سورة الأحقاف‏

سورة الأحقاف مكّية.

قال ابن عبّاس : إلّا آية نزلت بالمدينة: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ [إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏]  الآية.

و آياتها أربع، أو خمس وثلاثون آية.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من قرأ كلّ ليلة أو كلّ جمعة سورة الأحقاف، لم يصبه اللَّه بروعة في الحياة الدّنيا، وآمنه من فزع يوم القيامة [إن شاء اللَّه‏] .

و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: من قرأ سورة الأحقاف اعطي من الأجر بعدد كلّ رمل في الدّنيا عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات.

حم .

قد مرّ معناه .تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ  ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ: إلّا خلقا متلبّسا بالحقّ، وهو ما تقتضيه الحكمة والمعدلة. وفيه دلالة على وجود الصّانع الحكيم، والبعث للمجازاة على ما قرّرناه مرارا.

وَ أَجَلٍ مُسَمًّى: وبتقدير أجل مسمّى ينتهي إليه الكلّ، وهو يوم القيامة.

أو كلّ واحد، وهو آخر مدّة بقائه المقدّرة له.

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا: من هول ذلك الوقت.

و يجوز أن تكون «ما» مصدريّة.

مُعْرِضُونَ : لا يتفكّرون فيه، ولا يستعدّون لحلوله.

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ  شِرْكٌ فِي السَّماواتِ، أي: أخبروني عن آلهتكم بعد تأمل فيها، هل يعقل أن يكون لها في أنفسنا مدخل في خلق شي‏ء من أجزاء العالم فتستحقّ به العبادة؟

و قيل : تخصيص الشّرك بالسّموات احترازا عمّا يتوهّم أنّ للوسائط شركة في إيجاد الحوادث السّفليّة.

ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا: من قبل هذا الكتاب، يعني: القرآن، فإنّه ناطق بالتّوحيد.

أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ: أو بقيّة من علم بقيت عليكم من علوم الأولين، هل فيها ما يدلّ على استحقاقهم للعبادة أو الأمر به؟

إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ : في دعواكم. وهو إلزام بعدم ما يدلّ على ألوهيّتهم بوجه ما نقلا بعد إلزامهم بعدم ما يقتضيها عقلا.

و قرى : «إثارة» بالكسر، أي: مناظرة، فإنّ المناظرة تثير المعاني. و«أثره»، أي: شي‏ء أوثرتم به. و«أثرة» بالحركات الثّلاث في الهمزة سكون الثّاء فالمفتوحة للمرّة، من مصدر أثر الحديث: إذا رواه، والمكسورة بمعنى: الأثرة، والمضمومة اسم ما يؤثر.

و في مجمع البيان : قرأ عليّ- عليه السّلام-: «أو أثرة» بسكون الثّاء من غيرألف.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، [عن أحمد بن محمّد،]  عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللَّه:

ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

قال: عنى بالكتاب: التّوراة والإنجيل، وأَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ فإنّما عنى بذلك:

علم أوصياء الأنبياء.

علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عمّن ذكره، عن سليمان بن خالد قال : قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ في الجفر الّذي يذكرونه  لما يسوؤهم، لأنّهم لا يقولون الحقّ والحقّ فيه، فليخرجوا قضايا عليّ- عليه السّلام- وفرائضه إن كانوا صادقين، وسلوهم عن الخالات والعمّات ، وليخرجوا مصحف فاطمة- عليهما السّلام- فإنّ فيه وصيّة فاطمة، ومعه سلاح رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. إن اللَّه يقول: فأتوا بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

و في بصائر الدرجات : أحمد بن محمّد، عن النّضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد قال: سمعته يقول: إن في الجفر الّذي يذكرونه ما يسوؤهم، إنّهم لا يقولون الحقّ والحقّ فيه، فليخرجوا قضايا أمير المؤمنين- عليه السّلام- وفرائضه إن كانوا صادقين، وسلوهم عن الخالات والعمّات، وليخرجوا مصحفا  فيه وصيّة فاطمة- عليها السّلام- وسلاح رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ثمّ قال [اللَّه- تعالى-] : ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ: إنكار أن يكون أحد  أضلّ من المشركين، حيث تركوا عبادة السّميع المجيب القادر الخبير إلى عبادة ما لا يستجيب لهم ولو سمع دعاءهم، فضلا أن يعلم سرائرهم ويراعي مصالحهم.إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ: ما دامت الدّنيا.

وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ : لأنّهم إمّا جمادات، وإمّا عباد مسخّرون مشتغلون بأحوالهم.

وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً: يضرّونهم ولا ينفعونهم.

وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ : مكذّبين بلسان الحال أو المقال.

و قيل : الضمير للعابدين، وهو كقولهم : وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ .

و في كتاب الغيبة  لشيخ الطّائفة، بإسناده إلى أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ: عن سعد بن عبد اللَّه الأشعريّ قال: حدّثني الشيخ الصّدوق، أحمد [بن إسحاق‏]  بن سعد  الأشعريّ، أنّه جاءه بعض أصحابنا يعلمه أن جعفر بن عليّ كتب إليه كتابا، يعرّفه فيه نفسه، ويعلمه أنّه القيّم بعد أخيه، وأنّ عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه، وغير ذلك من العلوم كلّها.

قال أحمد بن إسحاق: فلمّا قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزّمان، وصيّرت كتاب جعفر في درجه، فخرج الجواب إليّ في ذلك:

 «بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم» أتاني كتابك، أبقاك اللَّه، والكتاب الّذي أنفذته درجه، وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمّنه على اختلاف ألفاظه وتكرّر الخطأ فيه، ولو تدبّرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه.

... إلى قوله: وقد ادّعى هذا المبطل المفتري على اللَّه الكذب بما ادّعاه، أدري بأيّة حالة هي له رجاء أن يتمّ له دعواه، أ بفقه  في دين اللَّه؟ فو اللَّه، ما يعرف حلالا من حرام، ولا يفرّق بين خطأ وصواب، أم بعلم ؟ فما يعلم حقّا من باطل ولا محكما من متشابه، ولا يعرف حدّ الصّلاة ووقتها، أم بورع؟ فاللَّه شهيد على تركه الصّلاة الفرض أربعين يوما، يزعم ذلك الطلب الشعوذة ، ولعلّ خبره قد تأدّي  إليكم، وهاتيك ظروف‏مسكرة منصوبة وآثار عصيانه للَّه مشهورة قائمة، أم بآية؟ فليأت بها، أم بحجّة؟

فليلقمها، أم بدلالة؟ فليذكرها.

قال اللَّه في كتابه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، حم، تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ- إلى قوله-: وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ.

فالتمس بوليّ  اللَّه- تعالى- توفيقك  من هذا الظّالم ما ذكرت لك، وامتحنه وسله عن آية من كتاب اللَّه يفسّرها، أو صلاة فريضة يبيّن حدودها وما يجب فيها، لتعلم  حاله ومقداره، ويظهر لك عواره  ونقصانه، واللَّه حسيبه، حفظ اللَّه الحقّ على أهله وأقرّه في مستقرّه.

وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ: [واضحات أو مبيّنات‏]  قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لأجله وفي شأنه.

و المراد به: الآيات، ووضعه موضع ضميرها، ووضع «الّذين كفروا» موضع ضمير المتلوّ عليهم للتسّجيل عليها بالحقّ، وعليهم بالكفر والانهماك في الضّلالة.

لَمَّا جاءَهُمْ: حين جاءهم من غير نظر وتأمل.

هذا سِحْرٌ مُبِينٌ : ظاهر بطلانه.

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ: إضراب عن ذكر تسميتهم إيّاه سحرا إلى ذكر ما هو أشنع منه، وإنكار له وتعجيب.

قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ: على الفرض.

فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، أي: إن عاجلني اللَّه بالعقوبة فلا تقدرون على دفع شي‏ء منها، فكيف أجترئ عليه وأعرّض نفسي للعقاب من غير توقّع نفع ولا دفع ضرّ من قبلكم.

هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ: تندفعون فيه من القدح في آياته.

كَفى‏ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ: يشهد لي بالصدق والبلاغ، وعليكم بالكذب والإنكار، وهو وعيد لجزاء إفاضتهم.وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ : وعد بالمغفرة والرّحمة لمن تاب وآمن، وإشعار بحلم اللَّه عنهم مع عظم جرمهم.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون، في الفرق بين العترة والأمة كلام طويل للرّضا- عليه السّلام- وفيه: حدّثني أبي، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- قال: اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقالوا: إنّ لك، يا رسول اللَّه، مؤنة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود، وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها بارّا مأجورا، أعط ما شئت وأمسك ما شئت من غير حرج.

