سورة الضّحى

سورة الضّحى‏

مكّيّة.

و آيها إحدى عشرة بالإجماع.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من أكثر قراءة والشمس والليل والضحى (الحديث) وقد تقدّم في وَالشَّمْسِ وَضُحاها.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ومن قرأها كان ممّن يرضاه اللّه، ولمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أن يشفع له، وله عشر حسنات بعدد كلّ يتيم وسائل.

و روى العيّاشي ، بإسناده: عن المفضّل بن صالح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: لا تجمع سورتين في ركعة واحدة إلّا الضحى وأ لم نشرح، وأ لم تر كيف ولإيلاف قريش.

و فيه : وروى أصحابنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة، لتعلّق إحداهما بالأخرى.و في تهذيب الأحكام : الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن العلا، عن زيد الشّحّام قال: صلّى بنا أبو عبد اللّه- عليه السّلام- [الفجر]  فقرأ: الضحى وأ لم نشرح في ركعة واحدة.

وَ الضُّحى‏ .

قيل:  ووقت ارتفاع الشّمس، وتخصيصه، لأنّ النّهار يقوى فيه. أو لأنّ فيه كلّم موسى ربّه، وألقى السّحرة سجّدا. أو النّهار، ويؤيّده قوله : أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى في مقابلة «بياتا».

وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى‏ : سكن أهله، أو ركد ظلامه، من سجا البحر سجوا:

إذا سكنت أمواجه.

و تقديم «اللّيل» في السّورة المتقدّمة باعتبار الأصل، وتقديم «النّهار» هاهنا باعتبار الشّرف.

ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ: ما قطعك قطع المودّع.

و قرئ  بالتّخفيف، بمعنى: ما تركك. وهو جواب القسم.

و في مجمع البيان : في الشّواذّ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ما وَدَّعَكَ بالتّخفيف، والقراءة المشهورة بالتّشديد.

وَ ما قَلى‏ : وما أبغضك. وحذف المفعول استغناء بذكره من قبل، ومراعاة للفواصل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى‏ وذلك أنّ جبرئيل أبطأ على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأنّه كانت أوّل سورة نزلت اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، ثمّ أبطأ عليه، فقالت خديجة- رضي اللّه عنها-: لعلّ ربّك قد تركك فلا يرسل إليك. فأنزل اللّه- تبارك وتعالى-: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى‏.و في مجمع البيان : وقيل: إنّ المسلمين قالوا: ما ينزل عليك الوحي، يا رسول اللّه.

قال: وكيف ينزل عليّ الوحي وأنتم لا تنقّون  براجمكم ، ولا تقلّون أظفاركم.

و لمّا نزلت السّورة قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لجبرئيل: ما جئت حتّى اشتقت إليك.

فقال جبرئيل: وأنا كنت أشدّ إليك شوقا، ولكنّي عبد مأمور وما ننزل إلّا بأمر ربّك.

و في جوامع الجامع : وروي أنّ الوحي كان قد احتبس عنه أيّاما، فقال المشركون: إنّ محمّدا ودّعه ربّه وقلاه، فنزلت.

وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى‏ : فإنّها باقية خالصة عن الشّوائب، وهذه فانية مشوبة بالمضارّ، كأنّه لمّا بيّن أنّه- تعالى- لا يزال يواصله بالوحي والكرامة في الدّنيا، وعد له ما هو أعلى وأجلّ من ذلك  في الآخرة. أو لنهاية أمرك خير من بدايته، فإنّه- صلّى اللّه عليه وآله- لا يزال يتصاعد في الرّفعة والكمال.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا [جعفر بن أحمد قال: حدّثنا]  عبد اللّه بن موسى، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، [عن أبيه‏]  عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى‏، يعني: الكرّة هي الآخرة للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.

وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏ : وعد شامل لما أعطاه اللّه من كمال النّفس وظهور الأمر وإعلاء الدّين، ولما ادّخر له ممّا لا يعرف كنهه سواه.

