سورة طه الآية 81-100

كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ: لذائذه أو حلالاته.

و قرئ : «أنجيتكم» و«واعدتكم» و«ما رزقتكم»، و«وعدتكم» و«وعدناكم»، و«الأيمن»- بالجرّ- على الجوار، مثل: جحر ضبّ خرب.

وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ: فيما رزقناكم، بالإخلال بشكره، والتّعدّي لما حدّ اللّه لكم فيه، كالسّرف والبطر والمنع عن المستحقّ.

فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي: فيلزمكم عذابي، ويجب لكم. من حلّ الدّين: إذا وجب أداؤه.

وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى : فقد تردّى وهلك.

و قيل : [وقع في الهاوية.

و قرئ : «يحلّ»]  و«يحلل»- بالضّمّ- من: حلّ يحلّ: إذا نزل.

و في بصائر الدّرجات : عبد اللّه بن محمّد، عن موسى بن القاسم، عن جعفر بن محمّد بن سماعة، عن عبد اللّه بن مسكان، عن الحكم بن الصّلت، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

 

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: خذوا بحجزة هذا الأنزع- يعني عليّا. فإنّه الصّدّيق الأكبر. وهو الفاروق يفرق بين الحقّ والباطل. من أحبّه، هداه اللّه. ومن‏أبغضه، أضلّه اللّه. ومن تخلّف عنه، محقه اللّه. ومنه بسطا أمّتي الحسن والحسين، وهما ابناي. ومن الحسين أئمّة الهدى، أعطاهم اللّه فهمي وعلمي. فأحبّوهم وتولّوهم. ولا تتّخذوا وليجة من دونهم، فيحلّ عليكم غضب من ربّكم. ومن يحلل عليه غضب من ربّه، فقد هوى. وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ .

و في كتاب التّوحيد  بإسناده إلى حمزة بن الرّبيع، عمّن ذكره قال: كنت في مجلس أبي جعفر- عليه السّلام- إذ دخل عليه عمرو بن عبيد. فقال له: [جعلت فداك،]  قول اللّه- تبارك وتعالى-: وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى، ما ذلك الغضب؟

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: هو العقاب يا عمرو! إنّه من زعم أنّ اللّه- عزّ وجلّ- زال من شي‏ء إلى شي‏ء، فقد وصفه صفة مخلوق. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- لا يستفزّه شي‏ء، ولا يغيّره.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: روي أنّ عمرو بن عبيد وفد على محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- لامتحانه بالسّؤال عنه. فقال له: جعلت فداك، أخبرني عن قوله- تعالى-: وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى، ما غضب اللّه- تعالى؟ [فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: غضب اللّه‏]  عقابه يا عمرو! ومن زعم  أنّ اللّه يغيّره شي‏ء، فقد كفر .

وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ عن الشّرك، وَآمَنَ بما يجب الإيمان به، وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى : ثمّ استقام على الهدى المذكور.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عمّن ذكره، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- لا يقبل إلّا العمل الصّالح. ولا يقبل اللّه إلّا بالوفاء

 بالشّروط والعهود. فمن وفى للّه- عزّ وجلّ- بشرطه، واستعمل  ما وصف في عهده، نال ما عنده، واستكمل وعده.

إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أخبر العباد بطرق  الهدى، وشرع لهم فيها المنار، وأخبرهم كيف يسلكون، فقال: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى.

و قال : إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. فمن اتّقى اللّه فيما أمره، لقى اللّه مؤمنا بما جاء به محمّد- صلّى اللّه عليه وآله.

عليّ بن إبراهيم ، عن صالح بن السّنديّ، عن جعفر بن بشير، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، جميعا عن أبي جميلة، عن خالد بن عمّار، عن سدير قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- وهو داخل، وأنا خارج، وأخذ بيدي، ثمّ استقبل البيت فقال:

يا سدير، إنّما أمر النّاس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثمّ يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا. وهو قول اللّه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى- ثمّ أومأ بيده إلى صدره- إلي ولايتنا.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى قال: إلى الولاية.

