سورة يونس الآية 21-40

وَ إِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً: صحّة وسعة.مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ»، كقحط ومرض.

إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا: بالطّعن فيها والاحتيال في دفعها.

قيل : قحط أهل مكّة سبع سنين، حتّى كادوا يهلكون. ثمّ رحمهم بالمطّر، فطفقوا يقدحون في آيات اللَّه ويكيدون رسوله.

قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً: منكم، قد دبّر عقابكم قبل أن تدبّروا كيدكم. وإنّما دلّ على سرعتهم المفضّل عليها كلمة المفاجأة الواقعة جوابا «لإذا» الشّرطيّة.

فالمكر إخفاء الكيد. وهو من اللَّه إمّا الاستدراج، أو الجزاء على المكر.

إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ : تحقيق للانتقام، وتنبيه على أنّ ما دبّروا في إخفائه لم يخف على الحفظة فضلا عن أن يخفى على اللَّه.

و عن يعقوب : «يمكرون» بالياء، ليوافق ما قبله.

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ: يحملكم على السّير، ويمكّنكم منه.

فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ: في السّفن.

وَ جَرَيْنَ بِهِمْ: بمن فيها.

عدل عن الخطاب إلى الغيبة، للمبالغة، كأنّه تذكرة لغيرهم ليتعجبّ من حالهم وينكر عليهم.

بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ: لينة الهبوب.

وَ فَرِحُوا بِها: بتلك الرّيح.

جاءَتْها: جواب «إذا». والضّمير «للفلك» أو «للرّيح الطّيّبة»، بمعنى:

تلقّتها.

رِيحٌ عاصِفٌ: شديدة الهبوب.

وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ: يجي‏ء الموج منه.

وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ: اهلكوا وسدّت عليهم مسالك الخلاص، كمن أحاط به العدوّ.

دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ: من غير إشراك، لتراجع الفطرة وزوال المعارض من شدّة الخوف. وهو بدل من «ظنّوا» بدل اشتمال، لأنّ دعاءهم من لوازم‏ظنّهم.

لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ : على إرادة القول. أو مفعول «دعوا» لأنّه من جملة القول.

فَلَمَّا أَنْجاهُمْ: إجابة لدعائهم.

إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ: فاجئوا الفساد فيها وسارعوا إلى ما كانوا عليه.

بِغَيْرِ الْحَقِّ: مبطلين فيه. وهو احتراز عن تخريب المسلمين ديار الكفرة وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم، فإنّها إفساد بحقّ.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أسباط ومحمّد بن أحمد، عن موسى بن القاسم البجليّ [عن علي بن أسباط] ، عن أبي الحسن- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: فإن اضطرب بك البحر، فاتّكِ على جانبك الأيمن وقل: بسم اللَّه، اسكن بسكينة اللَّه، وقرّ بوقار اللَّه، واهدأ بإذن اللَّه، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.

يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ: فإنّ وباله عليكم. أو إنّه على أمثالكم وأبناء جنسكم.

مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا: لا تبقى، ويبقى عقابها.

و رفعه، على أنّه خبر «بغيكم»، و«على أنفسكم» صلته. أو خبر محذوف، تقديره: ذلك متاع الحياة الدّنيا، و«على أنفسكم» خبر «بغيكم».

و نصبه  حفص، على أنّه مصدر مؤكّد، أي: تتمتّعون متاع الحياة الدّنيا. أو مفعول البغي، لأنّه بمعنى الطّلب، فيكون الجارّ من صلته، والخبر محذوف، تقديره:

بغيكم متاع الحياة الدّنيا محذور أو ضلال. أو مفعول فعل دلّ عليه البغي، و«على أنفسكم» خبره.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في كتابه الّذي كتبه إلى شيعته، ويذكر خروج عائشة [إلى البصرة وعظّم خطأ طلحة والزبير فقال: وأيّ خطيئة أعظم ممّا أتيا، أخرجا زوجة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-]  من بيتها: وكشفاعنها حجابا ستره اللَّه عليها، وصانا حلائلهما في بيوتهما. ما أنصفا لا للّه ولا لرسوله من أنفسهما ثلاث خصال، مرجعها على النّاس في كتاب اللَّه: البغي والمكر والنّكث. قال اللَّه: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ. وقال: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ. وقال: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ. وقد بغيا علينا، ونكثا بيعتي، ومكرا بي.

