سورة الرّوم الآية 41-60

ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ:

قيل : «الفساد» كالجدب، والموتان، وكثرة الحرق والغرق، وإخفاق الغاصّة، ومحق البركات، وكثرة المضار. أو الضّلالة والظّلم.

و قيل : ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ بقتل قابيل ابن آدم أخاه. وفي البحر، بأنّ [ملك عمان‏]  جلندا كان يأخذ كلّ سفينة غصبا» وهو ضعيف.

و قيل : «المراد بالبحر قرى السّواحل» حيث ظهر القحط بدعاء النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.

و قرئ: البحور .

بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ: بشؤم معاصيهم. أو بكسبهم إيّاها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في هذه الآية قال: في البر فساد الحيوان إذا لم تمطر،و كذلك هلاك دوابّ البحر بذلك. وقال الصّادق- عليه السّلام- : حياة دوابّ البحر بالمطر. فإذا كفّ المطر ظهر الفساد في البرّ والبحرّ. وذلك إذا كثرت الذّنوب والمعاصي.

أخبرنا أحمد بن إدريس  قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النّعمان، عن ابن ميسر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ.

قال: ذلك- واللَّه- يوم قالت الأنصار: منّا أمير  ومنكم أمير .

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين ، عن عليّ بن النّعمان، عن ابن مسكان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية.

 

قال: ذاك- واللَّه- حين قالت الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير.

لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا: بعض جزائه. فإنّ تمامه في الآخرة.

 «و اللّام» للعلّة. أو للعاقبة.

و عن ابن كثير ويعقوب: «لنذيقهم» بالنّون.

لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ : عمّا هم عليه في المستقبل.

و قيل

: معناه: ليرجع من يأتي بعدهم عن المعاصي.

قُلْ: يا محمّد.

سِيرُوا فِي الْأَرْضِ: ليس المراد الأمر، بل المبالغة في العظة.

و عن ابن عبّاس

: من قرأ القرآن وعلمه، سار في الأرض. لأنّ فيه أخبار الأمم.

فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ: من الملوك العاتية والقرون العاصية. كيف أهلكهم اللَّه، وكيف صارت قصورهم ومحاصرهم قبورهم. فلم يبق لهم عين ولا أثر.

كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ : استئناف. للدّلالة على أنّ سوء عاقبتهم كان‏لفشو الشّرك وغلبته فيهم. أو كان الشّرك في أكثرهم وما دونه من المعاصي في قليل منهم.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى [، عن محمّد بن عيسى،]

 عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن عبد اللَّه بن مسكان، عن يزيد بن الوليد الخثعميّ، عن أبي الرّبيع الشّاميّ قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ.

فقال: عنى بذلك، أي: انظروا في القرآن، فاعلموا كيف كان عاقبة الّذين من قبلكم وما أخبركم عنه.

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ، أي: استقم للدّين، البليغ الاستقامة بصاحبه إلى الجنّة. الّتي لا يعدل عنه يمينا ولا شمالا.

مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ: لا [يقدر أن‏]

 يردّه أحد. وقوله: مِنَ اللَّهِ: متعلّق «بيأتي». ويجوز أن يتعلّق

 «بمردّ». لأنّه مصدر. على معنى: لا يردّه اللَّه، لتعلّق إراداته بمجيئه. وهو يوم القيامة.

يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ : يتصدّعون. من الصّدع: وهو الشّقّ. وتصدّع القوم: تفرّقوا، أي: يتفرّقون. فريق في الجنّة وفريق في السّعير. كما قال: مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ، أي: وباله. وهو النّار المؤبّدة. لا يعاقب أحد بذنبه.

وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ : يسوّون منزلا في الجنّة، يعني: ثواب ذلك يصل إليهم لا إلى غيرهم.

و في مجمع البيان : وروى منصور بن حازم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ العمل الصّالح ليسيق صاحبه إلى الجنّة، فيمهّد له كما يمهّد لأحدكم خادمه فراشه.

لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ: علّة «ليمهدون». أو «ليصّدّعون».مِنْ فَضْلِهِ:

قيل:

 يجزيهم على قدر استحقاقهم ويزيدهم من فضله.

و قيل

: معناه: بسبب فضله. لأنّه خلقهم وهداهم ومكّنهم وأزاح علّتهم، حتّى استحقّوا الثّواب.

 

و قيل

: [من فضله،]

 يعني: فضلا من فضله وثوابا لا ينقطع

.

و الاقتصار على جزاء المؤمنين، للإشعار بأنّه المقصود بالذّات. والاكتفاء على فحوى قوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ : فإنّ فيه إثبات البغض لهم والمحبّة للمؤمنين.

و تأكيد اختصاص الصّلاح

 المفهوم من [ترك‏]

 ضميرهم إلى التّصريح بهم، تعليل له.

وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ: إرسال الرّياح: تحريكها، وإجراءها في الجهات المختلفة. تارة شمالا وتارة جنوبا، ومرّة صبا وأخرى دبورا. على حسب ما يعلمه اللَّه في ذلك من المصلحة.

و قرأ ابن كثير وحمزة والكسائيّ: «الرّيح» على إرادة الجنس

.

مُبَشِّراتٍ: بالمطر. فكأنّها ناطقات بالبشارة، لما فيها من الدّلالة عليه.

وَ لِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، يعني: المنافع التّابعة لها.

و قيل

: الخصب، التّابع لنزول الطر المسبّب عنها. أو الرّوح الّذي هو مع هبوبها.

و العطف على علّة محذوفة، دلّ عليها «مبشّرات». أو عليها، باعتبار المعنى. أو على «يرسل» بإضمار فعل، أي: ليمطر

.

وَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ: بالرّياح.

وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ:قيل

: لتطلبوا بركوب السّفن أرباح التجارات

. وقيل

: لتطلبوا بالأمطار فيما تزرعونه من فضل اللَّه.

و الحمل على العموم، أولى.

وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ : ولتشكروا نعمة اللَّه فيها. تلطّف- سبحانه- بلفظ «لعلّكم» في الدّعاء إلى الشّكر، كما تلطّف في الدّعاء إلى البرّ بقوله

: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً.

لَقَدْ أَرْسَلْنا

: يا محمّد، تسلية له.

ْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ‏

: بالمعجزات والآيات الباهرات. وها هنا حذف، تقديره: فكذّبوهم، فاستحقّوا

 العذاب.

نْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا

: بالتّدمير. وإيراد الظّاهر موضع المضمر، للتّعليل والتخصيص.

كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ‏

 : ورفعنا عنهم السّواء والعذاب.

و كان واجبا علينا نصرهم، بإعلاء الحجّة ودفع الأعداء عنهم. وقد يوقف على «حقّا» على أنّه متعلّق بالانتقام.

و في مجمع البيان : وجاءت الرّواية عن أمّ الدّرداء قالت: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يقول: ما من امرئ مسلم يردّ عن عرض أخيه، إلّا كان حقّا على اللَّه أن يردّ عنه نار جهنّم يوم القيامة. ثمّ تلا

 ذلك.

و في من لا يحضره الفقيه : وروى ابن أبي عمير، عن أبي زياد النّهديّ، عن عبد اللَّه بن وهب، عن الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السلام- قال: حسب المؤمن نصرة، أن يرى عدوّه يعمل بمعاصي اللَّه- عزّ وجلّ-.

اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ: تهيج.سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ: إن شاء، بسطه مسيرة يوم. وإن شاء، بسطه مسيرة يومين. ويجريها إلى أيّ بلد شاء، وإلى أيّ جهة شاء.

وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً:

قيل

: قطعا متفرّقة.

و قيل

: متراكبا بعضه على بعض حتّى يغلظ.

