليّ بن أبي طالب [وصييّ‏]  أفضل الأوصياء؟

قالوا: اللّهم، نعم.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمرو بن أبي المقدام قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: خرجت أنا وأبي، حتّى إذا كنّا بين القبر والمنبر إذا هو بإناس من الشّيعة. فسلّم عليهم، ثمّ قال: إني واللَّه، لأحبّ رياحكم وأرواحكم. فأعينوني على ذلك بورع واجتهاد، واعلموا أنّ ولايتنا لا تنال إلّا بالورع والاجتهاد. ومن ائتمّ منكم بعبد، فليعمل بعمله. أنتم شيعة اللَّه، وأنتم أنصار اللَّه، وأنتم السّابقون الأوّلون والسّابقون الآخرون والسّابقون في الدّنيا والسّابقون في الآخرة إلى الجنة.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في مجمع البيان : واختلف في أوّل من أسلم من المهاجرين، فقيل: أوّل من أسلم  خديجة بنت خويلد، ثمّ عليّ بن أبي طالب. وهو قول ابن عبّاس، وجابر بن عبد اللَّه، وأنس، وزيد بن أرقم، ومجاهد، وقتادة، وابن إسحاق، وغيرهم.

قال أنس: بعث النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- يوم الاثنين، صلّى عليّ وأسلم يوم الثّلاثاء.

و قال مجاهد وابن إسحاق: إنّه اسلم وهو ابن عشر سنين. وكان مع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. أخذه من أبي طالب، وضمه إلى نفسه يربيه في حجره. وكان معه، حتّى بعث نبيا.

و روي

 أنّ أبا طالب قال لعليّ: أي بنيّ، ما هذا الدّين الذي آمنت  عليه؟

قال: يا أبة، آمنت باللَّه وبرسوله وصدّقته فيما جاء به وصليت معه للَّه.فقال له: إنّ محمدا لا يدعو إلّا إلى خير، فالزمه.

و روى  عبد اللَّه بن موسى، عن العلاء بن صالح، عن المنهال بن عمر، عن عبّاد بن عبد اللَّه قال: سمعت عليا- عليه السّلام- يقول: أنا عبد اللَّه وأخو رسوله وأنا الصّديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلّا كذّاب مفتر. صليت قبل النّاس بسبع سنين.

و في مسند السّيد ، أبي طالب الهرويّ، مرفوعا إلى أبي أيّوب: عن النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين، وذلك أنّه لم يصلّ فيها أحد غيري وغيره.

و روى الحاكم، أبو القاسم الحسكانيّ ، بإسناده مرفوعا إلى عبد الرحمن بن عوف، في قوله- سبحانه-: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ.

قال: هم عشرة من قريش، أوّلهم إسلاما علي بن أبي طالب.

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: بقبول طاعتهم وارتضاء أعمالهم.

وَ رَضُوا عَنْهُ: بما نالوا منه من النّعمة الدينيّة والدّنيويّة.

وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ.

و قرأ  ابن كثير: «من تحتها»، كما هو في سائر المواضع.

خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ : البالغ في العظمة حدّ الأعظم منه.