النيابة

صحّة النيابة :

سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل يحجّ عن آخر ما له من الثواب ؟ قال : « للّذي يحجّ عن رجل أجر وثواب عشر حجج »([1]) .

الفقهاء :

أجمعوا قولاً واحداً لهذه الرواية وغيرها على أنّ الحجّ يقبل النيابة ، وتقع صحيحة إذا توافرت الشروط في النائب والمنوب عنه .

وبالمناسبة نشير إلى أنّ الواجب منه ما هو بدني محض كالصوم والصلاة ، ومنه ما هو مالي محض كالخمس والزكاة ، ومنه ما يجمع بين الوصفين كالحجّ فهو مالي ؛ لأنّ الاستطاعة الماليّة شرط في الوجوب وهو بدني ؛ لاشتماله على الأفعال ، كالإحرام والطواف والسعي والرمي وما إلى ذاك ، وكلّ هذه تقبل النيابة .

______________________

[1] الوسائل 11 : 164 ، ب1 من أبواب النيابة في الحجّ ، ح3 .

 

 

المنوب عنه :

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إنّ علياً أمير المؤمنين أمر شيخاً كبيراً لم يحجّ قطّ ولم يطق الحجّ لكبره أن يجهّز رجلاً يحجّ عنه »([1]) .

وسئل عن رجل يموت ولم يحجّ حجّة الإسلام ولم يوص بها أيقضى عنه ؟

قال  [  عليه‏السلام] : « نعم »([2]) .

الفقهاء :

أجمعوا على أنّ غير المسلم لا تصحّ العبادة منه ولا عنه ، حجّاً كانت أو غير حجّ . وأيضاً أجمعوا على أنّ من استقرّ الحجّ في ذمّته فعليه أن يؤدّيه ويباشره بنفسه ، ولا يسقط عنه بفعل الغير ما دام قادراً على المباشرة ، كما هي الحال في جميع العبادات ؛ لأنّ الأمر بطبعه ينصرف إلى وجوب المباشرة .

وأيضاً أجمعوا على أنّ من وجب الحجّ عليه ثمّ أهمل حتّى مات وجب أن يستناب عنه إن ترك مالاً يفي بذلك ، سواء أوصى به أو لم يوص .

______________________

[1] الوسائل 11 : 65 ، ب24 من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ، ح6 .

[2] الوسائل 11 : 72 ، ب28 من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ، ح5 .

 

 

النيابة عن الحيّ :

أجمع الفقهاء على جواز الحجّ والطواف عن الحيّ استحباباً ، فقد سئل الإمام  عليه‏السلام عن الرجل يحجّ فيجعل حجّته وعمرته أو بعض طوافه لبعض أهله وهو عنه غائب ببلد آخر هل ينقص ذلك من أجره ؟ قال : « لا ، هي له ولصاحبه ، وله سوى ذلك بما وصل »([1]) .

وروي أنّ الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق  عليهماالسلام أ نّه أعطى بعض المؤمنين ، وأمرهم أن يحجّوا عنه([2]) .

وأيضاً أجمع الفقهاء على أنّ من استطاع وثبت الحجّ في ذمّته ولكنّه أهمل ولم يبادر ثمّ طرأ عليه العجز عن الأداء والمباشرة بنفسه ويئس من زوال العذر والشفاء إذا كان لأمر كذلك وجب عليه أن يستأجر من يحجّ عنه ، وإذا صادف زوال العذر فعليه أن يحجّ ويؤدّي بنفسه ثانية .

وتسأل : إذا لم يستقرّ عليه الحجّ كما لو كان فقيراً وبعد أن عجز صار غنيّاً فهل يجب عليه أن يستأجر من يحجّ عنه ؟

الجواب :

ذهب المشهور إلى وجوب الاستنابة عنه ؛ للرواية المتقدّمة : « أنّ أمير المؤمنين  عليه‏السلام أمر شيخاً أن يجهّز من يحجّ عنه » . ولما روي أيضاً من أنّ امرأة قالت لرسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : إنّ أبي أدركته فريضة الحجّ وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يلبث على دابّته ، فقال لها رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : « حجّي عن أبيك »([3]) .