و اللّام للابتداء، دخل الخبر بعد حذف المبتدأ، والتّقدير: ولأنت سوف يعطيك. لا للقسم، فإنّها لا تدخل على المضارع إلّا مع النّون المؤكّدة، وجمعها مع‏ «سوف» للدّلالة على أنّ العطاء كائن لا محال، وإن تأخّر لحكمة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  متّصلا بقوله: الآخرة للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: قلت: قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏.

قال: يعطيك من الجنّة حتّى ترضى.

و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب : تفسير الثّعلبي، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-. وتفسير القشيريّ، عن جابر الأنصاريّ أنّه رأى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فاطمة- عليها السّلام- وعليها كساء من أجلّة الإبل  وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال: يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدّنيا بحلاوة الآخرة.

فقالت: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الحمد للّه على نعمائه والشّكر للّه على آلائه. فأنزل اللّه «و لسوف يرضى» (الآية).

و في مجمع البيان ، عن الصّادق- عليه السّلام- قال: دخل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على فاطمة- عليها السّلام- وعليها كساء من ثلّة  الإبل، وهي تطحن بيدها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا أبصرها.

فقال: يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدّنيا بحلاوة الآخرة، فقد أنزل اللّه عليّ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏.

و قال الصّادق - عليه السّلام-: رضا جدّي أن لا يبقى في النّار موحّد.

و روى  حريث»

 بن شريح، عن محمّد بن  الحنفيّة أنّه قال: يا أهل العراق، تزعمون أنّ أرجى آية في كتاب اللّه يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ  وإنّا، أهل البيت نقول: أرجى آية في كتاب اللّه وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏. وهي واللّه الشّفاعة ليعطينّها في أهل لا إله إلّا اللّه [حتّى يقول: ربّ رضيت.و في شرح الآيات الباهرة : محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- عن أبي داود، عن بكار، عن عبد الرحمن، عن إسماعيل بن عبيد اللّه، عن عليّ بن عبيد اللّه بن العبّاس قال: عرض على‏]  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ما هو مفتوح على أمّته من بعده كفرا كفرا، فسرّ بذلك، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى‏، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏.

قال: فأعطاه اللّه [- عزّ وجلّ- ألف قصر في الجنّة، ترابه المسك، وفي كلّ قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم.

و قوله: كفرا كفرا، أي: قرية قرية. والقرية تسمّى كفرا.

و روى - أيضا- عن محمّد بن أحمد بن الحكم‏]  عن محمّد بن يونس، عن حمّاد بن عيسى، عن الصّادق جعفر ابن محمّد- عليه السّلام-، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللّه قال: دخل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على فاطمة- عليها السّلام- وهي تطحن بالرّحى، وعليها كساء من أجلّة الإبل، فلمّا نظر إليها بكى وقال: يا فاطمة، تعجّلي مرارة الدّنيا لنعيم الآخرة غدا.

فأنزل اللّه وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى‏، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏.

و روى - أيضا-، عن أحمد بن محمّد النّوفليّ، عن أحمد بن محمّد الكاتب، عن عيسى بن مهران، بإسناده، إلى زيد بن عليّ في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏ قال: إنّ رضا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إدخال اللّه أهل بيته وشيعتهم الجنّة، وكيف لا، وإنّما خلقت الجنّة لهم والنّار لأعدائهم. فعلى أعدائهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين.

أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى‏ : تعديد لما أنعم عليه، تنبيها على أنّه كما أحسن إليه فيما مضى يحسن إليه فيما يستقبل وإن تأخّر.

و «يجدك» من الوجود، بمعنى: العلم، و«يتيما» مفعوله الثّاني. أو المصادفة «و يتيما» حال.

وَ وَجَدَكَ ضَالًّاقيل : عن علم الحكم والأحكام.

فَهَدى‏ : فعلّمك بالوحي والإلهام والتّوفيق للنّظر.

و قيل : «وجدك ضالّا» في الطّريق حين خرج بك أبو طالب إلى الشّام. أو حين فطمتك حليمة وجاءت بك لتردّك على جدّك، فأزال ضلالك عن عمّك أو جدّك.

