سورة الجاثية

سورة الجاثية مكيّة، [إلّا: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا (الآية) ] .

و هي سبع، أو ستّ وثلاثون آية.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة الجاثية كان ثوابها أن لا يرى النّار أبدا، ولا يسمع زفير جهنّم ولا شهيقها ، وهو مع محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: ومن قرأ سورة الجاثية، ستر  اللَّه عورته ، وسكن روعته عند الحساب.

حم .

قد مرّ بعض  معانيه.

 [و في كتاب معاني الأخبار  بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثوري عن الصادق‏- عليه السّلام- حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: وأمّا «حم» فمعناه: الحميد المجيد] .

تَنْزِيلُ الْكِتابِ إن جعلت «حم» مبتدأ خبره «تنزيل الكتاب» واحتجت إلى إضمار، مثل:

تنزيل حم . وإن جعلته تعديدا للحروف، كان «تنزيل الكتاب» مبتدأ خبره: مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ .

و قيل : «حم» مقسم به، و«تنزيل الكتاب» صفته، وجواب القسم إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ .

و هو يحتمل أن يكون على ظاهره، وأن يكون المعنى: إن في خلق السّموات، لقوله: وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ ولا يحسن عطف «ما يبثّ» على الضّمير المجرور، بل عطفه على المضاف إليه بأحد الاحتمالين، فإنّ بثّه وتنوّعه واستجماعه لما بثه يتمّ معاشه إلى غير ذلك دلائل على وجود الصّانع المختار.

آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ : محمول على محلّ «إنّ» واسمها.

و قرأ  حمزة والكسائيّ ويعقوب، بالنّصب، حملا على الاسم.

وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ: من مطر.

و سمّاه: رزقا، لأنّه سببه.

فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها: يبسها.

وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ: باختلاف جهاتها وأحوالها.

و قرأ  حمزة والكسائي: «و تصريف الرّيح».

آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .

فيه القراءتان . ويلزمهما العطف على عاملين «في» والابتداء أو «إنّ» إلّاأن يضمر «في» أو تنصب «آيات» على الاختصاص، أو ترفع بإضمار «هي» . ولعلّ اختلاف الفواصل الثّلاث لاختلاف الآيات في الدّقّة والظّهور.

تِلْكَ آياتُ اللَّهِ: تلك الآيات دلائله.

نَتْلُوها عَلَيْكَ: حال، عاملها معنى الإشارة.

بِالْحَقِّ: ملتبسين به، أو ملتبسة به.

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ ، أي: بعد آيات اللَّه، وتقديم اسم اللَّه للمبالغة والتّعظيم، كما في قولك:

أعجبني زيد وكرمه.

أو بعد حديث اللَّه، وهو القرآن، كقوله : اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ.

و «آياته» دلائله المتلوة، أو القرآن. والعطف لتغاير الوصفين.

و قرأ  الحجازيّان وحفص وأبو عمرو وروح: «يؤمنون» بالياء، ليوافق ما قبله.

وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ: كذّاب.

أَثِيمٍ : كثير الآثام.

يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى‏ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ: يقيم على كفره.

مُسْتَكْبِراً: عن الإيمان بالآيات.

و «ثمّ» لاستبعاد الإصرار بعد  سماع الآيات، كقوله:

         يرى غمرات الموت ثمّ يزورها

 

 كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها، أي: كأنّه، فخفّفت وحذف ضمير الشّأن. والجملة في موقع الحال، أي: يصرّ مثل غير السّامع.

فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ : على إصراره. والبشارة على الأصل، أو التّهكّم.

وَ إِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً: وإذا بلغه شي‏ء [من آياتنا]  وعلم أنّه منهااتَّخَذَها هُزُواً: لذلك، من غير أن يرى فيها ما يناسب الهزء.

و الضمير «لآياتنا» وفائدته الإشعار بأنّه إذا سمع كلاما وعلم أنه من الآيات بادر إلى الاستهزاء بالآيات كلّها ولم يقتصر على ما سمعه، أو «لشي‏ء» لأنه بمعنى الآية.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وهي النّجوم والشّمس والقمر، وفي الأرض ما يخرج منها من أنواع النّبات للنّاس والدّوابّ .

