(سورة المؤمن (غافر

قيل : إلّا آيتين منها نزلت بالمدينة: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ- إلى قوله: لا يَعْلَمُونَ .

و قيل : إلّا قوله: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ .

و آياتها خمس، أو اثنتان وثمانون.

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من قرأ حم المؤمن في كلّ ليلة غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وألزمه كلمة التّقوى، وجعل الآخرة خيرا له من الدّنيا.

و بإسناده : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الحواميم رياحين القرآن، فإذا قرأتموها فاحمدوا اللّه واشكروه كثيرا لحفظها وتلاوتها. إنّ العبد ليقوم ويقرأ الحواميم فيخرج من فيه أطيب من المسك الأذفر والعنبر، وأنّ اللّه- عزّ وجلّ- ليرحم تاليها وقارئها، ويرحم جيرانه وأصدقائه ومعارفه وكلّ حميم وقريب له، وأنّه في يوم القيامةيستغفر له العرش والكرسيّ وملائكة اللّه المقرّبون.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ومن قرأ سورة حم المؤمن لم يبق روح نبيّ ولا صدّيق ولا مؤمن إلّا صلّوا عليه واستغفروا له.

و روى  أبو برزة  الأسلميّ، عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من أحبّ أن يرتع في رياض الجنّة فليقرأ الحواميم في صلاة اللّيل.

أنس بن مالك ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: الحواميم تاج  القرآن.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: الحسن، عن سيف بن عميرة، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ الحواميم في ليله قبل أن ينام كان في درجة محمّد وآل محمّد وإبراهيم وآل إبراهيم- صلوات اللّه عليهما- وكلّ قريب له أو بسبيل إليه.

ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: الحواميم تأتي يوم القيامة أنثى من أحسن النّاس وجها وأطيبها، معها ألف ألف ملك، مع كلّ ملك ألف ألف ملك حتّى تقف بين يدي اللّه.

فيقول لها الرّبّ: من الّذي يقرؤك فيقضي قراءتك؟ فيقوم طائفة من النّاس لا يحصيهم إلّا اللّه، فيقول لهم: لعمري، لقد أحسنتم تلاوة الحواميم وقمتم بها في حياتكم الدّنيا، وعزّتي وجلالي، لا تسألوني اليوم شيئا كائنا ما كان إلّا أعطيتكم، ولو سألتموني جميع جناني أو جميع ما أعطيته عبادي الصّالحين وأعددته لهم. فيسألونه جميع ما أرادوا وتمنّوا، فيعطيهم جميع  ما أرادوا وتمنّوا، ثمّ يؤمر بهم إلى منازلهم في الجنّة، وقد أعدّ لهم فيها ما لم يخطر على بال ممّا لا عين رأت ولا أذن سمعت.

حم :

أماله  ابن عامر وحمزة والكسائيّ وأبو بكر صريحا، ونافع برواية ورش وأبو عمرو بين بين.و قرئ ، بفتح الميم، على التّحريك لالتقاء السّاكنين، أو النّصب بإضمار «اقرأ».

و منع صرفه للتّأنيث والتعريف، أو لأنّها على زنة أعجمي كقابيل وهابيل.

و قد مرّ تفسيره .

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ: عن الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: أمّا حم فمعناه: الحميد المجيد.

تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ .

لعلّ تخصيص الوصفين لما في القرآن من الإعجاز والحكم الدّالّ على القدرة الكاملة والحكمة البالغة.

غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ:

 [في تفسير عليّ بن ابراهيم : ذلك خاصّة لشيعة أمير المؤمنين- عليه السّلام.]

شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ قيل : هذه صفات أخر لتحقيق ما فيه من التّرغيب والتّرهيب والحثّ على ما هو المقصود منه، والإضافة حقيقة على أنّه لم يرد بها زمان مخصوص.

و أريد «بشديد العقاب» مشدّده، أو الشّديد عقابه ، فحذف الضّمير للازدواج  وأمن الالتباس أو إبدال، وجعله وحده بدلا مشوّش للنّظم.

و توسيط الواو بين الأوّلين لإفادة الجمع بين محو الذّنوب وقبول التّوبة، أو تغاير الوصفين إذ ربّما يتوهّم الاتّحاد.

و «التّوب» مصدر كالتّوبة، وقيل: جمعها. و«الطّول» الفضل.

و في توحيد صفة العذاب مغمورة بصفات الرّحمة دليل رجحانها.لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: فيجب الإقبال الكلّيّ  على عبادته. إِلَيْهِ الْمَصِيرُ :

فيجازي المطيع والعاصي.

ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا:

لمّا حقّق أمر التّنزيل سجّل بالكفر على المجادلين فيه بالطّعن وإدحاض الحقّ، لقوله - تعالى-: وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ أي: لا يخاصم في دفع حجج اللّه وإنكارها إلّا الّذين كفروا.

فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ : فلا يغررك إمهالم وإقبالهم في دنياهم وتقلّبهم في بلاد الشّام واليمن بالتّجارات المربحة، فإنّهم يؤخذون عمّا قريب بكفرهم أخذ من قبلهم كما قال: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ: والّذين تحزّبوا على الرّسل وناصبوهم بعد قوم نوح كعاد وثمود.

في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن سمرة  قال:

 

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لعن المجادلون في دين اللّه على لسان سبعين نبيّا، ومن جادل في آيات اللّه فقد كفر، قال اللّه- عزّ وجلّ-: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ: من هؤلاء بِرَسُولِهِمْ.

و قرئ : «برسولها».

لِيَأْخُذُوهُ: ليتمكّنوا من إصابته بما أرادوا من تعذيب.

و قيل : من الأخذ، بمعنى: الأسر.

وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ: بما لا حقيقة له.

لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ: ليزيلوه به.

فَأَخَذْتُهُمْ: بالإهلاك جزاء لهم فَكَيْفَ كانَ عِقابِ  فإنّكم تمرّون على ديارهم وترون أثره، وهو تقرير فيه تعجيب.

وَ كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ: وعيده ، أو قضاؤه بالعدل عَلَى الَّذِينَ‏

كَفَرُوا للكفر.

أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ : بدل من كلمة «ربّك» بدل الكلّ، أو الاشتمال، على إرادة اللّفظ أو المعنى.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الحميريّ، [عن أبيه‏]  عن محمّد بن الحسين ومحمّد بن عبد الجبّار، جميعا، عن محمّد بن سنان، عن المنحل  بن خليل البرقيّ ، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ يعني: بني أميّة.

ثمّ أخبر- سبحانه- عن حال المؤمنين وأنّه تستغفر لهم الملائكة مع عظم منزلتهم عند اللّه، فقال: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ أي: الحاملين له امتثالا لأمر اللّه.

وَ مَنْ حَوْلَهُ أي: المطيّفين بالعرش، وهم الكروبيّون وسادة الملائكة.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثني جعفر بن محمّد الفزاريّ  قال:

 

حدّثني أحمد بن الحسين بن  محمّد بن حاتم، عن هارون بن الجهم، عن محمّد بن مسلم قال:

 

سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: قول اللّه- تعالى-: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يعني: محمّدا وعليّا والحسن والحسين وإبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى- صلوات اللّه عليهم.

يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ: يذكرون اللّه بمجامع الثّناء من صفات الجلال والإكرام، وجعل التّسبيح أصلا والحمد حالا لأنّ الحمد مقتضى حالهم دون التّسبيح أي: ينزّهونه عمّا يصفه هؤلاء المجادلون.

وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ:

أخبر عنهم بالإيمان، إظهارا لفضله [و تعظيما لأهله‏]  ومساق الآية لذلك كما صرّح به بقوله : وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، و إشعارا بأنّ حملة العرش وسكّان الفرش  في‏معرفته سواء ، ردّا على المجسّمة.

و «استغفارهم» شفاعتهم، وحملهم على التّوبة، وإلهامهم ما يوجب المغفرة.

و فيه تنبيه على أنّ المشاركة في الإيمان توجب النّصح والشّفقة، وإن تخالفت الأجناس، لأنّها أقوى المناسبات كما قال - تعالى-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال لأبي بصير: يا أبا محمّد، إنّ للّه ملائكة يسقطون الذّنوب عن ظهور شيعتنا كما يسقط الرّيح الورق في أوان سقوطه، وذلك قوله- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا. استغفارهم، واللّه، لكم دون هذا الخلق.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن أحمد ، عن عبد اللّه بن الصّلت، عن يونس، عمّن ذكره، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا أبا محمّد، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- له ملائكة  يسقطون الذّنوب عن ظهور شيعتنا كما تسقط الرّيح الورق من الشّجر أوان سقوطه، وذلك قوله- عزّ وجلّ-: يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا.

و اللّه، ما أراد غيركم.

و في عيون الأخبار ، بإسناده: عن الرّضا- عليه السّلام- [عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-]  حديث طويل، وفيه يقول- صلّى اللّه عليه وآله-: وإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا، يا عليّ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا. بولايتنا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود

 المنقريّ، عن حمّاد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه سئل: الملائكة أكثر أم بنو آدم؟

فقال: والّذي نفسي بيده، [لعدد]  ملائكة اللّه في السّموات أكثر من عدد التّراب في الأرض، وما في السّماء موضع قدم إلّا وفيه  ملك يسبّحه ويقدّسه، ولا في الأرض شجرة ولا مدر إلّا وفيها ملك موكّل بها يأتي اللّه كلّ يوم بعملها، واللّه أعلم بها، وما منهم أحد إلّا ويتقرّب كلّ يوم إلى اللّه بولايتنا أهل البيت، ويستغفر لمحبّينا، ويلعن أعداءنا، ويسأل اللّه- عزّ وجلّ- أن يرسل عليهم العذاب إرسالا.

و في الحديث السّابق المنقول عن تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بقوله: بني أميّة.

و قوله: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ يعني: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- والأوصياء من بعده يحملون علم اللّه. وَمَنْ حَوْلَهُ يعني: الملائكة. يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا يعني: شيعة آل محمّد.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن عبيد قال:

 

حدّثنا الحسن  بن جعفر قال: حدّثنا الحسين [بن جعفر]  قال: حدّثنا [الحسين الشوا قال: حدّثنا]  محمّد يعني: ابن  عبد اللّه الحنظليّ قال: حدّثنا وكيع قال: حدّثنا سليمان الأعمش قال: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- جعفر بن محمّد وقلت له: جعلت فداك، إنّ النّاس يسمّونا: روافض، فما الرّوافض؟

فقال: واللّه، ما هم سمّوكموه، ولكنّ اللّه سمّاكم به في التّوراة والإنجيل على لسان موسى ولسان  عيسى، وذلك أنّ سبعين رجلا من قوم فرعون رفضوا دين  فرعون فدخلوا في دين موسى، فسمّاهم اللّه- تعالى- الرّافضة، وأوحى إلى موسى: أن أثبت لهم [هذا الاسم‏]  في التّوراة حتّى يملكونه على لسان محمّد، ففرّقهم اللّه فرقا كثيرة وتشعّبوا شعبا كثيرة، فرفضوا الخير فرفضتم الشّرّ واستقمتم  مع أهل بيت نبيّكم- عليهم السّلام- فذهبتم حيث ذهب نبيّكم واخترتم من اختار اللّه ورسوله، فأبشروا ثمّ‏أبشروا، فأنتم المرحومون، المتقبّل من محسنهم والمتجاوز عن مسيئهم. ومن لم يلق اللّه بمثل ما لقيتم، لم تقبل حسنة ولم يتجاوز عن سيّئة. يا سليمان، هل سررتك؟

فقلت: زدني، جعلت فداك.

فقال: إنّ للّه- عزّ وجلّ- ملائكة يستغفرون لكم حتّى تتساقط ذنوبكم كما يتساقط ورق الشّجر في يوم الرّيح، وذلك قول اللّه- تعالى-: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هم شيعتنا وهي ، واللّه، لهم. يا سليمان، هل سررتك؟

فقلت: جعلت فداك، زدني. قال- عليه السّلام- ما هي على ملّة إبراهيم إلّا نحن وشيعتنا، وسائر النّاس منها برآء.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا [أحمد بن محمّد]  بن سعيد، بإسناد يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة قال: إنّ عليّا- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنزل عليه فضلي من السّماء، وهي هذه الآية الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا. وما في الأرض يومئذ مؤمن غير رسول اللّه وأنا، وهو قوله- عليه السّلام-: لقد استغفرت لي الملائكة قبل جميع النّاس من أمّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- بسبع  سنين وثمانية أشهر.

رَبَّنا أي: يقولون: ربّنا. وهو بيان «ليستغفرون»، أو حال.

وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً أي: وسعت رحمتك وعلمك. فأزيل عن أصله للإغراق في وصفه بالرّحمة والعلم. والمبالغة في عمومهما . وتقديم «الرّحمة» لأنّها المقصودة بالذّات هاهنا.فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ: للّذين علمت منهم التّوبة واتّباع سبيل الحقّ.

وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ : واحفظهم عنه. وهو تصريح بعد إشعار للتّأكيد والدّلالة على شدّة العذاب.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر  بن أذينة، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إذا صلّيت على المؤمن فادع له واجتهد له في الدّعاء، وإن كان واقفا مستضعفا فكبّر وقل: اللّهمّ، اغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن رجل، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: تقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. اللّهمّ، صلّ على محمّد عبدك ورسولك. اللّهمّ، صل على محمّد وآل محمّد، وتقبّل شفاعته وبيّض وجهه وأكثر تبعه. اللّهمّ، اغفر لي وارحمني وتب عليّ. اللّهمّ، اغفر للّذين [تابوا و]  اتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. فإن كان مؤمنا دخل فيها، وإن كان ليس بمؤمن خرج منها.

رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ: إيّاها. وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ عطف على «هم» الأوّل، أي: أدخلهم ومعهم هؤلاء ليتمّ سرورهم. أو الثّاني، لبيان عموم الوعد.

و قرئ : «جنّة عدن»، و«صلح» بالضّمّ، و«ذرّيّتهم» بالتّوحيد.

إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ: الّتي لا يمتنع عليه مقدور.

الْحَكِيمُ : الّذي لا يفعل إلّا ما تقتضيه حكمته، ومن ذلك الوفاء بالوعد.

وَ قِهِمُ السَّيِّئاتِ: العقوبات، أو جزاء السّيّئات.

