منى وأعمالها

قدّمنا أنّ الحاجّ ينتقل من عرفات إلى المشعر الحرام ، وأنّ عليه أن يمكث فيه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس مختاراً ، فإذا طلعت الشمس من يوم العيد انتقل من المشعر إلى منى ، وبينهما وادٍ يسمّى وادي محسّر ، وليس للحاجّ أن يتجاوزه إلاّ بعد طلوع الشمس ؛ لقول الإمام الصادق  عليه‏السلام : « لا يجوز ـ أي لا يتجاوز ـ وادي محسّر حتّى تطلع الشمس »([1]) .

ولمنى مناسك شتّى ، تستمرّ من يوم النحر ـ وهو يوم العيد ـ إلى صبيحة اليوم الثالث عشر أو مساء اليوم الثاني عشر ، وفي منى تنتهي واجبات الحجّ ، وتسمّى الأ يّام الثلاثة ، وهي ( 11 ) و ( 12 ) و ( 13 ) من ذي الحجّة أيّام التشريق . ويجب في منى يوم العيد ثلاثة مناسك : 1 ـ رمي جمرة العقبة . 2 ـ الذبح . 3 ـ الحلق أو التقصير ، وفيما يلي البيان :

_____________________________________

[1] الوسائل 14 : 25 ، ب15 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح2 ، وفيه : « لا يجاوز » بدل « يجوز » .

 

 

يصل الحاجّ إلى منى صباح يوم العيد ، وأوّل عمل يؤدّيه فيها هو رمي جمرة العقبة ، وعليه أن يراعي فيها الاُمور التالية :

1 ـ  يبتدئ وقتها من طلوع الشمس إلى غروبها من اليوم العاشر لذي الحجّة ، ولا يجوز الرمي قبل طلوع الشمس إلاّ لعذر مشروع ، قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « رمي الجمار من ارتفاع النهار إلى غروب الشمس »([1]) . وفي رواية ثانية : « ما بين طلوع الشمس إلى غروبها »([2]) .

2 ـ  نيّة التقرّب إلى اللّه‏ سبحانه ؛ لأنّ هذا الرمي عبادة ، تماماً كالصوم والصلاة ، ولا تصحّ العبادة إلاّ بنيّة الإخلاص للّه‏ ، وامتثال أمره تعالى .

3 ـ  أن يكون الرمي بسبع حصوات إجماعاً ونصّاً ، ومنه أنّ الإمام الصادق عليه‏السلام سئل عن رجل أخذ إحدى وعشرين حصاة فرمى بها ـ أي ثلاث مرّات ـ فزادت([3]) واحدة ، ولم يدرِ أيّ الثلاث نقصت واحدة ؟ قال : « يرجع فليرم كلّ واحدة بحصاة »([4]) .

4 ـ  أن يرمي الحصاة رمياً وقذفاً ، فلا يكفي مجرّد الوضع والطرح ؛ لقول الإمام [  عليه‏السلام] : « أرمها من قبل وجهها »([5]) ، والوضع والطرح لا يدخل في مفهوم الرمي ، فلا يكون مجزياً .

5 ـ  أن يرميها متفرّقة متلاحقة الواحدة بعد الاُخرى ، ولا يكفي رميها دفعة واحدة ؛ لأنّ الرمي عبادة ، والعبادة تتوقّف على النصّ ، ولا نصّ في التفريق . والمعروف من عمل الرسول الأعظم  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم الذي قال : « خذوا عنّي مناسككم »([6])

وعمل الأ ئمّة الأطهار عليهم‏السلام والفقهاء جميعاً هو التفريق في الرمي فيتعيّن .

6 ـ  مباشرة الرمي بنفسه ، ولا تجزي الاستنابة إلاّ مع الضرورة ؛ لأنّ الأمر يقتضي المباشرة .

7 ـ  أن يكون الرمي بالحجر ، فلا يكفي الملح والحديد والنحاس والخشب والخزف ، وما إلى ذاك ؛ لقول الإمام  عليه‏السلام : « لا ترمِ الجمار إلاّ بالحصى »([7]) .