وَ وَجَدَكَ عائِلًا قيل : فقيرا ذا عيال.

فَأَغْنى‏ : بما حصل لك من ربح التّجارة.

و في مجمع البيان : وروى العيّاشي، بإسناده، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- في قوله: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى‏ قال: فردا لا مثل لك في المخلوقين، فآوى النّاس إليك. وَوَجَدَكَ ضَالًّا، أي: ضالّة  في قومك لا يعرفون فضلك، فهداهم إليك وَوَجَدَكَ عائِلًا تعول أقواما بالعلم، فأغناهم اللّه بك.

و روي  أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: منّ عليّ ربّي وهو أهل المنّ.

و سئل الصّادق - عليه السّلام-: لم أوتم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عن أبويه؟

فقال: لئلّا يكون لمخلوق عليه حقّ.

و فيه : وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى‏ قيل: في معناه أقوال- إلى قوله-: وثانيها، أنّ المعنى: وجدك متحيّرا لا تعرف وجوه معاشك فهداك إلى وجوه معاشك، فإنّ الرّجل إذا لم يهتد طريق مكسبه ووجه معيشته يقال: إنّه ضالّ لا يدري إلى أين يذهب، ومن أو وجه يكتسب.

 

و في الحديث : نصرت بالرّعب، وجعل رزقي في ظل رمحي، يعني: الجهاد.

و روى سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لقد سألت ربّي مسألة وددت أنّي لم أسأله، قلت: أي ربّ، إنّه قد كانت أنبياء قبلي، منهم من سخّرت له الرّيح، ومنهم من كان يحيي الموتى.

قال: فقال: ألم أجدك  يتيما  فآويتك؟قلت: بلى.

قال: ألم أجدك ضالّا فهديتك؟

قال: قلت: بلى، أي ربّ.

قال: ألم أشرح  لك صدرك، ووضعت عنك وزرك؟

قال: قلت: بلى أي ربّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا عليّ بن الحسين، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن خالد بن يزيد، عن أبي الهيثم الواسطيّ، عن زرارة، عن أحدهما- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى‏ فآوى إليك النّاس. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى‏، أي: هدى إليك قوما لا يعرفونك حتّى عرفوك: وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى‏، أي: وجدك تعول أقواما فأغناهم بعلمك.

قال عليّ بن إبراهيم : في قوله- تعالى-: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى‏: قال:

 «اليتيم» الّذي لا مثل له، ولذلك سمّيت الدّرّة اليتيمة لأنّه لا مثل لها. وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى‏ [قال: فأغناك‏]  بالوحي، فلا تسأل عن شي‏ء أحدا. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى‏ قال: وجدك ضالّا  في قوم لا يعرفون فضل نبوّتك، فهداهم اللّه بك.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- عند المأمون في عصمة الأنبياء حديث طويل، يقول فيه للمأمون: وقد قال اللّه- تعالى- لنبيّه محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى‏ يقول: ألم يجدك وحيدا فآوى إليك النّاس.

وَ وَجَدَكَ ضَالًّا، يعني: عند قومك. «فهدى»، أي: هداهم إلى معرفتك. وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى‏ يقول: بأن جعل دعاءك مستجابا.

قال المأمون: بارك اللّه فيك، يا ابن رسول اللّه.

و في روضة الكافي ، بإسناده: عنهم- عليهم السّلام-: فيما وعظ اللّه به عيسى- عليه السّلام-: يا عيسى، أنا ربّك- إلى قوله- عزّ وجلّ- في صفة محمّد- صلّى اللّه عليه‏و آله:- النّور في صدره والحقّ على لسانه، وهو على الحقّ حيثما كان أصله ، يتيم ضالّ برهة من زمانه عمّا يراد به.

فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ : فلا تغلبه على ماله لضعفه.

و قرئ : «فلا تكهر»، أي: فلا تعبس في وجهه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  أي: لا تظلم. والمخاطبة للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- والمعنى للنّاس.

و في مجمع البيان : وكان النبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يحسن إلى اليتامى [و يبرّهم‏]  ويوصي بهم.

