سورة النّمل الآية 81-93

وَ ما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ: حيث الهداية لا تحصل إلّا بالبصر.

إِنْ تُسْمِعُ، أي: ما يجدي إسماعك.

إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا: من هو في علم اللّه كذلك.

فَهُمْ مُسْلِمُونَ : مخلصون، مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ.

وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ: إذا دنا وقوع معناه، وهو ما وعدوا به من البعث والعذاب أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ.

قيل : وهي الجسّاسة ، وأنّ طولها ستّون ذراعا، ولها [أربع‏]  قوائم وزغب وريش وجناحان، لا يفوتها هارب ولا يدركها طالب.

تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا قيل: خروجها وسائر أحوالها، فإنّها من آيات اللّه- تعالى-.

و قيل : القرآن.

لا يُوقِنُونَ : لا يتيقّنون. وهو حكاية معنى قولها، أو حكايتها لقول اللّه، أو علّة خروجها أو تكلّمها على حذف الجارّ.

و قرأ  الكوفيّون: «أنّ» بالفتح .

و في كتاب الغيبة  لشيخ الطّائفة- قدّس سرّه-، بإسناده إلى عليّ بن مهزيار حديث طويل، يذكر فيه دخوله على صاحب الأمر- عليه السّلام- وسؤاله إيّاه، وفيه: فقلت: يا سيّدي، متى يكون هذا الأمر؟

فقال: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشّمس والقمر واستدار بهما الكواكب والنّجوم.

فقلت: متى، يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-؟فقال: في سنة كذا وكذا تخرج دابّة الأرض من بين الصّفا والمروة، ومعه  عصا موسى وخاتم سليمان، يسوق  النّاس إلى المحشر.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى النّزل بن سيارة : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، قال فيه- عليه السّلام- بعد أن ذكر الدّجّال ومن يقتله: ألّا إنّ بعد ذلك الطّامّة الكبرى.

قلت: وما ذلك، يا أمير المؤمنين؟

قال: خروج دابّة [من‏]  الأرض من عند الصّفا، معها خاتم سليمان وعصا موسى، تضع  الخاتم على وجه كلّ مؤمن فينطبع فيه: هذا مؤمن حقّا، وتضعه  على وجه كلّ كافر فيكتب : هذا كافر حقّا، حتّى أنّ المؤمن لينادي: الويل لك حقّا ، يا كافر.

و أنّ الكافر ينادي: طوبى لك، يا مؤمن، وددت أنّي  كنت مثلك فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً. ثمّ ترفع الدّابّة رأسها [فيراها]  من بين الخافقين بإذن اللّه- جلّ جلاله-. وذلك بعيد طلوع الشّمس من مغربها، فعند ذلك ترفع التوبة فلا تقبل توبة ولا عمل يرفع ولا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً.

ثمّ قال- عليه السّلام-: لا تسألوني عمّا يكون بعد هذا، فإنّه عهد إليّ حبيبي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ألّا أخبر به غير عترتي.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى محمّد بن سنان: عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أنا قسيم اللّه بين الجنّة والنّار، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا صاحب العصا والميسم.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد، جميعا، عن محمّد بن الحسن عن

 

 عليّ بن حسّان قال: حدّثني أبو عبد اللّه الرّياحيّ، عن أبي الصّامت  الحلوانيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: ولقد أعطيت السّتّ: علم المنايا والبلايا والقضايا  وفصل الخطاب، وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدّول، وإنّي لصاحب العصا والميسم والدّابّة الّتي تكلّم النّاس.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وأمّا قوله: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ - إلى قوله: بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ. فإنّه‏

حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: انتهى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- وهو نائم في المسجد، قد جمع رملا ووضع رأسه عليه، فحرّكه برجله، ثمّ قال له: قم، يا دابّة الأرض.

فقال رجل من أصحابه: يا رسول اللّه، أ يسمّي بعضنا بعضا بهذا الاسم؟

فقال: لا، واللّه، ما هو إلّا له خاصّة، وهو الدّابّة الّتي ذكرها اللّه في كتابه [فقال- عزّ وجلّ-] : وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ.

ثمّ قال: يا عليّ، إذا كان آخر الزّمان أخرجك اللّه في أحسن صورة، ومعك ميسم تسم به أعداءك.

فقال رجل لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- إنّ العامّة  يقولون: هذه الدّابّة إنّما تكلمهم .

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: كلمهم اللّه في نار جهنّم، إنّما هو تكلّمهم من الكلام.

و قال أبو عبد اللّه - عليه السّلام-: قال رجل لعمّار بن ياسر: يا أبا اليقظان، آية في كتاب اللّه قد أفسدت قلبي وشكّكتني.قال عمّار: وأيّة  آية هي؟

قال: قوله: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ. فأيّة  دابّة هذه ؟

قال عمّار: واللّه، ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتّى أريكها. فجاء عمّار مع الرّجل إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- وهو يأكل تمرا وزبدا.

فقال- عليه السّلام-: يا أبا اليقظان، هلمّ. فأقبل عمّار وجلس يأكل  معه، فتعجّب الرّجل منه.

فلمّا قام عمّار قال له الرّجل: سبحان اللّه ، إنّك حلفت أن لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتّى تريني  الدّابّة .

قال: قد أريتكها إن كنت تعقل.

و في مجمع البيان ، بعد أن نقل هذا الحديث الأخير: وروى العيّاشي هذه القصّة بعينها عن أبي ذرّ- أيضا.

 

و روى محمّد بن كعب القرظيّ  قال: سئل عليّ- عليه السّلام- عن الدّابّة.

فقال: أما، واللّه، ما لها ذنب وإنّ لها للحية.

و عن حذيفة ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: دابّة الأرض طولها ستّون ذراعا، لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب، فتسم المؤمن بين عينيه وتكتب بين عينيه مؤمن، وتسم الكافر بين عينيه وتكتب بين عينيه: كافر، ومعها عصا موسى وخاتم سليمان، فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتختم أنف الكافر بالخاتم، حتّى يقال: يا مؤمن ويا كافر.

و روي  عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه يكون للدّابّة ثلاث خرجات من الدّهر: فتخرج خروجا بأقصى المدينة فيفشو ذكرها في البادية، ولا يدخل ذكرها القرية، يعني: مكّة. ثمّ [تمكث زمانا طويلا، ثمّ تخرج خرجة أخرى قريبا من مكّة، فيفشو ذكرهافي البادية ويدخل ذكرها القرية، يعني: مكّة. ثمّ‏]  سار النّاس يوما في أعظم المساجد على اللّه- عزّ وجلّ- حرمة وأكرمها على اللّه [يعني:]  المسجد الحرام، لم ترعهم إلّا وهي في ناحية المسجد [تدنو]  وتدنو كذا ما بين الرّكن الأسود إلى باب بني مخزوم عن يمين الخارج في وسط من ذلك، فيرفض  النّاس عنها، ويثبت لها عصابة عرفوا أنّهم لن يعجزوا اللّه، فخرجت عليهم تنفض رأسها من التّراب، فمرّت بهم فجلت عن وجوههم حتّى تركتها كأنّها الكواكب الدّرّيّة، ثمّ ولّت في الأرض لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب، حتّى أن الرّجل ليقوم فيتعوّذ منها في الصّلاة فتأتيه من خلفه فتقول: يا فلان، الآن تصلّي. فيقبل عليها بوجهه فتسمه  في وجهه، فيتجاور  النّاس في ديارهم ويصطحبون في أسفارهم ويشتركون في الأموال، يعرف الكافر من المؤمن فيقال للمؤمن: يا مؤمن، وللكافر: يا كافر.

و في جوامع الجامع : وروي فتضرب المؤمن فيما  بين عينيه بعصا موسى، فتنكت نكتة بيضاء، فتفشو تلك النّكتة في وجهه حتّى يضي‏ء  لها وجهه، وتكتب  بين عينيه:

مؤمن، وتنكت الكافر بالخاتم فتفشو تلك  النّكتة حتّى يسودّ لها وجهه، وتكتب  بين عينيه:

كافر.

و عن الباقر - عليه السّلام-: كلم اللّه من قرأ: تكلمهم ، ولكن «تكلّمهم»  بالتّشديد.

و في شح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا جعفر بن محمّد الحلبيّ، عن عبد اللّه بن محمّد بن الزّيّات، عن محمّد بن الجنيد ، عن مفضّل بن صالح، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه الجدليّ قال: دخلت على عليّ- عليه السّلام- يوما فقال: أنا دابّة الأرض.و قال : حدّثنا عليّ بن أحمد بن حاتم، عن إسماعيل بن إسحاق الرّاشديّ، عن خالد بن مخلّد، عن عبد الكريم بن يعقوب الجعفيّ، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه الجدليّ قال: دخلت على عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- فقال: ألا أحدثك ثلاثا قبل أن يدخل عليّ وعليك داخل؟

قلت: بلى.

قال: أنا عبد اللّه، وأنا دابّة الأرض صدقها وعدلها، وأخو نبيّها. ألا أخبرك بأنف المهديّ وعينيه؟

قال: قلت: بلى.

قال: فضرب بيده إلى صدره، وقال: أنا.

و قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن الحسن الفقيه، عن أحمد بن عبيد بن ناصح، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال: دخلت على أمير المؤمنين- عليه السّلام- وهو يأكل خبزا وخلا  وزيتا، فقلت: يا أمير المؤمنين، قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ. فما هذه الدّابّة؟

قال: هي دابّة تأكل خبزا وخلّا وزيتا.

و قال - أيضا-: حدّثنا الحسن  بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن سماعة بن مهران، عن الفضل بن يزيد ، عن الأصبغ بن نباتة قال: قال لي معاوية: يا معشر الشّيعة، تزعمون أنّ عليّا دابّة الأرض.

فقلت: نحن نقول، واليهود يقولون.

قال: فأرسل إلى رأس الجالوت، فقال له: ويحك، تجدون دابّة الأرض عندكم مكتوبة؟

فقال: نعم.فقال: فما هي؟

 [فقال: رجل.

فقال:]  أ تدري ما اسمه ؟

قال: نعم، اسمه  إليّا .

قال: فالتفت إليّ فقال: ويحك، يا أصبغ، ما أقرب إليّا  من عليّا.

قال : وروي في الخبر أنّ رجلا قال لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: بلغني أنّ العامّة يقرءون هذه [الآية هكذا:]  تكلمهم، أي: تجرحهم.

فقال: كلمهم اللّه في نار جهنّم، ما نزلت إلّا «تكلّمهم» من الكلام.

وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا: بيان للفوج، أي:

فوجا مكذّبين.

و «من» الأولى للتّبعيض، لأنّ أمّة كلّ نبي شامل للمصدّقين والمكذّبين.

فَهُمْ يُوزَعُونَ : يحبس أوّلهم على آخرهم ليتلاحقوا، وهو عبارة عن كثرة عددهم وتباعد أطرافهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بقوله سابقا: إنّما هو يكلّمهم من الكلام.

و الدّليل على أنّ هذا في الرّجعة وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً [مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَ كَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قال:

الآيات أمير المؤمنين والأئمّة- عليهم السّلام-.

فقال الرجل لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- [إنّ العامّة تزعم‏]  أنّ قوله: يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً عنى يوم القيامة.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- أ فيحشر اللّه- عزّ وجلّ- يوم القيامة من كلّ أمّة فوجا.]  ويدع الباقين؟ لا، ولكنّه في الرّجعة، وأمّا آية [يوم القيامة]  فهو:وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً.

حدّثني  أبي، عن ابن أبي عمير، عن جراد ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما يقول النّاس في هذه الآية: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً؟

قلت: يقولون: إنّها في القيامة.

قال: ليس كما يقولون، إنّها في الرّجعة، أ يحشر اللّه في القيامة من كلّ أمّة فوجا ويدع الباقين؟ إنّما آية القيامة: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً.

حدّثني  أبي، عن ابن أبي عمير، عن المفضّل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً قال- عليه السّلام-: ليس أحد من المؤمنين قتل إلّا ويرجع حتّى يموت، ولا يرجع إلّا من محض الإيمان محضا ومن محض الكفر محضا.

و في مجمع البيان : واستدلّ بهذه الآية على صحّة الرّجعة من ذهب إلى ذلك من الإماميّة، بأن قال: إنّ دخول «من» في الكلام يوجب التّبعيض، فدلّ ذلك  [على‏]  أنّ اليوم المشار إليه في الآية يحشر فيه قوم دون قوم، وليس ذلك صفة يوم القيامة الّذي يقول فيه- سبحانه-: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً. وقد تظافرت  الأخبار عن أئمّة الهدى من آل محمّد- عليهم السّلام- في أنّ اللّه- تعالى- سيعيد عند قيام المهديّ- عليه السّلام- قوما ممّن تقدّم موتهم من أوليائه وشيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ويبتهجون بظهور دولته، ويعيد- أيضا- قوما من أعدائه لينتقم منهم، وينالوا بعض ما يستحقّونه من العقاب في القتل على أيدي شيعته والذّلّ والخزي بما يشاهدون من علوّ كلمته. ولا يشكّ عاقل أنّ هذا مقدور للّه- تعالى- غير مستحيل في نفسه، وقد فعل اللّه- تعالى- ذلك في الأمم الخالية، ونطق القرآن بذلك في عدّة مواضع، مثل قصّة عزير وغيره على ما فسّرناه  في موضعه.و صحّ عن النّبيّ- صلّى اللّه  عليه وآله- قوله: سيكون في أمّتي كل ما كان في بني إسرائيل، حذو النّعل بالنّعل والقذّة بالقذّة، حتّى لو أنّ أحدهم دخل حجر ضبّ لدخلتموه.

على أنّ جماعة من الإماميّة تأوّلوا ما ورد من الأخبار في الرّجعة على رجوع [الدّولة والأمر والنّهي دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات، وأوّلوا الأخبار الواردة في ذلك لما ظنّوا أنّ الرّجعة]  تنافي التّكليف، وليس كذلك لأنّه ليس فيها ما يلجئ إلى فعل الواجب والامتناع من القبيح، والتّكليف يصحّ معها، كما يصحّ مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة، كفلق البحر وقلب العصا ثعبانا وما أشبه ذلك، ولأنّ الرّجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرّق التّأويل عليها، وإنّما المعوّل في ذلك على إجماع الشّيعة الإماميّة وإن كانت الأخبار تعضده وتؤيّده.

و في جوامع الجامع : وقد استدلّ بعض الإماميّة بهذه الآية على صحّة الرّجعة، وقال: إنّ المذكور فيها يوم يحشر فيه من كلّ جماعة فوج، وصفة يوم القيامة أنّه يحشر فيه الخلائق بأسرهم، كما قال- سبحانه-: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً.

و ورد  عن آل محمّد- صلوات اللّه عليهم-: أنّ اللّه- تعالى- يحيي عند قيام المهديّ- عليه السّلام- قوما من أعدائهم قد بلغوا الغاية في ظلمهم واعتدائهم، وقوما من مخلصي أوليائهم قد ابتلوا بمعاناة كلّ عناء ومحنة في ولايتهم ، لينتقم هؤلاء من أولئك ويتشفّوا ممّا تجرّعوه من الغموم بذلك، وينال كلّا الفريقين بعض ما استحقّه من الثّواب والعقاب.

و روي  عنه- عليه السّلام-: سيكون في أمّتي كلّ ما  كان في بني إسرائيل، حذو النّعل بالنّعل والقذّة بالقّذة.

و على هذا فيكون المراد بالآيات: الأئمّة الهادية- عليهم السّلام-.

و في إرشاد المفيد : روى عبد الكريم الخثعمي  قال: قلت لأبي‏عبد اللّه- عليه السّلام-: كم يملك القائم- عليه السّلام-؟

قال: سبع سنين، يطوّل اللّه  له الأيّام واللّيالي  [حتّى‏]  يكون السّنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم، فيكون سنو  ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه، وإذا آن قيامه مطر النّاس جمادي الآخرة وعشرة أيّام من رجب مطرا لم ير الخلائق مثله، فينبت اللّه به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، وكأنّي أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينه  ينفضون شعورهم من التّراب. (انتهى)

فعلى هذا «الآيات»: الأئمّة الطّاهرون، ومجيئهم إلى حيث يرجعون، والتّوبيخ من اللّه بلسان الأئمّة- عليهم السّلام-.

و وقوع القول: تعذيبهم وقتلهم على أيدي الأئمّة والمؤمنين.

و من قال: إنّ قوله وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً المراد به: يوم القيامة، قال:

المراد بالفوج: الجماعة من الرّؤساء والمتبوعين في الكفر حشروا وجمعوا  لإقامة الحجّة عليهم.

و قال في قوله: حَتَّى إِذا جاؤُ، أي: إلى المحشر. قالَ أَ كَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً «الواو» للحال، أي: أ كذّبتم بها بادئ الرّأي غير ناظرين فيها نظرا يحيط علمكم بكنهها، وأنّها حقيقة بالتّصديق أو التّكذيب. أو للعطف ، أي: أجمعتم بين التّكذيب بها وعدم إلقاء الأذهان لتحقّقها.

أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : أم أيّ شي‏ء كنتم تعلمونه بعد ذلك. وهو للتّبكيت، إذ لم يفعلوا غير التّكذيب من الجهل فلا يقدرون أن يقولوا: فعلنا غير ذلك.

وَ وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ: حلّ بهم العذاب الموعود على أيدي الأئمّة والمؤمنين على ما قلنا، وكبّهم في النّار على ما قالوا.

بِما ظَلَمُوا: بسبب ظلمهم، وهو التّكذيب بآيات اللّه.

فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ : باعتذار لشغلهم بالعذاب.

أَ لَمْ يَرَوْا: ليتحقّق لهم [التوحيد ويرشدهم إلى تجويز الحشر وبعثة الرسل‏] ، لأنّ تعاقب النّور والظّلمة على وجه مخصوص غير متعيّن بذاته لا يكون إلّا بقدرة قاهر، وأنّ من قدر [على إبدال الظّلمة بالنّور في مادّة واحدة قدر]  على إبدال الموت بالحياة في موادّ الأبدان، وأنّ من جعل النّهار ليبصروا فيه سببا من أسباب معاشهم لعلّه لا يخلّ بما هو مناط جميع مصالحهم في معاشهم ومعادهم.

أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ: بالنّوم والقرار وَالنَّهارَ مُبْصِراً فإنّ أصله:

ليبصروا فيه، فبولغ فيه بجعل الإبصار حالا من أحواله المجعول عليها بحيث لا ينفكّ عنها.

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ : لدلالتها على أنّه لا يخلّ بما هو مناط جميع المصالح.

وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ قيل : إنّه تمثيل لانبعاث الموتى بانبعاث الجيش إذا نفخ في البوق.

و في مجمع البيان : وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ واختلف في معنى الصّور، فقيل: هو صور الخلق، جمع، صورة ... عن الحسن وقتادة. ويكون معناه: [يوم‏]  ينفخ الرّوح في الصّور فيبعثون.

و قيل :

هو قرن ينفخ فيه شبه البوق [عن مجاهد]  وقد ورد ذلك في الحديث.

و في كتاب شيخ الطّائفة - رحمه اللّه- في دعاء أمّ داود المنقول عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام-: أللّهمّ، صلّ على إسرافيل حامل عرشك وصاحب الصّور المنتظر لأمرك.

فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ: من الهول‏

 [قيل : هي ثلاث نفخات الأولى: نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصعق والثالثة: نفخة القيام لربّ العالمين‏]

 و عبّر عنه بالماضي لتحقّق وقوعه.

إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ أن لا يفزع، بأن يثبّت قلبه.

قيل : هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل.

و قيل : الحور والخزنة وحملة العرش.

و قيل : الشّهداء.

و قيل : موسى لأنّه صعق مرّة، ولعلّ المراد ما يعمّ ذلك.

وَ كُلٌّ أَتَوْهُ: حاضرون الموقف بعد النّفخة الثّانية، أو راجعون إلى أمره.

و قرأ  حفص: «أتوه» على الفعل.

و قرئ : «أتاه» على التّوحيد للفظ  «الكلّ».

داخِرِينَ : صاغرين.

و قرى : «دخرين».

وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً: ثابتة في مكانها وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ في السّرعة، وذلك لأنّ الأجرام الكبار إذا تحرّكت في سمت واحد لا تكاد تبين حركتها.

صُنْعَ اللَّهِ: مصدر مؤكّد لنفسه، وهو لمضمون الجملة المتقدّمة، كقوله: وَعَدَ اللَّهُ.

الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ: أحكم خلقه وسواه على ما ينبغي.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وقوله- عزّ وجلّ-: وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ قال: فعل اللّه الّذي أحكم كلّ شي‏ء.

إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ : عالم بظواهر الأفعال وبواطنها فيجازيكم  عليها، كما قال: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهاقيل : إذ ثبت له الشّريف بالخسيس، والباقي بالفاني، وسبعمائة بواحدة.

و قيل : خير منها، أي: خير حاصل من جهتها وهو الجنّة.

و قرأ  ابن كثير وأبو عمرو وهشام: «خبير بما يفعلون» بالياء، والباقون بالتّاء.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب الخزّاز قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: لمّا نزلت هذه الآية على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله وسلم-: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله وسلم-: اللّهمّ، زدني. فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً. فعلم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله وسلم- أنّ الكثير من اللّه ما لا يحصى وليس له منتهى.

وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ، يعني به: خوف عذاب يوم القيامة.

و قرأ  الكوفيّون، بالتّنوين، لأنّ المراد فزع واحد من أفزاع ذلك اليوم.

و «آمن» يتعدّى  بالجارّ وبنفسه، كقوله: أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ.

و قرأ  الكوفيّون [و نافع، [يومئذ]  بفتح الميم، والباقون بكسرها.

و في مجمع البيان : قال الكلبيّ: إذا أطبقت النّار على أهلها فزعوا فزعة لم يفزعوا مثلها،]  وأهل الجنّة آمنون من ذلك الفزع.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: حدّثني أبي، عن محمّد  بن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن عمر  بن شيبة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول ابتداء  منه: إنّ اللّه إذا بدا له أن يبين خلقه ويجمعهم لما لا بدّ منه أمر مناديا ينادي، فاجتمع الجنّ والإنس في أسرع من طرفة عين.... إلى أن قال- عليه السّلام- رسول اللّه وعليّ وشيعته على كثبان من المسك الأذفر على منابر من نور، يحزن النّاس ولا يحزنون، ويفزع النّاس ولا يفزعون. ثمّ تلا هذه الآية: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ. فالحسنة، واللّه، ولاية عليّ.

حدّثني  أبي، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي العبّاس المكبّر قال: دخل مولى لامرأة عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- على أبي جعفر- عليه السّلام- يقال  له:

أبو أيمن [فقال‏]  يا أبا جعفر، تغرّون  النّاس وتقولون»

: شفاعة محمّد شفاعة محمّد.

فغضب أبو جعفر- عليه السّلام- حتّى تربّد  وجهه، ثمّ قال: ويحك، يا أبا أيمن، أغرّك أن عفّ  بطنك وفرجك؟ أما لو  قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله وسلم-. ويلك، فهل يشفع إلّا لمن وجبت له النّار؟

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الخصال : عن يونس بن ظبيان قال: قال الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-: إنّ الناس يعبدون اللّه- تعالى- على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطّمع، وآخرون يعبدونه فرقا  من النّار فتلك عبادة العبيد وهي الرّهبة، ولكنّي أعبده حبّا له فتل عباد الكرام وهو الأمن لقوله- تعالى-: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ولقوله- تعالى-: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. فمن أحبّ اللّه [أحبّه اللّه- عزّ وجلّ- ومن أحبّه اللّه- عزّ وجلّ-]  وأحبّه اللّه كان من الآمنين.

عن حمزة بن يعلي ، يرفعه بإسناده، قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله وسلم-: من مقت نفسه دون مقت النّاس آمنه اللّه من فزع يوم القيامة.و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه-، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله وسلم-: من وقّر ذا شيبة في الإسلام آمنه اللّه من فزع يوم القيامة.

و في روضة الكافي  عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس ، عن عليّ بن حمّاد ، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً قال: من تولّى الأوصياء من آل محمّد واتّبع آثارهم فذلك يزيده ولاية من [مضى من‏]  النّبيّين والمؤمنين الأوّلين، حتّى تصل  ولايتهم إلى آدم- عليه السّلام-. وهو قول اللّه: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها يدخله  الجنّة.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- بإسناده إلى عمّار بن موسى السّاباطيّ قال:

 

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لا يقبل اللّه من العباد الأعمال الصّالحة الّتي يعملونها إذا تولّوا الإمام الجائر الّذي ليس من اللّه- تعالى-.

فقال له أبو عبد اللّه بن أبي يعفور: أليس اللّه- تعالى- قال: مَنْ  جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ. فكيف لا ينفع العمل الصّالح ممّن تولّى أئمّة الجور؟

فقال له أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: وهل تدري ما الحسنة الّتي عناها اللّه- تعالى- في هذه الآية؟ هي [و اللّه‏]  معرفة الإمام وطاعته.

وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ قيل : بالشّرك.

و في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس- رحمه اللّه- قال: وقد نقل عن الفرّاء قوله:مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ لا إله إلا الله، و«السّيّئة» الشّرك.

أقول: هذا تأويل غريب غير مطابق للمعقول والمنقول، لأنّ لفظ لا إله إلا الله يقع من الصّادقين والمنافقين، ولأنّ اليهود تقول: لا إله إلا الله. وكلّ فرق من  الإسلام تقول ذلك، وواحده منها ناجية واثنان  وسبعون في النّار، وهذه الآية وردت مورد الأمان لمن جاء بالحسنة فكيف بتناولها على مالا يقتضيه ظاهرها وقد وردت  النّقل متظافرا  أنّ الحسنة معرفة اللّه ورسوله ومعرفة الّذين يقومون مقامه- صلوات اللّه عليهم.

فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ: فكبّوا على وجوههم.

و يجوز أن يراد بالوجوه: أنفسهم، كما أريدت بالأيدي في قوله: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه- وقوله- عزّ وجلّ-: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ قال: الحسنة، واللّه، ولاية أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه. والسّيّئة، واللّه، عداوته.

و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللّه-: قال الباقر- عليه السّلام-: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها ... وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ الحسنة ولاية عليّ وحبّه، والسّيّئة عداوته وبغضه، ولا يرفع معهما  عمل.

هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : على الالتفات. أو بإضمار القول، أي: قيل لهم ذلك.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمه ومحمّد بن عبد اللّه، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: دخل أبو عبد اللّه الجدليّ على أمير المؤمنين- عليه السّلام-. فقال- عليه السّلام- يا أبا عبد اللّه، ألا أخبرك بقول‏اللّه- عزّ وجلّ-: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ؟

قال: بلى، يا أمير المؤمنين، جعلت فداك.

فقال: الحسنة معرفة الولاية وحبّنا أهل البيت، والسّيّئة إنكار الولاية وبغضنا أهل البيت. ثمّ قرأ- عليه السّلام- الآية.

و في أمالي شيخ الطّائفة ، متّصلا بقوله: وهل تدري ما الحسنة الّتي عناها اللّه- تعالى- في هذه الآية؟ هي [و اللّه‏]  معرفة الإمام وطاعته. وقد قال اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وإنّما أراد بالسّيّئة إنكار الإمام الّذي هو من اللّه- تعالى-.

ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: من جاء يوم القيامة بولاية إمام جائر ليس من اللّه، وجاء منكرا الحقّنا جاحدا لولايتنا، أكبّه اللّه- تعالى- يوم القيامة في النّار.

و بإسناده  إلى أبي عبد اللّه الجدليّ قال: قال لي عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: ألا أحدّثك، يا أبا عبد اللّه، بالحسنة الّتي من جاء بها أمن من فزع يوم القيامة وبالسّيّئة الّتي من جاء بها أكب اللّه وجهه في النّار؟

قلت: بلى، يا أمير المؤمنين.

قال: الحسنة حبّنا، والسّيّئة بغضنا.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- في تفسيره: حدّثنا المنذر بن محمّد، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد [عن أبيه‏] ، عن أبان بن تغلب، عن فضيل  ابن الزّبير ، عن أبي الجارود، عن أبي داود السّبيعيّ، عن أبي عبد اللّه الجدليّ قال: قال لي أمير المؤمنين- عليه السّلام-: يا أبا عبد اللّه، هل تدري ما الحسنة الّتي من جاء بها فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ؟

قلت: لا.قال: الحسنة مودّتنا أهل البيت، والسّيّئة عداوتنا أهل البيت.

و قال  أيضا: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، عن إبراهيم عن  محمّد الثّقفيّ، عن عبد اللّه بن جبلة الكنانيّ، عن سلام بن أبي عمرة  الخراسانيّ، عن أبي الجارود، عن أبي عبد اللّه الجدليّ قال: قال لي  أمير المؤمنين- عليه السّلام- ألا أخبرك بالحسنة الّتي من جاء بها أمن من فزع يوم القيامة، والسّيّئة الّتي من جاء بها كبّ على وجهه في نار جهنّم؟

قلت: بلى، يا أمير المؤمنين.

قال: الحسنة حبّنا أهل البيت، والسّيّئة بغضنا أهل البيت.

و قال  أيضا: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمّار السّاباطيّ قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وسأله عبد اللّه بن أبي يعقوب  عن قول اللّه- عزّ وجلّ- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ.

فقال: وهل تدري ما الحسنة؟ إنّما الحسنة معرفة الامام وطاعته، وطاعته من طاعة اللّه.

و بالإسناد المذكور : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الحسنة ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و قال - أيضا: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد عن إسماعيل بن يسار ، عن عليّ بن جعفر الحضري  [عن جابر الجعفي‏]

 أنّه سأل أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ.

قال: الحسنة ولاية عليّ، والسّيّئة عداوته وبغضه.إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها: أمر الرّسول بأن يقول لهم ذلك بعد ما بيّن المبدأ والمعاد وشرح أحوال القيامة، إشعارا بأنّه قد أتمّ الدّعوة وقد كملت وما عليه بعد إلّا الاشتغال بشأنه والاستغراق في عبادة ربّه. وتخصيص مكّة بهذه الإضافة تشريف لها وتعظيم لشأنها.

و قرئ : «الّتي حرّمها».

وَ لَهُ كُلُّ شَيْ‏ءٍ خلقا وملكا.

وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : المنقادين، أو الثّابتين على ملّة الإسلام.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: [و قال عليّ بن إبراهيم‏]  في قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها قال: مكّة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، بن عليّ بن النّعمان، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ قريشا لمّا هدموا الكعبة وجدوا في قواعدها حجرا فيه كتاب لم يحسنوا قراءته حتّى دعوا رجلا فقرأه، فإذا فيه: أنا اللّه ذو بكّة، حرّمتها يوم خلقت السّموات والأرض، ووضعتها بين  هذين الجبلين، وحففتها بسبعة أملاك حفّا.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة قال:

 

سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: حرّم اللّه حرمه أن يختلى خلاه، أو يعضد  شجره إلّا الإذخر ، أو يصاد طيره.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا قدم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله وسلم- مكّة يوم افتتحها فتح باب الكعبة، فأمر بصور في الكعبة فطمست، فأخذ بعضادتي الباب فقال: ألّا إنّ اللّه قد حرّم مكّة يوم خلق السّموات والأرض، فهي حرام بحرام اللّه إلى يوم القيامة،لا ينفّر صيدها ولا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها ولا تحلّ لقطتها إلّا لمنشد.

فقال العبّاس: يا رسول اللّه، إلّا الإذخر فإنّه للقبر والبيوت.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله وسلم-: إلّا الإذخر.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه. ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله وسلم- يوم فتح مكّة: إنّ حرم مكّة يوم خلق السّموات والأرض، وهي حرام إلى أن تقوم السّاعة، لم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لأحد بعدي، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار.

وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ: وأن أواظب على تلاوته لتنكشف لي حقائقه في تلاوته شيئا فشيئا، أو أتباعه.

و قرئ:  «و اتل».

فَمَنِ اهْتَدى: باتّباعه إيّاي في ذلك فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ: فإنّ منافعه عائدة إليه.

وَ مَنْ ضَلَّ بمخالفتي فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ : فلا عليّ من وبال ضلاله شي‏ء، إذ ما على الرّسول إلّا البلاغ وقد بلّغت.

وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على نعمة النّبوّة أو على ما علّمني ووفّقني للعمل به.

سَيُرِيكُمْ آياتِهِ: القاهرة في الدّنيا، كوقعة بدر، وخروج دابّة الأرض، أو في الآخرة.

فَتَعْرِفُونَها: فتعرفون أنّها آيات اللّه، ولكن حين لا تنفعكم المعرفة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها قال: «الآيات» أمير المؤمنين والأئمة- عليهم السّلام- إذا رجعوا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم، والدّليل على أنّ «الآيات» هم الأئمّة- عليهم السّلام-: واللّه، ما للَّه آية أكبر منّي. فإذا رجعوا إلى الدّنيا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم في الدّنيا.

وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ : فلا تحسبوا أنّ تأخير عذابكم لغفلته عن أعمالكم.و قرئ ، بالياء .