8 ـ  قال البعض : يجب أن تكون أبكاراً لم يرم بها من قبل([8]) ؛ لقول الإمام  عليه‏السلام : « لا تأخذ من موضعين : من خارج الحرم ، ومن حصى الجمار »([9]) أي التي قد رمي بها .

_____________________________________

[1] الوسائل 14 : 69 ، ب13 من أبواب رمي جمرة العقبة ، ح1

[2] الوسائل 14 : 69 ، ب13 من أبواب رمي جمرة العقبة ، ح2 .

[3] في الطبعات السابقة : «فزاد » وما أثبتناه من المصدر .

[4] الوسائل 14 : 268 ، ب7 من أبواب العود إلى منى ، ح1 .

[5] الوسائل 14 : 58 ، ب3 من أبواب رمي جمرة العقبة ، ح1 .

[6] عوالي اللآلي 1 : 198 ، ح8 .

[7] الوسائل 14 : 32 ، ب19 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ذيل الحديث 1.

[8] انظر الجواهر 19 : 95 .

[9] الوسائل 14 : 60 ، ب5 من أبواب رمي جمرة العقبة ، ح1 .

 

 

لا تشترط الطهارة في الرمي ، ولكنّها أفضل ، قال الإمام  عليه‏السلام : « ويستحبّ أن ترمي الجمار على طهر »([1]) .

ويستحبّ البعد عن الجمرة التي ترمى بعشر خطوات ، أو خمس عشرة خطوة ، قال الإمام  عليه‏السلام : « وليكن بينك وبين جمرة العقبة مقدار عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً »([2]) .

ويستحبّ أن تكون الحصاة بقدر رأس الأنملة ، وبلون الكحل لا سوداً ولا بيضاً ولا حمراً ، وأن يكون الرامي ماشياً لا راكباً ، وعلى سكينة ووقار ، وأن يضع الحصاة بيده اليسرى ويرمي باليمنى ، وأن يهلّل ويكبّر ، ويدعو بالمأثور وغير المأثور .

_____________________________________

[1] الوسائل 14 : 56 ، ب2 من أبواب رمي جمرة العقبة ، ح3 .

[2] الوسائل 14 : 58 ، ب3 من أبواب رمي جمرة العقبة ، ح1 .

 

 

إذا شكّ هل أصاب الهدف أو لا ؟ بنى على عدم الإصابة ؛ لأنّ الأصل العدم ، وإذا شكّ في العدد بنى على الأقلّ ؛ لأ نّه القدر المتيقّن ، والأصل عدم الزيادة.

وبالتالي فإنّ جمرة العقبة أوّل عمل يؤدّيه الحاجّ في منى يوم العيد ، والثاني فيها هو الهدي ـ أي الذبح ـ والثالث الحلق والتقصير ، ثمّ يمضي في نفس اليوم إلى مكّة لأجل الطواف والسعي ، ولا رمي في اليوم العاشر إلاّ جمرة العقبة ، وإلى الكلام عن ذلك كلّه في الفقرات التالية .

 

 

العمل الثاني الّذي يجب في منى هو الهدي ، ويقع الكلام أوّلاً : في تقسيمه إلى مستحبّ وواجب . ثانياً : فيمن يجب عليه الهدي . ثالثاً : في صفات الهدي . رابعاً : في وقت الذبح أو النحر . خامساً : في حكم اللحم . سادساً : في البدل عنه لمن لم يجد الهدي ولا ثمنه .

 

 

الاُضحية مستحبّة بذاتها بصرف النظر عن الحجّ وأعماله ، فقد جاء في تفسير قوله تعالى :  فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَر ([1]) أنّ اللّه‏ أمر النبيّ  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم بالنحر بعد صلاة العيد.

وفي الحديث : « أنّ النبيّ  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم كان يضحّي بكبشين »([2]) .

وقال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « كان عليّ أمير المؤمنين  عليه‏السلام يضحّي عن رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم كلّ عيد بكبش يذبحه ، ويقول : اللّهم هذا عن نبيّك ، ويذبح كبشاً آخر عن نفسه »([3]) .

