سورة العاديات

سورة العاديات‏

مكّيّة.

و آيها إحدى عشرة بالإجماع.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة العاديات وأدمن قراءتها، بعثه اللّه مع أمير المؤمنين يوم القيامة خاصّة، وكان في حجره ورفقائه.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأها، أعطي، من الأجر عشر حسنات بعدد من بات بالمزدلفة وشهد جمعا .

وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً .

قيل : أقسم بخيل الغزاة تعدو فتضبح ضبحا، وهو صوت أنفاسها عند العدو.

و نصبه بفعله المحذوف، أو بالعاديات، فإنّها تدلّ بالالتزام على الضّابحات. أو ضبحا حال، بمعنى: ضابحة.

فَالْمُورِياتِ قَدْحاً : فالّتي توري النّار قدحا. و«الإيراء» إخراج النّار، يقال: قدح الزّند فأورى.فَالْمُغِيراتِ: يغير أهلها على العدوّ.

صُبْحاً ، أي: في وقته.

فَأَثَرْنَ بِهِ: فهيّجن بذلك الوقت.

نَقْعاً : غبارا. أو صياحا.

و في مجمع البيان : وَالْعادِياتِ ضَبْحاً قيل: هي الخيل في الغزو تعدو في سبيل اللّه- إلى قوله-: هي الإبل حين ذهبت  إلى غزوة بدر تمدّ أعناقها في السّير، فهي تضبح، [أي تضبع ]  روي  ذلك عن عليّ- عليه السّلام-.

و روي - أيضا- أنّها إبل الحاجّ تعدو من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى.

اختلفت الرّوايات فيه، فروي عن أبي صالح أنّه قال: قاولت فيه عكرمة.

فقال [عكرمة] : قال ابن عبّاس: هي الخيل في القتال.

فقلت أنا: قال عليّ- عليه السّلام-: هي الإبل في الحجّ. وقلت: مولاي أعلم من مولاك.

و في رواية أخرى ، أنّ ابن عبّاس قال: هي الخيل. ألا تراه قال: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً. فهل تثيره  إلّا بحوافرها، وهل تضبح الإبل؟ إنّما تضبح الخيل.

فقال عليّ - عليه السّلام-: ليس كما قلت، لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلّا فرس أبلق للمقداد بن الأسود.

و في رواية أخرى  لمرثد بن أبي مرثد الغنويّ: وروي عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس أنّه قال: بينما أنا في الحجر  جالس، إذ أتاني رجل فسأل عن العاديات ضبحا.

فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل اللّه، ثمّ تأوي إلى اللّيل فيصنعون طعامهم‏و يورون نارهم.

فانفتل  عنّي وذهب إلى عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وهو تحت سقاية زمزم، فسأله عن العاديات ضبحا.

فقال: سألت عنها أحدا قبلي؟

قال: نعم، سألت عنها ابن عبّاس، فقال: الخيل حين تغير في سبيل اللّه.

قال: فاذهب، فادعه لي.

فلمّا وقف على رأسه قال: تفتي النّاس بما لا علم لك به، واللّه، إن كانت لأوّل غزوة في الإسلام بدر، وما كان  معنا إلّا فرسان: فرس للزّبير وفرس للمقداد بن الأسود، فكيف تكون العاديات الخيل؟! [بل‏]  العاديات ضبحا الإبل من عرفة إلى مزدلفة، [و من مزدلفة]  إلى منى.

قال ابن عبّاس : فنزعت  عن قولي ورجعت إلى الّذي قاله عليّ- عليه السّلام-.

فَوَسَطْنَ بِهِ: فتوسّطن  بذلك الوقت. أو بالعدوّ. أو بالنّقع، أي: متلبّسات به.

جَمْعاً : من جموع الأعداء.

و قيل : يحتمل أن يكون القسم بالنّفوس العاديات  أثر كما لهنّ، الموريات بأفكارهنّ أنوار المعارف، والمغيرات على الهوى والعادات إذا ظهر لهنّ مثل أنوار القدس ، فأثرن به شوقا، فوسطن به جمعا [من جموع العلّييّن‏] .و في شرح الآيات الباهرة : روى محمّد بن العبّاس، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد، عن أبان بن عثمان، عن عمر بن دينار، عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أقرع بين أهل الصّفّة، فبعث منهم ثمانين رجلا إلى بني سليم وأمّر عليهم أبا بكر، فسار إليهم فلقيهم قريبا من الحرّة، وكانت أرضهم أسنة  كثيرة  الحجارة والشّجر  ببطن الوادي، والمنحدر إليهم صعب، فهزموه وقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة. فلمّا قدموا على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عقد لعمر بن الخطّاب وبعثه، فكمن له بنو سليم بن الحجارة وتحت الشّجر ، فلمّا ذهب ليهبط خرجوا عليه ليلا فهزموه حتّى بلغ جنده سيف البحر، فرجع عمر منهزما.

