سورة الفاطر

سورة الفاطر مكّيّة. وهي خمس أو ستّ وأربعون آية. 

بسم الله الرحمن الرحيم‏ 

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: للحمدين جميعا ، حمد سبأ وحمد فاطر، من قرأهما في ليلة لم يزل في ليلة في حفظ اللَّه وكلاءته. فمن  قرأهما في نهاره لم يصبه في نهاره مكروه، وأعطي من خير الدّنيا وخير الآخرة ما لم يخطر على قبل ولم يبلغ مناه.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: من قرأ سورة الملائكة، دعته يوم القيامة ثلاث أبواب من الجنّة أن ادخل من أيّ الأبواب شئت.

الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: مبدعهما. من الفطر، بمعنى: الشّقّ.

حمد- سبحانه- نفسه ليعلمنا كيف نحمده. والإضافة مخصّصة، لأنّه بمعنى الماضي.

جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا: وسائط بينه وبين أنبيائه والصّالحين من عباده، يبلّغون إليهم رسالته بالوحي والإلهام والرّؤيا الصّادقة. أو بينه وبين خلقه، يوصلون إليهم آثار صنعه.

أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ: ذوي أجنحة متعدّدة متفاوتة، بتفاوت‏ما لهم من المراتب. ينزلون بها ويعرجون، أو يسرعون بها نحو ما وكّلهم اللَّه عليه فيتصيّرون فيه على ما أمرهم به.

قيل : ولعلّه لم يرد خصوصيّة الأعداد ونفي ما زاد عليها، لما روي أنّه- عليه السّلام- رأى جبرائيل ليلة المعراج وله ستّمائة جناح.

و في كتاب الخصال ، في احتجاج عليّ- عليه السّلام- على أبي بكر قال: فأنشدك باللَّه، أخوك المزيّن بالجناحين في الجنّة يطير بهما مع الملائكة أم أخي؟

قال: بل أخوك.

و فيه ، وفي احتجاج عليّ- عليه السّلام- يوم الشّورى على النّاس: ونشدتكم باللَّه، هل فيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر المزيّن بالجناحين في الجنّة ، يحلّ فيها حيث يشاء غيري؟

قالوا: اللّهمّ، لا.

و فيه - أيضا- أمير المؤمنين- عليه السّلام- وتعدادها. قال- عليه السّلام-: وأمّا السّادسة والعشرون، فإنّ جعفرا أخي الطّيّار في الجنّة مع الملائكة المزيّن بالجناحين من درّ وياقوت وزبرجد.

و فيه - أيضا- فيها، قال- عليه السّلام-: وأمّا الثامنة والأربعون، فإنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أتاني في منزلي ولم يكن طعمنا منذ ثلاثة أيّام.

فقال: يا عليّ، هل عندك شي‏ء؟

فقلت: والّذي أكرمك بالكرامة واصطفاك بالرّسالة، ما طمعت وزوجتي وابناي منذ ثلاثة أيّام.

فقال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يا فاطمة، ادخلي البيت وانظري، هل تجدين شيئا؟

فقالت: خرجت السّاعة.

فقلت: يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أدخله أنا.فقال: ادخل [و قل‏]  بسم اللَّه.

فدخلت، فإذا أنا بطبق موضوع  عليه رطب وجفنة  من ثريد فحملتهما إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. فقال: يا عليّ، رأيت الرّسول الّذي حمل الطّعام؟

فقلت: نعم.

فقال: صفه لي.

فقلت: من بين أحمر وأخضر وأصفر.

فقال: تلك خطط جناح جبرائيل مكلّلة بالدّر والياقوت.

فأكلنا من الثّريد حتّى شبعنا، فما أرى إلّا خدش أيدينا وأصابعنا. [و لم ينقص من الطّعام شي‏ء]  فخصّني اللَّه بذلك من بين أصحابه.

عن يحيى بن وثّاب ، عن ابن عمر قال: كان على الحسن والحسين تعويذان، حشوهما من زغب  جناح جبرائيل- عليه السّلام-.

عن محمّد بن طلحة ، بإسناده يرفعه إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: الملائكة على ثلاثة أجزاء: فجزء لهم جناحان، وجزء لهم ثلاثة أجنحة، وجزء لهم أربعة أجنحة.

عن ثابت بن أبي صفيّة  قال: قال عليّ بن الحسين- عليه السّلام-: رحم اللَّه العبّاس، يعني: ابن عليّ. فلقد آثر وأبلى  وفدى أبي  بنفسه حتّى قطعت يداه، فأبدله اللَّه.

جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب. وإنّ للعبّاس عند اللَّه- تبارك وتعالى- لمنزله يغبطه بها جميع الشّهداء يوم القيامة.

عن زيد بن وهب  قال: سئل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- عن‏قدرة اللَّه- عزّ وجلّ-.

خطيبا، فحمد اللَّه وأثنى عليه. ثمّ قال إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- ملائكة، لو أنّ ملكا منهم هبط إلى الأرض ما وسعته لعظم خلقته وكثرة أجنحته. ومنهم من لو كلّفت الجنّ والإنس أن يصفوه، ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله وحسن تركيب صورته. وكيف يوصف من ملائكته من سبعمائة عام ما بين منكبيه وشحمة أذنيه. ومنهم من يسدّ الأفق بجناح من أجنحته، دون عظم بدنه. ومنهم من السّماوات إلى حجزته . ومنهم من قدمه على غير قرار في جو الهواء الأسفل والأرضون إلى ركبته . ومنهم من لو ألقي في نقرة إبهامه جميع المياه، لوسعتها. ومنهم من لو ألقيت السّفن في دموع عينيه، لجرت دهر الدّاهرين. فتبارك اللَّه أحسن الخالقين.

عن أبي أيّوب الأنصاريّ ، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. حديث طويل. يقول فيه للزّهراء فاطمة- عليها السّلام- يا فاطمة، إنّا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأوّلين قبلنا ولا يدركها أحد من الآخرين بعدنا: نبّينا خير الأنبياء، وهو أبوك. ووصّينا خير الأوصياء، وهو بعلك. وشهيدنا خير الشّهداء، وهو حمزة  عمّ أبيك ومنّا من له جناحان يطير بهما في الجنّة، وهو جعفر. ومنّا سبطا هذه الأمّة، وهما ابناك.

و في كتاب التّوحيد : عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: إنّ للَّه- تبارك وتعالى- ملكا من الملائكة، نصف جسده الأعلى نار ونصفه الأسفل ثلج. فلا النّار تذيب الثّلج [و لا الثّلج‏]  يطفئ النّار. وهو قائم ينادي بصوت له رفيع: سبحان  الّذي كفّ حرّ هذه النّار فلا تذيب  [الثّلج ، وكفّ برد هذا الثّلج‏]  فلا يطفئ هذه النّار . اللّهم، يا مؤلّفا  بين الثّلج والنّار ألّف بين قلوب عبادك المؤمنين على طاعتك.و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى مجاهد قال: قال ابن عبّاس:

 

سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يقول: إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- ملكا يقال له: دردائيل. كان له ستّة عشر ألف جناح، ما بين الجناح  والجناح هواء، والهواء، كما بين السّماء  والأرض.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد [، عن محمد]  بن خالد، عن محمّد بن القاسم، عن الحسين بن أبي العلا، عن عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال:

يا حسين- وضرب بيده إلى مساور  في البيت- مساور طالما اتّكأت  عليها الملائكة، وربّما التقطنا من زغبها.

محمّد بن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم  قال: حدّثني مالك بن عطيّة الأحمسيّ، عن أبي حمزة الثّماليّ قال: دخلت على علي بن الحسين- عليهما السلام-. فاحتبست في الدّار ساعة، ثمت دخلت البيت، وهو يلتقط شيئا وأدخل يده من وراء السّتر فناوله من كان في البيت.

فقلت: جعلت فداك [هذا الّذي أراك تلتقطه، أي شي‏ء هو؟

قال: فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا خلونا [نجعله‏]  سيحا لأولادنا.

فقلت: جعلت فداك،]  وإنّهم ليأتونكم؟

فقال: يا أبا حمزة، إنّهم ليزاحمونا على تكأتنا .

و في بصائر الدّرجات : أحمد بن موسى، عن أحمد المعروف بغزّال  مولى حرب بن زياد البجليّ، عن محمّد بن أبي جعفر  الحماميّ الكوفيّ، عن الأزهر البطّيخيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- عرض ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام-فقبلتها الملائكة، وأباها ملك يقال له: فطرس. فكسر اللَّه جناحه.

فلمّا ولد الحسين بن عليّ- عليهما السلام- بعث اللَّه جبرائيل في سبعين ألف ملك إلى محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يهنّئهم بولادته. فمرّ بفطرس.

فقال: له فطرس إلى أين تذهب؟

قال: بعثني اللَّه إلى محمّد أهنّئهم بمولود ولد في هذه اللّيلة.

فقال له فطرس: احملني معك، وسل محمّدا يدعو لي.

جبرائيل: اركب جناحي.

فركب جناحه، فأتى محمّدا- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فدخل عليه وهنّأه.

فقال له: يا رسول اللَّه، إنّ فطرس بيني وبينه أخوّة، وسألني أن أسألك أن تدعو اللَّه أن يردّ عليه جناحه.

فقال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لفطرس- ، أ تفعل؟

قال: نعم.

فعرض عليه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقبلها.

فقال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: شأنك المهد ، فتمسّح به وتمرّغ فيه.

قال: فمشى  فطرس إلى مهد  الحسين بن عليّ- عليهما السلام- ورسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يدعو له.

قال  رسول اللَّه: فنظرت إلى ريشه، وأنّه ليطلع ويجري فيه  الدّم ويطول حتى لحق بجناحه الآخر، وعرج مع جبرائيل إلى السّماء وصار إلى موضعه.

أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار السّاباطيّ قال أصبحت شيئا [كان على وساء كانت في منزل أبي‏عبد اللَّه- عليه السّلام-.

فقال له بعض أصحابنا: ما هذا، جعلت فداك؟ وكان يشبه شيئا يكون‏]» في الحشيش كثيرا، كأنّه جوزة .

فقال له أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: هذا مما يسقط من أجنحة الملائكة.

ثمّ قال: يا عمّار، إنّ الملائكة [لتأتينا، وإنّها لتمرّ بأجنحتها على رؤس صبياننا.

يا عمّار، إنّ الملائكة]  لتزاحمنا على نمارقنا .

إبراهيم بن هاشم، عن عبد اللَّه بن صمّاد ، عن المفضّل بن عمر قال: دخلت على أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-. فبينا أنا عنده جالس إذا أقبل موسى ابنه- عليه السّلام-. وفي رقبته قلادة فيها ريش غلاظ. فدعوت به فقبّلته وضممته إلى صدري .

ثمّ قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، أيّ شي‏ء هذا الّذي في رقبة موسى؟

فقال: هذا من أجنحة الملائكة.

قال: قلت: وإنّها لتأتيكم؟

فقال: نعم، إنّها لتأتينا وتتعفّر  في فرشنا. وإنّ هذا الّذي في رقبة موسى من أجنحتها.

أحمد بن الحسين، عن الحسن بن برّة الأصمّ  [، عن ابن أبي بكير،]  عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّ الملائكة لتّنزّل علينا في رحالنا، وتتقلّب على فرشنا، وتحضر موائدنا، وتأتينا من كلّ نبات في زمانه رطب ويابس، وتقلّب علينا أجنحتها [، وتقلّب أجنحتها]  على صبياننا.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال الصّادق- عليه السّلام-: خلق اللَّه الملائكة مختلفة.

و قد رأي رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- جبرائيل وله ستّمائة جناح، على ساقه الدّرّ، مثل القطر على البقل. قد ملأ ما بين السّماء والأرض.

و قال: إذا أمر اللَّه- عزّ وجلّ- ميكائيل بالهبوط إلى الدّنيا، صارت رجله [اليمني‏]  في السّماء السّابعة والأخرى في الأرضين  السّابعة. وإنّ للَّه ملائكة أنصافهم من برد وأنصافهم من نار، يقولون: يا مؤلّفا بين البرد والنّار، ثبّت قلوبنا على طاعتك.

و قال: إنّ للَّه ملكا بعد ما بين شحمة أذنيه إلى عينيه مسيرة خمسمائة عام، بخفقان  الطّير.

و قال: إنّ الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون، وإنّما يعيشون بنسيم العرش.