وعن أمير المؤمنين  عليه‏السلام أ نّه قال : « لو علم الناس ما في الاُضحية لاستدانوا وضحّوا ، إنّه يغفر لصاحب الأضحية عند أوّل قطرة تقطر من دمها »([4]) .

وقال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « هي واجبة على كلّ مسلم إلاّ من لم يجده »([5]) . والتعبير بالوجوب إشارة إلى تأكيد الاستحباب والاهتمام بالاُضحية .

قال صاحب الحدائق : ( إنّها مستحبّة استحباباً مؤكّداً بإجماع علمائنا )([6]) . ونقل عن ابن الجنيد القول بوجوبها([7]) . ومن تتبّع آثار أهل البيت عليهم‏السلام وأقوالهم يرى أ نّهم يستعملون لفظ الوجوب كثيراً في تأكيد الاستحباب والمبالغة في رجحانه ، ويستعملون لفظ الحرمة في تأكيد الكراهيّة والمبالغة فيها .

وأيّام الاُضحية المستحبّة أربعة لمن كان في منى وهي : يوم العيد والأ يّام الثلاثة التي تليه أي أيّام التشريق ، ولمن كان في غير منى فأ يّامها ثلاثة : يوم العيد والحادي عشر والثاني عشر ، وأفضل ساعات الاُضحية من يوم الأضحى أن تكون بعد طلوع الشمس ، ومضيّ ما يتّسع لصلاة العيد والخطبتين .

ويستحبّ تقسيم الاُضحية أثلاثاً : يأكل المضحّي وأهل بيته ثلثاً ، ويهدي على إخوانه وجيرانه ثلثاً ، ويتصدّق على المحتاجين بالثلث الباقي .

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « كان الإمام زين العابدين وولده الإمام الباقر  عليهماالسلام يتصدّقان بالثلث على الجيران ، والثلث على من يسأل ويطلب ، ويمسكان الثلث لأهل البيت »([8]) .

_____________________________________

[1] الكوثر : 2 .

[2] الوسائل 14 : 100 ، ب10 من أبواب الذبح ، ح3 .

[3] الوسائل 14 : 206 ، ب60 من أبواب الذبح ، ح7 .

[4] الوسائل 14 : 210 ، ب64 من أبواب الذبح ، ح2 .

[5] الوسائل 14 : 205 ، ب60 من أبواب الذبح ، ح5 .

[6] الحدائق 17 : 200 .

[7] المختلف 4 : 291 .

[8] الوسائل 14 : 163 ، ب40 من أبواب الذبح ، ح13 .

 

 

إنّ الدماء الواجبة بنصّ القرآن الكريم أربعة :

1 ـ  تجب على من حجّ متمتّعاً ، قال تعالى :  فَمَن تَمَتَّعَ بِالعُمرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا استَيسَرَ مِنَ الهَدي ([1]) .

2 ـ  قدّمنا في فصل « تروك الإحرام » أنّ المحرم إذا حلق رأسه لضرورة فعليه كفّارة مخيّراً بين صيام ثلاثة أيّام ، وإطعام ستّة مساكين ، أو التضحية بشاة ، قال تعالى :  فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَو بِهِ أَذىً مِّن رَّأسِهِ فَفِديَةٌ مِّن صِيَامٍ أَو صَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ ([2]) .

3 ـ  وقدّمنا أيضاً أنّ المحرم إذا اصطاد فعليه كفّارة مثل ما قتل من النعم ، قال تعالى :  وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ([3]) .

4 ـ  هدي الحصار ، قال جلّ وعزّ :  فَإن أُحصِرتُم فَمَا استَيسَرَ مِنَ الهَدي ([4]) .

ونتكلّم في هذا الفصل عن الهدي الواجب على الحاجّ يوم العيد بمنى ، أ مّا غيره فقد سبق الكلام عنه في مطاوي الفصول السابقة حسب المناسبات والمقتضيات .

_____________________________________

[1] البقرة : 196 .

[2] و 5 البقرة : 196 .

[4][3] المائدة 95 .

 

 

لا يجب الهدي على من اعتمر بعمرة مفردة ، بل لا يجب عليه الذهاب إلى منى إطلاقاً كما تقدّم .

ولا يجب الهدي على الحاجّ المفرد ، ولا على القارن إلاّ إذا ساق القارن معه الهدي من الإحرام .