و هو تعميم بعد تخصيص. أو مخصوص بمن صلح. أو المعاصي في الدّنيا لقوله: وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ، أي: ومن تقها في الدّنيا فقد رحمته في الآخرة، كأنّهم‏طلبوا السّبب بعد ما سألوا المسبّب.

وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، يعني: الرّحمة، أو الوقاية، أو مجموعهما.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا من ولاية فلان وفلان وبني أميّة وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ، أي: ولاية [عليّ‏]  وليّ اللّه.

وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ- إلى قوله: الْحَكِيمُ، يعني: من تولّى عليّا- عليه السّلام- فذلك صلاحهم. وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ، يعني: يوم القيامة.

وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لمن نجّاه اللّه من هؤلاء، يعني: فلان وفلان .

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، رفعه، قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أعطى التّائبين ثلاث خصال، لو أعطى خصلة منها جميع أهل السّموات والأرض لنجوا بها، قوله: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ، رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: الصّلاة على المستضعف والّذي لا يعرف الصّلاة على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- والدّعاء للمؤمنين والمؤمنات، تقول:

ربنا اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم (إلى آخر الآيتين).

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه بن أسد، بإسناده يرفعه إلى أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال عليّ- عليه السّلام-: لقد مكثت  الملائكة (سبع) سنين وأشهرا لا يستغفرون إلّالرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ولي، وفينا نزلت هذه الآية: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ، رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

فقال قوم المنافقين: من أبو عليّ وذريّته الّذي أنزلت فيه هذه الآية؟

فقال: عليّ- عليه السّلام- سبحان اللّه، أما من آبائنا إبراهيم وإسماعيل، (أليس)  هؤلاء آباءنا؟

و قال- أيضا : حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن محمّد بن عليّ، عن حسين الأشقر، عن عليّ بن هاشم، عن محمّد بن عبيد اللّه، عن أبي رافع، عن أبي أيّوب، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن، عن أبيه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لقد صلّت الملائكة (عليّ و)  على عليّ سنين ، لأنّا كنّا نصلّي وليس معنا أحد غيرنا.

و قال- أيضا : حدّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن أبي بصير قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا أبا محمّد، إنّ للّه ملائكة تسقط الذّنوب عن ظهر شيعتنا، كما تسقط الرّيح الورق [من الشجر]  أوان سقوطه، وذلك قوله- عزّ وجلّ-: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا. واستغفارهم، واللّه، لكم دون هذا الخلق. يا أبا محمّد، فهل سررتك؟

قال: فقلت: نعم.

و في حديث آخر ، بالإسناد المذكور: وذلك قوله- عزّ وجلّ-: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا- إلى قوله- عز وجل-: عَذابَ الْجَحِيمِ. فسبيل اللّه عليّ- عليه السّلام. والذين آمنوا أنتم، ما أراد غيركم.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ: يوم القيامة، فيقال لهم: لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ‏مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ، أي: لمقت اللّه إيّاكم أكبر من مقتكم أنفسكم الأمّارة بالسّوء.

إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ : ظرف لفعل دلّ عليه المقت الأوّل لا له لأنّه أخبر عنه، ولا للثّاني لأنّ مقتهم أنفسهم يوم القيامة حين عاينوا جزاء أعمالهم الخبيثة، إلّا أن يؤوّل بنحو: «بالصّيف ضيّعت اللّبن »، أو تعليل للحكم وزمان المقتين واحد.

و في شرح الآيات الباهرة : روي [عن‏]  عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد قال:

 

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: قول  اللّه- عزّ وجلّ-: وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ، يعني: بني أميّة، هم الّذين كفروا وهم أصحاب النّار.

ثمّ قال: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ، يعني: الرّسول والأوصياء من بعده- عليهم السّلام- يحملون علم اللّه- عزّ وجلّ.

ثمّ قال: وَمَنْ حَوْلَهُ، يعني: الملائكة يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ... وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا وهم شيعة آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- يقولون: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا من ولاية هؤلاء وبني أميّة وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وهو  أمير المؤمنين- عليه السّلام- وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ، رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [يعني: من تولّى عليّا- عليه السّلام- فذلك صلاحهم المذكور بقوله: وَمَنْ صَلَحَ‏]  وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ والسَّيِّئاتِ بنو أميّة وغيرهم وشيعتهم.

ثمّ قال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، يعني: بنو بني أميّة يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ [فَتَكْفُرُونَ.ثمّ قال: ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ بولاية عليّ- عليه السّلام- وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ، يعني: بعليّ تُؤْمِنُوا، أي: إذا ذكر إمام غيره تؤمنوا  فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال- جلّ ذكره-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، يعني:

بني أميّة يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ،]  يعني:

ولاية عليّ- صلوات اللّه عليه.

قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ: إماتتين.

 [قيل : بأن‏]  خلقتنا أمواتا [أوّلا، ثمّ صيّرتنا أمواتا]  عند انقضاء آجالنا. فإنّ الإماتة جعل الشّي‏ء عادم الحياة ابتداء، أو بتصيير، كالتّصغير والتّكبير، ولذلك قيل:

سبحان من صغّر البعوضة وكبّر الفيل. وإن خصّ بالتّصيير ، فاختيار الفاعل [المختار]  أحد مقدوريه  تصيير وصرف له عن الآخر.

وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ، الإحياءة الأولى وإحياءة البعث.

و قيل : الإماتة الأولى عند انخرام الأجل، والثّانية في القبر بعد الإحياء للسّؤال.

و الإحياء ان ما في القبر والبعث، إذ المقصود اعترافهم بعد المعاينة بما غفلوا عنه ولم يكترثوا به، ولذلك تسبّب بقوله: «فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا»: فإنّ اقترافهم لها من اغترارهم بالدّنيا وإنكارهم للبعث.

فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ: نوع خروج من النّار.

مِنْ سَبِيلٍ : طريق فنسلكه وذلك إنّما يقولونه من فرط قنوطهم، تعلّلا وتحيّرا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم في قوله- عزّ وجلّ-: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ- إلى قوله: مِنْ سَبِيلٍ: قال الصّادق- عليه السّلام-:

ذلك في الرّجعة.

ذلِكُمْ: الّذي أنتم فيه.

بِأَنَّهُ: بسبب أنّه.

إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ: متّحدا. أو توحّد وحده، فحذف الفعل وأقيم مقامه في الحاليّة.

كَفَرْتُمْ: بالتّوحيد.

وَ إِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا: بالإشراك.

فَالْحُكْمُ لِلَّهِ: المستحقّ للعبادة حيث حكم عليكم بالعذاب السّرمد.

الْعَلِيِّ: من أن يشرك به ويسوّى  بغيره.

الْكَبِيرِ : حيث حكم على من أشرك وسوّى به بعض مخلوقاته في استحقاق العبادة بالعذاب .

و في نهج البلاغة : كبير لا يوصف بالجفاء .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: أخبرنا الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن جعفر بن بشير، عن الحكم بن زهير، عن محمّد بن حمدان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ يقول: إذا ذكر اللّه وحده بولاية من أمر اللّه بولايته كفرتم، وإن يشرك به ن ليست له ولاية تؤمنوا»

.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّي بن محمّد، عن علي بن أسباط، عن عليّ بن منصور، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده وأهل الولاية كفرتم.

و في شرح الآيات الباهرة : عن محمّد البرقيّ، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم  بن عبد الحميد، عن الحسن بن الحسين، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-:

ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ بأنّ لعليّ ولاية وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ من ليست له‏ولاية تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ.

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ قيل : آياته الدّالّة على التّوحيد وسائر ما يجب أن يعلم، تكميلا لنفوسكم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال عليّ بن إبراهيم في قوله- عزّ وجلّ-: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ، يعني: الأئمّة- صلوات اللّه عليهم- الّذين أخبر  اللّه- عزّ وجلّ- رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بهم.

وَ يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً: أسباب رزق، كالمطر، مراعاة لمعاشكم.

وَ ما يَتَذَكَّرُ: بالآيات الّتي هي كالمركوزة في العقول لظهورها، المغفول عنها للانهماك في التّقليد واتّباع الهوى.

إِلَّا مَنْ يُنِيبُ : يرجع من إنكاره إلى الإقبال عليها  والتّفكّر فيها، فإنّ الجازم بشي‏ء لا ينظر فيما ينافيه.

فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ: من الشّرك. وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ  إخلاصكم وشقّ عليهم.

رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ: خبران آخران، للدّلالة على علوّ صمديّته من حيث المعقول والمحسوس الدّالّة على تفرّده في الألوهيّة، فإنّ من ارتفعت درجات كماله، بحيث لا يظهر دونها كمال وكان العرش الّذي هو أصل العالم الجسمانيّ في قبضة قدرته، لا يصحّ أن يشرك به.

و قيل : «الدّرجات» مراتب المخلوقات، أو مصاعد الملائكة إلى العرش أو السّموات، أو درجات الثّواب.

و قرئ : «رفيع» بالنّصب على الحال.

يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ: خبر رابع ، للدّلالة على أنّ الرّوحانيّات- أيضا- مسخّرات لأمره بإظهار آثارها وهو الوحي، وتمهيد للنّبوّة بعد تقرير التّوحيد.

و الرُّوحَ قيل : هو جبرئيل- عليه السّلام- يرسله اللّه- تعالى- بأمره.و قيل : إنّ الرّوح- هاهنا- النّبوّة.

و قيل : الرّوح هو القرآن، وكلّ كتاب أنزله اللّه- تعالى- على نبيّ من أنبيائه.

و قيل : الرّوح الوحي- هنا. ومِنْ أَمْرِهِ بيانه، لأنّه أمر بالخير أو مبدؤه، والآمر هو الملك المبلّغ.

عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ: يختاره للنّبوّة. وفيه دليل على أنّها عطائيّة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ قال: روح القدس وهو خاصّ لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- والأئمّة- صلوات اللّه عليهم.

لِيُنْذِرَ: غاية الإلقاء. والمستكنّ فيه للّه، أو «لمن»، أو «للرّوح». واللّام مع القرب تؤيّد الثّاني.

يَوْمَ التَّلاقِ : يوم القيامة، فإنّ فيه تتلاقى الأرواح والأجساد، وأهل السّماء والأرض، والمعبودون والعبّاد، والأعمال والعمّال، والخصم والمخصوم، والظّالم والمظلوم، والأوّلون والآخرون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله- عزّ وجلّ-: لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ قال: يوم يلتقي أهل السّموات والأرض.

و في كتاب معاني الأخبار : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن القاسم بن محمّد الإصفهانيّ، عن [سليمان بن‏]  داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: يوم التّلاق يوم يلتقي أهل السّماء وأهل  الأرض.

يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ: خارجون من قبورهم. أو ظاهرون لا يسترهم شي‏ء. أو ظاهرة نفوسهم لا يحجبهم غواشي الأبدان، أو أعمالهم وسرائرهم .

لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْ‏ءٌ: من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم.

و هو تقرير لقوله: هُمْ بارِزُونَ، وإزاحة لنحو ما يتوهّم في الدّنيا.لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ : حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم  ولما يجاب به، أو لما دلّ عليه ظاهر الحال فيه من زوال الأسباب وارتفاع الوسائط، وأمّا حقيقة الحال فناطقة بذلك دائما.

و في مجمع البيان : ويقول اللّه- تعالى- في ذلك اليوم: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ  فيقرّ المؤمنون والكافرون بأنّه لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.

و قيل : إنّه- سبحانه- هو القائل لذلك وهو المجيب لنفسه، ويكون في الإخبار بذلك مصلحة للمكلّفين.

و قال محمّد بن كعب القرطيّ : يقول اللّه- تعالى- ذلك بين النّفختين  حين يفني الخلائق كلّها، ثمّ يجيب نفسه لأنّه بقي وحده. والأوّل أصحّ، لأنّه بيّن أنّه يقول ذلك يوم التّلاق، يوم يبرز  فيه العباد من قبورهم.

و في نهج البلاغة : وإنّه- سبحانه- يعود بعد فناء الدّنيا وحده لا شي‏ء معه، كما كان قبل ابتدائها، كذلك يكون بعد فنائها، بلا وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان.

عدمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السّنون والسّاعات. فلا شي‏ء إلّا [اللّه‏]  الواحد القهّار الّذي إليه مصير جميع الأمور. بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها، وبغير امتناع منها كان فناؤها، ولو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن زيد النّرسيّ ، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إذا أمات اللّه أهل الأرض لبث، كمثل ما خلق  الخلق ومثل ما أماتهم وأضعاف ذلك.

ثمّ أمات أهل السّماء الدّنيا، ثمّ لبث مثل  ما خلق‏1»

 الخلق ومثل  ما أمات أهل‏الأرض وأهل السّماء [الدّنيا وأضعاف ذلك.

ثمّ أمات أهل السّماء الثّانية، ثمّ لبث مثل ما خلق  الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل السّماء]  الدّنيا والسّماء الثّانية [و أضعاف ذلك‏] .

ثمّ أمات أهل السّماء الثّالثة، ثمّ لبث مثل ما خلق  الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل السّماء الدّنيا والسّماء الثّانية والثّالثة وأضعاف ذلك، في كلّ سماء مثل ذلك وأضعاف ذلك.

ثمّ أمات ميكائيل، ثمّ لبث مثل ما خلق  الخلق ومثل ذلك كلّه وأضعاف ذلك.

ثمّ أمات جبرئيل، ثمّ لبث مثل ما خلق  الخلق ومثل ذلك كلّه وأضعاف ذلك.

ثمّ أمات إسرافيل، ثمّ لبث مثل ما خلق  الخلق ومثل ذلك كلّه وأضعاف ذلك.

ثمّ أمات ملك الموت، ثمّ لبث مثل ما خلق  الخلق ومثل ذلك كلّه وأضعاف ذلك.

ثمّ يقول اللّه- عزّ وجلّ-: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ فيرد  على نفسه: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ  أين الجبّارون، [و أين المتكبّرون،]  وأين الّذين دعوا  معي إلها آخر، أين المتكبّرون ونخوتهم؟ ثمّ يبعث الخلق.

قال عبيد بن زرارة: فقلت: إنّ هذا الأمر كلّه يطول بذلك ؟

فقال: أ رأيت ما كان هل علمت به؟

فقلت: لا.

قال: فكذلك هذا.