و قوله: وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، أي: تجي‏ء من كلّ جانب، وربّما كانت حارّة وربّما كانت باردة، ومنها ما تثير السّحاب ومنها ما يبسط  في الأرض ومنها ما يلقّح الشّجر .

و قوله: وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا (الآية)، يعني: إذا رأى، فوضع العلم مكان الرّؤية.

أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ  مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ: من قدّامهم، لأنّهم متوجهون إليها. أو من خلفهم لأنّها بعد آجالهم.

وَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ: ولا يدفع عنهم.

ما كَسَبُوا: من الأموال والأولاد.

شَيْئاً: من عذاب اللَّه.

وَ لا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ، أي: الأصنام.

وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ : لا يحتمّلونه.

هذا هُدىً الإشارة إلى القرآن، ويدلّ عليه قوله وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ .و قرأ  ابن كثير ويعقوب وحفص، برفع «أليم».

و «الرّجز» أشدّ العذاب.

اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ: بأن جعله أملس السّطح يطفو عليه ما يتخلخل، كالأخشاب، ولا يمنع الغوص فيه.

لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ: بتسخيره وأنتم راكبوها .

وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ: بالتّجارة والغوص والصّيد وغيرها.

وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ : هذه النّعم.

وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً: بأن خلقها نافعة لكم.

مِنْهُ: حال من «ما»، أي: سخر هذه الأشياء كائنة منه. أو خبر لمحذوف، أي: هي جميعا منه، أو «لما» في السّموات» و«سخّر لكم» تكرير للتأكيد، أو «لما في الأرض».

و قرئ : «منة» على المفعول له. و«منّة» على أنّه فاعل «سخر» على الإسناد المجازي، أو خبر محذوف.

و في بصائر الدّرجات : إبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن سيف، عن أبيه، عن أبي الصّامت قال: سألته  عن قول اللَّه: وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ.

قال: أجراهم على طاعتهم .

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ : في صنائعه.

قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا حذف المقول لدلالة الجواب عليه، والمعنى: قل لهم اغفروا يغفروا، أي: يعفوا ويصفحوا.و قيل : «يغفروا» تقديره: يا هؤلاء اغفروا، فحذف المنادى، كقوله: ألا يا اسجدوا.

لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ.

قيل : أي: لا يتوقّعون وقائعه بأعدائه، من قولهم «أيّام العرب» لوقائعهم. أولا يأملون الأوقات الّتي وقّتها اللَّه لنصر المؤمنين وثوابهم ووعدهم بها.

و الآية منسوخة بآية القتال.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا أبو القاسم قال: حدّثنا محمّد بن عبّاس قال: حدّثنا عبد اللَّه  بن موسى قال: حدّثني عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسنيّ قال: حدثنا عمر  بن رشيد، عن داود بن كثير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ.

قال: قل للّذين مننا عليهم بمعرفتنا أن يعرّفوا  الّذين لا يعلمون، فإذا عرّفوهم فقد غفروا لهم.

لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ : علة للأمر.

و قيل»

: «القوم» هم المؤمنون أو الكافرون أو كلاهما، فيكون التّنكير للتّعظيم أو التّحقير أو الشّيوع.

و «الكسب» المغفرة، أو الإساءة، أو يعمّهما.

و قرأ  ابن عامر وحمزة والكسائيّ: «لنجزي» بالنّون.

و قرئ : [ «ليجزي قوم»]  و«ليجزي قوما»، أي: ليجزي الخير أو الشّرّ أو الجزاء، أعني: ما يجزى به لا المصدر، فإنّ الإسناد إليه سيّما مع المفعول به ضعيف.

و في شرح الآيات الباهرة : ذكر عليّ بن إبراهيم في تفسيره قال: قوله: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ (الآية)، أي: قل لأئمة العدل: لا تدعو  على أئمة الجور،حتّى يكون اللَّه هو الّذي ينتقم لهم منهم.

و روي : أنّ عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- أراد أن يضرب غلاما له، فقرأ:

قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا (الآية) فوضع السّوط من يده، فبكى الغلام.

