سورة الفتح‏

سورة الفتح مدنيّة.

نزلت في مرجع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- من الحديبية.

و آيها تسع وعشرون بالإجماع.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان سبب نزول هذه السّورة وهذا الفتح العظيم، أنّ اللّه- عزّ وجلّ- أمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في النّوم أن يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق مع المحلّقين، فأخبر أصحابه وأمرهم بالخروج فخرجوا.

فلمّا نزل ذا الحليفة أحرموا بالعمرة وساقوا البدن، وساق رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ستّا وستّين بدنة وأشعرها عند إحرامه، وأحرموا من ذي الحليفة ملبّين بالعمرة، وقد ساق [من ساق‏]  منهم الهدي معرات مجلّلات .

فلمّا بلغ قريشا ذلك، بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا، ليستقبل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، فكان يعارضه على الجبال. فلمّا كان في بعض الطريق، حضرت صلاة الظّهر، فأذّن بلال، وصلّى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بالنّاس.

فقال خالد بن الوليد: لو كنّا حملنا عليهم وهم في الصّلاة، لأصبناهم، فإنّهم لايقطعون صلاتهم، ولكن تجي‏ء لهم الآن صلاة أخرى أحبّ إليهم من ضياء أبصارهم، فإذا دخلوا في الصّلاة أغرنا عليهم.

فنزل جبرئيل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بصلاة الخوف بقوله : وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ (الآية). وهذه الآية في سورة النّساء، وقد مضى ذكر [خبر]  صلاة الخوف فيها.

فلمّا كان في اليوم الثّاني، نزل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الحديبية، وهي على طرف الحرم، وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يستنفر  الأعراب  في طريق معه فلم يتبعه أحد، ويقولون: أ يطمع محمّد وأصحابه [أن يدخلوا]  الحرم وقد غزتهم قريش في عقر ديارهم فقتلوهم ، إنّه يرجع محمّد وأصحابه إلى المدينة أبدا.

فلمّا نزل رسول اللّه الحديبية، خرجت قريش يحلفون باللّات والعزّى، لا يدعون رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يدخل مكّة وفيهم عين تطرف.

فبعث إليهم رسول اللّه: إنّي لم آت لحرب، وإنّما جئت لأقضي مناسكي  وأنحر بدني وأخلّي بينكم وبين لحمانها .

فبعثوا عروة بن مسعود الثّقفيّ، وكان عاقلا لبيبا، وهو الّذي أنزل اللّه فيه:

وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ. فلمّا أقبل إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عظم ذلك وقال: يا محمّد، تركت قومك وقد ضربوا الأبنية وأخرجوا العوذ  المطافيل  يحلفون باللّات والعزّى لا يدعوك تدخل مكّة، فإنّ مكّة حرمهم وفيهم  عين تطرف، أ فتريد أن تبيد أهلك وقومك، يا محمّد.- صلّى اللّه عليه وآله-؟

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما جئت لحرب، وإنّما جئت لأقضى‏مناسكي وأنحر  بدني وأخلّي بينكم وبين لحمانها .

فقال عروة: واللّه، ما رأيت كاليوم أحدا صدّ، كما صددت.

فرجع إلى قريش فأخبرهم، فقالت قريش: واللّه، لئن دخل محمّد مكّة وتسامعت به العرب لنذلنّ فلتجرؤنّ  علينا العرب.

فبعثوا حفص بن الأحنف وسهيل  بن عمرو، فلمّا نظر إليهما رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ويح قريش، قد أنهكتهم  الحرب، ألا خلّوا بيني وبين العرب، فإنّ أك صادقا، فإنّما آخذ الملك لهم  مع النّبوّة، وإن أك كاذبا، فكفتهم ذئاب العرب، لا يسألني اليوم امرؤ من قريش خطّة ليس للّه فيها سخط إلّا أجبتهم إليه.

فلمّا وافوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قالوا: لم لا ترجع  عنّا عامك هذا إلى أن ننظر إلى ما يصير أمرك وأمر العرب [على أن ترجع من عامك هذا] ، فإنّ العرب قد تسامعت بمسيرك، فإن دخلت بلادنا وحرمنا استذلّتنا العرب واجترأت علينا، ونخلّي لك البيت في العام القابل في هذا الشّهر ثلاثة أيّام حتّى تقضي نسكك وتنصرف عنّا.

فأجابهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى ذلك.

و قالوا له: تردّ إلينا كلّ من جاءك من رجالنا ونردّ إليك كلّ من جاءنا من رجالك.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من جاءكم من رجالنا فلا حاجة لنا فيه، ولكن على أنّ المسلمين بمكّة لا يؤذون في إظهارهم الإسلام ولا يكرهون ولا ينكر عليهم شي‏ء يفعلونه من شرائع الإسلام.

فقبلوا ذلك، فلمّا أجابهم رسول اللّه إلى الصّلح أنكر عامّة أصحابه، وأشدّ ما كان إنكارا عمر .

فقال: يا رسول اللّه، ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟فقال: نعم.

قال: فنعطي الذّلّة  في ديننا؟

فقال: إنّ اللّه قد وعدني ولن يخلفني.

فقال: لو أنّ معي أربعين رجلا لخالفته.

و رجع سهيل بن عمرو وحفص بن الأحنف إلى قريش فأخبراهم  بالصّلح.

فقال عمر: يا رسول اللّه، أ لم تقل لنا أن ندخل المسجد الحرام  ونحلق مع المحلّقين؟

 [فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: أ من عامنا هذا وعدتك؟ وقلت لك: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- قد وعدني أن أفتح مكّة وأطوف وأسعى وأحلق  مع المحلّقين‏] .

 

فلمّا أكثروا عليه، قال لهم: إن لم تقبلوا الصّلح فحاربوهم. فمرّوا نحو قريش وهم مستعدّون للحرب، وحملوا عليهم فانهزم أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- هزيمة قبيحة ومرّوا برسول اللّه، فتبسّم - صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ قال: يا عليّ، خذ السّيف واستقبل قريشا. فأخذ أمير المؤمنين - عليه السّلام- سيفه وحمل على قريش.

