صلاة الجمعة

الحثّ على صلاة الجمعة :

قال اللّه‏ تعالى :   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ فَاسعَوا إِلَى ذِكرِ اللّه‏ِ وَذَرُوا البَيعَ ذَلِكُم خَيرٌ لَّكُم إِن كُنتُم تَعلَمُون  ([1]) .

وقال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « من ترك الجمعة ثلاثاً من غير علّة طبع اللّه‏ على قلبه »([2]) .

وقال زرارة : حثّنا الإمام الصادق  عليه‏السلام على صلاة الجمعة حتّى ظننت أ نّه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدو عليك ؟ فقال : « لا ، إنّما عنيت عندكم »([3]) .

_________________

[1] الجمعة : 9 .

[2] الوسائل 7 : 298 ، ب1 من أبواب صلاة الجمعة ، ح11 ، وفيه : « عن أبي جعفر عليه‏السلام » .

[3] الوسائل 7 : 309 ، ب5 من أبواب صلاة الجمعة ، ح1 .

 

 

صورة صلاة الجمعة :

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « صلاة الجمعة مع الإمام ركعتان »([1]) . « إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتّى ينزل الإمام »([2]) . وقال : « يلبس الإمام البرد والعمامة ، ويتوكّأ على قوس أو عصا ، وليقعد قعدة بين الخطبتين ، ويجهر بالقراءة [  ويقنت في الركعة ]([3]) الاُولى منهما قبل الركوع »([4]) .

وسأله محمّد بن مسلم عن صلاة الجمعة ؟ فقال [  عليه‏السلام] : « بأذان وإقامة ، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ، ولا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر ، ثمّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما تقرأ قل هو اللّه‏ أحد ، ثمّ يقوم فيفتتح خطبة ، ثمّ ينزل فيصلّي بالناس ، فيقرأ بهم في الركعة الاُولى بالجمعة والثانية بالمنافقين »([5]) .

الفقهاء :

قالوا : صلاة الجمعة ركعتان ، وهي عوض الظهر ، ويستحبّ فيهما الجهر ، وأن يقرأ في الركعة الاُولى بعد الحمد سورة الجمعة ، وفي الثانية سورة المنافقين ، وقيل([6]) :

يستحبّ فيها قنوتان ، قنوت في الركعة الاُولى بعد القراءة وقبل الركوع ، وقنوت في الركعة الثانية بعد الركوع .

قال صاحب المدارك : ( ومستند هذه الفتوى رواية ضعيفة ) ، ثمّ نقل عن الشيخ الصدوق صاحب من لا يحضره الفقيه ـ أحد الكتب الأربعة المعروفة ـ نقل عنه أ نّه قال : ( والّذي استعمله واُفتي به ، ومضى عليه مشايخي رحمهم اللّه‏ هو أنّ القنوت في جميع الصلوات في الجمعة وغيرها هو في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع ) .

ثمّ قال صاحب المدارك : ( وقال الشيخ المفيد وجمع من الأصحاب : إنّ في الجمعة قنوتاً واحداً في الركعة الاُولى ، وهو المعتمد للأخبار الكثيرة الدالّة عليه )([7]) .

ونحن مع الصدوق الّذي اكتفى باستحباب قنوت واحد بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الثانية ، كما هو الشأن في جميع الصلوات ؛ لأنّ هذا هو المعهود عندنا من طريقة الشارع ، ولأ نّه قد ثبت في الصحيح عن معاوية بن عمّار أنّ الإمام  عليه‏السلام قال : « ما أعرف قنوتاً إلاّ قبل الركوع »([8]) .

وفي مستمسك العروة للسيّد الحكيم نقلاً عن كتاب السرائر : ( القنوت الواحد هو الّذي يقتضيه مذهبنا وإجماعنا )([9]) .

_______________________

[1] الوسائل 7 : 312 ، ب6 من أبواب صلاة الجمعة ، ح2 .

[2] الوسائل 7 : 313 ، ب6 من أبواب صلاة الجمعة ، ح4 .

[3] من المصدر .

[4] الوسائل 7 : 313 ، ب6 من أبواب صلاة الجمعة ، ح5 .

[5] الوسائل 7 : 313 ، ب6 من أبواب صلاة الجمعة ، ح7 .

[6] الجواهر 10 : 378 .

[7] المدارك 3 : 447 .

[8] الوسائل 6 : 268 ، ب3 من أبواب القنوت ، ح6 .

[9] المستمسك 6 : 495 .

 

 

الشـروط :

وتجب صلاة الجمعة بشروط :

 

1 ـ  الإمام المعصوم [  عليه‏السلام] :

تجب صلاة الجمعة عيناً مع وجود المعصوم ، أو وجود من نصبه هو لهذه الصلاة خاصّة أو لها ولغيرها .