أمّا الحاجّ المتمتّع فيجب عليه الهدي قطعاً ، قال صاحب الجواهر : ( بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع عليه بعد الكتاب  فَمَن تَمَتَّعَ بِالعُمرَةِ إِلَى الحَجِّ  .

والروايات المستفيضة ، منها قول الإمام الصادق  عليه‏السلام في خبر سعيد الأعرج : « من تمتّع في أشهر الحجّ ثمّ أقام بمكّة حتّى يحضر الحجّ فعليه شاة ، وإن تمتّع في غير أشهر الحجّ ثمّ جاور بمكّة حتّى يحضر الحجّ فليس عليه دم ، إنّما هي حجّة مفردة([1]) »([2]) .

فقول الإمام  عليه‏السلام : « ثمّ جاور بمكّة حتّى يحضر الحجّ فليس عليه دم » ظاهر في نفي وجوب الهدي عن المفرد والقارن ؛ لأنّ هذا المجاور فرضه الإفراد أو القران ، لا التمتّع كما تقدّم .

وسبق أنّ المكّي فرضه الإفراد أو القران ، فإذا حجّ متمتّعاً وجب عليه الهدي كغيره ، قال صاحب الجواهر : ( على المشهور شهرة عظيمة )([3]) ، أ مّا سبب هذه الشهرة فهو إطلاق الأدلّة الدالّة على وجوب الهدي في حجّ التمتّع .

_____________________________________

[1] هذه الرواية موجودة في الجواهر 19 : 114 ، والحدائق [ وفيها في موضعين منها « تجاوز » انظر الحدائق 4 : 353 و 17 : 26] ، وفيهما « تجاوز مكّة » ، وبعد مراجعة الوسائل تبيّن أن الصحيح « جاور بمكّة » ، ولا يستقيم المعنى إلاّ بذلك ، وعليه يكون الخطأ من الناسخ [ منه 1] .

[2] الوسائل 11 : 270 ، ب10 من أبواب أقسام الحجّ ، ح1 .

[3] الجواهر 19 : 115 .

 

 

يشترط في الهدي الواجب بمنى اُمور :

1 ـ  أن يكون من الأنعام الثلاثة : الإبل والبقر والغنم ، قال تعالى :  وَيَذكُرُوا اسمَ اللّه‏ِ في أَ يَّامٍ مَّعلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا البَائسَ الفَقِيرَ ([1]) . وقال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « على المتمتّع الهدي » ، فقيل له : وما الهدي ؟ قال : « أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة ، وأخسّه شاة »([2]) .

2 ـ لا يجزي من الإبل إلاّ الثنيّ ، وهو الّذي له خمس سنوات ودخل السادسة . والثنيّة من البقر والمعز ، وهو ما له سنة ودخل في الثانية . ومن الغنم الجذع ، وهو الّذي مضى عليه ستّة أشهر . قال صاحب الجواهر : ( بلا خلاف أجده فيه ، مضافاً إلى صحيح العيص عن الصادق  عليه‏السلام : « أنّ عليّاً أمير المؤمنين [  عليه‏السلام] كان يقول : يجزي الثنيّ من الإبل ، والثنيّة من البقر والمعز ، والجذعة من الضأن » )([3]) .

3 ـ  أن يكون تامّ الخلقة ، فلا تجزي العوراء ، ولا العرجاء البيّن عرجها ، ولا المريضة البيّن مرضها ، ولا الكبيرة التي لا تنضج ، ولا مكسورة القرن ، ولا مقطوعة الاُذن ، ولا الجمّاء التي لا قرن لها ، ولا الصمّاء التي لا اُذن لها أو لها اُذن صغيرة ، ولا الخصي ، ولا الهزيل الّذي ليس على كليتيه شحم .

وفي ذلك روايات عن أهل البيت عليهم‏السلام نذكر منها .

ما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه الإمام الكاظم [  عليه‏السلام] في رجل اشترى اُضحية عوراء فلم يعلم إلاّ بعد شرائها هل تجزي عنه ؟ قال : « نعم ، إلاّ أن يكون هدياً واجباً فإنّه لا يجوز أن يكون ناقصاً »([4]) .