فلمّا نظروا إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- تراجعوا، وقالوا: يا عليّ، بدا لمحمّد فيما أعطانا؟

فقال: لا.

و تراجع أصحاب رسول اللّه مستحيين، وأقبلوا يعتذرون إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال  لهم [رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-] : أ لستم أصحابي يوم بدر إذ أنزل اللّه- عزّ وجلّ- فيكم: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ . ألستم أصحابي يوم أحد إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى‏ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ‏ . أ لستم أصحابي يوم كذا، أ لستم أصحابي يوم كذا؟

فاعتذروا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وندموا على ما كان منهم، وقالوا:

اللّه أعلم ورسوله، فاصنع ما بدا لك.

و رجع حفص بن الأحنف وسهيل بن عمرو إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقالا: يا محمّد، قد أجابت قريش إلى ما اشترطت عليهم من إظهار الإسلام، وأن لا يكره أحد على دينه.

فدعا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بالمكتب، ودعا أمير المؤمنين- عليه السّلام- وقال له: اكتب. فكتب أمير المؤمنين- عليه السّلام-: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم».

فقال سهيل بن عمرو: لا نعرف الرّحمن، اكتب، كما كان يكتب آباؤك:

باسمك اللّهمّ.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: اكتب باسمك اللّهمّ، فإنّه اسم من أسماء اللّه.

ثمّ كتب: هذا ما تقاضى عليه محمّد رسول اللّه والملأ من قريش.

فقال سهيل بن عمرو: لو نعلم» أنّك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ما حاربناك، اكتب: هذا ما تقاضى عليه محمّد بن عبد اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. أ تأنف من نسبك، يا محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-؟

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أنا رسول اللّه، وإن لم تقرّوا.

ثمّ قال: امح، يا عليّ، واكتب: محمّد بن عبد اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: ما أمحو اسمك من النّبوّة أبدا.

فمحاه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بيده، ثمّ كتب: هذا ما اصطلح عليه محمّد بن عبد اللّه والملأ من قريش وسهيل بن عمرو، اصطلحوا  على وضع الحرب بينهم عشر سنين على أن يكفّ بعضنا عن بعض، وعلى أنّه لا إسلال ولا إغلال ، وأنّ بيننا وبينهم غيبة  مكفوفة ، وأنّ من أحبّ أن يدخل في عهد محمّد وعقده فعل، ومن أحبّ أن‏يدخل في عهد قريش وعقدها فعل، وأنّه من أتى محمّدا  بغير إذن وليّه يردّه إليه، ومن أتى قريشا من أصحاب محمّد لم يردّه إليه، وأن يكون الإسلام ظاهرا بمكة و لا يكره أحد على دينه ولا يؤذى ولا يعيّر، وأنّ محمّدا يرجع عنهم عامه هذا وأصحابه، ثمّ يدخل علينا في العام القابل مكّة فيقيم فيها ثلاثة أيّام، ولا يدخل عليها بسلاح إلّا سلاح المسافر السّيوف في القراب . وكتب عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وشهد على الكتاب المهاجرون والأنصار.

ثمّ قال رسول اللّه: يا عليّ، أنت أبيت أن تمحو اسمي النّبوّة، فو الّذي بعثني بالحقّ نبيّا، لتجيبنّ  أبناءهم إلى مثلها وأنت مضيض  مضطهد.

فلمّا كان يوم صفّين ورضوا بالحكمين، كتب: هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- ومعاوية بن أبي سفيان.

فقال: عمرو بن العاص: لو علما أنّك أمير المؤمنين- عليه السّلام- ما حاربناك، ولكن اكتب: هذا ما اصطلح عليه عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان.

فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: صدق اللّه وصدق رسوله، أخبرني رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بذلك. ثمّ كتب الكتاب.

قال: فلمّا كتبوا  الكتاب، قامت خزاعة فقالت: نحن في عهد محمّد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-]  وعقده. وقامت بنو بكر فقالت: نحن في عهد قريش وعقدها.

و كتبوا نسختين نسخة عند رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ونسخة عند سهيل بن عمرو، [و رجع سهيل بن عمرو]  وحفص بن الأحنف إلى قريش فأخبراهم.

و قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لأصحابه: انحروا بدنكم واحلقوا رؤوسكم.فامتنعوا، وقالوا: كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ولم نسع بين الصّفا والمروة؟

فاغتمّ لذلك رسول اللّه وشكا ذلك إلى أمّ سلمة، فقالت: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- انحر أنت واحلق.

فنحر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وحلق، ونحر القوم على حيث  يقين وشكّ وارتياب.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- تعظيما للبدن: رحم اللّه المحلّقين.

و قال قوم لا يسوقوا  البدن: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- والمقصّرين؟

لأنّ من لم يسق هديا لم يجب عليه الحلق فقال رسول اللّه ثانيا: رحم اللّه المحلقين الذين لم يسوقوا الهدى.

فقالوا: يا رسول اللّه والمقصرين؟

فقال: رحم اللّه المقصّرين. ثمّ رحل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نحو المدينة، فرجع إلى التّنعيم ونزل تحت الشّجرة، فجاء أصحابه الّذين أنكروا عليه الصّلح واعتذروا وأظهروا النّدامة على ما كان منهم، وسألوا رسول اللّه أن يستغفر لهم، فنزلت آية الرّضوان.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

حصّنوا أموالكم ونساءكم وما ملكت أيمانكم من التّلف بقراءة إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً . فإنّه إذا كان ممّن يدمن قراءتها نادى مناد يوم القيامة حتى تسمع الخلائق:

أنت من عبادي المخلصين، ألحقوه بالصّالحين من عبادي، وأدخلوه جنات النّعيم، واسقوه من الرّحيق المختوم بمزاج الكافور.