و قيل

: قطعا

، يغطي ضوء الشّمس.

و قراء ابن عامر، بالسّكون. على أنّه مخفّف. أو جمع، كصفة. أو مصدر وصف به

.

فَتَرَى الْوَدْقَ: المطر.

يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ:

في مجمع البيان : وروى عن علي- عليه السّلام-: «خلله».

فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، أي: بلادهم وأراضيهم.

ف إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ : بمجي‏ء الخصب.

وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ: المطر.

مِنْ قَبْلِهِ:

قيل: تكرير، للتّأكيد والدّلالة على تطاول عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم.

و قيل

: الضّمير للمطر . أو السّحاب. أو الإرسال. لَمُبْلِسِينَ : قانطين وآيسين من نزول المطر.

فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ: وهو الغيث. من النّبات والأشجار وأنواع الثّمار. ولذلك جمعه ابن عامر وحمزة والكسائيّ وحفص . كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ:

بظهور النّبات والشّجر.

بَعْدَ مَوْتِها: بعد يبسها. جعل اليبوسة والجدوبة بمنزلة الموت وظهور النّبات فيهابمنزلة الحياة، توسّعا واستعارة. وهي في الفعل تبعيّة، وفي الموت أصليّة.

و قرئ الفعل، بالتّاء. على إسناده إلى ضمير «الرّحمة».

إِنَّ ذلِكَ: أي: الّذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها.

لَمُحْيِ الْمَوْتى: لقادر على إحيائهم في الآخرة بعد كونهم رفاتا.

وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ : لأنّ نسبة قدرته إلى جميع الممكنات على السّواء.

وَ لَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً: باردة مؤدّية إلى الهلاك. فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا:

قيل : فرأوا الزّرع والنّبت، الّذي كان من آثار  رحمته مصفرّا من البرد بعد الخضرة والنّظارة. فإنّه مدلول عليه بما تقدّم.

و قيل : «الهاء» تعود إلى السّحاب. ومعناه: فرأوا السّحاب مصفرّا. لأنّه إذا كان كذلك، لم يكن فيه مطر.

 «و اللّام» توطئه للقسم، دخلت على حرف الشّرط. وقوله: لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ : جواب، سدّ مسدّ الجزاء. ولذلك فسّر بالاستقبال.

و هذه الآيات ناعية على الكفّار بقلّة تثبّتهم وعدم تدبّرهم وسرعة تزلزلهم، لعدم تفكّرهم وسوء رأيهم. فإنّ النّظر السّويّ يقتضي، أن يتوكّلوا على اللَّه ويلتجئوا إليه بالاستغفار إذا احتبس القطر عنهم ولم ييأسوا من رحمته، وأن يبادروا إلى التّكثّر والاستدامة بالطّاعة إذا أصأبهم. برحمته ولم يفرّطوا في الاستبشار، وأن يصبروا على بلائه إذا ضرب زروعهم بالاصفرار ولم يكفروا نعمه.

فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى: وهم مثلهم. لمّا سدّوا عن الحقّ مشاعرهم.

وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ: وهم مثلهم. إذ لا ينتفعون بدعائك. لكن لا مطلقا، بل إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ : قيّد الحكم به، ليكون أشدّ استحالة. فإنّ الأصمّ المقبل وإنّ لم يسمع الكلام، يفطن منه بواسطة الحركات شيئا.

وَ ما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ: سمّاهم عميا، لفقدهم المقصد الحقيقي من الإبصار. أو لعمي قلوبهم.إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا: فإنّ إيمانهم يدعوهم إلى تلقّي اللّفظ وتدبّر المعنى. ويجوز أن يراد بالمؤمن: المشارف للإيمان.

فَهُمْ مُسْلِمُونَ : منقادون لأمر اللَّه.

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ: خلقكم من أصل ضعيف. وهو النّطفة.

