سورة القصص الآية 61-88

أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً: وعدا بالجنّة. فإنّ حسن الوعد بحسن الموعود.

فَهُوَ لاقِيهِ: مدركه لا محالة. لامتناع الخلف في وعده. ولذلك عطفه «بالفاء» المعطية معنى السّببيّة.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه- حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن هشام بن عليّ، عن إسماعيل بن عليّ المعلّم، عن بدل بن البحير، عن شعبة، عن أبان بن تغلب، عن مجاهد قال: قوله- عزّ وجلّ- أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ نزلت في عليّ وحمزة- عليهما السّلام-.

و يؤيّده ما رواه الحسن بن أبي الحسن الّديلميّ- رحمه اللَّه- بإسناده: عن رجاله إلى محمّد بن عليّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ قال: الموعود عليّ بن أبي طالب. وعده اللَّه أن ينتقم له من أعدائه في الدّنيا، ووعده الجنّة له ولأوليائه في الآخرة.

و ذكر أبو عليّ الطّبرسيّ- رحمه اللَّه- ما يؤيّد الحديث الأوّل في سبب النّزول. قال:و قيل: إنّها نزلت في حمزة وفي عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا: الّذي هو مشوب بالآلام، مكدّر بالمتاعب، مستعقب للتّعسّر على الانقطاع.

ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ : للحساب. أو العذاب. «و ثمّ» للتّراخي في الزّمان، أو الرّتبة.

و قرأ نافع وابن عامر في رواية والكسائيّ: «ثمّ هو» بسكون الهاء بتشبيها للمنفصل بالمتّصل. وهذه الآية كالنّتيجة للّتي قبلها، ولذلك رتّب عليها «بالفاء».

وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ: عطف على «يوم القيامة». أو منصوب «باذكر».

فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ، أي: الّذين كنتم تزعمونهم شركائي. فحذف المفعولان لدلالة الكلام عليهما.

قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ: [بثبوت مقتضاه وحصول مؤدّاه. وهو قوله :

لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ‏]  أَجْمَعِينَ وغيره من آيات الوعيد.

رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا: أغويناهم. فحذف الرّاجع إلى الموصول.

أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا: أي: هؤلاء الّذين أغويناهم، فغووا غيّا مثل ما غوينا. وهو استيناف للّدلالة على أنّهم غووا باختيارهم. وأنّهم لم يفعلوا بهم إلّا وسوسة وتسويلا.

و يجوز أن يكون «الّذين» صفة. «و أغويناهم» الخبر لأجل ما اتّصل به، فأفاده زيادة على الصّفة. وهو وإن كانت فضلة، لكنّه صار من اللّوازم.

تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ: منهم وممّا اختاروه من الكفر هو منهم. وهي تقرير للجملة المتقدّمة. ولذلك خلت عن العاطف. وكذا ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ : بل أهواءهم.

قيل : «ما» مصدريّة متّصلة «بتبّرأنا»، أي: تبرّأنا من عبادتهم إيّانا.

وَ قِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ: من فرط الحيرة.

فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ: بعجزهم عن الإجابة والنّصرة.وَ رَأَوُا الْعَذابَ: لأربابهم.

لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ : لوجه من الحيل، يدفعون به العذاب. أو إلى الحقّ لمّا رأوا العذاب. وقيل : «لو» للتّمنّي، أي: تمنّوا أنّهم كانوا مهتدين.

وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ : عطف على الأوّل.

فإنّه- تعالى- ليسأل أوّلا عن إشراكهم، ثمّ عن تكذيبهم الأنبياء.

فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ: فصارت الأنباء كالعمى عليهم، لا تهتدي إليهم. وأصله: فعموا عن الأنباء. لكنّه عكس مبالغة، ودلالة على أنّ ما يحضر الذّهن إنّما يفيض ويرد عليه من خارج. فإذا أخطأه لم يكن له حيلة إلى استحضاره.

و المراد بالأنباء: ما أجابوا به الرّسل. أو ما يعمها. [و إذا كانت الرّسل يتعتعون في الجواب عن مثل ذلك من الهول، ويفوّضون إلى علم اللَّه- تعالى- فما ظنّك بالضّلّال من أممهم.]

و تعدية الفعل «بعلى» لتضمّنه معنى الخفاء.

فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ : لا يسأل بعضهم بعضا عن الجواب، لفرط الدّهشة.

أو العلم بأنّه مثله.

فَأَمَّا مَنْ تابَ: من الشّرك.

وَ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً: وجمع بين الإيمان والعمل الصّالح.

فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ : عند اللَّه و«عسى» تحقيق على عادة الكرام. أو ترجّ من التّائب. بمعنى: فليتوقّع أن يفلح.

وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ: لا موجب عليه، ولا مانع له.

ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ، أي: التّخيّر. كالطّيرة، بمعنى: التّطيّر. وظاهره نفي الاختيار عنهم رأسا، والأمر كذلك.

و قيل : المراد، أنّه ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه. ولذلك خلا عن العاطف.

و يؤيّده ما روي: أنّه نزل في قولهم : لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ.و قيل: «ما» موصولة مفعول «ليختار» والرّاجع إليه محذوف. والمعنى: ويختار الّذي كان لهم فيه الخيرة، أي: الخير والصّلاح.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ. فإن العامّة قد رووا: أنّ ذلك في القيامة. وأمّا الخاصّة، فإنّه‏

حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن عبد الحميد الطائيّ، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ العبد إذا دخل قبره جاءه منكر وفزع منه، يسأل عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فيقول له: ما ذا تقول في هذا الرّجل كان بين أظهركم؟

فإن مؤمنا قال: أشهد أنّه رسول اللَّه، جاء بالحقّ. فيقال له: ارقد رقدة لا حلم فيها. ويتنحّى عنه الشّيطان. ويفسح له في قبره سبعة أذرع. ويرى  مكانه في الجنّة. قال: وإذا كان كافرا، قال: ما أدري. فيضرب ضربة يسمعها كلّ من خلق اللَّه إلّا الإنسان. ويسلّط عليه الشّيطان. وله عينان من نحاس أو نار تلمعان كالبرق الخاطف فيقول له: أنا أخوك. ويسلّط عليه الحّيات والعقارب. ويظلم عليه قبره، ثمّ يضغطه ضغطة تختلف أضلاعه عليه. ثمّ قال بأصابعه فشرجها.