فقام عمرو بن العاص إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: أنا لهم، يا رسول اللّه، ابعثني إليهم. فقال له خذ في شأنك. فخرج إليهم، فهزموه  وقتل من أصحابه [ما شاء اللّه‏]»

.

قال: ومكث رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أيّاما يدعو عليهم . ثمّ أرسل بلالا، وقال: ائتني ببردي النّجرانيّ وقبائي الخطّيّة. ثمّ دعا عليّا- عليه السّلام- فعقد له. ثمّ قال: أرسلته كرّارا غير فرّار. ثمّ قال: اللّهمّ، إن كنت تعلم أنّي رسولك فاحفظني فيه، وافعل به وافعل، فقال له من ذلك ما شاء اللّه.

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: وكأنّي أنظر إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [شيّع عليّا- عليه السّلام-]  عند مسجد الأحزاب، وعليّ- عليه السّلام- على فرس أشقر مهلوب ، وهو يوصيه.

قال: فسار وتوجّه نحو العراق حتى ظنّوا أنّه يريد بهم [غير ذلك الوجه، فسار بهم‏]  حتّى استقبل الوادي من فمه، وجعل يسير [في‏]  اللّيل ويكمن النّهار حتّى إذادنا من القوم أمر أصحابه أن يطعموا  الخيل وأوقفهم مكانا، وقال: لا تبرحوا مكانكم.

ثمّ سار أمامهم.

فلمّا رأى عمرو بن العاص ما صنع وظهرت  آية الفتح قال لأبي بكر: إنّ هذا شابّ حدث، وأنا أعلم بهذه البلاد منه، وهاهنا عدوّ هو أشدّ علينا من بني سليم، الضّباع والذّئاب ، فإن خرجت علينا نفّرت بنا وخشيت أن تقطّعنا، فكلّمه يخلّي عنّا نعلو الوادي.

قال: فانطلق [أبو بكر]  وكلّمه وأطال، فلم يجبه حرفا، فرجع إليهم فقال: لا [و اللّه‏]  ما أجاب إليّ حرفا.

فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطّاب: انطلق إليه لعلّك أقوى عليه من أبي [بكر] .

قال: فانطلق عمر، فصنع به ما صنع بأبي بكر، [فرجع‏]  فأخبرهم أنّه لم يجبه حرفا.

فقال أبو بكر: لا واللّه، لا نزول من مكاننا، أمرنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن نسمع لعليّ- عليه السّلام- ونطيع.

قال: فلمّا أحسّ عليّ- عليه السّلام- بالفجر أغار عليهم فأمكنه اللّه من ديارهم، فنزلت وَالْعادِياتِ ضَبْحاً إلى قوله: جَمْعاً.

قال فخرج [رسول اللّه‏] - صلّى اللّه عليه وآله-  وهو يقول: صبّح عليّ، واللّه، جمع القوم. ثمّ صلّى وقرأ بها. فلمّا كان اليوم الثّالث قدم عليّ- عليه السّلام- المدينة، وقد قتل من القوم عشرين ومائة فارس وسبي عشرين ومائة  ناهد .

إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ : لكفور. من كند النّعمة كنودا. أو لعاص،بلغة كندة. أو لبخيل، بلغة بني مالك. وهو جواب القسم.

وَ إِنَّهُ عَلى‏ ذلِكَ: وإنّ الإنسان على كنوده لَشَهِيدٌ : يشهد على نفسه لظهور أثره عليه. أو أنّ اللّه على كنوده لشهيد، فيكون وعيدا.

وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ: المال. من قوله: «إن ترك خيرا».

لَشَدِيدٌ : لبخيل. أو لقويّ مبالغ فيه.

و في شرح الآيات الباهرة : روى محمّد بن العبّاس، عن أحمد بن هوذة، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قوله- تعالى-: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً. قال:

ركض الخيل في قتالها .

