سورة النّمل الآية 61-80

أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً: بدل من أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ، وجعلها قرارا بإبداء  بعضها من الماء وتسويتها بحيث يتأتّى استقرار الإنسان والدّوابّ عليها. 

وَ جَعَلَ خِلالَها: وسطها أَنْهاراً جارية.

وَ جَعَلَ لَها رَواسِيَ: جبالا تتكوّن فيها المعادن، وتنبع من حضيضها المنابع.

وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ: العذب والمالح، أو خليجي فارس والرّوم حاجِزاً:

برزخا، وقد مرّ بيانه .

أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ  الحقّ، فيشركون به.

و في شرح الآيات الباهرة : عليّ بن أسباط، عن إبراهيم الجعفريّ، عن أبي الجارود، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ قال: أي:

إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد، يعني: أنّه  كما أنّه لا يجوز أن يكون إله مع اللّه- سبحان- كذلك لا يجوز أن يكون إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد، لأنّ الهدى والضّلال لا يجتمعان في زمن من الأزمان، والزّمان لا يخلو  من إمام هدى من اللّه يهدي الخلق.

 

أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ «المضطر» الّذي أحوجه شدّة ما به إلى اللجإ إلى اللّه من الاضطرار، وهو افتعال، من الضّرورة.

وَ يَكْشِفُ السُّوءَ: ويدفع عن الإنسان ما يسوءه.

وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ: خلفاء فيها، بأن ورثكم سكناها والتّصرّف فيها ممّن قبلكم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وقوله- عزّ وجلّ-: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ فإنّه‏

حدّثني أبي، عن الحسن [بن عليّ‏]  بن فضّال، عن صالح بن عقبة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: نزلت في‏القائم من آل محمّد- عليهم السّلام-. هو، واللّه، المضطرّ إذا صلّى في المقام ركعتين، ودعا إلى  اللّه- عزّ وجلّ- فأجابه، ويكشف السّوء ويجعله خليفة في الأرض.

حدّثني  أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي خالد الكابليّ قال:

 

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: واللّه، لكأنّي أنظر إلى القائم- عليه السّلام- وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثمّ ينشد اللّه حقّه ...

... إلى أن قال- عليه السّلام-: هو، واللّه، المضطرّ في كتاب اللّه في قوله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ فيكون أوّل من يبايعه جبرئيل- عليه السّلام- ثمّ الثّلاثمائة والثّلاثة عشر رجلا، فمن كان ابتلي بالمسير وافاه ، ومن لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه، وهو قول أمير المؤمنين- عليه السّلام-: هم  المفقودون عن فرشهم. وذلك قول اللّه:اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً.

 قال:

خَيْراتِ الولاية.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا إسحاق بن محمّد بن مروان، عن أبيه، عن عبيد اللّه بن خنيس، عن صباح المزنيّ، عن الحرث بن حصيرة ، عن أبي داود، عن بريدة قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعليّ- عليه السّلام- إلى جنبه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ قال: فانتفض  عليّ- عليه السّلام- انتفاض  العصفور.

فقال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: لم تجزع، يا عليّ؟

فقال: ألا أجزع  وأنت تقول: وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ.

قال: لا تجزع، فو اللّه، لا يبغضك مؤمن ولا يحبّك كافر.

و عن أحمد بن محمّد بن العبّاس - رحمه اللّه-، عن عثمان بن هاشم بن  الفضل، عن‏

 محمّد بن كثير، عن الحرث بن حصين ، عن أبي داود السّبيي ، عن عمران بن حصين قال  قال: كنت جالسا عند النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وعليّ- عليه السّلام- إلى جنبه إذ قرأ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ قال: فارتعد عليّ- عليه السّلام-. فضرب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بيده على كتفه وقال: مالك، يا عليّ؟

فقال: يا رسول اللّه، قرأت هذه الآية فخشيت أن نبتلي بها، فأصابني ما رأيت.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عليّ، لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق إلى يوم القيامة.

محمّد بن العبّاس ، عن أحمد بن محمّد  بن زياد، عن الحسن بن محمّد عن  سماعة، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ القائم- عليه السّلام- إذا خرج دخل المسجد الحرام فيستقبل الكعبة، ويجعل ظهره إلى المقام، ثمّ يصلّي ركعتين، ثمّ يقوم فيقول:

يا أيّها النّاس، أنا أولى النّاس بآدم، يا أيّها النّاس، أنا أولى النّاس بإبراهيم، يا أيّها النّاس، أنا أولى  النّاس [بإسماعيل، يا أيّها النّاس، أنا أولى النّاس‏]»

 بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. ثمّ يرفع يديه إلى السّماء فيدعو ويتضرّع حتّى يقع على وجهه، وهو قوله- عزّ وجلّ-: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ.