و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من‏قرأها فكأنّما شهد مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [فتح مكّة] .

و في رواية [أخرى‏] : فكأنّه  كان مع من بايع محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- تحت الشّجرة.

عمر بن الخطّاب  قال: كنّا مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في سفر، فقال:

نزلت عليّ البارحة سورة هي أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها إِنَّا فَتَحْنا- إلى قوله-: وَما تَأَخَّرَ أورده البخاريّ في الصّحيح.

قتادة ، عن أنس قال: لمّا رجعنا من غزاة الحديبية، وقد حيل بيننا وبين نسكنا، فنحن بين الحزن والكآبة  إذ أنزل اللّه: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لقد نزلت عليّ آية هي أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها.

عبد اللّه بن مسعود  قال: أقبل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من الحديبية فجعلت ناقته تثقل، فتقدّمنا فأنزل اللّه عليه: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. فأدركنا رسول اللّه وبه من السّرور ما شاء اللّه، فأخبر أنّها نزلت عليه.

و في تفسير العيّاشي : عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

ما ترك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-  إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ حتّى نزلت سورة الفتح، فلم يعد إلى ذلك الكلام.

إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً .

قيل : وعد بفتح مكّة، والتّعبير عنه بلفظ الماضي لتحقّقه. أو بما اتّفق له في تلك السّنة، كفتح خيبر و فدك. أو إخبار عن صلح الحديبية، وإنّما سمّاه فتحا لأنّه كان بعد ظهوره على المشركين حتّى سألوا الصّلح، وتسبّب لفتح مكّة، وفرغ به رسول اللّه صلّى‏اللّه عليه وآله- لسائر العرب فغزاهم، وفتح مواضع، وأدخل في الإسلام خلقا عظيما، وظهر له في الحديبية آية عظيمة، وهي أنّه نزح ماؤها بالكليّة فتمضمض ثمّ مجّه فيها فدرّت بالماء حتى شرب جميع من كان معه. أو فتح الرّوم فإنّهم غلبوا على الفرس في تلك السّنة، وقد عرف كونه فتحا للرّسول في سورة الرّوم .

و قيل : «الفتح» بمعنى: القضاء، أي: قضينا لك أن تدخل مكة من قابل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: وكان أساف ونائلة رجلا وامرأة زنيا في البيت، فمسخا حجرين، واتّخذتهما قريش صنمين يعبدونهما، فلم يزالا يعبدان حتى فتح مكة، فخرجت منها  امرأة عجوز شمطاء تخمش وجهها وتدعو بالويل.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: تلك نائلة يئست أن تعبد ببلادكم هذه.

و في مجمع البيان : اختلف في هذا الفتح على وجوه: أحدها [أنّ المراد به فتح مكّة، وعده  اللّه ذلك عام الحديبية عند انكفائه منها. عن أنس وقتادة وجماعة من المفسّرين.

و في جوامع الجامع : وقيل: هو فتح الحديبية.

فروي‏]  انّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لما رجع قال رجل من أصحابه: ما هذا بفتح، لقد صددنا عن البيت وصدّ هدينا.

فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: بئس الكلام هذا، بل هو أعظم الفتوح، قد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالرّاح، ويسألوكم القضيّة، ويرغبوا  إليكم في الأمان، وقد رأوا منكم ما كرهوا.

و عن الزّهريّ : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية وذلك أنّ المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكّن الإسلام في قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين‏خلق كثير كثر بهم سواد الإسلام. والحديبية بئر نفذ ماؤها  حتّى لم يبق فيها قطرة، فأتاها النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فجلس على شفيرها، ثمّ دعا بإناء من ماء فتوضّأ ثمّ تمضمض ومجّه فيها، فدرّت بالماء حتّى أصدرت جميع من معه [و ركابهم‏] .

و عن سالم بن أبي الجعد  قال: قلت لجابر: كم كنتم تحت الشّجرة؟

قال: كنّا ألفا وخمسمائة، وذكر عطشا أصابهم، قال: فاتي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بماء في تور ، فوضع يده فيه فجعل الماء يخرج من بين أصابعه، كأنّه العيون، قال: فشربنا وسقينا  [و كفانا] ، ولو كنّا مائة ألف [كفانا.

أقول: و

في الحديث عن الرضا- عليه السّلام- أنّه لمّا فتح مكّة قال له: يا محمّد، إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ] .

و في أصول الكافي : محمّد بن أحمد، عن عمّه، عبد اللّه بن الصّلت، عن الحسن [بن عليّ‏]  بن بنت إلياس، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّ عليّ بن الحسين- عليه السّلام- لمّا حضرته الوفاة اغمي عليه، ثمّ فتح عينيه وقرأ: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ وإِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً  وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ . ثمّ قبض من ساعته ولم يقل شيئا.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى محمّد بن سنان: عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: لأي علّة يكبّر المصلّي بعد التّسليم ثلاثا يرفع بها يديه؟

فقال: لأنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا فتح مكّة صلّى بأصحابه الظّهر عند الحجر الأسود، فلمّا سلّم رفع يديه وكبّر ثلاثا وقال:لا إله إلّا اللّه وحده وحده ، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وغلب الأحزاب وحده، فله الملك وله الحمد، يحيى ويميت [و يميت ويحيى‏] ، وهو على كلّ شي‏ء قدير.

ثمّ أقبل على أصحابه فقال: لا تدعوا هذا التّكبير وهذا القول في دبر كلّ صلاة مكتوبة، فإنّ من فعل ذلك بعد التسليم وقال هذا القول كان قد أدّى ما يجب عليه من شكر اللّه- تعالى ذكره- على تقوية الإسلام وجنده.

لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ: علّة للفتح من حيث إنّه مسبّب عن جهاد الكفّار، والسّعي في إعلاء الدّين، وإزاحة الشّرك، وتكميل النّفوس النّاقصة قهرا ليصير ذلك بالتّدريج اختيارا ، وتخليص الضّعفة عن أيدي الظّلمة.

ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ.

قيل : جميع ما فرط منك ممّا يصحّ أن تعاتب عليه .

في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس- رحمه اللّه-: أقول: وأمّا لفظ ما تقدّم من الذّنب وما تأخّر، فالّذي نقلناه من طريق أهل بيت النّبوّة أنّ المراد منه: ليغفر لك اللّه ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر عند أهل مكّة وقريش، يعني: ما تقدّم قبل الهجرة وبعدها، فإنّك إذا فتحت مكّة بغير قتل لهم ولا استئصال ولا أخذهم بما قدّموه من العداوة والقتال، غفروا ما كانوا يعتقدونه ذنبا لك عندهم متقدّما أو متأخّرا، وما كان يظهر من عداوتهم في مقابلة عداوتهم له، فلمّا رأوه قد تحكّم وتمكّن وما استقصى  غفروا ما ظنّوه من الذّنب .و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس آخر للرّضا- عليه السّلام- [عند المأمون في عصمة الأنبياء، بإسناده إلى عليّ بن محمّد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرّضا- عليه السّلام-] .

فقال له المأمون: يا ابن رسول اللّه، أ ليس من قولك: إنّ الأنبياء معصومون؟

قال: بلى.

قال: فما معنى قول اللّه.

... إلى أن قال: فأخبرني عن قول اللّه: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ.

فقال الرّضا- عليه السّلام-: لم يكن أحد عند مشركي مكّة أعظم ذنبا من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، لأنّهم كانوا يعبدون من دون اللّه ثلاثمائة وستّين صنما، فلمّا جاءهم بالدّعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ، إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عُجابٌ، وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى‏ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ يُرادُ، ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ. [فلمّا فتح اللّه- تعالى- على نبيه- صلّى اللّه عليه وآله-]  [مكّة]  قال له: يا محمّد إِنَّا فَتَحْنا لَكَ  فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ عند مشركي أهل مكّة بدعائك إلى توحيد اللّه فيما تقدّم وما تأخّر، لأنّ مشركي مكّة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكّة، ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التّوحيد [عليه‏]  إذا دعا النّاس إليه، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم.

فقال المأمون: للّه درّك، يا أبا الحسن.

أقول: فعلى هذا بقي «ليغفر اللّه» أنّ الفتح لأن ينصر اللّه سببا لغفرانهم ما يعدّونه ذنبا.

و في مجمع البيان : روى المفضّل بن عمر، عن الصّادق- عليه السّلام- قال:سأله رجل عن هذه الآية.

فقال: واللّه، ما كان له ذنب، ولكن اللّه- سبحانه- ضمن له أن يغفر ذنوب شيعة  عليّ ما تقدّم من ذنبهم وما تأخّر.

و في شرح الآيات الباهرة : قال [أبو جعفر محمّد]  بن بابويه: حدثنا سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن عيسى، عن علي بن مهران، عن عليّ بن عبد الغفّار، عن صالح بن حمزة ويكنّى بأبي شعيب، عن محمّد بن سعيد المروزيّ قال: قلت لرجل: أذنب محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- قطّ؟

قال: لا.

قلت: فقول اللّه: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ما معناه؟

قال: إنّ اللّه- سبحانه- حمّل محمّدا ذنوب شيعة عليّ- عليه السّلام- ثمّ غفر له ما تقدّم منها وما تأخّر.

و يؤيّده‏

ما روي  مرفوعا، عن أبي الحسن الثّالث- عليه السّلام- أنّه سئل عن قول اللّه: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ.

فقال - عليه السّلام-: وأيّ ذنب كان لرسول اللّه متقدّما أو متأخّرا، وإنّما حمّله اللّه ذنوب شيعة عليّ- عليه السّلام- ممّن مضى منهم ومن بقي، ثمّ غفرها اللّه له.

و يؤيّده‏

ما روي  مرفوعا، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال لعليّ- عليه السّلام-: يا عليّ، إني سألت اللّه- عزّ وجلّ- ألّا يحرم شيعتك التّوبة حتّى تبلغ نفس أحدهم حنجرته ، فأجابني إلى ذلك وليس ذلك لغيرهم.

و ما روى الشّيخ أبو جعفر  الطّوسي - رحمه اللّه-: عن رجاله، عن زيد بن يونس الشّحّام، عن أبي الحسن  موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: قلت لأبي الحسن:

الرّجل من مواليكم عاقّ يشرب الخمر ويرتكب الموبق من الذّنب ، نتبرّأ منه؟فقال- عليه السّلام-: تبرّؤوا من [فعله، لا تتبّرؤوا من‏]  خيره وأبغضوا عمله.

فقلت: يتّسع لنا أن نقول: فاسق فاجر؟

فقال: لا، الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا ولأوليائنا، أبي اللّه أن يكون وليّنا فاسقا فاجرا وإن عمل ما عمل، ولكنّكم قولوا: فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النّفس، خبيث الفعل طيّب الرّوح والبدن.

لا، واللّه، لا يخرج وليّنا من الدّنيا إلّا واللّه ورسوله ونحن عنه راضون، يحشره اللّه على ما فيه من الذّنوب مبيضّا وجهه، مستورة عورته، آمنة روعته، لا خوف عليه ولا حزن.

و ذلك أنّ لا يخرج من الدّنيا حتّى يصفّى من الذّنوب، إمّا بمصيبة في مال أو نفس أو ولد أو مرض، وأدنى ما يصنع بوليّنا أن يريه اللّه رؤيا مهولة فيصبح حزينا لما رآه، فيكون ذلك كفّارة له، أو خوفا يرد عليه من أهل دولة الباطل، أو يشدّد عليه عند الموت فيلقى اللّه- عزّ وجلّ- طاهرا من الذّنوب، آمنة روعته بمحمّد وأمير المؤمنين- صلوات اللّه عليهما-.

