(سورة البينة (لم يكن

سورة البينة (لم يكن) ‏

مكّيّة. أو مدنيّة.

و آيها ثمان، أو تسع.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة لم يكن كان بريئا من الشّرك، وادخل في دين محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وبعثه اللّه مؤمنا، وحاسبه حسابا يسيرا.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ومن قرأها كان يوم القيامة مع خير البريّة، مسافرا ومقيما.

و عن أبي الدّرداء  قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لو يعلم النّاس ما في لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا لعطّلوا الأهل والمال وتعلّموها.

فقال رجل من خزاعة: ما فيها من الأجر، يا رسول اللّه؟

فقال: لا يقرأها منافق أبدا ولا عبد في قلبه شكّ في اللّه، واللّه، إنّ الملائكة المقرّبين ليقرءونها منذ خلق اللّه السّموات والأرض لا يفترون من قراءتها، وما من عبد يقرأها بليل إلّا بعث اللّه ملائكة يحفظونه في دينه ودنياه ويدعون له بالمغفرة والرّحمة، فإنّ‏قرأها نهارا أعطي عليها من الثّواب مثل ما أضاء عليه النّهار وأظلم عليه اللّيل.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: دفع إليّ أبو الحسن- عليه السّلام- مصحفا وقال: لا تنظر فيه، ففتحته  وقرأت فيه لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا فوجدت فيها اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم.

قال: فبعث إليّ: ابعث إليّ بالمصحف.

 

لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ: اليهود والنّصارى، فإنّهم كفروا بالإلحاد في صفات اللّه.

و «من» للتّبيين.

وَ الْمُشْرِكِينَ: وعبدة الأصنام.

مُنْفَكِّينَ: عمّا كانوا عليه من دينهم. أو الوعد باتّباع الحقّ إذا جاءهم الرّسول.

حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ : الرّسول. أو القرآن، فإنّه مبيّن للحقّ. أو معجزة الرّسول بأخلاقه، والقرآن بإفحامه من تحدّى به.

و في تفسير العيّاشي ، عن محمّد بن سابق بن طلحة الأنصاريّ قال: ممّا قال هارون لأبي الحسن موسى- عليه السّلام- حين ادخل عليه: ما هذه الدّار، ودار من هي؟

قال: لشيعتنا فترة، ولغيرهم فتنة.

قال: فما بال صاحب الدّار لا يأخذها؟

قال: أخذت منه عامرة ، ولا يأخذها إلّا معمورة.

فقال: أين شيعتك؟

فقرأ أبو الحسن: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ.

قال: فنحن كفّار؟

قال: لا، ولكن كما قال [اللّه‏] :أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ . فغضب عند ذلك وغلظ عليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [وَ الْمُشْرِكِينَ‏] ، يعني: قريشا  مُنْفَكِّينَ قال: هم في كفرهم حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ.

و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: الْبَيِّنَةُ محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و في مجمع البيان : حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ اللّفظ لفظ الاستقبال، ومعناه المضيّ.

و قوله: الْبَيِّنَةُ، يريد: محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله-.

رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ: بدل من «البيّنة» بنفسه، أو بتقدير مضاف . أو مبتدأ.

يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً : صفته، أو خبره.

قيل : والرّسول وإن كان امّيّا لكنّه لمّا تلا مثل ما في الصّحف كان كالتّالي لها.

و قيل : المراد جبرئيل، وكون الصّحف مطهّرة لأنّ الباطل لا يأتي ما فيها، وأنّها لا يمسّها إلّا المطهّرون.

فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ : مكتوبات مستقيمة ناطقة بالحقّ.

و في مجمع البيان : وقوله: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ بيان للبيّنة  وتفسير لها، أي: رسول من قبل اللّه. «يتلو» عليهم. صُحُفاً مُطَهَّرَةً، يعني: مطهّرة في السّماء، لا يمسّها إلّا الملائكة المطهّرون من الأنجاس. عن الحسن والجبّائيّ. وهو محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-أتاهم بالقرآن ودعاهم إلى التّوحيد والإيمان. فِيها، أي: في تلك الصّحف. كُتُبٌ قَيِّمَةٌ، أي: مستقيمة عادلة غير ذات عوج، تبيّن الحقّ من الباطل.

و قيل : مطهّرة عن الباطل والكذب والزّور، يريد: القرآن. عن قتادة. ويعني بالصّحف: ما تضمّنه الصّحف من المكتوب فيها، ويدلّ على ذلك أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن كتاب.

و قيل : معناه: رسول من الملائكة يتلو صحفا من اللّوح المحفوظ. عن أبي مسلم.

وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ: عمّا كانوا عليه، بأن آمن بعضهم أو تردّد في دينه. أو عن وعدهم بالإصرار على الكفر.

إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ : فيكون كقوله: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ.

و إفراد أهل الكتاب بعد الجمع بينهم وبين المشركين للدّلالة على شناعة حالهم، وأنّهم لمّا تفرّقوا مع علمهم كان غيرهم بذلك أولى.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم في قوله: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ قال: لمّا جاءهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بالقرآن خالفوه وتفرّقوا من بعده.

وَ ما أُمِرُوا، أي: في كتبهم بما فيها.

إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ: لا يشركون به.

حُنَفاءَ: مائلين عن العقائد الزّائفة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: حُنَفاءَ قال: طاهرين.

وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ: ولكنّهم حرّفوا وعصوا.

وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ : دين الملّة القيّمة .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها، أي: في يوم القيامة، أو في الحال لملابستهم ما يوجب ذلك.

و اشتراك الفريقين في جنس العذاب لا يوجب اشتراكهما في نوعه، فلعلّه يختلف لتفاوت كفرهما.

أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ، أي: الخليقة.

و قرأ  نافع [و ابن ذكوان‏] : «البريئة»  بالهمزة على الأصل.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ  جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً: فيه مبالغات، تقديم المدح ، وذكر الجزاء المؤذن بأنّ ما منحوا في مقابلة ما وصفوا به، والحكم عليه بأنّه من عند ربّهم، وجمع جنّات وتقييدها إضافة ووصفا بما يزداد لها نعيما ، وتأكيد الخلود بالتأبيد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ، أي: دين قيّم. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ قال: أنزل اللّه عليهم القرآن فارتدّوا وكفروا، وعصوا أمير المؤمنين أُولئِكَ  هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ قال: نزلت في آل محمّد- عليهم السّلام-.

و في مجمع البيان : وفي كتاب «شواهد التّنزيل» للحاكم، أبي القاسم الحسكانيّ قال: أخبرنا عبد اللّه  الحافظ بالإسناد المرفوع إلى يزيد بن شراحيل  الأنصاريّ، كاتب عليّ- عليه السّلام- قال: سمعت عليّا يقول: قبض رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأنا مسنده إلى صدري. فقال: يا عليّ، ألم تسمع قول اللّه- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ هم شيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا اجتمعت الأمم للحساب، يدعون غرّا محجّلين.و في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى جابر بن عبد اللّه قال: كنّا عند النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فأقبل عليّ، فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: قد أتاكم أخي.

ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثمّ قال: والّذي نفسي بيده، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة.

ثمّ قال: إنّه أوّلكم إيمانا معي، وأوفاكم بعهد اللّه، وأقومكم بأمر اللّه، وأعدلكم في الرّعيّة، وأقسمكم بالسّويّة، وأعظمكم عند اللّه مزيّة .

قال: فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ.

قال: فكان أصحاب محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- إذا أقبل عليّ- عليه السّلام- قالوا: جاء خير البريّة.

و بإسناده  إلى المنذر بن محمّد بن محمّد، أنّ أباه أخبره: عن عليّ بن موسى الرّضا، عن أبيه، موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما من هدهد إلّا وفي جناحه مكتوب بالسّريانيّة: آل محمّد خير البريّة.

و بإسناده  إلى يعقوب بن ميثم التّمّار، مولى عليّ بن الحسين- عليه السّلام- قال: دخلت على أبي جعفر- عليه السّلام- فقلت له: جعلت فداك يا ابن رسول، إنّي وجدت في كتب أبي، أنّ عليّا قال لأبي ميثم: أحبب حبيب آل محمّد وإن كان فاسقا زانيا ، وابغض مبغض آل محمد وإن كان صوّاما قوّاما، فإنّي سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو يقول: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ. ثمّ التفت إليّ، وقال: هم ، واللّه، أنت وشيعتك يا عليّ، وميعادهم الحوض غدا غرّا محجّلين [مكتحلين‏] متوّجين .

فقال [أبو جعفر] : هكذا هو عيانا في كتاب عليّ- عليه السّلام-.و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللّه-: وقال الباقر- عليه السّلام-: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام- مبتدئا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ هم أنت وشيعتك، [و ميعادي‏]  وميعادكم الحوض، إذا حشر النّاس جئت»

 أنت وشيعتك شباعا مرويّين غرّا محجّلين.

و في اعتقادات الإماميّة  للصّدوق: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أنا أفضل من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ومن جميع الملائكة المقرّبين، وأنا خير البريّة وسيّد ولد آدم.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن طاهر  قال: كنت عند أبي جعفر- عليه السّلام- فأقبل جعفر- عليه السّلام- فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: هذا خير البريّة .

 [أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن يونس بن يعقوب، عن طاهر  قال: كنت عند أبي جعفر- عليه السّلام- فأقبل جعفر، فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: هذا خير البريّة] .

أحمد بن مهران ، عن محمّد بن عليّ، عن فضيل بن عثمان، عن طاهر  قال: كنت قاعدا عند أبي جعفر- عليه السّلام- فأقبل جعفر  بعض، فقال [أبو جعفر- عليه السّلام-] : هذا خير البريّة.

و في روضة الكافي : أحمد بن محمّد [بن أحمد] ، عن عليّ بن الحسن التّيميّ، عن محمّد بن عبد اللّه، عن زرارة، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سمعت أباعبد اللّه- عليه السّلام- يقول لرجل من الشّيعة: أنتم أهل الرّضا عن اللّه برضاه عنكم، والملائكة إخوانكم في الخير، فإذا اجتهدتم  ادعوا، وإذا غفلتم اجهدوا، وأنتم خير البريّة، دياركم لكم جنّة، وقبوركم لكم جنّة، للجنّة خلقتم، وفي الجنّة نعيمكم، وإلى الجنّة تصيرون. (الحديث)

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن يعقوب بن يزيد، عن بعض الكوفيّين، عن عنبسة، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ قال: هم شيعتنا، أهل البيت.

و في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس- رحمه اللّه-: من كتاب محمّد بن العبّاس ابن مروان في تفسير قوله- تعالى-: أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ وأنّها في مولانا عليّ- عليه السّلام- وشيعته، رواه مصنّف الكتاب من نحو ستّة وعشرين طريقا أكثرها من رجال الجمهور، ونحن نذكر منها طريقا واحدة بلفظها:

حدّثنا أحمد بن محمّد  المحدو  قال: حدّثنا الحسن  بن عبيد بن عبد الرّحمن الكندي، قال: حدّثني محمّد بن سكين ، قال: حدّثني خالد بن السّري  الأودي  قال: حدّثني النّضر بن الياس، قال: حدّثني عامر بن واثلة قال: خطبنا أمير المؤمنين على منبر الكوفة، وهو اجيرات  مجصّص، فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر اللّه بما  هو أهله وصلى على نبيّه.

ثمّ قال: يا أيّها النّاس، سلوني، فو اللّه  لا تسألوني عن  آية من كتاب اللّه إلّا حدّثتكم عنها، متى  نزلت بليل أو بنهار أو في مقام [أو في سفر]  أم في سهل أم في‏جبل، وفي من نزلت أ في مؤمن أو منافق، وما عني بها، أ خاصّ أم عامّ. ولئن فقدتموني، لا يحدّثكم أحد حديثي.

فقام إليه ابن الكوّاء، فلمّا بصر به قال: متعنّتا لا تسأل تعلّما، هات سل، فإذا سألت فاعقل ما تسأل عنه.

فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ.

فسكت أمير المؤمنين، فأعادها عليه ابن الكوّاء، فسكت، فأعادها الثّالثة .

فقال عليّ- عليه السّلام- ورفع صوته: ويحك يا ابن الكوّاء، أولئك نحن وأتباعنا، يوم القيامة غرّا محجّلين ، روّاء  مرويّين يعرفون بسيماهم.

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: استئناف بما يكون لهم زيادة على جزائهم.

وَ رَضُوا عَنْهُ: لأنّه بلّغهم أقصى أمانيّهم.

ذلِكَ، أي: المذكور من الجزاء والرّضوان.

لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ : فإنّ الخشية ملاك الأمر، والباعث على كلّ خير.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم»

: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، يريد  رضي  أعمالهم.

وَ رَضُوا عَنْهُ رضوا  بثواب اللّه. ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ، يريد: لمن خاف  ربّه وتناهى عن معاصي اللّه.

و في روضة الكافي : أحمد بن محمّد [بن أحمد] ، عن عليّ بن الحسن التّيميّ، عن محمّد بن عبد اللّه، عن زرارة، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول لرجل من الشّيعة: أنتم أهل الرّضاء عن اللّه برضاه عنكم، والملائكة إخوانكم في الخير، فإذا اجتهدتم  ادعوا، وإذا غفلتم اجهدوا، وأنتم خيرالبريّة، دياركم لكم جنّة، وقبوركم لكم جنّة، للجنّة خلقتم، وفي الجنّة نعيمكم، وإلى الجنّة تصيرون. (الحديث)

و في شرح الآيات الباهرة : ولهذا السّورة تأويل ظاهر وباطن، فالظّاهر ظاهر، وأمّا الباطن فهو ما رواه محمّد بن خالد البرقيّ، مرفوعا: عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال في قوله: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ قال: هم مكذّبو الشّيعة، لأنّ الكتاب هو الآيات وأهل الكتاب الشّيعة.

و قوله: وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ، يعني: المرجئة.

حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ قال: يتّضح لهم الحقّ.

و قوله: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ، يعني: محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله-.

يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً، يعني: يدلّ على أولي الأمر من بعده، وهم الأئمّة- عليهم السّلام- وهم الصّحف المطهّرة.

و قوله: فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ، أي: عندهم الحقّ المبين.

و قوله: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، يعني: مكذّبو الشّيعة.

و قوله: إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ، أي: من بعد ما جاءهم الحقّ. وَما أُمِرُوا هؤلاء الأصناف. إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ والإخلاص: الإيمان باللّه ورسوله والأئمّة- عليهم السّلام-.

و قوله: وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ فالصّلاة والزّكاة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ قال: هي فاطمة- عليها السّلام-.

و قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قال: الّذين آمنوا باللّه ورسوله وبأولي الأمر، وأطاعوهم بما أمروهم به، فذلك هو الإيمان والعمل الصّالح.

و قوله: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:

 [اللّه‏]  راض عن المؤمن في الدّنيا والآخرة، والمؤمن وإن كان راضيا عن اللّه فإنّ في قلبه ما فيه لما يرى في هذه الدّنيا من التّمحيص، فإذا عاين الثواب يوم القيامة رضي عن اللّه الحقّ  حقّ الرّضا، وهو قوله: وَرَضُوا عَنْهُ.و قوله: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ، أي: أطاع ربّه .

و قد روى ابن أسباط ، عن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ قال: إنّما هو و ذلك دين القائم.

قال: وقد جاء في تأويل أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أحاديث:

منها : ما رواه محمّد بن العبّاس، عن أحمد بن محمّد الورّاق، عن أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن أبي عبد اللّه، عن مصعب بن سلام، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام-، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في مرضه الّذي قبض فيه لفاطمة: يا بنيّة بأبي أنت وأمّي، أرسلي إلى بعلك فادعيه لي.

فقالت فاطمة للحسن - عليه السّلام-: انطلق إلى أبيك، فقال له: إنّ جدّي يدعوك.

فانطلق إليه الحسن فدعاه، فأقبل أمير المؤمنين- عليه السّلام- حتّى دخل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وفاطمة عنده، وهي تقول: وا كرباه لكربك، يا أبتاه.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لا كرب على أبيك بعد اليوم، يا فاطمة.

إنّ النّبيّ لا يشقّ عليه الجيب، ولا يخمّش عليه الوجه، ولا يدعى عليه بالويل، ولكن قولي، كما قال أبوك على إبراهيم: «تدمع العين وقد يوجع القلب، ولا نقول  ما يسخط الرّبّ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون» ولو عاش إبراهيم، لكان نبيّا.

ثمّ قال: يا عليّ، ادن منّي. فدنا منه، فقال: أدخل أذنك في فمي. ففعل، فقال: يا أخي، ألم تسمع قول اللّه- عزّ وجلّ- في كتابه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ؟

قال: بلى، يا رسول اللّه.

قال: هم أنت وشيعتك، تجيئون  غرّا محجّلين شباعا مرويّين. ألم تسمع قول اللّه في كتابه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا- إلى قوله-: هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ؟قال: بلى، يا رسول اللّه.

قال: هم أعداؤك وشيعتهم. يجيئون يوم القيامة مسودّة وجوههم ظماء مظمّئين أشقياء معذّبين كفّارا منافقين، ذاك لك ولشيعتك، وهذا لعدوّك  وشيعتهم.

و منها : ما رواه: أيضا، عن جعفر بن محمّد الحسنيّ ومحمّد بن أحمد الكاتب قالا: حدّثنا محمّد بن عليّ بن خلف، عن أحمد بن عبد اللّه، عن معاوية، عن عبد اللّه بن أبي رافع، عن أبيه، عن جدّه، أبي  رافع، أنّ عليّا- عليه السّلام- قال لأهل الشورى : أنشدكم باللّه، هل تعلمون يوم أتيتكم وأنتم جلوس مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: هذا أخي قد أتاكم، ثمّ التفت إلى الكعبة وقال: وربّ الكعبة المبنيّة، إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة، ثمّ أقبل عليكم وقال: أما إنّه أوّلكم إيمانا، وأقومكم بأمر اللّه، وأوفاكم بعهد اللّه، وأقضاكم  بحكم اللّه، وأعدلكم في الرّعيّة، وأقومكم وأقسمكم بالسّويّة، وأعظمكم عند اللّه مزيّة، فأنزل اللّه إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ فكبّر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وكبّرتم وهنّأتموني بأجمعكم، فهل تعلمون أنّ ذلك كذلك؟

قالوا: اللّهمّ نعم.

ثمّ قال: ولا شكّ أنّ من نظر بعين البصيرة رأى عين اليقين، أن محمّد وأهل بيته- صلّى اللّه عليه وعليهم أجمعين- هم خير البريّة أجمعين ، وقد قامت بذلك الأدلّة الواضحة والبراهين، ولو لم يكن إلّا هذه الآية الكريمة لكفت فضلا، دع سائر الآيات المنزلة في الكتاب المبين.

هذا مع ما ورد من الأخبار في أنّهم أفضل الخلق ما لا يحصى كثرة، ولنورد الآن منها خبرا فيه كفاية عنها:

و هو ما رواه  الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن بابويه، بإسناد يرفعه إلى أبي ذرّ- رحمه اللّه- قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: افتخر إسرافيل على‏جبرئيل فقال: أنا خير منك.

فقال: ولم أنت خير منّي؟

قال: لأنّي صاحب الثّمانية حملة العرش، وأنا صاحب النّفخة في الصّور، وأنا أقرب الملائكة إلى اللّه.

فقال له جبرئيل: أنا خير منك.

فقال إسرافيل: وبماذا أنت خير منّي؟

قال: لأنّي أمين اللّه على وحيه ورسوله إلى الأنبياء والمرسلين، وأنا صاحب الخسوف والقرون، وما أهلك اللّه أمّة من الأمم إلّا على يدي.

فاختصما إلى اللّه، فأوحى إليهما: اسكتا، فو عزّتي وجلالي، لقد خلقت من هو خير منكما.

قالا: يا ربّ، وتخلق من هو خير منّا ونحن خلقتنا من نور؟

فقال اللّه- تعالى-: نعم. وأوحى اللّه إلى حجب القدرة انكشفي. فانكشفت، فإذا على ساق العرش: لا إله إلّا اللّه، محمّد  وعليّ وفاطمة والحسن والحسين خير خلق اللّه.

فقال جبرئيل: يا ربّ، فأسألك بحقّهم عليك أن تجعلني خادمهم.

فقال اللّه- تعالى-: قد فعلت. فجبرئيل من أهل البيت، وإنّه لخادمنا.