حدّثنا  أحمد بن عليّ قال: حدّثنا الحسين بن عبد اللّه  عن السّنديّ بن محمّد، عن أبان، عن الحارث بن عمرو ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى قال:

ألا ترى كيف اشترط ولم تنفعه التوبة والإيمان والعمل الصّالح، حتّى اهتدى!؟

و اللّه، لو جهد أن يعمل  ما قبل منه حتّى يهتدي.قال: قلت إلى من؟ جعلني اللّه فداك! قال: إلينا.

و في أمالي الصّدوق - رحمه اللّه- بإسناده إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل. وفيه يقول لعليّ- عليه السّلام-: ولقد ضلّ، ومن ضلّ عنك. ولن يهتدي إلى اللّه، من لم يهتد إليك، وإلى ولايتك. وهو قول ربّي- عزّ وجلّ-: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى. يعني: إلى ولايتك.

و في مجمع البيان : وقال أبو جعفر- عليه السّلام-: ثُمَّ اهْتَدى إلى ولايتنا أهل البيت. فو اللّه، لو أنّ رجلا عبد اللّه عمره، ما بين الرّكن والمقام، ثمّ [مات و]  لم يجي‏ء بولايتنا، لأكبّه  اللّه في النّار على وجهه. رواه الحاكم أبو القاسم الحسكانيّ بإسناده. وأورده العيّاشيّ في تفسره من عدّة طرق.

و في تفسير العيّاشيّ  عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى قال: لهذه الآية تفسير يدلّ ذلك التّفسير على أنّ اللّه لا يقبل من أحد  عملا  إلّا ممّن لقيه بالوفاء منه بذلك التّفسير، وما اشترط فيه على المؤمنين. قال : إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ. يعني: كلّ ذنب عمله  العبد- وإن كان به عالما- فهو جاهل حين خاطر  بنفسه في معصيته ربّه.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: أبو الجارود وأبو الصّباح الكنانيّ عن الصّادق- عليه السّلام- وأبو حمزة عن السّجّاد- عليه السّلام- في قوله: ثُمَّ اهْتَدى: إلينا أهل البيت.

و في محاسن البرقيّ : عنه ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى فيما أعلم عن يعقوب بن‏

 شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى قال: إلى ولايتنا واللّه. أما ترى كيف اشترط [اللّه‏] - عزّ وجلّ!؟

وَ ما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى :

سؤال عن سبب العجلة يتضمّن إنكارها من حيث إنّها نقيصة في نفسها انضمّ إليه إغفال القوم وإيهام  التّعظيم عليهم. فلذلك أجاب موسى عن الأمرين، وقدّم جواب الإنكار لأنّه أهمّ.

في مجمع البيان : كانت المواعدة أن يوافي الميعاد هو وقومه.

و قيل : مع جماعة من وجوه قومه. فتعجّل موسى من بينهم، شوقا إلى ربّه، وخلّفهم ليلحقوا به.

قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي  ما تقدّمتهم إلّا بخطى يسيرة لا يعتدّ بها عادة، ليس بيني وبينهم إلّا مسافة قريبة يتقدّم بها الرّفقة بعضهم بعضا.

وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى  ، فإنّ المسارعة إلى امتثال أمرك والوفاء بعهدك توجب مرضاتك.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: المشتاق لا يشتهي طعاما.

و لا يلتذّ شرابا. ولا يستطيب رقادا. ولا يستأنس حميما. ولا يأوي دارا. ولا يسكن عمرانا. ولا يلبس لباسا. ولا يقرّ قرارا. ويعبد اللّه ليلا ونهارا، راجيا بأن يصل إلى ما يشتاق إليه، ويناجيه بلسان شوقه معبّرا عمّا في سريرته. كما أخبر اللّه عن موسى بن عمران في ميعاد ربّه بقوله: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ  لِتَرْضى. وفسّر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عن حاله أنّه ما أكل، ولا شرب ولا نام، ولا اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوما، شوقا إلى ربّه.

قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ: ابتليناهم بعبادة العجل بعد خروجك من بينهم.و هم الّذين خلّفهم [مع هارون‏] .

قيل : وكانوا ستّمائة ألف. وما نجا من عبادة العجل منهم إلّا اثنا عشر [ألفا] .

وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ  باتخاذ العجل والدّعاء إلى عبادته.

و قرئ : «أضلّهم»، أي: أشدّهم ضلالة، لأنّه كان ضالا مضلّا.

قيل : هو منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها «السّامرة».

و قيل : كان علجا  من كرمان.

و قيل : من أهل باجرما. واسمه: موسى بن ظفر. وكان منافقا.

فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ بعد ما استوفى الأربعين، وأخذ التّوراة، غَضْبانَ عليهم أَسِفاً: حزينا بما فعلوا.

قالَ يا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً بأن يعطيكم التّوراة فيها هدى ونور!؟

أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ، أي: الزّمان. يعني زمان مفارقته لهم.

أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ: يجب عليكم غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ بعبادة ما هو مثل في الغباوة.

فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ، أي: وعدكم إيّاي بالثّبات على الإيمان باللّه والقيام على ما أمرتكم به.

و قيل : هو من: أخلفت وعده: إذا وجدت الخلف فيه. أي: فوجدتم الخلف في وعدي لكم بالعودة بعد الأربعين.

قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا: بأن ملكنا أمرنا، إذ لو خلّينا وأمرنا، ولم يسوّل لنا السّامريّ، لما أخلفناه.

و قرئ  بالفتح وبالضّمّ. وثلاثتها [من الأصل لغات‏]  في مصدر ملكت الشّي‏ء.وَ لكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ قيل : أحمالا من حليّ القبط الّتي استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصر باسم العرس.

و قيل : استعاروا لعيد كان لهم، ثمّ لم يردّوا عند الخروج مخافة أن يعلموا به.

و قيل : ما ألقاه البحر على السّاحل بعد إغراقهم فأخذوه.

قيل : ولعلّهم سمّوها أوزارا، لأنّها آثام. فإنّ الغنائم لم تكن تحلّ بعد. أو لأنّهم كانوا مستأمنين، وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربيّ.

و قرئ : «حملنا»  بالفتح والتّخفيف.

فَقَذَفْناها، أي: في النّار لتذوب.

فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ : أي ما كان معه منها.

قيل : روي أنّهم لما حسبوا أنّ العدة قد كملت، قال لهم السّامريّ: إنّما أخلف موسى ميعادكم لما معكم من حليّ القوم، وهو حرام عليكم فالرّأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها نارا، ونقدت كلّ ما معنا فيها. ففعلوا.

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً من تلك الحليّ المذابة لَهُ خُوارٌ: صوت العجل.

في محاسن البرقي  عنه، عن محمّد بن سنان، عن عبد اللّه بن مسكان وإسحاق بن عمّار [جميعا] ، عن عبيد اللّه  بن الوليد الوصّافي، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ فيما ناجى اللّه به موسى- عليه السّلام- أن قال: يا ربّ، هذا السّامريّ صنع العجل. الخوار من صنعه!؟ فأوحى اللّه- تبارك وتعالى- إليه: انّ تلك فتنتي فلا تفحص  عنها.

فَقالُوا، أي: السّامريّ ومن افتتن به أوّل ما رآه:

هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ ، أي: نسيه موسى وذهب يطلبه عند

الطّور. أو: فنسي السّامري، أي: ترك ما كان عليه من إظهار الإيمان.

أَ فَلا يَرَوْنَ: أفلا يعلمون أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا: أنّه لا يرجع إليهم كلاما ولا يردّ عليهم جوابا!؟

و قرئ : «يرجع» - بالنّصب- وهو ضعيف. لأنّ «أن» النّاصبة لا تقع بعد أفعال اليقين.

