سورة النّور الآية 41-64

أَ لَمْ تَرَ: ألم تعلم علما يشبه المشاهدة في اليقين والوثاقة بالوحي والاستدلال. 

لأنّ ما ذكر في الآية، لا يرى بالأبصار، وإنّما يعلم بالأدلّة.و الخطاب للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- والمراد جميع المكلّفين. 

أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: ينزّه ذاته عن كلّ نقص وآفة أهل السّموات والأرض.

و «من» لتغليب العقلاء، أو الملائكة والثّقلان، بما يدلّ عليه من مقال أو دلالة حال.

وَ الطَّيْرُ:

على الأوّل، تخصيص لما فيها من الصّنع الظّاهر والدّليل الباهر.

و لذلك قيّدها بقوله: صَافَّاتٍ، فإنّ إعطاء الأجرام الثّقيلة ما به تقوى على الوقوف في الجوّ صافّة أجنحتها بما فيها من القبض والبسط، حجّة قاطعة على كمال قدرة الصّانع ولطف تدبيره.

كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ، أي: قد علم اللّه دعاءه وتنزيهه، اختيارا أو طبعا، لقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ . أو: علم كلّ على تشبيه حاله في الدّلالة على الحقّ والميل إلى النّفع، على وجه يخصّه بحال من علم ذلك.

مع أنّه لا يبعد أن يلهم اللّه الطّير دعاء وتسبيحا- كما ألهمها علوما دقيقة في أسباب تعيّشها- لا يكاد يهتدي إليه العقلاء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن بعض أصحابه يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه-: إنّ اللّه ملكا في صورة الدّيك الأبلج  الأشهب براثنه  في الأرض السّابعة، وعرفه تحت العرش. له جناحان: جناح بالمشرق، وجناح بالمغرب. فأمّا الجناح الّذي في المشرق ، فمن ثلج. وأمّا الجناح الّذي في المغرب ، فمن نار.

فكلّما حضر وقت الصّلاة، قام [الديك‏]  على براثنه، ورفع عرفه تحت  العرش. ثمّ‏

أمال أحد جناحيه على الآخر، يصفّق بهما، كما يصفّق الدّيك  في منازلكم. فلا الّذي من الثلج يطفئ النّار، ولا الّذي من النّار يذيب الثّلج. ثمّ ينادي بأعلى صوته: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد  أن محمّدا عبده ورسوله خاتم النّبيّين، وأنّ وصيّه خير الوصيّين. «صبّوح قدوس ربّ الملائكة والرّوح».

فلا يبقى في الأرض ديك إلّا اجابه. وذلك قوله- عزّ وجلّ-: «و الطّير صافّات كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ.

و بإسناده  إلى إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ما من طير يصاد في برّ ولا بحر ، ولا يصاد شي‏ء من الوحش، إلّا بتضييعه التّسبيح.

و في كتاب التّوحيد»، بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة، قال: جاء ابن الكوّاء إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال: يا أمير المؤمنين! واللّه، إنّ في كتاب اللّه- عزّ وجلّ- لآية قد أفسدت عليّ قلبي، وشكّكتني في ديني.

فقال له- عليه السّلام-: ثكلتك أمّك وعدمتك، وما تلك الآية؟ قال: قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ.

فقال له أمير المؤمنين- عليه السّلام-: يا ابن الكوّاء، إنّ اللّه- تبارك وتعالى- خلق الملائكة في صور شتّى. ألا إنّ للّه- تعالى- ملكا في صورة ديك أبلج أشهب، براثنه في الأرض السّابعة السّفلى، وعرفه مثنى تحت العرش. وله جناحان: جناح في المشرق، وجناح في المغرب. واحد من نار، والآخر من ثلج. فإذا حضر وقت الصّلاة، قام على براثنه، ثمّ رفع عنقه من تحت العرش، ثمّ صفّق بجناحيه، كما تصفّق الدّيوك في منازلكم. فلا الّذي من النّار يذيب الثّلج، ولا الّذي من الثّلج يطفئ النّار. فينادي:

 «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا سيّد النّبيّين، وأنّ وصيّه سيّد الوصييّن، وأنّ اللّه سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح».

قال: فصفّق  الدّيكة بأجنحتها في منازلكم. [فلا يبقى على وجه الأرض ديك إلّاأجابه بنحو قوله. وهذا]  معنى قوله: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ من الدّيكة في الأرض.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ للّه- عزّ وجلّ- ملكا على صورة ديك أبيض. رأسه تحت العرش، ورجلاه في تخوم الأرض السّابعة. له جناح في المشرق، وجناح في المغرب. لا تصيح الدّيوك حتّى يصيح. فإذا صاح، خفق بجناحيه. ثمّ قال: «سبحان اللّه، سبحان اللّه، سبحان اللّه العظيم الّذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ. قال: فيجيبه اللّه- عزّ وجلّ- فيقول: لا يحلف بي كاذبا، من يعرف ما تقول.

و روي

 أنّ فيه نزلت: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ.

وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:

فإنّه الخالق لهما ولما فيهما من الذّوات والصّفات والأفعال، من حيث إنّها ممكنة واجبة الانتهاء إلى الواجب.

وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ : مرجع الجميع.

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً: يسوقه.

و منه: البضاعة المزجاة، فإنّها يزجيها كلّ أحد.

ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ:

بأن يكوّن قزعا ، فيضمّ بعضه إلى بعض. وبهذا الاعتبار صحّ «بينه»، إذ المعنى بين أجزائه.

ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً: متراكما بعضه على بعض.

فَتَرَى الْوَدْقَ: المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ: من فتوقه. جمع «خلل»، كجبال في جبل.

و قرئ : من خلله.

و في كتاب الإهليلجة : قال الصّادق- عليه السّلام- في كلام طويل، يذكر فيه‏الرّياح: وبها يتألّف المفترق، وبها يتفرق الغمام المطبق، حتّى ينبسط في السّماء كيف يشاء مدبّره. ف يَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ  بقدر معلوم، لمعاش مفهوم وأرزاق مقسومة وآجال مكتوبة.

وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ: من الغمام. وكلّ ما علاك، فهو سماء.

مِنْ جِبالٍ فِيها:

قيل : أي من قطع عظام تشبه الجبال في عظمها أو جمودها.

مِنْ بَرَدٍ:

بيان للجبل. والمفعول محذوف. أي: ينزل مبتدأ من السّماء من جبال فيها من برد بردا. ويجوز أن تكون «من» الثّانية أو الثّالثة للتّبعيض، واقعة موقع المفعول.

و قيل : المراد بالسّماء المظلّة. وفيها جبال من برد، كما في الأرض جبال من حجر.

و ليس في العقل قاطع يمنعه.

و التّفسير الأوّل، بناء على ما هو المشهور من أنّ الأبخرة إذا تصاعدت ولم تحلّلها حرارة، فبلغت الطّبقة الباردة من الهواء وقوي البرد هناك، اجتمع وصار سحابا. فإن لم يشتدّ البرد، تقاطر مطرا. وإن اشتدّ، فإن وصل إلى الأجزاء البخاريّة قبل اجتماعها، نزل ثلجا، وإلّا نزل بردا. وقد يبرد الهواء بردا مفرطا، فينقبض وينعقد سحابا، وينزل منه المطر أو الثّلج.

ثمّ قال المتكلّمون منهم ومن يحذو حذوهم من الحكماء : وكلّ ذلك لا بدّ وأن يستند إلى إرادة الواجب الحكيم، لقيام الدّليل على أنّها الموجبة لاختصاص الحوادث بمحالّها وأوقاتها. وإليه أشار بقوله:  فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ.

