سورة البروج

سورة البروج‏

مكّيّة.

و آيها ثنتان وعشرون بالإجماع.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ في فرائضه، فإنّها سورة النّبيّين، كان محشره وموقفه مع النّبيين والمرسلين والصّالحين.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ومن قرأها، أعطاه اللّه [من الأجر]  بعدد كلّ يوم جمعة وكلّ يوم عرفة يكون في دار الدّنيا عشر حسنات.

وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ، يعني: البروج الاثني عشر، شبّهت بالقصور لأنّها تنزلها السّيّارات وتكون فيها الثّوابت.

أو منازل القمر.

أو عظام الكواكب، سمّيت بروجا لظهورها.

أو أبواب السّماء، فإنّ النّوازل تخرج منها.و أصل التّركيب للظّهور .

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة: عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: ولقد سئل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأنا عنده عن الأئمّة بعده.

فقال للسّائل: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ إنّ عددهم بعدد البروج، وبرّ اللّيالي والأيّام والشهور، إنّ عدّتهم كعدّة الشّهور.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ للشّمس ثلاثمائة وستّين برجا، كلّ برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب، وتنزيل كلّ يوم على برج منها، فإذا غابت انتهت إلى حدّ بطنان العرش فلم تزل ساجدة إلى الغد، ثمّ تردّ إلى موضع مطلعها ومعها [ملكان يهتفان معها] .

و في كتاب الخصال : عن أبان بن تغلب قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- إذا دخل إليه رجل من أهل اليمن ...- إلى قوله-:

قال- عليه السّلام-: يا أخا أهل اليمن، عندكم علماء؟

فقال اليمانيّ: نعم، جعلت فداك، إنّ في اليمن قوما ليسوا كأحد من النّاس في علمهم.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: وما يبلغ من علم عالمهم؟

فقال له اليمانيّ: إنّ علم عالمهم ليزجر الطّير، ويقفو الأثر في السّاعة الواحدة مسيرة شهر للرّاكب المجدّ.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: فإن عالم المدينة أعلم من عالم اليمن.

قال اليمانيّ: وما بلغ من علم عالم المدينة؟

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ [علم‏]  عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفوالأثر ويزجر الطّير، ويعلم ما في اللّحظة الواحدة مسيرة الشّمس تقطع اثني عشر برجا ، واثني عشر برّا، واثني عشر بحرا، واثني عشر عالما.

فقال له اليمانيّ: جعلت فداك، ما ظننت أنّ أحدا يعلم هذا أو يدري ما كنهه.

قال: ثمّ قام اليمانيّ وخرج.

وَ الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ .

في مجمع البيان : وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ، يعني: يوم القيامة في قول جميع المفسّرين، وهو [اليوم‏]  الّذي تجازى فيه الخلائق ويفصل فيه القضاء.

وَ شاهِدٍ وَمَشْهُودٍ .

قيل : ومن يشهد في ذلك اليوم من الخلائق، وما أحضر فيه من العجائب.

و تنكيرهما للإبهام في الوصف، أي: وشاهد ومشهود لا يكتنه وصفهما. أو المبالغة في الكثرة، كأنّه قيل: ما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود. أو النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- و[أمّته، أو]  أمّته وسائر الأمم. أو كلّ نبيّ وأمّته. أو الخالق والخلق، أو عكسه، فإنّ الخالق مطّلع على خلقه وهو شاهد على وجوده. أو الملك الحفيظ والمكلّف.

أو يوم النّحر أو عرفة والحجيج. أو يوم الجمعة والمجمع، فإنّه يشهد له. أو كلّ يوم وأهله.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-:

وَ شاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال: النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في كتاب معاني الأخبار : سئل أبو عبد اللّه- عليه السّلام- وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ.

قال: الشّاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة.

 [و بإسناده  إلى أبي عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الشّاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة،]  والموعود يوم القيامة.و بإسناده  إلى يعقوب بن شعيب  قال: سألت أبا عبد اللّه عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ.

قال: الشّاهد يوم عرفة.

و بإسناده  إلى محمّد بن هاشم: عمّن روى، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سأله الأبرش الكلبيّ عن قوله: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: وما قيل لك؟

فقال: قالوا: الشّاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة.