وَ لا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً : لا يقدر على إنفاعهم وإضرارهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن إسحاق بن الهيثم، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة: انّ عليّا- عليه السّلام- سئل عن قول اللّه - عزّ وجلّ-:

وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ. [قال:

السّماوات والأرض‏]  وما بينهما من مخلوق في جوف الكرسيّ. وله أربعة أملاك يحملونه بإذن اللّه: فأمّا الملك الاوّل  ففي صورة الآدميّين- إلى أن قال- عليه السّلام-:

و الملك الرّابع في صورة الأسد، وهو سيّد السّباع. وهو يرغب إلى اللّه [و يتضرّع إليه‏]  ويطلب الشّفاعة والرّزق لجميع السّباع. ولم يكن من هذه الصّور  أحسن من الثّور، ولا أشدّ انتصابا منه. حتّى اتّخذ الملأ من بني إسرائيل العجل [إلها] ، فلمّا عكفوا عليه وعبدوه من دون اللّه، خفض الملك الّذي في صورة الثّور رأسه استحياء من اللّه أن عبد من دون اللّه شي‏ء يشبهه. وتخوّف أن ينزل به العذاب.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وَ لَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ: [من قبل‏]  رجوع موسى، أو قول السّامريّ.

كأنّه أوّل ما وقع عليه بصره حين طلع من الحفرة توهّم ذلك، وبادر تحذيرهم.يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ: بالعجل، وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ لا غير.

فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي  في الثّبات على الدّين.

قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ: على العجل وعبادته عاكِفِينَ: مقيمين حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى :

و هذا الجواب يؤيّد الوجه الأوّل.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : فهمّوا بهارون. فهرب منهم  [و بقوا في ذلك حتّى تمّ ميقات موسى أربعين ليلة. فلمّا كان يوم عشرة من ذي الحجّة، أنزل اللّه عليه‏]  الألواح فيها التّوراة وما يحتاج  إليه من أحكام السّير والقصص. ثمّ أوحى اللّه إلى موسى فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ وعبدوا العجل وله خوار. فقال- عليه السّلام-: يا ربّ، العجل من السّامريّ. فالخوار ممّن؟ قال: منّي يا موسى! إنّي لمّا رأيتهم قد ولّوا عنّي إلى العجل، أحببت أن أزيدهم فتنة. فرجع موسى إلى قومه كما حكى اللّه.

قالَ يا هارُونُ، أي: قال له موسى لمّا رجع:

ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا  بعبادة العجل أَلَّا تَتَّبِعَنِ: أن تتّبعني في الغضب للّه والمقاتلة مع من كفر به. أو: أن تأتي عقبي وتلحقني. و«لا» مزيدة كما في قوله : ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ.

أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي  بالصّلابة في الدّين والمحاماة عليه!؟

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ رمى بالألواح، وأخذ بلحية أخيه ورأسه يجرّه إليه، فقال: [يا هارون،]  ما منعك؟

لَ يَا بْنَ أُمَ‏

:

خصّ الأمّ، استعطافا وترقيقا.و قيل : لأنّه كان أخاه من الأمّ. والجمهور على أنّهما كانا من أب وأمّ.

تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي‏

، أي: بشعر رأسي.

قيل : قبض عليهما ويجرّه إليه، من شدّة غيظه وفرط غضبه للّه. وكان- عليه السّلام- حديدا خشنا متصلّبا في كلّ شي‏ء. فلم يتمالك حين رآهم يعبدون العجل.

و قيل : كانت العادة جارية في القبض عليهما في ذلك الزّمان. كما أنّ العادة في زماننا هذا، القبض على اليد والمعانقة. وذلك ممّا يختلف العادة فيه بالأزمنة والأمكنة.

و قيل : إنّه أجراه مجرى نفسه ، إذا غضب في القبض على لحيته. لأنّه لم يتّهم عليه كما لا يتّهم على نفسه.

ِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ‏

 لو قاتلت أو فارقت بعضهم ببعض .

لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي‏

  حين قلت: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ . فإنّ الإصلاح كان في حفظ الدهماء  والمداراة بهم، إلى أن ترجع إليهم فتدارك الأمر برأيك.