و جاء في الحديث ، عن ابن أبي  أوفى قال: كنّا جلوسا عند رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فأتاه غلام.

فقال: غلام يتيم، وأخت لي يتيمة، وأمّ لي أرملة، أطعمنا ممّا أطعمك اللّه، أعطاك [اللّه‏]  ممّا عنده حتى ترضى.

قال: ما أحسن ما قلت، يا غلام! اذهب، يا بلال، فأتنا بما كان عندنا.

فجاء بواحدة وعشرين تمرة، فقال سبعة لك، وسبع لأختك، وسبع لأمّك.

فقام إليه معاذ بن جبل فمسح رأسه. وقال: جبر اللّه يتمك وجعلك خلفا من أبيك، وكان من أبناء المهاجرين.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: رأيتك، يا معاذ، وما صنعت.

قال: رحمته.

قال: لا يلي [أحد]  منكم يتيما فيحسن ولايته ويضع يده على رأسه، إلّا كتب اللّه له بكلّ شعرة حسنة، [و محا عنه بكلّ شعرة سيّئة،]  [و رفع له بكل شعرة درجة.

و عن عبد اللّه بن مسعود1» قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من مسح‏على رأس يتيم، كان له بكلّ شعرة]  تمرّ على يده نور  يوم القيامة.

و قال - صلّى اللّه عليه وآله-: أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة إذا اتّقى اللّه.

و أشار بالسّبابة والوسطى.

وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ : فلا تزجر.

في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى أبي خالد الكابليّ قال: سمعت زين العابدين عليّ بن الحسين- عليه السّلام- يقول: الذّنوب الّتي تحبس غيث السّماء جور الحكّام في القضاء، وشهادة الزّور، وكتمان الشّهادة، ومنع الزّكاة- إلى قوله-: وظلم اليتيم [و الأرملة، وانتهار السائل وردّه باللّيل‏] .

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إذا طرقكم سائل ذكر بليل فلا تردّوه.

و سئل الصّادق - عليه السّلام- عن السّائل يسأل، فلا يدرى ما هو.

فقال: أعط من وقعت في قلبك له الرّحمة.

و روى الوصافي ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان فيما ناجى اللّه به موسى أن قال: يا موسى، أكرم السّائل ببذل يسير أو بردّ جميل، إنّه  يأتيك من ليس بإنس ولا جانّ، ملائكة من ملائكة الرّحمن يبلونك فيما خوّلتك، ويسألونك ممّا نولتك، فانظر كيف أنت صانع، يا ابن عمران.

و قال - عليه السّلام-: أعط  السّائل ولو على ظهر فرس.

و قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله-: لا تقطعوا على السّائل مسألته، فلولا أنّ‏المساكين يكذبون ما أفلح من ردّهم.

و قال أبو جعفر - عليه السّلام-: لو يعلم السّائل ما في المسألة، ما سأل أحد أحدا. ولو يعلم المعطي ما في العطيّة، ما ردّ أحد أحدا.

و روي  عن الوليد بن صبيح قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فجاء سائل فأعطاه، ثمّ جاء آخر فأعطاه، ثمّ جاء آخر فأعطاه، ثمّ جاء آخر فقال: وسّع اللّه عليك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ، أي: لا تطرد.

وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ، فإنّ التّحدّث بها شكرها.

و قيل : المراد بالنّعمة: النّبوّة. والتّحدّث بها: تبليغها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: قوله: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ قال:

بما أنزل اللّه عليك وأمرك به من الصّلاة والزّكاة [و الصوم‏]  والحجّ [و الجهاد]  والولاية، وبما فضّلك اللّه به فحدّث.

و في كتاب الخصال : فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب: البسوا ثياب القطن، فإنّها لباس رسول اللّه، ولم يكن يلبس الشّعر والصّوف إلّا من علّة.

و قال: إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال، ويحبّ أن يرى أثر  نعمته على عبده.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى عمرو بن شمر: عن جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر، محمّد بن عليّ- عليهم السّلام- قال: خطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- بالكوفة بعد منصرفه من النّهروان، وبلغه أنّ معاوية يسبّه ويعيبه ويقتل أصحابه، فقام خطيبا فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على رسوله وذكر ما أنعم اللّه على نبيّه وعليه.ثم قال: لولا آية من كتاب اللّه ما ذكرت ما أنا ذاكر في مقامي هذا، يقول- تعالى-: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ اللّهمّ لك الحمد على نعمك  الّتي لا تحصى، وفضلك الّذي لا ينسى.

يا أيّها النّاس، إنّه بلغني ما بلغني، وإنّي أراني قد اقترب أجلي، وكأنّي بكم وقد جهلتم أمري، وإنّي تارك فيكم ما تركه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، كتاب اللّه وعترتي، وهي عترة الهادي إلى النّجاة، خاتم الأنبياء وسيّد النّجباء والنّبيّ المصطفى.

يا أيّها النّاس، لعلّكم لا تسمعون قائلا يقول مثل قولي بعدي إلّا مفتر، أنا أخو رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وابن عمّه وسيف نقمته وعماد نصرته وبأسه وشدّته، وأنا رحى جهنّم الدّائرة وأضراسها الطّاحنة، أنا مؤتم البنين والبنات، أنا قابض الأرواح وبأس اللّه الّذي لا يردّه عن القوم المجرمين، إنا مجدّل الأبطال وقاتل الفرسان ومبير من كفر بالرّحمن وصهر خير الأنام، أنا سيّد الأوصياء ووصيّ خير الأنبياء، أنا باب مدينة العلم وخازن علم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ووارثه، وأنا زوج البتول سيّدة نساء العالمين، فاطمة التقيّة  النّقيّة  الزّكية البرّة المهذّبة ، حبيبة حبيب اللّه وخير بناته وسلالته، وريحانة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. وسبطاه خير الأسباط وولداي خير الأولاد، هل أحد ينكر ما أقول؟

أين مسلمو أهل الكتاب؟ أنا اسمي في الإنجيل إليا، وفي التّوراة بري‏ء، وفي الزّبور أريّ، وعند الهند كبكر، وعند الرّوم بطريسا، وعند الفرس حبتر ، وعند التّرك بشير ، وعند الزّنج جبتر ، وعند الكهنة بوي‏ء، وعند الحبشة شتريك ، وعند أمّي حيدرة، وعند ظئري ميمون، وعند العرب عليّ، وعند الأرمن فريق، وعند أبي ظهير.

ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء، احذروا أن تغلبوا عليها، فتضلّوا في دينكم، يقول اللّه- تعالى-: إن الله مع الصادقين  أنا ذلك الصّادق. وأنا المؤذّن في‏الدّنيا والآخرة قال : فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ أنا ذلك المؤذّن، وقال : وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فأنا ذلك الأذان. وأنا المحسن، يقول اللّه - عزّ وجلّ-:

إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ. وأنا ذو القلب، يقول اللّه - عزّ وجلّ-: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ. وأما الذّاكر، يقول اللّه - عزّ وجلّ-: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى‏ جُنُوبِهِمْ.

و نحن أصحاب الأعراف، أنا وعمّي وأخي وابن عمّي، واللّه فالق الحبّ والنّوى، لا يلج النّار لنا محبّ ولا يدخل الجنّة لنا مبغض، يقول اللّه - تعالى-: وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ. وأنا الصّهر، يقول - تعالى-: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً. وأنا الأذن الواعية، يقول اللّه - تعالى-: وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ

. وأنا السّلم لرسول اللّه، يقول : وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ. ومن ولدي مهديّ هذه الأمّة.

ألا وقد جعلت حجّتكم ، ببغضي يعرف المنافقون، وبمحبّتي امتحن اللّه المؤمنين، هذا عهد النّبيّ الأمّيّ: ألا إنّه لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا  منافق. وأنا صاحب لواء رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [في الدنيا والآخرة]  [و رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-]  فرطي وأنا فرط  شيعتي، واللّه، لا عطش محبّي ولا خاف وليّي و أنا وليّ المؤمنين، واللّه وليّي، حسب  محبّي أن يحبّوا ما أحبّ اللّه، وحسب  مبغضي أن يبغضوا ما أحبّ اللّه.ألا وإنّه بلغني أنّ معاوية سبّني ولعنني، اللّهمّ اشدد وطأتك عليه وأنزل اللّعنة على المستحقّ، آمين ربّ العالمين ربّ إسماعيل وباعث إبراهيم، إنّك حميد مجيد.