قال: فأنزل اللَّه إليه الرّوح الأمين، فقال: يا محمّد،- صلّى اللَّه عليه وآله- قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ ، يعني: أن تؤدّوا قرابتي من بعدي.

فخرجوا، فقال المنافقون: ما حمل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- على ترك ما عرضنا عليه إلّا ليحثّنا على قرابته من بعده، وإن هو إلّا شي‏ء افتراه في مجلسه، وكان ذلك من قولهم عظيما.

فأنزل اللَّه هذه الآية: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ- إلى قوله-: وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

فبعث إليهم النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: هل من حدث؟

فقالوا: إي واللَّه، يا رسول اللَّه، لقد قال بعضنا كلاما غليظا كرهناه.

فتلا عليهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- الآية فبكوا واشتدّ بكاؤهم، فأنزل اللَّه : وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ.

قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ: بديعا منهم أدعوكم إلى ما لا يدعون إليه، أو أقدر على ما لم يقدروا عليه وهو الإتيان بالمقترحات كلّها، ونظيره، الخفّ، بمعنى:

الخفيف.

و قرئ  بفتح الدّال، على أنه كقيم، أو مقدّر بمضاف، أي: ذا بدع.

وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ: في الدّارين على التّفصيل، إذ لا علم لي بالغيب.و «لا» لتأكيد النّفي المشتمل على ما يفعل [بي و«ما» موصولة منصوبة، أو استفهاميّة مرفوعة.

و قرئ : «يفعل»،]  أي: يفعل اللَّه.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللَّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول مجيبا لبعض الزّنادقة- وقد قال-: ثمّ خاطبه في أضعاف ما أثنى عليه في الكتاب من الإزراء وانخفاض  محلّه وغير ذلك من تهجينه وتأنيبه ما لم يخاطب به أحدا من الأنبياء، مثل قوله: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ. وهو يقول: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ ، وَكُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ . فإذا كانت الأشياء تحصى في الإمام، وهو وصيّ النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فالنّبيّ أولى أن يكون بعيدا من الصّفة الّتي قال فيها: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ-:

و أمّا ما ذكرته من الخطاب الدّالّ على تهجين النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- والإزراء به والتّأنيب له، مع ما أظهره اللَّه في كتابه من تفضيله إيّاه على سائر أنبيائه، فإنّ اللَّه جعل لكلّ نبيّ عدوّا من المجرمين .

... إلى قوله- عليه السّلام-: ثمّ دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عمّا لا يعلمون تأويله إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم، فصرخ مناديهم: من كان عنده شي‏ء من القرآن فليأتنا به. ووكلوا تأليفه [و نظمه‏]  إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء اللَّه، فألفه على اختيارهم، ممّا  يدلّ للمتأمل له على اختلال  تمييزهم  وافترائهم، وتركوا منه ما قدّروا أنّه لهم وهو عليهم، وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره، وعلم اللَّه أن ذلك يظهر ويبيّن فقال : ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ.

و انكشف لأهل الاستبصار عوارهم وافتراؤهم، والّذي بدا في الكتاب من الإزراء على‏النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- من فرية  الملحدين.

إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ إِلَيَّ، أي: لا أتجاوزه. وهو جواب عن اقتراحهم الإخبار عمّا لم يوح اليه من الغيوب، أو استعجال المسلمين أن يتخلّصوا من أذى المشركين.

و في قرب الإسناد  للحميريّ: أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سمعت الرّضا- عليه السّلام- يقول: يزعم ابن  أبي حمزة أنّ جعفرا زعم أنّ القائم أبي ، وما علم جعفر بما يحدث من أمر اللَّه، فو اللَّه لقد قال اللَّه يحكي  لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ إِلَيَّ.

و في شرح الآيات الباهرة : روي مرفوعا، عن محمّد بن خالد البرقيّ، عن أحمد ابن النّضر ، عن أبي مريم، عن بعض أصحابنا، رفعه إلى أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا نزلت على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ، يعني: في حروبه.

قالت قريش: فعلى ما نتّبعه وهو لا يدري ما يفعل به ولا بنا؟ فأنزل اللَّه : إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.

و قال: وقوله: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ إِلَيَّ في عليّ- عليه السّلام-. هكذا نزلت.

وَ ما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ: من عقاب اللَّه.

مُبِينٌ : يبيّن الإنذار بالشّواهد المبيّنة، والمعجزات المصدّقة.

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أي: القرآن.

وَ كَفَرْتُمْ بِهِ: وقد كفرتم به.

و يجوز أن تكون «الواو» عاطفة على الشّرطيّة، وكذا الواو في قوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ. إلّا أنّها تعطفه بما عطف عليه على جملة ما قبله .و «الشّاهد» قيل: هو عبد اللَّه بن سلام.

و قيل : موسى، وشهادته ما في التّوراة من نعت الرّسول.

عَلى‏ مِثْلِهِ: مثل القرآن، وهو ما في التّوراة من المعاني المصدّقة للقرآن المطابقة له. أو مثل ذلك، وهو كونه من عند اللَّه.

فَآمَنَ به، أي: بالقرآن، لمّا رآه من جنس الوحي مطابقا للحقّ.

وَ اسْتَكْبَرْتُمْ: عن الإيمان.

إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ : استئناف مشعر بأنّ كفرهم به لضلالهم المسبّب عن ظلمهم، ودليل على الجواب المحذوف، مثل: ألستم ظالمين.

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا: لاجلهم لَوْ كانَ الإيمان، أو ما أتى به محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- خَيْراً ما سَبَقُونا

إِلَيْهِ‏

: وهم سقّاط ، إذ عامّتهم فقراء وموالي ورعاة.

قيل : قاله قريش.

و قيل : بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع، لمّا أسلم جهينة ومزينة وأسلم وغفار.

و قيل : اليهود، حين أسلم ابن سلام وأصحابه.

وَ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ: ظرف لمحذوف، مثل: ظهر عنادهم، وقوله: فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ : مسبّب عنه، وهو كقولهم: «أساطير الأولين».

وَ مِنْ قَبْلِهِ: ومن قبل القرآن. وهو خبر لقوله: كِتابُ مُوسى‏ ناصب لقوله: إِماماً وَرَحْمَةً: على الحال.

وَ هذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ: لكتاب موسى. أو لما بين يديه، وقد قرئ  به.

لِساناً عَرَبِيًّا: حال من ضمير «كتاب» في «مصدّق»، أو منه لتخصّصه بالصّفة، وعاملها معنى الاشارة. وفائدتها الإشعار بالدّلالة على أن كونه مصدّقا للتّوراة، كما دلّ على أنّه حقّ دلّ على أنه وحى وتوقيف من اللَّه.

و قيل : مفعول «مصدّق»، أي: يصدّق ذا لسان عربيّ بإعجازه.لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا: علّة «مصدّق» وفيه ضمير «الكتاب» أو «اللَّه» أو «الرّسول». ويؤيّد الأخير قراءة  نافع  وابن عامر ويعقوب، بالتّاء.

وَ بُشْرى‏ لِلْمُحْسِنِينَ : عطف على محلّه.

إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا: جمعوا بين التّوحيد الّذي هو خلاصة العلم، والاستقامة في الأمور الّتي هي منتهى العمل.

و «ثمّ» للدّلالة على تأخر رتبة العمل، وتوقّف اعتباره على التّوحيد.

فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ: من لحوق مكروه.

وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ : على فوات محبوب.

و «الفاء» لتضمّن الاسم معنى الشّرط.

أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ : من اكتساب الفضائل العلميّة والعمليّة.

و «خالدين» حال من المستكن في أصحاب، و«جزاء» مصدر لفعل دلّ عليه الكلام، أي: جوزوا جزاء.

وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً [و قرأ  الكوفيّون:، «إحسانا».

و في مجمع البيان : وروي عن عليّ- عليه السّلام-: «حسنا» بفتح الحاء والسين‏

، أي: إيصاء حسنا.]

حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً: ذات كره. أو حملا ذا كره، وهو المشقة.

و قرأ  الحجازيّان وأبو عمرو وهشام، بالفتح، وهما لغتان، كالفقر والفقر.

 [و قيل : المضموم‏]»

 اسم، والمفتوح مصدر.

وَ حَمْلُهُ وَفِصالُهُ: ومدّة حمله وفصاله.

و «الفصال» الفطام. ويدلّ عليه قراءة  حمزة ويعقوب: «و فصله» .أو وقته، والمراد به: الرّضاع التّامّ المنتهى به، ولذلك عبّر به، [كما يعبّر بالأمد عن المدّة] .