و إنّ للَّه- عزّ وجلّ- ملائكة ركّعا إلى يوم القيامة. وإنّ للَّه- عزّ وجلّ- ملائكة سجّدا إلى يوم القيامة.

ثمّ قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-:

ما من شي‏ء ممّا خلق اللَّه- عزّ وجلّ- أكثر من الملائكة. وإنّه ليهبط في كلّ يوم أو في كلّ ليلة سبعون ألف ملك، فيأتون البيت الحرام فيطوفون به، ثم يأتون رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ثمّ يأتون أمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه- فيسلّمون عليه، ثمّ يأتون الحسين- عليه السّلام- فيقيمون عنده فإذا كان عند السّحر وضع لهم معراج إلى السماء، ثمّ لا يعودون أبدا.

و قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- خلق إسرافيل وجبرائيل وميكائيل- عليهم السّلام- من تسبيحة واحدة، وجعل لهم السّمع والبصر وجورة  العقل وسرعة الفهم.

و قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في خلقة الملائكة: وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك، فليس فيهم فترة ولا عندهم غفلة ولا فيهم معصية. هم أعلم خلقك بك، وأخوف خلقك منك، وأقرب خلقك إليك، وأعلمهم بطاعتك. لا يغشاهم نوم العيون، ولا سهوالعقول، ولا فترة الأبدان. لم يسكنوا  الأصلاب، ولم يضمّهم  الأرحام، ولم تخلقهم من ماء مهين. إذ أنشاتهم إنشاء. فأسكنتهم سماواتك، وأكرمتهم بجوارك، وائتمنتهم على وحيك، وجنّبتهم الآفات، ووقيتهم البليّات، وطهّرتهم من الذّنوب. ولولا قوّتك، لم يقووا. ولولا تثبيتك، لم يثبتوا. ولولا رحمتك، لم يطيعوا. ولولا أنت، لم يكونوا. أما إنّهم على مكانتهم منك وطاعتهم  إيّاك ومنزلتهم عندك وقلّة غفلتهم عن أمرك، لو عاينوا ما خفي عنهم منك لاحتقروا أعمالهم ولأزروا  على أنفسهم ولعلموا أنّهم لم يعبدوك حقّ عبادتك. سبحانك خالقا ومعبودا، ما أحسن بلاؤك عند خلقك.

يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ: استئناف، للدّلالة على أنّ تفاوتهم في ذلك مقتضى مشيئته ومؤدّى حكمته، لا أمر يستدعيه ذواتهم. لأنّ اختلاف الأصناف والأنواع بالخواصّ والفضول إن كان لذواتهم المشتركة، لزم تنافي لوازم الأمور المتّفقة، وهو محال.

و الآية متناولة زيادات الصّور والمعاني، كملاحة الوجه، وحسن الصوت، وحصافة العقل، وسماحة النفس.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار المجموعة، وبإسناده قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: حسّنوا القرآن بأصواتكم. فإنّ الصّوت الحسن يزيد القرآن حسنا. وقرئ: [ «و اللَّه‏]  يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ.

و في كتاب التّوحيد : [أبي- رحمه اللَّه- قال:]  حدّثنا سعد بن عبد اللَّه قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن زرارة، عن عبد اللَّه بن سليمان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّ القضاء والقدر خلقان من خلق اللَّه «و اللَّه يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ. [و في مجمع البيان : يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ]  وروى أبو هريرة، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: هو الوجه الحسن، والصّوت الحسن، والشّعر الحسن.

إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (91:

و تخصيص بعض الأشياء بالتحّصيل  دون بعض، إنّما هو من جهة الإرادة.

ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ: ما يطلق لهم ويرسل. من تجوّز السّبب للمسبّب.

مِنْ رَحْمَةٍ: كنعمة وأمن وصحّة وعلم ونبوّة.

فَلا مُمْسِكَ لَها: يحسبها.

وَ ما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ: يطلقه.

و اختلاف الضّميرين، لإنّ الموصول الأوّل، مفسّر  بالرّحمة، والثّاني مطلق يتناولها والغضب. وفي ذلك إشعار بأنّ رحمته سبقت غضبه.

مِنْ بَعْدِهِ: من بعد إمساكه.

وَ هُوَ الْعَزِيزُ: الغالب على ما يشاء، ليس لأحد أن ينازعه فيه. الْحَكِيمُ :

لا يفعل إلّا بعلم واتّقان.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن مالك بن عبد اللَّه بن أسلم، عن أبيه، عن رجل من الكوفيّين، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: ما يَفْتَحِ (اللَّهُ) لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها قال: والمتعة من ذلك.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا أبو محمّد أحمد بن محمّد النّوفليّ، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن مرازم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قول اللَّه- عزّ وجلّ-: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها.

قال: هي ما أجرى اللَّه على لسان الإمام‏

، يعني: أنّ الّذي يجريه اللَّه على لسان‏الإمام- عليه السّلام- من الكلام  هو رحمة منه فتح بها على النّاس. لأنّه لا ينطق عن الهوى، وما ينطق إلّا عن اللَّه، وكلّما يكون من اللَّه، فهو رحمة. ومنه قوله- تعالى -: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ. وكذلك أهل بيته الطّيّبين- صلوات اللَّه عليهم أجمعين. ثمّ لما بيّن أنّه الموجد للملك والملكوت والمتصرّف فيهما على الإطلاق، أمر النّاس أن يشكروا إنعامه فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ: احفظوها بمعرفة حقّها، والاعتراف بها، وطاعة مولاها.

ثمّ أنكر أن يكون لغيره في ذلك مدخل، فيستحقّ أن يشرك به بقوله- تعالى-:

هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ :

فمن أيّ وجه تصرفون عن التّوحيد إلى إشراك غيره به؟

و رفع «غير» للحمل على محلّ «من خالق» بأنّه وصف أو بدل، فإنّ الاستفهام بمعنى النّفي. أو لأنّه فاعل «خالق»»

.

و جرّه حمزة والكسائي، حملا على لفظه .

و قد نصب على الاستثناء. و«يرزقكم» صفة «لخالق»، أو استئناف مفسّر  له، أو كلام مبتدأ على أن يكون إطلاق «هل من خالق» مانعا إطلاقه على غير اللَّه- تعالى- .

وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ، أي: فتأسّ بهم في الصّبر على تكذيبهم. فوضع «فقد كذّبت» موضعه استغناء بالسّبب  عن المسبّب. وتنكير «رسل» للتّعظيم، المقتضي زيادة التّسلية والحثّ على المصابرة.

وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ : فيجازيك وإيّاهم على الصّبر والتّكذيب.

يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ: بالحشر والجزاء.

حَقٌّ: لا خلف فيه.

فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا: فيذهلكم التّمتّع بها عن طلب الآخرة والسّعي لها.

وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ : الشيّطان. بأن يمنّيكم المغفرة مع الإصرار على المعصبة، فإنّها وإن أمكنت لكنّ الذّنب بهذا التّوقّع، كتناول السّمّ اعتمادا على دفع الطّبيعة.

و قرئ، بالضّمّ. وهو مصدر، أو جمع، كقعود .

إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ: وعداوة قديمة.

فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا: في عقائدكم وأفعالكم، وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: قال اللَّه- تبارك وتعالى- لموسى- عليه السّلام-: يا موسى، احفظ وصيّتي لك بأربعة- إلى أن قال-: والرّابعة، ما دمت لا ترى الشّيطان ميّتا فلا تأمن مكره.

و بإسناده إلى أبان الأحمر ، عن الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- أنّه جاء اليه رجل فقال له: بأبي أنت وأمّي، عظني موعظة. فقال- عليه السّلام-: إن كان الشّيطان عدوّا، فالغفلة لما ذا؟

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و بإسناده إلى أبان الأحمر، عن الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-: إن كان الشّيطان عدوّا، فالغفلة لما ذا؟

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ : تقريرا لعداوته، وبيان لغرضه في دعوة شيعته إلى اتّباع الهوى والرّكون إلى الدّنيا.

الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ : وعيد لمن أجاب دعاءه، ووعد لمن خالفه، وقطع للأماني الفارغة، وبناء الأمر كلّه على الإيمان والعمل الصّالح.

و قوله- تعالى-: أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً تقرير له، أي: أ فمن زيّن له سوء عمله، بأن غلب وهمه وهواه على عقله حتّى انتكس رأيه فرأى الباطل حقّا والقبيح حسنا، كمن لم يزيّن له بل وفّق حتّى عرف الحقّ واستحسن الأعمال واستقبحها على ما هي عليه. فحذف الجواب لدلالة فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ: عليه. [و قيل : تقديره: أ فمن زيّن له سوء عمله‏]  ذهبت نفسك عليهم حسرة. فحذف الجواب لدلالة [فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ عليه.

و معناه: فلا تهلك عليهم للحسرات على غيّهم وإصرارهم على التّكذيب.

و الفاءات‏]  الثّلاثة للسّببيّة، غير أنّ الأوليين دخلتا على السّبب والثّالثة دخلت على المسّبب.

و جمع «الحسرات» للدّلالة على تضاعيف اغتمامه على إصرارهم، أو كثره مساوئ أفعالهم المقتضية للتّأسف.

و «عليهم» ليس صلة لها، لأنّ صلة المصدر لا تتقدّمه بل صلة «تذهب»، أو بيان للمتحسّر عليه.

إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ : فيجازيهم عليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن حسّان، عن هشام بن عمّار يرفعه في قوله: أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً، فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ، فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ.

قال: نزلت في زريق وحبتر.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن أحمد بن عمر الحلّال، عن عليّ بن سويد، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: سألته عن العجب الّذي يفسد العمل.

فقال: العجب درجات، منها أن يزيّن للعبد سوء عمله فرآه حسنا، فيعجبه ويحسب له يحسن صنعا.

محمّد بن يحيى، عن أحمد [بن محمّد ]  بن عيسى، عن عليّ بن أسباط، عن رجل من أصحابنا- من أهل خراسان من ولد إبراهيم بن سيّار- يرفعه، عن أبي‏

 عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه علم أنّ الذّنب خير للمؤمن من العجب، ولو لا ذلك ما ابتلى مؤمن بذنب أبدا.

عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: بينما موسى- عليه السّلام- جالسا، إذ أقبل إبليس وعليه برنس  ذو ألوان. فلمّا دنى من موسى- عليه السّلام- خلع البرنس. وقام إلى موسى- عليه السّلام- فسلّم عليه.

فقال له موسى: [من أنت؟

قال: أنا إبليس.

قال: أنت، فلا قرّب اللَّه دارك.

قال: إنّي إنّما جئت لأسلّم [عليك‏]  لمكانك من اللَّه.

قال: فقال له موسى:]  فما هذا البرنس؟

قال: به أختطف قلوب بني آدم.

فقال له موسى: فأخبرني بالذّنب الّذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟

قال: إذ أعجبه نفسه، واستكثر عمله، وصغر في عينه ذنبه.

وَ اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ: وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: الرّيح .

فَتُثِيرُ سَحاباً: على حكاية الحال الماضية، استحضارا لتلك الصّورة البديعة الدّالّة على كمال الحكمة، ولأنّ المراد بيان إحداثها بهذه الخاصّيّة، ولذلك أسنده إليها.

و يجوز أن يكون اختلاف الأفعال، للدّلالة على استمرار الأمر.

فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ: بالمطر النّازل منه. وذكر السّحاب، كذكره. أو بالسّحاب، فإنّه سبب السّبب أو الصّائر مطرا.

بَعْدَ مَوْتِها: بعد يبسها. والعدول فيهما من الغيبة إلى ما هو، أدخل في الاختصاص لما فيهما من مزيد الصّنع.

كَذلِكَ النُّشُورُ : أي: مثل إحياء الموات نشور الأموات في صحّةالمقدوريّة. إذ ليس بينهما إلّا احتمال اختلاف المادّة في المقيس عليه، وذلك لا مدخل له فيها.