ثمّ يكون أمامه أحد الأمرين: رحمة اللّه الواسعة الّتي هي أوسع من أهل الأرض جميعا، أو شفاعة محمّد وأمير المؤمنين- صلوات اللّه عليهما-، إن أخطأته رحمة اللّه، أدركته شفاعة نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين، فعندها تصيبه رحمة اللّه الواسعة ، وكان أحقّ بها وأهلها وله إحسانها وفضلها.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: روي عن موسى بن جعفر- عليهما السّلام-، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لعليّ- عليه السّلام-: فإنّ آدم تاب اللّه عليه من  خطيئته.

قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك، ومحمّد نزل فيه ما هو أكبر من هذا من غير ذنب أتى، قال اللّه- عزّ وجلّ-: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ. إنّ‏محمّدا غير مواف  القيامة  بوزر، ولا مطلوب فيها بذنب.

و قال: ولقد كان يبكي حتّى يغشى عليه.

فقيل له: يا رسول اللّه، أ ليس اللّه قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟

قال: بلى، أفلا أكون عبدا شكورا.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: وأتت فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- إلى جابر بن عبد اللّه فقالت له: يا صاحب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إنّ لنا عليكم حقوقا، [من حقّنا]  عليكم أن إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن تذكّروه اللّه وتدعوه إلى البقيا على نفسه، وهذا عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- بقيّة أبيه الحسين قد انخرم أنفسه  وثفنت  جبهته وركبتاه وراحتاه أذاب نفسه في العبادة.

فأتى جابر إليه  فاستأذن، فلمّا دخل عليه وجده في محرابه قد أنصبته  العبادة، فنهض عليّ- عليه السّلام- فسأله عن حاله سؤالا خفيّا ثمّ أجلسه بجنبه، ثمّ أقبل جابر  يقول: يا ابن رسول اللّه، أما علمت أنّ اللّه إنّما خلق الجنّة لكم ولمن أحبّكم، وخلق النّار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الّذي كلّفته نفسك؟

قال له عليّ بن الحسين: يا صاحب رسول اللّه، أما علمت أنّ جدّي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قد غفر اللّه  له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فلم يدع الاجتهاد، وتعبّد- بأبي هو وأمّي- حتّى انتفخ السّاق وورم القدم؟ وقيل له: أ تفعل هذا وقد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أ فلا أكون عبدا شكورا.

و في كتاب الخصال : عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال:

هذه شرائع الدّين.... إلى أن قال: والأنبياء والأوصياء لا ذنوب لهم، لأنّهم معصومون مطهّرون.

عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من عمّر أربعين سنة.

... إلى أن قال: من عمّر ثمانين سنة غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.

عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: إذا بلغ التّسعين، غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.

عن أنس  قال: قال  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما من معمّر يعمّر.

... إلى أن قال- صلّى اللّه عليه وآله-: فإذا بلغ التّسعين، غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وسمّي أسير اللّه في أرضه، ويشفع في أهل بيته.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : عن جعفر بن محمّد بن بشرور القطّان، عن محمّد بن إبراهيم الرّازيّ، عن الأركان، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه، [عن أبيه، عن آبائه،]  عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - عليه السّلام- قال: لمّا نزلت على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ.

قال: يا  جبرئيل، ما الذّنب الماضي والذّنب الباقي؟

قال جبرئيل: ليس لك ذنب أن يغفرهما  لك.

وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ: بإعلاء الدّين، وضمّ الملك إلى النّبوّة.

وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً : في تبليغ الرّسالة، وإقامة مراسم الرّئاسة.

وَ يَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً : نصرا فيه عزّة ومنعة : أو يعزّ به المنصور، فوصف بوصفه مبالغة.

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَقيل : الثّبات والطّمأنينة.

فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ: حتّى تثبّتوا حيث تقلق النّفوس وترجف  الأقدام.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبي جعفر - عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ [فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ‏] .

قال: هو الإيمان.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن محبوب، عن العلا، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: «السّكينة» الإيمان.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختريّ، عن  هشام بن سالم وغيرهما، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ [فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ‏] . قال: هو الإيمان.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختريّ، عن هشام بن سالم وغيرهما، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه عزّ وجلّ-: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ [فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ‏]. قال: هو الإيمان.

عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن جميل قال:

سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ [فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ‏] .

قال: هو الإيمان.

لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ: يقينا مع يقينهم برسوخ العقيدة واطمئنان النّفوس عليها. أو أنزل فيها السّكون إلى ما جاء به الرسول، ليزدادوا إيمانا بالشّرائع مع‏إيمانهم باللّه واليوم الآخر.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد  قال: حدثنا أبو عمرو الزبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

قلت له: أيّها العالم، أخبرني أيّ الأعمال أفضل عند اللّه؟

قال: ما لا يقبل اللّه شيئا  إلّا به.

قلت: وما هو؟

قال: الإيمان باللّه الّذي لا إله إلّا هو أعلى الأعمال درجة، وأشرفها منزلة، وأسناها حظّا.

قلت: ألا تخبرني عن الإيمان أقول هو وعمل، أم قول بلا عمل؟

 [قال: بل عمل‏]  كلّه، والقول بعض ذلك العمل، بفرض من اللّه بيّن في كتابه واضح نوره ثابتة حجّته يشهد له به الكتاب ويدعوه إليه .

قال: قلت: صفه لي، جعلت فداك، حتى أفهمه.

قال: الإيمان  حالات ودرجات وطبقات ومنازل، فمنه التّامّ المنتهى تمامه، ومنه النّاقص البيّن نقصانه، ومنه الرّاجح الزّائد رجحانه.

قلت: إنّ الإيمان ليتمّ وينقص ويزيد؟

قال: نعم.

قلت: كيف ذلك؟

قال: لأنّ اللّه- تبارك وتعالى- فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها، فليس من جوارحه [إلّا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها.