و في كتاب علل الشّرائع  بإسناده إلى عليّ بن سالم، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه قال: قلت: فلم أخذ برأسه يجرّه إليه وبلحيته، ولم يكن له في اتّخاذهم العجل وعبادتهم له ذنب؟

فقال: إنّما فعل ذلك به، لأنّه لم يفارقهم لمّا فعلوا ذلك، ولم يلحق بموسى. وكان إذا فارقهم، ينزل بهم العذاب. ألا ترى أنّه قال له موسى: يا هارُونُ  ما مَنَعَكَ إِذْ  رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي. قال هارون: لو فعلت ذلك، لتفرّقوا. ونِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ‏

 رَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي.قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ :

 [أي: ثمّ أقبل عليه، وقال له منكرا: ما خطبك!؟ أي: ما طلبك له وما الّذي حملك عليه!؟ وهو مصدر خطب الشّي‏ء: إذا طلبه.

قالَ‏]  بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ:

و قرئ  بالتّاء، على الخطاب. أي: علمت بما لم تعلموه  وفطنت بما لم تفطنوا  له. وهو أنّ الرّسول الّذي جاءك روحانيّ محض لا يمسّ أثره شيئا الّا أحياه. أو: رأيت ما لم تروه.

و هو أنّ جبرئيل جاءك على فرس الحياة.

و قيل : إنّما عرفه، لأنّ أمّه ألقته حين ولدته خوفا من فرعون، وكان جبرئيل يغذوه حتّى استقلّ.

فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ: من تربة موطئه.

و القبضة: المرّة من القبض. فأطلق على المقبوض، كضرب الأمير.

و قرئ  بالصّاد. والأوّل للأخذ بجميع الكفّ. والثّاني للأخذ بأطراف الأصابع.

و نحوهما الخضم والقضم.

و «الرّسول»: جبرئيل.

قيل : ولعلّه لم يسمّه، لأنّه لم يعرف أنّه جبرئيل. أو أراد أن ينبّه على الوقت وهو حين أرسل إليه ليذهب به إلى الطّور.

فَنَبَذْتُها في الحليّ المذابة- أو: في جوف العجل- حتّى حيي.

وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي : زيّنته وحسّنته إليّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فأخرج موسى العجل، فأحرقه بالنّار، وألقاه في البحر.

قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ عقوبة على ما فعلت أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ، خوفا من أن يمسّك أحد، فتأخذك الحمّى ومن مسّك. فتحامى النّاس ويحاموك ، وتكون طريدا وحيدا كالوحش النّافر.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ما دمت حيّا، وعقبك هذه العلامة فيكم قائمة أن تقول: لا مساس [يعني‏]  [حتّى تعرفوا أنّكم سامريّة فلا يغترّ  بكم النّاس. فهم إلى السّاعة بمصر والشام معرفون ب «لا مساس»]  قال: ثمّ همّ موسى بقتل السّامريّ. فأوحى اللّه إليه: لا تقتله- يا موسى- فإنّه سخيّ.

و في مجمع البيان  عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: انّ موسى همّ (الحديث).

و قرئ : «لا مساس»- كفجّار- وهو علم للمسّة.

وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِداً في الآخرة لَنْ تُخْلَفَهُ: لن يخلفك اللّه وينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك في الدّنيا.

و قرئ  بكسر اللّام. أي: لن تخلف الواعد إيّاه وستأتيه لا محالة. فحذف المفعول الأوّل، لأنّ المقصود هو الموعد. ويجوز أن يكون من: أخلفت الموعد: إذا وجدته خلفا.

و قرئ  بالنّون، على حكاية قول اللّه.

و في كتاب [الخصال  قال:]  قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ في التّابوت الأسفل [من النّار اثني عشر]  ستّة من الأوّلين وستّة من الآخرين. فأمّا السّتّة من الأوّلين: فابن آدم قاتل أخيه، وفرعون الفراعنة، والسّامريّ (الحديث).

وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً: ظللت على عبادته مقيما.

فحذف اللّام الأولى تخفيفا.

و قرئ  بكسر الظّاء على نقل حركة اللّام إليها.

