قضاء الصلاة

تمهيدات :

1 ـ  ليس من شكّ في أنّ القضاء تابع للأداء ، وفرّع عنه ، فإذا لم يجب الأصل فبالأولى ما يتفرّع عنه ، وأوضح مثال لذلك الصبيّ والمجنون فإنّهما غير مكلّفين بشيء إطلاقاً ، ومثلهما من اُغمي عليه إغماء استوعب وقت الصلاة بكامله ، فلقد جاء عن أهل البيت  عليهم‏السلام : « أ نّه لا شيء عليه »([1]) . « وأ نّه لا يقضي الصوم ولا الصلاة ، وأنّ كلّما غلب اللّه‏ عليه فاللّه‏ أولى بالعذر »([2])([3]) .

هذا هو مقتضى الأصل الّذي يجب اتّباعه ، مع عدم وجود دليل على خلافه ، فإذا ثبت الدليل على العكس وجب إهمال الأصل واتّباع الدليل . والأدلّة الشرعيّة التي بين أيدينا منها ما جاء على وفق الأصل ، أو لم تصرّح بخلافه ، وذلك في الصبيّ والمجنون وفاقد الطهورين ، حيث لا يجب على واحد منهم الأداء ولا القضاء ، وكذلك الحائض والنفساء لا تجب الصلاة عليهما أداءً ولا قضاءً . ومنها ما دلّ على وجوب القضاء دون الأداء ، كقضاء الصوم على الحائض والنفساء . ومنها ما دلّ على وجوب الأداء دون القضاء ، كما هي الحال في الكافر الأصلي ـ أي الّذي ولد من أبوين كافرين  ـ فإنّه مكلّف بالفروع ، تماماً كما هو مكلّف بالاُصول عند الفقهاء ، ومع ذلك لا يجب عليه قضاء ما فاته من الصلاة بعد إسلامه ؛ لقول الرسول الأعظم  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم :

« الإسلام يجبّ ـ أي يهدم ـ ما قبله »([4]) .

2 ـ  يسقط التكليف بواحد من ثلاثة : الامتثال والإتيان بالمكلّف به على وجهه ، وبالعصيان ، وبارتفاع الموضوع مثلاً إذا قال لك من وجبت طاعته عليك : أكرم زيداً بتأريخ كذا ؛ فإن أكرمته بنفس التأريخ يسقط التكليف بالامتثال ، وإن تركت إكرامه حتّى مضى الوقت المحدّد يسقط التكليف عنك أيضاً ؛ لأنّ المؤقت يزول بزوال وقته ، ولكن تكون عاصياً مستحقّاً للعقاب ، وإذا ارتفع الموضوع ـ كما لو مات زيد قبل الوقت ـ يسقط التكليف عنك ، ولا تُسأل عن شيء ، وقد دلّ الدليل على أنّ العاصي يجب عليه أن يقضي ما فات كما فات ، ويأتي قريباً إن شاء اللّه‏ .

3 ـ  إنّ التكاليف الشرعيّة تشمل وتعمّ العالم والجاهل ، والناسي والذاكر ، والنائم والمستيقظ ، ولا فرق إلاّ بالعقاب ، فإنّ كلاًّ من العالم والذاكر والمستيقظ يعاقب مع الترك ، ولا عقاب على النائم والجاهل القاصر والناسي ما دام العذر والوصف ، فإذا تعلّم الجاهل وتذكّر الناسي واستيقظ النائم وجب التدارك أداءً داخل الوقت ، وقضاءً بعد فواته .

4 ـ  من كان أحد أبويه مسلماً وترك الصلاة مرّة واحدة مستحلاًّ للترك موقناً بعدم الوجوب فقد خرج عن الإسلام وارتدّ عن فطرة وحلّ قتله ؛ لأ نّه أنكر ما علم ثبوته من الدين بالضرورة ، إلاّ أن يدّعي شبهة محتملة في حقّه ، كما لو كان قد خُلق ونشأ في بلد لا عين فيه ولا أثر للإسلام والمسلمين ؛ لأنّ الحدود تدرأ بالشبهات .

وإن ولد من أبوين كافرين وأسلم هو بعد البلوغ ثمّ ارتدّ بتركه للصلاة مستحلاًّ لها كان مرتدّاً عن ملّة لا عن فطرة ، وحكمه أن تعرض عليه التوبة ، فإن امتنع وأصرّ حلّ قتله ، إلاّ أن يدّعي شبهة محتملة في حقّه ، كما لو كان قريب العهد بالإسلام.