و في تفسير العيّاشي : عن منصور بن يونس، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال:

ثلاث يرجعن على صاحبهنّ: النّكث والبغي والمكر. قال اللَّه: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ.

ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ: في القيامة.

فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : بالجزاء عليه.

إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا: حالها العجيبة في سرعة تقضّيها وذهاب نعيمها، بعد إقبالها واغترار النّاس بها.

كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ: فاشتبك بسببه، حتّى خالط بعضها بعضا.

مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ: من الزّروع والبقول والحشيش.

حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ: بأصناف النّبات وأشكالها وألوانها المختلفة، كعروس أخذت من ألوان الثّياب والتّزيّن، فتزيّنت بها.

و «ازّيّنت» أصله: تزيّنت، فأدغم.

و قد قرئ  على الأصل: «و ازينت». على «أفعلت» من غير إعلال، كأغيلت. والمعنى: صارت ذات زينة. و«ازيانت»، كابياضت.

وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها: متمكّنون من حصدها ودفع غلّتها.

أَتاها أَمْرُنا: ضرب زرعها ما يجتاحه.

لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها: زرعها.

حَصِيداً: شبيها بما حصد من أصله.كَأَنْ لَمْ تَغْنَ: كأن لم يغن زرعها، أي: لم يلبث. فالمضاف محذوف في الموضعين، للمبالغة.

و قرئ ، بالياء، على الأصل.

بِالْأَمْسِ: فيما قبله. وهو مثل في الوقت القريب. والممثّل به مضمون الحكاية، وهو زوال خضرة النّبات فجأة وذهابه حطاما بعد ما كان غضّا والتفّ وزيّن الأرض حتّى طمع فيه أهله وظنّوا أنّه قد سلم من الجوائح لا الماء، وإن وليه حرف التّشبيه. لأنّه من التّشبيه المركّب.

كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ : فإنّهم المنتفعون به.

و في روضة الكافي ، كلام لعليّ بن الحسين- عليهما السّلام- في الوعظ والزّهد في الدّنيا. يقول فيه- عليه السّلام-: فازهدوا فيما زهّدكم- عزّ وجلّ- فيه من عاجل الدّنيا.

فإنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يقول وقوله الحقّ: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا (إلى آخر الآية). فكونوا عباد اللَّه من القوم الّذين يتفكّرون.

و فيها  خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام-. وفيها: فاجعلوا عبادة اللَّه  اجتهادكم في هذه ، التّزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطّويل، فإنّها دار عمل والآخرة دار القرار والجزاء. فتجافوا عنها، فإنّ المغترّ من اغترّ بها. لن تعدو الدّنيا إذا تناهت إليه أمنية أهل الرّغبة فيها، المحبّين لها، المطمئنّين إليها، المفتونين بها أن تكون، كما قال اللَّه- عزّ وجلّ-: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن محمّد بن الفضيل، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، بلغنا أنّ لآل جعفر راية ولآل العبّاس رايتين. فهل انتهى إليك من علم ذلك شي‏ء؟

قال: أمّا آل جعفر، فليس بشي‏ء ولا إلى شي‏ء. وأمّا آل العبّاس، فإنّ لهم ملكا مبطئا، يقرّبون فيه البعيد ويبعّدون فيه القريب، وسلطانهم عسر ليس فيه  يسر، حتّى‏

إذا أمنوا مكر اللَّه وأمنوا عقابه صيح فيهم صيحة لا يبقى لهم منال يجمعهم ولا آذان تسمعهم. وهو قول اللَّه - عزّ وجلّ-: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ (الآية).