إلى أن قال- عليه السّلام-: فمن لقى اللّه- عزّ وجلّ- حافظا لجوارحه موفيا  كلّ‏جارحة من جوارحه‏]  ما فرض اللّه عليها، لقي اللّه- عزّ وجلّ- [مستكملا لإيمانه، وهو من أهل الجنّة. ومن خان في شي‏ء منها، أو تعدّى ما أمر اللّه- عزّ وجلّ- فيها، لقي اللّه- عزّ وجلّ-]  ناقص [الإيمان.

قلت: قد فهمت نقصان‏]  الإيمان وتمامه، فمن أين جاءت زيادته؟

فقال: قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ. وقال: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً. ولو كان كلّه واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر، ولاستوت [النّعم فيه ، ولاستوى النّاس وبطل التّفضيل، ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة، وبالزّيادة في‏]  الإيمان تفاضل المؤمنون بالدّرجات عند اللّه، وبالنّقصان دخل المفرطون النّار.

وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: يدبّر أمرها، فيسلّط بعضها على بعض تارة، ويوقع فيما بينهم السّلم أخرى، كما تقتضيه حكمته.

وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً: بالمصالح.

حَكِيماً : فيما يقدّر ويدبّر.

لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها قيل : علّة بما بعده لما دلّ عليه قوله: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من معنى التّدبير، أي: دبّر من تسليط المؤمنين ليعرفوا نعمة اللّه فيه ويشكروها فيدخلوا الجنّة، ويعذب الكفّار والمنافقين لما غاظهم من ذلك. أو «فتحنا». أو «أنزل». أو جميع ما ذكر. أو «ليزدادوا».

و قيل : إنّه بدل [منه بدل‏]  الاشتمال.وَ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ: يغطيها ولا يظهرها.

وَ كانَ ذلِكَ، أي: الإدخال والتّكفير عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً : لأنّه منتهى ما يطلب من جلب نفع أو دفع ضرّ، وعند حال من الفوز .

وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ: عطف على «يدخل»، إلّا إذا جعلته بدلا فيكون عطفا على المبدل.

الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ: ظنّ الأمر السّوء، وهو أن لا ينصر رسوله والمؤمنين.

عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ: دائرة ما يظنّونه ويتربّصونه بالمؤمنين لا يتخطّاهم.

و قرأ  ابن كثير وأبو عمرو: «دائرة السّوء» بالضّمّ، وهما لغتان، غير أنّ المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمّه، والمضموم جرى مجرى الشّر، وكلاهما في الأصل مصدر.

وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ: عطف لما استحقّوه في الآخرة على ما استوجبوه في الدّنيا.

و «الواو» في الأخيرين والموضع موضع الفاء، إذ اللّعن سبب للإعداد والغضب، سبب له لاستقلال الكلّ في الوعيد بلا اعتبار السّببيّة.

وَ ساءَتْ مَصِيراً : جهنّم.

وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً .

في كتاب طبّ الأئمة ، بإسناده إلى جابر الجعفيّ: عن محمّد الباقر- عليه السّلام- قال: كنت عند عليّ بن الحسين  إذ أتاه رجل من بني أميّة من شيعتنا.

فقال: يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ما قدرت أن أمشي إليك من وجع رجلي.

قال: أين أنت من عوذة الحسين بن عليّ؟

قال: وما ذاك، يا ابن رسول اللّه؟قال: آية إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً- إلى قوله -: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً.

قال: ففعلت ما أمرني به فما حسست بعد ذلك بشي‏ء منها بعون اللّه- تعالى-.

إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً: على أمّتك.

وَ مُبَشِّراً وَنَذِيراً : على الطّاعة والمعصية.

لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ الخطاب للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- والأمة. أو لهم، على أن خطابه منزل  منزلة خطابهم.

وَ تُعَزِّرُوهُ: وتقوّوه بتقوية دينه ورسوله.

وَ تُوَقِّرُوهُ: وتعظموه.

وَ تُسَبِّحُوهُ: تنزّهوه. أو تصلّوا له.

بُكْرَةً وَأَصِيلًا : غدوة وعشيّا. أو دائما.

و قرأ : ابن كثير وأبو عمرو الأفعال الأربعة، بالياء.

و قرئ : «تعزروه» بسكون العين. و«تعزروه» بفتح التّاء وضمت الزّاء وكسرها. و«تعززوه» و«توقروه» من أوقره، بمعنى: وقره.

إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ: لأنّه المقصود ببيعته.

يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ: حال، أو استئناف مؤكّد له [على سبيل التخييل‏] .

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار في التّوحيد، بإسناده إلى عبد السّلام  بن صالح الهرويّ قال: قلت لعليّ بن موسى الرّضا - عليه السّلام-: يا بن رسول اللّه، ما تقول في الحديث الّذي يرويه أهل الحديث أنّ المؤمنين يزورون ربّهم من  منازلتهم في الجنّة؟فقال- عليه السّلام-: يا أبا الصّلت، إنّ اللّه- تبارك وتعالى- فضّل نبيّه محمّدا على جميع خلقه من النبيّين والملائكة، وجعل طاعته طاعته، ومبايعته مبايعته ، وزيارته [في الدنيا والآخرة]  زيارته، فقال - عزّ وجلّ-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ. وقال:

إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ‏] . وقال النّبي- صلّى اللّه عليه وآله-: من زارني في حياتي أو بعد موتي ، فقد زار اللّه- تعالى-. ودرجة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في الجنّة أرفع الدّرجات، فمن زاره في درجته في الجنّة من منزله فقد زار اللّه- تبارك وتعالى-.