وقال المقدّس الأردبيلي في شرح الإرشاد : لا دليل على هذا الشرط من طرق الشيعة إلاّ الإجماع([1]) .

واختلف الفقهاء هل تجوز إقامتها في زمن غيبة الإمام  عليه‏السلام مثل هذا الزمان أو لا ؟ قال جماعة : تجوز ، ومنهم الشيخ الطوسي([2]) . وقال آخرون : لا تجوز ، ومنهم الشريف المرتضى([3]) .

والحقّ أنّ صلاة الجمعة تشرع في حال غيبة الإمام [عليه‏السلام] على سبيل التخيير بينها وبين الظهر ، والمشهور على ذلك بشهادة العلاّمة الحلّي في التذكرة([4]) ، ولقول الإمام الصادق  عليه‏السلام في صلاة الجمعة : « وإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمّهم بعضهم »([5]) .

فإنّ الظاهر من قوله هذا أن يؤمّهم البعض غير المنصوب من قبل الإمام  عليه‏السلام بخاصّة أنّ أحداً لم ينقل عن الأ ئمّة عليهم‏السلام أ نّهم كانوا ينصبون للناس إماماً للجمعة بالخصوص .

وقال الشيخ الهمداني في المصباح : ( لا ينبغي الإشكال في ذلك ، كما لا ينبغي الاستشكال في أنّ الجمعة متى جازت أجزأت عن الظهر )([6]) .

وأطرف ما قرأت وأنا أتتبّع مصادر هذا الشرط وأقوال العلماء ما ذكره الشيخ المعظّم صاحب الجواهر وهو يتكلّم عن هذا الشرط ، قال : ( إنّ بعض الشيوخ بالغ وشدّد في وجوب صلاة الجمعة عيناً في عصر الغيبة ، حتّى أ نّه لا يحتاط في فعل الظهر معها ، ولا مصدر لهذا التشدّد والمبالغة إلاّ حبّ الرئاسة والسلطنة والوظائف التي تجعل له في بلاد العجم ، وهذا دأب أكثر الذاهبين إلى ذلك من أهل هذه النواحي ، وقيل : إنّ بعضهم كان يبالغ في حرمتها حال قصور يده ولمّا ظهرت له كلمة بالغ في وجوبها . . . ولولا خوف الملل لنقلنا أكثر كلماتهم في هذه الرسائل ، وأوقفناك على ما

فيها من الفضائح والغرائب )([7]) .

ولا أدري ماذا كان يسجّل صاحب الجواهر لو رأى قضاة الشرع اليوم الّذين أعرضوا عن كتاب اللّه‏ وسنّة نبيّه وإجماع العلماء والعقل والحياء ، واتّخذوا من شهواتهم وأهوائهم مقياساً للدين والشريعة واستعاضوا عن مصادرها بالرشوات وإغراء السيّدات من ربّات الحاجات وبالشفاعات والوساطات ، ووجاهة الوجهاء وأبناء الدنيا .

الحمد للّه‏ الّذي نأى بي عن هذا المنصب ، وشرّفني بالكتاب والقلم ، واتّجه بي إلى البحث والتنقيب عن آثار آل الرسول الأطهار  عليهم‏السلام وعلمائهم الأبرار ، كصاحب الجواهر ومن إليه .

 

 

2 ـ  العدد :

لا تنعقد صلاة الجمعة إلاّ بخمسة رجال على الأقلّ ، قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا ، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم »([8]) .

وجاء في بعض الروايات سبعة ، وفي رواية ذكر السبعة والخمسة معاً ، قال زرارة : قلت للإمام أبي جعفر  عليه‏السلام : على من تجب الجمعة ؟ فقال : « على سبعة نفر من المسلمين ، ولا جمعة لأقلّ من خمسة أحدهم الإمام »([9]) .

وجمع كثير من الفقهاء بين رواية السبعة ورواية الخمسة ، بأنّ السبعة شرط للوجوب العيني بحضور الإمام المعصوم  عليه‏السلام ، والخمسة شرط للوجوب التخييري بينها وبين الظهر في زمن الغيبة ، واستدلّوا على هذا الجمع برواية زرارة المتقدّمة التي جمعت العددين ، وبقول الإمام  عليه‏السلام في رواية اُخرى : « إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمعوا »([10]) لأنّ الظاهر من لفظ « لهم » عدم الإلزام بالجمعة ، وذلك إذا لم يحضر الإمام ونائبه الخاصّ .

 

 

3 ـ  الخطبتان:

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « يخطب إمام الجمعة وهو قائم يحمد اللّه‏ ويثني عليه ، ثمّ يوصي بتقوى اللّه‏ ، ثمّ يقرأ سورة من القرآن قصيرة ، ثمّ يجلس ، ثمّ يقوم فيحمد اللّه‏ ويثني عليه ، ويصلّي على محمّد  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم وعلى أ ئمّة المسلمين عليهم‏السلام ، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، فإذا فرغ من هذا أقام المؤذّن فصلّى بالناس ركعتين ، يقرأ في الاُولى بسورة الجمعة وفي الثانية بسورة المنافقين »([11]) .

الفقهاء  :

عدّوا الخطبتين من الشروط ، مع أ نّهما بحكم الصلاة وكيفيّتها ، ولذا حمل الشيخ الهمداني([12]) عدّهما من الشروط على المسامحة ، ومهما يكن فإنّ وقت الخطبتين زوال الشمس لا قبله ، ويجب تقديمهما على الصلاة ، واشتمال كلٍ منهما على الحمد للّه‏ سبحانه والصلاة على النبيّ وآله ، وقراءة سورة خفيفة أو آية تامّة مفيدة ، ويجب أن يخطب الإمام قائماً مع القدرة ، وأن يفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة .

ويستحبّ أن يكون بليغاً محافظاً على أوقات الفرائض ، وأن يتعمّم شتاءً وصيفاً ، وأن يرتدي بردة يمنيّة .

 

 

4 ـ  الجماعة :

لا بدّ أن تكون جماعة ، ولا تصحّ فرادى بإجماع المسلمين كافّة .

 

 

5 ـ  الوحدة :

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء »([13]) .

وقال الفقهاء استناداً إلى هذه الرواية وغيرها : إذا اُقيمت جمعتان وكان بينهما فرسخ على الأقلّ صحّتا معاً ـ قدّمنا أنّ الفرسخ حوالي ستّة كيلو متراً على التقريب ـ وإذا كان بينهما أقلّ من فرسخ بطلتا معاً ، إلاّ إذا علمنا أنّ إحداهما سبقت الاُولى ولو بتكبيرة الإحرام .

 

 

6 ـ  الوقت :

تجب صلاة الجمعة في أوّل الزوال حتّى يصير ظلّ كلّ شيء مثله ، ولا يجوز فعلها بعد هذا الوقت ، بل تتعيّن الظهر .

 

المكلّف بصلاة الجمعة :

قال الإمام أبو جعفر عليه‏السلام : « إنّما فرض اللّه‏ على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة ، منها صلاة واحدة فرضها اللّه‏ في جماعة وهي الجمعة ، ووضعها عن الصغير والكبير ـ أي الشيخ الهمّ المتهدّم ـ والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين »([14]) أي من بَعُدَ مكانه عن صلاة الجمعة هذه المسافة .

ولا ذكر في روايات أهل البيت  عليهم‏السلام للأعرج فيما لديّ من المصادر ، ولكنّ الفقهاء ذكروه واتّفقوا كلمة على العمل بهذه الرواية ، وعلى أنّ المريض والأعرج والأعمى والهمّ والمرأة والمسافر وكلّ من لا تجب عليه صلاة الجمعة إذا حضر وصلاّها صحّت منه ، وسقطت عنه الظهر ، ولكن لا تنعقد به الجمعة ، أي لا يكون مكمّلاً للعدد المطلوب ، بل لا بدّ أن يكون العدد متحقّقاً بغير الأعرج والأعمى والمرأة والعبد . وتفوت الجمعة بفوات وقتها ، ولا يقضيها من كانت قد وجبت عليه ؛ لقول الإمام  عليه‏السلام : « من لم يصلّ مع الإمام في جماعة فلا صلاة له ، ولا قضاء عليه »([15]) .

____________________________

[1] مجمع الفائدة والبرهان 2 : 334 .

[2] النهاية : 107 .

[3] المسائل الميافارقيات  رسائل المرتضى  1 : 272 .

[4] التذكرة 4 : 27 .

[5] الوسائل 7 : 304 ، ب2 من أبواب صلاة الجمعة ، ح4 .

[6] مصباح الفقيه  الصلاة  : 442 ( حجريّة) .

[7] الجواهر 11 : 178 ـ 179 .

[8] الوسائل 7 : 304 ، ب2 من أبواب صلاة الجمعة ، ح7 .

[9] الوسائل 7 : 304 ، ب2 من أبواب صلاة الجمعة ، ح4 .

[10] الوسائل 7 : 306 ، ب2 من أبواب صلاة الجمعة ، ح11 .

[11] الوسائل 7 : 342 ، ب25 من أبواب صلاة الجمعة ، ح2 .

[12] مصباح الفقيه  الصلاة  : 445 ( حجريّة) .

[13] الوسائل 7 : 315 ، ب7 من أبواب صلاة الجمعة ، ذيل الحديث 2 .

[14] الوسائل 7 : 295 ، ب1 من أبواب صلاة الجمعة ، ح1 .

[15] الوسائل 7 : 421 ، ب2 من أبواب صلاة العيد ، ح3 ، وفيه : « في جماعة يوم العيد » .