________________

[1] الوسائل 11 : 197 ، ب25 من أبواب النيابة في الحجّ ، ح5 ، وفيه : « وله أجر سوى ذلك » .

[2] الوسائل 11 : 208 ، ب34 من أبواب النيابة في الحجّ ، ح1 .

[3] الوسائل 11 : 64 ، ب24 من أبواب وجوب الحجّ ، ح4 .

 

 

الصبيّ والمجنون :

هل تجوز النيابة عن الصبيّ المميّز والمجنون ؟

الجواب :

إنّ النائب يمتثل ويطيع وينوي التقرّب بالأمر الّذي توجّه إلى الأصيل المنوب عنه بالذات ، فإذا افترض عدم توجّه الأمر إلى الأصيل ينتفي موضوع النيابة من الأساس ، وكلّ من المجنون والصبيّ المميّز غير مكلّف بشيء ، لا وجوباً ولا استحباباً ، بناءً على أنّ عبادة المميّز تمرينيّة لا شرعيّة كما نختار .

أجل إذا استقرّ الحجّ في ذمّة البالغ العاقل وأهمل ثمّ طرأ عليه الجنون وجب الاستئجار عنه ، تماماً كما لو مات .

والخلاصة أنّ المنوب عنه يشترط فيه الإسلام والبلوغ والعقل ، إلاّ إذا عرض عليه الجنون بعد أن استقرّ الحجّ في ذمّته . وأيضاً يشترط فيه عدم الحياة إلاّ في الحجّ المندوب ، والواجب إذا عجز عن مباشرته بنفسه .

 

 

النائب :

يشترط في النائب شروط :

1 و 2 ـ  البلوغ والعقل بالإجماع .

3 ـ  الإسلام والإيمان ، أي ولاية آل الرسول  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، حيث سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن الرجل يكون عليه صلاة أو صوم هل يجوز أن يقضي عنه غير عارف ؟ ـ أي غير عارف بالولاية ـ قال : « لا يقضيه إلاّ مسلم عارف »([1]) .

وتخصيص المورد ـ وهو الصوم والصلاة ـ لا يخصّص الحكم فيهما بعد العلم بأنّ كلاً من الصوم والصلاة والحجّ عبادة .

4 ـ  الوثوق بدين النائب وأمانته ، ذكر هذا الشرط أكثر من فقيه ، بل اشترط الكثيرون العدالة ، وليس من شكّ أنّ العدالة أو الثقة ليست شرطاً لصحّة عمل النائب وعبادته ، وإنّما الغاية منها حصول الاطمئنان بأ نّه قد أدّى ما استؤجر عليه ، وعلى هذا تكون العدالة أو الثقة وسيلة لا غاية .

وقال السيّد الحكيم في المستمسك : ( هذا الشرط غير ظاهر ، فإنّ أصالة الصحّة جارية مع عدم الوثوق ، نظير أخبار ذي اليد عمّا في يده ، ونظير قاعدة « من ملك شيئاً ملك الإقرار به » . . . فإنّ الجميع من باب واحد )([2]) .

ويلاحظ بأنّ أخبار ذي اليد ومن ملك شيءٌ([3]) ، وجواز استئجار من لا نثق بدينه وأمانته شيء آخر ؛ إذ المفروض في مسألتنا هذه هل يجوز لنا أن نستأجر من لا نثق به ونجعله نحن صاحب يد أو لا ؟ فالكلام إذن في جعله صاحب يد لا في الأخذ بقول صاحب اليد ، والفرق بعيد جدّاً . ولذا قال السيّد صاحب العروة ما نصّه بالحرف : ( وهذا الشرط إنّما يعتبر في جواز الاستنابة لا في صحّة عمله )([4]) . وعليه يكون تعليق السيّد الحكيم بما نقلناه غير ظاهر .