حدّثني أبي ، عن الحسن  بن محبوب، عن محمّد بن النّعمان الأحول، عن سلام بن المستنير، عن ثوير  بن أبي فاختة، عن عليّ بن الحسين- عليه السّلام- قال: سئل عن النّفختين: كم بينهما؟قال: ما شاء اللّه.

فقيل له: أخبرني، يا ابن رسول اللّه، كيف ينفخ فيه؟

فقال- عليه السّلام-: أمّا النّفخة الأولى فإنّ اللّه يأمر إسرافيل فيهبط إلى الأرض  ومعه الصّور، وللصّور رأس واحد وطرفان، وبين طرف كلّ رأس منهما إلى الآخر مثل ما بين السّماء والأرض.

قال: فإذا رأت الملائكة إسرافيل قد هبط إلى الدّنيا ومعه الصّور قالوا: قد أذن اللّه في موت أهل الأرض [و في موت أهل اسّماء.

قال: فيهبط إسرافيل بحظيرة بيت المقدس ويستقبل الكعبة. فإذا رأوه أهل الأرض قالوا: قد أذن اللّه في موت أهل الأرض.

قال:]  فينفخ فيه نفخة، فيخرج الصوت من الطّرف الّذي يلي أهل الأرض، فلا يبقى ذو روح إلا صعق ومات. [و يخرج الصوت من الطرف الّذي يلي (أهل)  السموات، فلا يبقى (في السموات)  ذو روح إلّا صعق ومات،]  إلّا إسرافيل. [فيمكثون في ذلك ما شاء اللّه.]

 

قال: فيقول اللّه لإسرافيل: يا إسرافيل، مت. يموت إسرافيل. فيمكثون في ذلك ما شاء اللّه.

ثمّ يأمر [اللّه‏]  السّموات فتمور، ويأمر الجبال فتسير، وهو قوله : يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً، يعني: تبسط. وتُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ، يعني: بأرض لم تكسب عليها الذّنوب بارزة ليس عليها جبال ولا نبات، كما دحاها أوّل مرّة، ويعيد عرشه على الماء، كما كان أوّل مرّة مستقلّا بعظمته وقدرته.

قال: فعند ذلك ينادي الجبّار- جلّ جلاله- بصوت من قبله جهوريّ  يسمع أقطار السّموات والأرضين: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ. فلا يجيبه مجيب، فعند ذلك يقول الجبّار- عزّ وجلّ- مجيبا لنفسه: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ وأنا قهرت الخلائق كلّهم فأمتّهم، إنّي‏أنا اللّه لا إله إلّا أنا وحدي لا شريك لي ولا وزير لي، وأنا خلقت خلقي بيدي. (إلى آخره) وقد سبق في آخر الزّمر.

الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ قيل : كأنّه نتيجة لما سبق، وتحقيقه: أنّ النّفوس تكتسب بالعقائد والأعمال هيئات توجب لذّتها وألمها، لكنّها لا تشعر بها في الدّنيا لعوائق تشغلها، فإذا قامت قيامتها زالت العوائق وأدركت لذّتها وألمها.

و في مجمع البيان : الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ و

في الحديث: أنّ اللّه- تعالى- يقول: أنا الملك ، أنا الدّيّان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنّة أن يدخل الجنّة ولا لأحد من أهل النّار أن يدخل النّار وعنده مظلمة حتّى أقصّه منه. ثمّ تلا هذه الآية.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد [بن محمّد]  بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد، عن فضّالة بن أيّوب، عن أبي المغرا  قال: حدّثني يعقوب الأحمر قال: دخلنا على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- نعزّيه بإسماعيل، فترحّم عليه.

ثمّ قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- نعى إلى نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- نفسه، فقال :

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. وقال : كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ.

ثمّ أنشأ يحدّث فقال: إنّه يموت أهل الأرض حتّى لا يبقى أحد، ثمّ يموت أهل السّماء حتّى لا يبقى أحد إلّا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل.

قال: فيجي‏ء ملك الموت- عليه السّلام- حتّى يقوم بين يدي اللّه- عزّ وجلّ- فيقال له: من بقي وهو أعلم؟

فيقول: يا ربّ، لم يبق إلّا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل.

فيقال له: قل لجبرئيل وميكائيل فليموتا.فيقول الملائكة عند ذلك: يا ربّ، رسوليك وأمينيك.

فيقول: إنّي قد قضيت على كلّ نفس فيها الرّوح الموت.

ثمّ يجي‏ء ملك الموت حتّى يقف بين يدي اللّه- عزّ وجلّ- فيقال له: من بقي؟

و هو أعلم.

فيقول: يا ربّ، لم يبق إلّا ملك الموت. [و حملة العرش.

فيقال : قل لحملة العرش فليموتوا.

قال: ثمّ يجي‏ء كئيبا حزينا لا يرفع طرفة، فيقال له: من بقي؟ وهو أعلم.

فيقول: يا ربّ، لم يبق إلّا ملك الموت.]

 

فيقول  له: مت، يا ملك الموت. فيموت ثمّ يأخذ الأرض  والسّموات بيمينه ويقول: أين الّذين كانوا يدعون معي شريكا، أين الّذين كانوا يجعلون معي إلها آخر؟

لا ظُلْمَ الْيَوْمَ: بنقص الثّواب وزيادة العقاب.

إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ : إذ لا يشغله شأن عن شأن، فيصل إليهم ما يستحقّونه سريعا.

و في كتاب التّوحيد : [حدّثنا]  محمّد بن بكران النّقّاش- رحمه اللّه- بالكوفة قال: حدّثنا أحمد  ابن محمّد الهمدانيّ قال: حدّثنا عليّ بن الحسن  بن عليّ بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن، عليّ بن موسى الرّضا- عليهما السّلام- قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن أمير المؤمنين- عليهم السّلام- في «أ ب ت ث» أنّه قال: «الألف» آلاء اللّه ...

إلى قوله: «فالميم» ملك اللّه [يوم الدّين‏]  يوم لا مالك غيره، ويقول اللّه- عزّ وجلّ-: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ. ثمّ تنطق أرواح أنبيائه ورسله وحججه فيقولون: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ. فيقول اللّه- جلّ جلالة-: الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ.وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ، أي: القيامة، سمّيت بها لأزوفها، أي: قربها.

و قيل : الخطّة الآزفة، وهي مشارفتهم النّار.

و قيل : الموت.

إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ: فإنّها ترتفع  عن أماكنها من الخوف فتلتصق  بحلقومهم، فلا تعود فيتروّحوا، ولا تخرج فيستريحوا.

كاظِمِينَ: على الغمّ.

حال من أصحاب القلوب على المعنى، لأنّه على الإضافة أو منها، أو من ضميرها في الظّرف ، وجمعه كذلك لأنّ الكظم من أفعال العقلاء ، كقوله: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ. أو من مفعول أَنْذِرْهُمْ على أنّه حال مقدّرة .

و في روضة الكافي ، كلام لعليّ بن الحسين- عليه السّلام- يقول فيه: يا ابن آدم، إنّ من وراء هذا أعظم وأفظع  وأوجع للقلوب يوم القيامة، وذلك يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ.

ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ: قريب مشفق.

وَ لا شَفِيعٍ يُطاعُ : ولا شفيع مشفع.

و الضّمائر إن كانت للكفّار ، وهو الظّاهر، كان وضع «الظّالمين» موضع ضميرهم للدّلالة على اختصاص ذلك بهم، وأنّه لظلمهم.

و في كتاب التّوحيد : حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن موسى بن جعفر- عليهما السّلام-: يا أبا أحمد ، ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلّا أساءه ذلك وندم عليه، وقدقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: كفى بالنّدم توبة.

و قال- عليه السّلام-: من سرّته حسنته ، وساءته سيّئته ، فهو مؤمن. فأمّا من لم يندم على ذنب يرتكبه، فليس بمؤمن، ولم تجب له الشّفاعة وكان ظالما، واللّه- تعالى- يقول: ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ.

يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ: النّظرة الخائنة، كالنّظرة الثّانية إلى غير المحرم واستراق النّظر إليه. أو خيانة الأعين.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن مسلمة  الحريريّ  قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ.

فقال: ألم تر إلى الرّجل ينظر إلى الشّي‏ء وكأنّه لا ينظر؟ فذلك خائنة الأعين.

و في مجمع البيان : وفي الخبر أنّ النّظرة الأولى لك، والثّانية عليك. فعلى هذا تكون الثّانية محرّمة، فهي المراد بخائنة الأعين.

و فيه : قال- عليه السّلام- لأصحابه يوم فتح مكّة، وقد جاء عثمان بعبد اللّه بن سعد بن أبي سرح يستأمنه منه، وكان- صلّى اللّه عليه وآله- قبل ذلك أهدر دمه وأمر بقتله، فلمّا رأى عثمان استحيى من ردّه وسكت طويلا ليقتله بعض المؤمنين، ثمّ أمنه بعد تردّد المسألة من عثمان: أما كان منكم رجل رشيد يقوم إلى هذا فيقتله؟

فقال له عبّاد بن بشر: يا رسول اللّه، إنّ عيني ما زالت في عينك انتظارا أن تومئ إليّ فأقتله.

فقال- عليه السّلام-: إنّ الأنبياء لا يكون لهم خائنة أعين.

وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ : من الضّمائر.

و الجملة خبر خامس ، للدّلالة على أنّه ما من خفيّ إلّا وهو متعلّق العلم والجزاء.

و في نهج البلاغة : قسّم أرزاقهم، وأحصى آثارهم وأعمالهم وعدد أنفاسهم

 

و خائنة أعينهم وما تخفي صدورهم من الضّمير.

وَ اللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ، أي: يفصل بين الخلائق بالحقّ، فيوصل كلّ ذي حقّ حقّه.

وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْ‏ءٍ: تهكّم بهم، لأنّ الجماد لا يقال فيه: إنّه يقضي ولا يقضي.

و قرأ  نافع وهشام، بالتّاء، على الالتفات، وإضمار «قل».

إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ : تقرير لعلمه بخائنة الأعين، وقضائه بالحقّ، ووعيد لهم على ما يقولون ويفعلون، وتعريض بحال ما يدعون من دونه.

أَ وَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ: ما آل حال الّذين كذّبوا الرّسل قبلهم، كعاد وثمود.

كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً: قدرة وتمكّنا.

و إنّما جي‏ء بالفصل، وحقّه أن يقع بين معرفتين، لمضارعة «أفعل من» للمعرفة في امتناع دخول اللّام عليه.

و قرأ  ابن عامر: «أشدّ منكم» بالكاف.

وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ، مثل القلاع والمدائن الحصينة.

و قيل : المعنى: وأكثر آثارا، كقوله:

         متقلّدا سيفا ورمحا

 

 فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ : يمنع العذاب عنهم.

ذلِكَ الأخذ.

بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ:

بالمعجزات، والأحكام الواضحة.

فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ: متمكّن ممّا يريده غاية التّمكّن.

شَدِيدُ الْعِقابِ : لا يؤبه بعقاب دون عقابه.وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا، يعني: المعجزات.

وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ : وحجّة ظاهرة قاهرة. والعطف لتغاير الوصفين. أو لإفراد بعض المعجزات، كالعصا، تفخيما لشأنه .

إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ ، يعنون: موسى.

و فيه تسلية لرسول اللّه، وبيان لعاقبة من هو أشدّ الّذين كانوا من قبلهم بطشا وأقربهم زمانا.

فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ، أي: أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلون بهم أوّلا ليصدّوا عن مظاهرة موسى. وهذا القتل غير القتل الأوّل، لأنّه أمر بالقتل الأوّل لئلّا ينشأ من يزول ملكه على يده ثمّ ترك. فلمّا ظهر موسى عاد إلى تلك العادة فمنعهم اللّه عنه بإرسال الدّم والضّفادع والطّوفان والجراد.

وَ ما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ : في ضياع.

و وضع الظّاهر فيه موضع الضّمير لتعميم الحكم، والدّلالة على العلّة.

وَ قالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى: كانوا يكفّونه عن قتله ويقولون: إنّه ليس الّذي تخافه بل هو ساحر، ولو قتلته، ظنّ أنّك عجزت عن معارضته بالحجّة.

و تعلّله بذلك، مع كونه سفّاكا في أهون شي‏ء، دليل على أنّه تيقّن أنّه نبيّ فخاف من قتله. أو ظنّ  أنّه لو حاوله لم يتيسّر له، ويؤيّده قوله: وَلْيَدْعُ رَبَّهُ، فإنّه تجلّد وعدم مبالاة بدعائه .

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى إسماعيل بن منصور، أبي زياد: عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول فرعون: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى ما  كان يمنعه؟

قال: منعته رشدّته، ولا يقتل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء إلّا أولاد الزّنا.

إِنِّي أَخافُ: إن لم أقتله أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ: أن يغيّر ما أنتم عليه من‏عبادتي وعبادة الأصنام، لقوله: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ.

أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ : ما يفسد دنياكم من التّحارب والتّهارج إن لم يقدر أن يبطل دينكم بالكلّيّة.

و قرأ  ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر، بالواو، على معنى الجمع. وابن كثير وابن عامر والكوفيّون غير حفص، بفتح الياء والهاء، ورفع «الفساد».

وَ قالَ مُوسى، أي: لقومه لمّا سمع كلامه: إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ .

صدّر الكلام ب «إنّ» تأكيدا وإشعارا على أنّ السّبب المؤكّد في دفع الشّر هو العياذ باللّه.

و خصّ اسم الرّبّ لأنّ المطلوب هو الحفظ والتّربية، وأضافه إليه وإليهم حثّا لهم على موافقته لما في تظاهر الأرواح من استجلاب الإجابة.

و لم يسمّ فرعون وذكر وصفا يعمّه وغيره لتعميم الاستعاذة ورعاية الحقّ، والدّلالة على الحامل له على القول.

و قرأ  أبو عمرو وحمزة والكسائيّ «عتّ»  فيه وفي الدّخان بالإدغام، وعن نافع مثله.

وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: من أقاربه.

و قيل : كان ابن عمّ فرعون، وكان آمن بموسى، وهو الّذي جاء من أقصى المدينة.

و قيل : كان وليّ عهده من بعده، وكان اسمه: حبيب. وقيل: حزبيل .

و سيأتي في الخبر أنّه كان ابن خال له، واسمه: حزقيل.