أمّا من ترك الصلاة متهاوناً لا مستحلاًّ ومؤمناً بوجوبها لا كافراً بها عزّره الحاكم ، فإن عاد عزّره ثانية ، فإن عاد عزّره ثالثة ، فإن عاد حلّ قتله في الرابعة .

__________________

[1] الوسائل 8 : 261 ، ب3 من أبواب قضاء الصلوات ، ح14 .

[2] قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه : وما دلّ من الأخبار على قضاء المغمى عليه يحمل على الاستحباب ، كما عن الصدوق والشيخ وغيرهما ، بل في الحدائق نسبته إلى المشهور [  منه  قدس‏سره ] مصباح الفقيه  الصلاة  : 600 ( حجريّة) .

[3] الوسائل 8 : 259 ، ب3 من أبواب قضاء الصلوات ، ح3 .

[4] عوالي اللآلي 2 : 54 ، ح145 .

 

 

وجوب القضاء :

سئل الإمام أبو جعفر  عليه‏السلام عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلّها أو نام عنها ؟ قال : « يقضيها إذا ذكرها في أ يّة ساعة ذكرها من ليل أو نهار ، فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتمّ ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت ، وهذه أحقّ بوقتها فليصلّها ، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى ، ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها »([1]) .

وسئل عن رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر ؟ قال [  عليه‏السلام] :

« يقضي ما فاته كما فاته »([2]) .

الفقهاء  :

قالوا : من فاتته صلاة واجبة وجب عليه قضاؤها ، سواء أكان ذلك عن عمد أو نسيان ، والنوم بحكم النسيان كما تقدّم .

ومن شرب ما يؤدي به إلى الجنون وزوال العقل فعليه القضاء إن استيقظ ؛ لأ نّه أوجد السبب بإرادته واختياره ، فيصدق عليه اسم الفوات ، ولا يندرج في قول الإمام  عليه‏السلام : « كلّما غلب اللّه‏ عليه فاللّه‏ أولى بالعذر » .

ومن وجبت عليه صلاة الجمعة فتركها حتّى مضى الوقت صلّى الظهر أربعاً ؛ لقول الإمام  عليه‏السلام : « من فاتته صلاة الجمعة فلم يدركها فليصلِّ أربعاً »([3]) .

ومن لم يصلِّ صلاة العيد على تقدير([4]) وجوبها فلا قضاء عليه ؛ لقول الإمام  عليه‏السلام : « من لم يصلِّ يوم العيد مع الإمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه »([5]) .

ومن فاتته الفريضة في السفر قضاها قصراً حتّى ولو كان حاضراً ، ومن فاتته الفريضة في الحضر قضاها تماماً حتّى ولو كان مسافراً ؛ لقول الإمام  عليه‏السلام : « من فاتته صلاة فليصلّها كما فاتته . . . »([6]) . « اقضِ ما فات كما فات . . . يقضي في الحضر صلاة السفر ، وفي السفر صلاة الحضر »([7]) .

ومن كان مسافراً في أوّل وقت الصلاة وحاضراً في آخر الوقت ، بحيث إذا صلّى في أوّل الوقت أدّاها قصراً ، وإذا أدّاها في آخره كانت تماماً أو انعكس الأمر بحيث كان حاضراً في أوّل الوقت ومسافراً في آخر الوقت ثمّ فاتته الفريضة فهل يقضي في الصورتين قصراً أو تماماً ؟

الجواب  :

يجب على هذا أن ينظر ماذا كان الواجب عليه لو صلاّهاً أداءً ، فإن كان عليه أن يصلّي قصراً في الوقت قضاها كذلك في خارجه ، كما لو كان حاضراً في أوّل الوقت ومسافراً في آخره ، وإن كان عليه أن يصلّي تماماً في الوقت قضاها كذلك في خارجه ، كما لو كان  مسافراً في أوّل الوقت وحاضراً في آخره . قال الإمام أبو جعفر عليه‏السلام : « من نسي أربعاً فليقض أربعاً ، مسافراً كان أو مقيماً ، ومن نسي ركعتين صلّى ركعتين إذا ذكر ، مسافراً كان أو مقيماً »([8]) .

واتّفقوا كلمة واحدة على أنّ من فاتته فريضة فله أن يقضيها في وقت الصلاة الحاضرة إن اتّسع لهما معاً ، فيقضي أوّلاً ما فات ، ثمّ يؤدّي ما عليه من الصلاة ، وإن ضاق الوقت ولم يتّسع إلاّ للحاضرة فقط تعيّن عليه أن يأتي بها ، ويترك القضاء ؛ لأنّ الحاضرة أحقّ بوقتها كما قال الإمام  عليه‏السلام .

واختلفوا : هل يجب القضاء فوراً وفي أوّل الوقت الّذي يذكره فيه أو يجوز التأخير ولا تجب المبادرة ، بحيث يسوغ لمن عليه صلوات فائتة أن يصلّي الحاضرة في أوّل وقتها ويتشاغل في غيرها من العبادات والأفعال ويؤجّل القضاء إلى وقت آخر ؟

الجواب  :

لا يجب الفور في قضاء الفائتة ، ويجوز التأخير ؛ لأنّ الأمر لا يدلّ على الفور ، وأصل البراءة ينفي وجوبه([9]) ، وعلى هذا المشهور قديماً وحديثاً .

قال صاحب الجواهر : ( كما هو المشهور بين المتأخّرين ، بل في كتاب الذخيرة : أ نّه مشهور بين المتقدّمين أيضاً ، بل في كتاب المصابيح أنّ هذا القول مشهور في كلّ طبقة من طبقات فقهائنا المتقدّمين منهم والمتأخّرين ) ثمّ قال صاحب الجواهر : ( ويشهد لذلك التتبّع لكلماتهم ) . ثمّ عدّ العشرات من أكابر الفقهاء([10]) .

وقال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه : ( الأقوى ما هو المشهور بين المتأخّرين من القول بالمواسعة ، ولعلّ هذا القول كان أشهر بين المتقدّمين ، وإن نسب إليهم في كلام غير واحد شهرة القول بالمضايقة ، وعلى تقدير تحقيق النسبة ، فالشهرة المتأخّرة أبلغ في إفادة الوثوق في مثل المقام كما لا يخفى وجهه )([11]) .

والوجه في أنّ شهرة المتأخّرين أوثق ـ مع العلم بتقوى الجميع وإخلاصهم ـ أنّ المتأخّر قد أطلع على قول المتقدّم ودليله ، وزاده في معرفة النظريات المتجدّدة ، والحركات الفكريّة ، هذا إلى أنّ العلم لا يقف جامداً ، بل هو حركة دائبة مستمرّة ، والعالم حقّاً من يفكّر باستمرار ، ويقلّم ويطعّم في أفكاره ، ومن هنا يكون اللاحق أوثق ؛ لأ نّه إن كان السابق على حقّ فاللاحق يؤكّد ويعزّز ، وإن كان على غير الحقّ فاللاحق يقوّم ويصحّح .

وقد تبيّن ممّا قدّمنا أنّ وقت الفائتة موسّع ، ولا يضايق الحاضرة في شيء من وقتها إطلاقاً ، وهذا هو مراد الفقهاء من لفظة المواسعة عند إطلاقها .

ومرادهم من لفظة المضايقة هو وجوب المسارعة والتعجيل بإتيان الفائتة ، وتقديمها على الحاضرة ومزاحمتها في زمانها المحدّد لها ، بحيث لا يجوز أن يؤدّي فيه الحاضرة إلاّ إذا ضاق ، ولم يبق منه إلاّ بمقدار فعلها فقط . وبكلمة أنّ الفائتة تأخذ من وقت الحاضرة كلّ ما تحتاج إليه أوّلاً كان أو وسطاً ، ولا تبقي لها عند الاقتضاء إلاّ الوقت الأخير الّذي لا يزيد عن فعلها لحظة .

هذا هو معنى القول بالمضايقة ، وهو متروك كما قدّمنا ، حيث لا شيء يدلّ عليه ، أمّا قول الإمام  عليه‏السلام : « يقضي الفائتة في أيّة ساعة ذكرها من ليل أو نهار »([12]) فإنّما يدلّ على وجوب إتيانها وعدم جواز تركها ؟ ! لا على الفور والتعجيل ، كيف والحاضرة لا تجب المسارعة إليها في أوّل الوقت ؟ ! أجل يستحبّ الفور والتعجيل في الأداء والقضاء بالإتّفاق ، ولو فرض وجود ما يدلّ على المسارعة حمل على ذلك .

______________________

[1] الوسائل 8 : 257 ، ب2 من أبواب قضاء الصلوات ، ح3 .

[2] الوسائل 8 : 268 ، ب6 من أبواب قضاء الصلوات ، ح1 .

[3] الوسائل 7 : 345 ، ب26 من أبواب صلاة الجمعة ، ح3 .

[4] في الطبعات السابقة « تقديره » والصحيح ما أثبتناه .

[5] الوسائل 7 : 421 ، ب2 من أبواب صلاة العيد ، ح3 .

[6] عوالي اللآلي 3 : 107 ، ح150 .

[7] الوسائل 8 : 268 ، ب6 من أبواب قضاء الصلوات ، ح1 .

[8] الوسائل 8 : 269 ، ب6 من أبواب قضاء الصلوات ، ح4 .

[9] لقد تقرّر في علم الاُصول أ نّه كلّما دار الأمر بين حمل اللفظ على معنى يحتاج إلى بيان زائد وبين حمله إلى ما لا يحتاج إلى ذلك تعيّن الأوّل ؛ لأنّ الأصل عدم الزيادة حتّى يثبت العكس والتعجيل أمر زائد على أصل الوجوب ، ولا بيان فيه ، فينفى بالأصل [  منه  قدس‏سره ] .

[10] الجواهر 13 : 33 ، 34 .

[11] مصباح الفقيه  الصلاة  : 608 ( حجريّة) .

[12] الوسائل 8 : 253 ، ب1 من أبواب قضاء الصلوات ، ح1 .

 

 

الترتيب في القضاء :

قيل للإمام الصادق  عليه‏السلام : يفوت الرجل الاُولى والعصر والمغرب ويذكر عند العشاء ، قال : « يبدأ بالوقت الّذي هو فيه لا يأمن الموت ، فيكون قد ترك الفريضة في وقت قد دخل ، ثمّ يقضي ما فاته الأوّل فالأوّل »([1]) .

وقال الإمام أبو جعفر  عليه‏السلام : « إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ باُولاهنّ »([2]) .

الفقهاء  :

أجمعوا على أنّ من فاتته صلوات عديدة وعلم الترتيب بينها فعليه أن يقضي حسب الترتيب في الفوات ، فيقدّم السابقة على اللاحقة . فلو علم أ نّه ترك الصلوات الخمس من يوم واحد ابتداءً من الصبح قدّم الصبح على الظهر ، والظهر على العصر ، والعصر على المغرب ، والمغرب على العشاء . ولو علم أ نّه قد ترك العصر من يوم الأحد في الاُسبوع الفائت والظهر من يوم الاثنين والعشاء من يوم الثلاثاء والمغرب من الأربعاء قدّم في القضاء العصر على الظهر ، والعشاء على المغرب . قال صاحب الجواهر : ( بلا خلاف فيه )([3]) .

وإذا جهل الترتيب بين الفوائت وجب عليه التكرار حتّى يحصل له العلم به ، فإذا فاته الظهر من يوم والعصر من يوم آخر ولم يعلم هل الفائت الأوّل هو الظهر أو العصر صلّى ظهراً وبعدها العصر ثمّ صلّى عصراً وبعدها الظهر . . . ولا يجب الترتيب حتّى ولو علم به في غير الصلوات الخمس كصلاة الآيات والنوافل .

__________________

[1] الوسائل 8 : 257 ، ب2 من أبواب قضاء الصلوات ، ح5 .

[2] الوسائل 8 : 254 ، ب1 من أبواب قضاء الصلوات ، ح4 .

[3] الجواهر 13 : 19 .

 

 

 

الصلاة عن الميّت :

تقع الصلاة عن الميّت على وجوه :

الأوّل  : إهداء الثواب:

أن يصلّي ركعتين تطوّعاً واستحباباً ، ويهدي ثوابهما للميّت ، وليس من شكّ أنّ هذا راجح شرعاً ، فلقد روي أنّ الإمام الصادق  عليه‏السلام كان يصلّي عن ولده في كلّ ليلة ركعتين ، وعن والده في كلّ يوم ركعتين([1]) .

وأيضاً روي عنه  عليه‏السلام أ نّه قال : « ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين وميّتين ويصلّي عنهما ويتصدّق عنهما ويحجّ عنهما ويصوم عنهما ، فيكون الّذي صنع لهما وله مثل ذلك فيزيد اللّه‏ ببرّه وصلاته خيراً كثيراً »([2]) .

وعنه  عليه‏السلام أيضاً : وقد سئل أيصلّى عن الميّت ؟ قال : « نعم ، حتّى أ نّه ليكون في ضيق فيوسّع عليه ذلك الضيق ، ثمّ يؤتى فيقال له : خفّف اللّه‏ عنك ذلك الضيق لصلاة فلان أخيك عنك »([3]) .

بل يجوز للإنسان أن يصلّي ويحجّ ويتصدّق تطوّعاً واستحباباً عن الأحياء فضلاً عن الأموات ؛ لما تقدّم من قول الإمام  عليه‏السلام : « ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين وميّتين » .

وقد سئل الإمام الكاظم ابن الإمام الصادق  عليهماالسلام : أحجّ واُصلّي وأتصدّق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي ؟ قال : « نعم ، تصدّق عنه وصلِّ عنه ولك أجر لصلتك إيّاه »([4]) .

الثاني  : القضاء عن الميّت :

إذا كان على الميّت صلاة واجبة جاز لأيّ إنسان أن يقضيها عنه تبرّعاً ، وله الأجر والثواب ؛ لإطلاق الروايات المتقدّمة .

وهل يجوز الاستئجار للصلاة عن الميّت ؟

الجواب  :

أجل يجوز ، قال السيّد الحكيم في المستمسك : ( عليه مشهور المتأخّرين شهرة كادت تكون إجماعاً ، بل حكى إجماع القدماء عليه الشهيد الأوّل في الذكرى ، وشيخه في الإيضاح ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد )([5]) .

وليس من شكّ أنّ القواعد تساعد على ذلك ؛ لأنّ النيابة عن الميّت من الاُمور الجائزة شرعاً ، وكلّ ما جاز فعله جاز الاستئجار عليه .

ويجب أن يكون الأجير أميناً وعارفاً بأحكام الصلاة ، وقادراً على الأفعال الواجبة كالقيام ، وإذا عيّن المستأجر أن يعمل الأجير بموجب تكليف الميّت أو تكليف الأجير أو بموجب نظر أحد من المجتهدين تعيّن وتحتّم على الأجير أن يوقع الصلاة على حسب ما استؤجر عليها ، وإلاّ عمل الأجير بمقتضى تكليفه الخاصّ ، تماماً كما لو وكّله في البيع وما إليه .

ويجوز أن تستأجر المرأة عن الرجل والرجل عن المرأة وعلى الأجير وكلّ من ينوب عن الميّت في القضاء أن يقصد النيابة عنه ، تماماً كالحجّ والزيارة ، ولا يكفي مجرّد إهداء الثواب للميّت بدون قصد النيابة .

الثالث  : الولد الأكبر يقضي عن والديه :

قال الإمام  عليه‏السلام : « يقضي الصوم والصلاة عن الميّت أولى الناس به » ، فقيل له : فإن كان أولى الناس امرأة ؟ قال : « لا ، إلاّ الرجال »([6]) .

وقال  عليه‏السلام : « الصلاة التي حصل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به »([7]) .

الفقهاء  :

قال الشيخ([8]) وأكثر من تأخّر عنه : إنّ الولد الأكبر يقضي عن أبويه ما فاتهما من الصلاة الواجبة([9]) .

ثمّ اختلف الفقهاء : هل يقضي الولد الأكبر جميع ما فات أبويه ، سواء أكان الفوات في مرض الموت أم في غيره ، أو أنّ عليه أن يقضي خصوص ما فاتهما في مرض ؟

قال الشيخ الأنصاري في ملحقات المكاسب فصل القضاء عن الميّت : المحكيّ عن المشهور الأوّل ، وهو الأقوى ؛ لأنّ النصوص تشمل بإطلاقها كلّ ما فات([10]) .

إذا كان له ولدان متساويان([11]) في السنّ قسّط القضاء عليهما ، وإذا تبرّع متبرّع بالقضاء عن الميّت سقط عن الوليّ ، وكذا إذا أوصى بالاستئجار عنه ، وللوليّ أن يستأجر على أداء ما عليه من القضاء عن الميّت .

__________________

[1] الوسائل 2 : 445 ، ب28 من أبواب الاحتضار ، ح7 .

[2] الوسائل 8 : 276 ، ب12 من أبواب قضاء الصلوات ، ح1 .

[3] الوسائل 8 : 277 ، ب12 من أبواب قضاء الصلوات ، ح4 .

[4] الوسائل 8 : 278 ، ب12 من أبواب قضاء الصلوات ، ح9 .

[5] المستمسك 7 : 104 .

[6] الوسائل 10 : 331 ، ب23 من أبواب أحكام شهر رمضان ، ح5 .

[7] الوسائل 8 : 281 ، ب12 من أبواب قضاء الصلوات ، ح18 .

[8] إنّ الشيعة يطلقون لفظ الشيخ بدون قيد على محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي المتوفى سنة 460ه ، وله كتابان من الكتب الأربعة الشهيرة ، وهما كتاب الاستبصار والتهذيب[ منه  قدس‏سره ] .

[9] النهاية : 633 .

[10] رسائل فقهيّة ، رسالة القضاء عن الميّت : 223 ، 224 .

[11] في الطبعات السابقة « متساويين » .

 

 

مسائل :

1 ـ  سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل نسي من الصلاة واحدة لا يدري أ يّتها هي ؟ قال : « يصلّي ثلاثاً وأربعاً وركعتين ، فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلّى أربعاً ، وإن كانت المغرب أو الغداة فقد صلّى »([1]) .

هذا محلّ وفاق عند الجميع .

2 ـ  إذا كانت الصلاة الفائتة اضطراريّة بحيث لو أتى بها في وقتها لأدّاها متيمّماً أو جالساً أو مضطجعاً أو ماشياً ثمّ زال العذر حين القضاء فهل يقضيها اضطراريّة كما فاتت أو يقضيها تامّة جامعة لجميع الشروط والأجزاء ؟

الجواب  :

بل يجب أن يقضيها كاملة وافية ؛ لأنّ الواجب الأوّل حين القضاء والأداء هي الصلاة بهيئتها الأصليّة من حيث هي ، وإذا سوّغت الضرورة التيمّم أو الجلوس وما إليه حين الأداء فلا يستمرّ حكمها وأثرها إلى وقت القضاء ، مع العلم بأ نّه لا ضرورة فيه ، فإنّ المريض الّذي لا يقدر على الصلاة إلاّ مستلقياً يجب عليه أن يقضيها واقفاً لو فاتته حين المرض .

قال صاحب الجواهر : ( وعلى هذا غير واحد من الأصحاب ، بل في مفتاح الكرامة([2]) عن إرشاد الجعفريّة أنّ وجوب رعاية الهيئة وقت الفعل لا وقت الفوات أمر إجماعيّ لا خلاف لأحد فيه ، بل هو من الواضحات التي لا تحتاج إلى تأمّل )([3]) .

3 ـ  يلاحظ حال النائب ، لا حال المنوب عنه فيما يعود إلى الجهر والإخفات ؛ لأ نّهما صفتان للمصلّي ، لا لطبيعة الصلاة وحقيقتها ، وعلى هذا يجهر الرجل في الصبح والاُوليين من العشاءين وإن ناب عن المرأة ، وتخيّر المرأة وإن نابت عن الرجل .

4 ـ  إذا ادّعى المستأجر أنّ الأجير لم يؤدّ الصلاة عن الميّت ، وقال هذا : بل أدّيتها فالقول قول الأجير ؛ لأ نّه أمين ، تماماً كالوصيّ والوكيل ، وليس على الأمين إلاّ اليمين .

____________________

[1] الوسائل 8 : 276 ، ب11 من أبواب قضاء الصلوات ، ح2 .

[2] مفتاح الكرامة كتاب كبير جداً وجليل وهو للسيّد محمّد جواد العاملي ، وكان اُستاذاً لصاحب الجواهر ، ذكرت هذا التعليق لأنقل ما وصف به صاحب الجواهر اُستاذه المذكور في كتاب الصلاة مسألة وجوب الترتيب بين الفوائت ، قال ما نصّه بالحرف : « وجاء هذا في رسالة المولى المتبحّر السيّد العماد اُستاذي السيّد محمّد جواد » [الجواهر 13 : 33 ] . توفّي صاحب الجواهر سنة  1266  ه [  منه  قدس‏سره ] .

[3] الجواهر 13 : 113 .