و الضّمير للبرد.

و في كتاب التوحيد  حديث طويل عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يذكر فيه‏عظمة اللّه- جلّ جلاله. قال عليه السّلام- بعد أن ذكر الأرضين السّبع والدّيك والصّخرة والحوت والبحر المظلم والهواء والثّرى بمن فيه ومن عليه عند السماء كحلقة في فلاة قيّ -: وهذا والسماء الدنيا ومن فيها ومن عليها عند الّتي فوقها، كحلقة في فلاة قيّ. وهذا وهاتان السّماء ان عند الثّالثة، كحلقة في فلاة قيّ. وهذه الثّلاث ومن فيهنّ ومن عليهنّ عند الرّابعة، كحلقة في فلاة قيّ. حتّى انتهى إلى السّابعة. وهذه السّبع ومن فيهنّ ومن عليهنّ، عند البحر المكفوف عن أهل الأرض، كحلقة في فلاة قيّ. والسّبع والبحر المكفوف  عند جبال البرد، كحلقة في فلاة قيّ. ثمّ تلا هذه الآية: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن صفوان، عن خلف بن حمّاد، عن الحسين بن زيد الهاشميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- مثله.

 

و فيها أيضا : عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال:

 

حدّثني أبو عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال لي أبي- عليه السّلام-: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- جعل السّحاب غرابيل للمطر. هي تذيب البرد، حتّى يصير ماء لكي لا يضرّ به شيئا يصيبه. والّذي ترون فيه من البرد والصّواعق، نقمة من اللّه- عزّ وجلّ- يصيب بها من يشاء من عباده.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن عمران بن موسى، عن عليّ بن أسباط، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-، قال: البرد لا يؤكل. لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول:

فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ.

يَكادُ سَنا بَرْقِهِ: ضوء برقه.و قرئ  بالمدّ بمعنى العلوّ، وبإدغام الدّال في السّين. و«برقه» بضمّ الباء وبفتح الرّاء. وهو جمع برقه- وهي المقدار من البرق- كالغرفة. وبضمّها للإتباع.

يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ : بأبصار النّاظرين إليه من فرط الإضاءة. وذلك أقوى دليل على كمال القدرة، من حيث إنّه توليد الضّدّ من الضّدّ.

و قرئ : «يذهب» على زيادة الباء.

يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ بالمعاقبة بينهما، أو بنقص أحدهما وزيادة الآخر، أو بتغيير أحوالهما بالحرّ والبرد والنّور والظّلمة، أو بما يعمّ ذلك.

إِنَّ فِي ذلِكَ: فيما تقدّم ذكره لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ :

لدلالته على وجود الصّانع القديم، وكمال قدرته وإحاطة علمه ونفاذ مشيئته، وتنزّهه عن الحاجة، وما يفضي إليها لمن يرجع إلى بصيرة.

وَ اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ: حيوان يدبّ على الأرض.

و قرأ حمزة والكسائي : «خالق كلّ دابّة» بالإضافة.

مِنْ ماءٍ هو جزء مادّته. أو: ماء مخصوص هو النّطفة.

قيل : فيكون تنزيلا للغالب منزلة الكلّ، إذ من الحيوانات ما يتولّد لا من النّطفة.

و قيل : «من ماء» متعلّق ب «دابّة»، وليس صلة ل «خلق».

فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ، كالحيّة.

و إنّما سمّى الزحف مشيا، على الاستعارة أو المشاكلة.وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ، كالإنس والطّير.

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ، كالنّعم والوحش.

و يندرج فيه ما له أكثر من أربع، كالعناكب. فإنّها إذا مشت على أكثر، مشت على أربع. وتذكير الضّمير لتغليب العقلاء. والتّعبير ب «من» عن الأصناف ليوافق التّفصيل الجملة. والتّرتيب، لتقديم ما هو أعرف في القدرة.

يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ ممّا ذكر وممّا لم يذكر، بسيطا ومركّبا، على اختلاف الصّور والأعضاء والهيئات والحركات والطّبائع والقوى والأفعال، مع اتّحاد العنصر بمقتضى مشيئته.

إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ : فيفعل ما يشاء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ- وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ، أي: من منيّ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ. قال: يمشي على رجلين، النّاس، وعلى بطنه، الحيّات، وعلى أربع، البهائم. و

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ومنهم من يمشي على أكثر من ذلك.

و في مجمع البيان : قال البلخيّ: إنّ الفلاسفة تقول : كلّ ما له قوائم كثيرة، فإنّ اعتماده إذا سعى على أربعة قوائم فقط.

و قال أبو جعفر- عليه السّلام-: ومنهم من يمشي على أكثر من ذلك.

لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ للحقائق بأنواع الدّلائل.

وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ بالتّوفيق للنّظر فيها، والتّدبّر لمعانيها إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ : هو دين الإسلام الموصل إلى درك الحقّ والفوز بالجنّة.

وَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ:

قيل : نزلت في بشر المنافق. خاصم يهوديّا، فدعاه إلى كعب بن الأشرف، وهو يدعوه إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله.و قيل : في مغيرة بن وائل. خاصم عليّا- عليه السّلام- في أرض، فأبى أن يحاكمه إلى الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله.

وَ أَطَعْنا، أي: وأطعنا لهما.

ثُمَّ يَتَوَلَّى بالامتناع عن قبول حكمه فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ: بعد قولهم هذا.

وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ :

اشارة إلى القائلين بأسرهم. فيكون إعلاما من اللّه بأنّ جميعهم- وإن آمنوا بلسانهم- لم تؤمن قلوبهم . أو إلى الفريق منهم. وسلب الإيمان عنهم، لتولّيهم. والتّعريف فيه، للدّلالة على أنّهم ليسوا بالمؤمنين الّذين عرفتهم، وهو المخلصون في الإيمان والثّابتون عليه.

 

وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ:

أي: ليحكم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله. فإنّه الحاكم ظاهرا والمدعوّ إليه. وذكر اللّه- تعالى- لتعظيمه، والدّلالة على أنّ حكمه في الحقيقة حكم اللّه.

إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ : فاجأ فريق منهم الإعراض، إذا كان الحكم  عليهم، لعلمهم بأنّك لا تحكم لهم.

و هو شرح للتّولّي ومبالغة فيه.

وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ، أي الحكم، لا عليهم يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ :

منقادين، لعلمهم بأنّه يحكم لهم.

و «إليه» صلة ل «يأتوا» أو ل «مذعنين». وتقديمه للاختصاص.

أَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: كفر، أو ميل إلى الظّلم.

أَمِ ارْتابُوا بأن رأوا منك تهمة، فزالت ثقتهم ويقينهم بك.

أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ في الحكومة.

بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ :

إضراب عن القسمين الأخيرين، لتحقيق القسم الأوّل. ووجه التّقسيم أنّ امتناعهم‏إمّا لخلل فيهم، أو في الحاكم. والثّاني إمّا أن يكون محقّقا عندهم، أو متوقّعا. وكلاهما باطل. لأنّ منصب نبوّته وفرط أمانته تمنعهم. فتعيّن الأوّل. وظلمهم يعمّ خلل عقيدتهم وميل نفوسهم إلى الحيف. والفصل، لنفي ذلك عن غيرهم، سيّما المدعوّ إلى حكمه.

إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، على عادته- تعالى- في إتباع ذكر المحقّ المبطل، للتّنبيه على ما ينبغي بعد إنكاره لما لا ينبغي.