وما رواه الإمام الباقر  عليه‏السلام عن جدّه الرسول الأعظم  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم أ نّه قال : « لاتضحّي بالعرجاء ، ولا العجفاء ، ولا الخرقاء ، ولا الجذاء ، ولا العضباء »([5]) . والعجفاء الهزيلة ، والخرقاء لا اُذن لها أو مخروقة الاُذن ، والجذّاء مقطوعتها ، والعضباء

مكسورة القرن .

وأفضل الهدي من الإبل والبقر الاُناث ، ومن الضأن الذكران ، قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل والبقر ، وقد تجزي الذكورة من البدن([6]) ، ومن الغنم الفحولة »([7]) .

ويستحبّ أن يتولّى الحاجّ الذبح بنفسه ، وإن لم يفعل وضع يده فوق يد الذابح ، كما يستحبّ عند الذبح الدعاء بالمأثور .

_____________________________________

[1] الحجّ : 28 .

[2] الوسائل 14 : 101 ، ب10 من أبواب الذبح ، ح5 ، وفيه : « وآخره شاة » .

[3] الجواهر 19 : 136 .

[4] الوسائل 14 : 125 ، ب21 من أبواب الذبح ، ح1 .

[5] الوسائل 14 : 126 ، ب21 من أبواب الذبح ، ح3 ، وفيه : « ولا بالخرصاء ولا بالجدعاء » .

[6] عبارة « من البدن » ليست في الطبعات السابقة وأثبتناه من المصدر.

[7] الوسائل 14 : 98 ، ب9 من أبواب الذبح ، ح1 ، وفيه : « الضحايا من الغنم الفحولة » .

 

 

سئل الإمام الصادق  عليه‏السلام عن رجل قدم بهديه مكّة في العشر ؟ قال : « إن كان هدياً واجباً فلا يجزيه إلاّ بمنى ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء »([1]) . وقال [  عليه‏السلام] : « لا تخرجنّ شيئاً من لحم الهدي »([2]) .

وسئل عن الأضحى بمنى ؟ فقال [  عليه‏السلام] : « أربعة أيّام ، وفي سائر البلدان ثلاثة أيّام »([3]) .

الفقهاء :

قالوا : مكان الذبح والنحر منى بالإتّفاق .

وقال الشيخ الأردبيليّ في شرح الإرشاد ما نصّه بالحرف : ( أمّا زمان الذبح فظاهر الأصحاب أ نّه لمن كان بمنى يوم النحر ـ أي العيد ـ وثلاثة أيّام بعده ، وزمان الاُضحية في غير منى يوم النحر ويومان بعده )([4]) . ثمّ ذكر الرواية المتقدّمة .

والّذي لا شكّ فيه أنّ نيّة القربة واجبة في الذبح ؛ لأ نّه عبادة ، بل التنبيه على ذلك من نافلة القول .

_____________________________________

[1] الوسائل 14 : 88 ، ب4 من أبواب الذبح ، ح1 .

[2] الوسائل 14 : 171 ، ب42 من أبواب الذبح ، ح2 .

[3] الوسائل 14 : 92 ، ب6 من أبواب الذبح ، ح2 .

[4] مجمع الفائدة والبرهان 7 : 256 .

 

 

ليس من شكّ أ نّه يستحبّ أن يتصدّق صاحب الهدي بثلثه ، ويهدي الثلث الآخر ، ويأكل من الثلث الباقي ؛ لوجود الروايات عن أهل البيت عليهم‏السلام([1]) ، ولكن هل يجب على صاحبه أن يأكل منه ؟

الجواب :

قال بعض الفقهاء : يجب الأكل([2]) ، وقال آخرون : لا يجب ، ومنهم صاحب الجواهر([3]) وهو الحقّ ، أ مّا قوله تعالى :  فَكُلُوا مِنهَا ([4]) فقد جاء لرفع توهّم التحريم والحظر ، حيث كان أهل الجاهليّة لا يأكلون من نسائكهم معتقدين أنّ ذلك محرّم عليهم ، فأراد اللّه‏ سبحانه أن ينبّه إلى خطئهم ، وعليه يكون الأمر لمجرّد الإباحة فقط .