لَنُحَرِّقَنَّهُ:

أي بالنّار- ويؤيّده قراءة «لنحرقنّه» من باب الإفعال- أو بالمبرد، على أنّه مبالغة في حرق إذا برد بالمبرد. ويعضده قراءة «لنحرّقنه» من باب التّفعيل.ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ: لنذرّينّه رمادا أو مبرودا.

و قرئ  بضمّ السّين.

فِي الْيَمِّ نَسْفاً  فلا يصادف منه شي‏ء.

و المقصود من ذلك زيادة عقوبته، وإظهار غباوة المفتنين به، لمن له أدنى نظر.

في كتاب الخصال ، عن أبي ذرّ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: شرّ الأوّلين والآخرين اثنا عشر: ستّة من الأوّلين، وستّة من الآخرين.

ثمّ سمّى السّتّة من الأوّلين: ابن آدم الّذي قتل أخاه، وفرعون، وهامان، وقارون، والسّامريّ، والدّجّال اسمه في الأوّلين ويخرج في الآخرين.

و أمّا السّتّة من الآخرين: فالعجل، وهو نعثل، وفرعون، وهو معاوية، وهامان هذه الأمّة، وهو زياد، وقارونها، وهو سعيد، والسّامري، وهو أبو موسى عبد اللّه بن قيس- لأنّه قال كما قال سامريّ موسى: لا مِساسَ، أي لا قتال-، والأبتر، وهو عمرو بن العاص.

و في كتاب ثواب الأعمال  بإسناده إلى إسحاق بن عمّار الصّيرفيّ، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال: جعلت فداك، حدّثنى فيهما بحديث قد سمعت عن أبيك فيهما أحاديث [عدّة] . قال: فقال لي: يا إسحاق، الأوّل بمنزلة العجل. والثّاني بمنزلة السّامريّ.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: وعن أبي يحيى الواسطيّ قال: لمّا افتتح أمير المؤمنين- عليه السّلام- البصرة ، اجتمع النّاس عليه، وفيهم الحسن البصريّ ومعه الألواح. فكان كلّما لفظ أمير المؤمنين- عليه السّلام- بكلمة كتبها. فقال له أمير المؤمنين- عليه السّلام- بأعلى صوته: ما تصنع؟ قال: أكتب  آثاركم لنحدّث بها بعدكم.

فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أما إنّ لكلّ قوم سامريّ، وهذا سامريّ هذه‏الأمّة. ألا  أنّه لا يقول: «لا مساس» ولكنّه يقول: لا قتال.

إِنَّما إِلهُكُمُ المستحقّ لعبادتكم اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، إذ لا أحد يماثله أو يدانيه في كمال العلم والقدرة. وَسِعَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً : وسع علمه كلّما يصحّ أن يعلم، لا العجل الّذي يصاغ ويحرق، وإن كان حيّا في نفسه، كان مثلا في الغباوة.

و قرئ : «وسّع» فيكون انتصاب «علما» على المفعوليّة لأنّه، وإن انتصب على التّمييز في المشهورة، لكنّه فاعل في المعنى. فلمّا عدّي الفعل بالتّضعيف إلى المفعولين، صار مفعولا.

كَذلِكَ: مثل ذلك الاقتصاص- يعني اقتصاص قصّة موسى- نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ من أخبار الأمور الماضية في الأمم الدّارجة، تبصرة لك وزيادة في علمك، وتكثيرا لمعجزاتك، وتنبيها وتذكيرا للمستبصرين من أمّتك.

وَ قَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً ، أي: كتابا مشتملا على هذه الأقاصيص والأخبار، حقيقا بالتّفكّر والاعتبار.

و التّنكير فيه للتّعظيم.

و قيل : ذكرا جميلا وصيتا عظيما بين النّاس.

مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ: عن الذّكر الّذي هو القرآن الجامع لوجوه السّعادة والنّجاة.

و قيل : عن اللّه.

فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً : عقوبة ثقيلة فادحة على كفره وذنوبه. سمّاها وزرا تشبيها في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الّذي يفرح الحامل وينقض ظهره. أو: إثما عظيما.