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة : حدّثنا أبو الحسن، عليّ بن موسى بن إبراهيم بن محمّد بن عبد اللَّه [بن موسى‏]  بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال: وجدت في كتاب أبي- رضي اللَّه عنه- قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن الطّوّال، عن أبيه، عن الحسن بن عليّ الطّبرسي، عن أبي جعفر، محمّد [بن الحسن‏]  بن عليّ بن إبراهيم بن مهزيار قال: سمعت أبي يقول: سمعت جدّي عليّ بن إبراهيم [بن مهزيار]  يقول: قال لي صاحب الزّمان- صلوات اللَّه عليه-: يا بن مهزيار، كيف خلّفت إخوانك في العراق؟

قلت: في ضنك عيش وهناة  وقد تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان .

فقال: قاتلهم اللَّه، أنّى يؤفكون، كأنّي بالقوم قد قتلوا في ديارهم، وأخذهم أمر ربّهم ليلا ونهارا.

قلت: متّى يكون ذلك، يا بن رسول اللَّه؟

قال: إذا حيل بينكم وبين سبل الكعبة بأقوام لا خلاق لهم، واللَّه ورسوله منهم براء، وظهرت الحمرة في السّماء فيها أعمدة، كأعمدة اللّجين تتلألأ نورا ، ويخرج الشروسي  من إرمنية وآذربيجان يريدون الجبل الأسود المتلاحم بالجبل الأحمر لزيق جبال طالقان. فيكون بينه وبين المروزيّ وقعة صيلمانية ، يشبّ فيها الصّغير ويهرم منها الكبير، ويظهر القتل بينهما، فعندها توقّعوا خروجه إلى الزّوراء. فلا يلبث فيها، حتّى‏يوافي باهات . ثمّ يوافي واسط العراق فيقيم بها سنة أو دونها. ثمّ يخرج إلى كوفان، فتكون بينهم [وقعة من النجف إلى الحيرة إلى الغرىّ‏]  وقعة شديدة تذهل منها العقول، فعندها يكون  بوار الفئتين  وعلى اللَّه حصاد الباقين. ثمّ تلا: «بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم، أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ.

فقلت: سيّدي يا ابن رسول اللَّه، فما الأمر؟

قال: نحن أمر اللَّه- عزّ وجلّ- وجنوده.

قلت: سيّدي يا ابن رسول اللَّه، حان  الوقت؟

قال: واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ قيل : أي: دار السّلامة من التّقضّي والآفة. أو دار يسلّم اللَّه والملائكة على من يدخلها.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى العلاء بن عبد الكريم قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية يقول: إنّ السّلام هو اللَّه- عزّ وجلّ-. وداره الّتي خلق لعباده ولأولياءه ، الجنّة.

و بإسناده  إلى عبد اللَّه بن الفضل  الهاشميّ، عن أبي عبد اللَّه حديث طويل.

 

يقول فيه- عليه السّلام-: اسم من أسماء اللَّه- عزّ وجلّ-.

وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ: بالتّوفيق.

إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ : الّذي هو طريقها.

و في شرح الآيات الباهرة : روى الحسين بن جبير في كتابه، نخب المناقب،

 بإسناده حدّثنا، يرفعه إلى عبد اللَّه بن العبّاس وزيد بن عليّ في قوله: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ، يعني به: الجنّة. وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قال: يعني: ولاية عليّ- عليه السّلام-.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: فأخبر اللَّه- تبارك وتعالى- أوّل من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته واتّباع أمره، فبدأ بنفسه فقال: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى: المثوبة الحسنى.

وَ زِيادَةٌ: وما يزيد على المثوبة تفضّلا، لقوله: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ.

و قيل : «الحسنى» الجنّة، مثل حسناتهم والزّيادة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وأكثر.

و قيل : «الزّيادة» مغفرة من اللَّه ورضوان.

و قيل : «الحسنى» الجنّة. و«الزّيادة» هو اللّقاء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ.

قال: النّظر إلى رحمة اللَّه- تعالى-.

و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ.

قال: أمّا الحسنى، فالجنّة. وأمّا الزّيادة، فالدّنيا. ما أعطاهم اللَّه في الدّنيا لم يحاسبهم به في الآخرة، ويجمع لهم ثواب الدّنيا والآخرة.

و في مجمع البيان : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ ذكر في ذلك وجوه.

إلى قوله: وثالثها، أنّ الزّيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب. عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه-، بإسناده إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: قال اللَّه- تعالى-: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [و «الحسنى»]  هي الجنّة. و«الزّيادة» هي الدّنيا.

وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ: لا يغشاها.

قَتَرٌ: غبرة فيها سواد.

وَ لا ذِلَّةٌ: هوان.

و المعنى: لا يرهقهم ما يرهق أهل النّار، ولا يرهقهم ما يوجب ذلك من حزن وسوء حال.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن ميمون القدّاح قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام-: اقرأ.

قلت: من أيّ شي‏ء أقرأ؟

قال: من السّورة التّاسعة .

قال: قلت: فجعلت ألتمسها.

فقال: اقرأ من سورة يونس.

قال: فقرأت: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ.

قال: حسبك.

قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّي لأعجب كيف لا أشيب إذا قرأت القرآن.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن [منصور بن‏]  يونس، عن محمّد بن مروان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: ما من شي‏ء إلّا وله كيل ووزن إلّا الدّموع، فإنّ القطرة تطفئ بحارا من نار. فإذا اغرورقت العين بمائها، لم يرهق وجها قتر ولا ذلّة. فإذا فاضت، حرّمه اللَّه على النّار. ولو أنّ باكيا [بكى‏]  في أمّة، لرحموا.عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة ومنصور بن يونس، عن محمّد بن مروان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال في حديث طويل: ولا فاضت عين على خدّه فرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلّة.

و في مجمع البيان : وروى الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما من عين ترقرقت  بمائها، إلّا حرّم اللَّه ذلك الجسد على النّار، فإن فاضت من خشية اللَّه، لم يلحق  ذلك الوجه قتر ولا ذلّة.

و في تفسير العيّاشي ، مثله.

 

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه-: «القتر» الجوع والفقر. و«الذلّة» الخوف.

أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ : دائمون لا زوال فيها ولا انقراض لنعيمها، بخلاف الدّنيا وزخارفها.

وَ الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها: عطف على قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى، على مذهب من يجوّز: في الدّار زيد والحجرة عمرو. أو الّذين مبتدأ والخبر جَزاءُ سَيِّئَةٍ، على تقدير: وجزاء الّذين كسبوا السيّئات جزاء سيّئة بمثلها، أيّ: أن تجازى سيئة بسيّئة مثلها لا يزاد عليها.

و فيه تنبيه على أنّ الزّيادة هي الفضل، أو التّضعيف. أو كأنّما أغشيت وجوههم. أو «أولئك أصحاب النّار»، وما بينهما اعتراض. «فجزاء سيّئة» مبتدأ، خبره محذوف، أي: جزاء سيّئة بمثلها واقع. أو بمثلها واقع. أو بمثلها، على زيادة الباء. أو تقديره: مقدّر بمثلها.

وَ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ.

و قرئ ، بالياء.ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ: ما من أحد يعصمهم من سخط اللَّه. أو من جهة اللَّه. أو من عنده، كما يكون للمؤمنين.

كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً: لفرط سوادها وظلمتها.

و «مظلما» حال من «اللّيل»، والعامل فيه «أغشيت» لأنّه العامل في «قطعا». وهو موصوف بالجارّ والمجرور. فالعامل في الموصوف عامل في الصّفة، أو معنى الفعل في «من اللّيل».

و قرأ  ابن كثير والكسائيّ ويعقوب: «قطعا» بالسّكون. وعلى هذا يصحّ أن يكون «مظلما» صفة له، أو حالا منه.

أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ .

في تفسير عليّ بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: هؤلاء أهل البدع والشّبهات والشّهوات يسود وجوههم، ثمّ يلقونه. يقول اللَّه- تبارك وتعالى-: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً [يسوّد اللَّه وجوههم يوم القيامة]  ويلبسهم الذّلّة والصّغار. ويقول اللَّه- عزّ وجلّ-: أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

و في روضة الكافي : يحيى الحلبي، عن المثنّى، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً. أما ترى البيت إذ كان اللّيل، كان أشدّ سوادا من خارج؟ فكذلك هم يزدادون سوادا.

وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً، يعني: الفريقين.

ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ: الزموا مكانكم حتّى تنظروا ما يفعل بكم.

أَنْتُمْ: تأكيد للضّمير المنتقل إليه من عامله.

وَ شُرَكاؤُكُمْ: عطف عليه.

و قرئ ، بالنّصب، على المفعول معه.فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ: وقطعنا الوصل الّتي بينهم، وفرّقنا بينهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يبعث اللَّه نارا تزيّل بين الكفّار والمؤمنين.

وَ قالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ : مجاز عن براءة ما عبدوه من عبادتهم. فإنّهم إنّما عبدوا في الحقيقة أهواءهم، لأنّها الآمرة بالإشراك لا ما أشركوا به.

و قيل : ينطق اللَّه الأصنام، فتشافههم بذلك مكان الشّفاعة الّتي توقّعوا منها.

و قيل : المراد بالشّركاء: الملائكة المسيح.

و قيل : الشّياطين.

فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ: فإنّه العالم بكنه الحال.

إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ :

 «إن» هي المخفّفة عن الثّقيلة. و«اللّام» هي الفارقة.

هُنالِكَ: في ذلك المقام.

تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ: تختبر ما قدّمت من عمل، فتعاين نفعه وضرّه.

و قرأ  حمزة والكسائيّ: «تتلوا» من التّلاوة، أي: تقرأ ذكر ما قدّمت. أو من التّلو، أي: تتبّع عمله، فيقوده إلى الجنّة أو إلى النّار.

و قرئ : «نبلوا» بالنّون، ونصب «كلّ»، وإبدال «ما» منه. والمعنى:

نختبرها، أي: نفعل بها فعل المختبر لحالها، المعترّف لسعادتها وشقاوتها بتعرّف ما أسلفت من أعمالها.

و يجوز أن يراد: نصيب بالبلاء، أي: بالعذاب كلّ نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشّرّ. فتكون «ما» منصوبة بنزع الخافض.

وَ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ: إلى جزائه إيّاهم بما أسلفوا.

مَوْلاهُمُ الْحَقِّ: ربّهم ومتولّي أمرهم على الحقيقة، لا ما اتّخذوه مولى.

و قرئ : «الحقّ» بالنّصب، على المدح أو المصدر المؤكّد.

وَ ضَلَّ عَنْهُمْ: وضاع عنهم.ما كانُوا يَفْتَرُونَ : من أنّ آلهتهم تشفع لهم. أو ما كانوا يدّعون أنّها آلهة.

 [و في نهج البلاغة : فكيف لو تناهت بكم الأمور وبعثرت القبور هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ، وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ، وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ‏] .

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ: منهما جميعا، فإنّ الأرزاق تحصل بأسباب سماويّة وموادّ أرضيّ. أو من كلّ واحد منهما، توسعة عليكم.

و قيل  «من» لبيان «من» على حذف المضاف، أي: من أهل السّماء والأرض.

أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ: أمّن يستطيع خلقهما وتسويتهما. أو من يحفظهما من الآفات مع كثرتهما وسرعة انفعالهما من أدنى شي‏ء.

وَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ: من يحيي ويميت.

أو من ينشئ الحيوان من النّطفة، والنّطفة منه.

وَ مَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ: ومن يلي تدبير أمر العالم. وهو تعميم بعد تخصيص.

فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ: إذ لا يقدرون على المكابرة والعناد في ذلك، لفرط وضوحه.

فَقُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ : أنفسكم عقابه، بإشراككم إيّاه ما لا يشاركه في شي‏ء من ذلك.

فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ: المتولّي لهذه الأمور، المستحقّ للعبادة. هو ربّكم الثّابت ربوبيّته، لأنّه الّذي أنشأكم وأحياكم ورزقكم ودبّر أموركم.

فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ: استفهام إنكار، أي: ليس بعد الحقّ إلّا الضّلال. فمن تخطّى الحقّ الّذي هو عبادة اللَّه، وقع في الضّلال.

فَأَنَّى تُصْرَفُونَ »: عن الحقّ إلى الضّلال.

كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ»، أي: كما حقّت الرّبوبيّة للّه. أو أنّ الحقّ بعد الضّلال. أو أنّهم مصروفون عن الحقّ حقّت كلمة اللَّه وحكمه.

و قرأ  نافع وابن عامر: «كلمات» هنا وفي آخر السّورة، وفي غافر.عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا: تمرّدوا في كفرهم، وخرجوا عن حدّ الاستصلاح.

أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ : بدل من «الكلمة». أو تعليل لحقّيّتها، والمراد بها:

العدة بالعذاب.

قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ: جعل الإعادة كالإبداء في الإلزام بها، لظهور برهانها وإن لم يساعدوا عليها. ولذلك أمر الرّسول بأن ينوب عنهم في الجواب، فقال: قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ. لأنّ لجاجهم لا يدعهم أن يعترفوا بها.

فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ : تصرفون عن قصد السّبيل.

قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ: بنصب الحجج، وإرسال الرّسل، والتّوفيق للنّظر والتّدبّر.

و «هدى»، كما يعدّى «بإلى» لتضمّنه معنى الانتهاء، يعدّى باللّام، للدّلالة على أنّ المنتهى غاية الهداية، ولأنّها لم تتوجّه نحوه على سبيل الاتّفاق، ولذلك عدّي بها ما أسند إلى اللَّه.

قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ، أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي:

أم الّذي لا يهتدي. إِلَّا أَنْ يُهْدى. من قولهم: هدي بنفسه: إذا اهتدى. أو لا يهدي غيره إلّا أن يهديه اللَّه. وهذا حال أشراف شركائهم، كالملائكة والمسيح وعزير.

و قرأ  ابن كثير، وورش عن نافع، وابن عامر: «يهدّي» بفتح الهاء وتشديد الدّال. ويعقوب وحفص، بالكسر والتّشديد. والأصل: يهتدي، فأدغم وفتحت الهاء بحركة التّاء، أو كسرت لالتقاء السّاكنين.

و روى  أبو بكر «يهدّي» باتّباع الياء الهاء.

و قرأ  أبو عمرو، بالإدغام المجرّد، ولم يبال بالتقاء السّاكنين. لأنّ المدغم في حكم المتحرّك.

و عن نافع  برواية قالون، مثله.

و قرئ : «أن يهدى» على المبالغة.فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ : بما يقتضي صريح العقل بطلانه.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال والحجّال جميعا، عن ثعلبة، عن عبد الرّحمن بن مسلمة الجريريّ  قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: يوبّخونا ويكذّبونا إنّا نقول: إنّ صيحتين تكونان. يقولون: من أين تعرف المحقّة من المبطلة إذا كانتا؟

قال: فما ذا تردّون عليهم؟

قلت: ما نردّ عليهم شيئا.

قال: قولوا: يصدّق بها إذا كانت من كان يؤمن بها من قبل. إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: أَ فَمَنْ يَهْدِي- إلى قوله- كَيْفَ تَحْكُمُونَ.

عنه ، عن محمّد [عن‏]  ابن فضّال والحجّال، عن داود بن فرقد قال: سمع رجل من العجليّة  هذا الحديث، قوله: ينادي مناد: ألا إنّ فلان بن فلان وشيعته هم الفائزون أوّل النّهار. وينادي آخر النّهار: ألّا إن عثمان وشيعته هم الفائزون.

قال: وينادي أوّل النّهار منادي آخر النّهار.

فقال الرّجل: فما يدرينا أيّما الصّادق من الكاذب؟

فقال: يصدّق عليها من كان يؤمن بها قبل أن ينادي. إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يقول:

أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ (الآية).

و في كشف المحجّة  لابن طاوس- رحمه اللَّه-، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه يقول- عليه السّلام-: اسمعوا قولي يهدكم اللَّه إذا قلت، وأطيعوا أمري إذا أمرت. فو اللَّه لئن أطعتموني، لا تغووا. وإن عصيتموني، لا ترشدوا. قال اللَّه- تعالى-: أَ فَمَنْ يَهْدِي (الآية).

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في وصف الإمامة

 

و الإمام، وذكر فضل الإمام ورتبته حديث طويل. يقول فيه الرّضا- عليه السّلام-: إنّ الأنبياء والأئمّة يوفّقهم اللَّه ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم. فيكون علمهم فوق كلّ علم أهل زمانهم في قوله- عزّ وجلّ-: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ (الآية).

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ (الآية): فأمّا من يهدي إلى الحقّ، فهم محمّد وآل محمّد من بعده. وأمّا من لا يهدي إلّا أن يهدى، فهو من خالف من قريش وغيرهم أهل بيته من بعده.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه، عن عمرو بن عثمان ، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لقد قضى أمير المؤمنين- عليه السّلام- بقضيّة ما قضى بها أحد كان قبله. وكانت أوّل قضيّة قضى بها بعد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. وذلك أنّه لمّا قبض رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأفضى الأمر إلى أبي بكر، أتي برجل قد شرب الخمر.

فقال له أبو بكر: أشربت الخمر؟

فقال الرّجل: نعم.

فقال: ولم شربتها وهي محرّمة؟

فقال: إنّي أسلمت ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلّونها ولو أعلم أنّها حرام، اجتنبتها.

قال: فالتفت أبو بكر إلى عمر فقال: ما تقول، يا أبا حفص، في أمر هذا الرّجل؟

فقال: معظلة، وأبو الحسن لها.

فقال أبو بكر: يا غلام، ادع لنا عليّا.

فقال عمر: بل يؤتي الحكم في منزله.

فأتوه ومعهم سلمان الفارسيّ- رضي اللَّه عنه-. فأخبروه بقضيّة الرّجل، فاقتصّ‏عليه قصّته.

فقال عليّ- عليه السّلام- لأبي بكر: ابعث  من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار. فمن كان تلا عليه آية التّحريم، فليشهد عليه.

ففعل أبو بكر ما قال عليّ- عليه السّلام-. فلم يشهد عليه أحد، فخلّي  سبيله.

فقال سلمان لعليّ- عليه السّلام- : لقد أرشدتهم.

فقال عليّ- عليه السّلام-: إنّما أردت أن أجدّد تأكيد هذه الآية فيّ وفيهم أَ فَمَنْ يَهْدِي (الآية).

و في تفسير العيّاشي : عن عمرو بن القاسم قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- وذكر أصحاب النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله-. ثمّ قرأ: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ- إلى قوله- تَحْكُمُونَ.

فقلنا: من هو، أصلحكم اللَّه؟

فقال: بلغنا أنّ ذلك عليّ- عليه السّلام-.

وَ ما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ: فيما يعتقدون.

إِلَّا ظَنًّا: مستند إلى خيالات فارغة وأقيسة فاسدة، كقياس الغائب على الشّاهد، والخالق على المخلوق بأدنى مشاركة موهومة. والمراد بالأكثر: الجميع. أو من ينتمي إلى تمييز ونظر، ولا يرضى بالتّقليد.

إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ: من العلم والاعتقاد الحقّ.

شَيْئاً: من الإغناء. ويجوز أن يكون مفعولا به و«من الحقّ» حالا منه.

قيل : وفيه دليل على أنّ تحصيل العلم في الأصول واجب، والاكتفاء بالتّقليد والظّنّ غير جائز.

و أقول: في الآية دلالة على النّهي عن اتّباع الظّنّ مطلقا، وذّمّ تقليد من لا يحصل بقوله غير الظّنّ.إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ : وعيد على اتّباعهم للظّنّ وإعراضهم عن البرهان.

وَ ما كانَ: ما صحّ واستقام.

هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ: افتراء من الخلق.

وَ لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ: مطابق لما تقدّمه من الكتب الإلهيّة، المشهود على صدقها. ولا يكون كذبا، كيف وهو لكونه معجزا دونها عيار عليها شاهد على صحّتها.

و نصبه بأنّه خبر «لكان» مقدّرا. أو علّة لفعل محذوف، تقديره: لكن أنزله اللَّه تصديقا للّذي.

و قرئ ، بالرّفع، على تقدير: ولكن هو تصديق.

وَ تَفْصِيلَ الْكِتابِ: وتفصيل ما حقّق وأثبت من العقائد والشّرائع.

لا رَيْبَ فِيهِ: منتفيا عنه الرّيب.

و هو خبر ثالث داخل في حكم الاستدراك. ويجوز أن يكون حالا من «الكتاب» فإنّه مفعول في المعنى، وأن يكون استئنافا.

مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ : خبر آخر، تقديره: كائنا من ربّ العالمين. أو متعلّق «بتصديق»، أو «بتفصيل» و«لا ريب فيه» اعتراض، أو بالفعل المعلّل بهما.

و يجوز أن يكون حالا من «الكتاب» أو الضّمير في «فيه». ومساق الآية، بعد المنع عن اتّباع الظّنّ، لبيان ما يجب اتّباعه والبرهان عليه.

أَمْ يَقُولُونَ: بل يقولون.

افْتَراهُ: محمّد. ومعنى الهمزة فيه، للإنكار.

قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ: في البلاغة وحسن النّظم وقوّة المعنى على وجه الافتراء. فإنّكم مثلي في العربيّة والفصاحة، وأشدّ تمرّنا في النّظم والعبارة.

وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ: ومع ذلك فاستعينوا بمن أمكنكم أن تستعينوا به.

مِنْ دُونِ اللَّهِ: سوى اللَّه- تعالى-. فإنّه وحده قادر على ذلك.

إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ : أنّه اختلقه.بَلْ كَذَّبُوا: بل سارعوا إلى التّكذيب.

بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ: بالقرآن أوّل ما سمعوه قبل أن يتدبّروا آياته ويحيطوا بالعلم بشأنه. أو بما جهلوه ولم يحيطوا به علما، من ذكر البعث والجزاء وسائر ما يخالف دينهم.

وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ: ولم يعثروا بعد على تأويله، ولم تبلغ أذهانهم معانيه. أو ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الأخبار بالغيوب، حتى يتبيّن لهم أنّه صدق أم كذب.

و المعنى أنّ القرآن معجز من جهة اللّفظ.

و المعنى: ثمّ أنّهم فاجئوا تكذيبه قبل أن يتدبّروا نظمه ويتفحّصوا معناه.

و معنى التّوقّع في «لمّا»: أنّه ظهر لهم بالآخرة إعجازه، لما كرّر عليهم التّحدّي.

فرازوا  قواهم في معارضته، فتضاءلت دونها. أو لما شاهدوا وقوع ما أخبر به طبقا لإخباره مرارا، فلم يقلعوا عن  التّكذيب تمرّدا وعنادا.

و في تفسير العيّاشي : عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه سئل عن الأمور العظام الّتي تكون ممّا لم تكن.

فقال: لم يأن أوان كشفها بعد. وذلك قوله: بَلْ كَذَّبُوا (الآية).

عن حمران  قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن الأمور العظام من الرّجعة وغيرها.

فقال: إنّ هذا الّذي تسألوني عنه لم يأت أوانه. قال اللَّه: بَلْ كَذَّبُوا (الآية).

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي، عمير عن يونس، عن أبي يعقوب، إسحاق بن عبد اللَّه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه خصّ عباده بآيتين من كتاب اللَّه، أن لا يقولوا حتّى يعلموا، ولا يردّوا ما لم يعلموا. وقال- عزّ وجلّ-: أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ. وقال:

بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ. [قال كذب الّذين من قبلهم قال‏نزلت في الرّجعة كذّبوا بها أي أنّها لا تكون‏] .

و في تفسير العيّاشي : عن إسحاق بن عبد العزيز قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: خصّ اللَّه هذه الأمّة بآيتين من كتابه، ألّا يقولوا ما لا يعلمون [و ألّا يردّوا ما لا يعلمون‏]  ثمّ قرأ: أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ (الآية). وقوله: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ (الآية).

كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: أنبياءهم.

فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ : فيه وعيد لهم، بمثل ما عوقب به من قبلهم.

وَ مِنْهُمْ: ومن المكذّبين.

مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ: من يصدّق به في نفسه ويعلم أنّه حقّ، ولكن يعاند. أو من سيؤمن به ويتوب عن كفره.

وَ مِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ.

قيل : في نفسه لفرط غباوته وقلّة تدبّره، أو فيما يستقبل بل يموت على الكفر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: هم أعداء محمّد وآل محمّد- عليهم السّلام- من بعده.

وَ رَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ : بالمعاندين، أو بالمصرّين.