وقال صاحب الجواهر : ( ويجوز أن يكون الأمر ندباً ؛ لما في الأكل منه من مواساة الفقراء واستعمال التواضع )([5]) .

_____________________________________

[1] انظر الوسائل 14 : 159 ، ب40 من أبواب الذبح .

[2] الشرائع 1 : 236 .

[3] الجواهر 19 : 161 .

[4] الحجّ : 28 .

[5] هذا العبارة للزمخشري في تفسير الكشاف كما في الجواهر 19 : 161.

 

 

قال تعالى :  فَمَن تَمَتَّعَ بِالعُمرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا استَيسَرَ مِنَ الهَدي فَمَن لَّم يَجِد فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ في الحَجِّ وَسَبعَةٍ إذَا رَجَعتُم تِلكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ([1]) .

وقال الإمام  عليه‏السلام : « إنّ المتمتّع إذا وجد الهدي ولم يجد الثمن صام ثلاثة أيّام في الحجّ ، يوماً قبل التروية ـ أي السابع من ذي الحجّة ـ ويوم التروية ـ الثامن ـ ويوم عرفات ـ التاسع ـ وسبعة إذا رجع إلى أهله ، تلك عشرة كاملة لجزاء الهدي »([2]) .

الفقهاء :

قالوا : إذا لم يجد الحاجّ الهدي ولا ثمنه انتقل إلى البدل عنه ، وهو صوم عشرة أيّام ، ثلاثة منها متتابعات في أيّام الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله .

وإذا علم الحاجّ و تأكّد أ نّه سوف لا يجد الهدي ولا ثمنه في حينه صام يوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجّة ، ولا يشترط فيها نيّة الإقامة ، وإذا لم يعلم صام بعد أيّام التشريق ، أي بعد اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة . وإذا مضت أيّام الحجّ ولم يصم الثلاثة تعيّن عليه أن يستنيب من يذبح عنه بمنى في قابل ، وإذا وجد ثمن الهدي ولم يجد الهدي يعطي الثمن لمن يثق به ، ويوكّله بالذبح في غيابه في شهر ذي الحجّة من سنته التي حجّ فيها ، فإن لم يجد طوال الشهر المذكور ففي العام المقبل .

قال صاحب الجواهر : ( هذا هو المشهور ، بل عن ظاهر كتاب الغنية الإجماع عليه ، بل قد يشهد له التتبّع ؛ لانحصار المخالف بابن إدريس )([3]) .

_____________________________________

[1] البقرة : 196 .

[2] الوسائل 14 : 182 ، ب46 من أبواب الذبح ، ح12 .

[3] الجواهر 19 : 164 .

 

 

من عادة الحجّاج ـ اليوم ـ أن يدفعوا نقوداً لمن يتقبّل الهدي ظاهراً ، ثمّ يدفنه أو يطمره أو يتركه للهواء والشمس ، بالنظر لعدم وجود الآكلين والمستهلكين.

ولم أرَ أحداً فيما قرأت تعرّض لجواز ذلك أو منعه رغم الحاجة الماسّة إلى معرفة حكمه ودليله ، وفي سنة ( 1929 م ) استفتى الحجّاج المصريّون جامع الأزهر في ذلك ، وطلبوا الإذن بدفع ثمن الهدي إلى المحتاجين ، فنشر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر كلمة ـ في العدد الرابع من المجلّد الأوّل من رسالة الإسلام التي تصدرها دار التقريب بالقاهرة ـ أوجب فيها الذبح على كلّ حال .

ورددت عليه بمقال مطوّل نشر القسم الأوّل منه في عدد كانون الثاني ، والقسم الثاني في عدد نيسان من سنة ( 1950 م ) من المجلّة المذكورة ، وحين أعادت دار العلم للملايين ببيروت نشر كتابي « الإسلام مع الحياة » أدرجته فيه بعنوان : هل تعبّدنا

الشرع بالهدي في حال يترك فيها للفساد ؟ وكان قد انتهى بي القول إلى أنّ الهدي إنّما يجب حيث يوجد الآكل ، أو يمكن الانتفاع به بتجفيف اللحم أو تعليبه ، أ مّا إذا انحصر أمره بالإتلاف ـ كالحرق والطمر ـ فلا يجوز ، ومن أراد التفصيل ومعرفة الدليل فليرجع إلى كتاب « الإسلام مع الحياة »([1]) .