فَالْمُورِياتِ قَدْحاً. قال: توري وقد  النّار من حوافرها.

فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً. قال: أغار عليهم عليّ- عليه السّلام- صباحا.

فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً. قال: أثّر بهم عليّ- عليه السّلام- وأصحابه [الجراحات حتّى استنقعوا في دمائهم.

فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قال: توسّط عليّ- عليه السّلام- وأصحابه‏]  ديارهم.

إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ قال: إنّ فلانا لربّه لكنود.

وَ إِنَّهُ عَلى‏ ذلِكَ لَشَهِيدٌ قال: إنّ اللّه شهيد على ذلك.

وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ. قال: ذاك أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و روى  ابن أورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ قال: كفور بولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ: بعث.

ما فِي الْقُبُورِ : من الموتى.و قرئ : «بحثر» و«بحث».

وَ حُصِّلَ: وجمع، محصّلا في الصّحف. أو ميّز.

ما فِي الصُّدُورِ : من خير أو شرّ. وتخصيصه لأنّه الأصل .

إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ: وهو يوم القيامة.

لَخَبِيرٌ : عالم بما أعلنوا وما أسرّوا فيجازيهم [عليه وإنّما قال: «ما» ثمّ قال: «بهم» لاختلاف شأنهم‏]  في الحالين .

و قرئ : «أنّ»، و«خبير» بلا لام.

و في أمالي شيخ الطّائفة : عن إبراهيم بن إسحاق الأحمريّ، عن محمّد بن ثابت وأبي المعزا العجليّ، عن الحلبيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله- تعالى-:

وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً.

وجّه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عمر بن الخطّاب في سرية، فرجع منهزما يجبن أصحابه ويجبّنونه أصحابه. فلمّا انتهى إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال لعليّ- عليه السّلام-: أنت صاحب القوم، [فهيّأ أنت‏]  ومن تريد من فرسان المهاجرين والأنصار. فوجّهه رسول اللّه، فقال له: أكمن بالنّهار وسر باللّيل ولا تفارقك العين.

 [قال: فانتهى علي إلى ما أمره به رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فصار إليهم، فلمّا كان عند وجه الصبح أغار عليهم‏]  فأنزل اللّه على نبيّه وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (الآيات).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا جعفر بن أحمد، عن عبيد  بن موسى، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة [، عن أبيه‏]  عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-في قوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً.

قال: هذه السّورة نزلت في أهل وادي اليابس.

قال: قلت: وما كان حالهم وقصّتهم؟

قال: إنّ أهل وادي اليابس اجتمعوا اثني عشر ألف فارس، وتعاقدوا وتعاهدوا وتواثقوا على ألّا يتخلّف رجل عن رجل ولا يخذل [أحد أحدا]  ولا يفرّ رجل عن صاحبه، حتّى يموتوا كلّهم على حلف واحد أو يقتلوا محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- وعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فنزل جبرئيل على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- فأخبره بقصّتهم، وما تعاقدوا عليه وتواثقوا، وأمره أن يبعث أبا بكر إليهم في أربعة آلاف فارس من المهاجرين والأنصار.

فصعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: يا معشر المهاجرين والأنصار، إنّ جبرئيل قد أخبرني، أنّ أهل وادي اليابس اثني عشر ألفا» قد استعدّوا وتعاقدوا وتعاهدوا على ألّا يغدر رجل منهم بصاحبه  ولا يفرّ عنه ولا يخذله حتّى يقتلوني وأخي عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-، وقد أمرني أن اسيّر إليهم أبا بكر في أربعة آلاف فارس، فخذوا في أمركم واستعدّوا لعدوّكم وانهضوا إليهم على اسم اللّه وبركته يوم الاثنين [- إن شاء اللّه تعالى‏] .

فأخذ المسلمون عدّتهم وتهيّؤوا. وأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أبا بكر بأمره. وكان فيما أمره به، أنّه إذا رآهم أن يعرض عليهم الإسلام، فإن تابعوه وإلّا واقعهم، وقتل  مقاتليهم وسبى  ذراريّهم واستباح  أموالهم وحزّب  ضياعهم وديارهم.

فمضى أبو بكر ومن معه، من المهاجرين والأنصار، في أحسن عدّة وأحسن هيئة يسير بهم سيرا رفيقا  حتّى انتهوا إلى أهل وادي اليابس.

فلمّا بلغ القوم نزول القوم عليهم ونزل أبو بكر وأصحابه قريبا منهم، خرج إليهم‏من أهل الوادي مائتا رجل مدجّجين بالسّلاح. فلمّا صادفوهم قالوا لهم: من أنتم، ومن أين أقبلتم، وأين تريدون؟ ليخرج إلينا صاحبكم حتّى نكلّمه.

فخرج إليهم أبو بكر في نفر من أصحابه المسلمين، فقال لهم أبو بكر: أنا صاحب رسول اللّه.

قالوا: ما أقدمك علينا؟

قال: أمرني رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن أعرض عليكم الإسلام، وأن تدخلوا فيما دخل فيه المسلمون ولكم ما لهم وعليكم ما عليهم، وإلّا فالحرب بيننا وبينكم.

قالوا له: أما واللّات والعزّى، لولا رحم ماسّة  وقرابة قريبة، لقتلناك وجميع أصحابك قتله تكون حديثا لمن يكون بعدكم، فارجع أنت ومن معك وارتجوا  العافية، فإنّا إنّما نريد صاحبكم بعينه وأخاه عليّ بن أبي طالب.

فقال أبو بكر لأصحابه: يا قوم القوم أكثر منكم أضعافا وأعدّ منكم وقد نأت داركم عن إخوانكم من المسلمين، فارجعوا نعلم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بحال القوم.

فقالوا له جميعا: خالفت، يا أبا بكر، قول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وما أمرك به، فاتّق اللّه وواقع القوم ولا تخالف قول  رسول اللّه.

فقال: إنّي أعلم ما لا تعلمون، والشّاهد يرى ما لا يرى الغائب.

فانصرف وانصرف النّاس أجمعون. فأخبر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بمقالة القوم له وما ردّ عليهم أبو بكر، فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: يا أبا بكر، خالفت أمري ولم تفعل ما أمرتك، وكنت لي واللّه عاصيا فيما أمرتك.

فقام النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وصعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: يا معشر المسلمين، إنّي أمرت أبا بكر أن يسير إلى أهل وادي اليابس وأن يعرض عليهم الإسلام ويدعوهم إلى اللّه، فإن أجابوه وإلّا واقعهم. وإنّه سار إليهم وخرج إليه منهم مائتا رجل، فلمّا سمع كلامهم وما استقبلوه به انتفخ صدره ودخله الرّعب منهم وترك‏قولي ولي يطع أمري. وإنّ جبرئيل أمرني عن اللّه أن أبعث إليهم عمر مكانه في أصحابه في أربعة آلاف فارس. فسر، يا عمر، على اسم اللّه ولا تعمل كما عمل أبو بكر أخوك، فإنّه قد عصى اللّه وعصاني، وأمره بما أمر به أبا بكر.

فخرج عمر  خرج معه المهاجرون  والأنصار الّذين كانوا مع أبي بكر يقتصد بهم في سيرهم حتّى شارف القوم، وكان قريبا منهم بحيث يراهم ويرونه. وخرج إليهم مائتا رجل، فقالوا له ولأصحابه مثل مقالتهم لأبي بكر. فانصرف [و انصرف‏]  النّاس معه، وكاد أن يطير قلبه ممّا رأى عدّة القوم وجمعهم، ورجع يهرب منهم، فنزل جبرئيل وأخبر رسول اللّه بما صنع عمر، وأنّه قد انصرف وانصرف المسلمون معه.

فصعد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، وأخبر بما صنع عمر [و ما كان منه، و]  أنّه قد انصرف وانصرف المسلمون معه مخالفا لأمري عاصيا لقولي . فقدم عليه، فأخبره مثل ما أخبره به صاحبه. فقال له [رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-] : يا عمر، عصيت اللّه في عرشه وعصيتني، وخالفت قولي وعملت برأيك، ألا قبّح اللّه رأيك. وإنّ جبرئيل قد أمرني أن أبعث عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- في هؤلاء المسلمين، وأخبرني أنّ اللّه يفتح عليه وعليه أصحابه. فدعا عليّا- عليه السّلام- وأوصاه بما أوصى به أبا بكر وعمر وأصحابه الأربعة آلاف فارس، وأخبره أنّ اللّه سيفتح عليه وعلى أصحابه.

فخرج عليّ- عليه السّلام- ومعه المهاجرون والأنصار فسار بهم غير سير أبي بكر وعمر، وذلك أنّه أعنف بهم في السّير حتّى خافوا أن ينقطعوا من التّعب وتخفي  دوابّهم.

فقال لهم: لا تخافوا، فإنّ رسول اللّه قد أمرني بأمر وأخبرني أنّ اللّه سيفتح عليّ وعليكم، فأبشروا فإنّكم على خير وإلى خير. فطابت نفوسهم وقلوبهم وساروا على ذلك السّير والتّعب، حتّى إذا كانوا قريبا منهم حيث يرونهم ويراهم أمر أصحابه أن ينزلوا. وسمع أهل وادي اليابس بمقدم  عليّ- عليه السّلام- وأصحابه، فأخرجوا إليه منهم مائتي رجل‏شاكين بالسّلاح.

فلما رآهم عليّ- عليه السّلام- خرج إليهم في نفر من أصحابه، فقالوا لهم: من أنتم، [و من أين أنتم،]  ومن أين أقبلتم، وأين تريدون؟

قال: أنا عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- ابن عمّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأخوه ورسوله إليكم، أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا عبده ورسوله، ولكم إن آمنتم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين من خير وشرّ.

فقالوا له: إيّاك أردنا، وأنت طلبتنا، قد سمعنا مقالتك وما عرضت علينا [هذا ما لا يوافقنا] ، فخذ حذرك واستعدّ للحرب العوان، واعلم أنّا قاتلوك وقاتلوا أصحابك، والموعد  فيما بيننا وبينك غدا ضحوة، وقد أعذرنا فيما بيننا وبينكم.

فقال لهم عليّ: ويلكم، تهدّدوني  بكثرتكم وجمعكم، أنا أستعين باللّه وملائكته والمسلمين عليكم، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.

فانصرفوا إلى مراكزهم، وانصرف عليّ إلى مركزه. فلمّا جنّه اللّيل، أمر أصحابه أن يحسنوا إلى دوابّهم ويقضموا  ويسرجوا. فلمّا انشقّ عمود الصّبح، صلّى بالنّاس بغلس ، ثمّ أغار  عليهم بأصحابه، فلم يعلموا حتّى وطئتهم الخيل، فما  أدرك آخر أصحابه حتّى قتل مقاتليهم وسبى ذراريّهم واستباح أموالهم وخرّب ديارهم وأقبل بالأسارى والأموال معه. فنزل جبرئيل فأخبر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بما فتح اللّه على عليّ- عليه السّلام- وجماعة المسلمين.

فصعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، وأخبر النّاس بما فتح اللّه على المسلمين، وأعلمهم أنّه لم يصب  منهم  إلّا رجلين. ونزل فخرج يستقبل عليّا في جميع أهل المدينة من المسلمين، حتّى لقيه على ثلاثة أميال من المدينة.فلمّا رآه عليّ مقبلا نزل من دابّته ونزل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حتّى التزمه وقبّل ما بين عينيه. فنزل جماعة المسلمين إلى عليّ- عليه السّلام- حيث نزل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأقبل بالغنيمة والأسارى وما رزقهم اللّه من أهل وادي اليابس.

ثمّ قال جعفر بن محمّد- عليه السّلام-: ما غنم المسلمون مثلها قطّ، إلّا أن يكون من خيبر فإنّها مثل ذلك. وأنزل اللّه في ذلك اليوم وَالْعادِياتِ ضَبْحاً، يعني:

بالعاديات الخيل تعدو بالرّجال. و«الضّبح» ضبيحها  في أعنّتها ولجمها. فَالْمُورِياتِ قَدْحاً، فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فقد أخبرك أنّها غارت عليهم صبحا.

قلت: قوله: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً.

قال: الخيل يأثرن بالوادي نقعا، فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً.

قلت: قوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ.

قال: لكفور. وَإِنَّهُ عَلى‏ ذلِكَ لَشَهِيدٌ قال: يعنيهما جميعا، قد شهدا جميعا وادي اليابس، وكانا لحبّ الحياة لحريصين.

قلت: قوله: أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ، وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ، إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ.

قال: نزلت الآيتان فيهما خاصّة، كانا يضمران ضمير السّوء ويعملان به، فأخبر اللّه خبرهما وفعالهما. فهذه قصّة أهل وادي اليابس، وتفسير العاديات.