فقال له: ما يبكيك؟

قال: وإنّي عندك، يا مولاي، ممّن لا يرجون أيّام اللَّه؟

فقال له: أنت ممّن يرجو أيّام اللَّه؟

قال: نعم، يا مولاي.

فقال: لا أحبّ أن أملك من يرجو أيّام اللَّه، قم فأت قبر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وقل: اللّهمّ، اغفر لعليّ بن الحسين- عليه السّلام- خطيئته يوم الدين، وأنت حرّ لوجه اللَّه.

و روي  عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال: أيّام اللَّه المرجوّة ثلاثة: يوم قيام القائم، ويوم الكرّة، ويوم القيامة.

مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها: إذ لها ثواب العمل، وعليها عقابه.

ثُمَّ إِلى‏ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ : فيجازيكم على أعمالكم.

وَ لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ: التّوراة.

وَ الْحُكْمَ: والحكمة النّظريّة والعمليّة. أو فصل الخصومات.

وَ النُّبُوَّةَ: إذ كثر فيهم الأنبياء ما لم يكثر في غيرهم.

وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ: ممّا أحلّ [اللَّه- تعالى-]  من اللّذائذ.

وَ فَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ : حيث آتيناهم ما لم نؤت غيرهم.

وَ آتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ: أدلّة في أمر الدّين، ويندرج فيها المعجزات.

و قيل : آيات من أمر  النبي- صلّى اللَّه عليه وآله- مبيّنة لصدقه.

فَمَا اخْتَلَفُوا: في ذلك الأمر.إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ: بحقيقة الحال.

بَغْياً بَيْنَهُمْ: عداوة وحسدا.

إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ :

 

بالمؤاخذة والمجازاة.

ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى‏ شَرِيعَةٍ: طريقة.

مِنَ الْأَمْرِ: أمر  الدّين.

فَاتَّبِعْها: فاتّبع شريعتك الثّابتة بالحجج .

وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ : آراء الجهّال التّابعة للشّهوات، وهم رؤساء قريش، قالوا له: ارجع إلى دين آبائك.

إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً: ممّا أراد بك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : [و قال عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه-]  في قوله- تعالى-: ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى‏ شَرِيعَةٍ (الآية): فهذا تأديب لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- والمعنى لأمّته.

وَ إِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ: إذ الجنسيّة علّة الانضمام، فلا توالهم باتّباع أهوائهم.

وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ : فواله بالتّقى واتّباع الشّريعة.

هذا، أي: القرآن، أو اتّباع الشّريعة.

بَصائِرُ لِلنَّاسِ: بيّنات تبصّرهم وجه الفلاح.

وَ هُدىً: من الضّلال.

وَ رَحْمَةٌ: ونعمة من اللَّه.

لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ : يطلبون اليقين.

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ‏

 «أم» منقطعة، ومعنى الهمزة فيها: إنكار الحسبان.

و «الاجتراح» الاكتساب. ومنه، الجارحة.أَنْ نَجْعَلَهُمْ‏

: أن نصيّرهم.

كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏

: مثلهم. وهو ثاني مفعولي «نجعل»، وقوله: سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ‏

 بدل منه إن كان الضّمير للموصول الأوّل، لأنّ المماثلة فيه، إذ المعنى: إنكار أن يكون حياتهم ومماتهم سيين  في البهجة والكرامة، كما هو للمؤمنين، ويدلّ عليه قراءة  حمزة والكسائيّ وحفص: «سواء» بالنّصب على البدل، أو الحال من الضّمير في الكاف، أو المفعوليّة والكاف حال.

و إن كان للثّاني فحال منه، أو استئناف يبيّن المقتضي للإنكار.

و إن كان لهما فبدل، أو حال من الثّاني وضمير الأول، والمعنى: إنكار أن يستووا بعد الممات في الكرامة أو ترك المؤاخذة، كما استووا في الرزق والصّحّة في الحياة، أو استئناف مقرر لتساوي محيا كلّ صنف ومماته في الهدى والضّلال.

و قرئ : «مماتهم» بالنّصب، على أنّ «محياهم» و«مماتهم» ظرفان، كمقدم الحاجّ.

ساءَ ما يَحْكُمُونَ‏

 : ساء حكمهم هذا، أو بئس شيئا حكموا به ذلك.

و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العباس:]  حدّثنا عليّ بن عبيد، عن حسين بن حكم، عن حسن بن الحسين، عن حيّان بن عليّ، عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس في قوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ‏

 (الآية) قال:

الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات بنو هاشم وبنو عبد المطلب، والّذين اجترحوا السّيّئات بنو عبد شمس.

و قال- أيضا- : حدّثنا  عبد العزيز بن يحيى، عن محمّد بن زكريّاء، عن أيّوب بن سليمان، عن محمّد بن مروان، عن الكلبيّ ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس في‏قوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ‏

 (الآية) قال: إنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث [هم الّذين آمنوا] ، وفي ثلاثة من المشركين: عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبه، وهم الّذين اجترحوا السّيئات.

وَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، كأنّه دليل على الحكم السّابق، من حيث أنّ خلق ذلك بالحقّ المقتضي للعدل يستدعي انتصار المظلوم من الظّالم، والتفاوت بين المسي‏ء والمحسن، وإذا لم يكن في المحيا كان بعد الممات.

وَ لِتُجْزى‏ كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ: عطف على «بالحقّ» لأنّه في معنى العلّة، أو علة محذوفة، مثل: ليدلّ بها على قدرته، أو ليعدل ولتجزى.

وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ : بنقص ثواب، أو بتضعيف عقاب.

أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ: ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة الهوى، فكأنّه يعبده.

و قرئ : «آلهته» هواه، لأنّه كان أحدهم يستحسن حجرا فيعبده، فإذا رأى أحسن منه رفضه إليه [و خلّاه ويختاره‏] .

وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ: وخذله .

عَلى‏ عِلْمٍ: منه باستحقاقه لذلك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ قال: نزلت في قريش، كلّما هووا شيئا عبدوه. وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ، أي: عذّبه على علم منه فيما ارتكبوا من  أمير المؤمنين- عليه السّلام-. وجرى ذلك بعد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فيما فعلوه بعده بأهوائهم وآرائهم وأزالوهم، وأمالوا الخلافة والإمامة عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- بعد أخذ الميثاق عليهم مرّتين [لأمير المؤمنين- عليه السّلام-] .

وَ خَتَمَ عَلى‏ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ: فلا يبالي بالمواعظ، ولا يتفكّر في الآيات.وَ جَعَلَ عَلى‏ بَصَرِهِ غِشاوَةً: فلا ينظر بعين الاستبصار والاعتبار.

و قرأ  حمزة والكسائيّ: «غشوة».

فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ: من بعد إضلاله وخذلانه أَ فَلا تَذَكَّرُونَ .

و قرئ : «تتذكرون».

وَ قالُوا ما هِيَ: ما الحياة، أو الحال.

إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا: الّتي نحن فيها.

نَمُوتُ وَنَحْيا، أي: نكون أمواتا نطفا وما قبلها ونحيا بعد ذلك. أو نموت بأنفسنا ونحيا ببقاء أولادنا. أو يموت بعض ويحيى بعض. أو يصيبنا الموت أو الحياة فيها، وليس وراء ذلك حياة.

قيل : ويحتمل أنّهم أرادوا به: التّناسخ، فإنّه عقيدة أكثر عبدة الأوثان.

وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ: إلّا مرور الزّمان، وهو في الأصل: مدة بقاء العالم، من دهره: إذا غلبه.

وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ، يعني: نسبة الحوادث إلى حركات الأفلاك وما يتعلّق بها على الاستقلال، أو إنكار البعث، أو كليهما.

إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ : إذ لا دليل لهم عليه، وإنما قالوه بناء على التّقليد والإنكار لما لم يحسّوا به.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  وقوله- تعالى-: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ نزلت في قريش، وجرت بعد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في أصحابه الّذين غصبوا حقّ  أمير المؤمنين- عليه السّلام- واتّخذوا إماما بأهوائهم، والدليل على ذلك قوله : وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ قال: من زعم أنّه إمام وليس بإمام، فمن اتّخذ إماما ففضّله على عليّ- عليه السّلام-.

ثمّ عطف على الدّهريّة الّذين قالوا: لا نحيا بعد الموت، فقال:وَ قالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا. وهذا مقدّم ومؤخر، لأنّ الدّهرية لم يقرّوا بالبعث والنشور بعد الموت، وإنّما قالوا: نحيا ونموت وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ- إلى قوله-: يَظُنُّونَ فهذا ظنّ شكّ. ونزلت هذه الآية في الدّهريّة، وجرت في الّذين فعلوا ما فعلوا بعد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بأمير المؤمنين- عليه السّلام- وأهل بيته- عليهم السّلام-، وإنّما كان إيمانهم إقرارا بلا تصديق خوفا من السّيف ورغبة في المال.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت له:

أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب اللَّه.

قال: الكفر في كتاب اللَّه على خمسة أوجه: فمنها كفر الجحود، والجحود على وجهين: فالكفر بترك ما أمر اللَّه، وكفر البراءة وكفر النّعم، فأمّا كفر الجحود فهو الجحود بالرّبوبيّة، وهو قول من يقول: لا ربّ ولا جنّة ولا نار، وهو قول صنفين من الزّنادقة يقال لهم: الدّهرية، وهم الّذين يقولون: وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وهو دين  وضعفوه  لأنفسهم بالاستحسان منهم على غير تثبّت منهم ولا تحقيق لشي‏ء ممّا يقولون، قال اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ إنّ ذلك كما يقولون.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في نهج البلاغة : فانظر إلى الشّمس والقمر والنّبات والشّجر والماء والحجر، واختلاف هذا اللّيل والنّهار، وتفجّر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال، وتفرّق هذه اللّغات والألسن المختلفات، فالويل لمن جحد المقدّر وأنكر المدبّر، زعموا أنّهم كالنّبات ما لهم زارع ولا لاختلاف صورهم صانع، ولم يلجئوا إلى حجّة فيما ادّعوا ولا تحقيق لما ادّعوا ، وهل يكون بناء من غير بان أو جناية من غير جان!

و في مجمع البيان : وقد روي في الحديث عن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال: لا تسبّوا الدّهر، [فإن اللَّه هو الدّهر] .و تأويله: أنّ أهل  الجاهليّة كانوا ينسبون الحوادث المجحفة والبلايا النّازلة إلى الدهر، فيقولون: فعل الدّهر كذا. وكانوا يسبّون الدّهر، فقال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ فاعل هذه الأمور هو اللَّه، فلا تسبّوا فاعلها.

و قيل: معناه: فإنّ اللَّه مصرّف الدّهر ومدبّره.

و الوجه الأوّل أحسن، فإنّ كلامهم مملوء من ذلك ينسبون أفعال اللَّه إلى الدّهر.

قال الأصمعيّ: ذمّ أعرابيّ رجلا فقال: هو أكثر ذنوبا من الدّهر.

و قال كثير:

         وكنت كذي رجلين رجل صحيحة             ورجل رمى فيها الزّمان فشلّت‏

 وَإِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ: واضحات الدّلالة على ما يخالف معتقدهم، أو مبيّنات له.

ما كانَ حُجَّتَهُمْ: ما كان لهم متشبّث يعارضونها به إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ .

و إنّما سمّاه: حجّة، على حسبانهم ومساقهم، أو على أسلوب قولهم:

         تحيّة بينهم ضرب وجيع‏

 

 فإنّه لا يلزم من عدم حصول الشي‏ء حالا امتناعه مطلقا.

قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ: على ما دلّ عليه الحجج.

ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ: فإنّ من قدر على الإبداء قدر على الإعادة، والحكمة  اقتضت أن يعادوا يوم الجمع للجزاء.

وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ : لقلّة تفكرهم، وقصور نظرهم على ما يحسّونه .

وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: تعميم للقدرة بعد تخصيصها.

وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ، أي: ويخسر يوم تقوم. و«يومئذ» بدل منه.وَ تَرى‏ كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً: مجتمعة، من الجثوة، وهي الجماعة. أو باركة مستوفزة على الرّكب.

و قرئ : «جاذية»، أي: جالسة على أطراف الأصابع، لاستيفازهم.

كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى‏ إِلى‏ كِتابِهَا: صحيفة أعمالها.

و قرأ  يعقوب: «كلّ» على أنّه بدل من الأوّل، و«تدعى» صفته، أو مفعول ثان.

الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : محمول على القول.

هذا كِتابُنا: أضاف صحائف أعمالهم إلى نفسه، لأنّه أمر الكتبة أن يكتبوا فيها أعمالهم.

يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ: يشهد عليكم بما عملتم، بلا زيادة ونقصان.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَتَرى‏ كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً، [أي: على ركبها]  كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى‏ إِلى‏ كِتابِهَا قال: إلى ما يجب عليهم من أعمالهم.

ثم قال: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ الآيتان محكمتان.

حدّثنا  محمّد بن همّام قال: حدثنا جعفر بن محمّد الفزاريّ، عن الحسن بن عليّ اللؤلؤيّ، عن الحسن بن أيّوب، عن سليمان بن صالح، عن رجل، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ.

قال له: إنّ الكتاب لم ينطق ولا ينطق ، ولكن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- هو النّاطق بالكتاب، قال اللَّه: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ  عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ.

فقلت: إنّا لا نقرأها هكذا.

فقال: هكذا، واللَّه، نزل بها جبرئيل على محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- ولكنّه ممّا حرّف من كتاب اللَّه.

و في روضة الكافي : سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان الديلميّ المصريّ، عن‏أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت له: قول اللَّه: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ.- وذكر مثل ما نقلنا  عن تفسير عليّ بن إبراهيم سواء.

و في نهج البلاغة : وهذا القرآن إنّما هو خطّ مستور بين الدّفّتين، لا ينطق بلسان، ولا بدّ له من ترجمان، وإنّما ينطق عنه الرّجال.

و في أصول الكافي ، بإسناده: عن الباقر- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: أنّ إلياس قال له: هاهنا، يا ابن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- باب غامض، أ رأيت [إن‏]  قالوا: حجّة اللَّه القرآن.

قال: إذا أقول لهم: إنّ القرآن ليس بناطق يأمر وينهى، ولكنّ للقرآن أهل يأمرون به  وينهون.

و في إرشاد المفيد - رحمه اللَّه-: عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال في أثناء كلام طويل: وأمّا القرآن إنّما هو خطّ مستور بين دفّتين لا ينطق، وإنّما تتكلّم به الرّجال.

و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس‏] : حدّثنا أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمّد السّيّاريّ، عن محمّد بن خالد البرقيّ، عن محمّد بن سليمان، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: قوله- تعالى-: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ.

قال: إنّ الكتاب لا ينطق، ولكن محمّد وأهل بيته- عليهم السّلام- هم النّاطقون بالكتاب، وهذا على سبيل المجاز تسمية المفعول باسم الفاعل، إذ جعل الكتاب هو النّاطق والنّاطق غيره.

إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ: نستكتب الملائكة.

ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : أعمالكم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرّحيم القصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن ن وَالْقَلَمِ.

قال: إنّ اللَّه خلق القلم من شجرة في الجنّة يقال لها: الخلد، ثمّ قال لنهر في الجنّة: كن مدادا. فجمد النّهر، وكان أشدّ بياضا من الثّلج وأحلى من الشّهد، ثمّ قال للقلم: اكتب.

قال: يا ربّ، ما أكتب؟

قال: اكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة.

فكتب القلم في رقّ  أشدّ بياضا من الفضّة وأصفى من الياقوت، ثمّ طواه فجعله في ركن العرش، ثمّ ختم على فم القلم فلم ينطق بعد ولا ينطق أبدا، فهو الكتاب المكنون الّذي منه النّسخ كلّها، [أو لستم عربا؟ فكيف لا تعرفون معنى الكلام وأحدكم يقول لصاحبه: انسخ ذلك الكتاب‏] . أو ليس إنما ينسخ من كتاب أخذ  من الأصل؟ وهو قوله: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

و في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس، بعد أن ذكر الملكين الموكّلين بالعبد:

و في رواية أنّهما إذا أرادا النّزول صباحا ومساء ينسخ لهما إسرافيل عمل العبد من اللّوح المحفوظ فيعطيهما ذلك، فإذا صعدا صباحا ومساء بديوان العبد قابله إسرافيل بالنّسخة  الّتي انتسخ  لهما، حتّى يظهر أنّه كان كما نسخ منه.

و في بصائر الدّرجات : أحمد بن محمّد ويعقوب بن يزيد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد الحلبيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ الأعمال تعرض على اللَّه  في كلّ خميس، فإذا كان الهلال أجملت ، فإذا كان النّصف من شعبان عرضت على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وعلى عليّ- عليه السّلام- ثمّ تنسخ  في الذّكر الحكيم.

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الحسين بن بشّار: عن أبي الحسن عليّ بن‏موسى الرّضا- عليه السّلام- قال: سألته: أ يعلم اللَّه الشي‏ء  الّذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟

فقال: إنّ اللَّه هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء، قال- تعالى-: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وقال لأهل النّار : وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. فقد علم- تعالى- أنّه لو ردّهم لعادوا لما نهوا عنه، وقال للملائكة لمّا قالت:

أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ [وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ‏]  قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ . فلم يزل اللَّه علمه سابق للأشياء قديما  قبل أن يخلقها، فتبارك اللَّه ربّنا علوّا كبيرا، خلق الأشياء وعلمه سابق لها كما شاء، كذلك ربّنا لم يزل عالما سميعا بصيرا.

و في كتاب التّوحيد ، مثله سواء.

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ:

الّتي من جملتها الجنّة.

ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ : الظّاهر، لخلوصه عن الشّوائب.

وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَ فَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى‏ عَلَيْكُمْ، أي: فيقال لهم: أ لم يأتكم رسلي، فلم تكن آياتي تتلى عليكم؟ فحذف القول والمعطوف عليه اكتفاء بالمقصود، واستغناء بالقرينة.

فَاسْتَكْبَرْتُمْ: عن الإيمان بها.

وَ كُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ : قوما عادتهم الإجرام.

وَ إِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ: يحتمل الموعود به والمصدر.

حَقٌّ: كائن هو. أو متعلّقه لا محال.

وَ السَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها: إفراد للمقصود.

و قرأ  حمزة، بالنّصب، عطفا على اسم «إنّ».قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ: أيّ: شي‏ء السّاعة، استغرابا لها.

إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا:

أصله: نظنّ ظنّا. فادخل حرف النّفي والاستثناء لإثبات الظّنّ ونفي ما عداه، كأنّه قال: ما نحن إلّا نظن ظنّا. أو لنفي ظنّهم فيما سوى ذلك مبالغة، ثمّ أكّده بقوله:

وَ ما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ، أي: لإمكانه.

و لعلّ ذلك قول بعضهم، تحيّروا بين ما سمعوا من آبائهم وما تليت عليهم من الآيات في أمر السّاعة.

وَ بَدا لَهُمْ: وظهر لهم سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا: على ما كانت عليه، بأن عرفوا قبحها وعاينوا وخامة  عاقبتها. أو جزاؤها.

وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ : وهو الجزاء.

وَ قِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ: نترككم في العذاب ترك المنسيّ.

كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا: كما تركتم عدته ولم تبالوا به.

و إضافة «اللّقاء» إلى «اليوم» إضافة المصدر إلى ظرفه.

وَ مَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ : يخلّصونكم منها.

ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً: استهزأتم بها، ولم تتفكّروا فيها.

وَ غَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا: فحسبتم أن لا حياة سواها.

فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها.

و قرأ  حمزة والكسائيّ، بفتح الياء وضمّ الرّاء.

وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ : لا يطلب منهم أن يعتبوا ربّهم، أي: يرضوه، لفوات أوانه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وهم الأئمة، أي: كذّبتموهم واستهزأتم بهم. فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها [، يعني: من‏النار]  وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ، أي: لا يجاوبون ولا يقبلهم  [اللَّه‏] .

فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ : إذ الكلّ نعمة منه، دالّ على كمال قدرته.

وَ لَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: إذ ظهر فيهما آثارها.

و في مجمع البيان : و

في الحديث: يقول اللَّه- سبحانه-: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدة منهما، ألقيته في نار جهنّم.

وَ هُوَ الْعَزِيزُ: الّذي لا يغلب.

الْحَكِيمُ : [في ما قدّر وقضى، فاحمدوه وكبروه وأطيعوا له‏] .