والآن وأنا أكتب هذا الفصل وأبحث وانقب عن مصادره اطّلعت على حديث في كتاب « وسائل الشيعة » يؤيّد ما قلت وقد ذكر صاحب الكتاب في الاُضحية بعنوان « تأكيد استحباب الاُضحية » . وهو أنّ الإمام جعفر الصادق  عليه‏السلام روى عن آبائه عن جدّهم رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم أ نّه قال : « إنّما جعل هذا الأضحى لتشبع مساكينكم من اللحم فأطعموهم »([2]) .

وأعطف هذا الحديث الشريف على آخر استندت إليه هنالك ، وهو إن كان خاصّاً في الاُضحية المستحبّة ، إلاّ أ نّه يلقي ضوءً على الاُضحية الواجبة بمنى .

_____________________________________

[1] الإسلام مع الحياة : 195 ، الطبعة الثانية .

[2] الوسائل 14 : 206 ، ب60 من أبواب الذبح ، ح10 .

 

 

تبيّن ممّا قدّمنا في هذا الفصل أنّ العمل الأوّل الواجب على الحاجّ بمنى في اليوم العاشر من ذي الحجّة هو رمي جمرة العقبة ، وأنّ الثاني هو الهدي ، أ مّا الثالث فهو الحلق أو التقصير مخيّراً بينهما ، والحلق أفضل بخاصّة للصرورة ومن لبد شعره أو عقص ، بل يرجّح الوجوب . وتكلّمنا عن ذلك مفصّلاً في فصل « الحلق أو التقصير » فراجع .

ويجب الترتيب بين هذه الأعمال الثلاثة بمنى ، فيرمي أوّلاً ، ويهدي بعد الرمي ، ويحلق بعد الهدي ، قال تعالى :  وَلاَ تَحلِفُوا رُؤوسَكُم حَتَّى يَبلُغَ الهَديُ مَحِلّهُ ([1]) .

وفي رواية عن الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إذا رميت الجمرة فاشتر هديك »([2]) .

وفي ثانية : « إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك »([3]) . وإذا عطفنا هذه على تلك نتج الترتيب الّذي ذكرناه .

وإذا عكس الترتيب فحلق قبل أن يهدي ، أو أهدى قبل أن يرمي عالماً عامداً صحّ ، ولا يجب أن يعيد ، ولكنّه يأثم ، ويستحقّ اللوم والعقاب ، قال صاحب الجواهر : ( هذا ممّا لا خلاف فيه ، بل في المدارك : إنّ الأصحاب قاطعون به )([4]) .

وفي أقوال أهل البيت عليهم‏السلام([5]) الأمر بإمرار الموسى على الرأس إذا قدّم الحلق على الذبح .

_____________________________________

[1] البقرة : 196 .

[2] الوسائل 14 : 155 ، ب39 من أبواب الذبح ، ح1 .

[3] الوسائل 14 : 211 ، ب1 من أبواب الحلق والتقصير ، ح1 .

[4] الجواهر 19 : 250 .

[5] الوسائل 14 : 229 ، ب11 من أبواب الحلق والتقصير .

 

 

إذا أنهى الحاجّ المناسك الثلاثة يوم العيد ـ أي الرمي والذبح والحلق ـ مضى إلى مكّة في نفس اليوم إن كان متمتّعاً ، وله أن يتأخّر عنه إن كان قارناً أو مفرداً .

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « لا يبيت المتمتّع في منى يوم النحر حتّى يزور البيت »([1]) . « أ مّا القارن والمفرد فموسّع عليهما »([2]) .

وفي رواية عنه : أ نّه يجوز التأخير عن يوم العيد للمتمتّع على كراهة ، وهي : « زر البيت يوم النحر ، فإن شغلت فلا يضرّك أن تزور البيت من الغد ، ولا تؤخّر أن تزوره من يومك فإنّه يكره للمتمتّع أن يؤخّر ، وموسّع على المفرد »([3]) .