و قيل : في كيفيّة الإحياء، فإنّه- تعالى- يرسل ماء من تحت العرض تنبت منه أجساد الخلق.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن العزميّ ، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن حارث الأعور، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: سئل عن السّحاب، أين يكون؟

قال: يكون على شجر، على كثيب ، على شاطئ  البحر يأوي إليه. فإذا أراد اللَّه- عزّ وجلّ- أن يرسله ، أرسل ريحا فأثاره ووكّل به ملائكة يضربونه بالمخاريق، وهو البرق، فيرتفع.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن العزرميّ رفعه  قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- وسئل عن السّحاب أين يكون؟

قال: يكون على شجر، على كثيب، على شاطئ البحر يأوي إليه. فإذا أراد اللَّه- عزّ وجلّ- أن يرسله، أرسل ريحا فأثارته. ووكّل به ملائكة يضربونه بالمخاريق، وهو البرق، فيرتفع. ثمّ قرأ هذه الآية: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ (الآية) والملك اسمه الرّعد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إذا أراد اللَّه أن يبعث الخلق، أمطر السّماء على الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال ونبتت اللّحوم.و في أمالي الصّدوق ، مثله سواء.

 

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ: الشّرف والمنعة.

فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً، أي: فليطلبها من عنده، فإنّ له كلّها. فاستغنى بالدليل عن المدلول.

و في مجمع البيان : فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً

روى أنس، عن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: إنّ ربّكم يقول كلّ يوم: أنا العزيز. فمن أراد عزّ الدّارين، فليطلع العزيز.

إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ: بيان لما يطلب به العزّة، وهو التّوحيد والعمل الصّالح. وصعودهما إليه مجاز عن قبوله إيّاهما، أو صعود الكتبة بصحيفتهما.

و المستكنّ في «يرفعه» «للكلم»، فإنّ العمل لا يقبل إلّا بالتّوحيد. ويؤيّده أنّه نصب «العمل». أو «للعمل» فإنّه يحقّق الإيمان ويقوّيه. أو «للَّه» وتخصيص العمل بهذا الشّرف لما فيه من الكلفة.

و قرئ: «يصعد» على البنائين. والمصعد هو اللَّه- تعالى-. أو المتكلّم به. أو الملك . وقيل : الكلم الطّيّب يتناول الذّكر والدّعاء وقراءة القرآن. وعنه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: هو سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلّا اللَّه واللَّه أكبر. فإذا قالها العبد، عرج بها الملك إلى السّماء فحيّا بها وجه الرّحمن. فإذا لم يكن عمل صالح، لم يقبل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ قال: كلمة الإخلاص والإقرار بما جاء به من عند اللَّه من الفرائض، والولاية ترفع العمل الصّالح إلى اللَّه- عزّ وجلّ-.

و عن الصّادق- عليه السّلام - أنّه قال: الْكَلِمُ الطَّيِّبُ قول المؤمن: لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، عليّ وليّ اللَّه وخليفة رسول اللَّه.

و قال: والْعَمَلُ الصَّالِحُ الاعتقاد بالقلب، أنّ هذا هو الحقّ من عند اللَّه لا شكّ فيه من ربّ العالمين.و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: إنّ لكلّ قول مصداقا من عمل يصدقه أو يكذبه. فإذا قال ابن آدم وصدق قوله بعمله، رفع قوله بعمله إلى اللَّه. وإذا قال وخالف قوله عمله ، ردّ قوله على عمله الخبيث وهوى به في النّار.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى زيد بن عليّ- عليه السّلام- عن أبيه سيّد العابدين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه يقول سيّد العابدين- عليه السّلام-: وإنّ للَّه- تبارك وتعالى- بقاعا في سماواته، فمن عرج به إلى  [بقعة منها]  فقد عرج به إليه.

ألا تسمع اللَّه- عزّ وجلّ- يقول : تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ. [و يقول- عزّ وجلّ-: في قصّة عيسى بن مريم- عليه السّلام-: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ‏]  ويقول- عزّ وجلّ-: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.

و في الفقيه ، مثله سواء.

 

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد وغيره، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القنديّ، عن عمّار الأسديّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ولايتنا أهل البيت- وأهوى بيده إلى صدره- فمن لم يتولّنا، لم يرفع اللَّه له عملا.

و في نهج البلاغة : ولو لا إقرارهنّ له بالرّبوبيّة وإذعانهنّ له بالطّاعة، لما جعلهنّ اللَّه موضعا لعرشه ولا مسكنا لملائكته ولا مصعدا للكلم الطّيب والعمل الصّالح من خلقه.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللَّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه قال ابن الكوّا: يا أمير المؤمنين، فما ثواب من قال: لا إله إلّا اللَّه؟قال: من قال: لا إله إلّا اللَّه مخلصا، طمست ذنوبه، كما يطمس الحرف الأسود من الورق  الأبيض. فإذا قال ثانية: لا إله إلّا اللَّه مخلصا، خرقت أبواب السّماء وصفوف الملائكة حتّى يقول الملائكة بعضها لبعض: اخشعوا لعظمة اللَّه. فإذا قال ثالثة مخلصا : لا إله إلّا اللَّه، لم تنته دون العرش. فيقول الجليل: اسكني، فو عزّتي وجلالي، لاغفرنّ لقائلك بما كان فيه. ثمّ تلا هذه الآية: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ‏

 

، يعني: إذا كان عمله خالصا  ارتفع قوله وكلامه.

و في شرح الآيات الباهرة : روى الشّيخ محمّد بن يعقوب- رحمه اللَّه، عن عليّ بن محمّد وغيره، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القنديّ، عن عمّار بن يقظان، الأسديّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ قال: ولايتنا أهل البيت- وأهوى بيده إلى صدره- فمن لم يتولّنا، لم يرفع اللَّه له عملا،

يعني: أنّ الولاية هي العمل الصالح الّذي يرفع الكلم الطّيّب إلى اللَّه- تعالى-.

و يؤيّده ما

رواه عن الإمام عليّ بن موسى- عليهما السّلام - في قوله- تعالى-: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.

قال: الْكَلِمُ الطَّيِّبُ هو قول: لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-، عليّ وليّ اللَّه وخليفته حقّا وخلفاؤه خلفاء اللَّه. وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ فهو دليله. وعمله، اعتقاده الّذي في قلبه بأنّ هذا الكلام صحيح، كما قلته بلساني،

يعني: أنّ قوله بلسانه غير كاف إذا لم يكن بقلبه ولسانه وجوارحه وأركانه.

وَ الَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ: المكرات السّيّئات، يعني: مكرات قريش للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- في دار النّدوة وتدارسهم الرّأي في إحدى ثلاث: حبسه، وقتله، وإجلائه.

و قيل : يعملون السّيّئات. وقيل: يشركون باللَّه.لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ: لا يؤبه دونه بما يمكرون به.

وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ : يفسد ولا ينفذ. لأنّ الأمور مقدّرة لا تتغيّر به، كما دلّ عليه بقوله: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ: بخلق آدم منه.

ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ: يخلق ذرّيّته منها.

ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً: ذكرانا وإناثا.

وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ: إلّا معلومة له.

وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ: وما يمدّ في عمره من مصيره إلى الكبر.

وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ: من عمر المعمّر لغيره. بأن يعطى له عمر ناقص من عمره، أو لا ينقص من عمر المنقوص عمره بجعله ناقصا.

و الضّمير له وإن لم يذكر، لدلالة مقابله عليه. أو للمعمرّ على التّسامح فيه، ثقة بفهم السّامع، كقوله: لا يثيب اللَّه عبدا ولا يعاقبه إلّا بحقّ.

و قيل : الزّياد والنّقصان في عمر واحد باعتبار أسباب مختلفة أثبتت في اللّوح، مثل: أن يكون فيه، إن حجّ زيد  فعمره ستّون سنة وإلّا فأربعون.

و قيل : المراد بالنّقصان، ما يمرّ من عمره وينقص فإنّه يكتب في صحيف عمره يوما فيوما.

و عن يعقوب : «و لا ينقص» على البناء للفاعل.

إِلَّا فِي كِتابٍ: هو علم اللَّه، أو اللّوح، أو الصّحيفة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- في قوله: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ، يعني: يكتب في كتاب.

و هو ردّ على من ينكر البداء.

و في جوامع الجامع : وقيل معناه: لا يطول عمر ولا ينقص  إلّا في كتاب اللَّه.] و هو أن يكتب في اللّوح [المحفوظ:]  لو أطاع اللَّه فلان، بقي إلى وقت كذا. وإذا عصى، نقص من عمره الّذي وقّت له. وإليه‏

أشار رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- في قوله: إنّ الصّدقة وصلة الرّحم تعمّران الدّيار وتزيدان في الأعمار.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان، بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: ما نعلم شيئا يزيد في العمر إلّا صلة الرّحم، حتّى أنّ الرّجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولا للرّحمن فيزيد اللَّه في عمره ثلاثين سنة ، أو يكون»

 قاطعا للرّحم فينقصه اللَّه- عزّ وجلّ- عن ثلاثين سنة ويجعل أجله إلى ثلاث سنين.

الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد  عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- مثله.

 

و في كتاب الخصال  0: عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك قال: سمعت النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يقول: من سرّه أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله، فليصل رحمه.

عن أبي جعفر- عليه السّلام - قالت: في كتاب عليّ- عليه السّلام-: ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ حتّى يرى وبالهنّ: البغي، وقطيعة الرّحم، واليمين الكاذبة يبارز اللَّه بها، إلى قوله- عليه السّلام-: وإنّ القوم ليكونون فجّارا فيتواصلون، فتنمي أموالهم فيبرّون فيزاد في أعمارهم  وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرّحمن لتذر انّ الدّيار بلاقع  من أهلها.

عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-  قال: من صدق لسانه، ذكا عمله. ومن حسنت نيّته، زاد اللَّه في رزقه، ومن حسن برّه في أهله، زاد اللَّه في عمره.

عن حذيفة بن اليمان  قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: يا معشرالمسلمين، إيّاكم والزّنا، فإنّ فيه ستّ خصال ثلاث في الدّنيا وثلاث في الآخرة. أمّا الّتي في الدّنيا، فإنّه يذهب بالبهاء ويورث الفقر وينقص العمر (الحديث).

و عن عليّ بن أبي طالب ، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليهما وآلهما- أنّه قال في وصيّته له. مثله بتغيير يسير.

 

و عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- مثله كذلك.

و في كتاب التّوحيد ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع سليمان المروزيّ.

 

قال الرّضا- عليه السّلام-: لقد أخبرني أبي، عن آبائه أنّا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أوحى إلى نبيّ من أنبيائه: أن أخبر فلان الملك أني متوفّيه كذا وكذا.

فأتاه ذلك النّبيّ، فأخبره.

فدعا اللَّه الملك، وهو على سريره، حتّى سقط من السّرير، فقال: يا ربّ، أجّلني حتّى يشبّ طفلي واقضي أمري.

فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إلى ذلك النّبيّ: أن ائت إلى فلان الملك، فاعلمه أنّي قد أنسأت في أجله وزدت في عمره خمس عشرة سنة.

فقال ذلك النّبيّ: يا ربّ، إنّك تعلم أنّي لم أكذب قطّ.

فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إليه: إنّما أنت عبد مأمور، فأبلغه ذلك، واللَّه لا يسأل عمّا يفعل.

و في عيون الأخبار ، مثله سواء.

 

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي إسحاق الجرجانيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- جعل لمن جعل له سلطانا أجلا ومدّة من ليال وأيّام وسنين وشهور. فإن عدلوا في النّاس، أمر اللَّه- عزّ وجلّ- صاحب الفلك أن يبطئ بإدارته فطالت أيّامهم ولياليهم وسنوهم  وشهورهم. وإن هم جاروا في النّاس ولم يعدلوا، أمر اللَّه- عزّ وجلّ- صاحب الفلك فأسرع‏

بإدارته فقصرت لياليهم وأيّامهم وسنينهم وشهورهم. وقد وفي لهم - عزّ وجلّ- بعدد اللّيالي والشّهور.

و في إرشاد المفيد- رحمه اللَّه- : وروى المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها، واستغنى النّاس  عن ضوء الشّمس، وذهبت الظّلمة، ويعمّر الرّجل في ملكه حتّى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى.

 

و في تهذيب الأحكام : أبو القاسم جعفر بن محمّد [، عن محمد بن عبد اللَّه،]  عن الحسين بن عليّ بن زكريّا، عن الهيثم بن عبد اللَّه، عن الرّضا علي بن موسى- عليه السّلام- عن أبيه قال: قال الصّادق- عليه السّلام-: إنّ أيّام زائري الحسين بن عليّ- عليهما السلام- لا تعدّ من آجالهم.