 

و بالإسناد : عن [بن‏]  عبد الحميد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ قال: هذه نزلت في القائم- عليه السّلام-. إذا خرج تعمّم وصلّى عند المقام وتضرّع إلى اللّه ،فلا تردّ له راية أبدا.

أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ الّذي خصّكم بهذه النّعم العامّة والخاصّة.

قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ ، أي: تذكرون آلاءه تذكّرا قليلا.

و «ما» مزيدة. والمراد بالقلّة: العدم، أو الحقارة المزيحة للفائدة.

و قرأ  أبو عمرو وروح، بالياء. وحمزة وحفص والكسائيّ، بالتّاء، وتخفيف الذّال.

أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بالنّجوم وعلامات الأرض.

و «الظّلمات» ظلمات اللّيالي، أضافها إلى «البرّ والبحر» للملابسة. أو مشتبهات  الطّرق، يقال: طريقة ظلماء وعمياء، للّتي لا منار بها.

وَ مَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، يعني: المطر.

قيل : ولو صحّ أنّ السّبب الأكثريّ في تكوّن الرّياح معاودة الأدخنة المتصاعدة من الطّبقة الباردة، لانكسار حرّها وتمويجها الهواء، فلا شكّ أنّ الأسباب الفاعليّة والقابليّة لذلك من خلق اللّه، والفاعل للسّبب فاعل للمسبّب .

أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ: يقدر على مثل ذلك.

تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ : تعالى القادر الخالق عن مشاركة العاجز المخلوق.

أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ والكفرة وإن أنكروا الإعادة فهم المحجوجون بالحجج الدّالّة عليها.

وَ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، أي: بأسباب سماوّية وأرضيّة.

أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ يفعل ذلك.

قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ على أنّ غيره يقدر على شي‏ء من ذلك إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ  في إشراككم، فإنّ كمال القدرة من لوازم الألوهيّة.

قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ لمّا بيّن اختصاصه بالقدرة التّامّة الفائقة العامّة أتبعه ما هو كاللّازم له، وهو التّفرّد بعلم الغيب.و الاستثناء منقطع، ورفع المستثنى على اللّغة التّميمّة للدّلالة على أنّه- تعالى- إن كان ممّن في السّموات والأرض ففيها من يعلم الغيب مبالغة في نفيه عنهم. أو متّصل على أنّ المراد بمن في السّموات والأرض من تعلّق علمه بها واطّلع عليها اطّلاع الحاضر فيها، فإنّه يعمّ اللّه- تعالى- وأولي العلم من خلقه، وهو موصول أو موصوف.

و في نهج البلاغة ، كلام يومئ به- عليه السّلام- إلى وصف الأتراك: كأنّي أراهم قوما كأنّ وجوههم المجانّ المطرّقة ، يلبسون السرق  والدّيباج، ويعتقبون الخيل العتاق . ويكون هنا استحرار  قتل حتّى يمشي المجروح على المقتول، ويكون المفلت أقلّ من المأسور! فقال له بعض أصحابه: لقد أعطيت، يا أمير المؤمنين، علم الغيب! فضحك- عليه السّلام- وقال للرّجل، وكان كلبيّا: يا أخا كلب، ليس هو بعلم غيب، وإنّما هو تعلّم من ذي علم. وإنّما علم الغيب علم السّاعة، وما عدّده اللّه- سبحانه- بقوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ (الآية) فيعلم- سبحانه- ما في الأرحام من ذكر أو أنثى، وقبيح أو جميل، وسخيّ أو بخيل، وشقيّ أو سعيد، ومن يكون للنّار  حطبا، أو في الجنان للنّبيّين مرافقا. فهذا علم الغيب الّذي لا يعلمه إلّا اللّه، وما سوى ذلك فعلم علّمه اللّه نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- فعلّمنيه، ودعا لي أن يعيه صدري، وتضطّم عليه جوانحي .

وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ : متى ينشرون. مركّبة من «أيّ» و«آن».

و قرئت ، بكسر الهمزة. والضّمير «لمن». وقيل: للكفرة.

بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ لمّا نفى عنهم علم الغيب، وأكّده بنفي شعورهم بما هو مآلهم لا محال، بالغ فيه بأن أضرب عنه وبيّن أنّهم يعلمون حقيقة ذلك يوم القيامة، فقال: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، أي: تتابع منهم العلم وتلاحق حتّى كمل علمهم في الآخرة ممّا أخبروا به في الدّنيا. فهو على لفظ الماضي، والمراد به: الاستقبال.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ يقول: علموا ما كانوا جهلوا في الدّنيا.

بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها، كمن تحيّر في الأمر لا يجد عليه دليلا.

بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ : لا يدركون دلائلها لاختلال بصيرتهم. وهذا وإن اختّص بالمشركين ممّن في السّموات والأرض نسبه إلى جميعهم، كما يسند فعل البعض إلى الكلّ. والإضرابات الثّلاث تنزيل لأحوالهم.

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَ إِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَ إِنَّا لَمُخْرَجُونَ ، كالبيان لعمههم .

و العامل في «إذا» ما دلّ عليه «أئنا لمخرجون» وهو «نخرج» لا «مخرجون»، لأنّ كلّا من «الهمزة» و«إنّ» و«اللّام» مانعة من عمله فيما قبلها. وتكرير الهمزة للمبالغة في الإنكار. والمراد بالإخراج: الإخراج من الأجداث، أو من حال الفناء إلى حال الحياة.

لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ: من قبل وعد محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و تقديم «هذا» على «نحن» لأنّ المقصود بالذّكر: هو البعث، وحيث أخّر فالمقصود به: المبعوث.

إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ  الّتي هي كالأسمار.

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ :

تهديد لهم على التّكذيب، وتخويف بأن ينزل بهم مثل ما نزل بالمكذّبين قبلهم. والتّعبير عنهم «بالمجرمين» ليكون لطفا للمؤمنين في ترك الجرم.

و في كتاب الخصال : وسئل الصّادق- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

أَ وَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ.

قال: معناه: أو لم ينظروا في القرآن.وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ: على تكذيبهم وإعراضهم.

وَ لا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ: في حرج صدر.

و قرأ  ابن كثير، بكسر الضّاد، وهما لغتان.

و قرئ : «ضيّق»، أي: أمر ضيق.

مِمَّا يَمْكُرُونَ : من مكرهم، فإنّ اللّه- تعالى- يعصمك من النّاس.

وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ: العذاب الموعود.

إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ: تبعكم ولحقكم.

و «اللّام» مزيدة للتّأكيد ، والفعل مضمّن  معنى فعل يتعدّى باللّام، مثل: دنا.

و قرئ ، بالفتح، وهو لغة فيه.

بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ  حلوله، وهو عذاب يوم بدر.

و «عسى» و«لعلّ» و«سوف» في مواعيد الملوك، كالجزم بها، وإنّما يطلقونه  إظهارا لوقارهم، وإشعارا بأنّ الرمز منهم كالتّصريح من غيرهم، وعليه جر  وعد اللّه ووعيده.

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ: بتأخير عقوبتهم على المعاصي.

و «الفضل» و«الفاضلة» الأفضال. وجمعها، فضول وفواضل.

وَ لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ : لا يعرفون حقّ النّعمة فيه فلا يشكرونه، بل يستعجلون بجهلهم وقوعه.

وَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ: ما تخفيه.

و قرئ ، بفتح التّاء، من كننت، أي: سترت.

وَ ما يُعْلِنُونَ : من عداوتك، فيجازيهم عليه.

وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ خافية فيهما.

و هما من الصّفات الغالبة، والتّاء فيهما للمبالغة، كما في الرّواية. أو اسمان لما يغيب‏و يخفى، والتّاء، كالتّاء في عافية وعاقبة.

إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ : بيّن، أو مبيّن ما فيه لمن يطالعه، والمراد: اللّوح ، أو القضاء على الاستعارة.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر  أو غيره، عن محمّد بن حمّاد، عن أخيه، أحمد بن حمّاد، عن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- أنّه قال: وقد أورثنا  نحن هذا القرآن الّذي فيه ما تسيّر به الجبال وتقطّع به البلدان ويحيى  به الموتى، ونحن نعرف الماء تحت الهواء. وإنّ في الكتاب  لآيات ما يراد بها أمر إلّا أن يأذن اللّه  مع ما قد يأذن اللّه ممّا كتبه الماضون، جعله اللّه لنا في أمّ الكتاب، إنّ اللّه يقول: وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ. ثمّ قال:

أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا. فنحن الّذين اصطفانا اللّه- عزّ وجلّ- وأورثنا هذا الكتاب ، فيه تبيان كلّ شي‏ء.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، كالتّشبيه، والتّنزيه، وأحوال الجنّة والنّار، وعزير والمسيح.

وَ إِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ : فإنّهم المنتفعون به.

إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ: بين بني إسرائيل.

بِحُكْمِهِ: بما يحكم به وهو الحقّ. أو بحكمته، ويدلّ عليه أنّه قرئ: بحكمه.

وَ هُوَ الْعَزِيزُ: فلا يردّ قضاؤه، الْعَلِيمُ : بحقيقة ما يقضي فيه وحكمه.

فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ: ولا تبال بمعاداتهم إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ .

و صاحب الحقّ حقيق بالوثوق بحفظ اللّه- تعالى- ونصره.

إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى: تعليل آخر للأمر بالتّوكل، من حيث أنّه يقطع طمعه عن مبايعتهم ومعاضدتهم رأسا. وإنّما شبّهوا بالموتى لعدم انتفاعهم باستماع ما يتلى عليهم، كما شبّهوا بالصّمّ في قوله: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ .

فإنّ إسماعهم في هذه الحال أبعد.

و قرأ  ابن كثير: «و لا يسمع الصّمّ».