و قيل : ابتدأكم ضعفاء. وجعل الضّعفة أساس أمركم، بأن خلقكم أطفالا لا تقدرون على البطش والمشي والتّصرّفات.

ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً: وذلك إذا تعلّق الرّوح بأبدانكم، وإذا بلغتم الحلم.

ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً: في حال الشّيخوخة والكبر.

و فتح عاصم وحمّزة الضّاد في جميعها. وهما لغتان. كالفقر والفقر. والتّنكير مع التّكرير، لأنّ المتأخّر ليس عين المتقدّم .

يَخْلُقُ ما يَشاءُ: من ضعف، وقوّة، وشيبة.

وَ هُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ : فإنّ التّرديد في الأحوال المختلفة مع إمكان غيره، دليل العلم والقدرة.

وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ: القيامة.

قيل : سمّيت بها، لأنّها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدّنيا. أو لأنّها تقع بغتة.

و صارت علما لها، بالغلبة. كالكوكب للزّهرة.

يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ: يحلفون.

ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ: واحدة في الدّنيا. أو في القبور. أو فيما بين فناء الدّنيا والبعث وانقطاع [عذابهم، واستقلّوا مدّة لبثهم إضافة إلى مدّة عذابهم في الآخرة. أو نسيانا.

قال البيضاويّ : وفي الحديث: ما بين‏]  فناء الدّنيا والبعث أربعون. وهو محتمل للسّاعات والأيام والأعوام. أقول: ويحتمل أن يكون المراد: وأربعون عقبة تمكّن.

كَذلِكَ: مثل ذلك الصّرف عن الصّدق والتّحقيق.

كانُوا يُؤْفَكُونَ : يصرفون. صرفهم جهلهم عن الحقّ في الدّارين.و قيل : أي: يكذبون.

و من استدلّ بهذه الآية على نفي عذاب القبر، فقد أبعد لاحتمال أن يراد: أنّهم ما لبثوا بعد عذاب اللَّه إلّا ساعة. أو عدوّا مكثهم في عذاب القبر ساعة، بالقياس إلى مكثهم في عذاب جهنّم .

وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ:

قيل : من الملائكة. أو من الإنس.

و قيل : هم الأنبياء.

و قيل : هم المؤمنون وقيل : إنّ هذا على التّقديم. وتقديره: وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله وهم الّذين يعلمون كتاب اللَّه والإيمان. وهو قول عليّ بن إبراهيم في تفسيره.

لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ: في علمه. أو قضائه. أو ما كتبه لكم، أي:

أوجبه. أو اللّوح. أو القرآن. وهو قوله : وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ.

إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ: ردّوا بذلك ما قالوه وحلفوا عليه.

فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ: الّذي أنكرتموه.

وَ لكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ : أنّه حقّ. لتفريطكم في النّظر.

و «الفاء» لجواب شرط محذوف. تقديره: إن كنتم منكرين البعث فهذا يومه، أي: فقد تبيّن بطلان إنكاركم.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في وصف الإمام والإمامة، وذكر فضل الإمام ورتبته، حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: ثمّ أكرمه اللَّه- عزّ وجلّ- بأن جعلها في ذرّيّته وأهل الصّفوة والطّهارة. فقال- عزّ وجلّ- :وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ. فلم يزل في ذرّيّته. يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا، حتّى ورثها النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقال اللَّه- جلّ جلاله- : إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ. فكانت له خاصّة فقلّدها- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- عليّا- عليه السّلام- بأمر اللَّه- عزّ وجلّ- على رسم ما فرض  اللَّه- تعالى- فصارت في ذرّيّته الأصفياء، الّذين آتاهم اللَّه- تعالى- العلم والإيمان بقوله: وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فهي في ولد عليّ- عليه السّلام- خاصّة إلى يوم القيامة. إذ لا نبيّ بعد محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.

و في أصول الكافي : عن الرّضا- عليه السّلام- مثله سواء.

 

فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ:

و قراء الكوفيّون، بالياء. لأنّ المعذرة بمعنى: العذر. أو لأنّ تأنيثها غير حقيقيّ، وقد فصل بينهما.

وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ : لا يدعون إلى ما يقتضي إعتابهم، أي: إزالة عتبهم من التّوبة والطّاعة، كما دعوا إليه في الدّنيا. من قولهم: استعتبني فلان فأعتبته، أي:

استرضاني فأرضيته.

وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ: ولقد وصفناهم فيه بأنواع الصّفات، الّتي هي في الغرابة كالأمثال، مثل: صفة المبعوثين يوم القيامة، وما يقولون، وما يقال لهم، وما لا يكون لهم من الانتفاع بالمعذرة والاستعتاب. أو بيّنّا لهم من كلّ مثل، ينبّههم على التّوحيد والبعث وصدق الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.

وَ لَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ: من آيات القرآن.

لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا: من فرط عنادهم، وقساوة قلوبهم.

إِنْ أَنْتُمْ، يعنون: الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- والمؤمنين.

إِلَّا مُبْطِلُونَ : مزوّرون.

كَذلِكَ: مثل ذلك.

يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ : لا يطلبون العلم، ويصرّون على خرافات اعتقدوها. فإنّ الجهل المركّب، يمنع إدراك الحقّ ويوجب تكذيب المحقّ.

فَاصْبِرْ: على أذاهم.

إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ: بنصرتك، وإظهار دينك على الدّين كلّه.

حَقٌّ: لا بدّ من إنجازه.

وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ: ولا يحملنّك على الخفّة والقلق.

الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ : بتكذيبهم وإيذائهم. فإنّهم شاكّون ضالّون لا يستبعد منهم ذلك.

و عن يعقوب بتخفيف النّون.

و قرئ: «و لا يستخفّنّك»، أي: لا يزيغنّك فيكونوا أحقّ بك من المؤمنين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : لا يَسْتَخِفَّنَّكَ، أي: لا يغضبنّك قال: كان عليّ بن أبي طالب عليه السّلام- يصلّي وابن الكواء خلفه وأمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه- يقرأ.

فقال ابن الكواء : وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. فسكت أمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه- حتّى سكت ابن الكواء.

ثمّ عاد في قراءته. ثمّ فعل ابن الكواء ثلاث مرّات. فلمّا كان في الثّالثة، قال أمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه-: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ.

 

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن الحسين بن الجارود، عن موسى بن بكر، عمّن حدّثه، عن أبي جعفر عليه السّلام-: «أنّ زيد بن عليّ بن الحسين دخل على أبي جعفر محمّد بن عليّ ومعه كتب من أهل الكوفة.

يدعون فيها إلى أنفسهم ويخبرونه باجتماعهم. ويأمرونه بالخروج.

فقال له أبو جعفر: هذه الكتب ابتداء منهم أو جواب ما كتبت به إليهم ودعوتهم إليه؟

فقال: بل ابتداء من القوم. لمعرفتهم بحقّنا وبقرابتنا من رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه‏و آله وسلم- ولما يجدون في كتاب اللَّه- عزّ وجلّ- من وجوب مودّتنا وفرض طاعتنا، ولما نحن فيه من الضّيق والضّنك والبلاء.

فقال له أبو جعفر: إنّ الطّاعة مفروضة من اللَّه- عزّ وجلّ- وسنة أمضاها في الأوّلين، وكذلك يجريها في الآخرين. والطّاعة لواحد منّا والمودّة للجميع. وأمر اللَّه يجري لأوليائه بحكم موصول ، وقضاء مفصول، وحتم مقضيّ، وقدر مقدور، وأجل مسمّى لوقت  معلوم ف لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ. إنّهم لن يغنوا عنك من اللَّه شيئا. فلا تعجل. فإنّ اللَّه لا يجعل لعجلة العباد. ولا تسبقنّ  اللَّه، فتعجلك  البليّة فتصرعك.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.