و قيل : «من» متعلّق بقوله: يَكْتُمُ إِيمانَهُ، [، أي يكتم إيمانه‏]  من آل فرعون على وجه التّقية. والرّجل إسرائيليّ. أو غريب  موحّد كان ينافقهم.

أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا: أ تقصدون قتله ن غير رؤية وتأمّل في أمره.أَنْ يَقُولَ: لأن يقول، أو وقت أن يقول: رَبِّيَ اللَّهُ وحده.

و هو في الدّلالة على الحصر، مثل: صديقي زيد.

و في بصائر الدّرجات : محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن الحسين بن عثمان ، عن يحيى  الحلبيّ، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- [قال:]  قال له  رجل وأنا عنده: إنّ الحسن البصريّ يروي أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من كتم علما جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار.

فقال: كذب، ويحه، فأين قول اللّه: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ثمّ مدّ بها [أبو جعفر- عليه السّلام-]  صوته فقال:

فليذهبوا حيث شاءوا، أما واللّه، لا يجدون العلم إلّا هاهنا. ثمّ سكت ساعة، ثمّ قال:

عند آل محمّد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وكان خازن فرعون مؤمنا بموسى- عليه السّلام- قد كتم إيمانه ستّمائة سنة، وهو الّذي قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ.

و في أصول الكافي : بعض أصحابنا، رفعه، عن هشام بن الحكم قال: قال أبو الحسن، موسى بن جعفر- عليه السّلام- يا هشام ثمّ مدح اللّه القلّة [و قال‏] : وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ.

و في أمالي الصّدوق ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن أبي ليلى، رفعه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: الصّدّيقون ثلاثة: حبيب النّجار، مؤمن آل يس، الّذي يقول: اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ. وحزقيل، مؤمن آل فرعون. وعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وهو أفضلهم.

و في مجمع البيان : قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: التّقيّة من ديني ودين آبائي،و لا دين لمن لا تقيّة له، والتّقيّة ترس اللّه في الأرض، لأنّ مؤمن آل فرعون لو أظهر الإسلام ، لقتل.

وَ قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ: المتكثّرة على صدقه من المعجزات والاستدلالات مِنْ رَبِّكُمْ.

أضافه إليهم بعد ذكر البيّنات احتجاجا عليهم، واستدراجا لهم إلى الاعتراف به.

ثمّ أخذهم بالاحتجاج من باب الاحتياط فقال: وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ: لا يتخطّاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله.

وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ: فلا أقلّ من أن يصيبكم بعضه.

و فيه مبالغة في التّحذير وإظهار للإنصاف وعدم التّعصّب، ولذلك قدّم كونه كاذبا أو يصبكم ما يعدكم من عذاب الدّنيا، وهو بعض مواعيده، كأنّه خوّفهم بما هو أظهر احتمالا عندهم.

و تفسير البعض بالكلّ، كقول لبيد:

         تراك أمكنة إذا لم أرضها             أو يرتبط بعض النّفوس حمامها

 مردود، لأنّه أراد بالبعض: نفسه.

إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ  قيل : احتجاج ثالث وجهين.

أحدهما، أنّه لو كان مسرفا كذّابا، لما هداه اللّه إلى البيّنات، ولما عضده بتلك المعجزات.

و ثانيهما، أنّ من خذله اللّه وأهلكه، فلا حاجة لكم إلى قتله.

و لعلّه أراد به: المعنى الأوّل، وخيّل إليهم الثّاني لتسكين شكيمتهم، وعرّض به لفرعون بأنّه مسرف كذّاب لا يهديه اللّه سبيل الصّواب وطريق النّجاة.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل، وفيه قالت العلماء: فأخبرنا هل فسّر اللّه

 الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرّضا- عليه السّلام-: فسّر الاصطفاء في الظّاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا، فأوّل ذلك قوله- عزّ وجلّ ...

إلى أن قال: وأمّا الحادي عشر فقول اللّه- عزّ وجلّ- في سورة المؤمن، حكاية عن قول رجل مؤمن من آل فرعون: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ. (إلى تمام الآية) فكان  ابن خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه ولم يضفه إليه بدينه، وكذلك خصصنا نحن إذ كنّا من آل رسول اللّه بولادتنا منه وعمّمنا النّاس بالدّين، فهذا فرق بين الآل والأمّة، فهذا  الحادي عشر.

يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ: غالبين عالين.

فِي الْأَرْضِ: أرض مصر.

فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا، أي: فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرّضوا لبأس اللّه بقتله، فإنّه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد.

و إنّما أدرج نفسه في الضّميرين لأنّه كان منهم في القرابة، وليريهم أنّهم معهم ومساهمهم فيما ينصح لهم.

قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ: ما أشير إليكم إِلَّا ما أَرى وأستصوبه من قتله. أو ما أعلمكم إلّا ما علمت من الصّواب، وقلبي ولساني متواطئان عليه.

وَ ما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ : طريق الصّواب.

و قرئ  بالتّشديد، على أنّه فعّال للمبالغة، من رشد، كعلّام. أو من رشد، كعبّاد، لا من أرشد، كجبّار، لأنّه مقصور على السّماع ، أو للنّسبة إلى الرّشد، كعوّاج وبتّات.

وَ قالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ: في تكذيبه والتّعرّض له.

مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ : مثل أيّام الأمم الماضية، يعني: وقائعهم.

و جمع «الأحزاب» مع التّفسير أغنى عن جمع «اليوم».

مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ: مثل جزاء ما كانوا عليه دائبا  من الكفرو إيذاء الرّسل.

وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، كقوم لوط.

وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ : فلا يعاقبهم بغير ذنب، ولا يخلّي الظّالم منهم بغير انتقام. وهو أبلغ من قوله : وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. من حيث إنّ المنفيّ فيه نفي حدوث تعلّق  إرادته بالظّلم.

وَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ : يوم القيامة، ينادي فيه بعضهم بعضا للاستغاثة، أو يتصايحون بالويل والثّبور. أو ينادي أصحاب الجنّة أصحاب النّار، كما حكي في الأعراف.

و في كتاب معاني الأخبار : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن القاسم بن محمّد الإصفهانيّ، عن [سليمان بن‏]  داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: يَوْمَ التَّنادِ يوم ينادي [أهل النار]  أهل الجنّة: أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ .

و قرئ  بالتّشديد، وهو أن يندّ بعضهم من بعض، كقوله : يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ.

يَوْمَ تُوَلُّونَ: عن الموقف «مُدْبِرِينَ»: منصرفين عنه إلى النّار.

و قيل : فارّين عنها.

ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ: يعصمكم من عذابه.

وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ: عن طريق الخير .

فَما لَهُ: [من اللّه‏]  مِنْ هادٍ : يهديه إليها.

وَ لَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ بن يعقوب.

و في مجمع البيان : بعثه اللّه رسولا إلى القبط.مِنْ قَبْلُ: من قبل موسى.

بِالْبَيِّناتِ: بالمعجزات.

و في مجمع البيان ، في كتاب النّبوّة، بالإسناد: عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت: فكان يوسف رسولا نبيّا؟

قال: نعم، أما تسمع قول اللّه- عزّ وجلّ-: لَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- عهد إلى آدم ...

إلى أن قال- عليه السّلام-: فكان بين يوسف وموسى - عليه السّلام- [من‏]  الأنبياء.

فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ: من الدّين.

حَتَّى إِذا هَلَكَ مات قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا: ضمّا إلى تكذيب رسالته تكذيب رسالة من بعده. أو جزما بأن لا يبعث بعده رسول مع الشّكّ في رسالته.

و قرئ  «ألن  يبعث اللّه» على أنّ بعضهم يقرّر بعضا بنفي البعث.

كَذلِكَ: مثل ذلك الإضلال يُضِلُّ اللَّهُ في العصيان مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ : شاكّ فيما تشهد به البيّنات، لغلبة الوهم والانهماك في التّقليد.

الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ: بدل من الموصول الأوّل ، لأنّه بمعنى الجمع.

بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ: بغير حجّة، بل إمّا بتقليد أو بشبهة داحضة.

كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا.

فيه ضمير «من» وإفراده للّفظ .و يجوز أن يكون «الّذين» مبتدأ وخبره «كبر» [- على حذف مضاف، آي:

و جدال الّذين يجادلون كبر مقتا- أو]  «بغير سلطان» وفاعل «كبر». كَذلِكَ، أي:

كبر مقتا مثل ذلك، فيكون قوله: يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ  استئنافا للدّلالة على الموجب لجدالهم.

و قرئ : «قلب» بالتّنوين، على وصفه بالتّكبّر والتّجبّر لأنّه منبعهما، كقولهم:

رأت عيني وسمعت أذني. أو على حذف المضاف، أي: على كلّ ذي قلب متكبّر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ [يعني:]  بغير حجّة يخاصمون أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ فإنّه‏

حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ في النّار لنارا يتعوّذ منها أهل النّار، ما خلقت إلّا لكلّ جبّار عنيد ولكلّ شيطان مريد ولكلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب ولكلّ ناصب العداوة لآل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله.

و قال: إنّ أهون النّاس عذابا يوم القيامة لرجل في ضحضاح  من نار، عليه نعلان من نار وشراكان من نار، يغلي منها دماغه، كما يغلي المرجل ، ما يرى أنّ في النّار أحدا أشدّ عذابا منه، وما في النّار أحد أهون عذابا منه.

وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً: بناء مكشوفا عاليا، من صرح الشّي‏ء:

إذا ظهر.

لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ : الطّرق. أَسْبابَ السَّماواتِ: بيان لها.

و في إبهامها ثمّ إيضاحها تفخيم لشأنها، وتشويق للسّامع إلى معرفتها.

فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى: عطف على «أبلغ».

و قرأ  حفص، بالنّصب، على جواب الترجّي.و لعلّه أراد  أن يبني له رصدا في موضع عال يرصد منه أحوال الكواكب، الّتي هي أسباب سماويّة تدلّ على الحوادث الأرضيّة، فيرى هل فيها ما يدلّ على إرسال اللّه- تعالى- إيّاه، أو أن يرى فساد قول موسى بانّ إخباره من إله السّماء يتوقّف على اطّلاعه ووصوله إليه، وذلك لا يتأتّي إلّا بالصّعود إلى السّماء، وهو ممّا لا يقوى عليه الإنسان، وذلك لجهله باللّه وكيفيّة استنبائه.

وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً: في دعوى الرّسالة.

وَ كَذلِكَ: ومثل ذلك التّزيين زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ: سبيل الرّشاد، والفاعل الشّيطان.

و قرئ  بالفتح.

و قرأ  الحجازيّان والشّاميّ وأبو عمرو: «و صدّ» على أنّ فرعون صدّ النّاس عن الهدى بأمثال هذه التّمويهات والشّبهات، ويؤيّده: وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ ، أي: خسار وهلاك.

وَ قالَ الَّذِي آمَنَ قيل»

: يعني: مؤمن آل فرعون.

و قيل: موسى.

يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ بالدّلالة سَبِيلَ الرَّشادِ : سبيلا يصل بسالكه إلى المقصود.

و فيه تعريض، بأنّ ما عليه فرعون وقومه سبيل الغيّ.

يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ: تمتّع يسير لسرعة زوالها.

وَ إِنَّ الْآخِرَةَ لخلودها هِيَ دارُ الْقَرارِ .

مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها: عدلا من اللّه.

وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ : بغير تقدير وموازنة بالعمل، بل أضعافا مضاعفة فضلا منه ورحمة.

و لعلّ تقسيم العمّال وجعل الجزاء [جملة]  اسميّة مصدّرة باسم الإشارة وتفضيل الثّواب لتغليب الرّحمة ، وجعل العمل عمدة والإيمان حالا للدّلالة على أنّه شرط في اعتبار العمل.

و في كتاب التّوحيد ، حديث طويل عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقول فيه، وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات: وأمّا قوله- عزّ وجلّ-: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ فإنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: قال اللّه- عزّ وجلّ-: لقد حقّت كرامتي- أو قال : مودّتي- لمن يراقبني  ويتحابّ بجلالي، أنّ وجوههم يوم القيامة من نور، على منابر من نور، عليهم ثياب خضر.

قيل: من هم، يا رسول اللّه؟

قال: قوم ليسوا أنبياء ولا شهداء، ولكنّهم تحابّوا بجلال اللّه ويدخلون الجنّة بغير حساب، نسأل اللّه أن يجعلنا منهم برحمته.

و في كتاب معاني الأخبار  [حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا محمد بن الحسن الصفّار قال:]  حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قيل له: إنّ أبا الخطّاب يذكر عنك أنّك قلت له: إذا عرفت الحقّ فاعمل ما شئت.

قال: لعن اللّه أبا الخطّاب، واللّه، ما قلت هكذا، ولكنّي قلت: إذا عرفت الحقّ فاعمل ما شئت من خير يقبل منك، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: «مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ.» ويقول - تبارك وتعالى-: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً.

وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ .كرّر نداءهم إيقاظا لهم عن سنة الغفلة، واهتماما بالمنادى له، ومبالغة في توبيخهم على ما يقابلون به نصحه.

و عطفه على النّداء الثّاني الدّاخل على «ما» هو بيان لما قبله ولذلك لم يعطف على الأوّل ، فإنّ ما بعده- أيضا- تفسير لما أجمل فيه تصريحا أو تعريضا أو على الأوّل .

تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ: بدل، أو بيان فيه تعليل. والدّعاء، كالهداية في التّعدية «بإلى واللّام».

وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ: بربوبيّته عِلْمٌ.

و المراد: نفي المعلوم، والإشعار بأنّ الألوهيّة لا بدّ لها من برهان، واعتقادها لا يصحّ إلّا عن إيقان.

وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ : المستجمع لصفات الألوهيّة، من كمال القدرة والغلبة، وما يتوقّف عليه  من العلم والإرادة، والتّمكّن من المجازاة، والقدرة على التّعذيب والغفران.

لا جَرَمَ قيل : «لا» ردّ  لما دعوه إليه. و«جرم» فعل، بمعنى: حقّ، وفاعله: أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ، أي: حقّ عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها أصلا، لأنّها جمادات ليس لها ما يقتضي ألوهيّتها. أو عدم دعوة مستجابة. أو عدم استجابة دعوة لها.

و قيل : «جرم» بمعنى: كسب، وفاعله مستكنّ فيه، أي: كسب ذلك الدّعاء إليه أن [لا دعوة له‏]  بمعنى: ما حصل من ذلك إلّا ظهور بطلان دعوته.

