طهارة البدن والثوب لأجل الصلاة

من شروط الصلاة  :

ذكرنا في فصل النجاسات الروايات الدالّة على وجوب إزالة النجاسة .

وقال صاحب المدارك : ( إنّما تجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن لأجل الصلاة والطواف إذا كانا واجبين ، وكانت النجاسة ممّا لا يعفى عنها ولم يكن عنده غير الثوب النجس . . . ويدلّ على اعتبار الطهارة في الثوب والجسد لأجل الصلاة إجماع العلماء . . . والأخبار المستفيضة المتضمّنة ؛ للأمر بغسل الثوب والجسد من النجاسات ؛ إذ من المعلوم أنّ الغسل لا يجب لنفسه ، وإنّما هو لأجل العبادة )([1]) .

ونعلّق على هذا بأنّ الصلاة كما أ نّها صلة بين اللّه‏ والإنسان فإنّها في الوقت نفسه مقابلة إلهية سامية ، ولا بدّ لهذه المقابلة من اُهبّة واستعداد وتمهيد بإخلاص النيّة ، وأخذ الزينة بنظافة الجسم والثوب ، والمحافظة التامّة على الموعد المحدّد .

_____________________

[1] المدارك 2 : 303 ـ 304 .

 

 

الصلاة بالنجاسة جاهلاً  :

سئل الإمام [  عليه‏السلام] عن رجل يرى في ثوب أخيه دماً وهو يصلّي ؟ قال : « لا يؤذيه حتّى ينصرف »([1]) .

من رأى إنساناً يصلّي وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة فلا يجب عليه أن يعلمه بها وينبّهه إليها بالإتّفاق ، بل اتّفقوا على أنّ للرائي أن يأتم جماعة بهذا المصلّي إذا تأكّد أ نّه جاهل بالنجاسة ، لا أ نّه كان عالماً ثمّ ذهل ونسي .

وقال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه ، وإن هو علم قبل أن يصلّي فنسي وصلّى فيه فعليه الإعادة »([2]) .

من صلّى بالنجاسة عالماً متعمّداً بطلت صلاته بالإتّفاق ، ومن صلّى بها جاهلاً بالحكم عالماً بالموضوع بطلت صلاته أيضاً بالإتّفاق ، ومثاله أن يعلم بأنّ هذا دم ويجهل بوجوب إزالته عن الثوب والبدن لأجل الصلاة .

ومن صلّى بالنجاسة عالماً بالحكم جاهلاً بالموضوع صحّت صلاته بالإتّفاق ، ومثاله أن يعلم بوجوب إزالة الدم ونحوه عن البدن والثوب من أجل الصلاة ، ويجهل بأنّ على بدنه أو ثوبه نجاسة فصلّى بها ثمّ علم . ومن كان عالماً بالحكم والموضوع معاً ثمّ نسي وصلّى فصلاته باطلة بالإتّفاق ، ومثاله أن يرى دماً على ثوبه ويعلم بحكمه ووجوب إزالته ثمّ ذهل عنه وصلّى .

والسرّ لهذا التفصيل أنّ الناسي أحد أفراد العالم ، فلا يكون معذوراً ، وأنّ الجاهل بالموضوع معذور ، ولا يجب عليه البحث والفحص ، أمّا الجاهل بالحكم فغير معذور ، ويجب عليه البحث والتعلّم إلاّ أن يكون قاصراً لا أهليّة ولا قابليّة له للتعلّم والتفهّم ، بحيث يكون عاجزاً كالحيوانات([3]) .

___________________

[1] الوسائل 3 : 487 ، ب47 من أبواب النجاسات ، ح1 .

[2] الوسائل 3 : 476 ، ب40 من أبواب النجاسات ، ح7 .

[3] من غريب ما قرأته في هذا الباب ما جاء في كتاب الفروق للقرافي  ج4 : الفرق93  ما نصّه بالحرف : ( من أقدم مع الجهل فقد أثم خصوصاً في الاعتقادات ، ولو بذل جهده واستفرغ وسعه في رفع الجهل فإنّه آثم كافر ، ويخلد في النار على المشهور من المذاهب ـ أي مذاهب السنّة ـ مع أ نّه قد أوصل الاجتهاد حدّه ، وصار الجهل له ، ضرورة لا يمكنه دفعه عن نفسه ، ومع ذلك فلم يعذر ، حتّى صارت هذه الصورة فيما يعتقد أ نّها من باب تكليف ما لا يطاق ) [  منه  قدس‏سره ] .

 

 

المضطر  :

سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره ؟ قال : « يصلّي فيه إذا اضطر إليه »([1]) .

وسئل ولده الإمام الكاظم  عليه‏السلام عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم يصلّي فيه أو يصلّي عرياناً ؟ قال : « إن وجد ماءً غسله ، وإن لم يجد ماءً صلّى فيه ، ولم يصلّ عرياناً »([2]) .

إذا كان عند المصلّي ثوب نجس لا يملك سواه ولا يستطيع تطهيره ولا نزعه من البرد صلّى فيه وصحّت صلاته ، ولا يجب عليه الإعادة لا قضاءً ولا أداءً إذا ارتفع العذر ، كما هو ظاهر الرواية الاُولى .

وإذا لم يستطع تطهيره ولكنّه يستطيع أن ينزعه ويصلّي عارياً صلّى بالنجس وصحّت الصلاة ، كما هو ظاهر الرواية الثانية ، وعلى هذا صاحب العروة الوثقى([3]) ، والسيّد الحكيم([4]) ، والسيّد الخوئي([5]) .

_____________________

[1] الوسائل 3 : 485 ، ب45 من أبواب النجاسات ، ح7 .

[2] الوسائل 3 : 484 ـ 485 ، ب45 من أبواب النجاسات ، ح5 .

[3] العروة الوثقى 1 : 76 ، م4 .

[4] المستمسك 1 : 546 .

[5] التنقيح في شرح العروة الوثقى  الطهارة  3 : 364 .

 

 

اشتباه الطاهر بالنجس  :

سئل الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق  عليهماالسلام عن رجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم يدر أ يّهما هو وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء ، كيف يصنع ؟ قال : « يصلّي فيهما جميعاً »([1]) .

أي يكرّر الصلاة مرّتين في كلّ واحد من الثوبين بالإتّفاق ؛ لأ نّه علم بوجوب الصلاة في الطهارة ، وهو قادر على تأديتها بالاحتياط ، فيجب أن يحتاط ؛ لأنّ العلم بشغل الذمّة يستدعي العلم بفراغها .

 

هل يزيل النجاسة أو يتوضّأ  ؟

إذا كان عنده من الماء بقدر ما يتوضّأ به فقط وكان على بدنه نجاسة فهل يتوضّأ ويصلّي بالنجاسة أو يزيل النجاسة ويتيمّم للصلاة ؟

الجواب  :

بل يزيل النجاسة ، ويتيمّم للصلاة ؛ لأنّ للوضوء بدلاً وهو التيمّم ، ولا بدل لإزالة النجاسة .

________________

[1] الوسائل 3 : 505 ، ب64 من أبواب النجاسات ، ح1 ، وفيه : « عن أبي الحسن  عليه‏السلام » .