سورة النّمل الآية 21-40

لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً، كنتف ريشه وإلقائه في الشّمس، أو حيث النّمل يأكله، أو جعله مع ضدّه في قفص. 

أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ: ليعتبر به أبناء جنسه.

أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ : بحجّة تبيّن عذره.و الحلف في الحقيقة على أحد الأوّلين بتقدير عدم الثّالث، لكن لمّا اقتضى ذلك وقوع أحد الأمور الثّلاثة ثلّث المحلوف  عليه بعطفه عليهما.

و في بصائر الدّرجات : محمّد بن حمّاد  [، عن أخيه، أحمد بن حمّاد،]  عن إبراهيم ، عن أبيه، عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، [أخبرني عن‏]  النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ورث [علم‏]  النّبيّين كلّهم؟

قال لي: نعم.

قلت: من لدن آدم إلى أن انتهى إلى نفسه؟

قال: [نعم. قلت: ورثهم النبوّة وما كان في آبائهم من النبوّة والعلم، قال:] : ما بعث اللّه نبيّا إلّا ومحمّد أعلم منه.

قال: قلت: إنّ عيسى بن مريم- عليه السّلام- كان يحيي الموتى بإذن اللّه.

قال: صدقت.

قلت: وسليمان بن داود كان يفهم منطق  الطّير، هل  كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقدر على هذه المنازل؟

قال: فقال: إنّ سليمان- عليه السّلام- قال للهدهد حين فقده  وشكّ في أمره قال : ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ. وغضب عليه فقال: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ. وإنّما غضب عليه لأنّه كان يدلّه على الماء، فهذا وهو طير قد أعطي ما لم يعط سليمان [و إنّما أراده ليدلّه على الماء فهذا لم يعط سليمان‏] ، وكانت [الرّيح والنّمل والجنّ والإنس والشّياطين‏]  والمردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء  تحت الهواء [و كانت الطير تعرفه، إن اللّه يقول في كتابه:وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى فقد ورثنا نحن هذا القرآن، فعندنا ما يقطّع به الجبال ويقطّع به البلدان ويحيى به الموتى بإذن اللّه ونحن نعرف ما تحت الهواء] ، وإنّ  في كتاب اللّه لآيات ما يراد بها أمر الآن إلى أن يأذن اللّه به مع ما قد يأذن اللّه ممّا كتبه للماضين ، جعله اللّه لنا في أمّ الكتاب، إنّ اللّه يقول في كتابه: وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ. ثمّ قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فنحن الّذين اصطفانا اللّه فورثنا هذا الّذي فيه كلّ شي‏ء  .

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره، عن محمّد بن حمّاد، عن أخيه، أحمد بن حمّاد، عن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، أخبرني عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ورث النّبيّين كلّهم؟

قال: نعم.

قلت: من لدن آدم حتّى انتهى إلى نفسه؟

قال: ما بعث اللّه نبيّا الّا ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أعلم منه.

قال: قلت: إنّ عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن اللّه.

قال: صدقت .

و سليمان بن داود كان يفهم منطق الطّير، وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقدر على هذه المنازل؟

قال: فقال: إنّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشكّ في أمره: فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ. حين فقده، وغضب عليه فقال: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ. وإنّما غضب لأنّه كان يدلّه على الماء، فهذاو هو طائر قد أعطي ما لم يعط سليمان وقد  كانت الرّيح والنّمل والجنّ والإنس والشّياطين [و]  المردة له طائعين، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء، وكان الطّير يعرفه، وإنّ اللّه يقول في كتابه: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى وقد ورثنا نحن  هذا القرآن الّذي فيه ما تسيّر به الجبال وتقطّع به البلدان وتحيى به الموتى، ونحن نعرف الماء تحت الهواء، وإنّ في كتاب اللّه لآيات ما يراد بها أمر إلّا أن يأذن اللّه به مع ما قد يأذن اللّه ممّا كتبه الماضون، جعله اللّه لنا في أمّ الكتاب، إنّ اللّه يقول: وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ. ثمّ قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا. فنحن الّذين اصطفانا اللّه- عزّ وجلّ- وأورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كلّ شي‏ء .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال الصّادق- عليه السّلام-: قال آصف بن برخيا، وزير سليمان لسليمان- عليه السّلام-: أخبرني عنك، يا سليمان، صرت تحبّ الهدهد وهو أخسّ الطّير منبتا  وأنتنه ريحا.