و قرئ : «قول» بالرّفع. و«ليحكم» على البناء للمفعول. وإسناده إلى ضمير مصدره، على معنى ليفعل الحكم.

و في مجمع البيان»: وحكى البلخيّ أنّه كانت بين عليّ- عليه السّلام- وعثمان منازعة في أرض اشتراها من عليّ- عليه السّلام- فخرجت فيها أحجار. فأراد ردّها بالعيب. فلم يأخذها، فقال: بيني وبينك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. فقال الحكم بن أبي العاص: إن حاكمته إلى ابن عمّه، حكم  له. فلا تحاكمه إليه. فنزلت الآيات. وهو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام- أو قريب منه.

و روي عن عليّ - عليه السّلام- أنّه قرأ «قول المؤمنين» بالرّفع.

وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، أي: الفائزون بالثّواب، الظّافرون بالمراد.

و روي عن أبي جعفر - عليه السّلام- أنّ المعنيّ بالآية أمير المؤمنين- عليه السّلام.

وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فيما يأمرانه، أو في الفرائض والسّنن، وَيَخْشَ اللَّهَ على ما صدر عنه من الذّنوب، وَيَتَّقْهِ: فيما بقي من عمره.

و قرأ يعقوب وقالون  عن نافع، بلا ياء. وأبو عمرو وأبو بكر بسكون الهاء. وحفص بسكون القاف، فشبّه تقه بكتف وخفّف. [و الهاء في الوقف ساكنة بالاتفاق‏] .فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ  بالنّعيم المقيم.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن القاسم بن عبيد، عن جعفر بن عبد اللّه المحمّدي ، عن أحمد بن إسماعيل، عن العبّاس بن عبد الرّحمن، عن سليمان، عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس قال: لمّا قدم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- المدينة، أعطى عليّا- عليه السّلام- وعثمان أرضا، أعلاها لعثمان، وأسفلها لعليّ- عليه السّلام. فقال عليّ- عليه السّلام- لعثمان: إنّ أرضي لا تصلح إلّا بأرضك، فاشتر منّي أو بعني. فقال له: أنا أبيعك.

فاشترى منه عليّ- عليه السّلام. فقال له أصحابه: أيّ شي‏ء صنعت؟ بعت أرضك من عليّ!؟ وأنت لو أمسكت عنه الماء، ما أنبتت أرضه شيئا، حتّى يبيعك بحكمك.

قال: فجاء عثمان إلى عليّ- عليه السّلام- وقال له: لا أجيز البيع. فقال له:

بعت ورضيت، وليس ذلك لك. قال: فاجعل بيني وبينك رجلا. قال عليّ- عليه السّلام-: النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله. فقال عثمان: هو ابن عمّك، ولكن اجعل بيني وبينك غيره. فقال عليّ- عليه السّلام-: لا أحاكمك إلى غير النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- والنّبيّ شاهد علينا. فأبى ذلك. فأنزل اللّه هذه الآيات إلى قوله: هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

و قال أيضا : حدّثنا محمّد بن الحسين بن حميد، عن جعفر بن عبد اللّه المحمديّ، عن كثير بن عيّاش، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ- إلى قوله:- مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ. قال:

إنّها نزلت في رجل اشترى من عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- أرضا. ثمّ ندم، وندّمه أصحابه. فقال لعليّ- عليه السّلام-: لا حاجة لي فيها. فقال له: قد اشتريت ورضيت! فانطلق أخاصمك إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. فقال له أصحابه: لاتخاصمه إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.

فقال: انطلق [أخاصمك‏]  إلى أبي بكر وعمر. أيّهما شئت كان بيني وبينك. قال عليّ- عليه السّلام-: لا واللّه! ولكن إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بيني وبينك. فلا أرضى بغيره. فأنزل اللّه هذه الآيات: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا- إلى قوله:- [وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏

 

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله- عزّ وجلّ-: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا- إلى قوله:-]  وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ،

فإنّه حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين- عليه السّلام- وعثمان . وذلك أنّه كان بينهما منازعة في حديقة. فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: نرضى  برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. فقال عبد الرّحمن بن عوف لعثمان: لا تحاكمه إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فإنّه يحكم له عليك، ولكن حاكمه إلى ابن أبي شيبة اليهوديّ.

فقال عثمان لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: لا أرضى إلّا بابن شيبة اليهوديّ! فقال ابن شيبة لعثمان: تأتمنون محمدا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على وحي السّماء، وتتّهمونه في الأحكام!؟

فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- على رسوله: وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ- إلى قوله:- أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. ثمّ ذكر أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- فقال:

إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ- إلى قوله تعالى:- فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ.

وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ‏

:

إنكار للامتناع عن حكمه.

لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ‏

 بالخروج عن ديارهم وأموالهم لَيَخْرُجُنَ‏

:

جواب ل «أقسموا» على الحكاية.

قُلْ لا تُقْسِمُوا

 على الكذب.

طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ

، أي: المطلوب منكم طاعة معروفة، لا اليمين للطّاعة النّفاقيّة المنكرة. أو: طاعة معروفة أمثل منها. أو: لتكن طاعة.

و قرئت  بالنّصب، على أطيعوا طاعة.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة  بإسناده إلى عبد اللّه بن عجلان، قال: ذكرنا خروج القائم عند أبي عبد اللّه- عليهما السّلام- فقلت له: وكيف لنا أن نعلم ذلك؟ فقال: يصبح أحدكم، وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب: طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ

.

إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ‏

 ، فلا يخفى عليه سرائركم.

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ:

أمر بتبليغ ما خاطبهم اللّه به على الحكاية، مبالغة في تبكيتهم.

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ: على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ما حُمِّلَ من التّبليغ. وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ: من الامتثال.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ. قال: ما حمّل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- من النّبوّة.

وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ من الطّاعة.

و في أصول الكافي  بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- خطبة طويلة في وصف النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وفيها: وأدّى ما حمّل من أثقال النّبوّة.

أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن أبي نجران، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا معاشر قرّاء القرآن! اتّقوا اللّه- عزّ وجلّ- في ما حمّلكم من كتابه. فإنّي مسؤول وإنّكم مسؤولون. إنّي مسؤول عن تبليغ الرّسالة، وأمّا أنتم فتسألون عمّا حمّلتم من كتاب اللّه وسنّتي.

وَ إِنْ تُطِيعُوهُ في حكمه، تَهْتَدُوا إلى الحقّ.وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ : التّبليغ الموضح لما كلّفتم به، وقد أدّى. وإنّما بقي ما حمّلتم. فإن أدّيتم، فلكم. وإن تولّيتم، فعليكم.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود النّجّار، عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-:

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ من السّمع والطّاعة والأمانة والصّبر. وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ من العهود الّتي أخذها اللّه عليكم في عليّ وما بيّن لكم في القرآن من فرض طاعته. فقوله- تعالى-: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا، أي: وإن تطيعوا عليّا، تهتدوا. وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ. هكذا نزلت.

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ:

خطاب للرسول والأمّة، أو له ولمن معه. و«من» للبيان.

لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ: ليجعلنّهم خلفاء، متصرفين في الأرض، تصرّف الملوك في ممالكهم.

و هو جواب قسم مضمر، تقديره: «وعدهم اللّه وأقسم ليستخلفنّهم». أو الوعد في تحقّقه منزل منزلة القسم.

كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:

يعني بني إسرائيل، استخلفهم في مصر والشّام بعد الجبابرة.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الوشاء، عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- جلّ جلاله-:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. قال: هم الأئمّة.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة  بإسناده إلى سدير الصّيرفيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام-: وأمّا إبطاء نوح- عليه السّلام- فإنّه لمّا استنزل  العقوبة على قومه من السّماء،بعث اللّه- تبارك وتعالى- جبرئيل  الرّوح الأمين معه بسبع نويات. فقال: يا نبيّ اللّه، إنّ اللّه- تبارك وتعالى- يقول لك:

إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي، لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي، إلّا بعد تأكيد الدّعوة وإلزام الحجّة. فعاود اجتهادك في الدّعوة لقومك. فإنّي مثيبك عليه. واغرس هذا النّوى، فإنّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها- إذا أثمرت- الفرج والخلاص. فبشّر بذلك من اتّبعك من المؤمنين.

 

فلمّا نبتت الأشجار، وتأزّرت  وتسوقت وتغصّنت وأثمرت، وزها الثّمر  عليها بعد زمان طويل، استنجز من اللّه- سبحانه وتعالى- العدة. فأمره اللّه- تبارك وتعالى- أن يغرس نوى تلك الأشجار، ويعاود الصبر والاجتهاد، ويؤكّد الحجّة على قومه.

فأخبر بذلك الطّوائف الّتي آمنت به. فارتدّ منهم ثلاثمائة رجل، وقالوا: لو كان ما يدّعيه نوح حقّا، لما وقع في وعد ربّه خلف! ثمّ إنّ اللّه- تبارك وتعالى- لم يزل يأمره عند كلّ مرّة، بأن يغرسها مرّة بعد أخرى، إلى أن غرسها سبع مرّات. فما زالت تلك الطّوائف من المؤمنين ترتدّ منه طائفة بعد طائفة، إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلا. فأوحى اللّه- تبارك وتعالى- عند ذلك إليه، وقال:

يا نوح، الآن أسفر الصّبح عن اللّيل لعينك، حين صرح الحقّ عن محضه وصفا [الأمر والايمان من‏]  الكدر، بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة. فلو أنّي أهلكت الكفّار، وأبقيت من قد ارتدّ من الطّوائف الّتي كانت آمنت بك، لما كنت صدّقت وعدي السّابق للمؤمنين- الّذين أخلصوا التّوحيد من قومك واعتصموا بحبل نبوّتك- بأن أستخلفهم في الأرض، وأمكّن لهم دينهم، وأبدّل خوفهم بالأمن، لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشّرك  من قلوبهم.و كيف يكون الاستخلاف والتّمكين، وبدل الخوف بالأمن  منّي لهم، مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الّذين ارتدّوا، وخبث طينتهم وسوء سرائرهم الّتي كانت نتائج النّفاق وسنوح  الضّلالة!؟ فلو أنّهم تسنّموا منّي الملك الّذي أري  المؤمنين وقت الاستخلاف، إذا أهلكت أعداءهم، [لنشقوا]  روائح صفائه، ولاستحكمت سرائر نفاقهم، وثارت خبال  ضلالة قلوبهم، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرّئاسة والتّفرّد بالأمر والنّهي.

و كيف يكون التّمكين في الدّين وانتشار الأمر في المؤمنين، مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب!؟ كلّا! فاصنع الفلك بأعيننا ووحينا.

قال الصّادق- عليه السّلام-: وكذلك القائم. فإنّه تمتدّ أيّام غيبته، ليصرح الحقّ عن محضه، ويصفو الإيمان من الكدر، بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة، من الشّيعة الّذين يخشى عليهم النّفاق، إذا أحسّوا بالاستخلاف والتّمكين والأمن المنتشر في عهد القائم- صلوات اللّه عليه.

قال المفضّل: فقلت: يا ابن رسول اللّه! فإنّ هذه النّواصب تزعم أنّ هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ- عليه السّلام.

فقال: لا يهدي اللّه قلوب النّاصبة! متى كان الدّين الّذي ارتضاه اللّه ورسوله، متمكّنا بانتشار الأمن في الأمّة وذهاب الخوف من قلوبها وارتفاع الشّكّ من صدورها، في عهد واحد من هؤلاء، وفي عهد عليّ!؟ مع ارتداد المسلمين والفتن الّتي تثور في أيّامهم، والحروب الّتي كانت تنشب بين الكفّار وبينهم.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- بعد ذكر معايب الثّلاثة وإمهال اللّه إيّاهم-:

كلّ ذلك لتتمّ الّنظرة الّتي أوجبها اللّه- تبارك وتعالى- لعدوّه إبليس، إلى أن‏يبلغ الكتاب أجله، ويحقّ القول على الكافرين، ويقترب الوعد الحقّ الّذي بيّنه اللّه  في كتابه، بقوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.

و ذلك إذا لم يبق من الإسلام إلّا اسمه، ومن القرآن إلّا رسمه، وغاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك، لاشتمال الفتنة على القلوب، حتّى يكون أقرب النّاس إليه أشدّهم عداوة له. وعند ذلك يؤيّده اللّه بجنود لم تروها، ويظهر دين نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- على يديه، على الدّين كلّه ولو كره المشركون.

وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ- وهو الإسلام- بالتّقوية والتّثبيت.

وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ من الأعداء أَمْناً منهم.

قيل : وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأصحابه مكثوا بمكّة عشر سنين خائفين. ثمّ هاجروا إلى المدينة، وكانوا يصبحون في السّلاح ويمسون فيه. حتّى أنجز اللّه وعده. فأظهرهم على العرب كلّهم، وفتح لهم بلاد الشّرق والمغرب.

و في مجمع البيان : وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً. قيل: معناه: وليبدّلنّهم من بعد خوفهم في الدّنيا، أمنا في الآخرة. ويعضده ما

روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال- حاكيا عن اللّه سبحانه-: إنّي لا أجمع على عبد واحد بين خوفين ولا بين أمنين. إن خافني في الدّنيا، آمنته في الآخرة. وإن آمنني في الدّنيا، أخفته  في الآخرة.

و اختلف  في الآية.

و المرويّ عن أهل البيت- عليهم السّلام- أنّها في المهديّ من آل محمّد.

و روى العيّاشيّ بإسناده عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- أنّه قرأ الآية، وقال:

هم- واللّه- شيعتنا، أهل البيت يفعل اللّه ذلك بهم على يدي رجل منّا. وهو مهديّ هذه الأمّة. وهو الّذي قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم، لطوّل اللّه ذلك اليوم، حتّى يلي رجل من عترتي، اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطاو عدلا ، كما ملئت ظلما وجورا.

و روي  مثل ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام.

 

فعلى هذا يكون المراد من الَّذِينَ آمَنُوا ... وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، النّبيّ وأهل بيته- صلوات اللّه  عليهم.

و في جوامع الجامع : قال- عليه السّلام-: زويت  لي الأرض، فأريت مشارقها ومغاربها. وسيبلغ ملك أمّتي ما زوي لي منها.

و روي المقداد  عنه- عليه السّلام- أنّه قال: لا يبقى على الأرض  بيت مدر ولا وبر، إلّا أدخله اللّه كلمة الإسلام بعزّ عزيز أو ذلّ ذليل. إمّا أن يعزّهم اللّه، فيجعلهم من أهلها. وإمّا أن يذلّهم، فيدينون لها.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن يعقوب - رحمه اللّه-: روى الحسين بن [محمّد، عن‏]  معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب والأئمّة من ولده- عليهم السّلام. وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ. قال: عنى به ظهور القائم- عليه السّلام.

يَعْبُدُونَنِي:

حال من «الّذين» لتقييد الوعد بالثّبات على التّوحيد. أو استئناف ببيان المقتضى للاستخلاف والأمن.

لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً:

حال من الواو. أي: يعبدونني غير مشركين.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً نزلت في القائم من آل محمّد- عليه وعلى آبائه السّلام.

و في مصباح شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- زيارة للحسين- عليه السّلام- مرويّة عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وفيها: اللّهمّ وضاعف صلواتك ورحمتك وبركاتك على عترة نبيّك الضّائعة الخائفة المستذلّة، بقيّة الشّجرة الطّيّبة الزّاكية المباركة. وأعل اللّهمّ كلمتهم. وأفلج حجّتهم .

و اكشف البلاء واللأواء  وحنادس  الأباطيل والغمّ عنهم. وثبّت قلوب شيعتهم وحزبك على طاعتهم ونصرتهم وموالاتهم. وأعنهم، وامنحهم الصّبر على الأذى فيك.

و اجعل لهم أيّاما مشهودة وأوقاتا محمودة مسعودة، توشك منها فرجهم، وتوجب فيها تمكينهم ونصرتهم، كما ضمنت لأوليائك في كتابك المنزل. فإنّك قلت، وقولك الحقّ:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً.

وَ مَنْ كَفَرَ: ومن ارتدّ، أو كفر هذه النّعمة بَعْدَ ذلِكَ: بعد الوعد، أو حصول الخلافة، فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ : الكاملون في فسقهم، حيث ارتدّوا بعد وضوح مثل هذه الآيات، أو كفروا تلك النّعمة العظيمة.

و في أصول الكافي  بإسناده إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ولقد قال اللّه- عزّ وجلّ- في كتابه لولاة الأمر من بعد محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- خاصّة:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ- إلى قوله- فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. يقول: أستخلفكم‏لعلمي وديني وعبادتي، بعد نبيّكم، كما استخلفت  وصاة آدم من بعده، حتّى يبعث النّبيّ الّذي يليه.

يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً، يقول: يعبدونني [بالإيمان بأن لا نبيّ  بعد محمّد- صلّى اللّه عليه وآله. فمن قال غير ذلك، فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.

فقد مكّن ولاة الأمر بعد محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-]  بالعلم، ونحن هم.

فاسألونا. فإن صدقناكم، فأقرّوا. وما أنتم بفاعلين!

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كشف المحجّة  لابن طاوس- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: فأمّا الآيات اللّواتي في قريش، فهي قوله- إلى قوله:- والثّانية:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ- إلى قوله- هُمُ الْفاسِقُونَ.

وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ في سائر ما أمركم به.

و لا يبعد عطف ذلك على أَطِيعُوا اللَّهَ. فإنّ الفاصل وعد على المأمور به، فيكون تكرير الأمر بطاعة الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- للتّأكيد وتعليق الرّحمة بها، أو بالمندرجة هي فيه، بقوله: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ، كما علّق به الهدى.

لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ: لا تحسبنّ- يا محمّد- الكفّار، معجزين اللّه عن إدراكهم وإهلاكهم.

و فِي الْأَرْضِ صلة مُعْجِزِينَ.

و قرأ ابن عامر وحمزة  بالياء، على أنّ الضّمير فيه لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله.

و المعنى كما هو في القراءة بالتّاء، أو الَّذِينَ كَفَرُوا فاعل، والمعنى: ولا يحسبن الكفّار في الأرض أحدا معجز  اللّه، فيكون مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ مفعوليه. أو: لا يحسبوهم معجزين. فحذف المفعول الأوّل، لأنّ الفاعل والمفعولين لشي‏ء واحد، فاكتفى بذكر اثنين عن الثّالث.

وَ مَأْواهُمُ النَّارُ:عطف عليه من حيث المعنى. كأنّه قيل: الّذين كفروا ليسوا معجزين، ومأواهم النّار. لأنّ المقصود من النّهي عن الحسبان، تحقيق نفي الإعجاز.

وَ لَبِئْسَ الْمَصِيرُ : المأوى الّذي يصيرون إليه.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ:

رجوع إلى تتمّة الأحكام السّالفة، بعد الفراغ من الآيات الدّالّة على وجوب الطّاعة فيما سلف من الأحكام وغيرها، والوعد عليها، والوعيد على الإعراض عنها. والمراد به خطاب الرّجال والنّساء، وغلّب فيه الرّجال.

قيل : إنّ غلام أسماء بنت أبي مرثد دخل عليها في وقت كرهته، فنزلت.

و قيل : أرسل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مدلج بن مرو الأنصاريّ- وكان غلاما- وقت الظّهيرة، ليدعو عمر. فدخل وهو نائم، وقد انكشف عنه ثوبه. فقال عمر:

لوددت أنّ اللّه- عزّ وجلّ- نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا، أن لا يدخلوا هذه السّاعات علينا إلّا بإذن. ثمّ انطلق معه إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-، فوجده وقد أنزلت هذه الآية.

وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ: والصّبيان الّذين لم يبلغوا من الأحرار.

فعبّر عن البلوغ بالاحتلام، لأنّه أقوى دلائله.

ثَلاثَ مَرَّاتٍ في اليوم واللّيلة. مرّة مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ، [لأنّه وقت القيام من المضاجع، وطرح ثياب النّوم، ولبس ثياب اليقظة. ومحلّه النّصب، بدلا من «ثلاث مرّات». أو الرّفع، خبرا لمحذوف‏] . أي: هي من قبل صلاة الفجر.

وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ، أي: ثيابكم الّتي لليقظة للقيلولة.

مِنَ الظَّهِيرَةِ:

بيان للحين.

وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ، لأنّه  وقت التّجرّد عن اللّباس والالتحاف باللّحاف.

ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ، أي: هي ثلاث أوقات يختلّ فيها تستّركم.و يجوز أن يكون مبتدأ، وخبره ما بعده. وأصل العورة: الخلل. ومنها: أعور المكان، ورجل أعور.

و قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر  بالنّصب، بدلا من «ثلاث مرّات».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وأمّا قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ- إلى قوله- ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ، قال:

إن اللّه- تبارك وتعالى- نهى أن يدخل أحد في هذه الثّلاثة الأوقات على أحد، لا أب، ولا أخت، ولا أمّ، ولا خادم إلّا بإذن. والأوقات  بعد طلوع الفجر، ونصف النّهار، وبعد العشاء الآخرة. ثمّ أطلق بعد هذه الثّلاثة الأوقات، فقال: لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ.

لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ: بعد هذه الأوقات في ترك الاستئذان.

و ليس فيه ما ينافي آية الاستئذان، فينسخها. لأنّه في الصّبيان ومماليك المدخول عليه، وتلك في الأحرار البالغين.

طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ، أي: هم طوّافون.

استيناف ببيان العذر المرخّص في ترك الاستئذان، وهو المخالطة وكثرة المداخلة.

و فيه دليل على تعليل الأحكام. وكذا في الفرق بين الأوقات الثّلاثة وغيرها، بأنّها عورات.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، جميعا عن النّضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جرّاح المدائنيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: «ليستأذن الّذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرّات»، كما أمركم اللّه- عزّ وجلّ. ومن بلغ الحلم، فلا يلج على أمّه، ولا على أخته، ولا على خالته، ولا على ما سوى ذلك، إلّا بإذن. فلا تأذنوا، حتّى يسلّموا. والسّلام طاعة للّه- عزّ وجلّ.

و قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ليستأذن عليك خادمك إذا بلغ الحلم في ثلاث عورات: إذا دخل في شي‏ء منهنّ، ولو كان بيته في بيتك. قال: وليستأذن عليك بعد العشاء الّتي تسمّى العتمة، وحين تصبحون، وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة. إنّما أمر اللّه- عزّ وجلّ- بذلك للخلوة، فإنّها ساعة غرّة  وخلوة.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد الحلبيّ، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ. قال: هي خاصّة في الرّجال دون النّساء.

قلت: فالنّساء يستأذنّ  في هذه الثّلاث ساعات؟ قال: لا، ولكن يدخلن ويخرجن.

وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ. قال: من أنفسكم. قال: عليكم استئذان، كاستئذان من قد بلغ في هذه الثّلاث ساعات.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، وعدّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد اللّه، جميعا عن محمّد بن عيسى، عن يوسف بن عقيل، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ. ومن بلغ الحلم منكم، فلا يلج على أمّه، ولا على أخته، ولا على ابنته، ولا على من سوى ذلك، إلّا بإذن. ولا يأذن لأحد حتّى يسلّم. فإنّ السّلام طاعة الرّحمن.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن ربعي بن عبد اللّه، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. قيل: من هم؟ فقال:

المملوكون من الرّجال والنّساء، والصّبيان الّذين لم يبلغوا، يستأذنون عليكم عندهذه الثّلاث عورات: من بعد صلاة العشاء- وهي العتمة- وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة، ومن قبل صلاة الفجر. ويدخل مملوككم وغلمانكم من بعد هذه الثّلاث عورات، بغير إذن إن شاءوا.

و في أمالي شيخ الطّائفة - قدس سرّه- بإسناده إلى الزّهريّ، أنّه سمع سهل بن سعد السّاعديّ يقول: اطّلع رجل في حجرة من حجر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ومعه- عليه السّلام- مذرى  يحكّ بها رأسه. فقال: لو أنّي أعلم أنّك تنظر، لطعنت به في عينك. إنّما جعل الاستئذان من أجل النّظر.

بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ: بعضكم طائف على بعض. أو: يطوف بعضكم على بعض.

كَذلِكَ: مثل ذلك التّبيين يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ، أي: الأحكام.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بأحوالكم، حَكِيمٌ  فيما شرّع لكم.

وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: الّذين بلغوا من قبلهم في الأوقات كلّها.

كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ :

كرّره تأكيدا ومبالغة في الأمر بالاستئذان.

وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ: العجائز اللاتي قعدن عن الحيض والحمل، اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً: لا يطمعن فيه لكبرهنّ، فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ، أي: الثّياب الظّاهرة، كالجلباب. والفاء فيه، لأنّ اللّام في «القواعد» بمعنى اللّاتي، أو لوصفها بها.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر ما كتب به الرّضا- عليه السّلام- إلى محمّد بن سنان، في جواب مسائله في العلل: وحرّم النّظر إلى شعور النّساء المحجوبات بالأزواج وإلى غيرهنّ من النّساء، لما فيه من تهيّج  الرّجال وما يدعو التّهيّج إليه من الفساد، والدّخول فيما لا يحلّ [و لا يجمل‏] .و كذلك ما أشبه الشّعور، إلّا الّذي قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ، أي: غير الجلباب. فلا بأس بالنّظر إلى شعور مثلهنّ.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: القواعد من النساء، ليس عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ. قال: تضع الجلباب وحده.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن علاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً ما الّذي يصلح لهنّ أن يضعن من ثيابهنّ؟ قال: الجلباب.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قرأ: أن يضعن من ثيابهن. قال: الجلباب والخمار، إذا كانت المرأة مسنّة.

غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ: غير مظهرات زينة ممّا أمرن بإخفائه في قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ .

و أصل التّبرّج: التّكلفّ في إظهار ما يخفى- من قولهم: سفينة بارجة: لا غطاء عليها. والبرج: سعة العين، بحيث يرى بياضها محيطا بسوادها كلّه، لا يغيب منه شي‏ء- إلّا أنّه خصّ بكشف المرأة زينتها ومحاسنها للرّجال.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ، قال: نزلت في العجائز الّلاتي قعدن  من المحيض والتّزويج، أن يضعن النّقاب . ثمّ قال: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ، أي لا يظهرن للرّجال.و في مجمع البيان : غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ. و

قد روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: للزّوج ما تحت الدّرع. وللابن والأخ ما فوق الدّرع. ولغير ذي محرم، أربعة أثواب: درع وخمار وجلباب وإزار.

وَ أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ من الوضع، لأنّه أبعد من التّهمة.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن الجامورانيّ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن عمرو بن جبير العزرميّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-، قال: جاءت امرأة إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فسألته عن حقّ الزّوج على المرأة.

فخبّرها. ثمّ قالت: فما حقّها عليه؟ قال: يكسوها من العري، ويطعمها من الجوع، وإذا أذنبت غفر لها. فقالت: فليس لها شي‏ء غير هذا؟ قال: لا. قالت: لا! واللّه، لا تزوّجت أبدا. ثمّ ولّت. فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ارجعي. فرجعت. فقال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ.

وَ اللَّهُ سَمِيعٌ لأقوالكم، عَلِيمٌ  بما في قلوبكم.

لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ:

قيل : نفي لما كانوا يتحرّجون من مؤاكلة الأصحّاء، حذرا من استقذارهم أو أكلهم من بيت من يدفع إليهم المفتاح، ويبيح لهم التّبسّط فيه إذا خرج إلى الغزو. وخلّفهم على المنازل، مخافة أن لا يكون ذلك من طيبة قلب ، أو من إجابة من يدعوهم إلى بيوت آبائهم وأولادهم وأقاربهم، فيطعمونهم كراهة أن يكونوا كلّا عليهم.

و قيل : نفي للحرج عنهم في القعود عن الجهاد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ‏

 : وذلك أنّ أهل المدينة قبل أن يسلموا، كانوا يعتزلون الأعمى والأعرج والمريض [أن يأكلوا معهم،]  وكانوا لا يأكلون معهم. وكان الأنصار فيهم تيه  وتكرّم، فقالوا:

إنّ الأعمى لا يبصر الطّعام، والأعرج لا يستطيع الزّحام على الطّعام، والمريض لا يأكل كما يأكل الصّحيح. فعزلوا لهم طعامهم على ناحية، وكانوا يرون عليهم في مؤاكلتهم جناحا. وكان الأعمى والأعرج والمريض يقولون: لعلّنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم. فاعتزلوا من مؤاكلتهم.

فلمّا قدم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- سألوه عن ذلك. فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-:

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً.

وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ:

قيل : من بيوت أزواجكم وعيالكم، وبيت المرأة كبيت الزّوج.

و قيل : من بيوت أولادكم، لأنّ بيت الولد كبيته،

لقوله- صلّى اللّه عليه وآله-: أنت ومالك لأبيك. وقوله: إنّ أطيب ما يأكل المرء من كسبه، وإنّ ولده من كسبه‏

 .

أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ قيل : وما يكون تحت أيديكم وتصرّفكم، من ضيعة أو ماشية، وكالة أو حفظا.

و قيل : بيوت المماليك.

و قيل : إذا ملك الرّجل المفتاح، فهو خازن. فلا بأس أن يطعم الشّي‏ء اليسير.

و قيل : هو الرّجل يولّى طعام غيره يقوم عليه، فلا بأس أن يأكل منه.

و المفتاح: جمع مفتح، وهو: ما يفتح به.

و قرئ: مفتاحه.أَوْ صَدِيقِكُمْ: أو بيوت صديقكم، فإنّهم أرضى بالتّبسّط في أموالهم وأسرّ به.

و هو يقع على الواحد والجمع، كالخليط.

رفع الحرج عن الأكل من بيت صديقه بغير إذن، إذا كان عالما بأنّه يطيب نفسه بذلك. والصّديق، هو الّذي صدقك عن مودّته.

و قيل : هو الّذي يوافق باطنه باطنك، كما وافق ظاهره ظاهرك.

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً: مجتمعين أو متفرّقين.

قيل : نزلت في بني ليث بن عمرو من كنانة، كانوا يتحرّجون أن يأكل الرّجل وحده.

و قيل : في قوم من الأنصار. إذا نزل بهم ضيف، لا يأكلون إلّا معه، أو في قوم تحرّجوا عن الاجتماع على الطّعام، لاختلاف الطّبائع في القذارة والنهمة.

و الأقوال متقاربة، فالحمل على العموم أولى.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال عليّ بن إبراهيم في قوله- تعالى-: أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ- إلى قوله:- أَوْ أَشْتاتاً:

فإنّها نزلت، لمّا هاجر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى المدينة، وآخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار، وآخى بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان وعبد الرّحمن بن عوف، وبين طلحة والزّبير، وبين سلمان وأبي ذرّ، وبين المقداد وعمّار، وترك أمير المؤمنين- عليه السّلام.

فاغتمّ من ذلك غمّا شديدا، وقال: يا رسول اللّه! بأبي أنت وأمّي، لم لا تؤاخي بيني وبين أحد؟ فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عليّ! ما حبستك إلّا لنفسي. أما ترضى أن تكون أخي وأنا أخوك!؟ وأنت أخي في الدّنيا والآخرة. وأنت وصيّي ووزيري. وخليفتي في أمّتي، تقضي ديني وتنجز عداتي، وتتولّى غسلي  ولا يليه غيرك. وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي. فاستبشر أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- بذلك.

فكان بعد ذلك إذا بعث رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أحدا من أصحابه في‏غزاة أو سريّة، يدفع الرّجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدّين، فيقول له: خذ ما شئت وكل ما شئت. فكانوا يمتنعون من ذلك، حتّى ربّما فسد الطّعام في البيت. فأنزل اللّه:

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً، يعني: إن حضر صاحبه أو لم يحضر، إذا ملكتم مفاتحه.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن رجل لابنه مال، فيحتاج الأب. قال:

يأكل منه. فأمّا الأمّ، فلا تأكل منه، إلّا قرضا على نفسها.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن جعفر، عن أبي إبراهيم- عليه السّلام- قال: سألته عن الرّجل يأكل من مال ولده. قال: لا، إلّا أن يضطرّ إليه، فيأكل منه بالمعروف. ولا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا إلّا بإذن والده.

سهل بن زياد ، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- صلوات اللّه عليه- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لرجل: أنت ومالك لأبيك.

ثمّ قال أبو جعفر- عليه السّلام-: وما أحبّ له أن يأخذ من مال ابنه، إلّا ما احتاج إليه ممّا لا بدّله منه. إنّ اللّه لا يحبّ الفساد.

أبو عليّ الأشعري  عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عيسى  بن هشام، عن عبد الكريم، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في الرّجل يكون لولده مال، فأحبّ أن يأخذ منه. قال: فليأخذ. وإن كانت أمّه حيّة، فما أحبّ أن تأخذ منه شيئا، إلّا قرضا على نفسها.

سهل بن زياد ، عن ابن محبوب، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن الرّجل، يحتاج إلى مال ابنه. قال: يأكل منه ما شاء، من غير سرف.و قال: في كتاب عليّ- صلوات اللّه عليه-: إنّ الولد، لا يأخذ من مال والده شيئا إلّا بإذنه: والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء. وله أن يقع على جارية ابنه، إذا لم يكن الابن وقع عليها. وذكر أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال لرجل: أنت ومالك لأبيك.

محمّد بن يحيى ، عن عبد اللّه بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلا قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ما يحلّ للرّجل من مال ولده؟ قال: قوته بغير سرف، إذا اضطرّ إليه.

قال: فقلت له: فقول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- للرّجل الّذي أتاه، فقدّم أباه، فقال له: «أنت ومالك لأبيك»؟ فقال له: إنّما جاء بأبيه  إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللّه! هذا أبي وقد ظلمني ميراثي من أمّي. فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه. فقال: «أنت ومالك لأبيك». ولم يكن عند الرّجل شي‏ء.

أو كان  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يحبس الأب للابن!؟

أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن عبد اللّه بن مسكان، عن محمّد الحلبيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن هذه الآية:

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا ... مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ (إلى آخر الآية). قلت: ما يعني بقوله: أَوْ صَدِيقِكُمْ؟ قال: هو- واللّه- الرّجل، يدخل بيت صديقه، فيأكل بغير إذنه.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن صفوان، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ. قال:

هؤلاء الّذين سمّى اللّه- عزّ وجلّ- في هذه الآية، يأكل بغير إذنهم من التّمر والمأدوم. وكذلك تطعم المرأة من منزل زوجها، بغير إذنه. فأمّا ما خلا ذلك من الطّعام،فلا.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: للمرأة أن تأكل وأن تتصدّق. وللصّديق أن يأكل من منزل أخيه ويتصدّق.

و في جوامع الجامع  عن الصّادق- عليه السّلام-: من عظم حرمة الصّديق أن جعله اللّه من الانس والثّقة والانبساط وطرح الحشمة، بمنزلة النّفس والأب والأخ والابن.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن القاسم بن عروة، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة قال: سألت أحدهما- عليهما السّلام- عن هذه الآية: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا ... مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ الآية. قال: ليس عليكم جناح فيما أطعمت  أو أكلت ممّا ملكت مفاتحه ما لم تفسده.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ. قال: الرّجل، يكون له وكيل يقوم في ماله، فيأكل بغير إذنه.

و في مجمع البيان : أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ. وقيل: معناه من بيوت أولادكم.

و يدلّ عليه‏

قوله- عليه السّلام-: أنت ومالك لأبيك.

و قوله- عليه السّلام-: إنّ أطيب ما يأكل المرء من  كسبه، وأنّ ولده من كسبه.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حسين بن مختار، عن أبي أسامة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ (الآية) [قال: بإذن وبغير إذن‏]

 .

فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً من هذه البيوت.فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ: على أهلها الّذين هم منكم دينا وقرابة.

و في كتاب معاني الأخبار»: أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكناني  قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ (الآية). فقال: هو تسليم الرّجل على أهل البيت حين يدخل، ثمّ يردّون عليه، فهو سلامكم  على أنفسكم.

تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثابتة بأمره ، مشروعة من لدنه.

و يجوز أن تكون «من» صلة للتّحية، فإنّه طلب الحياة، وهي من عنده- تعالى.

و انتصابها بالمصدر، لأنّها بمعنى التّسليم.

مُبارَكَةً، لأنّها يرجى بها زيادة الخير والثّواب.

طَيِّبَةً: تطيب بها نفس المستمع.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام-، قال: يقول: إذا دخل الرّجل منكم بيته، فإن كان فيه أحد، يسلّم عليهم. وإن لم يكن فيه أحد، فليقل: السّلام علينا من عند ربّنا. يقول اللّه- عزّ وجلّ-: تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً.