فقال- عليه السّلام-: ليس كما قيل لك، الشّاهد يوم عرفة، والمشهود يوم القيامة، أما تقرأ القرآن؟ قال اللّه - عزّ وجلّ-: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.

عن الحسين بن سعيد ، عن فضّالة، عن أبان، عن أبي الجارود، عن أحدهما - عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال: الشّاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، والموعود يوم القيامة.

أبي  قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن عمران بن موسى، عن الحسن بن موسى الخشّاب [عن عليّ بن حسّان‏] ، عن عبد الرّحمن بن كثير الهاشميّ، مولى أبي جعفر- عليه السّلام-، محمّد بن عليّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال: النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال: الشّاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم القيامة.

و في مجمع البيان : وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ فيه أقوال:

أحدها، أنّ الشّاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة ... عن ابن عبّاس وقتادة،و روي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام-. وروي ذلك عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.

...- إلى قوله-: وثالثها، أنّ الشّاهد محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- والمشهود يوم القيامة ... عن ابن عبّاس [في رواية أخرى‏]  وسعيد بن المسيّب، وهو المرويّ عن الحسن بن عليّ- عليهما السّلام-.

روي  أنّ رجلا دخل مسجد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فإذا رجل يحدّث عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: فسألته عن الشّاهد والمشهود، فقال: نعم الشّاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة.

فجزته إلى آخر يحدّث عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فسألته عن ذلك، فقال: أمّا الشّاهد فيوم الجمعة وأمّا المشهود يوم النّحر.

فجزتهما إلى غلام، كأنّ وجهه الدّينار، وهو يحدّث عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود.

فقال: نعم، أمّا الشّاهد فمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وأمّا المشهود فيوم القيامة، أما سمعت اللّه يقول : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وقال :

ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.

فسألت عن الأوّل، فقالوا: ابن عبّاس. وسألت عن الثّاني، فقالوا: ابن عمر.

و سألت عن الثّالث، فقالوا: الحسن بن عليّ- عليه السّلام-.

و قيل : الشّاهد الأيّام واللّيالي، والمشهود بنو آدم، وينشد للحسين بن عليّ- عليه السّلام-:

         مضى امسك الماضي شهيدا معدلا             وخلّفت  في يوم عليك شهيد

          فإن أنت بالأمس اقترفت إساءة             فقيّد بإحسان وأنت حميد         ولا ترج فعل الخير يوما إلى غد             لعلّ غدا يأتي وأنت فقيد

وي الصّحيفة السّجاديّة ، في دعائه عند الصّباح والمساء: هذا يوم حادث جديد، وهو علينا شاهد عتيد، إن أحسنّا ودّعنا بحمد ، وإنّ أسأنا فارقنا بذمّ.

و في شرح الآيات الباهرة : قال أبو جعفر- عليه السّلام-: رسول اللّه الشّاهد علينا بما بلّغنا عن اللّه، ونحن الشّهداء [على الناس‏] .

قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ .

قيل : إنّه جواب القسم، على تقدير: لقد قتل.

و قيل : إنّه دليل جواب محذوف، كأنّه قيل: إنّهم ملعونون، يعني: كفّار مكّة، كما لعن أصحاب الأخدود، فإنّ السّورة وردت لتثبيت المؤمنين وتعبيرهم على أذاهم، وتذكيرهم بما جرى على من قبلهم.

و «الأخدود» جمع  الخدّ، وهو الشّقّ في الأرض. ونحوهما بناء ومعنى، الخقّ، والأخقوق.

 

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن مفضّل بن صالح، عن جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: بعث اللّه نبيّا حبشيّا إلى قومه فقاتلهم ، فقتل أصحابه وأسروا، وأخّدوا لهم أخدودا من نار، ثمّ نادوا:

من كان من أهل ملّتنا فليعتزل، ومن كان على دين هذا النّبيّ فليقتحم النّار.

فجعلوا يقتحمون النّار، وأتت امرأة معها صبيّ لها فهابت النّار، فقالت لها صبيّها: اقتحمي.

قال: فاقتحمت، وهم أصحاب الأخدود.

و في مجمع البيان : روى مسلم في الصّحيح، عن هدية بن خالد، عن حمّاد بن‏سلمة، عن ثابت عن  عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن صهيب، عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: كان ملك فيمن كان قبلكم له ساحر، فلمّا مرض السّاحر قال: إنّي قد حضر أجلي، فادفع إليّ غلاما أعلّمه السّحر.

فدفع إليه غلاما، وكان يختلف إليه، وبين السّاحر والملك راهب، فمرّ الغلام بالرّاهب فأعجبه كلامه وأمره، فكان يطيل عنده القعود، فإذا أبطأ عن السّاحر ضربه، وإذا أبطأ عن أهله ضربوه، فشكا ذلك إلى الرّاهب فقال:

يا بنيّ، إذا استبطأك السّاحر فقال: حبسني أهلي، وإذا استبطأك أهلك فقل:

حبسني السّاحر.

فبينما هو ذات يوم إذا بالنّاس قد غشيتهم  دابّة [عظيمة]  فظيعة ، فقال:

اليوم أعلم أمر السّاحر أفضل، أم أمر  الرّاهب.

فأخذ حجرا فقال: اللّهمّ، إن كان أمر الرّاحب أحبّ إليك فاقتل هذه الدّابّة.

فرمى فقتلها ومضى النّاس، فأخبر بذلك الرّاهب فقال:

و جعل يداوي النّاس فيبرئ الأكمه والأبرص، فبينما هو كذلك إذ عمي جليس للملك، فأتاه وحمل إليه مالا كثيرا، فقال:

اشفني، ولك ما هاهنا.

فقال: أنا لا أشفي أحدا ولكنّ اللّه يشفي، فإن آمنت باللّه دعوت اللّه فشفاك.

قال: فآمن، فدعا اللّه فشفاه، فجلس إلى الملك فقال:

يا فلان، من شفاك؟

فقال: ربّي.

قال: أنا؟

قال: لا، ربّي وربّك، اللّه.

قال: أو أنّ لك ربّا غيري؟

قال: نعم، ربّي وربّك، اللّه.فأخذه، فلم يزل به حتّى دلّه على الغلام، فبعث إلى الغلام فقال: لقد بلغ من أمرك أن تشفي الأكمه والأبرص.

قال: ما أشفي أحدا، ولكنّ اللّه يشفي.

قال: أو أنّ لك ربّا غيري؟

قال: نعم، ربّي وربّك، اللّه.

فأخذه، فلم يزل به حتّى دلّه على الرّاهب، فوضع المنشار عليه فنشره حتّى وقع شقّتين.

فقال للغلام: ارجع عن دينك. فأبى، فأرسل معه نفرا وقال: اصعدوا به جبل وكذا وكذا، فإن رجل عن دينه وإلّا فدهدهوه  منه.

قال: فعلّوا به الجبل.

فقال: اللّهمّ، أكفنيهم بما شئت. فرجف  بهم الجبل، فتدهدهوا  أجمعون، وجاء إلى الملك.

فقال: ما صنع أصحابك؟

فقال: كفايتهم اللّه.

فأرسل به مرّة أخرى، قال: انطلقوا به فلجّجوه في البحر، فإن رجع وإلّا فغرّقوه.

فانطلقوا به في قرقور ، فلمّا توسّطوا به البحر فقال: اللّهمّ  اكفنيهم بما شئت.

فانكفأت بهم السّفينة، وجاء حتى قام بين يدي الملك.

فقال: ما صنع أصحابك؟ فقال كفانيهم اللّه.

ثمّ قال: إنّك لست بقاتلي حتّى تفعل ما آمرك به، اجمع النّاس، ثمّ اصلبني على جذع، ثمّ خذ سهما من كنانتي، ثمّ ضعه على كبد القوس، ثمّ قل: باسم ربّ الغلام.

فإنّك ستقتلني.

قال: فجمع النّاس وصلبه، ثمّ أخذ سهما من كنانته فوضعه على كبد القوس، وقال: باسم ربّ الغلام. ورمى، فوقع [السّهم‏]  في صدغه ومات.فقال النّاس: آمنّا بربّ الغلام.

فقيل له: أ رأيت ما كنت تخاف قد نزل، واللّه، بك آمن النّاس.

فأمر بالأخدود، فخدّدت على أفواه السّكك، ثمّ أضرمها نارا فقال: من رجع عن دينه فدعوه، ومن أبى فاقحموه فيها.

فجعلوا يتقحّمونها، وجاءت امرأة بابن لها، فقال لها: يا امه، اصبري، فإنّك على الحقّ.

قال ابن المسيّب : كنّا عند عمر بن الخطّاب إذ ورد عليه: أنّهم احتفروا فوجدوا ذلك الغلام وهو واضع يده على صدغه، كلّما مدّت يده عادت  إلى صدغه: فكتب عمر: واروه حيث وجدتموه.

و روى سعيد بن جبير  قال: لما انهزم أهل إسفندهان  قال عمر بن الخطّاب: ما هو يهود ولا نصارى، ولا لهم كتاب، وكانوا مجوسا.

فقال عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: بلى، قد كان لهم كتاب ولكنّه رفع، وذلك أنّ ملكا لهم سكر فوقع على ابنته، أو قال: على أخته.

فلمّا أفاق قال لها: كيف المخرج ممّا وقعت فيه؟

قالت: تجمع أهل مملكتك وتخبرهم أنّك ترى نكاح البنات، وتأمرهم أن يحلّوه.

فجمعهم فأخبرهم، فأبوا أن يتابعوه، فخدّ لهم أخدودا في الأرض وأوقد فيه النّيران وعرضهم عليها، فمن أبى قبول ذلك قذفه [في النار] ، ومن أجاب خلّى سبيله.

و قال الحسن : كان النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إذ ذكر عنده أصحاب الأخدود تعوّذ باللّه من جهد البلاء.

و روى العيّاشي ، بإسناده: عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أرسل عليّ- عليه السّلام- إلى أسقف نجران يسأله عن أصحاب الأخدود، فأخبره بشي‏ء.

فقال- عليه السّلام-: ليس كما ذكرت، ولكن سأخبرك عنهم، إنّ اللّه بعث‏رجلا حبشيّا نبيّا، وهم حبشة، فكذّبوه  فقاتلهم فقتلوا أصحابه وأسروه وأسروا أصحابه، ثمّ بنوا له حيرا ، ثمّ ملأوه  نارا، ثمّ جمعوا النّاس فقالوا: من كان على ديننا وأمرنا فليعتزل، ومن كان على دين هؤلاء فليرم نفسه في النّار معه. فجعل أصحابه يتهافتون في النّار، فجاءت امرأة معها صبيّ لها ابن شهر، فلمّ هجمت [على النار]  هابت ورقّت على ابنها، فنادى الصّبيّ: لا تهابي، وارميني ونفسك في النّار، فإنّ هذا، واللّه، في اللّه قليل. فرمت بنفسها في النّار وصبيّها، وكان ممّن تكلّم في المهد.

و بإسناده : عن ميثم التّمّار قال: سمعت أمير المؤمنين- عليه السّلام- وذكر أصحاب الأخدود، فقال: كانوا عشرة، وعلى مثالهم عشرة يقتلون في هذا السّوق.

النَّارِ: بدل من «الأخدود» بدل الاشتمال.

ذاتِ الْوَقُودِ : صفة لها بالعظمة وكثرة ما يرتفع به لهبها، و«اللّام» في «الوقود» للجنس.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل القرشيّ:

عمّن حدّثه، عن إسماعيل [بن أعبل‏] ، عن أبيه، عن  أبي رافع، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه وقد ذكر بخت نصر: وملك بعده مهر فيه  بن بخت نصر ستّ عشرة سنة وستّة  وعشرين يوما، وأخذ عند ذلك دانيال، وحفر له جبّا في الأرض، وطرح فيه دانيال وأصحابه وشيعته من المؤمنين، فألقى عليهم النّيران، فلمّا رأى أنّ النّار ليست تقربهم ولا تحرقهم استودعهم الجبّ وفيه الأسد والسّباع، وعذّبهم بكلّ لون من العذاب حتّى خلّصهم اللّه- عزّ وجلّ- منه، وهم الّذين ذكرهم اللّه في كتابه فقال- جلّ وعزّ-: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ.

و في كتاب الخصال  عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:سألته عن النّيران.

 [فقال: النيران‏]  أربعة: نار تأكل وتشرب، نار تأكل ولا تشرب، ونار تشرب ولا تأكل، ونار لا تأكل ولا تشرب، فالّتي تأكل وتشرب فنار ابن آدم وجميع الحيوان، والّتي تأكل ولا تشرب فنار الوقود، والّتي تشرب ولا تأكل فنار الشّجر، والّتي لا تأكل ولا تشرب فهي نار القداحة والحباحب .

إِذْ هُمْ عَلَيْها: على حافّة النّار.

قُعُودٌ : قاعدون.

وَ هُمْ عَلى‏ ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ : يشهد بعضهم لبعض عند الملك، بأنّه لم يقصّر فيما أمره به. أو يشهدون على ما يفعلون يوم القيامة، حتّى تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم.

وَ ما نَقَمُوا: وما أنكروا.

مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ : استثناء على طريقة قوله:

         ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم             بهنّ فلول من قراع الكتائب‏

 ووصفه بكونه عزيزا غالبا يخشى عقابه، ميدا منعما يرجى ثوابه، وقرّر  ذلك بقوله: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ :

للإشعار بما يستحقّ أن يؤمن به ويعبد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ قال: كان سببهم أنّ الّذي هيّج الحبشة على غزوة اليمن ذو نؤاس، وهو آخر من ملك من حمير، تهوّد  واجتمعت معه حمير على اليهوديّة، وسمّى نفسه: يوسف، وأقام على ذلك حينا من الدّهر، ثمّ أخبر أنّ بنجران بقايا قوم على دين النّصرانيّة، وكانوا على دين عيسى وعلى حكم الإنجيل، ورأس  ذلك الدّين عبد اللّه بن بريامن ، فحمله  أهل دينه على أن يسير إليهم‏و يحملهم على اليهوديّة ويدخلهم فيها.

فسار حتّى قدم نجران، فجمع من كان بها على دين النّصرانيّة، ثمّ عرض عليهم دين اليهوديّة والدّخول فيها، فأبوا عليه، فجادلهم وعرض عليهم وحرص الحرص كلّه، فأبوا عليه وامتنعوا من اليهوديّة والدّخول فيها، واختاروا القتل، فخدّ لهم أخدودا وجمع فيه الحطب وأشعل فيه النّار، فمنهم من احرق بالنّار، ومنهم من قتل بالسّيف ومثّل بهم كلّ مثلة، فبلغ عدد من قتل واحرق بالنّار عشرين ألفا، وأفلت منهم رجل يدعى دوس  ذو ثعلبان  على فرس له، ركضه، واتّبعوه حتّى أعجزهم في الرّمل، ورجع ذو نؤاس  إلى ضيعته في جنوده، فقال اللّه: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ- إلى قوله-: الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.

و في روضة الكافي : محمّد بن سالم بن أبي سلمة ، عن أحمد بن الريّان، عن أبيه، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قد كان قبلكم قوم يقتلون ويحرّقون وينشرون بالمناشير وتضيق عليهم الأرض برحبها، فما يردّهم عمّا هم عليه شي‏ء ممّا هم فيه من ترة وتروا  من فعل ذلك بهم ولا أذى ، بل ما نقموا منهم إلّا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد، فسلوا ربّكم درجاتهم، واصبروا على نوائب دهركم تدركوا سعيهم.

إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ: بلوهم بالأذى.

ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ: بكفرهم.

وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ : العذاب الزّائد في الإحراق بفتنتهم.

و قيل : المراد بالّذين فتنوا: أصحاب الأخدود [خاصّة] ، وبعذاب الحريق:

ما روي أنّ النّار انقلبت عليهم فأحرقتهم.و في جوامع الجامع : إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ، أي: أحرقوهم وعذّبوهم بالنّار، وهم أصحاب الأخدود، «فلهم» في الآخرة عَذابُ جَهَنَّمَ بكفرهم وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ  في الدّنيا، لما روي أنّ النّار انقلبت عليهم فأحرقتهم.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ : إذ الدّنيا وما فيها تصغر دونه.

و في شرح الآيات الباهرة : روى محمّد بن العبّاس، عن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن مقاتل، عن عبد اللّه بن بكير، عن صباح  الأزرق قال:

سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول في قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا (الآية) هو أمير المؤمنين وشيعته- صلوات اللّه عليه وعليهم وسلامه ورحمته-.