و قوله- عزّ وجلّ-: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ. قال: ويختار اللَّه- عزّ وجلّ- الإمام. وليس لهم أن يختاروا. سُبْحانَ اللَّهِ: تنزيها له. أن ينازعه أحد، أو يزاحم اختياره اختيار.

وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ : عن إشراكهم. أو مشاركة ما يشركون به.

و في أصول الكافي : أبو القاسم بن العلاء- رحمه اللَّه- عن عبد العزيز بن مسلم، عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل في فضل الإمام- عليه السّلام- وصفاته. يقول فيه- عليه السّلام-: هل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الأمّة، فيجوز فيها اختيارهم؟ إلى قوله- عليه السّلام-: لقد امرا صعبا، وقالوا إفكا، وضلّوا ضلالا بعيدا، ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة، وزيّن لهم الشّيطان أعمالهم فصدّهم عن السّبيل وما كانوا مستبصرين. رغبوا عن اختيار اللَّه واختيار رسول اللَّه [و أهل بيته‏]  إلى اختيارهم، والقرآن‏يناديهم: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [من أمرهم‏]  سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا [يُشْرِكُونَ. وقال عزّ وجلّ : وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.]

 

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سعد بن عبد اللَّه القمّيّ، عن الحجّة القائم- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه قلت: أخبرني يا ابن مولاي عن العلّة الّتي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم.

قال: مصلح أو مفسد؟

قلت: مصلح.

قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟

قلت: بلى.

قال: فهي العلّة. وأوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك. ثمّ قال- عليه السّلام- أخبرني عن الرّسل الّذين اصطفاهم اللَّه- عزّ وجلّ- وأنزل عليهم الكتب  وأيّدهم بالوحي والعصمة. إذ هم أعلام الأمم وأهدى إلى الاختيار منهم، مثل: موسى وعيسى- عليهم السّلام- هل يجوز مع وفور عقلهما [و كمال علمهما]  إذ همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق، وهما يظنّان أنّه مؤمن؟

قلت: لا.

قال: هذا موسى كليم اللَّه، مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه، اختار في أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه- عزّ وجلّ- سبعين رجلا ممّن لا يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم. ووقع خيرته على المنافقين. قال  اللَّه- عزّ وجلّ-: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا إلى قوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللَّه- عزّ وجلّ- للنّبوّة واقعا على الأفسد دون الأصلح،و هو يظنّ أنّه الأصلح دون الأفسد، علمنا أنّ الاختيار لا يجوز أن يفعل  إلّا لمن يعلم ما تخفي الصدور وتكنّ الضّمائر وتتصرّف عليه السّرائر. وأنّ لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لمّا أرادوا أهل الصّلاح.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام- في كلام طويل-: ونعلم أنّ نواصي الخلق بيده. فليس لهم نفس ولا لحظة إلّا بقدرته ومشيئته. وهم عاجزون عن إتيان أقلّ شي‏ء في مملكته إلّا بإذنه [و مشيئته‏]  وإرادته. قال اللَّه- عزّ وجلّ-: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ من أمرهم سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.

وَ رَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ: كعداوة الرّسول وحقده.

وَ ما يُعْلِنُونَ : كالطّعن فيه.

وَ هُوَ اللَّهُ: المستحقّ للعبادة.

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: لا أحد يستحقّها، إلّا هو.

لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ: لأنّه المولى للنّعم كلّها عاجلها وآجلها.

يحمده المؤمنون في الآخرة كما حمدوه في الدّنيا. بقولهم: الحمد للَّه الّذي أذهب عنّا الحزن، الحمد للَّه الّذي صدقنا وعده. ابتهاجا بفضله، والتذاذا بحمده.

وَ لَهُ الْحُكْمُ: القضاء النّافذ في كلّ شي‏ء.

وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ : بالنّشور.

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً: دائما. من السّرد: وهو المتابعة. و«الميم» مزيدة. كميم «دلامص».

إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ: بإسكان الشّمس تحت الأرض. أو تحريكها فوق الأفق الغائر.

مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ: كان حقّه، هل إله. فذكر «بمن» على زعمهم: أنّ غيره آلهة.

و عن ابن كثير «بضئاء» بهمزتين .أَ فَلا تَسْمَعُونَ : سماع تدبّر واستبصار.

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ:

بإسكانها في وسط السّماء. أو تحريكها على مدار فوق الأفق.

مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ: استراحة عن متاعب الأشغال.

و لعلّه لم يصف الضياء بما يقابله، لأنّ [الضّوء، نعمة في ذاته مقصود في نفسه، ولا اللّيل كذلك. ولأنّ منافع‏]  الضّوء أكثر ممّا يقابله، ولذلك قرن به أَ فَلا تَسْمَعُونَ. وباللّيل أَ فَلا تُبْصِرُونَ : لأنّ استفادة العقل من السّمع أكثر من استفادته من البصر.

وَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ: في اللّيل.

وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ: بالنّهار، بأنواع المكاسب.

وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ : ولكي تعرفوا نعمة اللَّه في ذلك، فتشكروا عليها.

وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ : تقريع بعد تقريع. للإشعار بأنّه لا شي‏ء أجلب لغضب اللَّه- تعالى- في الإشراك به. أو الأوّل، لتقرير فساد رأيهم. والثّاني، لبيان أنّه لم يكن عن سند، وإنّما كان محض تشهّي وهوى.

وَ نَزَعْنا: وأخرجنا.

مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً: وهو نبيّهم. يشهد عليهم بما كانوا عليه.

فَقُلْنا: للأمم.

هاتُوا بُرْهانَكُمْ: على صحّة ما كنتم تدينون به.

فَعَلِمُوا: حينئذ.

أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ: في الألوهيّة. لا يشاركه فيها أحد.

وَ ضَلَّ عَنْهُمْ: وغاب عنهم [غيبة الضائع.] .

ما كانُوا يَفْتَرُونَ : من الباطل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً يقول: من كلّ فرقة من هذه الأمّةإمامها  فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ.]

 

إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى:

قيل : ابن عمّه يصهر بن قاهث بن لاوي. وكان ممّن أمن به.

و قيل : كان موسى ابن أخيه. وقارون عمّه.

و في مجمع البيان : إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى، أي: كان من بني إسرائيل، ثمّ من سبط موسى. وهو ابن خالته. عن عطاء، عن ابن عبّاس. وروي ذلك عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.

فَبَغى عَلَيْهِمْ: فطلب الفضل عليهم، وأن يكونوا تحت أمره. أو تكبّر عليهم. أو ظلمهم. قيل : ذلك حين ملّكه فرعون على بني إسرائيل. أو حسدهم، لما روى أنّه قال له:

لك الرّسالة، ولهارون الحبورة، وأنا في غير شي‏ء. إلى متى أصبر؟

وَ آتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ: من الأموال المدّخرة.

في مجمع البيان  قال: عطاء: أصاب كنزا من كنوز يوسف.

ما إِنَّ مَفاتِحَهُ: مفاتيح صناديقه. جمع، مفتح. بالكسر: وهو ما يفتح به.

و قيل : خزائنه وقياس واحدها المفتح.

لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ: خبر «إنّ». والجملة صلة «ما». وهو ثاني مفعولي «أتى».

و ناء به الحمل: إذا أثقله حتّى أماله.

و العصبة، والعصابة: الجماعة الكثيرة. واعتصبوا: اجتمعوا.

و قرئ «لينوء» بالياء. على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  1: وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِو العصبة: ما بين العشرة إلى تسعة عشر. [قال: كان يحمل مفاتيح خزائنه العصبة أولو القوّة.

و في مجمع البيان:  قيل: ما بين عشرة إلى خمسة عشر.]  وقيل : ما بين عشرة إلى أربعين. وقيل: أربعون رجلا. وقيل: ما بين الثّلاثة إلى العشرة. وقيل: إنّهم جماعة يتعصّب بعضهم لبعض.

و روى الأعمش عن خثيمة قال: كانت مفاتح قارون من جلود. كلّ مفتاح مثل الإصبع.

إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ: منصوب «بتنوء».

لا تَفْرَحْ: لا تبطر. والفرح بالدّنيا مذموم مطلقا. لأنّه نتيجة حبّها والرّضا بها والذّهول عن ذهابها. فإنّ العلم بأنّ ما فيها من اللّذّة مفارقة لا محالة، يوجب التّرح كما قال:

         أشدّ الغمّ عندي في سرور             تيقّن عنه صاحبه انتقالا

 ولذلك قال اللَّه- تعالى-: وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ  وعللّ النّهي هاهنا بكونه مانعا من محبّة اللَّه، فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ : أي: بزخارف الدّنيا.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة  بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: وما يكون أولو قوّة إلّا عشرة آلاف [قال عزّ من قائل-: إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ.]

 

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللَّه، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: أوحى اللَّه- تبارك وتعالى- إلى موسى- عليه السّلام-: لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكري على كلّ حال. فإنّ كثرة المال تنسي الذّنوب، وترك ذكري يقسي القلوب.

عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-  حديث طويل. وفيه: والفرح مكروه عند اللَّه- عزّ وجلّ-.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى أبان الأحمر، عن الصّادق جعفر بن محمّد- عليه السّلام- أنّه جاء رجل إليه فقال له: بأبي أنت وأمّي، عظني موعظة.

فقال- عليه السّلام- إن كانت العقوبة من اللَّه- عزّ وجلّ- حقّا، فالفرح لما ذا؟

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ: من الغنى.

الدَّارَ الْآخِرَةَ: بصرفه فيما يوجبها لك. فإنّ المقصود منه، أن يكون وصلة إليها.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن أبي الحسن عليّ بن يحيى، عن أيّوب بن أعين، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يؤتى يوم القيامة برجل، فيقال: احتج.

فيقول: يا ربّ، خلقتني وهديتني وأوسعت  عليّ، فلم أزل أوسع على خلقك وأيسر عليهم. لكي تنشر عليّ هذا اليوم رحمتك وتيسّره.

فيقول الرّبّ- جلّ ثناؤه وتعالى-: صدق عبدي. أدخلوه الجنّة.

وَ لا تَنْسَ: ولا تترك ترك المنسيّ.

نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا: وهو أن تحصّل بها آخرتك. أو تأخذ منها ما يكفيك. و في كتاب معاني الأخبار  بإسناده إلى موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر- عليه السّلام- قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا قال: لا تنس صحّتك وقوّتك وفراغك وشبابك ولا نشاطك، أن تطلب بها  الآخرة.

وَ أَحْسِنْ: إلى عباد اللَّه.

كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ: فيما أنعم عليك.

و قيل : أحسن بالشّكر والطّاعة، كما أحسن إليك بالإنعام.

وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ: بأمر يكون علّة للظّلم والبغي.

إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ : لسوء أفعالهم.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: فساد الظّاهر، من فساد الباطن. ومن أصلح سريرته، أصلح اللَّه علانيته: ومن خان اللَّه في السّر هتك اللَّه ستره في العلانيّة  وأعظم الفساد، أن يرضى العبد  بالغفلة عن اللَّه- تعالى- وهذا الفساد يتولّد من طول الأمل والحرص والكبر. كما أخبر اللَّه- تعالى- في قصّة قارون في قوله: وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. وكانت هذه الخصال من صنع قارون واعتقاده. وأصلها: من حبّ الدّنيا وجمعها، ومتابعة النّفس وهواها، وإقامة شهواتها، وحبّ المحمدة، وموافقة الشّيطان، واتّباع خطراته. وكلّ ذلك مجتمع تحت الغفلة عن اللَّه ونسيان مننه .قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ: فضّلت به على النّاس. واستوجبت به التّفوّق  عليهم بالجاه والمال.

و «على علم» في موضع الحال. وهو علم التّوراة. وكان أعلم بها. وقيل : هو علم الكيمياء. وقيل: علم النّجارة والدّهقنة وسائر المكاسب.

و قيل : العلم بكنوز يوسف.

عِنْدِي: صفة له. أو متعلّق «بأوتيته». كقولك: جاز هذا عندي، أي: في ظنّي واعتقادي.

أَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً: تعجّب وتوبيخ، على اغتراره بقوّته وكثرة ماله مع علمه بذلك. لأنّه قرأه في التّوراة، وسمعه من حفّاظ التّواريخ. أو ردّ لادّعائه العلم وتعظّمه به، بنفي هذا العلم منه أي: أ عنده مثل ذلك العلم الّذي ادّعاه ولم يعلم هذا حتّى يقي به نفسه مصارع الهالكين.

وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ : سؤال استعلام، فإنّه- تعالى- مطّلع عليها. أو معاتبة، فإنّهم يعذّبون بها بغتة.

قيل : يعني: أنّهم يدخلون النّار بغير حساب. وأنّ الملائكة يعرفونهم بسيماهم، فلا يسألون عنم لعلامتهم. ويأخذونهم بالنّواصي والأقدام، فيصيّرونهم إلى النّار.

فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ:

قيل : إنّه خرج على بغلة شهباء عليه الأرجوان، وعليها سرج من ذهب. ومعه أربعة آلاف فارس على زينته . والأرجوان: صمغ أحمر.

قيل  [: خرج‏]  في جوار بيض، على سرج من ذهب، على قطف أرجوان، على بغال بيض. عليهن ثياب حمر وحليّ من ذهب.

و قيل : خرج في سبعين ألفا عليهم المعصفرات.قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا: على ما هو عادة النّاس من الرّغبة.

يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ: تمنّوا مثله لا عينه، حذرا عن الحسد.

إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ : من الدّنيا.

وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: بأحوال الآخرة، للمتّقين.

وَيْلَكُمْ: دعاء بالهلاك. استعمل للزّجر عمّا لا يرتضى.

ثَوابُ اللَّهِ: في الآخرة.

خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً: ممّا أوتي قارون. بل من الدّنيا وما فيها.

وَ لا يُلَقَّاها:

الضّمير فيه، للكلمة الّتي تكلّم بها العلماء. أو للثّواب، فإنّه بمعنى: المثوبة. أو الجنّة. أو للإيمان والعمل الصّالح، فإنّهما في معنى: السّيرة والطّريقة.

إِلَّا الصَّابِرُونَ : على الطّاعات، وعن المعاصي.

فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ:

نقل : أنّه كان يؤذي موسى- عليه السّلام- كلّ وقت. وهو يداريه، لقرابته.

حتّى نزلت الزّكاة، فصالحه عن كلّ ألف على واحد. فحسبه فاستكثره. فعمد إلى أن يفضح موسى- عليه السّلام- بين بني إسرائيل، ليرفضوه. فبرطل بغيّة لترميه بنفسها. فلمّا كان يوم العيد قام موسى خطيبا، فقال: من سرق قطعناه. [و من افترى جلدناه‏]  ومن زني غير محصن جلدناه. ومن زنى محصنا رجمناه.

فقال قارون: ولو كنت؟

قال: ولو كنت.

قال: إنّ بني إسرائيل يزعمون أنّك فجرت بفلانة. فاستحضرت. فناشدها موسى باللَّه أن تصدق.

فقالت: جعل لي قارون جعلا، على أن أرميك بنفسي. فخرّ موسى شاكيا منه إلى ربّه. فأوحى اللَّه إليه: أن مر الأرض بما شئت.

فقال: يا أرض خذيه. [و هو على سريره وفرشه. فأخذته حتّى غيّبت سريره. ثمّ قال: خذيه. فأخذته حتّى غيّبت قدميه. ثمّ قال: خذيه.]  فأخذته إلى ركبتيه. ثمّ قال:خذيه. فأخذته إلى وسطه. ثمّ قال: خذيه. فأخذته إلى عنقه. ثمّ قال: خذيه، فخسفت به. وكان [قارون‏]  يتضرّع إليه في هذه الأحوال، فلم يرحمه. فأوحى اللَّه إليه: ما أفظّك! استرحمك مرارا، فلم ترحمه. وعزّتي وجلالي، لو دعاني مرّة لأجبته. ثمّ قال بنو إسرائيل: إنّما فعله ليرثه.

فدعا اللَّه، حتّى خسف بداره وأمواله.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فقال قارون كما حكى اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي، يعني: ماله. وكان يعمل الكيمياء. فقال اللَّه- عزّ وجلّ-: أَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ.، أي: لا يسأل من كان قبلهم عن ذنوب هؤلاء فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قال:

في الثّياب المصبّغات، يجرّها بالأرض. قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. فقال لهم الخلّص  من أصحاب موسى- عليه السّلام-:

وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ. فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قام رجل إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- في الجامع بالكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن يوم الأربعاء والتّطيّر منه وثقله، وأيّ أربعاء هو؟

فقال- عليه السّلام- آخر أربعاء في الشّهر. وهو المحاق. وفيه قتل قابيل هابيل أخاه ويوم الأربعاء ألقي إبراهيم- عليه السّلام- في النّار. ويوم الأربعاء خسف اللَّه بقارون.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في من لا يحضره الفقيه ، في مناهي النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: ونهى أن يختال الرّجل في مشيه. وقال: من لبس ثوبا فاختال فيه، خسف اللَّه به من شفير جهنم وكان قرين قارون. لأنّه أوّل من اختال، فخسف اللَّه به وبداره الأرض.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وكان سبب هلاك قارون، أنّه لمّا خرج موسى- عليه السّلام- ببني إسرائيل من مصر وأنزلهم البادية  وكانوا يقومون من أوّل اللّيل ويأخذون في قراءة التّوراة والدّعاء والبكاء، وكان قارون منهم. وكان يقرأ التّوراة ولم يكن فيهم أحسن صوتا منه، وكان يسمّى المنون لحسن قراءته، وكان يعمل الكيمياء، فلما طال الأمر على بني إسرائيل في التّيه والتّوبة. وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم في التوبة [و كان موسى- عليه السّلام- يحبّه، فدخل إليه موسى فقال له: يا قارون قومك في التّوبة]  وأنت قاعد هاهنا، ادخل معهم وإلّا نزل  بك العذاب. فاستهان به واستهزأ بقوله.

فخرج موسى من عنده مغتمّا وجلس في فناء قصره. وعلي جبّة شعر، ونعلان من جلد حمار شراكهما من خيط شعر ، بيده العصا. فأمر قارون أن يصبّ عليه رمادا قد خلطه بالماء فصبّ عليه. فغضب موسى- عليه السّلام- غضبا شديدا. وكان في كتفه شعرات، كان إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدّم.

فقال موسى: يا ربّ، إن لم تغضب لي فلست لك بنبي.

فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إليه: قد أمرت الأرض  أن تطيعك، فمرها بما شئت.

و قد كان قارون قد أمر أن يغلق باب القصر. فأقبل موسى- عليه السّلام- فأومى إلى الأبواب فانفرجت  ودخل عليه. فلمّا نظر إليه قارون، علم أنّه قد أوتي. قال: يا موسى، أسألك بالرّحم الّذي بيني وبينك.

فقال له موسى: يا بن لاوي، لا تزدني من كلامك. يا أرض، خذيه. فدخل القصر بما فيه في الأرض [و دخل قارون في الأرض‏]  إلى ركبتيه. فبكى وحلّفه بالرّحم. فقال‏موسى- عليه السّلام-: يا بن لاوي، لا تزدني من كلامك. يا أرض، خذيه وابتلعيه بقصره وخزائنه.

و هذا ما قال موسى- عليه السّلام- لقارون يوم أهلكه اللَّه- عزّ وجلّ- فعيّر اللَّه- تبارك وتعالى- بما قاله لقارون. فعلم موسى أنّ اللَّه- تبارك وتعالى- قد عيّره بذلك، فقال موسى: يا ربّ، إنّ قارون دعاني بغيرك. ولو دعاني بك، لأجبته.

فقال اللَّه- عزّ وجلّ- [: ما قلت:]  يا ابن لاوي لا تزدني من كلامك؟

فقال: موسى- عليه السّلام-: يا ربّ، لو علمت أنّ ذلك لك رضى لأجبته.

فقال اللَّه- عزّ وجلّ- [: يا موسى،]  وعزّتي وجلالي وحقّ  جودي ومجدي وعلوّ مكاني لو أنّ قارون كما دعاك دعاني، لأجبته ولكنّه لمّا دعاك، وكّلته إليك. يا ابن عمران، لا تجزع من الموت. فإنّي كتبت الموت على كلّ نفس. وقد مهدّت لك مهادا، لو قد وردت عليه لقرّت عيناك.

فخرج موسى- عليه السّلام- إلى جبل طور سيناء مع وصيّه. وصعد موسى الجبل، فنظر  إلى رجل قد أقبل ومعه مكتل ومسحاة. فقال له موسى- عليه السّلام-:

ما تريد؟

قال: رجل من أولياء اللَّه قد توفّي. وأنا أحضر له قبرا.

فقال له موسى: أفلا أعينك عليه؟

قال: بلى.

قال: فحفرا القبر. فلمّا فرغا، أراد الرّجل أن ينزل إلى القبر. فقال له موسى- عليه السّلام-: ما تريد؟

قال: أدخل القبر، فأنظر كيف مضجعه.

فقال له موسى- عليه السّلام-: أنا أكفيك. فدخل موسى- عليه السّلام- فاضطجع فيه، فقبض ملك الموت روحه وانضمّ عليه الجبل.

و فيه : قد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين- عليه السّلام- عن سجن طاف أقطار

 الأرض بصاحبه.

فقال: يا يهوديّ، أمّا السّجن الّذي طاف أقطار الأرض بصاحبه فإنّه الحوت الّذي حبس يونس في بطنه. فدخل في بحر القلزم، ثمّ خرج إلى بحر مصر، ثمّ دخل بحر طبرستان، ثمّ خرج في دجلة الغور . قال: ثمّ مرّت به تحت الأرض حتّى لحقت بقارون.

و كان قارون هلك في أيّام موسى. ووكّل اللَّه به ملكا يدخله في الأرض كلّ يوم قامة رجل.

و كان في بطن الحوت يسبح اللَّه ويستغفره، فسمع قارون صوته فقال للملك الموكّل به:

أنظرني، فإنّي أسمع كلام آدميّ. فأوحى اللَّه إلى الملك الموكّل به: أنظره. فأنظره. ثمّ قال قارون: من أنت؟

قال يونس: أنا المذنب الخاطئ، يونس بن متّى.

قال: فما فعل شديد الغضب للَّه موسى بن عمران؟ قال: هيهات، هلك.

قال: فما فعل الرّؤوف الرّحيم على قومه، هارون بن عمران؟

قال: هلك.

قال: فما فعلت كلثم بنت عمران، الّتي كانت سمّيت لي؟

قال: هيهات، ما بقي من آل عمران أحد.

فقال قارون: وا أسفا على آل عمران. فشكر اللَّه له ذلك. فأمر اللَّه الملك الموكّل به أن يرفع عنه العذاب أيّام الدّنيا. فرفع عنه.

و في تفسير العيّاشيّ:  عن الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ يونس لمّا آذاه قومه. وذكر حديثا طويلا. وفيه: فألقى نفسه، فالتقمه الحوت. فطاف به البحار السبعة حتّى صار إلى البحر المسجور، وبه يعذّب قارون. فسمع قارون رويّا، فسأل الملك عن ذلك. فأخبره [أنّه يونس. وأنّ اللَّه قد حبسه في بطن الحوت. فقال له قارون: أ تأذن لي أن أكلّمه؟ فأذن له. فسأله عن موسى. فأخبره‏]  أنّه مات، فبكى. ثمّ سأله عن هارون.

فأخبره أنه مات، فبكى وجزع جزعا شديدا. وسأله عن أخته كلثم، وكانت مسمّاة له.

فأخبره أنّها ماتت فبكى وجزع جزعا شديدا . قال فأوحى اللَّه إلى الملك الموكّل به: أن ارفع‏عنه العذاب بقيّة أيّام  الدّنيا لرقّته على قرابته.

و في كتاب جعفر بن محمّد الدّوريستي ، بإسناده إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- حديث طويل، يذكر فيه خروجه- عليه السّلام- للمباهلة. وفيه: فلمّا رجع النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بأهله‏]  وصار إلى مسجده هبط جبرائيل- عليه السّلام- وقال: يا محمّد، إنّ اللَّه يقرئك السّلام، ويقول: إنّ عبدي موسى باهل عدوّه قارون بأخيه هارون وبنيه، فخسف بقارون وأهله وماله ومن وازره من قومه.

و بعزّتي أقسم وجلالي يا أحمد، لو باهلت بك وبمن تحت الكساء من أهلك أهل الأرض والخلائق جميعا لتقطّعت السّماء كسفا والجبال زبرا ولساخت الأرض، فلم تستقرّ أبدا إلّا أن أشاء ذلك.

فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ: أعوان. مشتقّة من فأوت رأسه: إذا ميّلته.

يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ: فيدفعون عنه عذابه.

وَ ما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ : الممتنعين منه. من قولهم: نصره من عدوّه، فانتصر: إذا منعه منه، فامتنع.

وَ أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ: منزلته.

بِالْأَمْسِ: منذ زمان قريب.

يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ: يبسط ويقدر بمقتضى مشيئته. لا لكرامة تقتضي البسط، ولا لهوان يوجب القبض.

و «ويكأنّ» عند البصريّين مركب. من «وي» للتّعجب، «و كأنّ» للتّشبيه.

و المعنى: ما أشبه الأمر، أنّ اللَّه يبسط الرّزق.

و قيل : من «ويك» بمعنى: ويلك وأنّ تقديره: ويك أعلم أنّ اللَّه.

لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا: فلم يعطنا ما تمنّينا.

لَخَسَفَ بِنا: لتوليده فينا ما ولده فيه. فخسف به لأجله.

وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ : لنعمة اللَّه. أو المكذّبون برسله وبما وعد لهم من ثواب الآخرة.تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ: إشارة تعظيم. كأنّه قال: تلك الّتي سمعت خبرها وبلغك وصفها. والدّار الآخرة صفة. والخبر. نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ: غلبة وقهرا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- يا حفص، ما منزلة الدّنيا من نفسي إلّا بمنزل الميتة. إذا اضطررت إليها، أكلت منها. يا حفص، إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- علم ما العباد عاملون  وإلى ما هم صائرون، فحلم عنهم عند أعمالهم السّيّئة لعلمه السّابق فيهم. فلا يغرنّك حسن الطّلب ممّن لا يخاف الفوت. ثمّ تلا قوله:

تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ. (الآية) وجعل يبكي ويقول: ذهبت واللَّه الأماني عند هذه الآية.

قلت: جعلت فداك، فما حدّ الزّهد في الدّنيا؟

فقال: حدّ اللَّه- عزّ وجلّ- في كتابه، فقال اللَّه- عزّ وجلّ-  لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ لا فَساداً: ظلما على النّاس. كما أراد فرعون وقارون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- : وقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- أيضا في قوله: عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً العلوّ: الشّرف. والفساد: البناء .

وَ الْعاقِبَةُ: المحمودة.

لِلْمُتَّقِينَ : عن ما لا يرضاه اللَّه.

و في نهج البلاغة : فلمّا نهضت بالأمر، نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط  آخرون.

كأنّهم لم يسمعوا اللَّه- سبحانه- إذ يقول: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. بلى واللَّه لقد سمعوها ووعوها. ولكنّهم حليت الدّنيا في أعينهم وراقهم زبرجها.

و في أمالي شيخ الطّائفة- قدّس سرّه-  بإسناده إلى ابن مسعود أنّه قال: قال رسول‏

 

اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- في كلام طويل: أوصيكم بتقوى اللَّه، وأوصي اللَّه بكم إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ  أن لا تعلوا على اللَّه في عباده وبلاده. فإنّ اللَّه- تعالى- قال لي ولكم: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.

و في مجمع البيان : وروى ذاذان: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه كان يمشي في الأسواق وحده، وهو وال . يرشد الضّالّ، ويعين الضّعيف، ويمرّ بالبيّاع والبقّال فيفتح عليه القرآن ويقرأ: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتّواضع من الولاة، وأهل القدرة من سائر النّاس.

و روى أبو سلام الأعرج : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أيضا قال: إنّ الرّجل ليعجبه شراك نعله، فيدخل في هذه الآية. تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ (الآية).

و في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس- رحمه اللَّه- يقول عليّ بن موسى بن طاوس: رأيت في تفسير الطّبرسيّ عند ذكر هذه الآية قال: وروى عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ الرّجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه، فيدخل تحتها.

مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها: ذاتا وقدرا ووصفا.

وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ وضع فيه الظّاهر موضع المضمر، تهجينا لحالهم بتكرير إسناد السّيّئة إليهم.

إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ ، أي: إلّا مثل ما كانوا يعملون. فحذف المثل وأقام مقامه «ما كانوا يعملون» مبالغة في المماثلة.

إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ: أوجب عليك تلاوته، وتبليغه، والعمل بما فيه.

لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ:

قيل ، أي: معادله وهو المقام المحمود، الّذي وعدك أن يبعثك فيه. أو مكّة الّتي‏اعتدت بها، على أنّه من العادة ردّه إليها يوم الفتح. كأنّه لمّا حكم بأنّ العاقبة للمتّقين، وأكّد ذلك بوعد المحسنين ووعيد المسيئين، وعده بالعاقبة الحسنى في الدّارين.

نقل: أنّه لمّا بلغ جحفة في مهاجره، اشتقاق إلى مولده ومولد آبائه فنزلت.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن حريز، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أنّه سئل عن جابر.

فقال: رحم اللَّه جابرا. بلغ من فقهه أنّه كان يعرف تأويل هذه الآية. إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ، يعني: الرّجعة.

قال : وحدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن عبد الحميد الطّائيّ، عن أبي خالد الكابليّ، عن عليّ بن الحسين- صلوات اللَّه عليه- في قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ: قال: يرجع إليكم نبيّكم- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وأمير المؤمنين- عليه السّلام- والأئمّة- صلوات اللَّه عليهم.

حدّثني أبي ، عن أحمد بن النّضر، عن عمرو بن شمر  قال: ذكر عند أبي جعفر- عليه السّلام- جابر.

فقال: رحمه اللَّه جابرا لقد بلغ من علمه أنّه كان يعرف تأويل هذه الآية إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ، يعني: الرّجعة.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا حميد بن زياد، عن عبد اللَّه بن أحمد بن نهيك، عن عيسى بن هشام، عن أبان، عن عبد الرّحمن بن سيابة، عن صالح بن ميثم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- حدثني.

قال: أ وليس قد سمعت من أبيك؟

قلت: هلك أبي وأنا صبيّ. قال: فأقول. فإن أصبت، قلت: نعم. وإن أخطأت، رددتني عن الخطأ.قال: ما أشدّ شركك! قلت: فأقول. فإن أصبت، سكتّ. وإن أخطأت، رددتني عن الخطأ.

قال: هذا أهون.

قال: قلت فإنّي أزعم أنّ عليّا- عليه السّلام- دابّة الأرض وسكتّ.

فقال: أبو جعفر- عليه السّلام-: أراك واللَّه تقول: إنّ عليّا- عليه السّلام- راجع إلينا ؟

قال: فقلت: قد جعلتها فيما أريد أن أسألك عنه فنسيتها.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام- أفلا أخبرك بما هو أعظم من هذا؟

قوله - عزّ وجلّ-: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وذلك أنّه لا يبقى أرض، إلّا ويؤذّن فيها بشهادة أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّدا رسول اللَّه. وأشار بيده إلى آفاق الأرض.

و قال- أيضا - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، عن الحسن بن عليّ بن مروان، عن سعد بن عمر ، عن أبي مروان قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ.

قال: فقال لي: لا واللَّه لا تنقضي الدّنيا ولا تذهب، حتّى يجتمع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وعليّ- عليه السّلام- بالثّويّة.  فيلتقيان، ويبنيان بالثّويّة  مسجدا له اثنا عشر ألف  باب، يعني: موضعا بالكوفة.

و قال عليّ بن إبراهيم في تفسيره : وأمّا قوله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ فإنّ العامّة رووا: أنّه معاد القيامة. وأمّا الخاصّة فإنّهم رووا: أنّه في الرّجعة.

قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى: وما يستحقّه من الثّواب والنّصر.

و «من» منتصب بفعل يفسّره «أعلم».

وَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ : وما استحقّه من العذاب والإذلال، يعني:به نفسه والمشركين. وهو تقرير للوعد السّابق. وكذا قوله: وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ، أي: سيردّك إلى معاد، كما ألقى إليك الكتاب وما كنت ترجوه.

إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ: ولكن ألقاه رحمة منه. ويجوز أن يكون استثناء محمولا على المعنى. كأنّه قال: وما ألقى إليك الكتاب إلّا رحمة.

فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ : بمداراتهم، والتّحمّل عنهم، والإجابة إلى طلبهم. وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ: عن قراءتها والعمل بها.

بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ:

و قرئ: «يصدّنك». من أصدّ .

وَ ادْعُ إِلى رَبِّكَ: إلى عبادته وتوحيده.

وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ : بمساعدتهم.

وَ لا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ: هذا وما قبله، للتّهيج وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- : وقوله- عزّ وجلّ-: فلا تكونن يا محمد ظهيرا للكافرين. فقال: المخاطبة للنّبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- والمعنى للنّاس : وهو

قول الصّادق- عليه السّلام-: إِنّ اللَّه- عزّ وجلّ- بعث نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بإيّاك أعني واسمعي يا جارة.

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ:

قيل : إلّا ذاته. فإنّ ما عداه ممكن هالك في حدّ ذاته معدوم.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النّعمان، عن سيف بن عميرة، عمّن ذكره، عن الحارث بن المغيرة النّصريّ  قال: سئل أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- تبارك وتعالى-: كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.

فقال: ما يقولون فيه؟قلت: يقولون: يهلك كلّ شي‏ء إلّا وجه اللَّه.

 [فقال: سبحان اللَّه، لقد قالوا قولا عظيما. إنّما عنى بذلك وجه اللَّه‏]  الّذي يؤتى منه.

أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى، عن فضيل بن عثمان، عن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وقلت: أمّا الأوّل فقد عرفناه. وأمّا الآخر فبيّن لنا تفسيره.

فقال: إنّه ليس شي‏ء إلّا يبيد أو يتغيّر، أو يدخله التّغيير والزّوال، أو ينتقل من لون إلى لون، ومن هيئة إلى هيئة، ومن صفة إلى صفة، ومن زيادة إلى نقصان، ومن نقصان إلى زيادة، إلّا ربّ العالمين. فإنّه لم يزل ولا يزال بحالة واحدة. هو الأوّل قبل كلّ شي‏ء وهو الآخر على ما لم يزل. ولا تختلف عليه الصّفات والأسماء، كما تختلف على غيره، مثل الإنسان. الّذي يكون ترابا مرّة، ومرّة لحما ودما، ومرّة رفاتا ورميما. وكالبسر الّذي يكون مرّة بلحا، ومرّة بسرا، ومرّة رطبا، ومرّة تمرا فتتبدّل  عليه الأسماء والصّفات.

و اللَّه- عزّ وجلّ- بخلاف ذلك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ قال: فيفنى كلّ شي‏ء ويبقى الوجه اللَّه أعظم من أن يوصف. لا، ولكن معناها: كلّ شي‏ء هالك إلّا دينه. ونحن الوجه، الّذي يؤتى اللَّه منه. لم نزل في عباده، ما دام اللَّه له فيهم روبة. فإن لم يكن له فيهم روبة، فرفعنا إليه، ففعل بنا ما أحبّ.

قلت: جعلت فداك، فما الرّوبة؟

قال: الحاجة.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-

 حديث طويل. وفيه: وأمّا قوله: كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ فالمراد : كلّ شي‏ء هالك إلّا دينه. لأنّ من المحال أن يهلك منه كلّ شي‏ء ويبقى الوجه. هو أجلّ [و أكرم‏]  وأعظم من ذلك. وإنّما يهلك من ليس منه. ألا ترى أنّه قال : كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ففصل بين خلقه ووجهه.

و في كتاب التّوحيد  بإسناده إلى أبي حمزة قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- قول اللَّه- عزّ وجلّ-: كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.

قال: يهلك كلّ شي‏ء ويبقى الوجه. إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أعظم من أن يوصف بالوجه. ولكن معناه: كلّ شي‏ء هالك إلّا دينه. والوجه الّذي يؤتى منه.

و بإسناده إلى الحارث بن المغيرة النّصري  قال: سألت أبا عبد الّله- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.

قال: كلّ شي‏ء هالك، إلّا من أخذ طريق الحقّ.

و في محاسن البرقي ، مثله، إلّا أنّ آخره: من أخذ الطّريق الّذي أنتم عليه.

 

و في كتاب التّوحيد،  بإسناده إلى صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ- كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ قال: من أتى اللَّه بما أمر به من طاعة محمّد والأئمّة من بعده- صلوات اللَّه عليهم- فهو الوجه الّذي لا يهلك. ثمّ قراء مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ.

 

و بإسناده- أيضا- إلى صفوان  قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- نحن وجه اللَّه الّذي لا يهلك.

و بإسناده إلى صالح بن سعيد : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [قال: نحن.و بإسناده إلى خيثمة  قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ- كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ‏] .

قال: دينه. وكان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وأمير المؤمنين- عليه السّلام- دين اللَّه. ووجهه وعينه في عباده. ولسانه الّذي ينطق به.

و يده على خلقه. ونحن وجه اللَّه، الّذي يؤتى منه لن نزال في عباده ما دامت للَّه فيهم روبة.

قلت: وما الرّوبة؟

قال: الحاجة. فإذا لم يكن للَّه فيهم حاجة، رفعنا إليه وصنع ما أحبّ.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا عبد اللَّه بن همام، عن عبد اللَّه بن جعفر، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن الأحول، عن سلام بن المستنير قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ- كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.

قال: نحن [و اللَّه وجهه‏]  الّذي قال. ولن يهلك إلى يوم القيامة، بما أمر اللَّه به من طاعتنا وموالاتنا. فذلك وجه اللَّه  الّذي قال: كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ وليس منّا ميّت يموت، إلّا وخلفه عاقبة منه إلى يوم القيامة.

و قال - أيضا- أخبرنا عبد اللَّه بن العلا، عن المذاريّ ، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللَّه بن عبد الرّحمن، عن عبد اللَّه بن القاسم، عن صالح بن سهيل ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ قال: نحن وجه اللَّه- عزّ وجلّ-.

و قال - أيضا-: حدّثنا الحسن بن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن يونس بن يعقوب عمّن حدّثه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إلّا ما أريد به وجه اللَّه. ووجه اللَّه‏عليّ- عليه السّلام-.

لَهُ الْحُكْمُ: القضاء النّافذ في الخلق.

وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ : للجزاء بالحقّ.