ثمّ نزل- عليه السّلام- عن أعوادها، فما عاد إليها حتّى قتله ابن ملجم- لعنه اللّه-.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وغيرهما، بأسانيد مختلفة، في احتجاج أمير المؤمنين- عليه السّلام- على عاصم بن زياد حين لبس العباء وترك الملاء، وشكاه أخوه الرّبيع بن زياد إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قد غمّ أهله وحزّن ولده بذلك.

فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام- عليّ  بعاصم، فجي‏ء به.

فلمّا رآه عبّس في وجهه فقال له: أما استحييت من أهلك، أما رحمت ولدك؟

أ ترى اللّه أحلّ لك الطّيّبات وهو يكره أخذك منها؟ أنت أهون على اللّه من ذلك، او ليس يقول : وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ؟ أو ليس يقول : مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ- إلى قوله-: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ؟ فباللّه، لابتذال نعم اللّه بالفعال أحبّ إليه من ابتذاله لها بالمقال، وقد قال- تعالى-: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.

فقال عاصم: يا أمير المؤمنين، فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة ، وفي ملبسك على الخشونة؟

فقال: ويحك، إنّ اللّه فرض على أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة النّاس، كي لا يتبيّغ  بالفقير فقره. فألقى عاصم بن زياد العباء  ولبس الملاء.

أحمد بن أبي عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن داود بن الحصين، عن فضل البقباق قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.

قال: الّذي أنعم عليك بما فضّلك وأعطاك، ثمّ قال: فحدّث بدينه، وما أعطاه اللّه، وما أنعم به عليه.

و في مجمع البيان : وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ‏

قال الصّادق- عليه السّلام-: معناه: فحدّث بما أعطاك اللّه وفضّلك ورزقك وأحسن إليك وهداك.

و في الحديث : من لم يشكر النّاس، لم يشكر اللّه. ومن لم يشكر القليل، لم يشكر الكثير.

و في الكافي ، بإسناده إلى أبي بصير [عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-]  قال:

قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ اللّه جميع يحبّ الجمال، ويحبّ أن يرى أثر النّعمة على عبده.

عليّ بن محمّد ، رفعه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا أنعم اللّه على عبده بنعمة فظهرت عليه سمّي: حبيب اللّه محدّثا بنعمة اللّه، وإذا أنعم اللّه [على عبده‏]  بنعمة فلم تظهر عليه سمّي بغيض اللّه مكذّبا بنعمة اللّه.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، رفعه قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّني لأكره للرّجل أن يكون عليه من اللّه نعمة فلا يظهرها.

و بإسناده  إلى بريد بن معاوية قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- لعبيد بن زياد: إظهار النّعمة أحبّ إلى اللّه من صيانتها. فإيّاك أن تزيّن إلّا في أحسن زيّ قومك.

قال: فما رئي  عبيد إلّا في أحسن زيّ قومه حتّى مات.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن الوشّاء، عن عاصم بن حميد، عن عمرو  بن أبي نصر، قال: حدّثني رجل من أهل البصرة قال: رأيت الحسين بن عليّ- عليه السّلام-و عبد اللّه  بن عمر يطوفان  بالبيت، فسألت ابن عمر فقلت: قول اللّه: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.

قال: أمره أن يحدّث بما أنعم اللّه عليه.

ثمّ إنّي قلت للحسين بن عليّ- عليه السّلام-: قول اللّه: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.

قال: أمره أن يحدّث بما أنعم اللّه عليه من دينه.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: حدّثني أبي، عن جدّه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: إنّ أمير المؤمنين قال: أحسنوا صحبة النّعم قبل فراقها، فإنّها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها.