سورة الأحزاب‏ الآية 21-40

يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا، أي: هؤلاء لجبنهم يظنّون أنّ الأحزاب لم ينهزموا، وقد انهزموا قوّوا إلى داخل المدينة.

وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ: كرّة ثانية.

يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ: لهم. أو خارجون  إلى البدو وحاصلون بين الأعراب.يَسْئَلُونَ: كلّ قادم من جانب المدينة.

عَنْ أَنْبائِكُمْ: عمّا جرى عليكم.

وَ لَوْ كانُوا فِيكُمْ: هذه الكرّة، ولم يرجعوا إلى المدينة، وكان قتال ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا : رياء وخوفا عن التّعيير.

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ: خصلة حسنة، من حقّها أن يؤتسى بها، كالثّبات في الحرب ومقاساة الشّدائد. أو هو في نفسه قدوة بحسن التّأسّي. به، كقولك:

في البيضة عشرون منّا حديدا، أي: هو في نفسها هذا القدر من الحديد.

و قرأ عاصم، بضمّ الهمزة. وهو لغة فيه .

لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ: [ثواب اللَّه، أو لقاءه ونعيم الآخرة، أو أيّام اللَّه واليوم الآخر]  خصوصا.

و قيل : هو كقولك: أرجو زيدا وفضله. فإنّ يوم الآخر فيها.

و «الرّجاء» يحتمل الأمل والخوف.

و «لمن كان» صلة «لحسنة» أو صفة لها. وقيل: بدل من «لكم» والأكثر، على أنّ ضمير المخاطب لا يبدل منه.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: ولأنّ الصّبر على ولاة الأمر مفروض لقول اللَّه- عزّ وجلّ- لنبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقوله: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.

و فيه - أيضا-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- كلام طويل. وفيه: وأمّا قولكم «أني جعلت الحكم إلى غيري وقد كنت عندكم أحكم النّاس» فهذا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قد جعل الحكم إلى سعد يوم بني قريظة، وكان أحكم النّاس. وقد قال اللَّه: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فتأسّيت برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.و في مجمع البيان : قال ثعلبة بن خاطب، وكان رجلا من الأنصار، للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: ادع اللَّه أن يرزقني مالا.

فقال: يا ثعلبة، قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه. أمالك في رسول اللَّه أسوة حسنة؟ والّذي نفسي بيده، لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبا وفضّة لسارت.

و في أصول الكافي : أحمد بن مهران رفعه. وأحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار الشّيبانيّ [قال: حدّثني القاسم بن محمّد الرازيّ‏]  قال: حدّثني عليّ بن محمّد الهرمزيّ ، عن أبي عبد اللَّه الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- قال: لمّا قبضت فاطمة- عليها السّلام- دفنها أمير المؤمنين- عليه السّلام- سرّا وعفا على موضع قبرها. ثمّ قام فحوّل وجه نحو قبر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقال: السّلام عليك يا رسول اللَّه عنّي، والسّلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثّرى ببقعتك والمختار لها سرعة اللّحاق بك. قلّ يا رسول اللَّه عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلّدي، إلّا أنّ لي في التّأسي بسنتّك في فرقتك موضع تعزّ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن علّي بن النّعمان، عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: نام رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- عن الصّبح، واللَّه- عزّ وجلّ- أنامه، حتّى طلعت  الشّمس عليه، وكان ذلك رحمة من ربّك للنّاس. ألا ترى لو أنّ رجلا نام حتّى تطلع الشّمس لعيّره النّاس، وقالوا: ألا تتورّع لصلاتك؟ فصارت أسوة وسنّة . فإن قال رجل لرجل: نمت عن الصّلاة. قال: قد كان نام رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. فصارت أسوة ورحمة رحم اللَّه- سبحانه- بها هذه الأمّة.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى  [، عن عليّ بن النعمان،]  عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: صلّى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ثمّ سلّم في ركعتين [فسأله من خلفه: يا رسول اللَّه، أحدث في الصّلاة شي‏ء؟قال: وما ذلك؟

قالوا: إنّما صلّيت ركعتين.]»

 

فقال: أ كذلك يا ذا اليدين؟ وكان يدعى ذا الشّمالين.

فقال: نعم.

فبنى على صلاته، فأتمّ الصّلاة أربعا.

و قال: إنّ اللَّه هو أنساه  رحمة للأمّة. ألا ترى لو أنّ رجلا صنع هذا لعيّر، وقيل صلاتك؟ فمن دخل عليه النوم ذلك قال: قد سنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وصارت أسوة. وسجد سجدتين ملكان الكلام.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- كان إذا صلّى العشاء الآخرة، امر بوضوئه وسواكه يوضع عند رأسه مخمرا . فيرقد ما شاء اللَّه، ثمّ يقوم فيستاك ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات ثمّ يرقد. حتّى إذا كان في وجه الصّبح قام فأوتر ثمّ صلّى الرّكعتين ثمّ قال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.

وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً : وقرن بالرّجاء كثرة الذّكر المؤدّية إلى ملازمة الطّاعة.

فأنت المؤتسي بالرّسول من كان كذلك.

و في كتاب الخصال : عن عبيد بن عمير اللّيثيّ ، عن أبي ذرّ  قال: دخلت على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وهو جالس في المسجد، إلى أن قال- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: عليك بتلاوة كتاب اللَّه وذكر اللَّه كثيرا، فإنّه ذكر لك في السّماء ونور [لك‏] .

في الأرض.

وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ: بقوله :أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ (الآية).

و

قوله- عليه السّلام-: إنّهم سائرون إليكم بعد تسع أو عشر .

وَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: وظهر صدّق خبر اللَّه ورسوله. أو صدقا في النّصرة والثّواب، كما صدقا في البلاء. وإظهار الاسم، للتّعظيم.

وَ ما زادَهُمْ: فيه. ضمير «لمّا رأوا» أو الخطب، أو البلاء.

إِلَّا إِيماناً: باللَّه ومواعيده.

وَ تَسْلِيماً : لأوامره ومقاديره.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ وصف اللَّه- عزّ وجلّ- المؤمنين [، أيّ:]  المصدّقين: بما أخبرهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ما يصيبهم في الخندق من الجهد. فقال- جلّ ذكره-: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ [وَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏]  وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً [وَ تَسْلِيماً] ، يعني: ذلك البلاء والجهد  والخوف.

و في الكافي : حميد، عن  ابن سماعة، عن عبد اللَّه بن جيلة، عن [عبد اللَّه بن‏]  محمّد بن مسعود الطّائيّ، عن عتبة  بن مصعب، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: من استقبل جنازة أو رآها فقال: «اللَّه أكبر، هذا ما وعدنا اللَّه ورسوله وصدق اللَّه ورسوله، اللّهمّ زدنا إيمانا وتسليما، الحمد للَّه الّذي تعزّز  بالقدرة وقهر العباد بالموت» لم يبق في السّماء إلّا بكى رحمة لصوته.

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ: من الثّبات مع الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- والمقاتلة لأعداء الدّين. من صدقني: إذا قال لك الصّدق. فإنّ المعاهد إذا وفى بعهده، فقد صدق.

فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ: نذره. بأن قاتل حتّى استشهد، كحمزة ومصعب بن‏عمير وأنس بن النّضر.

و «النّحب»: النّذر. استعير للموت، لأنّه لازم في رقبة كلّ حيوان.

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ: الشّهادة.

وَ ما بَدَّلُوا: بعهد ولا غيره.

تَبْدِيلًا : شيئا. من التّبديل.

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال لأبي بصير. يا أبا محمّد، لقد ذكركم اللَّه في كتابه. فقال: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. إنّكم وفيتم بما أخذ اللَّه عليه ميثاقكم من ولايتنا، وإنّكم لم تبدّلوا بنا غيرنا.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن عبد اللَّه بن ميمون القّداح، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: يا عليّ، من أحبّك ثمّ مات، فقد قَضى نَحْبَهُ. ومن أحبّك ولم يمت، فهو ينتظر. وما طلعت شمس ولا غربت إلّا طلعت عليه يرزق وإيمان، وفي نسخة، نور.

و في كتاب الخصال : عن جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر، عن أمير المؤمنين- عليهما السلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: لقد كنت عاهدت اللَّه- تعالى- ورسوله أنا وعمّي حمزة وأخي جعفر ابن عمّي عبيدة على أمر وفينا به للَّه- تعالى- ولرسوله- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. فتقدّمني أصحابي وتخلّفت بعدهم ، لما أراد اللَّه- تعالى- فأنزل اللَّه فينا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. [حمزة وجعفر وعبيدة. وأنا واللَّه المنتظر، يا أخا اليهود، وما بدّلت تبديلا.]

 

عن الأعمش ، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: هذه شرائع الدّين- إلى‏

أن قال- عليه السّلام-: والولاية للمؤمنين الّذين لم يغيّروا ولم يبدّلوا بعد نبيّهم واجبة، مثل:

سلمان الفارسي، وأبي ذرّ الغفاريّ، والمقداد بن الأسود الكنديّ، وعمّار بن ياسر، وجابر بن عبد اللَّه الأنصاريّ، وحذيفة بن اليمان  [، وأبي الهيثم بن التّيهان، وسهل بن حنيف، وأبي ايّوب الأنصاريّ، وعبد اللَّه بن الصّامت،]  وعبادة بن الصّامت، وخزيمة بن ثابت ذي الشّهادتين، وأبي سعيد الخدريّ، ومن نحى نحوهم وفعل مثل فعلهم. والولاية لأتباعهم والمقتدين  بهم وبهداهم واجبة.

و في عيون الأخبار ، في باب ما كتبه الرّضا- عليه السّلام- إلى المأمون من محض الإسلام وشرائع الدّين: والولاية لأمير المؤمنين- عليه السّلام- والذّين مضوا على منهاج نبيّهم ولم يغيّروا ولم يبدّلوا، مثل: سلمان الفارسيّ، وأبي ذرّ الغفاريّ. وذكر نحو ما قلنا عن الخصال بتغيير يسير.

و في مجمع البيان : وروى [الحاكم‏]  أبو القاسم الحسكانيّ [بالإسناد]  عن عمرو بن ثابت، عن أبي إسحاق، عن عليّ- عليه السّلام- قال: فينا نزلت رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ وأنا واللَّه المنتظر، وما بدّلت تبديلا.

و في كتاب سعد السّعود ، لابن طاوس- رحمه اللَّه-: فصل فيما نذكره من مجلّد قالب الثّمن عتيق، عليه مكتوب: الأوّل: من تفسير أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين- صلوات اللَّه عليهم- رواية أبي الجارود عنه .