سورة الشّعراء الآية 1-20

سورة الشّعراء مكّيّة، إلّا قوله: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ إلى آخرها . وهي مائتان وستّ- أو سبع- وعشرون آية.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال  بإسناده عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سور الطّواسين الثّلاث  في ليلة الجمعة، كان من أولياء اللّه، وفي جواره  وكنفه. ولم يصبه في الدّنيا بؤس أبدا. وأعطى في الآخرة من الجنّة حتّى يرضى وفوق رضاه، وزوّجه اللّه مائة [زوجة]  من الحور العين.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأ سورة الشّعراء، كان له من الأجر عشر حسنات، بعدد من صدّق بنوح وكذّب به وهود وشعيب وصالح وإبراهيم، وبعدد من كذّب بعيسى وصدّق بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و روى أبو بصير  عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ الطّواسين الثّلاث‏في ليلة الجمعة (و ذكر مثل ما نقلنا من كتاب ثواب الأعمال سواء). وزاد بعد قوله: «من الحور العين»: وأسكنه اللّه في جنّة عدن وسط الجنّة، مع النّبيّين والمرسلين والوصييّن الرّاشدين.

و عن ابن عبّاس  قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أعطيت السّورة الّتي يذكر فيها البقرة من [الذّكر الأوّل وأعطيت طه والطّواسين من ألواح موسى.

و أعطيت فواتح القرآن وخواتيم السّورة الّتي يذكر فيها البقرة من‏]  تحت العرش. وأعطيت المفصّل  نافلة.

طسم  قرأ  حمزة والكسائي وأبو بكر بالإمالة، ونافع بين كراهة للعود إلى الياء المهروب منها. وأظهر نونه حمزة، لأنّه في الأصل منفصل عمّا بعده.

و في مجمع البيان : روي عن ابن الحنفيّة، عن عليّ- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا نزلت طسم قال: الطّاء طور سيناء. والسّين الإسكندريّة. والميم مكّة.

و قيل : الطّاء شجرة طوبى. والسّين سدرة المنتهى. والميم محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: طسم هو حروف  من حروف اسم اللّه الأعظم.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ، عن الصّادق- عليه السّلام-: وأمّا طسم فمعناه: أنا الطّالب السّميع المبدئ المعيد.

و قد مرّ بعض معان أخر لهذه الحروف.

تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ  الظّاهر إعجازه وصحّته.

و الإشارة إلى ما ليس بحاضر، لكنّه متوقّع فهو كالحاضر بحضور المعنى للنّفس.

لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ: قاتل نفسك.

و أصل البخع أن يبلغ بالذّبح البخاع، وهو عرق مستبطن الفقار. وذلك أقصى حدّ الذّبح.

و قرئ : «باخع نفسك» بالإضافة.

و «لعلّ» للإشفاق. أي: أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة.

أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ : لئلا يؤمنوا، أو خيفة أن لا يؤمنوا.

إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً: دلالة ملجئة إلى الإيمان. أو: بليّة قاسرة عليه.

فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ : منقادين.

و أصله: فظلّوا لها خاضعين. فأقحمت الأعناق، لبيان موضع الخضوع، وترك الخبر على أصله.

و قيل : لمّا وصفت الأعناق بصفات العقلاء، أجريت مجراهم.

و قيل : المراد بها الرّؤساء أو الجماعات، من قولهم: «جاءنا عنق من النّاس» لفوج منهم.

و قرئ : «خاضعة». و«ظلّت» عطف على «ننزّل»، عطف وأكن على فأصدّق، لأنّه لو قيل أنزلنا بدله لصحّ.

و في إرشاد المفيد - رحمه اللّه-: وهب بن حفص، عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول في قوله- تعالى-: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ، قال: سيفعل اللّه ذلك بهم. قلت: ومن هم؟ قال: بنو أميّة وشيعتهم. قلت: وما الآية؟ قال: ركود الشّمس ما بين زوال الشّمس إلى وقت العصر، وخروج صدر ووجه في عين الشّمس، يعرف بحسبه ونسبه. وذلك في زمان السّفيانيّ.

و عندها يكون بواره وبوار قومه.

و في الكافي : روي أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال في خطبة له: ولو أراداللّه- عزّ وجلّ- بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذّهبان ومعادن البلدان ومغارس الجنان، وأن يحشر طير السّماء ووحش الأرض معهم، لفعل. ولو فعل، لسقط البلاء، وبطل الجزاء، واضمحلّ الابتلاء. ولما وجب للقائلين أجور المبتلين. ولا لحق المؤمنين ثواب المحسنين. ولا لزمت الأسماء أهاليها على معنى مبيّن. ولذلك لو أنزل اللّه من السّماء آية، فظلّت أعناقهم لها خاضعين. ولو فعل، لسقط البلوى عن النّاس أجمعين.

و الحديث طويل.

أخذت منه موضع الحاجة.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: خمس علامات قبل قيام القائم- عليه السّلام-: الصّيحة، والسّفياني، والخسفة ، وقتل النّفس الزّكيّة، واليمانيّ.

فقلت: جعلت فداك، إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات، أ نخرج معه؟ قال: لا. فلمّا كان من الغد، تلوت هذه الآية إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ.

فقلت له: أ هي الصّيحة؟ فقال: أما لو كانت، خضعت أعناق أعداء اللّه- عزّ وجلّ-.

و في كتاب الغيبة  لشيخ الطّائفة- رحمه اللّه- بإسناده إلى الحسن بن زياد الصّقيل قال: سمعت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- يقول: إنّ القائم لا يقوم، حتّى ينادي مناد من السّماء، يسمع الفتاة في خدرها، ويسمع أهل المشرق والمغرب. وفيه نزلت هذه الآية: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ. فإنّه‏

حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: تخضع رقابهم- يعني بني أميّة- وهي الصّيحة من السّماء باسم صاحب الأمر- صلوات 291.اللّه عليه-.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة : حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد قال:

 

قال عليّ بن موسى الرّضا- عليهما السّلام-: لا دين لمن لا ورع له. ولا أيمان لمن لا تقيّة له. وإنّ أكرمكم عند اللّه أعملكم بالتّقيّة.

فقيل له: يا ابن رسول اللّه، إلى متى؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم . وهو يوم خروج قائمنا. فمن ترك التّقيّة قبل خروج قائمنا، فليس منّا.

فقيل له: يا ابن رسول اللّه، ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال: الرّابع من ولدي، ابن سيّدة الإماء. يطهّر اللّه به الأرض من كلّ جور ويقدّسها من كلّ ظلم. وهو الّذي يشكّ النّاس في ولادته. وهو صاحب الغيبة قبل خروجه. فإذا خرج، أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بن النّاس، فلا يظلم أحد أحدا. وهو الّذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظلّ.

و هو الّذي ينادي مناد من السّماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدّعاء إليه يقول: ألا إنّ حجّة اللّه قد ظهر عند بيت اللّه. فاتّبعوه! فإنّ الحقّ معه وفيه. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-:

إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه بن أسد، عن إبراهيم بن محمّد، عن أحمد بن معمر الأسديّ، عن محمّد بن الفضيل، عن الكبيّ، عن أبي صالح عن ابن عبّاس في قوله- عزّ وجلّ-: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ، قال: هذه نزلت فينا وفي بني أميّة. تكون لنا دولة تذلّ أعناقهم لنا بعد صعوبة وهو ان بعد عزّ

و قال أيضا : حدّثنا أحمد بن الحسن بن عليّ قال:

 

حدّثنا أبي، عن أبيه، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ‏

 . قال: نزلت في قائم آل محمّد- صلوات اللّه عليهم- ينادى باسمه من السماء.

و قال أيضا : حدّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابنا، [عن أبي بصير]،  عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ. قال:

يخضع  لها رقاب بني أميّة. قال: ذلك بارز [عند زوال‏]  الشّمس. قال: وذاك عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- يبرز عند زوال الشّمس. وتركت الشّمس على رؤوس النّاس ساعة، حتّى يبرز وجهه، ويعرف النّاس حسبه ونسبه. ثمّ قال: إنّ بني أميّة ليختبئ الرّجل منهم إلى جنب شجرة، فتقول: خلفي رجل من بني أميّة، فاقتلوه!

و قال أيضا : حدّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس قال: حدّثنا صفوان بن يحيى، عن أبي عثمان، عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

 

قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: انتظروا الفرج في ثلاث.

قيل: وما هي؟ قال: اختلاف أهل الشّام بينهم، والرّايات السّود من خراسان، والفزعة في شهر رمضان.

فقيل له: وما الفزعة في شهر رمضان؟ قال: أما سمعتم قول اللّه- عزّ وجلّ- في القرآن: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ. قال: إنّه تخرج الفتاة من خدرها، ويستيقظ النّائم، ويفزع اليقظان.

وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ: موعظة أو طائفة من القرآن.

مِنَ الرَّحْمنِ يوحيه إلى نبيّه.

مُحْدَثٍ: مجدّد إنزاله لتكرير التّذكير وتنويع التّقرير، إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ : إلّا جدّدوا إعراضا عنه وإصرارا على ما كانوا عليه.

فَقَدْ كَذَّبُوا، أي: بالذّكر، بعد إعراضهم وأمعنوا في تكذيبه، بحيث أدّى بهم‏إلى الاستهزاء به المخبر به عنهم ضمنا في قوله:

فَسَيَأْتِيهِمْ، أي: إذا مسّهم عذاب اللّه يوم بدر، أو يوم القيامة.

أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ  من أنّه كان حقّا أم باطلا. وكان حقيقا بأن يصدّق فيعظّم قدره، أو يكذّب فيستخفّ أمره.

أَ وَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ: أو لم ينظروا إلى عجائبها.

كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ: صنف كَرِيمٍ : محمود كثير المنفعة. وهو صفة لكلّ ما يحمد ويرضى. وهاهنا يحتمل أن تكون مقيّدة لما يتضمّن الدّلالة على القدرة، وأن تكون مبيّنة منبّهة على أنّه ما من نبت إلّا وله فائدة، إما وحده أو مع غيره.

و «كلّ» لإحاطة الأزواج. و«كم» لكثرتها.

إِنَّ فِي ذلِكَ: إنّ في إنبات تلك الأصناف، أو في كلّ واحد.

لَآيَةً على أنّ منبتها تامّ القدرة والحكمة، سابغ النّعمة والرّحمة.

وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ : لا يصدّقون ولا يعترفون به، عنادا وتقليدا لأسلافهم، وهربا من مشقّة التّكليف.

و قال سيبويه : «كان» هاهنا مزيدة.

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ: الغالب القادر على الانتقام من الكفرة.

الرَّحِيمُ ، حيث أمهلهم. أو: «العزيز» في انتقامه ممّن كفر، «الرّحيم» لمن تاب وآمن.

وَ إِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى:

مقدّر باذكر. أو ظرف لما بعده.

أَنِ ائْتِ، أي: ائت. أو: بأن ائت الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ : بالكفر واستعباد بني إسرائيل وذبح أولادهم.

قَوْمَ فِرْعَوْنَ:

بدل من الأوّل. أو عطف بيان له. ولعلّ الاقتصار على القوم، للعلم بأنّ فرعون كان أولى بذلك.

أَ لا يَتَّقُونَ :استئناف أتبعه إرساله إليهم للإنذار، تعجبّا له من إفراطهم في الظّلم واجترائهم عليه.

و قرئ  بالتّاء، على الالتفات إليهم، زجرا لهم وغضبا عليهم. وهم- وإن كانوا غيّبا حينئذ- أجروا مجرى الحاضرين في كلام المرسل إليهم، من حيث إنّه مبلّغه إليهم، واستماعه مبدأ استماعهم، مع ما فيه من مزيد الحثّ على التّقوى لمن تدبّره وتأمّل مورده.

و قرئ  بكسر النّون، اكتفاء بها عن ياء الإضافة. ويحتمل أن يكون بمعنى ألا يا ناس اتّقون، كقوله: ألا يا اسجدوا.

قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ  وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ :

رتّب استدعاء ضمّ أخيه إليه وإشراكه له في الأمر على الأمور الثّلاثة: خوف التّكذيب، وضيق القلب انفعالا عنه، وازدياد الحبسة في اللّسان، بانقباض الرّوح إلى باطن القلب عند ضيقه، بحيث لا ينطلق. لأنّها إذا اجتمعت مسّت الحاجة إلى معين يقوّي قلبه وينوب منابه متى تعتريه حبسة، حتّى لا تختلّ دعوته، ولا تنبتر حجّته. وليس ذلك تعلّلا منه وتوقّفا في تلّقي الأمر، بل طلبا لما يكون معونة على امتثاله وتمهيد عذره فيه.

و قرأ  يعقوب: «و يضيق» و«لا ينطلق» بالنّصب، عطفا على «يكذّبون». فيكونان من جملة ما خاف منه.

و في مجمع البيان : قال الجبّائيّ: لم يسأل موسى ذلك إلّا بعد أن أذن اللّه له في ذلك. لأنّ الأنبياء لا يسألون اللّه إلّا ما يؤذن لهم في مسألته.

وَ لَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ، أي: دعوى ذنب. فحذف المضاف وسمّي باسمه.

و المراد قتل القبطيّ. وهذا إنّما سمّاه ذنبا على زعمهم. وهذا اقتصار، قصّته المبسوطة في مواضع.

فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ  به، قبل أداء الرّسالة.

و هو أيضا ليس تعلّلا. وإنّما هو استدفاع للبليّة المتوقّعة، كما أنّ ذلك استمداد واستظهار في أمر الدّعوة.و قوله: قالَ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إجابة له إلى الطّلبتين يوعده لدفع بلائهم اللّازم ردعه عن الخوف، وضمّ أخيه إليه في الإرسال. فالخطاب في «اذهبا» على تغليب الحاضر، لأنّه معطوف على الفعل الّذي يدلّ عليه «كلا». كأنّه قيل: ارتدع يا موسى عمّا تظنّ، فاذهب أنت والّذي طلبته.

إِنَّا مَعَكُمْ، يعني: موسى وهارون وفرعون مُسْتَمِعُونَ : سامعون لما يجري بينكما وبينه، فأظهر كما عليه.

مثّل نفسه- تعالى- بمن حضر مجادلة قومه استماعا لما يجري وترقّبا لإمداد أوليائه منهم، مبالغة في الوعد بالإعانة. ولذلك تجوّز بالاستماع الّذي هو بمعنى الإصغاء [للسّمع الّذي هو مطلق إدراك الحروف والأصوات. وهو خبر ثان، أو الخبر وحده.

و «معكم» ظرف لغو] .

ْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ‏

 :

قيل : أفرد الرّسول، لأنّه مصدر وصف به، فإنّه مشترك بين المرسل والرّسالة.

قال الشاعر:

         لقد كذّب الواشون ما فهت عندهم             بسرّ ولا أرسلتهم برسول‏

 ولذلك ثنّى تارة، وأفرد أخرى. أو لاتّحاد هما للأخوّة. أو لوحدة المرسل والمرسل به. أو لأنّه أراد أنّ كلّ واحد منّا.

أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ ، أي: أرسل، لتضمّن الرّسول [معنى الإرسال المتضمّن‏]  معنى القول. والمراد: خلّهم يذهبوا معنا إلى الشّام.

قالَ- أي: فرعون لموسى، بعد ما أتياه فقالا له ذلك:

أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا: في منازلنا وَلِيداً: طفلا سمّي به لقربه من الولادة.

وَ لَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ :

قيل : لبث فيهم ثماني عشرة سنة.

و قيل  أربعين سنة.و قيل : لبث فيهم ثلاثين سنة. ثمّ خرج إلى مدين عشر سنين. ثمّ عاد إليهم يدعوهم إلى اللّه ثلاثين سنة. ثمّ بقي بعد الغرق خمسين.

وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ، يعني قتل القبطيّ. وبّخه به معظّما إيّاه، بعد ما عدّد عليه نعمته.

و قرئ : «فعلتك» بالكسر، لأنّها كانت قتلة بالوكز.

وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ ، بنعمتي، حتّى عمدت إلى قتل خواصّي، أو ممّن تكفّرهم الآن، فإنّه- عليه السّلام- كان يعايشهم بالتّقيّة. فهو حال من إحدى التائين.

و يجوز أن يكون حكما مبتدأ عليه بأنّه من الكافرين بالهيّته أو بنعمته، لمّا عاد عليهم بالمخالفة. أو من الّذين كانوا يكفرون في دينهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. فإنّه‏

حدّثني أبي، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا بعث اللّه- عزّ وجلّ- موسى- عليه السّلام- إلى فرعون، أتى بابه، فاستأذن عليه. فلم يؤذن له. فضرب بعصاه الباب. فاصطكّت الأبواب، ففتحت. ثمّ دخل على فرعون، فأخبره أنّه رسول اللّه  وسأله أن يرسل معه بني إسرائيل. فقال له فرعون، كما حكى اللّه- عزّ وجلّ-: أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً (إلى آخر الآية).

قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ :

قيل : أي: من الجاهلين. وقد قرئ به. والمعنى: من الفاعلين فعل أولي الجهل والسّفه.

و قيل : من المخطئين، لأنّه لم يتعمّد قتله.

و قيل : من الذّاهلين عمّا يؤول إليه الوكز، لأنّه أراد به التّأديب.

و قيل : من النّاسين، من قوله : أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما.و قيل : من الظّالّين عن النّبوّة. أي: لم يوح إلىّ تحريم قتله.