ثَلاثُونَ شَهْراً: كل ذلك بيان لما تكابده الأمّ في تربية الولد، مبالغة في التّوصية بها. وفيه دليل على أن أقلّ مدة الحمل ستّة أشهر، لأنّه إذا حطّ عنه للفصال حولان لقوله - تعالى-: حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ بقي ذلك.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا قال: استقاموا  على ولاية عليّ- عليه السّلام-.

و قوله: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً قال: «الإحسان» رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وآله-.

و قوله: «بوالديه» إنّما عنى: الحسن والحسين- عليهما السّلام-.

ثم عطف على الحسين- عليه السّلام- فقال: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وذلك أنّ اللَّه أخبر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وبشّره بالحسين- عليه السّلام- قبل حمله، وأنّ الإمامة تكون في ولده إلى يوم القيامة، ثمّ أخبره بما يصيبه من القتل والمصيبة في نفسه وولده، ثمّ عوضه بأن جعل الإمامة في عقبة وأعلمه أنه يقتل، ثمّ يردّه إلى الدّنيا وينصره حتى يقتل أعداءه ويملّكه الأرض، وهو قوله - تعالى-: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ (الآية) وقوله : وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (الآية) فبشّر اللَّه نبيّه أن أهل بيته يملكون الأرض ويرجعون إليها ويقتلون أعداءهم.

فأخبر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فاطمة- عليها السّلام- بخبر الحسين- عليه السّلام- وقتله، فحملته كرها.

ثمّ قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: فهل رأيتم أحدا يبشّر بولد ذكر  فتحمله كرها، أي: أنّها اغتمّت وكرهت لمّا أخبرها بقتله، وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً لمّا علمت من‏ذلك، وكان بين الحسن والحسين- عليهما السّلام- طهر واحد، وكان الحسين- عليه السّلام- في بطن أمّه ستّة أشهر وفصاله أربعة وعشرين شهرا، وهو قوله: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، [و الحسين ابن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشاء،]  عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا حملت فاطمة بالحسين- عليهما السّلام- جاء جبرئيل إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: إن فاطمة- عليها السّلام- ستلد غلاما تقتله أمّتك من بعدك.

فلمّا حملت فاطمة بالحسين- عليهما السّلام- كرهت حمله، وحين وضعته كرهت وضعه.

ثمّ قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: لم تر في الدنيا أمّ تلد غلاما تكرهه، [و لكنها كرهته ]  لمّا علمت أنّه سيقتل.

قال: وفيه نزلت هذه الآية: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً  (الآية).

و في إرشاد المفيد - رحمه اللَّه-: ورووا، عن يونس، عن الحسن- عليه السّلام-:

أنّ عمر اتي بامرأة قد ولدت ستّة أشهر فهمّ برجمها.

فقال له أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إن خاصمتك بكتاب اللَّه خصمتك، إن اللَّه يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً. ويقول : وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ. فإذا تمت  المرأة الرّضاعة لسنتين، وكان حمله وفصاله ثلاثون شهرا، كان الحمل منها ستّة أشهر.

فخلّى عمر سبيل المرأة، وثبت الحكم بذلك فعمل  به الصّحابة والتّابعون ومن أخذ عنه إلى يومنا هذا.و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس:]  حدّثنا محمّد بن همّام، عن عبد اللَّه بن جعفر، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن إبراهيم بن يوسف العبدي، عن إبراهيم بن صالح، عن الحسين  بن زيد، عن آبائه قال: نزل جبرئيل على النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: يا محمد- صلّى اللَّه عليه وآله- إنه يولد لك مولود تقتله أمّتك من بعدك.

فقال: يا جبرئيل، لا حاجة لي فيه.

فقال: يا محمّد، إنّ منه الأئمة والأوصياء.

قال: وجاء النبي- صلّى اللَّه عليه وآله- إلى فاطمة- عليها السّلام- فقال لها: إنّك تلدين ولدا تقتله أمّتي من بعدي.

فقالت: لا حاجة لي فيه.

فخاطبها ثلاثا، ثمّ قال لها: إنّ منه [الأئمة و]  الأوصياء.

فقالت: نعم يا أبة. فحملت بالحسين- عليه السّلام-. فحفظها اللَّه وما في بطنها من إبليس، فوضعته لستة أشهر، ولم يسمع بمولود ولد لستّة أشهر إلّا الحسين ويحيى بن زكريّاء- عليهم السّلام-. فلمّا وضعته، وضع النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- لسانه في فيه فمصّه، ولم يرضع الحسين- عليه السّلام- من أنثى حتّى نبت لحمه ودمه من ريق رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. [و هو قول اللَّه- عزّ وجل-]   وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً [حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً] .

و روى أحمد بن هوذة الباهليّ ، عن إبراهيم بن إسحاق النّهاونديّ، عن عبد اللَّه ابن حمّاد الأنصاريّ، عن نصر بن يحيى، عن المقتبس بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن جدّه قال: كان رجل من أصحاب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- مع عمر بن الخطاب، فأرسله في جيش، فغاب ستة أشهر ثمّ قدم، وكان مع أهله ستّة أشهر، فعلقت منه، فجاءت بولد لستّة أشهر فأنكره، فجاء بها إلى عمر.فقال: يا أمير المؤمنين، كنت في البعث الّذي وجّهتني فيه، وتعلم أنّي قدمت [منذ]  ستّة أشهر وكنت مع أهلي، وقد جاءت بغلام وهو ذا، وتزعم أنّه منّي.

فقال لها عمر: ما ذا تقولين، أيّتها المرأة؟

فقالت: واللَّه، ما غشيني رجل غيره، وما فجرت، وإنّه لابنه.

و كان اسم الرّجل الهيثم ، فقال لها عمر: أحقّ ما يقول زوجك؟

قالت: قد صدق، يا أمير المؤمنين.

فأمر بها عمر أن ترجم، فحفر لها حفيرة ثمّ أدخلها فيها. فبلغ ذلك عليّا- عليه السّلام- فجاء مسرعا حتى أدركها، وأخذ بيدها فسلّها من الحفيرة.

ثم قال لعمر: اربع  على نفسك ، إنها قد صدقت، إنّ اللَّه يقول في كتابه:

وَ حَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً. وقال في الرّضاع : وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ.

فالحمل والرضا ثلاثون شهرا، وهذا الحسين- عليه السّلام- ولد لستّة أشهر.

فعندها قال عمر: لولا عليّ لهلك العمر.

حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ: حتّى إذا اكتهل واستحكم قوته وعقله.

و في تهذيب الأحكام»: عليّ بن الحسن [بن فضّال‏] ، عن أحمد ومحمّد ابني الحسن، عن أبيهما، عن أحمد بن عمر الحلبيّ، عن عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سأله أبي وأنا حاضر عن قول اللَّه: حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ.

قال: الاحتلام.

وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

قيل : لم يبعث نبيّ إلّا بعد أربعين.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباطقال: رأيت أبا جعفر- عليه السّلام- وقد خرج عليّ فاحدت النظر إليه، وجعلت أنظر إلى رأسه  ورجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتى قعد وقال:

يا عليّ، إنّ اللَّه احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ به في النّبوّة، فقال : وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا  وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ  وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فقد يجوز أن يؤتى الحكمة  وهو صبي، ويجوز أن يؤتى الحكمة  وهو ابن أربعين سنة.

و في كتاب الخصال : عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إذا بلغ العبد ثلاثا وثلاثين سنة، فقد بلغ أشدّه، وإذا بلغ أربعين سنة، فقد بلغ منتهاه، فإذا ظعن  في إحدى وأربعين فهو في النّقصان، وينبغي لصاحب الخمسين أن يكون كمن كان في النّزع.

قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي: ألهمني. وأصله: أولعني، من أوزعته بكذا.

أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى‏ والِدَيَّ، يعني: نعمة الدين، أو ما يعمّها وغيرها.

وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ.

نكّره للتعظيم، أو لأنّه أراد نوعا من الجنس يستجلب رضا اللَّه.

وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي: قيل : واجعل لي الصّلاح ساريا في ذرّيّتي، راسخا فيهم.

قيل : أي: اجعلهم صالحين.

و قيل : إنّه دعا بإصلاح ذرّيّته لبرّه وطاعته، لقوله: «أصلح لي».

و قيل : إنّه الدّعاء بإصلاحهم لطاعة اللَّه، و[هو]  عبادته. [و هو الأشبه‏]  لأنّ طاعتهم اللَّه من برّه.و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن كثير  الهاشميّ قال:

قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، من أين جاء لولد الحسين- عليه السّلام- الفضل على ولد الحسن- عليه السّلام- وهما يجريان في شرع واحد؟

فقال: ألا أراكم  تأخذون به، إنّ جبرئيل نزل على محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- وما ولد الحسين- عليه السّلام- بعد، فقال له: يا محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- يولد لك غلام تقتله أمّتك من بعدك.