و عنه ، محمّد بن عبد اللَّه بن جعفر، عن أبيه، عن محمّد بن عبد الحميد، عن سيف بن عميرة، عن منصور بن حازم قال: سمعته يقول: من أتى عليه حول ولم يأت قبر الحسين- عليه السّلام- نقص اللَّه من عمره حولا. ولو قلت: إنّ أحدكم ليموت قبل أجله بثلاثين سنة، لكنت صادقا. وذلك أنّكم تتركون زيارته. فلا تدعوها، يمدّ اللَّه في أعماركم ويزيد في أرزاقكم. وإذا تركتم زيارته، نقص اللَّه من أعماركم وأرزاقكم.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من أخبار هذه المجموعة، وبإسناده قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: يا عليّ، من كرامة المؤمن على اللَّه أنّه لم يجعل لأجله وقتا حتّى يهم ببائقة . فإذا همّ ببائقة، قبضه إليه.

قال: وقال جعفر بن محمّد- عليه السّلام-: تجنّبوا البوائق، يمدّ لكم في الأعمار.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن موسى بن القاسم‏

 البجليّ، عن عليّ بن جعفر- عليه السّلام- قال: جاءني محمّد بن إسماعيل وقد اعتمرنا عمرة رجب، ونحن يومئذ بمكّة.

فقال: يا عمّ، إنّي أريد بغداد وقد أحببت أن أودّع عميّ أبا الحسن، يعني موسى بن جعفر- عليه السّلام-. وأحببت أن تذهب معي إليه.

فخرجت معه نحو أخي، وهو في داره الّتي بالحوبة، وذلك بعد المغرب بقليل.

فضربت الباب.

فأجابني أخي فقال: من هذا؟

فقلت: عليّ.

فقال: هو ذا أخرج. وكان يبطئ الوضوء.

فقلت: العجل.

قال: وأعجل.

فخرج وعليه إزار ممشّق  قد عقده في عنقه، حتّى قعد تحت عتبة الباب.

فقال عليّ بن جعفر: فانكببت عليه فقبّلت رأسه، وقلت: قد جئتك في أمر إن تره صوابا فاللَّه  وفّق، وإن يكن  غير ذلك فما أكثر ما نخطئ.

قال: وما هو؟

قلت: هذا ابن أخيك يريد أن يودّعك ويخرج إلى بغداد.

فقال لي: ادعه . فدعوته، وكان متنحيّا.

فدنا منه فقبّل رأسه، وقال: جعلت فداك، أوصني.

فقال : أوصيك أن تتّقي اللَّه في دمي.

فقال: من أرادك بسوء، فعل اللَّه به وفعل .ثمّ عاد فقبّل رأسه، ثمّ قال: يا عمّ، أوصني.

فقال: أوصيك أن تتّقي اللَّه في دمي.

فقال: من أرادك بسوء، فعل اللَّه به وفعل . ثمّ قال: يا عمّ، أوصني.

فقال: أوصيك أن تتّقي اللَّه في دمي.

فدعا على من أراده بسوء، ثمّ تنحّى عنه ومضيت معه.

فقال لي أخي: يا عليّ، مكانك.

فقمت مكاني. فدخل منزله ثمّ دعاني، فدخلت إليه. فتناول صرّة فيها مائة دينار فأعطانيها، وقال: قل لابن أخيك، يستعين بها على سفره.

قال عليّ: فأخذتها فأدرجتها في حاشية ردائي، ثمّ ناولني مائة أخرى وقال:

أعطه- أيضا. ثمّ ناولني صرّة أخرى وقال: أعطه أيضا.

فقالت: جعلت فداك، إذا كنت تخالف منه مثل الّذي ذكرت، فلم تعينه على نفسك؟

فقال: إذا وصلته وقطعني، قطع اللَّه أجله. ثمّ تناول مخدة أدم فيها ثلاثة آلاف درهم وضح  فقال: أعطه هذا- أيضا.

قال: فخرجت إليه فأعطيته المائة الأولى ففرح فرحا شديدا ودعا لعمّه، ثمّ أعطيته الثّانية [و الثّالثة]  ففرح حتّى ظننت أنّه سيرجع ولا يخرج، ثمّ أعطيته الثّلاثة آلاف درهم.

فمضى على وجهه حتّى دخل على هارون، فسلّم عليه بالخلافة وقال: ما ظننت أنّ في الأرض خليفتين حتّى رأيت عميّ موسى بن جعفر- عليه السّلام- يسلّم عليه بالخلافة.

فأرسل هارون إليه بمائة ألف درهم، فرماه اللَّه بالذّبحة . فما نظر منها إلى درهم ولا مسّه.

إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ : إشارة إلى الحفظ، أو الزّيادة، أو النّقص.

وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ: ضرب مثل للمؤمن والكافر.

و «الفرات» الّذي يكسر العطش. و«السّائغ» الّذي يسهل انحداره. و«الأجاج»الّذي يحرق بملوحته.

و قرئ: «سيّغ» بالتّشديد والتّخفيف. وملح على فعل»

.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه -: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ فالأجاج: المرّ.

وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها: استطراد في صفة البحرين وما فيهما من النّعم، أو تمام التّمثيل.

و المعنى: كما أنّهما وإن اشتركا في بعض الفوائد، لا يتساويان من حيث أنّهما لا يتساويان فيما هو المقصود بالذّات من الماء. فإنّه خالط أحدهما ما أفسده وغيّره عن كمال فطرته. لا يتساوى المؤمن والكافر وإن اتّفق اشتراكهما في بعض الصّفات، كالشّجاعة والسّخاوة، لاختلافهما فيما هو الخاصّيّة العظمى وهي بقاء أحدهما على الفطرة الأصليّة دون الآخر. أو تفضيل للأجاج على الكافر بما يشارك العذب من المنافع. والمراد بالحلية اللّآلي واليواقيت.

وَ تَرَى الْفُلْكَ فِيهِ: في كلّ.

مَواخِرَ: تشقّ الماء بجريها.

لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ: من فضل اللَّه بالنّقلة فيها.

و «اللّام» متعلّقة «بمواخر» ويجوز أن تتعلّق بما دلّ عليه الأفعال المذكورة.

وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ : على ذلك. وحرف التّرجي باعتبار ما يقتضيه ظاهر الحال.

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى: هي مدّة دوره، أو منتهاه، أو يوم القيامة.

ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ: الإشارة إلى الفاعل لهذه الأشياء. وفيها إشعار بأن فاعليّته لها موجبة لثبوت الأخابر المترادفة. ويحتمل أن يكون «له الملك» كلاما مبتدأ في قرآن.

وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ : للدّلالة على تفرّده‏بالألوهيّة والرّبوبيّة.

و «القطمير» لفافة النّواة.

إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ: لأنّهم جماد.

وَ لَوْ سَمِعُوا: على سبيل الفرض.

مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ: لعدم قدرتهم على الإنفاع، أو لتبرّئهم منكم ممّا تدعون لهم.

وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ: بإشراككم لهم. يقرون ببطلانه، أو يقولون: ما كنتم إيّانا تعبدون.

وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ : ولا يخبرك بالأمر مخبر مثل خبير به أخبرك، وهو اللَّه- سبحانه. فإنّه الخبير به على الحقيقة دون سائر المخبرين. والمراد، تحقيق ما أخبر به من حال آلتهم ونفي ما يدعون لهم.

يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ: في أنفسكم وما يعنّ لكم. وتعريف الفقراء للمبالغة في فقرهم، كأنّهم لشدّة افتقارهم وكثرة احتياجهم هم الفقراء. فإنّ افتقار سائر الخلائق بالإضافة إلى فقرهم غير معتدّ به. ولذلك قال : وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً.

وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ : المستغني على الإطلاق، المنعم على سائر الموجودات، حتى استحقّ عليهم الحمد.

إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ : بقوم أطوع منكم، أو بعالم آخر غير ما تعرفونه.

وَ ما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ : بمتعذّر، أو متعسّر.

وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى: ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى. وأمّا قوله :

وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ. ففي الضّالّين المضلّين. فإنّهم يحملون أثقال إضلالهم مع أثقال ضلالهم. وكلّ ذلك أوزارهم ليس فيها شي‏ء من أوزاره غيرهم.

وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ: نفس أثقلها الأوزار.

إِلى حِمْلِها: تحمّل بعض أوزارها.

لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْ‏ءٌ: لم تجب لحمل شي‏ء منه. نفي أن يحمل عنها ذنبها، كما نفى أن يحمل عليها ذنب غيرها.وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى: ولو كان المدعوّ ذا قرابتها. فأضمر المدعوّ، لدلالة «إن تدع» عليه.

و قرئ: «ذو قربى» على حذف الخبر. وهو أولى من جعل «كان» التّامّة، فإنّها لا تلائم نظم الكلام .

إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ: غائبين عن عذابه، أو عن النّاس في خلواتهم.

وَ أَقامُوا الصَّلاةَ: فإنّهم المنتفعون بالإنذار لا غير. واختلاف الفعلين، لما مرّ.

وَ مَنْ تَزَكَّى: ومن تطهّر عن دنس المعاصي.

فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ: إذ نفعه لها.

و قرئ: «و من أزكى فإنّما يزكي .» وهو اعتراض مؤكّد لخشيتهم وإقامتهم الصّلاة، لأنّهما من جملة التّزكّي.

وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ : فيجازيهم على تزكّيهم.

وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ : الكافر والمؤمن.

و قيل : هما مثلان، للصّنم وللَّه- عزّ وجلّ-.

وَ لَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ : ولا الباطل ولا الخلق.

وَ لَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ : ولا الثّواب ولا العقاب. «و لا» لتأكيد نفي الاستواء، تكريرها على الشّقّين لمزيد التّأكيد.

و «الحرور» فعول، من الحرّ غلب على السّموم.

و قيل : السّموم، ما يهبّ [نهارا. والحرور، ما يهب‏]  ليلا.

وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ: تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أبلغ من الأوّل، ولذلك كرّر الفعل.

و قيل : للعلماء والجهلاء.

إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ: هدايته، فيوفّقه لفهم آياته والاتّعاظ بعظاته.وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ : ترشيح لتمثيل المصرّين على الكفر بالأموات، ومبالغة في إقناطه عنهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ مثل ضربه اللَّه- عزّ وجلّ- للمؤمن والكافر. وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ فالظّلّ، النّاس. والحرور، البهائم . ثمّ قال: إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ قال: هؤلاء الكفّار لا يسمعون منك، كما لا يسمع أهل القبور.

و في شرح الآيات الباهرة : روي عن أنس بن مالك، عن ابن شهاب ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس قال: قوله- عزّ وجلّ-: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ. قال:

الأعمى ، أبو جهل. والبصير، أمير المؤمنين- عليه السّلام-. وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ فالظّلمات. أبو جهل. والنّور، أمير المؤمنين- عليه السّلام-. وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ والظّلّ، ظلت أمير المؤمنين- عليه السّلام- في الجنّة. والحرور، يعني: جهنّم لأبي جهل. ثمّ جمعهم جميعا فقال: وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ والأحياء، علي وحمزة وجعفر والحسن والحسين وفاطمة وخديجة- عليهما السلام-. والأموات، كفّار مكّة.

إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ : فما عليك إلّا الإنذار. أمّا الإسماع، فلا إليك ولا حيلة لك إليه في المطبوع على قلوبهم.

إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ: محقّين، أو محقّا، أو إرسالا مصحوبا بالحقّ.

و يجوز أن يكون صلة لقوله- تعالى-: بَشِيراً: بالوعد الحقّ: وَنَذِيراً بالوعيد الحقّ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ: أهل عصر.

إِلَّا خَلا: مضى فِيها نَذِيرٌ : من [نبيّ، أو]  عالم منذر عنه. والاكتفاء بذكره، للعلم بأنت النّذارة قرينة البشارة سيما وقد قرن به من قبل. أو لأنّ الإنذار هو المقصود الأهمّ من البعثة.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ قال: لكلّ زمان إمام.

و في أصول الكافي ، بإسناده إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: يا معشر الشّيعة، خاصموا بسورة إنا أنزلناه تفلحوا. فو اللَّه، وإنّها لحجّة اللَّه- تبارك وتعالى- على الخلق بعد رسول اللَّه. وإنّها لسيّدة دينكم. وإنّها لغاية  علمنا. يا معشر الشّيعة، خاصموا ب حم، وَالْكِتابِ الْمُبِينِ ، إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ، إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. فإنّها لولاة الأمر خاصّة بعد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. يا معشر الشّيعة، يقول اللَّه- تبارك وتعالى-: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ.