5 ـ  المعرفة بأفعال الحجّ وأحكامه ولو بمعونة مرشد ، وهذا الشرط عامّ لجميع المكلّفين ، ويجب مقدّمة للطاعة وامتثال الأحكام الشرعيّة بكاملها .

6 ـ  أن لا تكون ذمّة النائب مشغولة بحجّ واجب عليه أداؤه على الفور وفي نفس عام الإجارة ، فقد سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل صرورة مات ولم يحجّ حجّة الإسلام وله مال ؟ قال : « يحجّ عنه صرورة لا مال له »([5]) .

___________________

[1] الوسائل 8 : 277 ـ 278 ، ب12 من أبواب قضاء الصلوات ، ح5 .

[2] المستمسك 11 : 7 .

[3] في الطبعات السابقة : « لشيء » .

[4] العروة الوثقى 2 : 321 .

[5] الوسائل 11 : 71 ـ 72 ، ب28 من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ، ح1.

 

 

المماثلة :

لا تشترط المماثلة بين النائب والمنوب عنه في الذكورة والاُنوثة . فقد سئل الإمام الصادق عليه‏السلام عن الرجل يحجّ عن المرأة والمرأة تحجّ عن الرجل ؟ قال : « لا بأس »([1]) .

وبموجب إطلاق هذه الرواية يجوز أن يحجّ الصرورة عن الصرورة رجلاً كان النائب أو امرأة ، قال صاحب الجواهر : ( هذا هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ؛ لإطلاق دليل النيابة )([2]) . وسبق أنّ معنى الصرورة هو الّذي لم يكن قد حجّ من قبل .

__________________

[1] الوسائل 11 : 176 ، ب8 من أبواب النيابة في الحجّ ، ح2 .

[2] الجواهر 17 : 364 .

 

 

الموت قبل الإتمام :

سئل الإمام الباقر أبو الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل خرج حاجّاً حجّة الإسلام فمات في الطريق ؟ قال : « إن مات في الحرم فقد أجزأت عن حجّة الإسلام ، وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجّة الإسلام »([1]) .

الفقهاء :

قالوا : من استقرّ عليه الحجّ باستطاعة أو نذر أو نيابة ثمّ مات قبل أن يتمّ الأفعال المطلوبة ينظر ، فإن كان قد مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه ذلك ولا يجب القضاء عنه . وإن مات قبل دخول الحرم فلا يجزيه ويجب القضاء عنه حتّى ولو مات بعد الإحرام .

وتسأل : أنّ الرواية عن الإمام مختصّة فيمن حجّ عن نفسه ولا تشمل النائب ؟

الجواب :

إنّ الفقهاء فهموا من هذه الرواية أنّ العبرة بنفس الحجّ بوصف الفعل من حيث هو لا بالحاجّ بوصف الفاعل . قال صاحب الجواهر : ( من استؤجر ومات في الطريق فإن أحرم ودخل الحرم فقد أجزأت الحجّة عمّن حجّ عنه بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه . والرواية وإن كان كان موردها الحجّ عن نفسه إلاّ أنّ الظاهر ولو بمعونة فهم الأصحاب كون ذلك كيفيّة خاصّة في الحجّ نفسه ، سواء أكان الحجّ عن نفسه أو عن غيره ، وسواء أكان واجباً بالنذر أو بغيره )([2]) .

____________________

[1] الوسائل 11 : 68 ، ب26 ، من أبواب وجوب الحجّ ، ح1 .

[2] الجواهر 17 : 366 .

 

 

الاُجرة :

قال الفقهاء : إذا مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم استحقّ تمام الاُجرة ، وإذا مات قبل ذلك اُعطي من الاُجرة بنسبة ما أتى به من عمل ، كما تستدعيه قاعدة « الإجارة من العمل الّذي لم يقصد به التبرّع » .

 

 

النيابة عن اثنين :

من أجّر نفسه للحجّ عن شخص وجب عليه أن يباشر ذلك ، ولا يجوز له أن يستنيب سواه إلاّ مع إذن المؤجّر صراحة ؛ لأنّ الإطلاق يستدعي المباشرة بالذات .

وعلى هذا فلا يجوز لأحد أن يؤجّر نفسه للحجّ عن اثنين في سنة واحدة ، فإذا فعل صحّت الاُولى وبطلت الثانية ؛ لعدم القدرة على العمل بها ، ولو افترض اقتران عقدي الإجارة ـ كأن يؤجّر هو نفسه لزيد ويؤجّره وكيله لعمرو في آن واحد ـ بطل العقدان معاً .

 

 

الميقاتيّة والبلديّة :

تنقسم الحجّة إلى بلديّة ـ وهي التي تكون من بلد الميّت ـ وميقاتيّة ـ وهي من الميقات ـ فإذا عيّن الموصي أو المستأجر أحدهما تعيّنت ، وإذا أطلق ولم يبيّن فإن كان هناك انصراف إلى أحدهما بسبب العرف أو قرينة اُخرى وجب العمل بها . وإلاّ تكون الحجّة ميقاتيّة ؛ لأنّ السفر من البلد ليس جزءً من الحجّ ولا شرطاً له ، وإنّما هو مقدّمة ووسيلة ، ولذا لو سار المستطيع من بلده إلى أحد المواقيت لا بنيّة الحجّ ثمّ عزم وأحرم من الميقات صحّ وكفى .

وعلى هذا فمع عدم ما يدلّ على إرادة الحجّ من البلد يحجّ النائب عن المنوب عنه من أقرب ميقات إلى مكّة عند المشهور بشهادة صاحب العروة الوثقى([1]) .

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ اُجرة الميقاتيّة من أصل التركة ؛ لأنّ بها يحصل الابتداء بمناسك الحجّ ، وما زاد عن الميقاتيّة فمن الثلث .

_____________________

[1] العروة الوثقى 2 : 289 ، م88 .

 

 

العدول :

سئل الإمام  عليه‏السلام عن رجل أعطى رجلاً دراهم يحجّ بها عنه حجّة مفردة ؟ قال : « ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ لا يخالف صاحب الدراهم »([1]) .

الفقهاء :

يأتي أنّ الحجّ على أنواع ثلاثة : تمتّع وقران وإفراد ، فمن استؤجر على نوع منها تحتّم عليه الإتيان به ، ولا يجوز له العدول عنه إلى غيره حتّى ولو كان الغير أفضل وأكمل ، بل نقل صاحب الجواهر عن المشهور أ نّه إذا اشترط على النائب سلوك طريق معيّن لم يجز له العدول إلى غيره إن كان هناك غرض في هذا الطريق الخاصّ ؛ لعموم « أوفوا بالعقود » و « المؤمنون عند شروطهم »([2]) .

وتسأل : وأيّ أثر لسلوك الطريق إذا أدّى النائب المناسك صحيحة وعلى وجهها ؟

الجواب :

إنّ الكلام هنا في صحّة الإجارة لا في صحّة الحجّ ، وبديهةً إحداهما غير الاُخرى .

____________________

[1] الوسائل 11 : 182 ، ب12 من أبواب النيابة في الحجّ ، ح2 .

[2] الجواهر 17 : 374 .

 

 

الوصيّة بالحجّ :

سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل مات وأوصى أن يحجّ عنه ؟ قال : « إن كان صرورة ـ أي لم يحجّ من قبل ـ فمن جميع المال ، وإن كان تطوّعاً فمن الثلث »([1]) .

الجواب :

قالوا : من أوصى بمبلغ معيّن من المال للحجّ عنه نُظر ، فإن كان الحجّ واجباً للاستطاعة أو النذر والمال الّذي عيّنه بمقدار اُجرة المثل اُخرجت الوصيّة بكاملها من أصل التركة ، وإن كان المبلغ أكثر من اُجرة المثل اُخرج الزائد من الثلث ، وإن كان الحجّ ندباً لا واجباً فالجميع من الثلث .

______________________

[1] الوسائل 11 : 66 ، ب25 من أبواب وجوب الحجّ ، ح1 .