فقال: يا جبرئيل، لا حاجة لي فيه.

فخاطبه ثلاثا، ثمّ دعا عليّا- عليه السّلام- فقال له: إنّ جبرئيل يخبرني عن اللَّه، أنّه يولد لك غلام تقتله أمّتك من بعدك.

فقال لا حاجة لي فيه، يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

فخاطب عليّا- عليه السّلام- ثلاثا، ثمّ قال: إنّه يكون فيه وفي ولده الإمامة والوراثة والخزانة.

فأرسل إلى فاطمة فقال لها: إنّ اللَّه يبشّرك بغلام تقتله أمّتي من بعدي.

فقالت فاطمة: ليس لي حاجة فيه، يا أبت.

فخاطبها ثلاثا، ثمّ أرسل إليها: لا بدّ أن تكون فيه الإمامة والوراثة والخزانة.

فقالت له: رضيت عن اللَّه.

فعلقت وحملت بالحسين، فحملت ستّة أشهر ثمّ وضعته، ولم يعش مولود قطّ لستّة أشهر غير الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- وعيسى بن مريم، فكفلته أمّ سلمة، وكان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يأتيه في كلّ يوم فيضع لسانه الشريف في فم الحسين فيمصّه حتى يروى، فأنبت اللَّه لحمه من لحم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ولم يرضع من فاطمة ولا من غيرها لبنا قطّ، فلمّا أنزل اللَّه فيه: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي- إلى قوله-: وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي. فلو قال: أصلح لي ذرّيّتي، كانوا كلّهم أئمّة، لكن خصّ هكذا.و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن عليّ بن إسماعيل، عن محمّد بن عمرو الزّيّات، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ جبرئيل نزل على محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: يا محمّد، إنّ اللَّه يبشّرك بمولود يولد لك  من فاطمة تقتله أمّتك من بعدك.

فقال: يا جبرئيل، وعلي ربّي السّلام، لا حاجة لي في مولود تقتله أمّتي من بعدي.

 [فعرج ثمّ هبط فقال له مثل ذلك.

فقال: يا جبرئيل، وعلى ربّي السّلام، لا حاجة لي في مولود تقتله أمّتي من بعدي‏] .

فعرج جبرئيل إلى السّماء ثمّ هبط، فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرئك السّلام ويبشّرك بأنّه جاعل في ذريّته الإمامة والولاية والوصاية .

فقال: إنّي قدر رضيت.

ثمّ أرسل إلى فاطمة: إن اللَّه يبشّرني بمولود يولد لك تقتله أمّتي من بعدي.

فأرسلت إليه: لا حاجة لي في مولود تقتله أمّتك من بعدك.

فأرسل إليها: إنّ اللَّه قد جعل في ذرّيّته الإمامة والولاية والوصاية .

فأرسلت إليه: إنّي قد رضيت.

فحملته كرها وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ- إلى قوله-: وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي. فلو لا أنّه قال: أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي لكانت ذرّيّته كلّهم أئمّة.

و لم يرضع الحسين من فاطمة- عليها السّلام- ولا من أنثى، كان يؤتى به إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه  اليومين والثّلاث، فنبت لحم الحسين- عليه السّلام- من لحم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ودمه، ولم يولدلستة أشهر  إلّا عيسى بن مريم والحسين بن عليّ- عليهم السّلام-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني العبّاس بن محمّد قال: حدّثني الحسن بن سهل، بإسناده رفعه إلى [جابر بن يزيد، عن‏]  جابر عن عبد اللَّه قال: ثمّ أتبع اللَّه مدح الحسين بن علي- صلوات اللَّه عليهما- بذمّ عبد الرّحمن بن أبي بكر.

قال جابر بن يزيد: فذكرت  هذا الحديث لأبي جعفر- عليه السّلام-.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: يا جابر، واللَّه، لو سبقت الدّعوة من الحسين- عليه السّلام-: وأصلح لي ذرّيّتي، لكانت ذرّيته كلّهم أئمّة طاهرين، ولكن سبقت الدّعوة: وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي فمنهم الأئمّة واحد فواحد، فثبت اللَّه بهم حجّته.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدثنا أبو القاسم، عبد اللَّه  بن عبد الرّحمن الحسينيّ ، قال: حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفيّ قال: حدثنا عتبة  بن مكرم الصّيبيّ  قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن عمرو بن طريق الحجرويّ  قال: حدّثنا أبو تراب، عمرو بن عبد اللَّه بن هارون الطّوسي الخراسانيّ، قال: حدثنا أحمد بن عبد اللَّه بن  عليّ الهرويّ النّسيانيّ  قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- قال: لقد هممت بتزويج فاطمة- عليها السّلام- حينا، وأنّ ذلك متخلخل في قلبي ليلي ونهاري، ولم أجرأ أن أذكر ذلك لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- حتّى دخلت على النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- ذات يوم فقال لي: يا عليّ.

قلت: لبّيك، يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

قال: : هل لك في التّزويج؟فقلت: رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أعلم إذا هو يريد أن يزوّجني بعض  نساء قريش، وإنّي لخائف على فوت  فاطمة- عليها السّلام-. فما أشعرت بشي‏ء يوما إذ أتاني رسول  اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: يا عليّ، أجب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأسرع، فما رأينا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بأشدّ فرحا خاصّة اليوم.

قال عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: فأتيته مسرعا فإذا هو في حجرة أمّ سلمة، فلمّا نظر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إليّ  تهلّل  وجهه وتبسّم، حتّى نظرت إلى أسنانه تبرق.

فقال: أ بشر، يا عليّ، إنّ اللَّه قد كفاني ما كان همّني من أمر تزويجك.

قلت: وكيف ذلك، يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-؟

فقال: أتاني جبرئيل ومعه من سنبل الجنّة وقرنفلها وناولينها ، فأخذتها وشممتها .

فقلت له: يا جبرئيل، ما سبب هذا السّنبل والقرنفل؟

فقال: إنّ اللَّه أمر سكّان الجنّة من الملائكة وما  فيها أن يزيّنوا  الجنّة كلّها بمغارسها وأشجارها وأثمارها، وقصورها، وأمر ريحها فهبّت بأنواع الطّيب والعطر، فأمر حور عينها بالغناء فيها بسورة طه ويس وطواسين  وحمعسق ، ثمّ نادى  مناد من تحت العرش: ألا إن اليوم [يوم‏]  وليمة عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. ألا إنّي أشهدكم أنّي قد زوجت بنت محمّد بن عبد اللَّه إلى عليّ بن أبي طالب رضى منّي بعضهم لبعض .

ثمّ بعث اللَّه سحابة  بيضاء فقطرت عليهم من لؤلؤها ويواقيتها وزبرجدها،فقامت الملائكة فتناثرت من سنبل الجنّة وقرنفلها، وهذا من نثرة  الملائكة.

ثم أمر  [اللَّه‏]  ملكا من الملائكة يقال له: راحيل، وليس في الملائكة أبلغ منه، فقال له: اخطب، يا راحيل. فخطب بخطبة لم يسمع بمثلها أهل السّماء والأرض.

ثمّ نادى مناد : يا ملائكتي وسكّان جنّتي، باركوا على تزويج عليّ بن أبي طالب وفاطمة، فقد باركت أنا عليهما، ألا إنّي زوّجت أحبّ النّساء [إلي‏]  إلى أحبّ الرّجال إليّ بعد النبيّين والمرسلين.

فقال راحيل الملك: يا ربّ، وما باركت  لهما بأكثر ممّا رأينا [من إكرامك‏]  لهما في جنانك ودورك وهما بعد في الدّنيا؟

فقال: من بركتي فيهما [أو قال: عليهما] ، إنّي أجمعهما على محبّتي وأجعلهما معدنين لحجّتي إلى يوم القيامة، وعزّتي وجلالي، لأخلقنّ منهما خلقا ولأنشأنّ منّهما ذرّيّة فأجعلهم خزّانا في أرضي ومعادن لعلمي ودعائم لكتابي، بهم  أحتجّ على خلقي بعد النّبيّين والمرسلين.