ومن هنا ذهب جماعة ، منهم صاحب الجواهر([4]) إلى جواز التأخير للمتمتّع على كراهة ، وهو غير بعيد ؛ لوجود روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم‏السلام([5]) تدلّ على جواز التأخير .

ومهما يكن فإنّ وظيفة الحاجّ ـ أيّ حاجّ متمتّعاً كان أو قارناً أو مفرداً  ـ واحدة في البيت الحرام ، لا تختلف المناسك فيه إطلاقاً ، وهي أن يمضي من منى إلى البيت الحرام فيطوف به سبعاً ، ثمّ يصلّي ركعتي الطواف ، ويسمّى هذا الطواف بطواف الزيارة وطواف الحجّ ، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة سبعاً ، ثمّ يطوف ثانية طواف النساء ويصلّي ركعتي الطواف ، رجلاً كان الحاجّ أو امرأة . وبطواف النساء يحلّ للرجل كلّ شيء حتّى النساء ، وللمرأة حتّى زوجها ، وذكرنا ما يتعلّق بذلك في فصل « الطواف » وفصل « السعي » فراجع .

_____________________________________

[1] الوسائل 14 : 245 ، ب1 من أبواب زيارة البيت ، ح6 .

[2] الوسائل 14 : 245 ، ب1 من أبواب زيارة البيت ، ح8 .

[3] الوسائل 14 : 243 ، ب1 من أبواب زيارة البيت ، ح1 .

[4] الجواهر 19 : 265 .

[5] انظر الوسائل 14 : 243 ، ب1 من أبواب زيارة البيت .

 

 

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ المشهور بشهادة صاحب الحدائق([1]) قسّموا الموارد التي يحلّ فيها للمحرم ما كان قد حرّم عليه قسّموها إلى ثلاثة أقسام :

الأوّل  : بعد الحلق الّذي هو ثالث المناسك بمنى ، حيث يحلّ الحاجّ المتمتّع من كلّ شيء إلاّ الطيب والنساء ، ويحلّ للمفرد والقارن الطيب ، ولا تحلّ له النساء .

الثاني  : بعد طواف الزيارة بالبيت وركعتيه والسعي حيث يحلّ الطيب أيضاً ، ولا تحلّ النساء .

الثالث  : بعد طواف النساء وركعتيه ، حيث يتحلّل بعده من كلّ شيء ، ولا يبقى بعده شيء من حكم الإحرام حتّى النساء .

قال الإمام الصادق  عليه‏السلام : « إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ النساء والطيب ، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلاّ النساء ، فإذا طاف طواف النساء فقد أحلّه من كلّ شيء أحرم منه إلاّ الصيد »([2]) . أي الصيد الحرمي لا الإحرامي ؛ إذ المفروض أ نّه قد تحلّل من الإحرام إطلاقاً

_____________________________________

[1] الحدائق 17 : 250 .

[2] الوسائل 14 : 232 ، ب13 من أبواب الحلق والتقصير ، ح1 .

 

 

ومن فوائد هذا الفصل وما تقدّمه من فصول التوضيح بأنّ على المتمتّع إحرامين : أحدهما من الميقات لعمرة التمتّع ، والثاني من مكّة للحجّ . وسعيين : أحدهما لعمرة التمتّع ، والآخر للحجّ . وثلاثة أطوفة : أحدها لعمرة التمتّع ، والثاني للحجّ ، والثالث طواف النساء .

وأنّ على المفرد والقارن إحراماً واحداً للحجّ ، وسعياً واحداً له ، وطوافين : أحدهما للحجّ ، والثاني طواف النساء .

وأنّ على المعتمر عمرة مفردة إحراماً واحداً وسعياً واحداً ، وطوافين : أحدهما للعمرة ، والآخر طواف النساء .

وعلى المتمتّع هدي ، ولا هدي على المعتمر بعمرة مفردة ولا على المفرد ولا على القارن ، إلاّ إذا ساق معه الهدي من الإحرام ، راجع فصل « أصناف الحجّ » .