قال: إنّه يبصر الماء من وراء الصّفا  الأصمّ.

فقال: وكيف يبصر الماء من وراء الصّفا، وإنّما يوارى عنه الفخّ بكفّ من تراب حتّى يأخذ بعنقه؟

فقال سليمان: قف يا وقّاف، إنّه [إذا جاء القدر حال دون البصر. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و فيه : وكان سليمان- عليه السّلام- إذا قعد على كرسيّه‏]  جاءت جميع الطّيرالّتي سخّرها اللّه- عزّ وجلّ- لسليمان- عليه السّلام- فتظلّ الكرسيّ والبساط بجميع من عليه عن  الشّمس، فغاب عنه الهدهد من بين الطّير فوقع الشّمس من موضعه في حجر سليمان، فرفع رأسه وقال كما حكى اللّه- عزّ وجلّ-.

و في مجمع البيان : وروى [العيّاشيّ بالإسناد قال: قال أبو حنيفة لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: كيف تفقّد سليمان الهدهد من بين الطّير؟

قال: لأنّ الهدهد]  يرى الماء في بطن الأرض، كما يرى أحدكم الدّهن في القارورة.

فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه وضحك.

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما يضحكك؟

قال: ظفرت بك، جعلت فداك.

قال: وكيف ذلك؟

قال: الّذي يرى الماء في بطن الأرض لا يرى الفخّ في التّراب حتّى يأخذ بعنقه؟

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا نعمان، أما علمت أنّه إذا نزل القدر أغشي البصر.

و في عيون الأخبار»، بإسناده إلى سليمان بن جعفر: عن الرّضا- عليه السّلام- قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه- عليهم السّلام- [عن عليّ بن أبي طالب- عليهما السّلام-]  قال: في جناح كلّ هدهد خلقه اللّه- عزّ وجلّ- مكتوب بالسّريانيّة: آل محمّد خير البريّة.

و في الخصال : عن داود بن كثير الرّقّي قال: بينما نحن قعود عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- إذ مرّ  رجل بيده خطّاف مذبوح، فوثب إليه أبو عبد اللّه- عليه السّلام- حتّى أخذه من يده ثمّ رمى  به الأرض.

ثمّ قال: أ عالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟ لقد أخبرني أبي، عن‏جدّي- عليهما السّلام- أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نهى عن قتل ستّة: النّحلة، والنّملة، والضّفدع، والصّرد، والهدهد، والخطّاف.

... إلى أن قال- عليه السّلام-: وأمّا الهدهد فإنّه كان دليل سليمان- عليه السّلام- إلى ملك بلقيس.

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ: زمانا غير مديد، يريد به: الدّلالة على سرعة رجوعه خوفا منه.

فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ، يعني: حال سبأ.

و في مخاطبته إيّاه بذلك تنبيه له على أنّ في أدنى خلق اللّه من أحاط علما بما لم يحط به، لتتحاقر إليه نفسه ويتصاغر لديه علمه.

و قرئ  بإدغام الطّاء في التّاء، بإطباق وبغير إطباق.

وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ:

و قرأ  ابن كثير  وأبو عمرو غير مصروف، على تأويل القبيلة أو البلدة .

و في مجمع البيان : وروى علقمة بن وعلة، عن ابن عبّاس قال: سئل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن سبأ.

فقال: هو رجل ولد له عشرة من العرب، تيامن منهم ستّة وتشاءم أربعة، فالّذين تشاءموا: لخم  وجدام وغسان وعاملة، والّذين تيامنوا: كندة والأشعرون والأزد ومذحج وحمير وأنمار، ومن الأنمار خثعم وبجيلة.

بِنَبَإٍ يَقِينٍ : بخبر محقّق.

إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ، يعني بلقيس بنت شراحيل  بن مالك بن ريّان. والضّمير «لسبأ» أو لأهلها.

وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ: يحتاج إليه الملوك.

وَ لَها عَرْشٌ عَظِيمٌ : عظّمه بالنّسبة إليها، أو إلى عروش أمثالها.و قيل : كان ثلاثين ذراعا في ثلاثين  عرضا وسمكا، أو ثمانين في ثمانين، من ذهب وفضّة مكلّلا بالجواهر.

وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، كأنّهم كانوا يعبدونها .

وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ: عبادة الشّمس وغيرها من مقابيح أعمالهم.

فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ: سبيل الحقّ والصّواب.

فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ : إليه.

أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ: فصدّهم لئلّا يسجدوا. أو زيّن لهم أن لا يسجدوا على أنّه بدل من «أعمالهم». أو لا يهتدون إلى أن يسجدوا بزيادة «لا».

و قرأ  الكسائي ويعقوب: «ألا» بالتّخفيف على أنّها للتّنبيه ويا للنّداء ومناداه محذوف، أي: ألا يا قوم اسجدوا. وعلى هذا صحّ أن يكون استئنافا من اللّه- تعالى- أو من سليمان- عليه السّلام- والوقف على «لا يهتدون» وكان أمرا بالسّجود، وعلى الأوّل ذمّا على تركه.

 

و قرئ : «هلّا» و«هلا» بقلب الهمزة هاء، و«ألّا تسجدون» و«هلّا تسجدون» على الخطاب.

الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْ‏ءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ : وصف له تعالى بما يوجب اختصاصه باستحقاق السّجود من التّفردّ بكمال القدرة والعلم، حثّا على سجوده وردّا على من يسجد لغيره.

و «الخب‏ء» ما خفي في غيره، وإخراجه إظهاره، وهو يعمّ إشراف  الكواكب وإنزال الأمطار وإنبات النّبات، بل الإنشاء فإنّه إخراج ما في الشّي‏ء بالقوّة إلى الفعل، والإبداع فإنّه إخراج ما في الإمكان والعدم إلى الوجوب والوجود، ومعلوم أنّه يختصّ بالواجب لذاته.

اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ : الّذي هو أوّل الأجرام وأعظمها والمحيط بجملتها، فبين العظيمين بون عظيم .

قالَ سَنَنْظُرُ: سنتعرّف، من النّظر بمعنى: التّأمّل.

أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ ، أي: أم كذبت.

و التّغيير  للمبالغة ومحافظة الفواصل .

اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ: ثمّ تنحّ عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه.

فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ : ما ذا يرجع بعضهم إلى بعض من القول.

قالَتْ، أي: بعد ما ألقي إليها.

يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ : لكرم مضمونه. أو مرسله. أو لأنّه كان مختوما. أو لغرابة شأنه، إذ كانت مستلقية في بيت مغلّقة الأبواب فدخل الهدهد في  كوة وألقاه على نحرها بحيث لا تشعر به.

إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ: استئناف، كأنّه قيل لها: ممّن هو، وما هو؟ فقالت: إنّه، إي: [إنّ‏]  الكتاب، أو العنوان [من سليمان‏] .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال سليمان- عليه السّلام-: سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ- إلى قوله- تعالى-: ما ذا يَرْجِعُونَ فقال الهدهد: إنّها في حصن منيع في عرش عظيم، أي: سرير. قال سليمان- عليه السّلام-: ألق كتابي  على قبّتها. فجاء الهدهد فألقى الكتاب في حجرها، فارتاعت من ذلك وجمعت جنودها وقالت لهم كما حكى اللّه- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ، أي: مختوم.

و في جوامع الجامع : كِتابٌ كَرِيمٌ وصفته  بالكرم لأنّه من عند ملك كريم. أومختوم‏

لقوله- عليه السّلام-: كرم الكتاب ختمه.

وَ إِنَّهُ: وإنّ المكتوب، أو المضمون.

و قرئ ، بالفتح، على الإبدال من «كتاب»، أو التّعليل لكرمه.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ  أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ «أن» مفسّرة . أو مصدريّة، فتكون بصلتها خبر محذوف، أي: هو، أو أنّ المقصود:

أن لا تعلوا، أو بدل من «كتاب».

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام-: عن آبائه، عن عليّ- عليهم السّلام- أنّه قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- قال لي: يا محمّد وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ.

 

فأفرد عليّ الامتنان بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم، وإنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، وإنّ اللّه- عزّ وجلّ- خصّ محمّدا وشرّفه بها ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان- عليه السّلام- فإنّه أعطاه منها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يحكي عن [قول‏]  بلقيس حين قالت: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ أْتُونِي مُسْلِمِينَ : مؤمنين، أو منقادين.

