صلاة الآيات

المراد بالآيات كسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلزال ، وكلّ مخوف سماوي كالريح الهائلة ، والظلمة المفاجئة وسط النهار . وهذه الأربعة توجب الصلاة إطلاقاً في حضور المعصوم  عليه‏السلام وغيابه ، ولصلاتها صورة معيّنة وأحكام خاصّة .

 

 

دليل الوجوب :

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « صلاة الكسوف فريضة »([1]) .

وسئل عن الزلزلة ما هي ؟ قال [  عليه‏السلام] : « آية » . فقال السائل : إذا كان ذلك فما أصنع ؟ قال : « صلِّ صلاة الكسوف »([2]) .

وقال الإمام أبو جعفر  عليه‏السلام : « كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلِّ له صلاة الكسوف »([3]) .

وقال الإمام الكاظم ابن الإمام الصادق  عليهماالسلام : « لمّا قبض إبراهيم ابن الرسول الأعظم  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم [جرت فيه ثلاث سنن : أمّا واحدة فإنّه لمّا ]([4]) انكسفت الشمس ، فقال الناس : انكسفت لفقد ابن رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم فصعد المنبر فحمد اللّه‏ وأثنى عليه ، ثمّ قال : أ يّها الناس إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات اللّه‏ يجريان بأمره مطيعان له ، لا ينكسفان لموت أحد ، ولا لحياته ، فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلّوا ، ثمّ نزل وصلّى بالناس صلاة الكسوف »([5]) .

اتّفق الجميع([6]) على العمل بهذه الروايات ، وما إليها .

____________________

[1] الوسائل 7 : 483 ، ب1 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ح2 .

[2] الوسائل 7 : 486 ، ب2 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ح3 .

[3] الوسائل 7 : 486 ، ب2 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ح1 .

[4] من المصدر .

[5] الوسائل 7 : 485 ، ب1 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ح10 .

[6] في الطبعات السابقة « الجمع » .

 

 

 

الوقت :

صلاة الكسوف والخسوف مؤقتة ، وتذهب بذهاب وقتها ، وحدّه من أوّل الكسوف إلى نهايته وتمام انجلاء القرص ، وعليه تجوز المبادرة إلى الصلاة بابتداء الكسوف ، وتتضايق كلّما أوشك الانجلاء على التمام ، والدليل على أنّ وقتها يبتدئ بابتداء الكسوف قول الرسول الاعظم  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم : « إذا رأيتم ذلك فصلّوا »([1]) . أمّا الدليل على استمرار الوقت إلى تمام الانجلاء فقول الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطوّل في صلاتك فإنّ ذلك أفضل ، وإن أحببت أن تصلّي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز »([2]) . فقوله :

« إلى أن يذهب الكسوف » معناه أن يتمّ الانجلاء . وإذا احترق جزء يسير من القرص بحيث لم يتّسع الوقت لأقلّ ما يجب مع ما يتوقّف عليه من الشروط سقط التكليف من الأساس ؛ لاستحالة امتثاله والعمل به . وإذا اتسع الوقت للصلاة ولم يصلِّ فهل يجب عليه القضاء أو لا ؟

الجواب  :

ينظر فإن كان قد احترق القرص بكامله فعليه القضاء إطلاقاً ، سواء أعلم بذلك وترك متعمّداً ، أو لم يعلم إلاّ بعد حين . وإن لم يحترق القرص بتمامه يجب القضاء على من علم وترك عمداً أو نسياناً ، ولا يجب على من لا يعلم حتّى يخرج الوقت.

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إذا انكسف القمر ولم تعلم به حتّى أصبحت فإن كان احترق كلّه فعليك القضاء ، وإن لم يكن احترق كلّه فلا قضاء عليك »([3]) .

وبهذه الرواية المفصّلة نجمع بين الروايات التي أثبتت القضاء إطلاقاً ، والروايات التي نفته إطلاقاً .

أمّا الزلزلة فليس لصلاتها في النصوص وقت محدّد ، وكلّ ما دلّت عليه أنّ الصلاة تجب لها بمجرّد الوجود ، وعليه فأيّ وقت صلاّها الإنسان يأتي بها بنيّة الأداء ، لا بنيّة القضاء .

____________________

[1] سنن الدارمي 1 : 359 .

[2] الوسائل 7 : 498 ، ب8 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ح2 .

[3] الوسائل 7 : 500 ، ب10 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ح4 .

 

 

الصورة :

قال الإمام الباقر وابنه الإمام الصادق  عليهماالسلام : « إنّ صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات ـ أي ركوعات ـ وأربع سجدات يركع خمساً ثمّ يسجد في الخامسة ، ثمّ يركع خمساً ثمّ يسجد في الخامسة ، وإن شئت قرأت سورة في كلّ ركعة ، وإن شئت قرأت نصف سورة في كلّ ركعة ، فإذا قرأت سورة فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلاّ في أوّل ركعة حتّى تستأنف اُخرى ، ولا تقل : سمع اللّه‏ لمن حمده في رفع رأسك من الركوع إلاّ في الركعة التي تسجد فيها »([1]) .

الفقهاء  :

أجمعوا على العمل بهذه الرواية ، وقالوا في شرحها وشرح غيرها : إذا أردت أن تصلّي صلاة الكسوف أو الخسوف أو الزلزلة نويت وكبّرت للإحرام ، ثمّ قرأت الحمد وسورة ، ثمّ تركع ، ثمّ ترفع رأسك وتقرأ الحمد وسورة ، ثمّ تركع ، وهكذا حتّى تتمّ خمساً ، فتسجد بعد الخامس سجدتين ، ثمّ تقوم للركعة الثانية فتقرأ الحمد وسورة ، ثمّ تركع ، وهكذا إلى العاشر تقنت قبل أن تركع ، وتسجد بعد الركوع العاشر سجدتين ، ثمّ تتشهّد وتسلّم . ويستحبّ أن تقول : سمع اللّه‏ لمن حمده وأنت تهوي إلى السجود .

وقالوا : يجوز تفريق سورة واحدة على الركعات الخمس الاُولى ، فتقرأ في القيام الأوّل من الركعة الاُولى الفاتحة ، ثمّ تقرأ بعدها آية من سورة ، ثمّ تركع وترفع رأسك وتقرأ الآية الثانية من تلك السورة ، وتركع ثمّ ترفع رأسك وتقرأ الآية الثالثة ، وهكذا إلى الخامس ، على شريطة أن تتمّ السورة في الركعة الاُولى التي تحتوي على خمس ركوعات ، ثمّ يقوم إلى الركعة الثانية ، ويصنع كما صنع في الاُولى ، ويكون قد قرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة ، والسورة مرّة ، موزعة على الركوعات الخمسة .

وتجوز هذه الصلاة فرادى وجماعة ، ولا يتحمّل الإمام عن المأموم شيئاً سوى القراءة تماماً كما هي الحال في اليوميّة . سئل الإمام  عليه‏السلام عن صلاة الكسوف تصلّى جماعة أو فرادى ؟ قال : « أيّ ذلك شئت »([2]) .

_______________________

[1] الوسائل 7 : 492 ، 495 ، ب7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ح1 ، 7.

[2] الوسائل 7 : 504 ، ب12 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ح3 .

 

 

مسائل :

1 ـ  إذا حصل الكسوف في وقت فريضة لم تؤدّها نظرت ، فإن اتّسع الوقت لهما معاً فابدأ بأ يّهما شئت ، وإن ضاق وقت الفريضة الحاضرة قدّمتها على صلاة الآية ؛ لقول الإمامين الباقر والصادق  عليهماالسلام : « إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ما لم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة ، فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة »([1]) .

ولو افترض أ نّه مع ضيق الوقت خالف وصلّى الكسوف تاركاً الفريضة المضيّقة ، فهل تصحّ صلاته هذه أو تبطل ؟

الجواب :

تصحّ ؛ لأنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه ، أجل يأثم لمكان العصيان .

2 ـ  يثبت الكسوف والخسوف بالعلم والوجدان ، وبشهادة عدلين وبقول ذوي الاختصاص ، على شريطة أن يحصل الاطمئنان والوثوق بقولهم .

وقال قائل : لا يجوز الاعتماد على قولهم ؛ لأ نّهم يخبرون عن الكسوف والخسوف وتولّد الهلال عن الحدس والتخمين ، لا عن العيان والمشاهدة .

ونقول في جوابه : إنّهم يشاهدون ويعاينون السبب التامّ للكسوف وتولّد الهلال ، وبديهة أنّ العلم بالسبب التامّ علم بالمسبّب([2]) وبالعكس ، وعليه يكون قولهم عن حسّ ، لا عن حدس .

3 ـ  لا تجب هذه الصلاة على الحائض والنفساء ، وبالأولى عدم القضاء ؛ لأ نّه فرع عن الأداء .

__________________

[1] الوسائل 7 : 491 ، ب5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ح4 .

[2] في الطبعات السابقة « السبب » والصحيح ما أثبتناه .