سورة الشّعراء الآية 181-200

أَوْفُوا الْكَيْلَ:أتمّوه.

وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ : حقوق النّاس بالتّطفيف.

وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ : بالميزان السّويّ. وهو إن كان عربيّا، فإن كان من «القسط» ففعلاس بتكرير العين، وإلّا ففعلال.

و قرأ  حمزة والكسائي وحفص، بكسر القاف.

وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ: [و لا تنقصوا شيئا]  من حقوقهم.

وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ : بالقتل والغارة وقطع الطّريق.

وَ اتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ : ذوي الجبلّة الأوّلين، يعني: من تقدّمهم من الخلائق.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ قال: الخلق الأوّلين.

قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ، وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا أتوا «بالواو» للدّلالة على أنّه جامع بين وصفين متنافيين للرّسالة مبالغة في تكذيبه.

وَ إِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ : في دعواك.

فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ: قطعة منها. ولعلّه جواب لما أشعر به الأمر بالتّقوى من التّهديد.

و قرأ  حفص، بفتح السّين.

إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ : في دعواك.

قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ : وبعذابه المنزّل عليكم ممّا أوجبه لكم عليه في وقته المقدّر له لا محالة.

فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ: على نحو ما اقترحوا، بأن سلّط اللّه عليهم الحرّ سبعة أيّام حتّى غلت أنهارهم، وأظلّتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: فَكَذَّبُوهُ قال: قوم شعيب.

فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ قال : يوم حرّ وسمائم.

إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ  في تفسير عليّ بن إبراهيم : وأمّا قولة- عزّ وجلّ-: عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ فبلغنا، واللّه أعلم، أنّه أصابهم حرّ وهم في بيوتهم، فخرجوا يلتمسون الرّوح من قبل السّحابة الّتي بعث اللّه- عزّ وجلّ- فيها العذاب، فلمّا غشيتهم  أخذتهم الصّيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، وهم قوم شعيب.

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ  هذا آخر القصص السّبع المذكورة على [سبيل‏]  الاختصار، تسلية لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وتهديدا للمكذّبين به، واطّراد نزول العذاب على تكذيب الأمم بعد إنذار الرّسل واقتراحهم له استهزاء وعدم مبالاة به  يدفع أن يقال: إنّه كان بسبب اتّصالات فلكيّة، أو كان ابتلاء لهم  لا مؤاخذة على تكذيبهم.

وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ  نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ  عَلى قَلْبِكَ:

تقرير لحقّيّة  تلك القصص، وتنبيه على إعجاز القرآن ونبوّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

فإنّ الإخبار عنها ممّن لم يتعلّمها لا يكون إلّا وحيا من اللّه- تعالى-.و «القلب» إن أراد به: الرّوح، فذاك. وإن أراد به: العضو، فتخصيصه لأنّ المعاني الرّوحانيّة إنّما تنزل أوّلا على الرّوح، ثمّ تنتقل إلى القلب لما بينهما من التّعلّق، ثمّ تتصعّد منه إلى الدّماغ فينتقش بها نوح  المتخيّلة.

و الرُّوحُ الْأَمِينُ [جبرئيل- عليه السّلام- فإنّه أمين اللّه على وحيه.

و قرأ  ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي، بتشديد الزّاء، ونصب الرّوح الأمين.]

لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ : عمّا يؤدّي إلى عذاب من فعل أو ترك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن جابر ، عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ قال: الولاية الّتي  نزلت لأمير المؤمنين- عليه السّلام- يوم الغدير.

بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ : واضح المعنى، لئلّا يقولوا: ما نصنع بما لا نفهمه.

فهو متعلّق «بنزل».

و يجوز أن يتعلّق «بالمنذرين»، أي: لتكون ممّن أنذروا بلغة العرب، وهم هود وصالح وإسماعيل وشعيب ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن بعض أصحابنا، عن حنان بن سدير، عن سالم الحنّاط قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: أخبرني عن قول اللّه- تبارك وتعالى-: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ.

قال: هي الولاية لأمير المؤمنين- عليه السّلام-.

عليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد، عن الحجّال، عمّن ذكره، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ.قال: يبيّن الألسن ولا تبيّنه الألسن.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى مسلم بن خالد المكّيّ: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: ما أنزل اللّه- تبارك وتعالى- كتابا ولا وحيا إلّا بالعربيّة، فكان يقع في مسامع الأنبياء- عليهم السّلام- [بألسنة قومهم‏]  وكان يقع في مسامع نبيّنا- صلّى اللّه عليه وآله- بالعربيّة. فإذا كلّم به قومه كلّمهم بالعربيّة، فيقع في مسامعهم بلسانهم، وكان أحد  لا يخاطب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بأيّ لسان خاطبه إلّا وقع في مسامعه بالعربيّة، كلّ ذلك يترجم جبرئيل- عليه السّلام- تشريفا من اللّه- عزّ وجلّ- له- صلّى اللّه عليه وآله-.

وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ : وإنّ ذكره أو معناه لفي الكتب المتقدّمة.

و في بصائر الدّرجات : محمّد بن أحمد، عن العبّاس بن معروف، عن الحسن بن محبوب، عن حنان بن سدير، عن سالم ، عن أبي محمّد [بن أحمد]  قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: أخبرني عن الولاية أنزل بها جبرئيل- عليه السّلام- من عند ربّ العالمين يوم الغدير؟

فقال: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ قال: هي الولاية لأمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن حنان بن سدير، عن أبي محمّد الحنّاط  قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: قول اللّه- عزّ وجلّ-: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ.

قال: ولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

محمّد بن يعقوب - رحمه اللّه-، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن‏

 محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: ولاية عليّ- عليه السّلام- مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولم يبعث اللّه رسولا إلّا بنبوّة محمّد وولاية وصيّه - صلّى اللّه عليهما وعلى ذرّيّتهما الأبرار صلاة باقية ما بقي اللّيل والنّهار.

أَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً: على صحّة القرآن. أو نبوّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ : أن يعرفوه بنعته المذكور في كتبهم.

و هو تقرير لكونه دليلا.

و قرأ  ابن عامر: «تكن» بالتّاء، و«آية» بالرّفع على أنّها الاسم والخبر «لهم» و«أن يعلمه» بدل، أو الفاعل و«أن يعلمه» بدل و«لهم» حال، أو أنّ الاسم ضمير القصّة و«آية» خبر «أن يعلمه» والجملة خبر «تكن» .

وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ، كما هو زيادة في إعجازه. أو بلغة العجم.

فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ  لفرط عنادهم واستكبارهم. أو لعدم فهمهم واستنكافهم من اتّباع العجم.

و «الأعجمين» جمع، أعجم، على التّخفيف ولذلك جمع جمع السّلامة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ‏

قال الصّادق- عليه السّلام-: لو أنزلنا  القرآن على العجم ما آمنت به العرب، وقد نزل على العرب فآمنت به العجم، فهذه فضيلة العجم.

كَذلِكَ سَلَكْناهُ: أدخلناه فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ  قيل : الضّمير للكفر المدلول عليه بقوله: ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ.

و قيل : للقرآن، أي: أدخلناه فيها، [بأن أمرنا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله وسلم- أن اقرأه عليهم وبيّنه لهم‏] ، فعرفوا معانيه وإعجازه ثمّ لم يؤمنوا به عنادا.