و قيل : إذا لم ير الدّاخل بيتا أحدا فيه، يقول: السّلام عليكم ورحمة اللّه، يقصد به الملكين اللذين عليه شهود.

و في جوامع الجامع : وصفها بالبركة والطّيب، لأنّها دعوة مؤمن لمؤمن يرجو  بها من اللّه زيادة الخير وطيب الرّزق.

و منه قوله- عليه السّلام-: سلّم على أهل بيتك، يكثر خير بيتك.

و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة

 

باب: إذا دخل أحدكم منزلا ، فليسلّم على أهله، يقول: السّلام عليكم. فإن لم يكن له أهل، فليقل: السّلام علينا من ربّنا، وليقرأ قل هو اللّه أحد حين يدخل منزله، فإنّه ينفي الفقر.

كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ:

كرّره ثلاثا لمزيد التّأكيد وتفخيم الأحكام المختتمة به. وفصل الأوّلين بما هو المقتضى لذلك، وهذا بما هو المقصود منه. فقال:

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ، أي: الحقّ والخير في الأمور.

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ، أي: الكاملون في الإيمان الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ من صميم قلوبهم.

وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ، كالجمعة والأعياد والحروب والمشاورة في الأمور.

و وصف الأمر بالجمع، للمبالغة.

و قرئ : «أمر جميع».

لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ: يستأذنوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فيأذن لهم.

و اعتباره في كمال الإيمان، لأنّه كالمصداق لصحّته، والمميّز للمخلص فيه عن المنافق، فإنّ ديدنه التّسلّل والفرار. ولتعظيم الجرم في الذّهاب عن مجلس الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- بغير إذنه. ولذلك أعاده مؤكّدا على أسلوب أبلغ، فقال:

إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ:

فإنّه يفيد أنّ المستأذن، مؤمن لا محالة، وأنّ الذّاهب بغير إذن ليس كذلك.

فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ: ما يعرض لهم من المهامّ.

و فيه أيضا مبالغة وتضييق للأمر.

فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ:

تفويض للأمر إلى رأي الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه- في قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ- إلى قوله تعالى:- حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ:

فإنّها نزلت في قوم كانوا إذا جمعهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لأمر من الأمور، في بعث يبعثه أو في حرب قد حضرت يتفرّقون بغير إذنه. فنهاهم اللّه- عزّ وجلّ- عن ذلك.

و

قوله- عزّ وجلّ-: فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ، قال:

نزلت في حنظلة بن أبي عيّاش. وذلك أنّه تزوّج في اللّيلة الّتي كان  في صبيحتها حرب أحد، فاستأذن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يقيم عند أهله. فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- هذه الآية: فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ.

فأقام عند أهله، ثمّ أصبح وهو جنب. فحضر القتال واستشهد. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن، في صحائف فضّة بين السّماء والأرض. فكان يسمّى «غسيل الملائكة».

وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ بعد الإذن.

فإنّ الاستئذان- ولو لعذر- قصور لأنّه تقديم لأمر الدّنيا على أمر الدّين.

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لفرطات العباد، رَحِيمٌ  بالتّستّر عليهم.

لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً:

 [قيل : لا تقيسوا دعاءه إيّاكم على دعاء بعضكم بعضا]  في جواز الإعراض والمساهلة في الإجابة والرّجوع بغير إذن، فإنّ المبادرة إلى إجابته واجبة، والمراجعة بغير إذنه محرّمة.

و قيل : لا تجعلوا نداءه وتسميته كنداء بعضكم بعضا باسمه، ورفع الصّوت به، والنّداء وراء الحجرة، ولكن بلقبه المعظّم- مثل: يا نبيّ اللّه، ويا رسول اللّه- مع التّوقير والتّواضع وخفض الصّوت.و قيل : لا تجعلوا دعاءه عليكم كدعاء بعضكم على بعض، فلا تبالوا بسخطه، فإنّ دعاءه موجب.

و قيل : لا تجعلوا دعاءه ربّه كدعاء [صغيركم كبيركم، يجيبه مرّة ويردّه أخرى، فإنّ دعاءه مستجاب.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وقوله- عزّ وجلّ-: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ]  بَعْضِكُمْ بَعْضاً. قال: لا تدعوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كما يدعو بعضكم بعضا.

و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-:

لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً، يقول: لا تقولوا «يا محمّد» ولا «يا أبا القاسم»، لكن قولوا: يا نبيّ اللّه، ويا رسول اللّه.

و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب : القاضي [أبو محمد الكرخي في كتابه، عن الصادق- عليه السّلام-:]  قالت فاطمة- عليها السّلام-: لمّا نزلت لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً، هبت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن أقول له: يا أبه. فكنت أقول: يا رسول اللّه. فأعرض عنّي مرّة، أو ثنتين، أو ثلاثا. ثمّ أقبل عليّ، فقال: يا فاطمة! إنّها لم تنزل فيك، ولا في أهلك، ولا في نسلك. أنت منّي وأنا منك. إنّما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش، أصحاب البذخ والكبر. قولي: يا أبه، فإنّها أحيى للقلب، وأرضى للرّبّ.

قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ: يخرجون قليلا قليلا من الجماعة. ونظير تسلّل: تدرّج وتدخّل.

لِواذاً: ملاوذة بأن يستتر بعضهم ببعض، حتّى يخرج. أو: يلوذ بمن يؤذن له، فينطلق معه كأنّه تابعه.

و انتصابه على الحال.و قرئ  بالفتح.

فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ: يخالفون أمره بترك مقتضاه، ويذهبون سمتا خلاف سمته. و«عن» لتضمّنه معنى الإعراض. أو: يصدّون عن أمره دون المؤمنين.

من خالفه عن الأمر: إذا صدّ عنه دونه.

و حذف المفعول، لأنّ المقصود بيان المخالف والمخالف عنه. والضّمير للّه، فإنّ الأمر له في الحقيقة. أو للرّسول، فإنّه المقصود بالذّكر.

أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ: محنة في الدّنيا.

أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ  في الآخرة.

و استدلّ به على أنّ الأمر للوجوب. فإنّه يدلّ على أنّ ترك مقتضى الأمر، مقتض لأحد العذابين. فإنّ الأمر بالحذر عنه يدلّ على خشية المشروط بقيام المقتضى له. وذلك يستلزم الوجوب.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن حسين بن عمر بن يزيد، عن أبيه قال: اشتريت إبلا وأنا بالمدينة مقيم، فأعجبتني إعجابا شديدا.

فدخلت على أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- فذكرتها له. فقال: مالك وللإبل!؟ أما علمت أنّها كثيرة المصائب!؟ قال: فمن إعجابي بها أكريتها، وبعثت بها مع غلمان لي إلى الكوفة. قال: فسقطت كلّها. فدخلت عليه، فأخبرته. قال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال- جلّ ذكره-: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ [يعني بليّة] . أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. قال: القتل.

و فيه أيضا : قال اللّه- تبارك وتعالى-: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ، أي: يعصون أمره، أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

و في جوامع الجامع : وعن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-: يسلّط عليهم سلطان‏جائر ، أو عذاب أليم في الآخرة.

أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ- أيّها المكلّفون!- من المخالفة والموافقة والنّفاق والإخلاص.

و إنّما أكّد علمه ب «قد» لتأكيد الوعيد.

وَ يَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ: يوم يرجع المنافقون إليه للجزاء.

و يجوز أن يكون الخطاب أيضا، مخصوصا بهم على طريق الالتفات.

فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا: من سوء الأعمال، بالتّوبيخ والمجازاة عليه.

وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ  لا يخفى عليه خافية