و هذا كلام في غاية الوجازة مع كمال الدّلالة على المقصود، لاشتماله على البسملة الدّالّة على ذات الصّانع وصفاته صريحا أو التزاما، والنّهي عن التّرفّع الّذي هو أمّ الرّذائل، والأمر بالإسلام الجامع لأمّهات الفضائل، وليس الأمر فيه بالانقياد قبل إقامة الحجّة على رسالته حتّى يكون استدعاء للتّقليد، فإنّ إلقاء الكتاب إليها على تلك الحالة من أعظم الدّلائل .

قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي: أجيبوني في أمري الفتى واذكروا ما تستصوبون فيه.ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً: ما أبتّ أمرا حَتَّى تَشْهَدُونِ : إلّا بمحضركم.

استعطفتهم بذلك ليمالئوها على الإجابة.

قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ: بالأجساد والعدد.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال عن القائم: ما يخرج إلّا في أولي قوّة، وما تكون أولو القوّة أقلّ من عشرة آلاف .

وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ: نجدة وشجاعة.

وَ الْأَمْرُ إِلَيْكِ: موكول.

فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ : من المقاتلة أو الصّلح نطعك ونتّبع رأيك.

قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها: تزييف لمّا أحسّت منهم من الميل إلى المقاتلة بادّعائهم القوى الذّاتيّة والعرضيّة، وإشعار بأنّها ترى الصّلح مخافة أن يتخطّى سليمان خططهم فيسرع إلى إفساد ما يصادفه من أموالهم وعماراتهم، ثمّ إنّ الحرب سجال  لا تدري عاقبتها.

وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً: بنهب أموالهم وتخريب ديارهم إلى غير ذلك من الإهانة والأسر.

وَ كَذلِكَ يَفْعَلُونَ : تأكيد لما وصفت من حالهم، وتقرير بأنّ ذلك من عاداتهم الثّابتة المستمرّة. أو تصديق لها من اللّه- عزّ وجلّ-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: فقالت لهم: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً فقال اللّه- عزّ وجلّ-: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ.

وَ إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ: بيان لما ترى تقديمه في المصالحة ، [و المعنى: إنّي مرسلة رسلا بهدية أدفعه بها عن ملكي.و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الهدية على ثلاثة أوجه: هدية مكافأة،]  وهدية مصانعة، وهدية للّه- عزّ وجلّ-.

فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ : من حاله حتّى أعمل بحسب ذلك.

نقل : أنّها بعث منذر بن عمرو في وفد، وأرسلت معهم غلمانا على زيّ الجواري والجواري على زيّ الغلمان، وحقّا  فيه درّة عذراء، وجزعة معوجّة الثّقب وقالت: إن كان نبيّا ميّز بين الغلمان والجواري، وثقب الدّرّة ثقبا مستويا ، وسلك في الخرزة خيطا. فلمّا وصلوا إلى معسكره ورأوا عظمة شأنه تقاصرت إليهم نفوسهم، فلمّا وقفوا بين يديه، وقد سبقهم جبرئيل- عليه السّلام- بالحال، فطلب الحقّ وأخبر عمّا فيه، فأمر الأرضة  فأخذت شعرة ونفذت في الدّرة، وأمر دودة بيضاء فأخذت الخيط ونفذت في الجزعة ، ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثمّ تضرب به وجهها، والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه، ثمّ ردّ الهديّة.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام-: «و النّاظرة» في بعض اللّغة هي المنتظرة، أ لم تسمع إلى قوله:

فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ.

فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ، أي: الرّسول، أو ما أهدت إليه.

و قرئ : «فلمّا جاؤوا».

قالَ أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ: خطاب للرّسول ومن معه. أو للرّسول والمرسل على تغليب المخاطب.

و قرأ  حمزة ويعقوب، بالإدغام.

و قرئ ، بنون واحدة، وبنونين وحذف الياء.فَما آتانِيَ اللَّهُ: من النّبوّة والملك الّذي لا مزيد عليه خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ فلا حاجة لي إلى هدّيتكم، ولا وقع لها عندي.

بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ : لأنّكم لا تعلمون إلّا ظاهرا من الحياة الدّنيا فتفرحون بما يهدى إليكم حبّا لزيادة أموالكم، أو بما تهدونه  افتخارا على أمثالكم.

و الإضراب عن إنكار الإمداد بالمال عليه وتقليله  إلى بيان ما حملهم عليه، وهو قياس حاله على حالهم في قصور الهمّة بالدّنيا والزّيادة فيها .

ارْجِعْ: أيّها الرّسول.

إِلَيْهِمْ: إلى بلقيس وقومها.

فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها: لا طاقة لهم بمقاومتها ولا قدرة لهم على مقابلتها.

و قرئ  «بهم».

وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها: من سبأ أَذِلَّةً: بذهاب ما كانوا فيه من العزّ وَهُمْ صاغِرُونَ : أسراء مهانون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بما سبق قريبا من قوله: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ. ثم قالت: [إنّ هذا]  إن كان  نبيّا من عند اللّه، كما يدّعي، فلا طاقة لنا به فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- لا يغلب، ولكن سأبعث إليه بهديّة فإن كان ملكا يميل إلى الدّنيا قبلها وعلمت أنّه لا يقدر علينا. فبعثت إليه حقّة فيها جوهرة عظيمة وقالت للرّسول: قل له يثقب هذه الجوهرة بلا حديد ولا نار. فأتاه الرّسول بذلك، فأمر سليمان- عليه السّلام- بعض جنوده من الدّيدان فأخذ خيطا في فمه ثمّ نقبها وأخرج  الخيط من الجانب الآخر، وقال سليمان- عليه السّلام- لرسولها:فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ، ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها، [أي: لا طاقة لهم بها]  وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ. فرجع إليها الرّسول فأخبرها بذلك وبقوّة سليمان، فعلمت أنّه لا محيص لها فخرجت وارتحلت  نحو سليمان.

قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها أراد بذلك: أن يريها بعض ما خصّه اللّه من العجائب الدّالّة على عظم القدرة وصدقه في دعوى النّبوّة، ويختبر عقلها بأن ينكّر عرشها فينظر  أتعرفه أم تنكره.

قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ : فإنّها إذا أتت مسلمة لم يحلّ أخذه إلّا برضاها.

قالَ عِفْرِيتٌ: خبيث مارد.

مِنَ الْجِنِّ: بيان له، لأنّه يقال للرجل  الخبيث المنكر المعفرّ أقرانه. وكان اسمه ذكوان، أو صخرا.

أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ من مجلسك للحكومة، وكان يجلس إلى نصف النّهار.

وَ إِنِّي عَلَيْهِ: على حمله لَقَوِيٌّ أَمِينٌ : لا أختزل منه شيئا ولا أبدّه قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ وقيل : آصف بن برخيا وزيره. أو الخضر. أو جبرئيل. أو ملك أيّده اللّه- تعالى- به. أو سليمان نفسه، فيكون التّعبير عنه بذلك للدّلالة على شرف العلم، وأنّ هذه الكرامة كانت بسببه، والخطاب في أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ للعفريت، كأنّه استبطأه فقال له ذلك، أو أراد إظهار معجزة في نقله فتحدّاهم أوّلا ثمّ أراهم أنّه يتأتّى له ما لا يتأتّى  لعفاريت الجنّ فضلا عن غيرهم.و المواد بالكتاب: جنس الكتب المنزلة، أو اللّوح.

و «آتيك» في الموضعين صالح للفعليّة والاسميّة.

و «الطّرف» تحريك الأجفان للنّظر فوضع موضعه، ولمّا كان النّاظر يوصف بإرسال الطّرف، كما في قوله:

         وكنت أذا أرسلت طرفك رائدا             لقلبك يوما أتعبتك المناظر

 وصف بردّ الطّرف والطّرف بالارتداد، والمعنى: أنّك ترسل طرفك نحو شي‏ء، وقيل أن تردّه أحضر عرشها بين يديك، وهذا غاية في الإسراع ومثل فيه.

و في جوامع الجامع : يروى أنّها أمرت عند خروجها إلى سليمان فجعل عرشها في آخر سبعة أبيات ، ووكّلت به حرسا يحفظونه، فأراد سليمان أن يريها بعض ما يخصّه اللّه به من المعجزات الشّاهدة لنبوّته.

و روي  أنّ آصف بن برخيا قال لسليمان- عليه السّلام-: مدّ عينيك حتّى ينتهي طرفك. فمدّ عينيه فنظر نحو اليمن ، ودعا آصف فغار العرش في مكانه بمأرب ثمّ نبع عند مجلس سليمان بالشّام بقدرة اللّه قبل أن يردّ  طرفه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بآخر ما سبق عنه قريبا، أعني: قوله: وارتحلت نحو سليمان. فلّما علم سليمان بإقبالها نحوه قال للجنّ والشّياطين: أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ، قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ  الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ. قال سليمان- عليه السّلام-: أريد أسرع من ذلك، فقال آصف بن برخيا:

أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فدعا اللّه- عزّ وجلّ- بالاسم  الأعظم، فخرج السّرير من تحت كرسيّ سليمان.

حدّثني  أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الّذي عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين- عليه السّلام-. وسئل عن الّذي عنده علم‏من الكتاب أعلم أم الّذي عنده علم الكتاب؟ فقال: ما كان علم الّذي عنده علم من الكتاب عند الّذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ما تأخذه البعوضة بجناحها من ماء البحر.

و قال أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- : ألا إنّ العلم الّذي هبط به آدم من السّماء إلى الأرض وجميع ما فضّلت به النّبيّون إلى خاتم النّبيّين في عترة خاتم النّبيّين.

و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللّه-: قال أبو سعيد الخدريّ: سألت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن قول اللّه- جلّ ثناؤه-: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ.

قال: ذاك وصيّ أخي، سليمان بن داود.

و في بصائر الدّرجات : أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن محمّد بن الفضيل  قال: أخبرني ضريس الكناسيّ ، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اسم اللّه الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا، وإنّما كان عند آصف منها حرف واحد، فتكلّم به فخسف بالأرض  ما بينه وبين سرير بلقيس ثمّ تناول السّرير بيده ثمّ عادت الأرض، كما كانت، أسرع من طرفة عين، وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون حرفا، وحرف عند اللّه استأثر به في علم الغيب عنده، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.

محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم، عن محمّد بن الفضيل، عن ضريس الوابشي، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، قول العالم: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ.

فقال: يا جابر، إنّ اللّه جعل اسمه الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا، فكان عند العالم منها حرف  فأخسفت  الأرض ما بينه وبين السّرير، التفّت القطعتان وحوّل من هذه على هذه، وعندنا اسم اللّه الأعظم اثنان وسبعون حرفا، وحرف في علم الغيب المكنون عنده .

 أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم، عن محمّد بن الفضيل، عن سعدان، عن عمر الجلّال ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اسم اللّه الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا، وإنّما كان عند آصف منها حرف فتكلّم به فخسف بالأرض بينه  وبين سرير بلقيس، ثمّ تناول السّرير بيده، ثمّ عادت الأرض، كما كانت، أسرع من طرفة عين، وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون حرفا، وحرف عند اللّه استأثر به في علم الغيب المكنون عنده.

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى عمرو بن واقد قال: إنّ هارون الرّشيد لما ضاق صدره ممّا كان يظهر له من فضل موسى بن جعفر- عليهما السّلام- وما كان يبلغه عنه من قول الشّيعة بإمامته واختلافهم  في السّرّ إليه باللّيل والنّهار خشيه على نفسه وملكه، ففكّر في قتله بالسّمّ.

... إلى أن قال: ثمّ إنّ سيّدنا موسى- عليه السّلام- دعا بالمسيّب، وذلك قبل وفاته بثلاثة أيّام وكان موكّلا به، فقال له: يا مسيّب.

قال: لبّيك، يا مولاي.

قال: إنّي ظاعن في هذه اللّيلة إلى المدينة، مدينة جدّي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لأعهد إلى ابني عليّ ما عهده إليّ أبي، وأجعله وصيّي وخليفتي، أمره أمري.

قال المسيّب، فقلت: يا مولاي، كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب وأقفالها والحرس معي على الأبواب؟

فقال: يا مسيّب، ضعف يقينك باللّه- عزّ وجلّ- وفينا؟

قلت: [لا]  يا سيّدي.

 [قال: فمه؟

قلت: يا سيّدي،]  ادع [اللّه‏]  أن يثبّتني.

فقال: اللّهمّ، ثبّته.ثمّ قال: إنّي أدعو اللّه- عزّ وجلّ- باسمه العظيم، الّذي دعا به  آصف حتّى جاء بسرير بلقيس ووضعه بين يدي سليمان- عليه السّلام- قبل ارتداد طرفه إليه حتّى يجمع بيني وبين ابني عليّ بالمدينة.

قال المسيّب: فسمعته- عليه السّلام- يدعو ففقدته عن مصلّاه فلم أزل قائما على قدمي حتّى رأيته قد عاد إلى مكانه وأعاد الحديد إلى رجليه ، فخررت للّه ساجدا لوجهي شكرا على ما أنعم به عليّ من معرفته.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن الخشّاب، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ.

قال: ففرج أبو عبد اللّه- عليه السّلام- بين أصابعه فوضعها في صدره، ثمّ قال:

و عندنا، واللّه، علم الكتاب كلّه.

محمّد بن يحيى  وغيره، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن محمّد بن الفضيل قال: أخبرني شريس  الوابشيّ، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اسم اللّه الأعظم على ثلاث وسبعين حرفا، وإنّما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلّم به فخسف به الأرض  ما بينه وبين سرير بلقيس حتّى تناول السّرير بيده ثمّ عادت الأرض، كما كانت، أسرع من طرفة عين، وعندنا نحن  من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا، وحرف عند اللّه- تبارك وتعالى- استأثر به في علم الغيب عنده، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.

الحسين بن محمّد الأشعريّ ، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن محمّد النّوفليّ، عن أبي الحسن، صاحب العسكر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: اسم اللّه الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا، كان عند آصف حرف فتكلّم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ فتناول عرش بلقيس حتّى صيّره إلى سليمان، ثمّ انبسطت‏الأرض في أقلّ من طرفة عين، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا، وحرف عند اللّه مستأثر به في علم الغيب.

أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن، عن عبّاد بن سليمان، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن سدير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: يا سدير، ألم تقرأ القرآن؟

قلت: بلى.

قال: فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه- عزّ وجلّ-: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ [أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ؟

قال: قلت: جعلت فداك، قد قرأته.]

 

قال: فهل عرفت الرّجل، وهل علمت ما كان عنده علم  من علم الكتاب؟

قال: قلت له: أخبرني به.

قال: قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر، فما يكون ذلك من علم [الكتاب‏] .

قال: قلت: جعلت فداك، ما أقلّ هذا!

عليّ بن إبراهيم  [و أحمد بن مهران، جميعا، عن محمّد بن عليّ، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر قال: كنت عند أبي إبراهيم‏] - عليه السّلام- وأتاه رجل من أهل نجران اليمن من الرّهبان ومعه راهبة، فاستأذن لهما الفضل بن سوار.

فقال له: إذا كان غدا فأت بهما عند بئر أمّ خير.

قال: فوافينا من الغد فوجدنا القوم قد وافوا، فأمر بخصفة  بواري، ثمّ جلس وجلسوا، فبدأت الرّاهبة بالمسائل فسألت عن مسائل كثيرة كلّ ذلك يجيبها، وسألها أبو إبراهيم- عليه السّلام- عن أشياء لم يكن عندها فيه شي‏ء، ثمّ أسلمت، ثمّ أقبل الرّاهب يسأله فكان يجيبه في كلّ ما يسأله.

فقال الرّاهب قد كنت قويّا على ديني، وما خلّفت أحدا من النّصارى [في‏

الأرض‏]  يبلغ [مبلغي في العلم،]  ولقد سمعت برج في الهند إذا شاء حجّ إلى بيت المقدس في يوم وليلة ثمّ يرجع إلى منزله بأرض الهند، فسألت عنه: بأيّ أرض هو؟ فقيل لي: إنّه بسيدان . وسألت الّذي أخبرني، فقال: هو علم الاسم الّذي ظفر به آصف، صاحب سليمان، لما أتى بعرش سبأ، وهو الّذي ذكره اللّه لكم في كتابكم، ولنا معشر الأديان في كتبنا.

فقال أبو إبراهيم- عليه السّلام-: فكم للّه من اسم لا يردّ ؟

فقال الرّاهب: الأسماء كثيرة، فامّا المحتوم منها الذي لا يردّ سائله فسبعة.

و الحديث طويل أخذت مه موضع الحاجة.

و في مجمع البيان : قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ذكر في ذلك وجوه.

... إلى قوله: الخامس، أنّ الأرض طويت له. وهو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

و روى  العيّاشيّ في تفسيره، بالإسناد قال: التقى موسى بن محمّد بن عليّ بن موسى ويحيى بن أكثم، فسأله  [عن مسائل‏] .

قال: فدخلت على أخي، عليّ بن محمّد- عليهما السّلام-  إذ دار بيني وبينه من المواعظ حتّى انتهيت إلى طاعته، فقلت له: جعلت فداك، إنّ ابن أكثم سألني عن مسائل أفتيه فيها.

فضحك، ثمّ قال: هل أفتيته فيها؟

قلت: لا.

قال: ولم؟

قلت: لم أعرفها.

 [قال: وما هي؟ قلت‏] :قال:  أخبرني عن سليمان أ كان محتاجا إلى علم آصف بن برخيا، ثمّ ذكرت المسائل الأخر.

قال: اكتب، يا أخي: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، سألت عن قول اللّه- تعالى- في كتابه: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ. فهو آصف بن برخيا، ولم يعجز سليمان عن معونة ما عرفه  آصف، لكنّه- صلوات اللّه عليه- أحبّ أن يعرّف  [امّته‏]  من الجنّ والإنس أنّه الحجّة من بعده، وذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر اللّه ففهّمه اللّه ذلك لئلّا يختلف في إمامته ودلالته، كما فهم سليمان في حياة داود، لتعرف إمامته ونبوّته من بعده لتأكيد الحجّة على الخلق.

و في الخرائج والجرائح : روي أنّ خارجيّا اختصم مع آخر إلى عليّ- عليه السّلام- فحكم بينهما بحكم اللّه ورسوله.

فقال الخارجيّ: لا عدلت في القضيّة.

فقال- عليه السّلام- اخسأ، يا عدوّ اللّه. فاستحال كلبا وطارت ثيابه في الهواء، فجعل يبصبص  وقد دمعت عيناه، فرقّ له- عليه السّلام- فدعا اللّه فأعاده إلى حال الإنسانيّة وتراجعت إليه ثيابه من الهواء.

فقال: آصف وصيّ سليمان قصّ اللّه عنه بقوله: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ أيّهما أكبر على اللّه نبيّكم أم سليمان؟

فقيل: ما حاجتك إلى قتال معاوية إلى الأنصار؟

قال: إنّما أدعو على هؤلاء بثبوت الحجّة وكمال المحنة ، ولو أذن لي في الدّعاء لما تأخّر.

و بإسناده  إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه أوحى إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- علم النّبيّين بأسره، وعلّمه اللّه ما لم يعلّمهم، وأسرّه إلى‏أمير المؤمنين- عليه السّلام-. فيكون عليّ أعلم أو بعض الأنبياء؟ وتلا قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ ثمّ فرق بين أصابعه ووضعها على صدره وقال: وعندنا، واللّه، علم الكتاب.

فَلَمَّا رَآهُ: رأى العرش.

مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ: حاصلا  بين يديه.

قالَ: تلقّيا [للنّعمة]  بالشّكر على شاكلة المخلصين من عباد اللّه هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي تفضّل به عليّ من غير استحقاق.

و الإشارة إلى التّمكّن من إحضار العرش في مدّة ارتداد الطّرف من مسيرة شهرين بنفسه، أو غيره.

لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ: بأن أراه فضلا من اللّه بلا حول منّي ولا قوّة، وأقوم بحقّه.

أَمْ أَكْفُرُ: بأن أجد نفسي في البين ، أو أقصّر في أداء مواجبه. ومحلّهما النّصب [على البدل من الياء.

وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ: لأنّه به يستجلب لها دوام النّعمة ومزيدها، ويحطّ عنها عب الواجب،]  ويحفظها عن وصمة الكفران.

وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ: عن شكره.

كَرِيمٌ : بالإنعام عليه ثانيا.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد ، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الوجه الثّالث من الكفر كفر النّعم، وذلك قوله- تعالى- يحكي قول سليمان: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ.

 

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقول سليمان- عليه السّلام-: لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ لما  آتاني اللّه من الملك أَمْ أَكْفُرُ إذا رأيت من هو أدون  منّي أفضل منّي علما، فعزم اللّه له على الشّكر.