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ : مضاعف عنفه، فإنّ البطش أخذ بعنف.

إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ : يبدئ الخلق ويعيده. أو يبدئ البطش بالكفرة في الدّنيا، ويعيده في الآخرة.

وَ هُوَ الْغَفُورُ: لمن تاب. الْوَدُودُ : المحبّ لمن أطاع.

ذُو الْعَرْشِ: خالقه.

و قيل : المراد بالعرش، الملك.

و قرئ : «ذي العرش» صفة «لربّك».

الْمَجِيدُ : العظيم في ذاته وصفاته، فانّه واجب الوجود، تامّ القدرة والحكمة.

و جرّه  حمزة والكسائي صفة «لربّك»، أو «للعرش».

و «مجده» علوّه وعظمته.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه‏السّلام- في قوله: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فهو اللّه الكريم المجيد.

حدّثني  أبي، عن أحمد بن النّضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: بينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعنده جبرئيل إذ حانت من جبرئيل نضرة قبل السّماء.

... إلى أن قال: قال جبرئيل: إنّ هذا إسرافيل حاجب الرّبّ وأقرب خلق اللّه منه واللّوح بين عينيه من ياقوتة حمراء، فإذا تكلّم الرّبّ- تبارك وتعالى- بالوحي، ضرب اللّوح جبينه فنظر فيه، ثمّ ألقاه إلينا نسعى به في السّماوات والأرض.

فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ : لا يمتنع عليه مراد من أفعاله وأفعال غيره.

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ  فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ .

أبدلهما من «الجنود» لأنّ المراد بفرعون: هو وقومه، والمعنى: قد عرفت تكذيبهم للرّسل وما حاق بهم، فتسلّ واصبر على تكذيب قومك، وحذّرهم مثل ما أحاط بهم.

بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ : لا يرعوون  عنه.

و معنى الإضراب: أنّ حالهم أعجب من حال هؤلاء، فإنّهم سمعوا قصّتهم ورأوا آثار هلاكهم وكذّبوا أشدّ من تكذيبهم.

وَ اللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ : لا يفوتونه، [كما لا يفوت‏]  المحاط المحيط.

بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ : بل هذا الّذي كذّبوا به كتاب شريف، وحيد في النّظم والمعنى.

و قرئ : «قرآن مجيد» بالإضافة، أي: قرآن ربّ مجيد.

فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ : من التّحريف.

و قرأ  نافع محفوظ، بالرّفع، صفة «للقرآن».

و قرئ : «في لوح» وهو الهواء، يعني: ما فوق السّماء السّابعة الذي فيه‏اللّوح.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه- في قوله: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ: قال: اللّوح المحفوظ له طرفان: طرف على يمين العرش وطرف على جبهة إسرافيل، فإذا تكلّم الربّ- جلّ ذكره- بالوحي، وضرب اللّوح جبين  إسرافيل، فنظر في اللّوح، فيوحي بما في اللّوح إلى جبرئيل.

و في أمالي الصّدوق ، بإسناده إلى عليّ بن بلال: عن الرّضا- عليه السّلام-، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليه السّلام-، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-، عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل، عن اللّوح [عن القلم‏]  قال: يقول اللّه: ولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- حصني، فمن دخل حصني أمن ناري.

و في كتاب المناقب  لابن شهرآشوب: كتب ملك الرّوح إلى عبد الملك: أكلت لحم الجمل الّذي هرب عليه أبوك من المدينة، لأغزونّك بجنود مائة ألف ومائة ألف [و مائة ألف‏] .

فكتب عبد الملك إلى الحجّاج، أن يبعث إلى زين العابدين ويتوعّده ويكتب إليه ما يقول، ففعل.

فقال عليّ بن الحسين: إنّ للّه لوحا محفوظا، يلحظه في كلّ يوم ثلاثمائة لحظة، ليس منها لحظة إلّا يحيي فيها ويميت، ويعزّ ويذلّ، ويفعل ما يشاء، وإنّي لأرجو أن يكفيك منها لحظة واحدة.

فكتب بها الحجّاج إلى عبد الملك، فكتب [عبد الملك بذلك‏]  إلى ملك الرّوم.

فلمّا قرأه قال: ما خرج هذا إلّا من كلام النّبوّة.