قيل: يا أبا جعفر، نذيرها محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-؟

قال: صدقت، فهل كان نذير وهو حيّ من البعثة في أقطار الأرض؟

فقال السّائل: لا.

قال أبو جعفر- عليه السّلام- أ رأيت بعيثه  ليس نذيره، كما أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- في بعثته من اللَّه- عزّ وجلّ- نذير؟

فقال: بلى.

قال: قال: فكذلك لم يمت محمّد إلّا وله بعيث . نذير. قال: فإنّ قلت: لا، فقد ضيّع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- من في أصلاب الرّجال من أمتّه.

قال: وما يكفيهم القرآن؟

قال: بلى، إن وجدوا له مفسّرا.

قال: وما فسّره رسول اللَّه- صلّى اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم؟

قال: بلى قد فسّره لرجل واحد وفسّر للأمّة شأن ذلك الرّجل، وهو عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللَّه- في احتجاج أبي عبد اللَّه‏

 الصّادق- عليه السّلام-: قال السّائل: فأخبرني عن المجوس، أ فبعث  إليهم نبيّا؟ فإنّي أجد لهم كتبا محكمة، ومواعظ بليغة، وأمثالا شافية، ويقرّون الثّواب والعقاب، ولهم شرائع يعملون بها.

قال: ما من أمّة إلّا خلا فيها نذير، وقد بعث إليهم نبيّ بكتاب من عند اللَّه فأنكروه وجحدون كتابه.

وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ:

بالمعجزات الشّاهدة على نبوّتهم.

وَ بِالزُّبُرِ، كصحف إبراهيم- عليه السّلام.

وَ بِالْكِتابِ الْمُنِيرِ ، كالتّوراة والإنجيل. على إرادة التّفضيل دون الجمع. ويجوز أن يراد بهما واحد. والعطف لتغاير الوصفين.

ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ ، أي: إنكاري بالعقوبة.

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها:

أجناسها، أو أصنافها. على أنّ كلّا منها ذو أصناف مختلفة، أو هيئاتها من الصّفرة والخضرة ونحوهما.

وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ، أي: ذو جدد، أي: خطط وطرائق. ويقال: جدّة الحمار، للخطّة السّوداء على ظهره.

و قرئ: «جدد» بالضّمّ. جمع، جديدة، بمعنى: الجدة. و«جدد» بفتحتين، وهو الطّريق الواضح .

بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها: بالشّدّة والضّعف.

وَ غَرابِيبُ سُودٌ : عطف على «بيض» أو على «جدد»، كأنّه قيل : من الجبال ذو جدد مختلف الألوان ومنها غرابيب متّحدة اللّون. وهو تأكيد مضمر يفسّره ما بعده. فإنّ الغرابيب تأكيد للسّود، وحقّ التّأكيد أن يتبع المؤكّد. ونظير ذلك في الصّفة قول النّابغة:

         والمؤمن العائذات الطّير يمسحها

 

 و في مثله مزيد تأكيد من التّكرير باعتبار الإضمار والإظهار.

و «الغربيب» الشّديد السّواد، الّذي يشبه لون الغراب.

وَ مِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ: كاختلاف الثّمار والجبال.

إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ: إذ شرط الخشية معرفة المخشى والعلم بصفاته وأفعاله، فمن كان أعلم به كان أخشى منه. ولذلك‏

قال- عليه السّلام -: إنّي أخشاكم باللَّه وأتقاكم له.

و لهذا أتبعه بذكر أفعاله الدّالّة على كمال قدرته.

و تقديم المفعول، لأنّ المقصود حصر الفاعليّة. ولو أخّر انعكس الأمر.

و قرئ، برفع «اللَّه» ونصب «العلماء». على أنّ الخشية مستعارة للتّعظيم. فإن العظيم يكون مهيبا .

و في أصول الكافي : عدّة أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن صالح بن حمزة رفعه قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ من العبادة شدّة الخوف من اللَّه- عزّ وجلّ-. يقول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة قال:

 

قال عليّ بن الحسين- عليهما السلام-: وما العلم باللَّه والعمل إلّا إلفان مؤتلفان. فمن عرف اللَّه، خافه وحثّه  الخوف على العمل بطاعة اللَّه. وإنّ أرباب العلم وأتباعهم، الّذين عرفوا اللَّه فعملوا له ورغبوا إليه. وقد قال اللَّه: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في مجمع البيان : وروي عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه قال: يعني بالعلماء:

من صدق قوله فعله. ومن لم يصدّق فعله قوله، فليس بعالم.و في الحديث : أعلمكم باللَّه، أخوفكم للَّه.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: ودليل الخشية ، التّعظيم للَّه والتّمسّك بخالص الطّاعة  وأوامره [و الخوف‏]  والحذر ، ودليلهما العلم. قال اللَّه- تعالى-: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ.

و في مصباح شيخ الطّائفة- قدّس سرّه - في دعاء يوم الأربعاء: اللّهمّ أشدّ خلقك خشية لك أعلمهم بك، وأفضل خلقك لك  علما أخوفهم لك . لا علم إلّا خشيتك، ولا حكم  إلّا الإيمان بك. ليس لمن لم يخشك علم، ولا لمن لم يؤمن بك حكم.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا عليّ بن أبي طالب، عن إبراهيم بن محمّد، عن جعفر بن عمر، عن مقاتل بن سلمان، عن الضّحّاك بن مزاحم، عن ابن عبّاس في قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ قال: يعني به: عليّا- عليه السّلام-. كان عالما باللَّه، ويخشى اللَّه ويراقبه، ويعمل بفرائضه، ويجاهد في سبيله، ويتّبع جميع أمره برضاه ورضا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-.

إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ : تعليل لوجوب الخشية، لدلالته على أنّه معاقب للمصرّ على طغيانه غفور للتّائب من عصيانه.

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ: يداومون قراءته أو متابعة ما فيه، حتّى صارت سمة لهم وعنوانا.

و المراد بالكتاب، القرآن أو جنس كتب اللَّه، فيكون ثناء على المصدّقين من الأمم بعد اقتصاص حال المكذّبين.وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً: كيف اتّفق من غير قصد إليهما.

و قيل : السّرّ في المسنونة، والعلانية في المفروضة.

يَرْجُونَ تِجارَةً: تحصيل ثواب بالطّاعة. وهو خبر «إنّ».

لَنْ تَبُورَ : لن تكسد ولن تهلك بالخسران. صفة «للتّجارة».

و في مجمع البيان : وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً. (الآية.) و

عن عبد اللَّه بن عبيد بن عمير اللّيثيّ  قال: قام رجل إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- فقال:

يا رسول اللَّه، مالي لا أحبّ الموت؟

قال: أ لك مال؟

قال: نعم.

قال: فقدّمه.

قال: لا أستطيع.

قال: فإنّ قلب الرّجل مع ماله، إن قدّمه أحبّ أن يلحق به، وإن أخّره أحبّ أن يتأخّره معه.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال- عليه السّلام- إنّما أعطاكم اللَّه هذه الفضول من الأموال لتوجّهوها حيث وجّهها اللَّه- عزّ وجلّ-. ولم يعطكموها لتكنزوها.

و في كتاب الخصال : عن هشام بن معاذ قال: كنت جليس عمر بن عبد العزيز  حيث دخل المدينة. فأمر مناديه فنادى: من كانت له مظلمة أو ظلامة فليأت الباب.

فأتاه محمد بن عليّ، يعني: الباقر- عليه السّلام-.

فدخل إليه مولاه مزاحم فقال: إنّ محمّد بن عليّ بالباب.

فقال له: أدخله، يا مزاحم.

قال: فدخل، وعمر يمسح عينيه من الدّموع.

فقال له محمّد بن عليّ: ما أبكاك، يا عمر؟

فقال هشام: أبكاه كذا وكذا، يا ابن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-.

فقال محمّد بن علىّ: يا عمر، إنّما الدّنيا سوق من الأسواق، منها خرج قوم بما ينفعهم ومنها خرجوا بما يضرّهم، إلى قوله- عليه السّلام-: واجعل في قلبك اثنتين: تنظر الّذي تحبّ أن يكون معك إذا قدمت على ربّك، فقدّمه بين يديك. وتنظر الّذي تكره أن يكون معك إذا قدمت على ربّك، فابتغ به البدل. ولا تذهبنّ إلى سلعة  قد بارت على من كان قبلك، ترجو أن تجوز عنك.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

لِيُوَفِّيَهُمْ: بنفاقها.

أُجُورَهُمْ، أي: فعلوا ذلك ليوفيّهم اللَّه أجورهم بالثّواب.

وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ: على ما يقابل أعمالهم.

و في مجمع البيان : روى ابن مسعود، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- أنّه قال في قوله: وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ: هو الشّفاعة لمن وجبت له النّار ممّن صنع إليه معروفا في الدّنيا.

إِنَّهُ غَفُورٌ: لفرطاتهم.

شَكُورٌ : لطاعاتهم، أي: مجازيهم عليها. وهو علّة للتّوفية والزّيادة. أو خبر «إنّ» و«يرجون» حال من واو «و أنفقوا».

وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ، يعني: القرآن، و«من» للتّبين. أو الجنس، ومن للتّبعيض.

هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ: أحقّه مصدّقا لما تقدّمه من الكتب السّماويّة.

حال مؤكّدة، لأنّ حقّيّته تستلزم موافقته إيّاه في العقائد وأصول الأحكام.

إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ : عالم بالبواطن والظّواهر. فلو كان في أحوالك ما ينافي النّبوّة، لم يوح إليك مثل هذا الكتاب المعجز، الّذي هو عيار على سائر الكتب. تقديم «الخبير» للدّلالة على أنّ العمدة في ذلك الأمور الرّوحانيّة.

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ: حكمنا بتوريثه منك، أو نورثه. فعبّر عنه بالماضي لتحقّقه.أو أورثناه من الأمم السّالفة.

و العطف على إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ والَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ اعتراض لبيان كيفيّة التّوريث.

الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا:

قيل : يعني: علماء الأمة [من الصّحابة ومن بعدهم.]  أو الأمّة بأسرهم، فإنّ اللَّه اصطفاهم على سائر الأمم.

فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ: بالتّقصير في العمل به.

وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ: يعمل به في أغلب الأوقات.

وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ: يضمّ التّعليم والإرشاد إلى العمل.

و قيل : «الظّالم» الجاهل. و«المقتصد» المتعلّم. و«السّابق» العالم.

و قيل : «الظّالم» المجرم. و«المقتصد» الّذي خلط العمل  الصّالح بالسّيّ‏ء.

و «السّابق» الّذي ترجّحت  حسناته بحيث صارت سيّئاته مكفّرة، وهو معنى‏

قوله- عليه السّلام-: أمّا الّذين سيقوا فأولئك يدخلون الجنّة الحساب، وأمّا الّذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا، وأمّا الّذين ظلموا فأولئك يحبسون  في طول المحشر ثمّ يتلقّاهم اللَّه برحمته.

و قيل : «الظّالم» الكافر. على أنّ الضّمير «للعباد»، وتقديمه لكثرة الظّالمين.

ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ : إشارة إلى التّوريث والاصطفاء والسّبق.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن حمّاد بن عيسى، عن عبد المؤمن عن سالم قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ.قال: سابِقٌ بِالْخَيْراتِ الإمام. والمقتصد العارف للإمام. والظالم لنفسه الّذي لا يعرف الإمام.

الحسين، عن المعلّى ، عن الوشّاء، عن عبد الكريم، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قوله- تعالى-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فقال: أيّ شي‏ء تقولون أنتم؟

قلت: نقول: إنّها في الفاطميين.

قال: ليس حيث تذهب، ليس يدخل في هذا من أشار بسيفه ودعا النّاس إلى خلاف.

فقلت: أيّ شي‏ء الظّالم لنفسه؟

قال: الجالس في بيته لا يعرف حقّ الإمام. والمقتصد العارف بحقّ الإمام.

و السابق بالخيرات الإمام.

الحسين بن محمّد، عن المعلّى ، عن الحسن، عن أحمد بن عمر قال: سألت أبا الحسن الرّضا- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا (الآية.)

قال: فقال: ولد فاطمة- عليها السّلام-. والسابق بالخيرات الإمام.

و المقتصد العارف بالإمام. والظالم لنفسه الّذي لا يعرف الإمام.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر  أو غيره، عن محمّد بن حمّاد، عن أخيه أحمد بن حمّاد، عن إبراهيم»

، عن أبي الحسن عليه السّلام أنّه قال: وقد أورثنا نحن هذا القرآن، الّذي فيه ما تسيّر به الجبال وتقطّع به البلدان وتحيى به الموتى. ونحن نعرف الماء تحت الهواء.

