سورة يونس الآية 41-60

وَ إِنْ كَذَّبُوكَ: فإن أصرّوا على تكذيبك بعد إلزام الحجّة. 

فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ: فتبرّأ منهم، فقد أعذرت.

و المعنى: لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم، حقّا كان أو باطلا.

أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِي‏ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ : لا تؤاخذون بعملي، ولا أؤاخذ بعملكم. ولما فيه من إيهام الإعراض عنهم وتخلية سبيلهم.

قيل : إنّه منسوخ بآية السّيف.وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ: إذا قرأت القرآن وعلّمت الشّرائع ولكن لا يقبلون، كالأصمّ الّذي لا يسمع أصلا.

أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ: تقدر على إسماعهم.

وَ لَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ : ولو انضمّ إلى صممهم عدم تعقّلهم.

و فيه تنبيه، على أنّ حقيقة استماع الكلام فهم المعنى المقصود منه. ولذلك لا يوصف به البهائم. وهو لا يتأتّى، إلّا باستعمال العقل السّليم في تدبّره. وعقولهم لمّا كانت مؤوفة بمعارضة الوهم ومشايعة الإلف والتّقليد، تعذّر إفهامهم الحكم والمعاني الدّقيقة. فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم غير ما ينتفع به البهائم من كلام النّاعق.

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ: يعاينون دلائل نبوّتك ولكن لا يصدّقونك.

أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ: تقدر على هدايتهم.

وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ : وإن انضمّ إلى عدم البصر عدم البصيرة. فإنّ المقصود من الإبصار: هو الاعتبار والاستبصار. والعمدة في ذلك البصيرة، ولذلك يحدس الأعمى المستبصر يتفطّن ما لا يدركه البصير الأحمق. والآية، كالتّعليل للأمر بالتّبرّي والإعراض عنهم.

 

إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً: بسلب حواسّهم وعقولهم.

وَ لكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ : بإفسادها وتفويت منافعها عليهم.

و فيه دليل، على أنّ للعبد فعلا، وأنّه ليس مسلوب الاختيار بالكلّيّة، كما زعمت الأشاعرة.

و يجوز أن يكون وعيدا لهم، بمعنى: أنّ ما يحيق بهم يوم القيامة من العذاب عدل من اللَّه لا يظلمهم به، ولكنّهم ظلموا به أنفسهم باقتراف أسبابه.

و قرأ حمزة والكسائيّ، بالتخفيف ورفع «النّاس».

و في الكافي : عن أبي جعفر- عليه السّلام-: إنّ اللَّه الحليم  العليم إنّما غضبه على من لم يقبل منه رضاه، وإنّما يمنع من لم يقبل منه عطاءه، وإنّما يضلّ من لم يقبل منه هداه. (الحديث).

وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ: يستقصرون مدّة لبثهم في‏الدّنيا أو القبور، لهول ما يرون.

و الجملة التّشبيهيّة في موقع الحال، أي: يحشرهم مشبّهين بمن لم يلبث إلّا ساعة.

أو صفة «ليوم» والعائد محذوف، تقديره: كأن لم يلبثوا قبله. أو لمصدر محذوف، أي:

حشرا كأن لم يلبثوا قبله.

يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ: يعرف بعضهم بعضا، كأنّهم لم يتفارقوا إلّا قليلا. فهذا أوّل ما نشروا، ثمّ ينقطع التّعارف لشدّة الأمر عليهم.

و هو حال أخرى مقدّرة. أو بيان لقوله: «كأن لم يلبثوا». أو متعلّق الظّرف، والتّقدير: يتعارفون يوم يحشرهم.

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ: استئناف، للشّهادة على خسرانهم والتّعجب منه. ويجوز أن يكون حالا من الضّمير في «يتعارفون»، على إرادة القول.

وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ : لطرق استعمال ما منحوا من المعاون في تحصيل المعارف، فاستكسبوا بها جهالات أدّت بهم إلى الرّدى والعذاب الدّائم.

وَ إِمَّا نُرِيَنَّكَ: نبصّرنّك.

بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ: من العذاب في حياتك، كما أراه يوم بدر.

أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ: قبل أن نريك.

فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ: فنريكه في الآخرة. وهو جواب «نتوفّينّك». وجواب «نرينّك» محذوف، مثل فذاك.

ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ : مجاز عليه ذكر الشّهادة وأراد نتيجتها ومقتضاها، ولذل رتّبها على الرّجوع «بثُمّ». أو مؤدّ شهادته على أفعالهم يوم القيامة.

وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ: من الأمم الماضية.

رَسُولٌ: يبعث إليهم ليدعوهم إلى الحقّ.

فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ: بالبيّنات، فكذّبوه.

قُضِيَ بَيْنَهُمْ: بين الرّسول ومكذّبيه.

بِالْقِسْطِ: بالعدل. فانجي الرّسول، وأهلك المكذّبون وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ .

و قيل : معناه: لكلّ أمّة يوم القيامة رسول تُنسب إليه. فإذا جاء رسولهم الموقف‏ليشهد عليهم بالكفر والإيمان، قضي بينهم بإنجاء المؤمن وعقاب الكافر لقوله: وَجِي‏ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ.

و في تفسير العيّاشي : عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: تفسيرها بالباطن: أنّ لكلّ قرن من هذه الأمّة رسولا من آل محمّد يخرج إلى القرن الّذي هو إليهم رسول، وهم الأولياء وهم الرّسل. وأمّا قوله: فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ قال: معناه: أنّ رسل اللَّه يقضون بالقسط وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ، كما قال اللَّه.

وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ: استبعادا له، واستهزاء به.

إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ : خطاب منهم للنّبيّ والمؤمنين.

قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً: فكيف أملك لكم، فاستعجل في جلب العذاب إليكم.

إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ: أن أملكه. أو ولكن ما شاء اللَّه من ذلك كائن.

لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ: مضروب لهلاكهم.

إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ : لا يتأخّرون ولا يتقدّمون. فلا تستعجلوا، فيجي‏ء وقتكم وينجز وعدكم.

و قوله: «لا يستقدمون» معطوف على الشّرطيّة.

و في تفسير العيّاشي : عن حمران قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِذا جاءَ (الآية).

قال: هو الّذي سمّي لملك الموت ليلة القدر.

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ: الّذي تستعجلون به.

بَياتاً: وقت بيات واشتغال بالنّوم.

أَوْ نَهاراً: حين كنتم منشغلين بطلب معاشكم.

ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ : أيّ شي‏ء من العذاب يستعجلونه وكلّه مكروه لا يلائم الاستعجال؟! وهو متعلّق «ب أ رأيتم»، لأنّه بمعنى: أخبروني. و«المجرمون» وضع موضع‏الضّمير، للدّلالة على أنّهم لجرمهم ينبغي أن يفزعوا من مجي‏ء الوعيد لا لأن يستعجلوه.

و جواب الشّرط محذوف، وهو: تندموا على الاستعجال، أو تعرفوا خطأه.

و يجوز أن يكون الجواب «ما ذا»، كقولك: إن أتيتك ما ذا تعطيني؟ وتكون الجملة متعلّقة «ب أ رأيتم»، أو بقوله: أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ. بمعنى: إن أتاكم عذابه، آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان.

و على التّقدير الآخر «ما ذا يستعجل» اعتراض، ودخول حرف الاستفهام على «ثمّ» لإنكار التّأخير.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ- إلى قوله- مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ: فهذا عذاب ينزل في آخر الزّمان على فسقة أهل القبلة، وهم يجحدون نزول العذاب عليهم.

و في مجمع البيان : عنه- عليه السّلام- مثله.

 

آلْآنَ: على إرادة القول، أي: قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب: الآن آمنتم به.

و عن نافع  «الآن» بحذف الهمزة، وإلقاء حركتها على اللّام.

وَ قَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ : تكذيبا واستهزاء.

ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا: عطف على «قيل» المقدّر.

ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ: المؤلم على الدّوام.

هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ : من الكفر والمعاصي.

وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ: ويستخبرونك.

أَ حَقٌّ هُوَ.

قيل : أحقّ ما تقول من الوعد أو ادّعاء النّبوّة، تقوله بجدّ أم باطل تهزل به.

قيل : قاله حيّ بن أخطب لما قدم مكّة.

و الأظهر، أنّ الاستفهام فيه على أصله، لقوله: «و يستنبئونك».

و قيل : إنّه للإنكار. ويؤيّده أنّه قرئ: «الحقّ هو»، فإنّ فيه تعريضا بأنّه‏باطل. و«أحقّ» مبتدأ، والضّمير مرتفع به سادّ مسدّ الخبر. أو خبر مقدّم، والجملة في موضع النّصب ب «يستنبئونك».

قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ: أنّ العذاب لكائن. أو ما ادّعيته لثابت.

و قيل : كلا الضّميرين للقرآن.

و «إي» بمعنى: نعم. وهو من لوازم القسم. ولذلك يوصل بواوه في التّصديق، فيقال: إي واللَّه. ولا يقال: إي، وحده.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم [عن أبيه‏] ، عن القسم بن محمّد الجوهريّ، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ: ما تقول في  عليّ- عليه السّلام-. قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ.

و في أمالي الصّدوق : حدّثنا محمّد بن الحسن- رضي اللَّه عنه- قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن يحيى بن سعيد، عن أبي عبد اللَّه الصّادق- عليه السّلام-، عن أبيه- عليه السّلام- في قول اللَّه- تبارك وتعالى-: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ- إلى قوله- لَحَقٌّ.

قال: يستنبئك، يا محمّد، أهل مكّة عن عليّ بن أبي طالب إمام هو؟ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، مثله.

 

و في شرح الآيات الباهرة : روى أبو عبد اللَّه الحسين بن جبير- رحمه اللَّه- في نخب المناقب، حدّثنا مسندا عن الباقر- عليه السّلام- في قوله: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ.

قال: يسألونك، يا محمّد: أعليّ- عليه السّلام- وصيّك؟ قل: إي وربّي، إنّه‏

لوصيّي.

وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ : بفائتين العذاب.

وَ لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ قيل : بالشّرك، أو التّعدّي على الغير.

ما فِي الْأَرْضِ: من خزائنها وأموالها.

لَافْتَدَتْ بِهِ: لجعلته فدية من العذاب. من قولهم: افتدى به، بمعنى: فداه.

وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ.

قيل : لأنّهم بهتوا بما عاينوا ممّا لم يحتسبوه من فظاعة الأمر وهو له، فلم يقدروا أن ينطقوا.

و قيل : أَسَرُّوا النَّدامَةَ أخلصوها. لأنّ إخفاءها إخلاصها. أو لأنّه يقال: سرّ الشّي‏ء، لخالصته. من حيث أنّها تخفى ويضنّ  بها.

و قيل : أظهروها. من قولهم: أسرّ الشّي‏ء وأشره: إذا أظهره.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ آل محمّد- صلوات اللَّه عليهم- حقّهم. ما فِي الْأَرْضِ جميعا لَافْتَدَتْ بِهِ ذلك الوقت، يعني:

الرّجعة.

و حدّثني محمّد بن جعفر  قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسين، عن صالح بن أبي حمار ، عن أبي  الحسن بن موسى الخشّاب، عن رجل، عن حمّاد بن عيسى، عمّن رواه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سئل عن قوله: وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ. قال: قيل له: ما ينفعهم إسرار النّدامة وهم في العذاب؟

قال: كرهوا شماتة الأعداء.و في روضة الكافي ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث طويل. يقول فيه- صلّى اللَّه عليه وآله-: وشرّ النّدامة ندامة يوم القيامة.

وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ : ليس تكريرا. لأنّ الأوّل قضاء بين الأنبياء ومكذّبيهم، والثّاني مجازاة المشركين على الشّرك أو الحكومة بين الظّالمين والمظلومين. والضّمير إنّما يتناولهم، لدلالة الظّلم عليهم.

أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: تقرير لقدرته- تعالى- على الإثابة والعقاب.

أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ: ما وعده من الثّواب والعقاب كائن لا خلف فيه.

وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ : لأنّهم لا يعلمون، لقصور عقلهم، إلّا ظاهرا من الحياة الدّنيا.

هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ: في الدّنيا، فهو يقدر عليها في العقبى. لأنّ القادر لذاته لا تزول قدرته. والمادّة القابلة بالذّات، الحياة والموت، قابلة لهما أبدا.

وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ : بالموت والنّشور.

يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ، أي: قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العمليّة الكاشفة عن محاسن الأعمال ومقابحها والمرغّبة في المحاسن والزّاجرة عن المقابح، والحكمة النّظريّة الّتي هي شفاء لما في الصّدور من الشّكوك وسوء الإعتقاد، وهدى إلى الحقّ واليقين، ورحمة للمؤمنين حيث أنزلت عليهم فنجوا بها من ظلمات الضّلال إلى نور الإيمان وتبدّلت مقاعدهم من طبقات النّيران بمصاعد من درجات الجنان.

و التّنكير فيها، للتّعظيم.

و في كتاب الإهليلجة : قال الصّادق- عليه السّلام-: وأنزل عليكم  كتابا فيه شفاء لما في الصّدور من أمر  الخواطر ومشبهات  الأمور.

و في أصول الكافي : عليّ، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي‏عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: شكا رجل إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- وجعا في صدره.

قال: استشف بالقرآن. فإنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن عليّ بن عيسى، رفعه قال: إنّ موسى- عليه السّلام- ناجاه اللَّه- تبارك وتعالى-. فقال في مناجاته: يا موسى، لا يطول في الدّنيا املك. وذكر حديثا قدسيّا طويلا. يقول فيه- عزّ من قائل- وقد ذكر محمّدا- صلّى اللَّه عليه وآله-: ولأنزلنّ عليه قرآنا فرقانا شفاء لما في الصّدور من نفث  الشّيطان.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: وتعلّموا القرآن، فإنّه ربيع القلوب.

و استشفوا بنوره، فإنّه شفاء لما في الصّدور.

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ «الباء» متعلّقة بفعل يفسّره قوله: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا. فإنّ اسم الإشارة بمنزلة الضّمير، تقديره: بفضل اللَّه وبرحمته فليعتنوا، أو فليفرحوا فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا. وفائدة ذلك التّكرير، التأكيد والبيان بعد الإجمال وإيجاب اختصاص الفضل والرّحمة بالفرح.

أو بفعل دلّ عليه «قد جاءتكم». وذلك إشارة إلى مصدره، أي: فبمجيئها فليفرحوا.

و «الفاء» بمعنى الشرط، كأنّه قيل: إن يفرحوا بشي‏ء فيهما، فليفرحوا. أو للرّبط بما قبلها. والدّلالة على أنّ مجي‏ء الكتاب الجامع بين هذه الصّفات موجب للفرح وتكريرها للتّأكيد، كقوله:

         لا تجزعي ان منفسا بأهلكة             وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

 وعن يعقوب : «فلتفرحوا» بالتاء، على الأصل المرفوض.

و قد روي، مرفوعا. ويؤيّده أنّه قرئ: «فافرحوا».

هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ : من حطام الدّنيا، فإنّها إلى الزّوال. وهو ضمير «ذلك».

و قرأ  ابن عامر: «تجمعون» على معنى: فبذلك فليفرح المؤمنون، فهو خير ممّا تجمعونه أيّها المخاطبون.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: ثمّ قال- جلّ ذكره-: يا أَيُّهَا النَّاسُ- إلى قوله- وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.

قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: والقرآن.

ثمّ قال: قل لهم، يا محمّد: بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ.

قال: «الفضل» رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. و«رحمته» أمير المؤمنين- عليه السّلام-. فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا قال: [فليفرح‏]  شيعتنا، هو خير ممّا أعطوا أعداءنا من الذّهب والفضّة.

و في مجمع البيان : روي، عن أنس، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال:

من هداه اللَّه للإسلام وعلّمه القرآن ثمّ شكا بالفاقة، كتب اللَّه الفاقة بين عينيه إلى يوم القيامة. ثمّ تلا: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ (الآية).

و قال أبو جعفر - عليه السّلام-: «فضل اللَّه» رسوله. و«رحمته» عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن محمّد بن الفضيل، عن الرّضا- عليه السّلام- قال: قلت له: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ.

قال: بولاية محمّد وآل محمّد- عليهم السّلام- هو خير ممّا يجمع هؤلاء من دنياهم.

و في أمالي الصّدوق - رحمه اللَّه-، بإسناده إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث طويل. وفيه يقول- صلّى اللَّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: والّذي بعث محمّدا بالحقّ‏

نبيّا، ما آمن بي من أنكرك، ولا أقرّ بي من جحدك، ولا آمن باللّه من كفر بك.

و أنّ فضلك لمن فضلي، وأنّ فضلي لفضل اللَّه- عزّ وجلّ-. وهو قول ربّي- عزّ وجلّ-: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا  هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ. «ففضل اللَّه» نبوة نبيّكم. و«رحمته» ولاية عليّ بن أبي طالب. «فبذلك» قال: بالنّبوة والولاية.

 «فليفرحوا»، يعني: الشّيعة. هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ، يعني: مخالفيهم من الأهل والمال والولد في دار الدّنيا.

و في تفسير العيّاشي : عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في قول اللَّه: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا.

قال: فليفرح  شيعتنا. «هو خير ممّا» أعطي عدوّنا من الذّهب والفضّة.

عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال قلت: بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ. قال: الإقرار بنبوّة محمّد- عليه وآله السّلام-.

و الائتمام  بأمير المؤمنين- عليه السّلام-. هو خير ممّن يجمع هؤلاء في دنياهم.

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ: جعل الرّزق منزّلا، لأنّه مقدّر في السّماء محصّل بأسباب منها.

و «ما» في موضع النّصب «بأنزل»، أو ب «أرأيتم» فإنّه بمعنى: أخبر وفي.

و «لكم» دلّ على أنّ المراد منه: ما حلّ.

فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا، مثل هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ  ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا .

قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ: في التّحريم والتّحليل، فتقولون ذلك بحكمه.

أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ : في نسبة ذلك إليه.

و يجوز أن تكون المنفصلة متّصلة «ب أ رأيتهم». و«قل» مكرّر للتّأكيد. والمعنى:

أخبروني آللَّه إذن لكم في التّحليل والتّحريم، فأنتم تفعلون ذلك بإذنه، أم تكذبون على‏اللَّه في نسبة ذلك إليه.

و يجوز أن يكون الاستفهام للإنكار، و«أم» منقطعة. ومعنى الهمزة فيها التّقرير، لافترائهم على اللَّه.

وَ ما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ: أيّ شي‏ء ظنّهم؟

يَوْمَ الْقِيامَةِ: أ يحسبون أن لا يجازوا عليه.

و هو منصوب بالظّنّ. ويدلّ عليه أنّه قرئ بلفظ الماضي، لأنّه كائن. وفي إبهام الوعيد تهديد عظيم.

إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ: حيث أنعم عليهم بالعقل، وهداهم بإرسال الرّسل وإنزال الكتب.

وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ : هذه النّعمة.