فأبشر، يا عليّ، فإنّ اللَّه قد أكرمك بكرامة لم يكرم اللَّه بمثلها أحدا، قد زوّجتك فاطمة ابنتي على ما زوّجك الرّحمن فوق عرشه، وقد رضيت لها ما رضي اللَّه لها، فدونك أهلك، فإنّك أحقّ بها منّي، ولقد أخبرني جبرئيل أنّ الجنّة وأهلها لمشتاقة إليكما، ولولا أنّ اللَّه قدر أن يخرج منكما ما يتّخذ به على الخلق حجّة لأجاب فيكما الجنّة وأهلها، فنعم الأخ أنت، ونعم الختن  أنت، ونعم الصّاحب أنت، وكفاك برضاء اللَّه رضاء.

فقال عليّ بن أبي طالب: يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- او بلغ من قدري حتّى أنّي ذكرت في الجنّة فزوّجني اللَّه في ملائكته؟! فقال: يا عليّ، إنّ اللَّه إذا أكرم وليّه، أكرمه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت. [و إنّما حباك اللَّه في الجنّة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت‏] .

فقال عليّ- عليه السّلام-: يا رَبِّ أَوْزِعْنِي  أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى‏ والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي.

فقال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: آمين، ربّ العالمين، وخير النّاصرين.

إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ: عمّا لا ترضاه ويشغل عنك.

وَ إِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ : المخلصين لك.

أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا، يعني: طاعاتهم، فإنّ المباح حسن ولا يثاب عليه.

وَ نَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ: لتوبتهم.

و قرأ  حمزة والكسائيّ وحفص، بالنّون فيهما.

فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ: كائنين في عدادهم، أو مثابين، أو معدودين فيهم.

وَعْدَ الصِّدْقِ: مصدر مؤكّد لنفسه، [لأنّ «يتقبّل» و«يتجاوز» وعد]  الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ : أي: في الدّنيا.

وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما: مبتدأ خبره «أولئك».

قيل : المراد به: الجنس، وإن صحّ نزولها في عبد الرّحمن بن أبي بكر قبل إسلامه، فإنّ خصوص السّبب لا يوجب التّخصيص.

أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ: ابعث.

و قرأ  هشام: «أ تعدانّي» بنون واحدة مشدّدة.

وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي: فلم يرجع واحد منهم.

وَ هُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ: يقولان: الغياث باللَّه منك. أو يسألانه أن يغيثه بالتّوفيق للإيمان.

وَيْلَكَ آمِنْ:، أي: يقولان له. ويلك. وهو الدّعاء بالثّبور بالحثّ على ما يخافه على تركه.إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ : أباطيلهم الّتي كتبوها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما- إلى قوله-: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ قال: نزلت في عبد الرّحمن بن أبي بكر.

أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ: بأنّهم أهل النّار.

فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ، كقوله: فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ.

مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ: بيان للأمم.

إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ : تعليل للحكم على الاستئناف.

وَ لِكُلٍّ: من الفريقين دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا: مراتب من اجزاء ما عملوا من الخير والشّر، أو من أجل ما عملوا.

و الدرجات غالبة في المثوبات، وهاهنا جاءت على التّغليب.

وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ: جزاءها.

و قرأ  نافع وابن ذكوان وحمزة والكسائيّ، بالنّون.

وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ : بنقص ثواب وزيادة عقاب.

وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ: يعذّبون بها.

و قيل : تعرض النّار عليهم، فقلب مبالغة، كقولهم: عرضت النّاقة على الحوض.

أَذْهَبْتُمْ، أي: يقال لهم: أذهبتم. وهو ناصب «اليوم».

و قرأ  ابن كثير وابن عامر ويعقوب، بالاستفهام، غير أنّ ابن كثير يقرأ بهمزة ممدودة، وهما يقرآن بها وبهمزتين مخفّفتين.

 [طَيِّباتِكُمْ: لذّاتكم‏] .

فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا: باستيفائها.و في محاسن البرقيّ : عنه، عن جعفر بن محمّد، عن أبي  القدّاح، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-، عن آبائه قال: دخل النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- مسجد  قباء، فاتي بإناء فيه لبن حليب.

...- إلى قوله-: جعفر، بهذا الإسناد قال: اتي بخبيص ، فأبى أن يأكله.

فقيل: أ تحرّمه؟

فقال: لا، ولكنّي أكره أن تتوق إليه نفسي . ثمّ تلا هذه الآية: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا.

وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها: فما بقي لكم منها شي‏ء.

و في مجمع البيان : وقد روي في الحديث، أنّ عمر بن الخطّاب قال: استأذنت على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فدخلت عليه في مشربة أمّ إبراهيم، وأنّه لمضطجع على خصفة، وأنّ بعضه على التّراب وتحت رأسه وسادة محشوّة ليفا، فسلّمت عليه ثمّ جلست. فقلت: يا رسول اللَّه، أنت نبيّ اللَّه وصفوته وخيرته من خلقه، وكسرى وقيصر على سرر  الذّهب وفرش  الدّيباج والحرير! فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أولئك قوم عجّلت طيّباتهم وهي وشيكة الانقطاع، وإنّما  اخّرت لنا طيّباتنا.

و قال عليّ - عليه السّلام- في بعض خطبه: واللَّه، لقد رقعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها. ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها ؟ فقلت: أعزب عنّي، فعند الصّباح يحمد القوم السّرى .و روى محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- أنّه قال: واللَّه، أن كان عليّ- عليه السّلام- ليأكل أكلة العبد ويجلس جلسة العبد، وأن كان ليشتري القميصين فيخير غلامه خيرهما ثمّ يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، وإذا جاز كعبه  حذفه، ولقد ولي خمس سنين ما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا أورث حمراء ولا بيضاء. وأن كان ليطعم النّاس خبز البرّ واللّحم ويأكل خبر الشّعير والزّيت والخلّ، وما ورد عليه أمران كلاهما للَّه رضى إلّا أخذ بأشدّهما على بدنه. ولقد أعتق ألف مملوك من كدّ يمينه تربت منه يداه وعرق فيه وجهه. وما أطاق عمله أحد من النّاس [بعده‏] . وأن كان ليصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة، وأن كان أقرب النّاس به شبها عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- ما أطاق عمله أحد من النّاس من بعده.

ثمّ إنّه قد اشتهر في الرّواية، أنّه- عليه السّلام- لمّا دخل على العلاء بن زياد بالبصرة يعوده، فقال له العلاء : يا أمير المؤمنين- عليه السّلام- أشكو إليك أخي، عاصم بن زياد، لبس العبا  وتخلّى من الدّنيا.

فقال- عليه السّلام-: عليّ بعاصم. فلمّا جاء به، قال- عليه السّلام-: يا عديّ  نفسه، لقد استهام بك الخبيث ، أما رحمت أهلك وولدك، أ ترى اللَّه أحلّ لك الطّيّبات وهو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على اللَّه من ذلك.

قال: يا أمير المؤمنين- عليه السّلام- هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة  مأكلك! قال: ويحك، إنّي لست كأنت، إنّ اللَّه فرض على أئمة الحقّ أن يقدروا أنفسهم بضعفة النّاس كي لا يتبيّغ  بالفقير فقره.

و في جوامع الجامع : وروي أنّ النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- دخل على أهل‏الصّفّة، وهم يرقّعون ثيابهم بالادم  وما يجدون لها رقاعا.

فقال: أنتم اليوم خير أم يوم يغدو أحدكم في حلّة ويروح في أخرى، ويغدى عليه بجفنة ويراح عليه بأخرى، ويستر بيته، كم تستر» الكعبة؟

قالوا: نحن يومئذ خير.

فقال: بل أنتم اليوم خير.

فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ: الهوان، وقد قرئ  به.

بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ :

بسبب الاستكبار الباطل، والفسوق عن طاعة اللَّه.

و قرئ : «تفسقون» بالكسر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- في قوله- تعالى-:

أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها قال: أكلتم وشربتم ولبستم وركبتم، وهي في بني فلان.

فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ قال: العطش.

وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ، يعني: هودا.

إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ: جمع حقف، وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء، من أحقوقف الشّي‏ء: إذا اعوجّ.

و قيل : وكانوا يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بالشّحر من اليمن .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- تعالى-: وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ. والأحقاف من بلاد عاد من الشّقوق  إلى الأجفر، وهي أربع منازل.قال: حدّثني أبي قال: أمرا المعتصم أن يحفر بالبطاينة  بئرا، فحفروا ثلاثمائة قامة فلم يظهر الماء فتركه ولم يحفره. فلمّا ولي المتوكّل أمر أن يحفر ذلك البئر أبدا حتّى يبلغ الماء، فحفروا حتّى وضعوا في كلّ مائة قامة بكرة حتّى انتهوا إلى صخرة، فضربوها بالمعول فانكسرت، فخرج منها ريح باردة فمات من كان يقربها، فأخبروا المتوكل بذلك، فلم يدر  ما ذاك.

فقالوا: سل ابن الرّضا- عليه السّلام- وهو أبو الحسن، عليّ بن محمّد العسكري فكتب إليه يسأله  عن ذلك.

فقال أبو الحسن- عليه السّلام-: تلك بلاد الأحقاف، وهم قوم عاد الّذين أهلكهم اللَّه بالرّيح الصّرصر.

و في الخرائج والجرائح : أن المهديّ الخليفة أمر بحفر بئر بقرب  قبر العباديّ  لعطش الحاجّ، [هناك‏]  فحفروا  أكثر من مائة قامة، فبينما هم [كذلك‏]  يحفرون إذ خرقوا خرقا وإذا تحته هواء لا يدرى [ما]  قعره وهو مظلم  وللرّيح فيه دويّ، فأدلوا رجلين [إلى مستقرّه‏]  فلمّا خرجا تغيّرت ألوانهما.

فقالا: رأينا هواء ، ورأينا بيوتا قائمة ورجالا ونساء وإبلا وبقرا وغنما، وكلّما مسسنا  شيئا منها رأيناه هباء.

فسألنا الفقهاء عن ذلك فلم يدر أحد ما هو، فقدم أبو الحسن، موسى بن جعفر- عليهما السّلام- على المهديّ فسأله عن ذلك.

فقال: أولئك أصحاب الأحقاف، وهم [بقيّة]  من قوم  عاد ساخت بهم‏منازلهم. وذكر على مثل قول الرّجلين.

وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ: الرسل.

مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ: قبل هود ومن بعده.

و الجملة حال، أو اعتراض.

أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، أي: لا تعبدوا. أو بأن لا تعبدوا، فإنّ النّهي عن الشّي‏ء إنذار عن مضرّته.

إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ : هائل بسبب شرككم.

قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَأْفِكَنا: لتصرفنا  عَنْ آلِهَتِنا: عن عبادتها.

فَأْتِنا بِما تَعِدُنا: من العذاب على الشّرك.

إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ : في وعدك.

قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ: لا علم لي بوقت عذابكم ولا مدخل لي فيه فاستعجل به، وإنّما علمه عند اللَّه فيأتيكم به في وقته المقدّر له.

وَ أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ: وما على الرّسول إلّا البلاغ.

وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ : لا تعلمون أنّ الرّسل بعثوا مبلغين منذرين، لا معذّبين مقترحين.

فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً: سحابا عرض في أفق السّماء .

مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ: متوجّه أوديتهم. والإضافة فيه لفظية، وكذا في قوله:

قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا، أي: يأتينا بالمطر.

بَلْ هُوَ، أي: قال هود: بل هو مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ: من العذاب.

و قرئ : «قل بل».

رِيحٌ، [أي: هي ريح‏] .

و يجوز أن يكون بدل «ما».

فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ : صفتها، وكذا قوله: تُدَمِّرُ: تهلك.كُلَّ شَيْ‏ءٍ: من نفوسهم وأموالهم.

بِأَمْرِ رَبِّها: إذ لا توجد نابضة حركة ولا قابضة سكون إلّا بمشيئته.

و في ذكر «الأمر» و«الرّبّ» وإضافته إلى الرّيح فوائد، سبق ذكرها مرارا.

و قرئ : «يدمر كلّ شي‏ء» من دمر دمارا: إذا هلك، فيكون العائد محذوفا أو الهاء في «ربّها»، ويحتمل أن يكون استئنافا للدّلالة على أنّ لكلّ ممكن فناء مقضيّا لا يتقدّم ولا يتأخّر وتكون الهاء «لكلّ شي‏ء» فإنّه بمعنى: الأشياء.

فَأَصْبَحُوا لا يُرى‏ إِلَّا مَساكِنُهُمْ، أي: فجاءتهم الرّيح فد مرتهم، فأصبحوا بحيث لو حضرت بلادهم لا ترى إلّا مساكنهم.

و قرأ  عاصم وحمزة والكسائيّ: «لا يرى إلّا مساكنهم» بالياء المضمومة ورفع المساكن.

كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ .

نقل : أنّ هودا لمّا أحس بالرّيح اعتزل بالمؤمنين في الحظيرة، وجاءت الرّيح فأمالت الأحقاف على الكفرة وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيّام، ثم كشفت عنهم واحتملتهم وقذفتهم في البحر.

وَ لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ [فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ «إن» نافية، وهي أحسن من «ما» ها هنا لأنّها توجب التّكرير لفظا، ولذلك قلبت ألفها هاء في «مهما». أو شرطيّة محذوفة الجواب، والتّقدير: ولقد مكّنّاهم‏]  في الّذي، أو في شي‏ء إن مكّنّاكم فيه كان بغيكم أكثر. أو صلة ، كما في قوله:

         يرجى المرء ما إن لا يراه             ويعرض دون أدناه الخطوب‏

 والأوّل أظهر وأوفق لقوله: هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً . كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً»

.

وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً: ليعرفوا تلك النّعم، ويستدلّوا بها على‏مانحها ويواظبوا على شكرها.

فَما أَغْنى‏ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ: من الإغناء، وهو القليل.

إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ: علّة «لما أغنى». وهو ظرف جرى مجرى التّعليل، من حيث أنّ الحكم مرتّب على ما أضيف إليه، وكذلك «حيث».

وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ : من العذاب.

وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ: يا أهل مكّة.

مِنَ الْقُرى‏، كحجر ثمود.

و قرئ : «قوم لوط».

وَ صَرَّفْنَا الْآياتِ: بتكريرها.

لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ : عن كفرهم.

فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً: فهلّا منعتهم من الهلاك آلهتهم الّذين يتقرّبون بهم إلى اللَّه، حيث قالوا: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ .

و أوّل مفعولي «اتّخذوا» الرّاجع إلى الموصول محذوف، وثانيهما «قربانا»، و«آلهة» بدل أو عطف بيان. أو «آلهة»، و«قربانا» حال أو مفعول له، على أنّه بمعنى:

التّقرّب .

و قرئ: «قربانا» بضمّ الرّاء.

بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ: غابوا عن نصرهم، وامتنع أن يستمدّوا بهم امتناع الاستمداد بالضّالّ.

وَ ذلِكَ إِفْكُهُمْ: وذلك الاتخاذ الّذي هذا أثره صرفهم عن الحقّ.

و قرئ : «إفّكهم» بالتّشديد للمبالغة. و«آفكهم»، أي: جعلهم آفكين.

و «آفكهم»، أي: قولهم الآفك، أي: ذو الإفك.

وَ ما كانُوا يَفْتَرُونَ  وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ: أملنا، أو وجّهناإليك جماعة من الجنّ تسمع القرآن.

و قيل : معناه: صرفناهم إليك من بلادهم بالتّوفيق والألطاف حتّى أتوك.

و قيل : صرفناهم إليك عن استراق السّمع منا للسّماء برجوم الشّهب، ولم يكونوا بعد عيسى قد صرفوا عنه، فقالوا: ما هذا الّذي حدث في السّماء إلّا من أجل شي‏ء قد حدث  في الأرض. فضربوا في الأرض حتّى وقفوا على النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- ببطن نخلة عائدا  إلى عكاظ وهو يصلّي الفجر، فاستمعوا القرآن  ونظروا كيف يصلّي.

و «النّفر» دون العشرة، وجمعه أنفار.

و في مجمع البيان ، بعد أن نقل كلاما في سبب ورود الجنّ على النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله-: وقال آخرون: أمر  رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أن ينذر الجنّ ويدعوهم إلى اللَّه ويقرأ عليهم القرآن، فصرف اللَّه إليه نفرا من الجنّ من نينوى.

فقال- عليه السّلام-: إنّي  أمرت أن أقرأ على الجنّ اللّيلة، فأيّكم يتبعني؟ فاتّبعه عبد اللَّه بن مسعود.

قال عبد اللَّه: ولم يحضر معه أحد غيري، فانطلقنا حتّى إذا كنّا بأعلى مكّة، ودخل نبيّ اللَّه شعبا يقال له: شعب الحجون، خطّ لي خطّا، ثمّ أمرني أن أجلس فيه، وقال: لا تخرج منه حتّى أعود إليك. ثمّ انطلق حتّى قام فافتتح القرآن، فغشيته أسودة كثيرة حتّى حالت بيني وبينه حتّى لم أسمع صوته، ثمّ انطلقوا وطفقوا يتقطّعون مثل قطع السّحاب ذاهبين، حتّى بقي منهم رهط، وفرغ منهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- مع الفجر فانطلق فبرز.