و إنّ في كتاب اللَّه لآيات ما يراد بها أمر إلّا أن يأذن اللَّه به مع ما قد يأذن اللَّه ممّا كتبه الماضون، جعله اللَّه لنا في أمّ الكتاب. إنّ اللَّه يقول : وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ. ثمّ قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فنحن الّذين‏اصطفانا اللَّه- عزّ وجلّ- وأورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كلّ شي‏ء.

و في بصائر الدّرجات : أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن حميد بن المثنّى، عن أبي سلام المرعشيّ، عن سورة بن كليب قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللَّه- تبارك وتعالى-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ.

قال: السابق بالخيرات الإمام.

أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن ابن مسكان، عن ميسر، عن سورة بن كليب، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال في هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا [إلى آخر] الآية.

قال: السابق بالخيرات الإمام. فهي في ولد عليّ- عليه السّلام-.

و فاطمة- عليها السّلام-.

 

و في كتاب سعد السّعود، لابن طاوس- رحمه اللَّه- نقلا عن كتاب محمّد بن العبّاس بن مروان، بإسناده إلى إسحاق السّبيعيّ قال: خرجت حاجاّ فلقيت محمّد بن علىّ، فسألته عن هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ.

فقال: ما يقول فيها قومك، يا أبا إسحاق، يعني: أهل الكوفة؟

قال: قلت: يقولون: إنّها لهم.

قال: فما يخوفهم إذا كانوا في الجنّة؟

قلت: فما تقول أنت، جعلت فداك؟

فقال: هي لنا خاصّة، يا أبا إسحاق. أمّا السابق بالخيرات فعليّ بن أبي طالب والحسن والحسين والشّهيد منّا. والمقتصد فصائم بالنّهار.

و قائم بالليل، واما الظالم لنفسه ففيه ما في الناس، وهو مغفور له يا أبا إسحاق.

 و فيه- أيضا يقول عليّ بن موسى بن طاوس: وجدت كثيرا من الأخبار وقد ذكرت بعضها في الكتاب البهجة [بثمرة المهجة] متضمّنة أنّ قوله- جلّ جلاله-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ.

أنّ المراد بهذه الآية جميع ذرّيّة النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-. وأنّ الظالم لنفسه هو الجاهل بإمام زمانه. والمقتصد هو العارف به. والسّابق بالخيرات هو امام الوقت عليه السلام.

فمن روينا ذلك عنه الشّيخ أبو جعفر محمد بن بابويه  من كتاب الفرق، بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام-. [من كتاب الواحد لابن جمهور فيما رواه، عن أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ- صلوات اللَّه عليه. ورويناه من كتاب الدّلائل لعبد اللَّه بن جعفر الحميريّ، عن مولانا الحسن العسكريّ- عليه السّلام-. ورويناه من كتاب محمّد بن عليّ بن رباح، بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام-.]  ورويناه من كتاب محمّد بن مسعود بن عيّاش في تفسير القرآن. ورويناه من الجامع الصّغير ليونس بن عبد الرّحمن.

 

و رويناه من كتاب عبد اللَّه بن حمّاد الأنصاريّ. ورويناه من كتاب إبراهيم [بن‏]  الخزّاز

 وغيرهم- رضوان اللَّه عليهم- ممّن لم يحضرني ذكر أسمائهم والإشارة إليهم.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عليّ بن نصر البخاريّ المقريّ قال: حدّثنا أبو عبد اللَّه الكوفيّ العلويّ الفقيه بفرغانة، بإسناد متّصل إلى الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- أنّه سئل عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ (وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ.فقال: «الظّالم» يحوم حوم  نفسه. و«المقتصد» يحوم حوم  قليه. و«السابق» يحوم حوم  ربّه- عزّ وجلّ-.

حدّثنا محمّد بن الحسن القطّان  قال: حدّثنا الحسن بن عليّ، أعني: ابن السّكريّ ، قال: أخبرنا محمّد بن ذكريّا الجوهريّ قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر بن يزيد الجعفيّ، عن أبي جعفر بن عليّ الباقر- عليهما السّلام-. قال: سألته عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ (وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ.

فقال: «الظّالم منّا» من لا يعرف حقّ الإمام. و«المقتصد» العارف بحقّ الإمام.

و سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ هو الإمام. وجَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها، يعني: المقتصد والسّابق.

حدّثنا أبو عبد اللَّه الحسين بن يحيى البجليّ  قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا أبو عوانة موسى بن يوسف الكوفيّ قال: حدّثنا عبد اللَّه بن يحيى، عن يعقوب بن يحيى، عن أبي حفص، عن أبي حمزة الثّماليّ قال: كنت جالسا في المسجد الحرام مع أبي جعفر- عليه السّلام-. إذ أتاه رجلان من أهل البصرة.

فقالا له: يا ابن رسول اللَّه، إنّا نريد أن نسألك عن مسألة.

فقال لهما: سلا عمّا أحببتما .

أخبرنا عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (إلى آخر الآيتين.)

قال: نزلت فينا، أهل البيت.

قال أبو حمزة: فقلت: بأبي أنت وأمّي، فمن الظّالم لنفسه؟قال: من استوت حسناته وسيّئاته منّا أهل البيت، فهو الظّالم لنفسه.

فقلت: من المقتصد منكم؟

قال: العابد للَّه  في الحالين حتّى يأتيه اليقين .

فقلت: فمن السّابق منكم بالخيرات؟

قال: من دعا، واللَّه، إلى سبيل ربّه وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ولم يكن للمضلّين عضدا ولا للخائنين خصيما ولم يرض بحكم الفاسقين، إلّا من خاف على نفسه ودينه ولم يجد أعوانا.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن هذه الآية ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا.

قال: أيّ شي‏ء تقول؟

قلت: إنّي أقول: إنّها خاصّة لولد فاطمة.

فقال- عليه السّلام-: أمّا من سلّ سيفه ودعا النّاس إلى نفسه إلى الضّلال من ولد فاطمة وغيرهم، فليس بداخل في هذه الآية.

قلت: من يدخل فيها؟

قال: «الظّالم للنفسه» الّذين لا يدعون النّاس إلى ضلال ولا هدى. و«المقتصد منّا أهل البيت» العارف حقّ الإمام. و«السّابق بالخيرات» هو الإمام.

و في الخرائج والجرائح : روي عن الحسن بن راشد قال: قال لي أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: يا حسن، إنّ فاطمة من عبادنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ. فأمّا «الظّالم لنفسه» الّذي لا يعرف الإمام. و«المقتصد» العارف بحقّ الإمام. و«السّابق بالخيرات» هو الإمام.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و فيه ، في أعلام أبي محمّد الحسن العسكريّ- عليه السّلام- قال أبو هاشم: إنّه سأله‏عن قوله: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ.

قال- عليه السّلام- كلّهم من آل محمّد. «الظّالم لنفسه» الّذي لا يقر بالإمام.

و «المقتصد» العارف بالإمام، و«السّابق بالخيرات» الإمام.

و في كتاب المناقب ، لابن شهر آشوب: قال الصّادق- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا نزلت في حقّنا وحقّ ذرّيّتنا [خاصّة.]

 

و في  رواية، عنه، وعن أبيه- عليه السّلام-: هي لنا خاصّة، وإيّانا عنى.

و في  رواية أبي الجارود، عن الباقر- عليه السّلام-: هم آل محمّد.

و في مجمع البيان : اختلف في أنّ الضّمير في «منهم» إلى من يعود، على قولين:

أحدهما، أنّه يعود إلى «العباد» إلى قوله: والثّاني أنّ الضّمير يعود إلى «المصطفين» من العباد. عن أكثر المفسّرين.

ثمّ اختلف في أحوال الفرق الثّلاث على قولين: أحدهما، أنّ جميعهم ناج. ويؤيّد ذلك ما

ورد في الحديث عن أبي الدّرداء قال: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- يقول في الآية: أمّا السّابق فيدخل الجنّة بغير حساب. وأمّا المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا.

و أمّا الظّالم لنفسه فيحبس  في المقام ثمّ يدخل الجنّة، فهم الّذين قالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ.

و روى أصحابنا، عن ميسر بن عبد العزيز ، عن جعفر الصّادق- عليه السّلام- أنّه قال: «الظّالم لنفسه منّا» من لا يعرف حقّ الإمام. و«المقتصد منّا» من يعرف حقّ الإمام.

 

و «السّابق بالخيرات» هو الإمام. وهؤلاء كلّهم مغفور لهم.

عن زياد بن المنذر ، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: أمّا «الظّالم لنفسه منّا» فمن‏عمل صالحا وآخر سيّئا. وأمّا «المقتصد» فهو المتعبّد المجتهد. وأمّا «السّابق بالخيرات» فعليّ والحسن والحسين ومن قتل من آل محمّد شهيدا.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون، في الفرق بين العترة والأمّة، بإسناده إلى الرّيان بن الصّلت قال: حضر الرّضا- عليه السّلام- مجلس المأمون. بمرو، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان.

فقال المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا.

فقالت العلماء: أراد اللَّه- تعالى- بذلك الأمّة كلّها.

فقال المأمون: ما تقول، يا أبا الحسن؟

فقال الرّضا- عليه السّلام-: ما أقول كما قالوا، ولكنّي أقول أراد اللَّه- عزّ وجلّ- بذلك العترة الطّاهرة.

فقال المأمون: وكيف عنى العترة من دون الأمّة؟

فقال الرّضا- عليه السّلام-: أنّه لو أراد الأمّة، لكانت بأجمعها في الجنّة، لقول اللَّه- عزّ وجلّ-: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. ثمّ جمعهم كلّهم في الجنة، فقال جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ (الآية.) فصارت الوراثة للعترة الطّاهرة، لا لغيرهم.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا عليّ بن عبد اللَّه بن أسد، عن إبراهيم بن محمّد، عن عثمان بن سعيد، عن إسحاق بن بريد الفرّاء ، عن غالب الهمدانيّ، عن أبي إسحاق السّبيعيّ قال: خرجت حاجّا فلقيت محمّد بن عليّ- عليه السّلام- فسألته عن هذه الآية ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا.

فقال: ما يقول فيها قومك، يا أبا إسحاق، يعني: أهل الكوفة؟

قال: قلت: يقولون: إنّها لهم.قال: فما يخوفهم إذا كانوا من أهل الجنّة؟

قلت: فما تقول أنت، جعلت فداك؟

قال: هي لنا خاصّة، يا أبا إسحاق. أمّا «السّابقون بالخيرات» فعليّ والحسن والحسين والإمام منّا. و«المقتصد» فصائم بالنّهار وقائم باللّيل. و«الظّالم لنفسه» ففيه ما في النّاس، وهو  مغفور له. يا أبا إسحاق، بنا يفكّ اللَّه رقابكم، وبنا يحلّ اللَّه وثاق  الذّلّ من أعناقكم، وبنا يغفر اللَّه ذنوبكم، وبنا يفتح، وبنا يختم. ونحن كهفكم، ككهف أصحاب الكهف. ونحن سفينتكم، كسفينة نوح. ونحن باب حطّتكم، كباب حطّة بني إسرائيل.

و قال- أيضا -: حدّثنا حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن ابن أبي حمزة، عن زكريّا المؤمن ، عن أبي سلام سورة بن كليب  قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: ما معنى قوله- عزّ وجلّ-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا (الآية)؟

قال: «الظّالم لنفسه» الّذي لا يعرف الإمام.

قلت: فمن المقتصد؟

قال: الّذي يعرف الإمام.

قلت: فمن السّابق بالخيرات؟

قال: الإمام.

قلت: فما لشيعتكم؟

قال: تكفّر ذنوبهم وتقضى ديونهم. ونحن باب حطّتهم، وبنا يغفر لهم.

و قال- أيضا : حدّثنا محمّد بن الحسن بن حميد، عن جعفر بن عبد اللَّه المحمّديّ ، عن كثير بن عيّاش، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا.

قال: فهم آل محمّد صفوة اللَّه. فمنهم ظالم لنفسه، وهو الهالك. ومنهم مقتصد، وهم الصّالحون. ومنهم سابق بالخيرات بإذن اللَّه، فهو عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. يقول اللَّه- عزّ وجلّ-: ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، يعني: القرآن.

و قال عليّ بن إبراهيم  في هذه الآية: هم آل محمّد- صلوات اللَّه عليهم- خاصّة، ليس لأحد فيها شي‏ء، أورثهم اللَّه الكتاب الّذي أنزله على محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- تامّا كاملا.

و قال الصّادق - عليه السّلام-: فمنهم ظالم لنفسه، وهو الجاحد للإمام من آل محمّد.

و منهم مقتصد، وهو المقرّ بالإمام. والسّابق بالخيرات، هو الإمام.

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها: مبتدأ وخبر. والضّمير للثّلاثة، أو للّذين، أو للمقتصد والسّابق. فإنّ المراد بهما الجنس.

و قرئ: «جنّة عدن» و«جنّات عدن» منصوبة بفعل يفسّره الظّاهر .

و قرأ أبو عمرو «يدخلونها» على بناء المفعول .

يُحَلَّوْنَ فِيها: خبر ثان، أو حال مقدّرة.

و قرئ: «يحلّون».

من حليت المرأة فهي حالية .

مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ:

 «من» الأولى، للتّبعيض. والثّانية، للتّبيين.

وَ لُؤْلُؤاً: عطف على «ذهب»، أي: من ذهب مرصّع بالّلؤلؤ، أو من ذهب في صفاء اللّؤلؤ. ونصبه نافع وعاصم، عطفا على محلّ مِنْ أَساوِرَ.

وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ . وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ: من خوف العاقبة. أو همّهم من أجل المعاش وآفاته. أو من وسوسة إبليس وغيرها.

و قرئ: الحزن .

إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ: للمذنبين.شَكُورٌ : للمطيعين.

و في معاني الأخبار : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: جنّات عدن يدخلونها، يعني: المقتصد والسّابق‏

 (الحديث.) وقد سبق قريبا.

و في كتاب الخصال ، في احتجاج عليّ- عليه السّلام- على النّاس يوم الشّورى.

 

قال: نشدتكم باللَّه، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-: من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت مماتي ، ويسكن جنّتي الّتي وعدني اللَّه ربّي جنات عدن قضيب غرسه اللَّه. بيده، ثمّ قال له: كن، فكان. فليوال عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وذرّيّته من بعده، فهم الأئمّة وهم الأوصياء، أعطاهم اللَّه علمي وفهمي، لا يدخلونكم في باب ضلال ولا يخرجونكم من باب هدى، لا تعلّموهم فهم أعلم منكم يزول الحقّ معهم أينما زالوا، غيري؟

قالوا: اللّهمّ، لا.

و عن عليّ- عليه السّلام - وقد سأله بعض اليهود عن مسائل.

 

قال اليهوديّ: فأين يسكن نبيّكم من الجنّة؟

قال: في أعلاها درجة وأشرفها مكانا، في جنّات  عدن.

قال: صدقت، واللَّه، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن إسحاق، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-: إذا دخل المؤمن في منازله في الجنّة، وضع على رأسه تاج الملك والكرامة، وألبس [حلل الذّهب والفضّة، والياقوت والدّرّ منظوما في الإكليل تحت التّاج وألبس‏]  سبعين حلّة حرير  بألوان مختلفة منسوجة بالذّهب والفضّة واللّؤلؤ والياقوت الأحمر. وذلك قوله:يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ.

و في روضة الكافي ، مثله سندا ومتنا.

 

و في شرح الآيات الباهرة ، في الحديث السّابق متّصلا بقوله، يعني: القرآن. يقول اللَّه- عزّ وجلّ-: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها، يعني: آل محمّد يدخلون قصور جنّات. كلّ قصر من لؤلؤة واحدة، ليس فيها صدع ولا وصل. لو اجتمع أهل الإسلام فيها، ما كان ذلك القصر إلّا سعة لهم. له القباب من الزّبرجد، كلّ قبّة لها مصراعان، المصراع طوله اثنا عشر ميلا.

يقول اللَّه- عزّ وجلّ-: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ، وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ. قال: و«الحزن» ما أصابهم في الدّنيا من الخوف والشّدّة.

 

الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ: دار الإقامة، والخلود فيها أبدا لا يموتون ولا يخرجون  عنها.

مِنْ فَضْلِهِ: من إنعامه وتفضّله.

لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ: تعب.

وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ : كلال. إذ لا تكليف فيها ولا كدّ. أتبع نفي ما يتبعه، مبالغة.

و في تفسير علىّ بن إبراهيم : لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ قال: «النّصب» العنا. و«اللّغوب» الكسل والضّجر.

و فيه ، في الحديث المنقول متّصلا بآخر ما نقلنا لفظة: «حرير» (آخر الآية) بلا فصل. قال: فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمتها تمشي مقبلة وحولها وصفاؤها تحنّيها ، عليها سبعون حلّة منسوجة بالياقوت والّلؤلؤ والزّبرجد صبغن بمسك وعنبر، وعلى رأسها تاج الكرامة، وفي رجلها نعلان من ذهب مكلّلان بالياقوت واللّؤلؤ شراكهما ياقوت أحمر. فإذا دنت  من وليّ اللَّه، وهو يقوم إليها شوقا، تقول له: يا وليّ اللَّه، ليس هذا يوم تعب‏و لا نصب، ولا تقم أنالك وأنت لي.

و في روضة الكافي ، مثله كذلك.

 

و في نهج البلاغة : وأكرم أسماعهم عن أن تسمع حسيس نار أبدا، وصان أجسادهم أن تلقى لغوبا ونصبا.

و في من لا يحضره الفقيه ، بإسناده إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: ومن مات يوم الأربعاء من المؤمنين وقاه اللَّه نحس يوم القيامة، وأسعده بمجاورته، وأحلّه دار المقامة من فضله، لا يمسّه فيها نصب ولا يمسّه فيها لغوب.

و في كتاب سعد السّعود ، لابن طاوس- رحمه اللَّه- من مختصر تفسير محمّد بن العبّاس بن مروان، بإسناده إلى جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن أمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- حديث طويل. يذكر فيه ما أعدّ اللَّه المحبّي عليّ- عليه السّلام- يوم القيامة. وفيه: فإذا دخلوا منازلهم وجدوا الملائكة يهنّئونهم بكرامة ربّهم، حتّى إذا استقرّوا قرارهم قيل لهم: هل وجدتم ما وعد  ربّكم حقّا؟

قالوا: نعم، ربّنا رضينا فارض عنّا.

قال: برضاي عنكم وبحبّكم أهل بيت نبيّي، حللتم داري وصافحتكم الملائكة.

فهنيئا هنيئا، عطاء غير مجذوذ، ليس فيه تنغيص.

فعندها قالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وأحلنا دار المقامة من فضله [لا يمسنا فيها نصب و]  لا يمسنا فيها لغوب إن ربنا لغفور شكور.

و في هذا الحديث، أنّ محبّي عليّ- عليه السّلام- يقولون للَّه- عزّ وجلّ- إذا دخلوا الجنّة: فائذن لنّا بالسّجود.

قال لهم ربّهم- عزّ وجلّ-: إنّي قد وضعت عنكم مؤنة العبادة وأرحت لكم أبدانكم، فطال ما أنصبتم بي الأبدان و[عنيتم إليّ‏]  الوجوه، فالآن أفضيتم إلى روحي‏و رحمتي.

و في شرح الآيات الباهرة : وذكر الشّيخ أبو جعفر بن بابويه- رحمه اللَّه- في تأويل قوله- تعالى-: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إلى قوله: «لُغُوبٌ» خبر يتضمّن بعض فضائل الزّهراء- عليها السّلام-.

قال : حدّثنا عبد اللَّه بن محمّد بن عبد الوهاب، عن أبي الحسن أحمد بن محمّد الشّعرانيّ، عن أبي محمّد عبد الباقي ، عن عمر بن سنان الميئجيّ ، عن حاجب بن سليمان، عن وكيع بن الجرّاح، عن سليمان بن الأعمش ، عن ابن ظبيان، عن أبي ذرّ- رحمه اللَّه- قال: رأيت سلمان وبلال يقبلان إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- إذا انكبّ سلمان على قدم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- يقبّلها. فزجره النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- عن ذلك.

ثمّ قال له: يا سلمان، لا تصنع بي ما تصنع الأعاجم بملوكها. أنا عبد من عبيد اللَّه، آكل ما يأكل العبيد وأقعد كما يقعد العبيد.

فقال له سلمان: يا مولاي، سألتك باللَّه إلّا أخبرتني بفضل  فاطمة يوم القيامة.

قال: فأقبل النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- ضاحكا مستبشرا. ثمّ قال: والّذي نفسي بيده، إنّها الجارية الّتي تجوز في عرصة القيامة على ناقة رأسها من خشية اللَّه، وعيناها من نور اللَّه، وخطامها من جلال اللَّه، وعنقها من بهاء اللَّه، وسنامها من رضوان اللَّه، وذنبها من قدس اللَّه، وقوائمها من مجد اللَّه. إن مشت، سبّحت. وإن رغت، قدّست. عليها هودج من نور، فيه جارية أنسيّة حوريّة عزيزة، جمعت فخلقت وصنعت ومثلت ثلاثة أصناف. فأوّلها من مسك أذفر، وأوسطها من العنبر الأشهب، وآخرها من الزّعفران الأحمر عجنت بماء الحيوان. لو تفلت تفلة في سبعة أبحر مالحة، لعذبت. ولو أخرجت ظفر خنصرها إلى دار الدّنيا، يغشي  الشّمس والقمر. جبرائيل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها ، وعليّ أمامها،و الحسن والحسين وراءها، واللَّه يكلؤها ويحفظها فيجوزون في عرصة القيامة.

فإذا النّداء من قبل اللَّه- جلّ جلاله-: معاشر الخلائق، غضّوا أبصاركم ونكّسوا رؤوسكم، هذه فاطمة بنت محمّد نبيّكم زوجة عليّ إمامكم أمّ الحسن والحسين .

فتجوز الصّراط، وعليها ريطتان بيضاوتان. فإذا دخلت إلى الجنّة ونظرت إلى ما أعدّ اللَّه لها من الكرامة، قرأت: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ، إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ، الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ.

قال: فيوحي اللَّه إليها: يا فاطمة، سليني أعطك، وتمنّي عليّ أرضك.

فتقول: إلهي، أنت المنى وفوق المنى، أسألك أن لا تعذّب محبّي ومحبّ عترتي بالنّار.

فيوحي اللَّه إليها: يا فاطمة، وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السّماوات والأرض بألفي عام، أن لا أعذبّ محبّيك ومحبّي عترتك بالنّار.

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ: لا يحكم عليهم بموت ثان فَيَمُوتُوا: ويستريحوا.

و نصبه بإضمار «أن».

و قرئ: «فيموتون» عطفا على «لا يقضى »، كقوله : وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ.

وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها: بل كلّما خبت زيد إسعارها.

كَذلِكَ، مثل ذلك.

نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ : مبالغ في الكفر والكفران.

و قرأ أبو عمرو: «يجزى» على بناء المفعول، وإسناده إلى «كلّ». وقرئ:

يجازي .

وَ هُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها: يستغيثون. يفتعل، من الصّراخ: وهو الصّياح. استعمل في الاستغاثة، لجهر المستغيث صوته.

رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ: بإضمار القول. وتقييد العمل‏الصّالح بالوصف المذكور، للتّحسر على ما عملوه من غير الصّالح والاعتراف به، والإشعار بأن استخراجهم لتلافيه، وأنّهم كانوا يحسبون أنّه صالح والآن تحقّق خلافه.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى الفتح بن يزيد الجرجانيّ، عن أبي الحسن- عليه السّلام- حديث طويل. وفي آخره قلت: جعلت فداك، بقيت مسألة.

قال: هات، للَّه أبوك.

قلت: يعلم القديم الشّي‏ء الّذي لم يكن، أن لو كان كيف كان يكون.

قال: ويحك، إنّ مسائلك لصعبة. أما سمعت اللَّه يقول : لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا. وقوله : وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ. وقال  يحكي قول أهل النّار: أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ. وقال: لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ. فقد علم الشّي‏ء الّذي لم يكن، أن لو كان كيف كان يكون.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا محمّد بن سهل العطّار، عن عمر بن عبد الجبّار، عن أبيه [، عن جدّه، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّه،]  عن علىّ بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه أمير المؤمنين- عليهم السّلام- قال: قال لي رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-: يا عليّ، ما بين من يحبّك وبين أن يرى ما تقرّ به عيناه، إلّا أن يعاين الموت.