و قيل : فعل من الجرم، بمعنى: القطع، كما أنّ بدا من «لا بدّ» فعل من التّبديد،و هو التّفريق، والمعنى: لا قطع لبطلان دعوة ألوهيّة الأصنام، أي: لا ينقطع في وقت ما فتنقلب حقّا. ويؤيّده قولهم: لا جرم أنّه يفعل، لغة فيه، كالرّشد والرّشد.

وَ أَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ بالموت.

وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ في الضّلالة والطّغيان، كالإشراك وسفك الدّماء هُمْ أَصْحابُ النَّارِ : ملازموها.

فَسَتَذْكُرُونَ: فسيذكّر بعضكم بعضا عند معاينة العذاب ما أَقُولُ لَكُمْ:

من النّصيحة.

وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ: ليعصمن من كلّ سوء.

إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ : فيحرسهم، وكأنّه جواب توعّدهم المفهوم من قوله:

فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا: شدائد مكرهم.

و قيل : الضّمير لموسى على التّقدير الأوّل- أيضا.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه، عن عليّ بن النّعمان، عن أيّوب بن الحرّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا قال: أما لقد سطوا عليه وقتلوه، ولكن أ تدرون ما وقاه؟ وقاه أن يفتنوه في دينه.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النّعمان- وذكر إلى آخر ما نقلناه عن البرقيّ.

 

و في كتاب الخصال : عن الصّادق- عليه السّلام- قال: عجبت لمن يفزع  من أربع، كيف لا يفزع إلى [أربع- إلى‏]  قوله:- وعجبت لمن مكر به كيف لا يفزع إلى قوله- تعالى-: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ. فإنّي سمعت اللّه- تعالى- يقول بعقبها: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا، يعني: مؤمن آل فرعون.فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: واللّه، لقد قطّعوه إربا إربا، ولكن وقاه اللّه- عزّ وجلّ- أن يفتنوه في دينه.

وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ: بفرعون [و قومه‏] . فاستغني بذكرهم عن ذكره، للعلم منه بأنّه أولى بذلك.

و قيل : بطلبة المؤمن من آل فرعون، فإنّه فرّ إلى جبل، فاتّبعه طائفة، فوجدوه يصلّي والوحوش صفوف حوله، فرجعوا خائفين.

سُوءُ الْعَذابِ : الغرق أو القتل.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: المفوّض أمره إلى اللّه إلى اللّه في راحة الأبد والعيش الدّائم الرّغد، والمفوّض حقّا هو العالي  عن كلّ همّة دون اللّه- تعالى-، كما قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-:

         رضيت بما قسم اللّه ل             ى وفوّضت أمري إلى خالقي‏

 

 

         كما أحسن اللّه فيما مضى             كذلك يحسن فيما بقي‏

 وقال اللّه- عزّ وجلّ- في المؤمن من آل فرعون: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ.

و التّفويض خمسة أحرف: [ت، ف، و، ي، ض‏] ، لكلّ حرف منها حكم، فمن أتي بأحكامه فقد أتي به، «التّاء» من تركه التّدبير في  والدّنيا. و«الفاء» من فناء كلّ همّة غير اللّه- تعالى. و«الواو» من وفاء العهد وتصديق الوعد. و«الياء» من اليأس من نفسك واليقين بربّك . و«الضّاد» من الضّمير الصّافي للّه والضّرورة إليه. والمفوّض لا يصبح إلّا سالما من جميع الآفات، ولا يمسي إلّا معافى بدينه.

و في تهذيب الأحكام ، بإسناده إلى الحسين بن عليّ بن عبد الملك الزّيّات: عن رجل، عن كرام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أربع لأربع ....

إلى قوله: والأخرى للمكر والسّوء وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ. قال اللّه‏- عزّ وجلّ-: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ.

و في كتاب الاحتجاج» للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه حزقيل وانّ قوم فرعون وشوا به إلى فرعون وقالوا: إنّ حزقيل يدعو إلى مخالفتك ويعين أعداءك على مضادّتك.

فقال لهم فرعون: ابن عمّي وخليفتي على  ملكي ووليّ عهدي، إن [كان قد]  فعل ما قلتم فقد استحقّ العذاب على كفره نعمتي، وإن  كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم أشدّ العقاب لإيثاركم الدّخول في مساءته.

فجاء بحزقيل وجاء بهم ، فكاشفوه، فقالوا: أنت تجحد ربوبيّة فرعون الملك وتكفر نعماءه.

فقال: حزقيل: أيّها الملك، هل جرّبت عليّ كذبا قطّ؟

قال: لا.

قال: فاسألهم من ربّهم؟

قالوا: فرعون.

قال: ومن خالقكم ؟

قالوا: فرعون.

قال: ومن رازقكم الكافل لمعاشكم والدّافع عنكم مكارهكم؟

قالوا: فرعون هذا.

قال حزقيل: أيّها الملك، فأشهدك وكلّ من حضرك أنّ ربّهم هو ربّي، وخالقهم هو خالقي، ورازقهم هو رازقي، ومصلح معايشهم [هو مصلح معايشي‏] ، لا ربّ لي ولا خالق [و لا رازق‏]  غير ربّهم وخالقهم ورازقهم. وأشهدك ومن حضرك، أنّ كلّ ربّ وخالق [و رازق‏]  سوى ربّهم وخالقهم ورازقهم فأنا بري‏ء منه ومن ربوبيّته وكافر بالهيّته.يقول حزقيل هذا وهو يعني: أنّ ربّهم هو [اللّه ربّي، ولم يقل: إنّ الّذي قالوا هم أنّه ربّهم هو]  ربّي، وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره، وتوهّموا أنّه يقول: فرعون ربّي وخالقي ورزاقي.

فقال لهم فرعون : يا رجال السّوء، ويا طلّاب الفساد في ملكي، ومريدي الفتنة بيني وبين ابن عمّي وهو عضدي، أنتم المستحقّون لعذابي لإرادتكم فساد أمري وإهلاك ابن عمّي والفتّ في عضدي.

ثمّ أمر بالأوتاد، فجعل في  ساق كلّ واحد منهم وتدا، [و في عضده وتدا،]  وفي صدره وتدا وأمر أصحاب أمشاط الحديد فشقّوا بها لحومهم من أبدانهم، فذلك ما قال اللّه- تعالى-: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا.  لما وشوا به إلى فرعون ليهلكوه. وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ وهم الّذين وشوا بحزقيل إليه لمّا أوتد فيهم الأوتاد، ومشّط عن أبدانهم لحومها بالأمشاط.

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا:

جملة مستأنفة. أو «النّار» خبر محذوف، و«يعرضون» استئناف للبيان، أو بدل و«يعرضون» حال منها، أو من الآل .

و قرئت  منصوبة على الاختصاص، أو بإضمار فعل يفسّره «يعرضون»، مثل:

يصلون. فإنّ عرضهم على النّار إحراقهم بها، من قولهم: عرض الأسارى على السّيف:

إذا قتلوا به.

و ذكر الوقتين يحتمل التّخصيص والتأبيد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: ذلك في الدّنيا قبل القيامة، وذلك أنّ القيامة لا يكون فيها غدوّ وعشيّ، لأنّ الغدوّ والعشيّ إنّما يكون في الشّمس والقمر، وليس في جنان الخلد ونيرانها شمس ولا قمر.و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن أرواح المشركين.

فقال: [في النّار]  يعذّبون، يقولون: ربّنا لا تقم لنا السّاعة، ولا تنجز  لنا ما وعدتنا، ولا تلحق آخرنا بأوّلنا.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن مثنّى، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ أرواح الكفّار في نار جهنّم يعرضون عليها، يقولون: ربّنا، لا تقم لنا السّاعة، ولا تنجز لنا ما وعدتنا، ولا تلحق آخرنا بأوّلنا.

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد، بإسناده له قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- شرّ بئر في النّار برهوت، الّذي فيه أرواح الكفّار.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن النّوفلي، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: شرّ ماء على وجه الأرض ماء برهوت، وهو واد بحضر موت يرد عليه هام الكفّار وصداهم .

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان قال:

 

حدّثني من سمع أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إذا احتضر الكافر، حضره رسول اللّه وعليّ وجبرئيل وملك الموت- عليهم السّلام.

فيدنو منه عليّ- عليه السّلام- فيقول: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، إنّ هذا كان يبغضنا أهل البيت فأبغضه. [و يقول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

يا جبرئيل، إنّ هذا كان يبغض اللّه ورسوله وأهل بيت رسوله، فأبغضه.]  ويقول جبرئيل: يا ملك الموت، إنّ هذا كان  يبغض اللّه ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه وأعنف عليه.فيدنو منه ملك الموت فيقول: يا عبد اللّه، أخذت فكاك [رهانك؟ أخذت‏]  أمان براءتك؟ تمسّكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدّنيا؟

يقول: لا.

فيقول: أبشر، يا عدوّ اللّه، بسخط اللّه- عزّ وجلّ- وعذاب النّار ، أمّا الّذي كنت تحذره فقد نزل بك.

ثمّ يسلّ نفسه سلّا عنيفا، ثمّ يوكل بروحه ثلاثمائة شيطان كلّهم يبزق في وجهه ويتأذّى بروحه ، فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النّار فيدخل عليه من قيحها  ولهبها. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد [عن محمّد]  بن عيسى، عن الحسن بن عليّ، عن غالب بن عثمان، عن بشير الدّهّان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: يجي‏ء الملكان منكر ونكير إلى الميّت حين يدفن.

... إلى أن قال: فإذا كان الرّجل كافرا دخلا عليه، وأقيم الشّيطان بين يديه عيناه من نحاس، فيقولان له: من ربّك، وما دينك، وما تقول في هذا الرّجل الّذي قد خرج من بيض ظهرانيكم؟

فيقول: لا أدري. فيخلّيان بينه وبين الشّيطان، فيسلّط عليه في قبره تسعة وتسعين تنينا، لو أنّ تنينا واحدا منها نفخ في الأرض ما أنبت شجرا أبدا، ويفتح له باب إلى النّار ويرى مقعده فيها.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد الرّحمن ، عن عبد اللّه بن القاسم، عن أبي بكر الحضرميّ قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: أصلحك اللّه، من المسئولون في قبورهم؟

قال: من محض الإيمان ومن محض الكفر.

قال: قلت: فبقيّه هذا الخلق؟قال: يلهى، واللّه، عنهم وما يعبأ بهم.

قال: قلت: وعمّا يسألون؟

قال: عن الحجّة القائمة  بين أظهركم، فيقال للمؤمن: ما تقول في فلان بن فلان؟

فيقول: ذلك إمامي. فيقال له: نم، أنام اللّه عينيك. ويفتح له باب من الجنّة فما يزال بتحفة من روحها إلى يوم القيامة. ويقال للكافر: ما تقول في فلان بن فلان؟ قال:

فيقول: قد سمعت به وما أدري ما هو. قال: فيقال له: لا دريت . قال: ويفتح له باب من النّار فلا يزال يتحفه من حرّها إلى يوم القيامة.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن، موسى- عليه السّلام- قال: يقال: للمؤمن في قبره: من ربّك ....

إلى أن قال: ويقال للكافر: من ربّك؟

فيقول: اللّه ربّي .

فيقال: من نبيّك؟

فيقول: محمّد نبيّي .

فيقال: ما دينك؟

فيقول: الإسلام ديني .

فيقال: من أين علمت ذلك؟

فيقول: سمعت النّاس يقولون فقلته. فيضربانه بمرزبة ، لو اجتمع عليه الثّقلان، الإنس والجنّ لم يطيقوها.

قال: فيذوب، كما يذوب الرّصاص، ثمّ يعيدان فيه الرّوح فيوضع قلبه بين لوحين من نار، فيقول: يا ربّ، أخّر قيام السّاعة.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد. وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه،

 جميعا، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن ضريس الكناسيّ قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ للّه- تعالى- نارا في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفّار ويأكلون من زقّومها ويشربون من حميمها ليلهم، فإذا طلع الفجر هاجت إلى واد باليمن  يقال له:

برهوت، أشد حرّا من نيران الدّنيا كانوا فيه  يتلاقون ويتعارفون، فإذا كان المساء عادوا إلى النّار، فهم كذلك إلى يوم القيامة.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في مجمع البيان : وعن نافع، عن ابن عمر، أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ، إن كان من أهل الجنّة فمن الجنّة، وإن كان من أهل النّار فمن النّار، يقال: هذا مقعدك حتّى يبعثك اللّه يوم القيامة.

أورده البخاريّ ومسلم في الصّحيح.

وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ، أي: هذا ما دامت الدّنيا، فإذا قامت السّاعة قيل لهم:

أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ [يا آل فرعون‏]  أَشَدَّ الْعَذابِ : عذاب جهنّم، فإنّه أشدّ ممّا كانوا فيه، أو أشدّ عذاب جهنّم.

و قرأ  نافع وحمزة والكسائيّ ويعقوب وحفص: «أدخلوا» على أمر الملائكة بإدخالهم النّار.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال رجل لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- ما تقول في قول اللّه- عزّ وجلّ-: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا؟

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما تقول النّاس فيها؟

فقال: يقولون: إنّها في نار الخلد ، وهم لا يعذّبون فيما بين ذلك.

فقال- عليه السّلام-: فهم من السّعداء.

فقيل له: جعلت فداك، فكيف هذا؟

فقال: إنّما هذا في الدّنيا، وأمّا في نار الخلد فهو قوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ.

وَ إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ: واذكر وقت تخاصمهم فيها. ويحتمل العطف على «غدوّا».

فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: تفصيل له.

إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً: تباعا، كخدم، في جمع خادم. أو ذوي تبع، بمعنى: أتباع، على الإضمار أو التّجوّز .

فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ : بالدّفع أو الحمل.

و «نصيبا» مفعول به لما دلّ عليه «مغنون»، أو له بالتّضمين، أو مصدر، كشيئا، في قوله : لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً. فيكون «من» صلة «مغنون» .

و في مصباح شيخ الطّائفة ، خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- خطب بها يوم الغدير، وفيها يقول- عليه السّلام-: وتقرّبوا إلى اللّه بتوحيده وطاعة من أمركم أن تطيعوه، وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ، ولا يخلج  بكم الغيّ فتضلّوا عن سبيل الرّشاد باتّباع أولئك الّذين ضلّوا وأضلّوا، قال- عزّ من قائل- في طائفة ذكرهم بالذّمّ في كتابه : إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ....

... إلى قوله: وقال- تعالى-: وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً  فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ، قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ.  أ فتدرون الاستكبار ما هو؟ هو ترك الطّاعة لمن أمروا بطاعته والتّرفّع على من ندبوا إلى متابعته ، والقرآن ينطق من هذا عن كثير، إن تدبّره متدّبر، زجره ووعظه.قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها: نحن وأنتم، فكيف نغني عنكم، ولو قدرنا لأغنينا عن أنفسنا.

و قرئ : «كلّا» على التّأكيد، لأنّه بمعنى: كلّنا، وتنوينه عوض عن المضاف إليه.

و لا يجوز جعله حالا من المستكنّ في الظّرف فإنّه لا يعمل في الحال المتقدّمة، كما يعمل في الظّرف المتقدّم، كقولك: كلّ يوم لك ثوب.

إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ  بأن أدخل أهل  الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار، ولا معقّب لحكمه.

وَ قالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ، أي: لخزنتها.

و وضع «جهنّم» موضع الضّمير للتّهويل، أو لبيان محلّهم فيها. و يحتمل أن يكون جهنّم أبعد دركاتها، من قولهم: بئر جهنام: بعيدة القعر.

ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً: قدر يوم.

مِنَ الْعَذابِ : شيئا من العذاب.

و يجوز أن يكون المفعول «يوما» بحذف المضاف ، و«من العذاب» بيانه.

قالُوا أَ وَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ:

 «أرادوا به: إلزامهم للحجّة، وتوبيخهم على إضاعتهم أوقات الدّعاء وتعطيلهم أسباب الإجابة.

قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا: فإنّا لا نجترئ فيه، إذ لم يؤذن لنا في الدّعاء لأمثالكم.

وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ : ضياع لا يجاب.

إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا: بالحجّة والظّفر، والانتقام لهم من الكفرة.

فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ، أي: في الدّارين.

و «الأشهاد» جمع شاهد، كصاحب وأصحاب. والمراد بهم: من يقوم يوم القيامة للشّهادة على النّاس من الأنبياء والملائكة والمؤمنين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن‏

 محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت:

قول اللّه- تبارك وتعالى-: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ.

قال: ذلك، واللّه، في الرّجعة. أما علمت أنّ أنبياء كثيرة لم ينصروا في الدّنيا وقتلوا، وأئمّة من بعدهم قتلوا ولم ينصروا، وذلك في الرّجعة.

يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ: بدل من الأوّل. وعدم نفع المعذرة لأنّها باطلة، أو لأنّه لا يؤذن لهم فيعتذرون.

و قرأ»

 غير الكوفيّين ونافع، بالتّاء.

وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ: ولهم البعد من الرّحمة.

وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ  جهنّم .

وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى: ما يهتدى به في الدّين  من المعجزات والصّحف والشّرائع.

وَ أَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ : وتركنا عليهم بعده من ذلك التّوراة.

هُدىً وَذِكْرى: هداية وتذكرة. أو هاديا ومذكّرا.

لِأُولِي الْأَلْبابِ : لذوي العقول السّليمة.

فَاصْبِرْ: على أذى المشركين.

إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ: بالنّصر حَقٌّ: لا يخلفه، واستشهد بحال موسى وفرعون.

وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ قيل : وأقبل على أمر دينك وتدارك فرطاتك بترك الأولى والاهتمام بأمر العدا بالاستغفار، فإنّه- تعالى- كافيك في النّصر وإظهار الأمر.

و قيل : هذه تعبّد من اللّه- سبحانه- لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- بالدّعاء والاستغفار، لكي يزيده في الدّرجات ويصير سنّة لمن بعده.

وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ : ودم على التّسبيح والتّحميدلربّك.

و قيل : صلّ لهذين الوقتين، إذ كان الواجب بمكّة ركعتين بكرة وركعتين عشيّا.

و قيل : يريد الصلوات  الخمس.

و في مجمع البيان : وروي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال قال  اللّه - جلّ جلاله-: يا ابن آدم، اذكرني بعد الغداة ساعة، وبعد العصر ساعة، أكفك ما أهمّك.

إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ قيل : عامّ في كلّ مجادل مبطل وإن نزلت في مشركي مكّة. أو اليهود حين قالوا:

لست صاحبنا، بل هو المسيح بن داود يبلغ سلطانه البرّ والبحر وتسير معه الأنهار.

إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ: إلّا تكبّر عن الحقّ، وتعظّم عن التّفكّر والتّعلّم. أو إرادة الرّئاسة. أو أنّ النّبوّة والملك لا يكونان إلّا لهم.

ما هُمْ بِبالِغِيهِ: ببالغي دفع الآيات، أو المراد.

فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ: فالتجئ إليه.

إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ : لأقوالكم وأفعالكم.

لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ: فمن قدر على خلقها مع عظمها أوّلا من غير أصل، قدر على خلق الإنسان ثانيا من أصل. وهو بيان لأشكل ما يجادلون فيه من أمر التّوحيد.

وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ : لأنّهم لا ينظرون ولا يتأمّلون لفرط غفلتهم واتّباعهم أهواءهم.

وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ: الغافل والمتبصّر، فينبغي أن يكون لهم حال يظهر فيها التّفاوت وهي فيما بعد البعث.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِي‏ءُ: والمحسن والمسي‏ء.و زيادة «لا» في «المسي‏ء» لأنّ المقصود نفي مساواته للمحسن فيما له من الفضل والكرامة.

و العاطف الثّاني عطف الموصول بما عطف عليه على الأعمى والبصير، لتغاير الوصفين في المقصود، أو الدّلالة بالصّراحة والتّمثيل .

قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ  [، أي: تذكّرا قليلا يتذكّرون‏]  والضّمير للنّاس، أو الكفّار.

و قرأ  الكوفيّون، بالتّاء، على تغليب المخاطب، أو الالتفات، أو أمر الرّسول بالمخاطبة.

إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها: في مجيئها، لوضوح الدّلالة على جوازها وإجماع الرّسل على الوعد بوقوعها.

وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ : لا يصدّقون بها، لقصور نظرهم على ظاهر ما يحسّونه.

وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي قيل : اعبدوني.

أَسْتَجِبْ لَكُمْ: أثبكم، لقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ : صاغرين.

و إن فسّر الدّعاء بالسّؤال، كان الاستكبار الصّارف عنه منزّلا منزلته للمبالغة . أو المراد بالعبادة: الدّعاء، فإنّه من أبوابها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن ابن عيينة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تبارك‏و تعالى- ليمنّ على عبده المؤمن يوم القيامة، فيأمره  أن يدنو منه، يعني: من رحمته، فيدنو حتّى يضع كفّه  عليه، ثمّ يعرّفه ما أنعم به عليه، يقول له: ألم تدعني يوم كذا وكذا بكذا وكذا فأجبت دعوتك!؟ ألم تسألني يوم كذا وكذا فأعطيتك مسألتك!؟ ألم تستغث بي يوم كذا وكذا وبك ضرّ كذا وكذا فكشفت ضرّك  ورحمت صوتك!؟ ألم تسألني مالا فملّكتك!؟ ألم تستخدمني، فأخدمتك!؟ ألم تسألني أن أزوّجك فلانه، وهي منيعة عند أهلها، فزوّجناكها!؟

قال: فيقول العبد: بلى، يا ربّ، أعطيتني كلّما سألتك، وكنت أسألك الجنّة.

فيقول اللّه له: فإنّي واهب  لك [ما سألتنيه. الجنّة لك‏]  مباحا. أرضيتك؟

فيقول المؤمن: نعم، يا ربّ، ارضيتني وقد رضيت.

فيقول اللّه له: عبدي، إنّي كنت أرضى أعمالك، وإنّما أرضى لك أحسن  الجزاء، فإنّ أفضل جزائي عندك أن أسكنك الجنّة. وهو قوله- عزّ وجلّ-: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.

حدّثني أبي ، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال  له رجل: جعلت فداك، إنّ اللّه يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. وإنّا ندعو فلا يستجاب لنا! قال: لأنّكم لا تفون  للّه  بعهده، وأنّ اللّه يقول : أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ.

و اللّه، لو وفيتم للّه، لوفي [اللّه‏]  «لكم.

و في نهج البلاغة : من أعطى الدّعاء لم يحرم الإجابة. قال اللّه- عزّ وجلّ-:ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.

و في من لا يحضره الفقيه»، خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- خطب بها يوم الجمعة، وفيها: وأكثروا فيه التّضرّع والدّعاء ومسألة الرّحمة والغفران، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- ستجيب لكلّ من دعاه، ويورد النّار من عصاه وكلّ مستكبر  عن عبادته، قال اللّه- عزّ وجلّ-: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه قال السّائل: أ لست تقول: يقول اللّه- تعالى-: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. وقد نرى المضطرّ يدعوه فلا يجاب له، والمطيع يستنصره على عدوّه فلا ينصره؟

قال: ويحك، ما يدعوه أحد إلّا استجاب له، أمّا الظّالم  فدعاؤه مردود إلى أن يتوب إليه، وأمّا المحقّ فإنّه إذا دعاه استجاب له وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه، أو ادّخر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته إليه، وإن لم يكن الأمر الّذي سأل العبد خيرا له إن أعطاه أمسك عنه، والمؤمن العارف باللّه ربّما عزّ عليه أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطأ.

و في أدعية الصّحيفة السّجّاديّة : وقلت ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ. [فسمّيت دعاءك عبادة، وتركه استكبارا، وتوعّدت على تركه  دخول جهنّم داخرين.] .

و في قرب الإسناد  للحميريّ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه: عن أبيه- عليهما السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ممّا أعطى اللّه أمّتي وفضّلهم به على سائر الأمم، أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها إلّا نبيّ.

... إلى قوله: كان إذا بعث نبيّا، قال له: إذا أحزنك أمر تكرهه، فادعني، أستجب لك . وإنّ اللّه- تعالى- أعطى أمّتي ذلك حيث يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.و في كتاب جعفر بن محمّد الدّرويستيّ ، بإسناده إلى حفص  بن غياث النّخعيّ قال: سمعت الصّادق، جعفر بن محمّد- عليه السّلام- يقول: إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربّه- تعالى- شيئا إلّا أعطاه، فلييأس من النّاس  كلّهم، ولا يكون له رجاء إلّا عند اللّه- عزّ وجلّ. فإذا علم اللّه- تعالى- ذلك من قلبه  لم يسأله  شيئا إلّا أعطاه.

و في مجمع البيان : وقد روى معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلني اللّه فداك، ما تقول في رجلين دخلا المسجد جميعا، كان أحدهما أكثر صلاة والآخر أكثر دعاء، فأيّهما أفضل؟

قال: كلّ حسن.

قلت: قد علمت، ولكن أيّهما أفضل؟

قال: أكثرهما دعاء، أما تسمع قول اللّه- تعالى-: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.

 (إلى آخر الآية)!؟ وقال: هي العبادة الكبرى.

و روي : عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية، قال: هو الدّعاء، وأفضل العبادة الدّعاء.

و في أصول الكافي ، بإسناده إلى المعلّى بن خنيس: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: قال اللّه- عزّ وجلّ-:

من استذلّ عبدي المؤمن، فقد بارزني بالمحاربة.

... إلى قوله- عزّ وجلّ-: وإنّه ليدعوني في الأمر، فأستجيب له بما هو خير له.

عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز ، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ. قال: هو الدّعاء، وأفضل العبادة الدّعاء.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل وابن محبوب، جميعا، عن‏

 حنّان بن سدير، عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: أيّ العبادة أفضل؟

فقال: ما من شي‏ء أفضل عند اللّه- عزّ وجلّ- من أن يسأل ويطلب ممّا عنده، وما من أحد أبغض إلى اللّه- عزّ وجلّ- ممّن يستكبر عن عبادته ويسأل ما عنده.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: ادع ولا تقل: قد فرغ من الأمر، فإنّ الدّعاء هو العبادة، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ.

و قال: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن عبيد بن زرارة، عن أبيه، عن رجل قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: الدّعاء هو العبادة الّتي قال اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي. (الآية) ادع اللّه- عزّ وجلّ- ولا تقل: إنّ الأمر  قد فرغ منه.

قال زرارة: إنّما يعني: لا يمنعك إيمانك بالقضاء والقدر أن تبالغ بالدّعاء وتجتهد فيه.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عمّن حدّثه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: [قلت:]  آيتان  في كتاب اللّه- عزّ وجلّ- أطلبهما فلا أجدهما.

قال: وما هما؟

قلت: قول اللّه- عزّ وجلّ-: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. فندعوه ولا نرى إجابة.

قال: أفترى  اللّه- عزّ وجلّ- أخلف وعده؟

قلت: لا.

قال: فممّ ذلك؟

قلت: لا أدري.

قال: لكنّي أخبرك، من أطاع اللّه- عزّ وجلّ- فيما أمره ثمّ دعاه من جهة الدّعاء أجابه.

قلت: وما جهة الدّعاء؟

قال: تبدأ فتحمد اللّه وتذكر نعمه عندك، ثمّ تشكره، ثمّ تصلّي على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-، ثمّ تذكر ذنوبك فتقرّبها، ثمّ تستعيذ منها، فهذا جهة الدّعاء.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن ابن بكير ، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ في كتاب أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ المدحة قبل المسألة، فإذا دعوت اللّه- عزّ وجلّ- فمجّده.

قلت: كيف أمجّده؟

قال: تقول: يا من هو أقرب إليّ من حبل الوريد، يا فعّالا لما يريد، يا من يحول بين المرء وقلبه، يا من هو بالمنظر الأعلى، يا من ليس كمثله شي‏ء.

الحسين بن محمّد ، عن معلّي بن محمّد، عن الحسن  بن عليّ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الحارث بن المغيرة قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إذا أردت أن تدعو فمجّد اللّه- عزّ وجلّ- وأحمده وسبّحه وهلّله وأثن عليه، وصلّ على محمّد وآل محمّد، ثمّ سل تعط.

أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن عيص بن القاسم قال:

 

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إذا طلب أحدكم الحاجة فليثن على ربّه وليمدحه، فإنّ الرّجل إذا طلب الحاجة من السّلطان هيّأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه، فإذا طلبتم الحاجة فمجّدوا اللّه العزيز الجبّار وامدحوه وأثنوا عليه، تقول:

يا أجود من أعطى، ويا خير من سئل، يا أرحم من استرحم، يا أحد يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، يا من لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا، يا من يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويقضي ما أحبّ، يا من يحول بين المرء وقلبه، يا من هو بالمنظر الأعلى، يا من ليس كمثله شي‏ء، يا سميع يا بصير.

و أكثر من أسماء اللّه، [فإنّ أسماء اللّه‏]  كثيرة، وصلّ على محمّد وآله، وقل:اللّهمّ، أوسع عليّ من رزقك الحلال ما أكفّ به وجهي، وأؤدّي به عن أمانتي، وأصل به رحمي، ويكون عونا لي في الحجّ والعمرة.

و قال: إنّ رجلا دخل المسجد فصلّى ركعتين، ثمّ سأل اللّه- عزّ وجلّ. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: عجّل العبد ربّه.

و جاء آخر فصلّى ركعتين، ثمّ أثنى على اللّه- عزّ وجلّ- وصلّى على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: سل، تعط.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من سرّه أن تستجاب دعوته فليطيّب  مكسبه.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن غير واحد من أصحابنا قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ العبد الوليّ للّه- سبحانه- يدعو اللّه- عزّ وجلّ- في الأمر ينوبه، فيقول  للملك الموكّل به: اقض لعبدي حاجته، ولا تعجّلها، فإنّي أشتهي أن أسمع نداءه وصوته. وإنّ العبد العدوّ للّه ليدعو اللّه- عزّ وجلّ- في الأمر ينوبه، فيقال  للملك الموكّل به: اقض [لعبدي‏]  حاجته وعجّلها، فإنّي أكره أن أسمع نداءه وصوته.

قال: فيقول النّاس: ما أعطي هذا إلّا لكرامته، ولا منع هذا إلّا لهوانه.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من اللّه- عزّ وجلّ- ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدّعاء.

قلت: له: كيف يستعجل؟

قال: يقول: قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة.

الحسين  بن محمّد ، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ المؤمن ليدعو اللّه- عزّ وجلّ- في‏حاجته، فيقول اللّه- عزّ وجلّ-: أخّروا إجابته شوقا إلى صوته ودعائه. فإذا كان يوم القيامة قال اللّه- عزّ وجلّ-: عبدي، دعوتني فأخّرت إجابتك وثوابك كذا وكذا، ودعوتني في كذا وكذا فأخّرت إجابتك وثوابك كذا وكذا.

قال : فيتمنّى المؤمن أنّه لم تستجب له دعوة في الدّنيا ممّا يرى من حسن الثّواب.

عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: [عن أبيه‏]  عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا يزال الدّعاء محجوبا حتّى يصلّى على محمّد وآل محمّد.

عليّ بن محمّد ، عن ابن جمهور، عن أبيه، عن رجاله قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: من كانت له إلى اللّه- عزّ وجلّ- حاجة، فليبدأ بالصّلاة على محمّد وآل محمّد، ثمّ يسأل حاجته، ثمّ يختم بالصّلاة على محمّد وآل محمّد، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- أكرم من أن يقبل الطّرفين ويدع الوسط إن  كانت الصّلاة على محمّد وآل محمّد، لا تحجب عنه.

و في الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّي بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن الحسن بن المغيرة ، أنّه سمع أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ فضل الدّعاء بعد الفريضة على الدّعاء بعد النّافلة، كفضل الفريضة على النّافلة.

قال: ثمّ قال: ادعه ولا تقل: قد فرغ من الأمر. فإنّ الدّعاء هو العبادة، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ.

و قال: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.

و قال: إذا أردت أن تدعو اللّه  فمجّده وأحمده وسبحّه وهلّله وأثن عليه، وصلّ على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ سل تعط.

و في عيون الأخبار ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع سليمان المروزيّ حديث طويل، فيه قال الرّضا- عليه السّلام-: يا جاهل، فإذا علم الشّي‏ء فقد أراده؟قال سليمان: أجل.

قال: فإذا لم يرده لم يعلمه؟

قال سليمان: أجل.

قال: من أين قلت ذاك، وما الدّليل على أنّ إرادته علمه؟ وقد يعلم مالا يريده أبدا، وذلك قوله - تعالى-: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ. فهو يعلم كيف يذهب به وهو لا يذهب به أبدا.

قال سليمان: لأنّه قد فرغ من الأمر، فليس يزيد فيه شيئا.

قال الرّضا- عليه السّلام-: هذا قول اليهود، فكيف قال: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ؟

قال: سليمان: إنّما عنى بذلك: أنّه قادر عليه.

قال: أ فيعد مالا يفي به؟ فكيف قال : يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ. وقال - عزّ وجلّ-: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ وقد فرغ من الأمر؟ فلم يحر  جوابا.

و في كتاب الخصال : عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كنت عنده وعنده جفنة من رطب، فجاء سائل فأعطاه، ثمّ جاء سائل [آخر]  فأعطاه، [ثمّ جاء آخر  فأعطاه‏]  ثمّ جاء آخر فقال: وسّع اللّه عليك.

ثمّ قال: إنّ رجلا لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألفا ثمّ شاء أن لا يبقى منه شي‏ء إلّا قسّمه في حقّ فعل، فيبقى لا مال له، فيكون من الثّلاثة الّذين يردّ دعاؤهم عليهم.

قال: قلت: جعلت فداك، من هم؟

قال: رجل  رزقه اللّه مالا فأنفقه في وجوهه ثمّ قال: يا ربّ، ارزقني. [فيقول اللّه- عزّ وجلّ-: أو لم أرزقك!؟] . ورجل دعا على امرأته وهو ظالم لها، فيقال له: ألم‏أمرها بيدك!؟ ورجل جلس في بيته وترك الطّلب ثمّ يقول: يا ربّ، ارزقني، فيقول- عزّ وجلّ-: ألم أجعل لك السّبيل إلى الطّلب للرّزق!؟

عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال يا معاوية، من أعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة: من أعطي الدّعاء أعطي الإجابة، ومن أعطى الشّكر أعطي الزّيادة، ومن أعطي التّوكّل أعطي الكفاية، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول في كتابه :

وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ. ويقول : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ. ويقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.

عن عليّ بن أبي طالب - عليه السّلام-، عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-  أنّه قال- صلّى اللّه عليه وآله- في وصيته له: يا عليّ، أربعة لا تردّ لهم دعوة: إمام عادل، ووالد لولده، والرّجل يدعو لأخيه بظهر الغيب، والمظلوم، يقول اللّه- جلّ جلاله-: وعزّتي وجلالي، لأنتصرنّ لك ولو بعد حين.

عن أمير المؤمنين - عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أخفى أربعة في أربعة: أخفى إجابته في دعوته، فلا تستصغرنّ شيئا من دعائه فربّما وأفق إجابته وأنت لا تعلم.

عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: خمسة لا يستجاب لهم: رجل جعل اللّه بيده طلاق امرأته فهي تؤذيه وعنده ما يعطيها ولم يخلّ سبيلها، ورجل أبق مملوكه ثلاث مرّات ولم يبعه، ورجل مرّ بحائط مائل وهو يقبل إليه ولا يسرع المشي حتّى سقط عليه، ورجل أقرض رجلا  مالا فلم يشهد عليه، ورجل جلس في بيته وقال: اللّهمّ، ارزقني، ولم يطلب.

عن نوف ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: يا نوف، إيّاك أن تكون عشّارا أو شاعرا أو شرطيّا أو عريفا  أو صاحب عرطبة، وهي الطّنبور، أو صاحب كوبة،و هو الطّبل، فإنّ نبيّ اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- خرج ذات ليلة فنظر إلى السّماء فقال:

إنّها السّاعة الّتي لا تردّ فيها دعوة، إلّا دعوة [عريف أو دعوة]  شاعر [أو دعوة عاشر]  أو دعوة شرطيّ أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة.

و في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى عليّ بن أسباط، يرفعه إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: من قرأ مائة آية من القرآن من أيّ القرآن شاء، ثمّ قال: يا اللّه، سبع مرّات، فلو دعا على الصّخرة لقلعها- إن شاء اللّه.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى موسى بن جعفر- عليه السّلام- قال: قال قوم للصّادق- عليه السّلام-: ندعو فلا يستجاب لنا.

قال: لأنّكم تدعون من لا تعرفونه.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى الحسن بن عليّ بن أبي حمزة  الثّماليّ: عن أبيه، عن الصّادق- عليه السّلام-، جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: حدّثني جبرئيل، عن ربّ العزّة- جلّ جلاله- أنّه قال: من علم أنّه لا إله إلّا أنا وحدي، وأنّ محمّدا عبدي ورسولي، وأنّ علي بن أبي طالب- عليه السّلام- خليفتي، وأنّ  الأئمّة من ولده حججي، أدخله الجنّة برحمتي وأنجيه  من النّار بعفوي، وأبحت له جواري، وأوجبت له كرامتي، وأتممت عليه نعمتي، وجعلته من خاصّتي وخالصتي، إن ناداني لبّيته، [و إن دعاني أجبته،]  وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فرّ منّي دعوته، وإن رجع إليّ قبلته، وإن قرع بابي فتحته.

و من لم يشهد أن لا إله إلّا أنا [وحدي، أو شهد بذلك‏]  ولم يشهد أنّ محمّدا عبدي ورسولي، أو شهد بذلك [و لم يشهد أنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي، أو يشهد بذلك‏]  ولم‏يشهد أنّ الأئمّة من ولده حججي، فقد جحد نعمتي، وصغّر عظمتي، وكفر بآياتي وكتبي، إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيّبته، وذلك جزاؤه منّي وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى أبي خالد الكابليّ قال: سمعت زين العابدين، عليّ بن الحسين- عليه السّلام- يقول: الذّنوب الّتي تردّ الدّعاء سوء النّيّة وخبث السّريرة والنّفاق مع الإخوان، وترك التّصديق بالاجابة، وتأخير الصّلوات المفروضات حتّى تذهب أوقاتها، وترك التّقرّب إلى اللّه- عزّ وجلّ- بالبرّ والصّدقة، واستعمال البذاء  والفحش في القول.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- حدّثنا الحسين بن أحمد المالكيّ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن محمّد بن سنان، عن محمّد بن النّعمان قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- لم يكلنا إلى أنفسنا، ولو وكلنا إلى أنفسنا لكنّا كبعض النّاس، ولكن نحن الّذين قال اللّه- تعالى- لنا: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ: لتستريحوا فيه، بأن خلقه باردا مظلما ليؤدّي إلى ضعف الحركات  وهدوء الحواسّ.

وَ النَّهارَ مُبْصِراً: يبصر فيه، أو به.

و إسناد الإبصار إليه مجاز فيه مبالغة، ولذلك عدل به عن التعليل إلى الحال  إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ: لا يوازيه فضل، وللإشعار به لم يقل: لمفضل.

عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ : لجهلهم بالمنعم، وإغفالهم مواضع النّعم.

و تكرير «النّاس» لتخصيص الكفران بهم.ذلِكُمُ: المخصوص بالأفعال المقتضية للألوهيّة والرّبوبيّة اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: أخبار مترادفة، تخصّص اللّاحقة السّابقة وتقرّرها.

و قرئ : «خالق» بالنّصب على الاختصاص، فيكون لا إِلهَ إِلَّا هُوَ استئنافا بما هو، كالنّتيجة للأوصاف المذكورة.

فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ : فكيف، ومن أيّ وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره.

كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ، أي: كما أفكوا أفك عن الحقّ كلّ من جحد بآيات اللّه ولم يتأمّلها.

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً: استدلال آخر بأفعال أخر مخصوصة.

وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ: بأن خلقكم منتصب القامة، بادي البشرة، متناسب الأعضاء والتّخطيطات، متهيّأ لمزاولة الصّنائع واكتساب الكمالات.

وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ: اللّذائذ.

ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ : فإنّ كلّ ما سواه مربوب مفتقر بالذّات معرّض للزّوال.

هُوَ الْحَيُّ: المتفرّد بالحياة الذّاتيّة.

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: إذ لا موجود يساويه، أو يدانيه في ذاته وصفاته.

فَادْعُوهُ: فاعبدوه.

مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، أي: الطّاعة من الشّرك والرّياء.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ : قائلين له.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن القاسم بن محمّد عن سليمان بن داود، رفعه قال: قال عليّ بن الحسين- عليه السّلام-: إذا قال أحدكم: لا إله إلّا اللّه، فليقل:

الحمد للّه ربّ العالمين. [فإنّ اللّه يقول: هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏] .قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي: من الحجج والآيات، فإنّها مقوّية لأدلّة العقل منبّهة عليها.

وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ : أن أنقاد له وأخلص له ديني.

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا: أطفالا.

و التّوحيد، لإرادة الجنس. أو على تأويل كلّ واحد منكم.

ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ.

 «اللّام» فيه متعلّق بمحذوف، وتقديره: ثمّ يبقيكم لتبلغوا. وكذلك في قوله: ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً.

و يجوز، عطفه على لِتَبْلُغُوا.

و قرئ : «شيوخا» بالكسر، و«شيخا»، كقوله: «طفلا».

و قرأ  نافع وأبو عمرو وحفص وهشام: «شيوخا» بضمّ الشّين.

و قرئ: «شيخوخة».

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: يؤتى بالشّيخ يوم القيامة فيدفع إليه كتابه، ظاهره ممّا يلي النّاس فلا يرى إلّا مساوئ، فيطول ذلك عليه، فيقول: يا ربّ، أتأمر بي  إلى النّار؟

فيقول الجبّار- جلّ جلاله-: يا شيخ، إنّي أستحي أن أعذّبك وقد كنت تصلّي لي في دار الدّنيا، اذهبوا بعبدي إلى الجنّة.

وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ: من قبل الشّيخوخة، أو بلوغ الأشدّ.

وَ لِتَبْلُغُوا: ويفعل  ذلك لتبلغوا أَجَلًا مُسَمًّى: هو وقت الموت، أو يوم القيامة.

وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ : ما في ذلك من الحجج [و العبر] .

هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً: فإذا أراده فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ‏فَيَكُونُ  فلا يحتاج في تكوينه إلى عدّة وتجشّم كلفة.

و «الفاء» الأولى للدّلالة على أنّ ذلك نتيجة ما سبق، من حيث أنّه يقتضى قدرة ذاتيّة غير متوقّفة على العدد والموادّ.

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ  عن التّصديق.

و تكريز ذمّ المجادلة، لتعدّد المجادل والمجادل فيه. أو للتّأكيد.

الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ: بالقرآن. أو بجنس الكتب  السّماويّة.

وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا: من سائر الكتب أو الوحي والشّرائع.

فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ  جزاء تكذيبهم إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ: ظرف «ليعلمون»، إذ المعنى على الاستقبال، والتّعبير بلفظ المضيّ  لتيقّنه.

وَ السَّلاسِلُ: عطف على «الأغلال». أو مبتدأ خبره يُسْحَبُونَ  فِي الْحَمِيمِ. والعائد محذوف، أي: يسحبون بها. وهو على الأوّل حال.

و قرئ : «و السّلاسل يسحبون» بالنّصب وفتح الياء، على تقديم المفعول وعطف الفعليّة على الاسميّة. «و السّلاسل» بالجرّ حملا على المعنى إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ، بمعنى: أعناقهم في الأغلال. أو إضمارا للباء، ويدلّ عليه لقراءة به.

ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ : يحرقون، من سجر التّنّور: إذا ملأه بالوقود. ومنه السّجير للصّديق، كأنّه سجر بالحبّ، أي: ملئ. والمراد: تعذيبهم بأنواع من العذاب، وينقلون عن بعضها إلى بعض.

ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ  مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا:

غابوا عنّا، وذلك قبل أن تقرن بهم آلهتهم. أو ضاعوا عنّا، فلم نجد منهم ما كنّا نتوقّع منهم.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد. وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب [عن ضريس الكناسي‏]  قالوا: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ للّه نارا في المشرق.

... إلى أن قال: فأمّا النّصّاب من أهل القبلة فإنّهم يخدّ لهم خدّ إلى النّار الّتي خلقها [اللّه‏]  في المشرق، فيدخل عليهم منها اللّهب والشّرر والدّخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة، ثمّ مصيرهم إلى الحميم ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تدعون  من دون الله، أي: أين إمامكم الّذي اتّخذتموه دون الإمام الّذي جعله اللّه للنّاس إماما.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في بصائر الدّرجات : عليّ، عن العبّاس بن عامر، عن أبان عن بشير النّبّال، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال: كنت  خلف أبي وهو على بغلته، فنفرت بغلته، فإذا  شيخ في عنقه سلسلة ورجل يتبعه .

فقال: يا عليّ بن الحسين، اسقني [اسقني.]

 

فقال الرجل : لا تسقه، لا سقاه اللّه. وكان الشّيخ معاوية.

الحجّال ، عن الحسن بن الحسين، عن ابن سنان، عن عبد الملك القمّي، عن إدريس، عن  أخيه قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: بينا أنا وأبي متوجّهان إلى مكّة، وأبي قد تقدّمني في موضع يقال له: ضجنان، إذ جاء رجل في عنقه سلسلة يجرّها ، [فأقبل عليّ‏]  فقال لي : اسقني، اسقني .

قال: فصاح بي أبي: لا تسقه، لا سقاه اللّه. ورجل  يتبعه حتّى جذب سلسلته  وطرحه في أسفل درك من النّار.

أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن عليّ بن المغيرة قال: نزل أبو جعفر- عليه السّلام- [بوادي‏]  ضجنان، فقال ثلاث مرّات: لا غفر اللّه‏لك.

ثمّ قال لأصحابه: أ تدرون لم قلت ما قلت؟

فقالوا: لم قلت، جعلنا اللّه فداك؟

قال: [مرّ]  معاوية يجرّ سلسلة قد أدلى لسانه [يسألنى أن‏]  أستغفر له، وأنّه يقال:

إنّ هذا واد  من أودية جهنّم.

بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً، أي: بل تبيّن لنا أنّا لم نكن نعبد شيئا بعبادتهم، فإنّهم ليسوا شيئا يعتدّ به، كقولك: حسبته شيئا فلم يكن.

كَذلِكَ: مثل هذا الضّلال يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ  حتّى لا يهتدوا إلى شي‏ء ينفعهم في الآخرة. أو يضلّهم عن آلهتهم، حتّى لو تطالبوا لم يتصادفوا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا- إلى قوله: كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ. فقد سمّاهم اللّه: كافرين  مشركين، بأن كذّبوا بالكتاب، وقد أرسل اللّه- عزّ وجلّ- رسله بالكتاب وبتأويله، فمن كذّب بالكتاب، أو كذّب  بما أرسل به رسله من تأويل الكتاب، فهو مشرك كافر.

ذلِكُمْ: الإضلال بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ: تبطرون وتتكبّرون بِغَيْرِ الْحَقِّ: وهو الشّرك والطّغيان.

وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ : تتوسّعون في الفرح.

و العدول إلى الخطاب، للمبالغة في التّوبيخ.

و في تفسير علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: الفرح والمرح والخيلاء  كلّ ذلك في الشّرك والعمل في الأرض بالمعصية.

و في كتاب الخصال : عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: وشعب الطّمع أربع: الفرح والمرح واللّجاجة والتّكبّر ، والفرح  مكروه عند اللّه‏- تعالى- والمرح خيلاء. والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في أصول الكافي ، مثله.

 

ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ: الأبواب السّبعة المقسومة لكم.

خالِدِينَ فِيها: مقدّرين الخلود.

فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ : عن الحقّ جهنّم. وكان مقتضى النّظم:

فبئس مدخل المتكبّرين. لكن لمّا كان الدّخول المقيّد بالخلود سبب الثّواء، ذكر المثوى.

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ: بهلاك الكفّار حَقٌّ: كائن لا محالة.

فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ: فإن نرك.

و «ما» مزيدة لتأكيد الشّرطيّة، ولذلك لحقت النّون الفعل، ولا تلحق مع «إن» وحدها.

بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ: وهو القتل والأسر.

أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ: قبل إنزاله.

فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ : يوم القيامة، فنجازيهم بأعمالهم.

و هو جواب نَتَوَفَّيَنَّكَ، وجواب نُرِيَنَّكَ محذوف، مثل: فذاك.

و يجوز أن يكون جوابا لهما، بمعنى: أن نعذّبهم في حياتك. أو لم [نعذّبهم فإنّا]  نعذّبهم في الآخرة أشدّ العذاب، ويدلّ على شدّته الاقتصار بذكر الرّجوع في هذا المعرض.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن ضريس الكناسيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، ما حال الموحّدين المقرّبين بنبوّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- من المسلمين المذنبين  الّذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم؟

فقال: أمّا هؤلاء فإنّهم في حفرهم لا يخرجون منها، فمن كان له عمل صالح ولم تظهر  منه عداوة فإنّه يخدّ له خدّ إلى الجنّة الّتي خلقها اللّه بالمغرب، فيدخل عليه الرّوح في حفرته إلى يوم القيامة حتّى يلقى اللّه فيحاسبه بحسناته [و سيّئاته‏] ، فإمّا إلى الجنّة وإمّاإلى النّار، فهؤلاء الموقوفون لأمر اللّه، قال: وكذلك يفعل بالمستضعفين والبله والأطفال وأولاد المسلمين الّذين لم يبلغوا الحلم.

و أمّا النّصاب من أهل القبلة فإنّهم يخدّ لهم خدّ إلى النّار الّتي خلقها اللّه في المشرق، فيدخل عليهم اللّهب والشّرر والدّخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة، ثمّ بعد ذلك مصيرهم إلى الجحيم  فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ، ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أي: أين إمامكم الّذي اتّخذتموه دون الإمام الّذي جعله اللّه [لكم و]  للنّاس إماما؟ ثمّ قال لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [، يعني من العذاب‏]  أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ.

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ: إذ قيل: عدد الأنبياء مائة ألف  واربعة وعشرون ألفا، والمذكور قصّتهم أشخاص معدودة.

و في مجمع البيان : وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ و

روي عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: بعث اللّه نبيّا أسود لم يقصّ علينا قصّته.

و اختلفت الأخبار  في عدد الأنبياء، فروي في بعضها أنّ عددهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، وفي بعضها أنّ عددهم ثمانية آلاف [نبيّ‏] ، أربعة آلاف من بني إسرائيل، وأربعة آلاف من غيرهم.

وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ: فإنّ المعجزات عطايا قسّمها بينهم على ما اقتضته حكمته، كسائر القسم، ليس لهم اختيار في إيثار بعضها والاستبداد بإتيان المقترح بها.

فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ: بالعذاب في الدّنيا والآخرة قُضِيَ بِالْحَقِّ: بإنجاء المحقّ وتعذيب المبطل.وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ : المعاندون باقتراح الآيات بعد ظهور ما يغنيهم عنها.

و في أمالي الصّدوق - رحمه اللّه- بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان بالمدينة رجل بطّال يضحك النّاس ، فقال: قد أعياني هذا الرّجل أن أضحكه، يعني: عليّ بن الحسين- عليه السّلام.

قال: فمرّ عليّ- عليه السّلام- وخلفه موليان له، فجاء الرّجل حتّى انتزع رداءه من رقبته ثمّ مضى، فلم يلتفت إليه عليّ- عليه السّلام- فاتّبعوه وأخذوا الرّداء منه فجاءوا به فطرحوه عليه.

فقال لهم: من هذا؟

قالوا: هذا رجل بطّال يضحك أهل المدينة.

فقال: قولوا له: إنّ للّه يوما يخسر فيه المبطلون.

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ : فإنّ من جنسها ما يؤكل، كالغنم، ومنها ما يؤكل ويركب وهو الإبل والبقر.

وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ، كالألبان والجلود والأوبار.

وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ: بالمسافرة عليها.

وَ عَلَيْها في البرّ.

وَ عَلَى الْفُلْكِ في البحر تُحْمَلُونَ .

و إنّما قال: عَلَى الْفُلْكِ ولم يقل: في الفلك، للمزاوجة.

و تغيير النّظم في الأكل لأنّه في حيّز الضّرورة، إذ بقصد به التّعيّش والتّلذّذ، والرّكوب والمسافرة عليها قد يكون لأغراض دينيّة واجبة أو مندوبة. أو للفرق بين العين والمنفعة  يُرِيكُمْ آياتِهِ‏

: دلائله الدّالّة على كمال قدرته وفرط رحمته.

َيَّ آياتِ اللَّهِ‏

، أي: فأيّ آية من تلك الآيات‏نْكِرُونَ‏

 : فإنّها لظهورها لا تقبل الإنكار.و هو ناصب، أي: إذ لو قدّرته متعلّقا بضميره كان الأولى رفعه.

أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ: ما بقي منهم من القصور والمصانع ونحوهما.

و قيل : آثار أقدامهم في الأرض، لعظم أجرامهم.

فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ .

الأولى  نافية، أو استفهاميّة منصوبة «بأغنى». والثّانية موصولة، أو مصدريّة مرفوعة به.

فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ: بالمعجزات، أو الآيات الواضحات فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ واستحقروا علم الرّسل.

و المراد بالعلم: عقائدهم الزائفة وشبههم الدّاحضة، كقوله : بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ. وهو قولهم: لا نبعث ولا نعذّب وما أظنّ السّاعة قائمة ونحوها. وسمّاها: علما، على زعمهم، تهكّما بهم.

أو من علم الطّبائع والتّنجيم والصّنائع، ونحو ذلك.

أو علم الأنبياء، وفرحهم به ضحكهم منه واستهزاؤهم، ويؤيده: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ .

و قيل : الفرح- أيضا- للرّسل، فإنّهم لمّا رأوا تمادي جهل الكفّار وسوء عاقبتهم فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا اللّه عليه، وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم.

فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا: شدّة عذابنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ، يعنون: الأصنام.

فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا: لامتناع قبوله حينئذ.

قيل : والفاء الأولى  لأنّ قوله: فَما أَغْنى عَنْهُمْ كالنّتيجة لقوله: كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ. والثانية  لأنّ قوله: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ كالتّفسير لقوله: فَما أَغْنى عَنْهُمْ.و الباقيتان  لأنّ رؤية البأس مسبّبة عن مجي‏ء الرّسل، وامتناع نفع الإيمان مسبّب عن الرّؤية.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- عن من العلل، بإسناده إلى [محمّد بن‏]  إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ قال: قلت لأبي الحسن الرّضا- عليه السّلام-: لأيّ علّة غرّق  اللّه- تعالى- فرعون وقد آمن به وأقرّ بتوحيده؟

قال: لأنّه آمن عند رؤية البأس، والإيمان عند روية البأس غير مقبول، وذلك حكم اللّه- تعالى ذكره- في السّلف والخلف، قال اللّه- عزّ وجلّ-: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا.

و قال - عزّ وجلّ-: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً. وهكذا فرعون لمّا أدركه الغرق قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فقيل له: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ.

 

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في شرح الآيات الباهرة : قال عليّ بن إبراهيم في تفسيره. ذلك إذا قام القائم- عليه السّلام- في الرّجعة.

سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ، أي: سنّ اللّه ذلك سنّة ماضية في العباد.

قيل : وهي من المصادر المؤكّدة.

وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ ، أي: وقت رويتهم البأس. اسم مكان استعير للزّمان.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن جعفر بن رزق اللّه [- أو رجل عن جعفر بن  رزق اللّه-]1»

 قال: قدم إلى المتوكّل رجل نصرانيّ فجر بامرأة مسلمة، فأرادأن يقيم عليه الحدّ فأسلم.

فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه وفعله.

و قال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود. وقال بعضهم. يفعل به كذا وكذا.

فأمر المتوكّل بالكتاب  إلى أبي الحسن الثّالث وسؤاله عن ذلك، فلمّا قرأ الكتاب كتب: يضرب حتّى يموت.

فأنكر يحيى بن أكثم، وأنكر فقهاء العسكر ذلك، وقالوا: يا أمير المؤمنين، نسأل  عن هذا فإنّه شي‏ء لم ينطق به كتاب  ولم تجي‏ء به سنّة.

فكتب إليه: إنّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا، وقالوا: لم تجي‏ء به سنّة و لم ينطق به كتاب، فبيّن لنا لم أوجبت عليه الضّرب حتّى يموت؟

فكتب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ. فأمر به المتوكّل، فضرب حتّى مات.