ثمّ قال: هل رأيت شيئا؟

فقلت: نعم، رأيت رجالا سودا مستثفري  ثياب بيض.قال: أولئك جنّ نصيبين.

و روى علقمة، عن عبد اللَّه قال: لم أن مع النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- ليلة [الجنّ‏]  ووددت أنّي كنت معه.

و روي عن ابن عبّاس: أنّهم كانوا سبعة نفر من جنّ نصيبين، فجعلهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- رسلا إلى قومهم.

قال بن حبيش كانوا تسعة نفر، منهم زوبعة .

و روى محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه قال: فلمّا  قرأ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- الرّحمن على النّاس سكتوا فلم يقولوا شيئا.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: الجنّ كانوا أحسن جوابا منكم، فلمّا قرأت عليهم: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالوا: لا، [و لا]  بشي‏ء من آلائك ربّنا نكذّب.

يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ: حال محمولة على المعنى.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللَّه-: وروى عن موسى بن جعفر- عليهما السّلام-، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي- عليه السّلام- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه مناقب النبي- صلّى اللَّه عليه وآله- وفيه: أنّ الشّياطين سخرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها، وقد سخّرت لنبوّة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- الشّياطين بالإيمان، فأقبل إليه من الجنّ التّسعة من أشرافهم، واحد من جنّ نصيبين، والثّمان من بني عمرو بن عامر [من الأحجّة] ، منهم شفاة ، ومضاة، والهملكان، والمرزبان، والمازمان، وقضاه ، وخاضب ، وهماصب ، وعمرو.

و هم الّذين يقول اللَّه فيهم: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ [نَفَراً مِنَ الْجِنِّ وهم التّسعةيَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فأقبل إليه الجن‏]  والنّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- ببطن النّخل، فاعتذروا بأنّهم ظنّوا كما ظننتم أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً. ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفا منهم، فبايعوه على الصّوم والصّلاة والزّكاة والحجّ والجهاد ونصح المسلمين، واعتذروا بأنّهم قالوا على اللَّه شططا، وهذا أفضل ممّا اعطي سليمان، فسبحان من سخّرها لنبوّة محمّد بعد أن كانت تتمرّد وتزعم أنّ للَّه ولدا، فلقد شمل مبعثه من الجنّ والإنس ما لا يحصى.

فَلَمَّا حَضَرُوهُ، أي: القرآن، أو الرّسول.

قالُوا أَنْصِتُوا: قال بعضهم لبعض: اسكتوا، لنسمعه.

فَلَمَّا قُضِيَ: أتم وفرغ من قراءته.

و قرئ ، على بناء الفاعل، وهو ضمير الرّسول.

وَلَّوْا إِلى‏ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ، أي: منذرين إيّاهم بما سمعوا.

و في محاسن البرقي : عنه، عن أبيه، عن محمّد بن أبي القاسم ما جيلويه، عن  سليمان بن رشيد، عن عليّ بن الحسن  القلانسيّ، عن محمّد بن سنان، عن عمرو  بن يزيد قال: ضللنا سنة من السّنين، ونحن في طريق مكة، فأقمنا ثلاثة أيّام نطلب الطّريق فلم نجده، فلمّا أن كان في اليوم الثّالث وقد نفد ما كان معنا من الماء، عمدنا إلى ما كان معنا من ثياب الإحرام ومن الحنوط فتحنّطنا  وتكفّنا بإزار إحرامنا، فقام رجل من أصحابنا فنادى: يا صالح، يا أبا الحسين»

. فأجابه مجيب من بعد.

فقلنا له: من أنت، يرحمك اللَّه؟

قال: أنا من النّفر الّذي قال اللَّه في كتابه: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ (الآية) ولم يبق منهم غيري، فأرشد  الضّالّ إلى الطّريق.

قال: لم نزل نتبع الصّوت حتّى خرجنا إلى الطّريق.و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللَّه- بعد أن ذكر الصّادق- عليه السّلام- ونقل عنه حديثا طويلا: وقال- عليه السّلام-: إنّ امرأة من الجنّ كان يقال لها: عفراء ، تأتي  النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- فتسمع من كلامه، فتأتي صالحي الجنّ فيسلمون على يديها، وأنّها فقدها النبي- صلّى اللَّه عليه وآله- فسأل عنها جبرئيل.

فقال: زارت أختا لها تحبّها في اللَّه.

و في أمالي الصّدوق ، عن الباقر - عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه خروج الحسنين من عند جدّهما ونومهما في حديقة بني النّجّار، وطلب النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- لهما حتّى لقيهما،: وقد اكتنفتهما حيّة لها شعرت كآجام القصب،

و جناحان، جناح  قد غطّت به الحسن- عليه السّلام- وجناح قد غطّت به الحسين- عليه السّلام-. فلمّا أن بصر بهما النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- تنحنح فانسابت الحيّة، وهي تقول: اللّهمّ، إنّي أشهدك واشهد ملائكتك أنّ هذين شبلا نبيّك قد حفظتهما عليه ودفعتهما إليه سالمين صحيحين.

فقال لها النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله-: أيّتها الحيّة، فمن  أنت؟

قالت: أنا رسول الجنّ إليك.

قال: [و ايّ الجنّ؟ قالت:]  جنّ نصيبين، نفر من بني مليح  نسينا آية من كتاب- اللَّه فبعثوني إليك لتعلّمنا ما نسينا من كتاب اللَّه، فلمّا بلغت هذا الموضع سمعت مناديا ينادي: أيّتها الحيّة، هذان شبلا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فاحفظيهما من العاهات والآفات ومن طوارق اللّيل والنّهار. فقد حفظتهما وسلّمتهما إليك سالمين صحيحين.

و أخذت الحيّة الآية وانصرفت.

قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى‏قيل : إنّما قالوا ذلك لأنّهم كانوا يهودا، أو ما سمعوا أمر عيسى.

مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ: من العقائد.

وَ إِلى‏ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ : من الشّرائع.

يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ: بعض ذنوبكم، وهو ما يكون في خالص حقّ اللَّه، فإن المظّالم لا تغفر بالإيمان.

وَ يُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ : هو معدّ للكفّار.

وَ مَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ: إذ لا ينجي منه مهرب.

وَ لَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ: يمنعونه منه.

أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ : حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ (الآية) فهذا كلّه حكاية عن الجن، وكان سبب نزول هذه الآية أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- خرج من مكّة إلى سوق عكاظ، ومعه زيد بن حارثة يدعو النّاس إلى الإسلام، فلم يجبه أحد ولم يجد أحدا يقبله، ثمّ رجع إلى مكة فلمّا بلغ موضعا يقال له: وادي  مجنة، تهجّد بالقرآن في جوف اللّيل، فمرّ به نفر من الجن، فلمّا سمعوا قراءة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- استمعوا له، فلمّا سمعوا قراءته قال بعضهم لبعض: «أنصتوا»، يعني: اسكتوا «فلمّا قضي»، أي: فرغ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- من القراءة وَلَّوْا إِلى‏ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، قالُوا يا قَوْمَنا- إلى قوله-: فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. فجاءوا إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فأسلموا  وآمنوا، وعلّمهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- شرائع الإسلام.

فأنزل اللَّه على نبيّه: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (السّورة كلّها) فحكى اللَّه قولهم: وولّى عليهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- منهم، وكانوا يعودون إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في كلّ وقت، فأمر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أمير المؤمنين- عليه السّلام- أن يعلّمهم ويفقّهم، فمنهم مؤمنون ومنهم كافرون وناصبون ويهود ونصارى ومجوس، وهم ولد الجانّ.و سئل العالم- عليه السّلام- عن مؤمني الجنّ يدخلون الجنّة؟

فقال: لا، ولكن للَّه حظائر بين الجنّة والنّار يكون فيها مؤمنوا الجنّ وفسّاق الشّيعة.

و في مجمع البيان : وفي هذا دلالة على أنّه- صلّى اللَّه عليه وآله- كان مبعوثا إلى الجنّ، كما كان مبعوثا إلى الإنس، ولم يبعث اللَّه نبيّا إلى الإنس والجنّ قبله.

أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ: ولم يتعب ولم يعجز، والمعنى: أنّ قدرته كاملة، لا تنقص  ولا تنقطع بالإيجاد أبد الآباد.

بِقادِرٍ عَلى‏ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى‏، أي: قادر. ويدلّ عليه قراءة : «يقدر»، و«الباء» مزيدة لتأكيد النّفي فإنّه مشتمل على «أنّ» وما في حيّزها، ولذلك أجاب عنه بقوله: بَلى‏ إِنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ : تقريرا للقدرة  على وجه عامّ يكون كالبرهان على المقصود، وكأنّه لمّا صدّر السّورة بتحقيق المبدأ أراد ختمها بإثبات المعاد.

وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ: منصوب بقول مضمر مقوله: أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ. والإشارة إلى العذاب.

قالُوا بَلى‏ وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ : بكفركم في الدّنيا. ومعنى الأمر: الإهانة بهم، والتّوبيخ لهم.

فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ قيل : أولو الثّبات والجدّ منهم، فإنّك من جملتهم. و«من» للتّبيين، فعلى هذا يكون جميع الأنبياء أولي العزم على أداء الرسالة وتحمّل أعبائها.

و قيل : للتّبعيض. وأولو العزم [أصحاب الشرائع، اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها وصبروا على تحمّل مشاقّها ومعاداة الطاعنين فيها. ومشاهيرهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى.

و قيل :]  الصّابرون على بلاء اللَّه، كنوح صبر على أذى قومه كانوا يضربونه حتّى يغشى عليه، وإبراهيم على النّار وذبح ولده، والذّبيح على الذّبح، ويعقوب على‏فقد الولد والبصر، ويوسف على الجبّ والسّجن، وأيّوب على الضّرّ، وموسى قال له قومه:

إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ . وداود بكى على خطيئته أربعين سنة، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة، [و هم ثمانية] .

و قيل : ستّة، بإسقاط داود وعيسى من الثّمانية المذكورة.

و قيل : هم الّذين أمروا بالجهاد والقتال، وأظهروا المكاشفة وجاهدوا في الدين.

و قيل : هم إبراهيم ونوح وهود، ورابعهم محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: قول اللَّه:

فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ.

فقال: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-.

قلت: وكيف صاروا أولي العزم؟

قال: لأنّ نوحا بعث بكتاب وشريعة، وكلّ من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح وشريعته ومنهاجه، حتّى جاء إبراهيم بالصّحف وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرا به، فكلّ نبيّ جاء بعد إبراهيم أخذ بشريعة إبراهيم ومنهاجه وبالصّحف، حتّى جاء موسى بالتّوراة وشريعته ومنهاجه وبعزيمة ترك الصّحف، فكلّ نبيّ جاء بعد موسى أخذ بالتّوراة وبشريعته ومنهاجه، حتّى جاء المسيح [بالإنجيل وبعزيمة ترك شريعة موسى ومنهاجه، فكلّ نبيّ جاء بعد المسيح‏] ، أخذ [بالإنجيل و]  بشريعته ومنهاجه، حتى جاء محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-  بالقرآن وبشريعته ومنهاجه، فحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فهؤلاء أولو العزم من الرّسل.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى [الواسطي‏] ، عن هشام بن الحكم  ودرست بن أبي منصور، عنه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال في حديث‏طويل، يذكر فيه طبقات الأنبياء والمرسلين: والذين يرى في منامه ويسمع الصّوت ويعاين في اليقظة وهو إمام مثل أولي العزم.

عدّة من أصحابنا»، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيى الخثعميّ، عن هشام، عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: سادة النبيّين والمرسلين خمسة، وهم أولو العزم من الرّسل، وعليهم دارت الرّحا: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمّد- صلوات اللَّه عليهم أجمعين-.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ أوّل وصيّ كان على وجه الأرض هبة اللَّه بن آدم، وما من نبيّ مضى إلّا وله وصيّ، وكان جميع الأنبياء مائة ألف نبيّ وعشرين ألف، منهم خمسة أولو العزم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمّد- صلوات اللَّه عليهم أجمعين-

 (الحديث)

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: ولإن الصّبر على ولاة الأمر مفروض، لقول اللَّه لنبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ. وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقوله :

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.

و في الخرائج والجرائح ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إن اللَّه فضّل أولي العزم من الرّسل على الأنبياء بالعلم، وأورثنا علمهم وفضّلنا عليهم في فضلهم، وعلم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ما لا يعلمون، وعلّمنا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فروينا لشيعتنا، فمن قبله منهم فهو أفضلهم، وأينما نكون ، فشيعتنا معنا.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من العلل، بإسناده إلى عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال: عن أبيه، عن أبي الحسن الرّضا- عليه‏السّلام- قال: إنّما سمّي أولو العزم [أولي العزم‏]  لأنّهم كانوا أصحاب العزائم والشّرائع، وذلك أنّ كلّ نبيّ كان بعد نوح كان على شريعته ومنهاجه وتابعا لكتابه إلى زمن إبراهيم الخليل، [و كلّ‏]  نبيّ كان في أيّام إبراهيم وبعده كان على شريعة إبراهيم ومنهاجه وتابعا لكتابه إلى [أيّام موسى، وكلّ نبيّ كان في أيّام موسى وبعده كان على شريعة موسى ومنهاجه وتابعا لكتابه إلى‏]  أيّام عيسى، وكلّ نبيّ كان في أيّام عيسى وبعده كان على منهاج عيسى وشريعته وتابعا لكتابه إلى زمن محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-.

فهؤلاء الخمسة أولو العزم، وهم  أفضل الأنبياء والرّسل، وشريعة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- لا تنسخ إلى يوم القيامة ولا نبيّ بعده إلى يوم القيامة، فمن ادّعى بعده نبيّا أو أتى بعد القرآن بكتاب، فدمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه.

و في كتاب الخصال : عن أبي جعفر- عليه السّلام- [قال: أولو العزم من الرسل خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد- صلّى اللَّه عليهم أجمعين-.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى جابر بن يزيد: عن أبي جعفر- عليه السّلام-]  في قول اللَّه : وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى‏ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً. قال:

عهد إليه في محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- والأئمة من بعده، فترك ولم يكن له عزم فيهم أنّهم هكذا، وإنّما سمّي أولو العزم، لأنّهم عهد إليهم في محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- والأوصياء من بعده والمهديّ وسيرته، فأجمع عزمهم [أنّ ذلك‏]  كذلك الإقرار  به.

و في أصول الكافي ، كذلك سواء .

و في مجمع البيان : أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وقيل: إنّ «من» هاهنا للتّبعيض، وهو قول أكثر المفسّرين، والظاهر في روايات أصحابنا.ثمّ اختلفوا فقيل:

أولو العزم من الرّسل من أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدّمه، وهم خمسة: أوّلهم نوح، ثمّ إبراهيم، ثمّ موسى، ثمّ عيسى، ثم محمّد- صلوات اللَّه عليهم-. وهو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.

قال: وهم سادة النّبيّين، وعليهم دارت رحا المرسلين.

وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ: لكفّار قريش بالعذاب، فإنّه نازل بهم في وقته لا محال.

و في روضة الكافي : حدثني عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضّال، [عن حفص المؤذّن‏]  عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- [و عن ابن بزيع، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-]  أنّه قال في رسالة طويلة إلى أصحابه: إنّه لا يتمّ الأمر حتّى يدخل عليكم مثل ما دخل على الصّالحين قبلكم، وحتّى تبتلوا في أنفسكم وأموالكم، وحتّى تسمعوا من أعداء اللَّه أذى كثيرا فتصبروا وتعركوا بجنوبكم ، وحتّى يستذلّوكم و يبغضوكم، وحتّى يحملوا عليكم الضّيم فتحتملوه منهم  تلتمسون بذلك وجه اللَّه والدّار الآخرة، وحتّى تكظموا الغيظ الشّديد في الأذى في اللَّه يجترمونه إليكم ، وحتّى يكذبوكم بالحقّ ويعادوكم فيه ويبغضوكم عليه فتصبروا على ذلك منهم، ومصداق ذلك كلّه في كتاب اللَّه الّذي أنزله جبرئيل على نبيّكم، سمعتم قول اللَّه لنبيّكم: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ.

كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ: استقصروا من هوله مدّة لبثهم في الدّنيا حتّى يحسبونها ساعة.

بَلاغٌ: هذا الّذي وعظتم به، أو هذه السّورة بلاغ، أي: كفاية. أو تبليغ من الرسل، ويؤيّده أنّه قرئ : «بلّغ».

و قيل : مبتدأ خبره «لهم»، وما بينهما اعتراض، أي: لهم وقت يبلغون إليه، كأنّهم إذا بلغوه ورأوا ما فيه استقصروا مدّة عمرهم.و قرئ ، بالنصب، أي: بلّغوا بلاغا.

فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ : الخارجون عن الاتّعاظ والطاعة.

و قرئ: «يهلك»  بفتح اللام وكسرها. «و نهلك». بالنّون، ونصب «القوم».

و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللَّه-: وقيل للنّبي- صلّى اللَّه عليه وآله-: كم ما بين الدّنيا والآخرة؟

قال: غمضة عين، قال اللَّه: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ (الآية).