ثمّ تلا: رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ،

يعني: أنّ أعداءه إذا دخلوا النّار قالوا: رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً في ولاية علىّ- عليه السّلام-. غير الّذي كنّا نعمل في عداوته.

فيقال لهم في الجواب: أَ وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ وهو النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-. فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ لآل محمّد مِنْ نَصِيرٍ ينصرهم ولا ينجيهم منه ولا يحجبهم عنه.

أَ وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ: جواب من اللَّه وتوبيخ لهم.قيل : وما يَتَذَكَّرُ فِيهِ متناول لكلّ عمر، يمكن المكلّف فيه من التّفكر والتّذكّر.

و قيل : ما بين العشرين إلى السّتّين.

و العطف في «جاءكم» على معنى «أو لم نعمّركم» فإنّه للتّقرير، كأنّه قال:

عمّرناكم وجاءكم النّذير. وهو النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-، أو الكتاب.

و قيل : العقل، أو الشّيب، أو موت الأقارب.

و في من لا يحضره الفقيه : وسئل عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: أَ وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ.

قال: توبيخ لابن ثماني عشرة سنة.

 [و في كتاب الخصال ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- تعالى-: أَ وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ قال: توبيخ لابن ثماني عشرة سنة.] .

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: العمر الّذي أعذر اللَّه فيه إلى ابن آدم، ستّون سنة.

و في مجمع البيان : أَ وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ اختلف في هذا المقدار، فقيل: هو ستّون سنة. وهو المرويّ عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام -.

 

و قد  روي عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- أيضا- مرفوعا أنّه قال: من عمّره اللَّه ستّين سنة، فقد أعذر إليه.

و قيل : هو توبيخ لابن ثماني عشرة سنة. وروي ذلك عن الباقر- عليه السّلام -.

 

فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ : يدفع العذاب عنهم.

إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ‏

: لا يخفى عليه خافية. فلا يخفى عليه أحوالهم.إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ

 : تعليل له. لأنّه إذا علم مضمرات الصّدور وهي أخفى ما يكون، كان أعلم بغيره.

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ: يلقي إليكم مقاليد التّصرّف فيها.

و قيل : خلفا بعد خلف، جمع خليفة. والخلفاء، جمع خليف.

فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ: جزاؤه.

وَ لا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً : بيان له وتكرير، التّجنّب على أنّ اقتضاء الكفر لكلّ واحد من الأمرين مستقلّ باقتضاء قبحه ووجوب للدّلالة عنه.

و المراد «بالمقت» وهو أشدّ البغض: مقت اللَّه. و«بالخسار» خسار الآخرة.

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ: يعني: آلهتهم. والإضافة إليهم، لأنّهم جعلوهم شركاء اللَّه، أو لأنفسهم فيما يملكونه.

أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ: بدل من «أرأيتم» بدل الاشتمال، لأنّه بمعنى:

أخبروني، كأنّه قال: أخبروني عن هؤلاء الشّركاء أروني أيّ جزء من الأرض استبدّوا  بخلقه.

أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ: أم لهم شركة مع اللَّه في خلق السّماوات، فاستحقّوا بذلك شركة في الألوهيّة ذاتيّة.

أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً: ينطق على أنّا اتّخذناهم شركاء.

فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ: على حجّة من ذلك الكتاب، بأنّ لهم شركة جعلّية. ويجوز أن يكون «هم» للمشركين لقوله : أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً.

و قرأ نافع وابن عامر ويعقوب وأبو بكر: «على بيّنات» فيكون إيماء إلى أنّ الشّرك خطير لا بدّ فيه من تعاضد الدّلائل .

بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً : لمّا نفي أنواع الحجج في ذلك، أضرب عنه بذكر ما حملهم عليه. وهو تعزير الأسلاف الأخلاف والرّؤساء الأتباع، بأنّهم شفعاء عند اللَّه يشفعون لهم بالتّقرّب إليهم.إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا: كرامة أن تزولا، فإنّ الممكن حال بقائه لا بدّ له من حافظ. أو يمنعهما من أن تزولا، لأنّ الإمساك منع.

وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما: ما أمسكهما. مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ: من بعد اللَّه.

أو من بعد الزّوال. والجملة سادّة مسدّ الجوابين. ومن الأولى زائدة، والثّانية للابتداء.

إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً : حيث أمسكهما، وكانتا جديرتين بأن تهدّا هدّا، كما قال : تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا.

و في من لا يحضره الفقيه ، في وصيّة النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- لعلّي- عليه السّلام-: يا عليّ، أمان لأمّتي من الهدم إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً.

و روى عبّاس بن هلال ، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- عن أبيه- عليه السّلام- قال: لم يقل أحد قطّ إذا أراد أن ينام: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً. فيسقط  عليه البيت.

و في أصول الكافي : أخبرنا أبو جعفر محمّد بن يعقوب قال: حدّثني عليّ بن إبراهيم [بن هاشم،]  عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن عليّ بن منصور، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال لبعض الزّنادقة: يا أخا أهل مصر، إنّ الّذي تذهبون إليه وتظنّون أنّه الدّهر، إن كان الدّهر يذهب بهم لم لا يردّهم؟

و إن كان يردّهم لم لا يذهب بهم؟ القوم مضطرّون، يا أخا أهل مصر، لم السّماء مرفوعة والأرض موضوعة لم لا ينحدر  السّماء على الأرض لم لا ينحدر  الأرض فوق طباقها ولا يتماسكان ولا يتماسك من عليها؟ قال الزّنديق: أمسكهما اللَّه ربّهما وسيّدهما.

قال: فآمن الزّنديق على يدي أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقيّ  رفعة قال: جاء  الجاثليق إلى  أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

فقال له: أخبرني عن اللَّه- عزّ وجلّ- يحمل العرش أم العرش يحمله؟

فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: اللَّه- عزّ وجلّ- حامل العرش والسّماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وذلك قول اللَّه: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً.

و الحديثان طويلان أخذت منهما موضع الحاجة.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود، عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: بنا يمسك اللَّه السّماوات والأرض أن تزولا.

و بإسناده إلى أبي حمزة الثّماليّ : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت له:

أ تبقى الأرض بغير إمام؟

قال: لو بقيت الأرض بغير إمام ساعة، لساخت.

و بإسناده إلى محمّد بن الفضيل : عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: قلت له: أ تبقى الأرض بغير إمام؟

فقال: لا.

قلت: فإنّا نروي عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّها لا تبقى بغير إمام إلّا أن يسخط اللَّه على أهل الأرض أو على العباد.

فقال: لو تبقى ، إذا لساخت.

و بإسناده إلى أحمد بن عمر الحلّال  قال: قلت لأبي الحسن الرّضا- عليه السّلام-:

إنّا روينا عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ الأرض لا تبقى بغير إمام أو تبقى ولا إمام فيها.فقال: معاذ اللَّه، لا تبقى ساعة، إذا لساخت.

و بإسناده له آخر إلى أحمد بن عمر  قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام-: أ تبقى الأرض بغير إمام؟

قال: لا.

قلت: فإنّا نروي أنّها لا تبقى إلّا أن يسخط اللَّه على العباد.

فقال: لا تبقى، إذا لساخت.

و بإسناده إلى عمرو بن ثابت ، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

 

سمعته يقول: لو بقيت الأرض يوما بلا إمام منّا [لساخت‏]  بأهلها ولعذّبهم اللَّه بأشدّ عذابه. إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- جعلنا حجّة في أرضه وأمانا في الأرض لأهل الأرض، لن يزالوا  في أمان من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم. فإذا أراد أن يهلكهم ثمّ لا يمهلهم ولا ينظرهم ذهب بنا من بينهم ورفعنا إليه، ثمّ يفعل اللَّه ما يشاء  وأحبّ.

و بإسناده إلى سليمان بن مهران الأعمش ، عن الصّادق جعفر بن محمّد، عن أبيه عليّ بن الحسين- عليهم السّلام- حديث طويل. يقول فيه: ولو لا ما في الأرض منّا، لساخت بأهلها.

وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ: وذلك أنّ قريشا لمّا بلغهم أنّ أهل الكتاب كذّبوا رسلهم، قالوا: لعن اللَّه اليهود والنّصارى، لو أتانا رسول  لنكوننّ أهدى من إحدى الأمم، أي من واحدة من الأمم اليهود والنّصارى وغيرهم. أو من الأمّة الّتي يقال فيها: هي إحدى الأمم، تفضيلا لها على غيرها في الهدى والاستقامة .

فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ، يعني: محمّدا- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-.ما زادَهُمْ، أي: النّذير، أو مجيئه على التّسبّب.

إِلَّا نُفُوراً : تباعدا عن الحقّ.

اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ: بدل من «نفورا». بدل من «نفورا». أو مفعول له.

وَ مَكْرَ السَّيِّئِ:

أصله: وأن مكروا المكر السّيّ‏ء. فحذف الموصوف استغناء بوصفه، ثمّ بدّل «أن» مع الفعل بالمصدر، ثمّ أضيف.

وَ لا يَحِيقُ: ولا يحيط.

الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ: وهو الماكر. وقد حاق بهم يوم بدر.

و قرئ: ولا يحيق [المكر، أي: لا يحيق‏] اللَّه .

فَهَلْ يَنْظُرُونَ: فهل ينتظرون؟

إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ: سنّة اللَّه فيهم بتعذيب مكذّبيهم.

فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا : إذ لا يبدّلها يجعله غير التّعذيب تعذيبا، ولا يحوّلها بأن ينقله من المكذّبين إلى غيرهم.

و قوله: أَ وَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:

استشهاد عليه، بما يشاهدونه في مسايرهم إلى الشّام واليمن والعراق من آثار الماضين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في كتابه الّذي كتبه إلى شيعته، يذكر فيه خروج عائشة إلى البصرة وعظم خطأ طلحة والزّبير قال: وأيّ خطيئة أعظم مما أتيا، أخرجا زوجة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- من بيتها وكشفا عنها حجابا ستره اللَّه عليها، وصانا حلائلهما في بيوتهما. ما أنصفا لا للَّه ولا لرسوله من أنفسهما ثلاث خصال، مرجعها على النّاس في كتاب اللَّه- عزّ وجلّ-: البغي والمكر والنّكث. قال اللَّه- عزّ وجلّ -: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ. وقال : فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ. وقال: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ، السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ. وقد بغيا علينا، ونكثا بيعتي، ومكرا بي. وقوله- عزّ وجلّ-: أَ وَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ. قال: أو لم ينظروا في القرآن وفي أخبار الأمم الهالكة.وَ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ: ليسبقه ويفوته.

فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً: بالأشياء كلّها.

قَدِيراً : عليها.

وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا: من المعاصي.

ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها: ظهر الأرض.

مِنْ دَابَّةٍ: من نسمة تدبّ عليها بشؤم معاصيهم.

و قيل : المراد بالدّابّة: الإنس وحده، لقوله: وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى:

هو يوم القيامة.

فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً : فيجازيهم على أعمالهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: وحدّثني أبي، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-: سبق العلم وجفّ القلم ومضى القضاء وثمّ القدر، بتحقيق الكتاب وتصديق الرّسل، وبالسّعادة من اللَّه لمن آمن واتّقى، وبالشّقاء لمن كذّب وكفر بالولاية من اللَّه- عزّ وجلّ- للمؤمنين وبالبراءة منه للمشركين.

ثمّ قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: يا ابن آدم، بمشيئتي كنت أنت الّذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت أنت الّذي تريد لنفسك ما تريد، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي، وبقوّتي وعصمتي وعافيتي أدّيت إليّ فرائضي، وأنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بذنبك منّي، الخير منّي إليك واصل بما أوليتك به، والشّرّ منك  إليك بما جنيت جزاء، وبكثير من تسلّطي  لك انطويت على  طاعتي، وبسوء ظنّك بي قنطت من رحمتي، فلي الحمد والحجّة عليك بالبيان، ولي السّبيل عليك بالعصيان، ولك الجزاء الحسن عندي بالإحسان، لم أدع تحذيرك ولم آخذك عند غرّتك. وهو قوله- عزّ وجلّ-: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ لم أكلّفك فوق طاقتك، ولم أحمّلك من الأمانة إلّا بما أقررت بها على نفسك ورضيت لنفسي‏منك ما رضيت به لنفسك منّي. ثمّ قال- عزّ وجلّ-: وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً