سورة هود الآية 101-123

وَ ما ظَلَمْناهُمْ بإهلاكنا إيّاهم.

وَ لكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بأن عرّضوها بارتكاب ما يوجبه.فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ: فما نفعتهم، ولا قدرت أن تدفع عنهم آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ حين جاءهم عذابه ونقمته.

وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ : إهلاك، أو تخسير .

وَ كَذلِكَ: ومثل ذلك الأخذ أَخْذُ رَبِّكَ:

و قرئ : «أخذ ربّك»  بالفعل. وعلى هذا يكون محلّ الكاف النّصب على المصدر.

إِذا أَخَذَ الْقُرى، أي: أهلها.

و قرئ : «إذ» لأنّ المعنى على المضيّ.

وَ هِيَ ظالِمَةٌ:

حال من «القرى». وهي في الحقيقة لأهلها، لكنّها لمّا أقيمت مقامه، أجريت عليها. وفائدتها الإشعار بأنّهم أخذوا بظلمهم، وإنذار كلّ ظالم ظلم نفسه أو غيره من وخامة العاقبة.

إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ : وجيع غير مرجوّ الخلاص عنه.

و هو مبالغة في التّهديد والتّحذير.

و في مجمع البيان : وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ- إلى قوله-: أَلِيمٌ شَدِيدٌ. وفي الصّحيحين عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال: [إنّ اللَّه‏]  يمهل الظّالم  حتّى إذا أخذه لم يفلته .

إِنَّ فِي ذلِكَ، أي: فيما نزل بالأمم الهالكة. أو: فيما قصّه  اللَّه من قصصهم لَآيَةً لعبرة. لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ يعتبر به عظمته، لعلمه بأنّ ما حاق بهم أنموذج ممّا أعدّ اللَّه للمجرمين في الآخرة. أو: ينزجر به عن موجباته، لعلمه بأنّها من إله مختار يعذّب من يشاء، ويرحم من يشاء. فإنّ من أنكر الآخرة وأحال فناء هذا العالم، لم‏يقل  بالفاعل المختار، وجعل تلك الوقائع لأسباب فلكيّة اتّفقت في تلك الأيّام، لا لذنوب المهلكين بها.

ذلِكَ:

إشارة إلى يوم القيامة. وعذاب الآخرة دلّ عليه.

يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ، أي: يجمع له النّاس. والتّغيير للدّلالة على ثبات معنى الجمع لليوم، وأنّه من شأنه لا محالة، وأنّ النّاس لا ينفكّون عنه. فهو أبلغ من قوله :

يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ.

و معنى الجمع له: الجمع لما فيه من المحاسبة والمجازاة.

وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ :

قيل : أي مشهود فيه أهل السّموات والأرضين. فاتّسع فيه بإجراء الظّرف مجرى المفعول به، كقوله:

         في محفل من نواصي النّاس مشهود

 

 أي: كثير شاهدوه.

و لو جعل اليوم مشهودا  في نفسه، لبطل الغرض من تعظيم اليوم وتمييزه. فإنّ سائر الأيّام كذلك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يشهد عليه الأنبياء والرّسل.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا أبي- رحمه اللَّه- قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، ومحمّد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن صفوان بن يحيى، عن إسماعيل بن جابر، عن رجاله، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: ذلِكَ يَوْمٌ- إلى قوله-: يَوْمٌ مَشْهُودٌ قال: المشهود يوم عرفة.

و المجموع له النّاس يوم القيامة.

و بإسناده  إلى محمّد بن هاشم، عمّن روى عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:سأله الأبرش الكلبيّ عن قول اللَّه - عزّ وجلّ-: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ. فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: ما قيل لك؟ فقال: قالوا: الشاهد يوم الجمعة. والمشهود يوم عرفة.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: ليس كما قيل لك. الشّاهد يوم عرفة. والمشهود يوم القيامة. أما تقرأ القرآن!؟ قال اللَّه- عزّ وجلّ-: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.

و في روضة الكافي  في كلام لعليّ بن الحسين- عليهما السّلام- في الوعظ والزّهد في الدّنيا، وفيه: واعلم- يا ابن آدم!- أنّ من وراء هذا أعظم وأفضع  وأوجع للقلوب يوم القيامة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أحدهما- عليهما السّلام- في هذه الآية: فذلك يوم القيامة. وهو اليوم الموعود.

و يمكن الجمع بين الأخبار الدّالّ بعضها على أنّ اليوم  المشهود يوم  عرفة، وبعضها على أنّه يوم القيامة، بأنّ كلا اليومين مشهود. واليوم المجموع له النّاس مخصوص بيوم القيامة.

وَ ما نُؤَخِّرُهُ، أي: اليوم إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ : إلّا لانتهاء مدّة معدودة متناهية. على حذف المضاف، أو على إرادة مدّة التأجيل. كلّها بالأجل لا منتهاها، فإنّه غير معدود.

يَوْمَ يَأْتِ، أي: الجزاء المدلول عليه بالفحوى. أو: اليوم- كقوله -: أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ- على أنّ «يوم» بمعنى حين. أو: اللَّه- تعالى-، كقوله : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ ونحوه. وإتيان اللَّه إتيان أمره أو شي‏ء منسوب إليه.

و قرأ  ابن عامر وعاصم وحمزة: «يأت» بحذف الياء، اجتزاء عنها بالكسرة.

لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ، لا تتكلّم نفس بما ينفع وينجي، من جواب أو شفاعة.و هو النّاصب للظّرف. ويحتمل نصبه بإضمار اذكر، أو بالانتهاء المحذوف.

إِلَّا بِإِذْنِهِ: إلّا بإذن اللَّه، كقوله : لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ.

و هذا في موقف، وقوله : هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ في موقف آخر.

و قيل :

أو المأذون فيه هي الجوابات الحقّة، والممنوع عنه هي الأعذار الباطلة.

و الأوّل هو المرويّ عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في كتاب التّوحيد .

 

فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وجبت له النّار، بمقتضى الوعيد وَسَعِيدٌ : وجبت له الجنّة، بمقتضى الوعد.

و الضّمير لأهل الموقف، وإن لم يذكر. لأنّه معلوم مدلول عليه بقوله: لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ. أو للنّاس.

فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ :

الزّفير: إخراج النّفس. والشّهيق: ردّه، واستعمالهما في أوّل النّهيق وآخره.

و المراد بهما الدّلالة على شدّة كربهم وغمّهم، وتشبيه حالهم بمن استولت الحرارة على قلبه، وانحصر فيه روحه. أو تشبيه صراخهم بأصوات الحمير.

و قرئ : «شقوا» بالضّمّ.

خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ:

قيل : ليس لارتباط دوامهم في النّار بدوامهما- فإنّ النّصوص دالّة على تأبيد دوامهم وانقطاع دوامهما- بل التّعبير عن التّأبيد والمبالغة بما كانت العرب يعبّرون عنه، على سبيل التّمثيل. ولو كان للارتباط، لم يلزم- أيضا- من زوال السّموات والأرض زوال عذابهم، ولا من دوامه دوامهما، إلّا من قبيل المفهوم، لأنّ دوامهما كالملزوم لدوامه.

و قد عرفت أنّ المفهوم لا يقاوم المنطوق.

و قيل : المراد سموات الآخرة وأرضها. ويدلّ عليه قوله - تعالى-:يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ، وأنّ أهل الآخرة لا بدّ لهم من مظلّ ومقلّ.

و اعترض عليه بأنّه تشبيه بما لا يعرف أكثر الخلق وجوده ودوامه. ومن عرفه، فإنّما  يعرفه بما يدلّ عليه دوام الثّواب والعقاب. فلا يجدي له التّشبيه.

و التّحقيق أنّ هذا في نار الدّنيا في البرزخ، قبل يوم القيامة. وسيأتي من الأخبار ما يدلّ عليه. وحينئذ لا إشكال في الارتباط.

إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ:

قيل : استثناء من الخلود في النّار. لأنّ بعضهم- وهم فسّاق الموحّدين- يخرجون منها. وذلك كاف في صحّة الاستثناء. لأنّ زوال الحكم عن الكلّ يكفيه زواله عن البعض. وهم المراد بالاستثناء الثّاني. فإنّهم مفارقون عن الجنّة أيّام عذابهم. فإنّ التّأبيد من مبدأ معيّن ينتقض باعتبار الابتداء، كما ينتقض باعتبار الانتهاء. وهؤلاء، وإن شقوا بعصيانهم، فقد سعدوا بإيمانهم. قال : ولا يقال: فعلى هذا لم يكن قوله: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ تقسيما صحيحا. لأنّ من شرطه أن يكون صفة كلّ قسم منتفية عن قسيمه. لأنّ ذلك الشّرط حيث التّقسيم لانفصال حقيقيّ، أو مانع من الجمع. وها هنا المراد أنّ أهل الموقف لا يخرجون عن القسمين، وأنّ حالهم لا يخلو عن السّعادة والشّقاوة.

و ذلك لا يمنع اجتماع الأمرين في شخص باعتبارين. أو لأنّ أهل النّار ينقلون منها إلى الزّمهرير وغيره من العذاب أحيانا. وكذلك أهل الجنّة ينعمون بما هو أعلى من الجنّة، كالاتّصال بجناب القدس والفوز برضوان اللَّه ولقائه. أو من أصل الحكم. والمستثنى زمان توقّفهم في الموقف للحساب. لأنّ ظاهره يقتضي أن يكونوا في النّار حين يأتي اليوم، أو مدّة لبثهم في الدّنيا والبرزخ، إن كان الحكم مطلقا غير مقيّد باليوم. وعلى هذا التّأويل يحتمل أن يكون الاستثناء من الخلود على ما عرفت.

و قيل : هو من قوله: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ.

و قيل : «إلّا» ها هنا بمعنى سوى- كقولك: عليّ ألف إلّا الألفان القديمان- والمعنى: سوى ما شاء ربّك من الزيّادة الّتي لا اخر لها على مدّة بقاء السّموات والأرض.انتهى، وعلى ما ذكرنا لا إشكال في الاستثناء.

إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ : من غير اعتراض.

وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ : غير مقطوع.

و قرأ  حمزة والكسائي وحفص: «سعدوا»- على البناء للمفعول- من: سعده اللَّه، بمعنى: أسعده. و«عطاء» نصب على المصدر المؤكّد. أي: أعطي عطاء. أو حال من «الجنّة».

في تفسير عليّ بن إبراهيم  في هذه الآية: «يوم يأت» والّتي بعدها: هذا في نار الدّنيا قبل يوم القيامة.

قال: وأمّا قوله: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها، يعني: في جنان الدّنيا الّتي تنقل إليها أرواح المؤمنين. ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ، يعني: غير مقطوع من نعيم الآخرة في الجنّة يكون متصلا به.

قال: وهو ردّ على من أنكر عذاب القبر والثّواب والعقاب في الدّنيا في البرزخ، قبل يوم القيامة.

و يؤيد هذا التّفسير قوله - تعالى- النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا.

قال الصّادق - عليه السّلام- إنّ هذا في نار البرزخ قبل القيامة، إذ لا غدوّ ولا عشيّ في القيامة. ثمّ قال- عليه السّلام-: ألم تسمع قول اللَّه - عزّ وجلّ-: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ!؟

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن بريد  بن معاوية، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في خطبة يوم الجمعة الخطبة الأولى: الحمد للّه. نحمده  ونستعينه،

و نستغفره ونستهديه- إلى أن قال- عليه السّلام-:

و قد أخبركم اللَّه عن منازل من آمن وعمل صالحا، وعن منازل من كفر وعمل في غير سبيله-. وقال: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ (الآيات). نسأل اللَّه الّذي جمعنا لهذا الجمع، أن يبارك لنا في يومنا هذا، وأن يرحمنا جميعا. إنّه على كلّ شي‏ء قدير.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى عبد اللَّه بن سلام مولى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال:

سألت: رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقلت: أخبرني أ يعذّب اللَّه- عزّ وجلّ- خلقا بلا حجّة؟ فقال: معاذ اللَّه! قلت: فأولاد المشركين في الجنّة أم في النّار؟ فقال: اللَّه- تبارك وتعالى- أولى بهم. إنّه إذا كان يوم القيامة، وجمع اللَّه- عزّ وجلّ- الخلائق لفصل القضاء ، يأتي بأولاد المشركين. فيقول لهم: عبيدي وإمائي! من ربّكم؟ وما دينكم؟ وما أعمالكم؟

فيقولون: اللّهم ربّنا! أنت خلقتنا، ولم نخلق  شيئا. وأنت أمتّنا، ولم نمت  شيئا. ولم تجعل لنا ألسنة [ننطق بها]  ولا أسماعا [نسمع بها] ، ولا كتابا نقرؤه، ولا رسولا فنتّبعه. ولا علم لنا إلّا ما علّمتنا.

قال: فيقول لهم- عزّ وجلّ-: عبيدي وإمائي! إن أمرتكم بأمر تفعلونه ؟

فيقولون: السّمع والطّاعة لك يا ربّنا! قال: فيأمر اللَّه- عزّ وجلّ- نارا يقال لها «الفلق» أشدّ شي‏ء في جهنّم عذابا.

فتخرج من مكانها سوداء مظلمة بالسّلاسل والأغلال. فيأمر [ها]  اللَّه- عزّ وجلّ- أن تنفخ في وجوه الخلائق نفخة. [فتنفخ‏] . فمن شدّة نفختها، تنقطع السّماء، وتنطمس النّجوم، وتجمد البحار، وتزول الجبال، وتظلم الأبصار، وتضع الحوامل حملها، وتشيب الولدان من هولها يوم القيامة.

ثمّ يأمر اللَّه- تبارك وتعالى- أطفال المشركين أن يلقوا أنفسهم في تلك النّار. فمن‏سبق له في علم اللَّه- عزّ وجلّ- أن يكون سعيدا، ألقى نفسه فيها، فكانت عليه بردا وسلاما، كما كانت على إبراهيم. ومن سبق له في علم اللَّه- عزّ وجلّ- أن يكون شقيّا، امتنع، فلم يلق نفسه في النّار. فيأمر اللَّه- تبارك وتعالى- النّار فتلتقطه  لتركه أمر اللَّه وامتناعه من الدّخول فيها، فيكون تبعا لآبائه في جهنّم. وذلك قول اللَّه- عزّ وجلّ-:

فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ- إلى قوله-: غَيْرَ مَجْذُوذٍ.

و حدثنا الشّريف  أبو عليّ محمّد بن أحمد [بن محمد]  بن عبد اللَّه بن الحسن [بن الحسين بن عليّ بن الحسين‏]  بن عليّ بن أبي طالب قال: حدّثنا [عليّ بن‏]  محمّد بن قتيبة النيّشابوريّ، عن الفضل بن شاذان، عن محمّد بن أبي عمير قال:

سألت أبا الحسن موسى بن جعفر- عليهما السّلام- عن معنى قول رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: الشّقيّ من شقيّ في بطن أمّه. [و السعيد من سعد في بطن امّه‏] .

فقال: الشّقيّ من علم اللَّه- عزّ وجلّ- وهو في بطن أمّه- أنّه يعمل عمل  الأشقياء.

و السّعيد من علم اللَّه- وهو في بطن أمّه- أنّه سيعمل عمل  السّعداء.

و في أصول الكافي : محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه خلق السّعادة والشّقاوة قبل أن يخلق خلقه. فمن خلقه اللَّه سعيدا، لم يبغضه أبدا. [و إن عمل شرّا، أبغض عمله ولم يبغضه‏] . [و إن كان شقيا، لم يحبّه أبدا، وإن عمل صالحا، أحبّ عمله وأبغضه، لما يصير إليه. فإذا أحبّ اللَّه شيئا، لم يبغضه‏]  أبدا . وإذا أبغض شيئا، لم يحبّه أبدا.

عليّ بن محمّد ، رفعه عن شعيب العقرقوفيّ، عن أبي بصير قال: كنت بين يدي أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- جالسا، وقد سأله سائل فقال: جعلت فداك- يا ابن رسول اللَّه-من أين لحق الشّقاء أهل المعصية حتّى حكم اللَّه لهم في علمه بالعذاب على عملهم؟ فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: أيّها السّائل! حكم اللَّه- عزّ وجلّ- أن لا يقوم  له أحد من خلقه [بحقّه‏] . فلمّا حكم بذلك، وهب لأهل محبّته القوّة على معرفته، ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم أهله. ووهب لأهل المعصية القوّة على معصيتهم، لسبق علمه فيهم ومنعهم إطاقة القبول منه. فواقعوا  ما سبق لهم في علمه، ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم من عذابه. لأنّ علمه أولى بحقيقة التّصديق. وهو معنى شاء ما شاء. وهو سرّه.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن النّضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن معلّى بن  عثمان، عن عليّ بن حنظلة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال:

يسلك بالسّعيد في طريق الأشقياء، حتّى يقول النّاس: ما أشبهه بهم، بل هو منهم! ثمّ تتداركه السّعادة. وقد يسلك بالشّقيّ طريق السّعداء، حتّى يقول النّاس: ما أشبهه بهم، بل هو منهم! ثمّ يتداركه الشّقاء. إنّ من كتبه اللَّه سعيدا- وإن لم يبق من الدّنيا إلّا فواق ناقة- ختم له بالسّعادة.

و في كتاب التّوحيد ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ اللَّه- تعالى- ينقل العبد من الشّقاء إلى السّعادة، ولا ينقله من السّعادة إلى الشّقاء.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى محمّد بن عبد اللَّه بن زرارة، عن عليّ بن عبد اللَّه، عن أبيه، عن جدّه، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: تحوّل النّطفة في الرّحم أربعين يوما. فمن أراد أن يدعو اللَّه- عزّ وجلّ- ففي تلك  الأربعين قبل أن تخلق. ثمّ يبعث اللَّه- عزّ وجلّ- ملك الأرحام. فيأخذها، فيصعد  بها إلى اللَّه- عزّ وجلّ- فيقف منه حيث شاء  اللَّه. فيقول: يا إلهي، أذكر أم أنثى؟ فيوحي‏اللَّه- عزّ وجلّ- ما يشاء، ويكتب الملك. [ثم يقول: يا إلهي  أشقيّ أم سعيد؟ فيوحي اللَّه- عزّ وجلّ- (من ذلك)  ما يشاء، ويكتب الملك.] .

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا محمّد بن القاسم المفسّر الجرجانيّ قال:

 

حدّثنا أحمد بن الحسن الحسينيّ، عن الحسن بن عليّ النّاصر [ي‏] ، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ، عن أبيه الرّضا، عن أبيه  موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين- عليهم السّلام- قال:

قيل لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: صف لنا الموت. فقال:

على الخبير سقطتم. هو أحد أمور ثلاثة يرد عليها : إمّا بشارة بنعيم الأبد [و إمّا بشارة بعذاب الأبد.]  وإمّا تخويف  وتهويل وأمر [ه‏]  مبهم لا يدرى من أيّ الفريقين هو. فأمّا وليّنا المطيع لأمرنا، فهو المبشّر بنعيم الأبد. وأمّا عدوّنا المخالف علينا، فهو المبشّر بعذاب الأبد.

و أمّا المبهم أمره الّذي لا يدري ما حاله، فهو المؤمن المسرف على نفسه، لا يدري ما يؤول إليه حاله. يأتيه الخبر  مبهما محزنا . ثمّ لن يسوّيه  اللَّه- عزّ وجلّ- بأعدائنا، لكن يخرجه من النّار بشفاعتنا.

فاعملوا وأطيعوا! ولا تنكلوا! ولا تستصغروا  عقوبة اللَّه- عزّ وجلّ-! فإنّ من المسرفين من لا تلحقه  شفاعتنا إلّا بعد عذاب ثلاثمائة ألف سنة.

و في كتاب الخصال : عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، [عن آبائه‏]  عن عليّ‏

 - عليهم السّلام- أنّه قال: حقيقة السّعادة أن يختم الرّجل عمله بالسّعادة. وحقيقة الشّقاوة أن يختم للمرء عمله بالشّقاوة.

عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: من علامات الشّقاء جمود العينين ، وقسوة القلب، وشدّة الحرص في طلب الرّزق، والإصرار على الذّنب.

و بالإسناد  عن عليّ- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال:

يا عليّ، أربع خصال من الشّقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وبعد الأمل، وحبّ البقاء.

و في تفسير العيّاشيّ ، عن مسعدة بن صدقة قال: قصّ أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- قصص أهل الميثاق من أهل الجنّة وأهل النّار، فقال في صفات أهل الجنّة: فمنهم من لقي اللَّه شهيدا لرسله- ثمّ مرّ  في صفتهم حتّى بلغ من قوله-:

ثمّ جاء الاستثناء من اللَّه في الفريقين جميعا، فقال الجاهل بعلم التّفسير: «إنّ هذا الاستثناء من اللَّه، إنّما هو لمن دخل الجنّة والنّار. وذلك أنّ الفريقين جميعا يخرجان منهما فيبقيان، وليس فيهما أحد».

و كذبوا! إنّما  عنى بالاستثناء أنّ  ولد آدم كلّهم وولد الجانّ معهم على الأرض، والسّموات تظلّهم، فهو ينقل المؤمنين حتّى يخرجهم إلى ولاية الشّياطين، وهي النّار.

فذلك الّذي عنى اللَّه في أهل الجنّة والنّار: ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ. يقول: في الدّنيا.

و اللَّه- تبارك وتعالى- ليس مخرج  أهل الجنّة منها [أبدا] . ولا كلّ أهل النّار منها [أبدا] . كيف يكون ذلك، وقد قال اللَّه- تعالى- في كتابه : ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً!؟ ليس فيهما استثناء.و كذلك‏

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: من دخل ولاية آل محمّد، دخل الجنّة. ومن دخل في ولاية عدوّهم، دخل النّار. وهذا الّذي عنى  اللَّه تفسير  من الاستثناء في الخروج من الجنّة والنّار والدخول.

عن زرارة  قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ (إلى آخر الآيتين). قال: هاتان الآيتان في غير أهل الخلود من أهل الشّقاوة والسّعادة. إن شاء اللَّه يجعلهم خارجين . ولا تزعم- يا زرارة!- أنّي أزعم ذلك.

حمران  قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- قلت : جعلت فداك، قول اللَّه- عزّ وجلّ-: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ لأهل النّار.

أ فرأيت قوله لأهل الجنّة: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ؟

قال: نعم. إن شاء، جعل لهم دنيا، فردّهم وما شاء .

و سئل  عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ فقال: هذه في الّذين يخرجون من النّار.

عن أبي بصير ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ قال:

في ذكر أهل النّار استثنى . وليس في ذكر أهل الجنّة استثناء . أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ- إلى قوله:- عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ .

و في رواية حمّاد ، عن حريز، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [بالذال‏] .فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ: في شكّ بعد ما أنزل عليك القصص في سوء عاقبة عبدة الأوثان وغيرهم.

مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ: من عبادة هؤلاء المشركين في أنّها ضلال مؤدّ إلى مثل ما حلّ بمن قبلهم ممّن قصصت عليك سوء عاقبة  عبادتهم. أو: من حال ما يعبدونه فإنّه لا يضرّ ولا ينفع.

ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ:

استئناف معناه تعليل النّهي عن المرية، أي: هم وآباؤهم سواء في الشّرك. أي:

ما يعبدون عبادة إلّا كعبادتهم. أو: ما يعبدون شيئا إلّا مثل ما عبدوه من الأوثان، وقد بلغك ما لحق آباءهم من ذلك، فسيلحقهم مثله. لأنّ التّماثل في الأسباب، يقتضي التماثل في المسبّبات.

و معنى «كما يعبد»: كما كان يعبد. فحذف لدلالة «من قبل» عليه.

وَ إِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ: حظّهم من العذاب- كآبائهم- أو من الرّزق. فيكون عذرا لتأخّر العذاب عنهم مع قيام ما يوجبه.

غَيْرَ مَنْقُوصٍ :

حال من النّصيب لتقييد التّوفية. فإنّك تقول: وفّيته حقّه. ويريد به وفاء بعضه، ولو مجازا.

وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ، فآمن به قوم، وكفر به قوم، كما اختلف هؤلاء في القرآن.

وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ، يعني: كلمة الإنظار إلى يوم القيامة، لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بإنزال ما يستحقّه المبطل، ليتميّز به عن المحقّ.

و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسين بن عبد الرّحمن، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ آتَيْنا- إلى قوله:- فِيهِ قال: اختلفوا كما اختلفت هذه الأمّة في الكتاب وسيختلفون في الكتاب الّذي مع القائم الّذي يأتيهم به، حتّى ينكره ناس‏كثير، فيقدّمهم فيضرب أعناقهم. وأمّا قوله: وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ  (مِنْ رَبِّكَ) لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ، قال: لو لا ما تقدّم فيهم من اللَّه- عزّ ذكره- ما أبقى القائم منهم أحدا .

وَ إِنَّهُمْ: وإنّ كفّار قومك لَفِي شَكٍّ مِنْهُ: من القرآن مُرِيبٍ : موقع للرّيبة.

وَ إِنَّ كُلًّا: كلّ  المختلفين، المؤمنين منهم والكافرين.

و التّنوين بدل المضاف إليه.

و قرأ  ابن كثير ونافع وأبو بكر بالتّخفيف مع الإعمال، اعتبارا للأصل.

لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ:

في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: في القيامة.

و اللّام الأولى موطّئة للقسم، والثّانية للتّأكيد، أو بالعكس. و«ما» مزيدة بينهما للفصل.

و قرأ  ابن عامر وحمزة: «لمّا»- بالتّشديد- على أنّ أصله: «لمن ما» فقلبت النّون ميما [للإدغام. فاجتمعت ثلاث ميمات‏]  فحذفت أولاهنّ. والمعنى: لمن الّذين يوفّينّهم ربّك جزاء أعمالهم.

و قرئ : «لمّا»- بالتنوين- أي: جميعا، كقوله : أَكْلًا لَمًّا. وإِنْ كُلٌّ لَمَّا على أنّ «إن» نافية و«لمّا» بمعنى إلّا. وقد قرئ به .

إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ  فلا يفوته شي‏ء منه، وإن خفي.

فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ:

لمّا بيّن أمر المختلفين في التّوحيد والنّبوّة، وأطنب في شرح الوعد والوعيد، أمر رسوله- صلّى اللَّه عليه وآله- بالاستقامة مثل ما أمر بها. وهي شاملة للاستقامة في العقائد- كالتّوسّط بين التّشبيه والتّعطيل بحيث يبقى العقل مصونا من الطّرفين- والأعمال، من‏تبليغ الوحي وبيان الشّرائع كما أنزل، والقيام بوظائف العبادات من غير تفريط وإفراط مفوّت للحقوق، ونحوها. وهو غاية العسر.

و قد مرّ

ما روي عنه- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال: شيّبتني سورة هود.

وَ مَنْ تابَ مَعَكَ، أي: تاب من الكفر والشّرك وآمن معك.

و هو عطف على المستكنّ في «استقم» وإن لم يؤكّد بمنفصل، لقيام الفاصل مقامه.

وَ لا تَطْغَوْا: ولا تخرجوا عمّا حدّ لكم.

إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ  فهو مجازيكم عليه. وهو في معنى التّعليل للأمر والنّهي.

و في الآية دليل على وجوب اتّباع النّصوص من غير تصرّف وانحراف بنحو قياس.

و في الجوامع ، عن الصّادق- عليه السّلام-: [فَاسْتَقِمْ‏]  كَما أُمِرْتَ، أي:

كما  افتقر إلى اللَّه بصحّة العزم.

و عن ابن عبّاس : ما نزلت آية كانت أشقّ على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- من هذه الآية. ولهذا قال: شيّبتني هود والواقعة وأخواتها.

وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا: ولا تميلوا إليهم أدنى ميل- فإنّ الرّكون هو الميل اليسير- فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ بركونكم إليهم.

و إذا كان الرّكون إلى من وجد منه ما يسمّى ظلما كذلك، فما ظنّك بالرّكون إلى الظّالمين- أي: الموسومين بالظّلم- ثمّ بالميل إليهم كلّ الميل، ثمّ بالظّلم على نفسه والانهماك فيه!؟

و لعلّ الآية أبلغ ما يتصوّر في النّهي عن الظّلم والتّهديد عليه.

و خطاب الرّسول ومن معه من المؤمنين بها، للتّثبّت على الاستقامة الّتي هي العدل. فإنّ الزوال عنها بالميل إلى أحد طرفي إفراط وتفريط، فإنّه ظلم على نفسه أو غيره، بل ظلم في نفسه.و قرئ : «فتمسّكم»- بكسر التّاء- على لغة تميم. و«تركنوا» على البناء للمفعول، من أركنه.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا. قال: ركون مودّة ونصيحة وطاعة.

و في مجمع البيان : وروي عنهم- عليهم السّلام- مثله.

 

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، رفعه عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَلا تَرْكَنُوا- إلى قوله:- النَّارُ قال: هو الرّجل يأتي السّلطان فيحبّ بقاءه إلى أن يدخل يده في  كيسه فيعطيه.

و في روضة الكافي  كلام لعليّ بن الحسين- عليهما السّلام- في الوعظ والزّهد في الدّنيا: ولا تركنوا إلى الدّنيا! فإنّ اللَّه- عزّ وجلّ- قال لمحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-: وَلا تَرْكَنُوا- إلى قوله:- النَّارُ.

و في كتاب الخصال : وعن الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- قال: قال إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أوصى [إلى أمير المؤمنين‏]  عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وكان فيما  أوصى به- إلى أن قال:- لا تركن إلى ظالم، وإن كان حميما قريبا.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: وَلا تَرْكَنُوا (الآية) قال: أما إنّه لم يجعلها خلودا، ولكن تمسّكم. فلا تركنوا إليهم.

و في الآية دلالة على وجوب العصمة في الإمام وأولي الأمر. لأنّ الإمام واجب الإطاعة، بقوله : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. ووجوب الإطاعة يستلزم الرّكون. وغير المعصوم من يصدر عنه الذّنب أحيانا، فيصدق عليه أنّه من الّذين‏

ظلموا. والرّكون إليه منهيّ عنه.

وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ: من أنصار يمنعون العذاب عنكم.

ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ : ثمّ لا ينصركم اللَّه، إذ سبق في حكمه أن يعذّبكم به ولا يبقى عليكم.

و «ثمّ» لاستبعاد نصره إيّاهم، وقد أوعدهم بالعذاب عليه وأوجبه لهم. ويجوز أن يكون منزلا منزلة الفاء لمعنى الاستبعاد. فإنّه لمّا بيّن أنّ اللَّه- تعالى- يعذّبهم، وأنّ غيره لا يقدر على نصرهم، أنتج ذلك أنهم لا ينصرون أصلا.

وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ: غدوة وعشيّة.

و انتصابه على الظّرف، لأنّه مضاف إليه.

وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ: وساعات منه قريبة من النّهار. فإنّه من: أزلفه: إذا قرّبه. وهو جمع زلفة.

و في تهذيب الأحكام : أحمد بن محمّد بن عيسى، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: وقال في ذلك وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ. وطرفاه  المغرب والغداة، وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ هي صلاة العشاء الآخرة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام- مثله .

 

و قيل : صلاة العشيّة والعصر.

و قيل : الظّهر. وصلاة الزّلف المغرب والعشاء.

و قرئ : «زلفا» بضمّتين وضمّة وسكون، كبسر وبسر في بسرة. و«زلفى» بمعنى زلفة، كقربى وقربة.

إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ: يكفرّنها.

و في الحديث النّبوّي المشهور : أنّ الصّلاة إلى الصّلاة كفّارة ما بينهما ما اجتنب‏الكبائر.

و في الكافي : محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عمّن حدّثه عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ قال: صلاة المؤمن بالّليل تذهب بما عمل من ذنب بالنّهار.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن فضيل  بن عثمان المراديّ قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أربع من كنّ فيه لم يهلك على اللَّه بعدهنّ إلّا هالك: يهمّ العبد بالحسنة فيعملها.

فإن هو لم يعملها، كتب اللَّه له حسنة . وإن هو عملها، كتب اللَّه له عشرا. ويهمّ بالسّيّئة أن يعملها. فإن لم يعملها، لم يكتب عليه شي‏ء. وإن هو عملها، أجّل سبع ساعات، وقال صاحب الحسنات لصاحب السّيّئات- وهو صاحب الشّمال-: لا تعجل. عسى أن يتبعها  بحسنة تمحوها. فإنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ. أو الاستغفار. فإن هو قال: «أستغفر اللَّه الّذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشّهادة العزيز الحكيم الغفور الرّحيم ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه»، لم يكتب عليه شي‏ء. وإن مضت سبع ساعات، ولم يتبعها  بحسنة واستغفار، قال صاحب الحسنات لصاحب السّيّئات:

أكتب على الشّقيّ المحروم.

و في مجمع البيان : وروى أصحابنا عن ابن محبوب، عن إبراهيم الكرخيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال:

و اعلم أنّه ليس شي‏ء أضرّ عاقبة، ولا أسرع ندامة، من الخطيئة. وأنّه ليس شي‏ء أشدّ طلبا، ولا أسرع دركا للخطيئة، من الحسنة. أما إنّها تدرك الذّنب العظيم القديم المنسيّ عند صاحبه، فتنحته  وتسقطه وتذهب به بعد إثباته . وذلك قوله‏- سبحانه-: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ.

و روي  عن أبي حمزة الثّماليّ قال: سمعت أحدهما- عليهما السّلام- يقول: إنّ عليّا- عليه السّلام- قال:

 

سمعت حبيبي رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقول: أرجى آية في كتاب اللَّه:

أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ- وقرأ الآية كلّها قال:- يا عليّ، والّذي بعثني بالحقّ  بشيرا ونذيرا، إنّ أحدكم ليقوم إلى وضوئه، فتساقط عن جوارحه الذّنوب. فإذا استقبل اللَّه بقلبه ووجهه، لم ينفتل وعليه من ذنوبه شي‏ء، كما ولدته أمّه. فإن أصاب شيئا بين الصّلاتين، كان له مثل ذلك- حتّى عدّ الصّلوات الخمس ثمّ قال:- [يا عليّ،]  إنّما مثل الصّلوات الخمس لأمّتي، كنهر جار على باب أحدهم. فما يظنّ أحدكم لو  كان في جسده درن، ثمّ اغتسل في ذلك النّهر خمس مرّات، أ كان يبقى في جسده درن!؟ فكذلك- واللَّه- الصّلوات الخمس لأمّتي.

و في أمالي شيخ الطّائفة  بإسناده إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل.

 

و فيه يقول- عليه السّلام-: وإنّ اللَّه- تبارك وتعالى- يكفّر بكلّ حسنة سيّئة. قال اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ.

و في كتاب ثواب الأعمال  عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لا يغرّك النّاس من نفسك. فإنّ الأمر يصل إليك من  دونهم. ولا تقطع النّهار بكذا وكذا. فإنّ معك من يحفظ عليك.

و لم أر شيئا قطّ أشدّ طلبا ولا أسرع دركا من الحسنة المحدثة  للذّنب القديم  ولا تصغّر شيئا من الخير. [فإنّك تراه غدا حيث يسرّك. ولا تصغّر شيئا من الشّر.]  فإنّك‏تراه غدا حيث يسوءك. إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ.

و في تفسير العيّاشيّ : عن إبراهيم الكرّخيّ قال: كنت عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-. فدخل [عليه‏]  مولى له فقال: يا فلان، متى جئت؟ فسكت. فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-:

جئت من ها هنا ومن  ها هنا. انظر بما تقع  به يومك. فإنّ معك ملكا موكّلا يحفظ عليك ما تعمل. فلا تحتقر  سيّئة، وإن كانت صغيرة. فإنّها ستسوؤك  يوما. ولا تحتقر  حسنة. فإنّه ليس شي‏ء أشدّ طلبا، ولا أسرع دركا، من الحسنة. إنّها لتدرك الذّنب العظيم القديم، فتذهب به. وقال اللَّه في كتابه: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ.

قال : صلاة اللّيل تذهب بذنوب النّهار. وقال: تذهب ما  جرحتم.

عن إبراهيم بن عمر ، رفعه إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه: أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ- إلى:- السَّيِّئاتِ. فقال: صلاة المؤمن  باللّيل تذهب  بما عمل من ذنب النّهار.

عن سماعة بن مهران  قال: سأل  أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- رجل من أهل الجبال عن رجل أصاب مالا من أعمال السّلطان، فهو يتصدّق به، ويصل قرابته، ويحجّ، [ليغفر]  له ما اكتسب، وهو يقول: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ. فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: [إنّ الخطيئة لا تكفّر الخطيئة، ولكنّ الحسنة تكفّر الخطيئة. ثمّ قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-:]  إن كان خلط الحلال حراما ، فاختلط جميعا، فلم‏يعرف الحلال من الحرام، فلا بأس.

و عنه  في رواية المفضّل بن سويد أنّه قال: انظر ما أصبت ، فعد به على إخوانك. فإنّ اللَّه- تعالى- يقول: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ.

قال المفضّل: كنت خليفة أخي على الدّيوان. قال: وقد قلت: جعلت فداك، قد ترى مكاني من هؤلاء القوم. فما ترى لي؟ قال: لو لم تكن كنت .

عن المفضّل بن مزيد  الكاتب  قال: دخل عليّ أبو عبد اللَّه - عليه السّلام- وقد أمرت أن أخرج لبني هاشم جوائز. فلم أعلم إلّا وهو على رأسي وأنا مستخل  فوثبت إليه. فسألني عمّا أمر لهم. فناولته الكتاب. فقال: ما أرى  لإسماعيل ها هنا شيئا؟

فقلت: هذا الّذي خرج إلينا. ثمّ قلت له: جعلت فداك، قد ترى مكاني من هؤلاء القوم. فقال لي: انظر ما أصبت، فعد به على إخوانك . فإنّ اللَّه يقول: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ.

 [و قرأ  ابن خرّاش  عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ‏]  قال: صلاة اللّيل يكفّر ما عمل من ذنوب النّهار.

ذلِكَ:

قيل : إشارة إلى قوله: «فاستقم» وما بعده.

و قيل : إلى القرآن.

ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ : عظة للمتّعظين.وَ اصْبِرْ على الطّاعات وعن المعاصي.

فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ :

عدل عن المضمر، لأنّه كالبرهان على المقصود، ودليل على أنّ الصّلاة والصبر إحسان وإيماء بأنّه لا يعتدّ بهما دون إخلاص.

فَلَوْ لا كانَ: فهلا كان مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ:

المراد: أولو بقيّة من الرّأي والعقل. أو: أولو فضل. وإنّما سمّي «بقيّة» لأنّ الرّجل يستبقي أفضل ما يخرجه. ومنه يقال: فلان من  بقيّة القوم، أي: من خيارهم.

و قولهم: في الزّوايا خبايا، وفي الرّجال بقايا.

و يجوز أن يكون مصدرا، كالتّقيّة. أي: ذوو إبقاء على أنفسهم وصيانة لها من العذاب. ويؤيّده أنّه قرئ : «بقية» وهي المرّة مصدر بقاه يبقه إذا راقبه.

إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ: لكن قليلا ممّن أنجيناهم، لأنّهم كانوا كذلك.

و لا يصحّ اتّصاله إلّا إذا جعل استثناء من النّفي اللّازم للتّحضيض. والمعنى:

ليس من القرون من قبلهم أولو بقيّة ينهون عن الفساد إلّا قليلا- إلى آخره.

وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ: ما أنعموا فيه من الشّهوات، واهتمّوا بتحصيل أسبابها، وأعرضوا عمّا وراء ذلك.

وَ كانُوا مُجْرِمِينَ : كافرين.

كأنّه أراد أن يبيّن ما كان السّبب لاستئصال الأمم السّالفة. وهو فشوّ الظّلم فيهم، واتّباعهم للهوى، وترك النّهي عن المنكرات، مع الكفر.

و قوله: «و اتّبع» عطف على مضمر دلّ عليه الكلام، إذ المعنى: فلم ينهوا عن الفساد واتّبع الّذين ظلموا. «و كانوا مجرمين» عطف على «اتّبع» أو اعتراض.

و قرئ : «أتبع»، أي: وأتبعوا جزاء ما أترفوا. فيكون الواو للحال. ويجوز أن يفسّر به المشهورة. ويعضده تقدّم الإنجاء.

وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ:قيل : بشرك.

وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ  فيما بينهم، لا يضمّون إلى شركهم فسادا، ولا تباغيا.

و ذلك لفرط رحمته ومسامحته في حقوقه. ومن ذلك قيل: الملك يبقى مع الكفر، ولا يبقى مع الظّلم.

و في مجمع البيان ، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- [أنّه قال‏] : وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ينصف بعضهم من بعض .

وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً: مسلمين كلّهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أي: على مذهب واحد.

وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ : بعضهم على الحقّ، وبعضهم على الباطل، لا تكاد تجد اثنين يتّفقان مطلقا.

إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ: إلّا أناسا  هداهم اللَّه من فضله، فاتّفقوا على ما هو أصول دين الحقّ والعمدة فيه.

وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ:

قيل : إن كان الضّمير للنّاس، فالإشارة إلى الاختلاف، واللّام للعاقبة. أو إليه وإلى الرّحمة. وإن كان ل «من»، فإلى الرّحمة.

و في كتاب علل الشّرائع : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رضي اللَّه عنه- قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد اللَّه بن سنان قال:

سئل أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ- إلى قوله:- وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ فقال: كانوا أمّة واحدة. فبعث اللَّه النّبيّين، ليتّخذ عليهم الحجّة.و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللَّه بن سنان قال:

سئل أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- تبارك وتعالى-: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً [وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ. فقال: كانوا أمّة واحدة.]  فبعث اللَّه النّبيّين، ليتّخذ عليهم الحجّة.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذّاء قال:

سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن الاستطاعة وقول النّاس. فقال  وتلا هذه الآية: وَلا يَزالُونَ- إلى قوله:- خَلَقَهُمْ : يا أبا عبيدة، النّاس مختلفون في إصابة القول، وكلّهم هالك.

قال: قلت: قوله: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ. قال: هم شيعتنا. ولرحمته خلقهم.

و هو قوله: وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ. يقول: لطاعة الإمام، الرّحمة الّتي يقول : وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ. يقول: علم الإمام، ووسع علمه الّذي هو من علمه كلّ شي‏ء. [هم شيعتنا] .

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى عليّ بن سالم ، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ- إلى قوله:- خَلَقَهُمْ قال: خلقهم ليفعلوا ما يستوجبوا به رحمة اللَّه، فيرحمهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال [في قوله‏] : لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ في الدّين إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ‏]  ويعني: آل محمّد وأتباعهم. يقول اللَّه: وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ، يعني: أهل رحمة

 لا يختلفون في الدّين.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللَّه- عن عليّ- عليه السّلام- قال: لمّا خطب أبو بكر قام [إليه‏]  ابيّ بن كعب، فقال: يا معاشر المهاجرين الّذين- إلى قوله:- ويا معاشر الأنصار- إلى قوله:- ثم أخبرنا باختلافكم [فقال‏] : وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ، أي: للرّحمة. وهم آل محمّد.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عبد اللَّه بن غالب، عن أبيه، عن رجل قال: سألت عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- عن قول اللَّه: وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ. [قال: عنى بذلك من خالفنا من هذه الأمّة. وكلّهم يخالف بعضهم بعضا في دينهم. وأمّا قوله:]  إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ. قال : فأولئك أولياؤنا من المؤمنين. ولذلك خلقهم من الطّينة الطيّبة . أما تسمع لقول إبراهيم : رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ. قال: إيّانا عنى وأولياءه [شيعته‏]  وشيعة وصيّه. قال .

وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ. قال: عنى بذلك- [و اللَّه‏] - من جحد وصيّه، ولم يتّبعه من أمّته. وكذلك- واللَّه- حال هذه الأمّة.

عن سعيد بن المسيّب ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- في قوله: وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ: فأولئك هم أولياؤنا من المؤمنين. ولذلك خلقهم من الطّينة الطيّبة - إلى آخر ما سبق-.

يعقوب بن سعيد ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللَّه

 - عزّ وجلّ-: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. قال: خلقهم للعبادة. قال:

قلت: وقوله: وَلا يَزالُونَ- إلى قوله:- وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ. فقال: نزلت هذه بعد تلك.

وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ: وعيده، أو قوله للملائكة.

لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، أي: من عصاتهما أَجْمَعِينَ ، أي: منهما أجمعين، لا من أحدهما.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وهم الّذين سبق لهم الشّقاء، فحقّ عليهم القول أنّهم للنّار خلقوا. وهم الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك أنّهم لا يؤمنون.

وَ كُلًّا: وكلّ نبأ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ: نخبرك به.

ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ:

بيان لكلّ، أو بدل منه. وفائدته التّنبيه على المقصود من الاقتصاص، وهو زيادة يقينه وطمأنينة قلبه، وثبات نفسه على أداء الرّسالة واحتمال أذى الكفّار. أو مفعول، و«كلا» منصوب على المصدر. بمعنى: كلّ نوع من أنواع الاقتصاص نقصّ عليك ما نثبّت به فؤادك من أنباء الرّسل.

وَ جاءَكَ فِي هذِهِ السّورة أو الأنباء المقتصّة عليك الْحَقُّ: ما هو حقّ.

وَ مَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ :

إشارة إلى سائر فوائده العامّة.

وَ قُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ: على حالكم.

إِنَّا عامِلُونَ  على حالنا.

وَ انْتَظِرُوا بنا الدّوائر.

إِنَّا مُنْتَظِرُونَ  أن ينزل بكم نحو ما نزل على أمثالكم.

وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: خاصّة، لا يخفى عليه خافية ممّا فيهما.

و في مجمع البيان : وقد وجدت بعض المشايخ- ممّن يتّسم بالعدوان  والتّشنيع- قد ظلم الشّيعة الإماميّة في هذا الموضع من تفسيره، فقال: هذا يدلّ على أنّ اللَّه- سبحانه- يختصّ  بعلم الغيب، خلافا لما يقوله الرّافضة إنّ الأئمّة- عليهم السّلام- يعلمون الغيب.

و لا شكّ أنّه عنى بذلك من يقول بإمامة الأئمّة  الاثني عشر، ويدين بأنّهم أفضل الأنام بعد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. فإنّ هذا دأبه  وديدنه  فيهم . يشنع في مواضع كثيرة من كتابه عليهم، وينسب القبائح والفضائح إليهم. ولا نعلم أنّ  أحدا منهم استجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق. وإنّما يستحقّ الوصف بذلك من يعلم جميع المعلومات لا بعلم مستفاد. وهذه صفة القديم- سبحانه- العالم لذاته لا يشركه فيها  أحد من المخلوقين. ومن اعتقد أنّ غير اللَّه- سبحانه- يشركه في هذه الصّفة، فهو خارج عن ملّة الإسلام.

فأمّا

ما نقل عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- ورواه عنه الخاصّ والعامّ، من الأخبار بالغائبات في خطب الملاحم وغيرها، مثل قوله- يومئ إلى صاحب الزّنج -: «كأنّي به- يا أحنف- وقد سار بالجيش الّذي ليس له غبار ولا لجب، ولا قعقعة لجم ، ولا صهيل خيل. يثيرون الأرض بأقدامهم، كأنّها أقدام النّعام».

و

قوله يشير إلى مروان بن الحكم:

 «أما إنّ له إمرة كلعقة  الكلب أنفه. وهو أبو الأكبش الأربعة . وستلقى الأمّة منه ومن‏ولده موتا أحمر».

و ما نقل من هذا الفنّ عن أئمّة الهدى من أولاده- عليهم السّلام- مثل‏

ما قاله أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: لعبد اللَّه بن الحسن- وقد اجتمع  هو وجماعة من العلوّيّة والعبّاسيّة ليبايعوا ابنه محمّدا-: «و اللَّه ما هي إليك، ولا إلى  ابنيك، ولكنّها لهم- وأشار إلى العبّاسيّة- وأنّ ابنيك لمقتولان» ثمّ قام  وتوكّأ على يد عبد العزيز بن عمران الزّهريّ فقال له: «أ رأيت صاحب الرّداء الأصفر؟». يعني أبا جعفر المنصور. قال: نعم. فقال: «إنّا واللَّه  نجده يقتله» فكان كما قال .

قال : ومثل‏

قول الرضا: «بورك  قبر  بطوس، وقبران ببغداد». فقيل له: قد  عرفنا واحدا، فما  الآخر؟ قال: «ستعرفونه». ثمّ قال: «قبري وقبر هارون هكذا»- وضمّ أصبعيه -.

و

قوله في القصّة المشهورة لأبي حبيب النباجي - وقد ناوله قبضة من‏التّمر-: «لو زادك رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لزدناك».

و

قوله في حديث علي بن أحمد الوشّاء- حين قدم مرو  من الكوفة-: «معك حلّة في السّفط  الفلانيّ، دفعتها إليك ابنتك وقالت : اشتر لي بثمنها فيروزجا»

- والحديث مشهور-.

إلى غير ذلك ممّا روي عنهم- عليهم السّلام-، فإنّ جميع ذلك متلقّى عن الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله- ممّا أطلعه اللَّه- تعالى- عليه. فلا معنى لنسبة  من روى عنهم- عليهم السّلام- هذه الأخبار المشهورة إلى أنّه يعتقد كونهم عالمين للغيب. وهل هذا إلّا سبب قبيح وتضليل ، بل تكفير!؟ و لا يرتضيه من هو بالمذهب خبير. واللَّه يحكم [بينه و]  بينهم. وإليه المصير.

و أقول: بعض ذلك متلقّى عن الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله- وبعضه بتحديث الملك. وكلاهما إلقاء من اللَّه- تعالى- للغيب إليهم. ولا ينافي ذلك اختصاص الغيب باللّه- تعالى-. إذ معناه: لا يعلمه غيره إلّا بإلقائه- تعالى- بأحد الطّريقين المذكورين.

وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فيرجع لا محالة أمرك وأمرهم إليه.

فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ، فإنّه كافيك.

و في تقديم الأمر بالعبادة على التّوكّل، تنبيه على أنّه إنّما ينفع العابد.

وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ  أنت وهم، فيجازي كلا ما يستحقّه.

و قرأ  نافع وحفص وابن عامر  بالياء هنا وفي آخر النّمل.تفسير سورة يوسف‏