و بإسناده إلى الرّيان بن شبيب ، خال المعتصم أخي  ماردة: أنّ المأمون لمّا أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين ولأبي الحسن [عليّ بن موسى‏]  الرّضا- عليه السّلام- بولاية العهد وللفضل  بن سهل بالوزارة، أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم. فلما قعدوا عليها وأذن للنّاس فدخلوا يبايعون، فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثّلاثة من أعلى  الإبهام إلى الخنصر ويخرجون، حتّى بايع في آخر النّاس فتى  من الأنصار فصفق بيمينه من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام، فتبسّم أبو الحسن- عليه السّلام-.

ثمّ قال: كلّ من بايعنا بايع بفسخ البيعة، غير هذا الفتى فإنّه [بايعنا]  بعقدها.

فقال المأمون: وما فسخ البيعة، وما  عقدها؟

قال أبو الحسن- عليه السّلام-: عقد البيعة هو من أعلى الخنصر إلى أعلى  الإبهام، وفسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر.

قال: فماج النّاس في ذلك، وأمر المأمون بإعادة النّاس إلى البيعة على ما وصفه أبو الحسن- عليه السّلام-.فقال  النّاس: كيف يستحقّ الإمامة من لا يعرف عقد البيعة؟ إنّ من علم لأولى بها ممّن لا يعلم.

قال : فحمله ذلك على ما فعله من سمّه.

و في إرشاد المفيد - رحمه اللّه- كلام طويل في بيعة النّاس للرّضا- عليه السّلام- عند المأمون، وفيه: وجلس المأمون ووضع للرّضا- عليه السّلام- وسادتين عظيمتين حتّى لحق بمجلسه وفرشه، وأجلس الرّضا- عليه السّلام- عليها في الخضرة عليه عمامة وسيف. ثمّ أمر  [ابنه العبّاس بن المأمون أن يبايع له أول الناس. فرفع الرضا- عليه السّلام- يده فتلقّى بظهرها وجه نفسه وببطنها وجوههم.

فقال له المأمون:]  ابسط يدك للبيعة.

فقال الرّضا- عليه السّلام-: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- هكذا كان يبايع، فبايعه النّاس ويده فوق أيديهم.

و في أصول الكافي : بإسناده إلى هاشم بن أبي عمّار  الجنينيّ  قال: سمعت أمير المؤمنين - عليه السّلام- يقول: أنا عين اللّه، وأنا يد اللّه، وأنا جنب اللّه، [و أنا باب اللّه‏] .

و في كتاب الخصال : عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال: سمعت [أبا جعفر محمّد بن علي‏]  الباقر- عليه السّلام- يقول: ليس على النّساء أذان.

... إلى أن قال- عليه السّلام-: ولا تبايع إلّا من وراء ثياب.

فَمَنْ نَكَثَ: نقض عهده. [فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ:]  فلا يعود ضرر نكثه إلّا على نفسه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال أمير المؤمنين  عليّ- عليه السّلام- في كتابه الّذي كتبه إلى شيعته، يذكر فيه خروج عائشة إلى البصرة وعظم خطأ طلحة والزبير :

و أيّ خطيئة أعظم ممّا أتيا أخرجا زوجة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من بيتها، وكشفا عنها حجابا ستره اللّه [عليها] ، وصانا حلائلهما في بيوتهما، ما أنصفا لا للّه ولا لرسوله من أنفسهما ثلاث خصال، مرجعها على النّاس في كتاب اللّه: البغي والمكر والنّكث، قال اللّه : يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ. وقال: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ. وقال : وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ، إِلَّا بِأَهْلِهِ. وقد بغيا علينا، ونكثا بيعتي، ومكر أبي.

و في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: [قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-] : إنّ في النّار لمدينة يقال لها: الحصينة، أ فلا تسألوني ما فيها؟

فقيل له: وما فيها، يا أمير المؤمنين؟

قال: فيها أيدي النّاكثين.

وَ مَنْ أَوْفى‏: وفى في مبايعته.

بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً : هو الجنّة.

و قرئ : «عهد».

و قرأ  حفص: «عليه» بضمّ الهاء. وابن كثير ونافع وابن عامر وروح:

 «فسنؤتيه» بالنون.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-حديث طويل، يقول فيه في خطبة الغدير: ومن بايع فإنّما يبايع اللّه  يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ. معاشر النّاس، فاتقوا اللّه وبايعوا عليّا أمير المؤمنين والحسن والحسين، والأئمّة كلمة طيّبة باقية، يهلك اللّه بها من غدر، ويرحم بها من وفي فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ (الآية).

و فيه- أيضا- : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه في خطبة الغدير: معاشر النّاس، قد بيّنت لكم وأفهمتكم، وهذا عليّ يفهمكم بعدي. ألا وإنّي عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي على بيعته والإقرار به، ثمّ مصافقته بعدي الا وأنّي قد بايعت اللّه وعليّ- عليه السّلام- قد بايعني، وأنا آخذ بالبيعة له عن اللّه- عزّ وجلّ- فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ (الآية).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ونزلت في بيعة الرّضوان: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ . واشترط عليهم ألّا ينكروا بعد ذلك على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- شيئا يفعله، ولا يخالفوه في شي‏ء يأمرهم به، فقال اللّه- عزّ وجلّ- بعد نزول آية الرّضوان: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ- إلى قوله- : أَجْراً عَظِيماً. وإنّما رضي اللّه عنهم بهذا الشّرط أن يفوا بعد ذلك بعهد اللّه وميثاقه ولا ينقضوا عهده وعقده، فبهذا العهد رضي اللّه عنهم، فقدّموا في التّأليف آية الشّرط على بيعة الرّضوان، وإنّما نزلت أوّلا بيعة الرضوان ثمّ آية الشّرط عليهم فيها.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عنهم- عليهم السّلام- قال: فيما وعظ اللّه- عزّ وجلّ- به عيسى. وذكر حديثا قدسيّا  طويلا، وفيه وصف محمّد، وفيه: على أمّته  تقوم السّاعة، ويدي فوق أيديهم فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى‏ بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ أوفيت له بالجنّة.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى ابن عبّاس: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه‏و آله- حديث طويل، وفيه قال: وإنّي مفارقكم عن قريب وخارج من بين أظهركم، ولقد عهدت إلى أمّتي في  عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-، وإنّها لراكبة سنن من قبلها من الأمم في مخالفة وصيّي وعصيانه. ألا وإنّي مجدّد عليكم عهدي في عليّ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى‏ بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً.

سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ قيل : هم أسلم وجّهينة ومزينة وغفار، استنفرهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عام الحديبية فتخلّفوا واعتلّوا بالشّغل بأموالهم وأهليهم، وإنّما خلّفهم الخذلان وضعف العقيدة والخوف من مقاتلة قريش [إن صدّوهم‏] .

شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا: إذ لم يكن لنا من يقوم بأشغالنا.

و قرئ ، بالتّشديد، للتّكثير.

فَاسْتَغْفِرْ لَنا: من اللَّه على التّخلّف.

يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ: تكذيب لهم في الاعتذار والاستغفار.

قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً: فمن يمنعكم من مشيئته وقضائه.

إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا: ما يضرّكم، كقتل، أو هزيمة، أو خلل في المال والأهل عقوبة على التّخلّف.

و قرأ  حمزة والكسائيّ، بالضّمّ.

أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً: ما يضادّ ذلك، وهو تعريض بالرّدّ .

بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً : فيعلم تخلّفكم وقصدكم فيه.

بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى‏ أَهْلِيهِمْ أَبَداً: لظنّكم أنّ المشركين يستأصلونهم .و «أهلون» جمع، أهل. وقد يجمع على أهلات، كأرضات، على أن أصله:

أهلة. وأمّا أهال فاسم  جمع، كليال.

وَ زُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ: فتمكّن فيها.

و قرئ  على البناء للفاعل، وهو [اللَّه أو]  الشّيطان.

وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ: الظّنّ المذكور، والمراد: التّسجيل عليه بالسّوء. أو هو وسائر ما يظنّون باللَّه ورسوله من الأمور الزّائفة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: «الظّنّ» في كتاب اللَّه على وجهين: فمنه ظنّ يقين، ومنه ظنّ شكّ، وأمّا  الشّكّ، فقوله : إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ. وقوله: وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ.

و في روضة الكافي : سهل عن  عبيد اللَّه ، عن أحمد بن عمر قال: دخلت على أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- فقال: أحسنوا الظّنّ باللَّه، فإنّ أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- كان يقول: من حسن ظنّه باللَّه، كان اللَّه عند ظنّه به.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً : هالكين عند اللَّه لفساد عقيدتكم وسوء نيّتكم.

وَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً :

وضع «الكافرين» موضع الضّمير إيذانا بأنّ من لم يجمع بين الإيمان باللَّه ورسوله فهو كافر، وأنّه مستوجب للسّعير بكفره.

و تنكير «سعيرا» للتّهويل، أو لأنّها نار مخصوصة.

وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: يدبّره كيف يشاء.

يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ: برحمته.

وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ: ممّن استحقّ العقاب.

وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً : فإنّ الغفران والرّحمة من دأبه ، والتّعذيب‏داخل تحت قضائه بالعرض، ولذلك جاء في الحديث القدسيّ: سبقت رحمتي غضبي.

سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ، يعني: المذكورين.

إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى‏ مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها، يعني: مغانم خيبر، فإنّه- صلّى اللَّه عليه وآله- رجع من الحديبية في ذي الحجّة من سنة ستّ وأقام في المدينة بقيّتها وأوائل المحرّم، ثمّ غزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها وغنم أموالا كثيرة فخصّها بهم.

و في كتاب الخصال : عن أبي امامة قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-:

فضّلت بأربع .

... إلى قوله- صلّى اللَّه عليه وآله-: واحلّت لأمّتي الغنائم.

عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي.

... إلى قوله : واحلّ لي المغنم.

 (الحديث)

عن جابر بن عبد اللَّه ، عن النبي- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه حاكيا عن اللَّه- عزّ وجلّ- مخاطبا له- صلّى اللَّه عليه وآله-: وأحللت لك الغنيمة، ولم تحلّ لأحد قبلك.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-: روي، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: فإنّ موسى- عليه السّلام- أعطي  المنّ والسّلوى، فهل فعل بمحمّد - صلّى اللَّه عليه وآله- نظير  هذا؟

قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك، ومحمّد اعطي ما هو أفضل من هذا، إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أحلّ له الغنائم ولأمّته ولم تحلّ الغنائم لأحد قبله، فهذا أفضل من المنّ والسّلوى.و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ، أي: اتركونا نجي‏ء معكم.

يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ: أن يغيروه.

قيل : هو وعده لأهل الحديبية أن يعوّضهم عن مغانم مكّة مغانم خيبر.

و قيل : هو قوله : لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً.

و قيل : إنّه في تبوك.

و «الكلام» اسم للتّكلّم غلب في الجملة المفيدة.

و قرأ  حمزة والكسائيّ: «كلم اللَّه» وهو جمع كلمة.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام-: فإن اللَّه- عزّ وجلّ- جعل لكلّ نبيّ عدوّا من المشركين، كما قال في كتابه، وبحسب جلالة منزلة نبيّنا- صلّى اللَّه عليه وآله- عند ربّه كذلك عظم محنته لعدوّه الّذي عارضه  في حال  شقاقه ونفاقه كلّ أذى ومشقّة، لدفع نبوّته وتكذيبه إيّاه، وسعيه في مكارهه، وقصده لنقض كلّ ما أبرمه، واجتهاده ومن مالأه على كفره وعناده ونفاقه وإلحاده في إبطال دعواه، وتغيير ملّته ومخالفة سنّته، ولم ير شيئا أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم عن موالاة وصيّة وإيحاشهم منه وصدّهم عنه وإغرائهم بعداوته، والقصد لتغيير الكتاب الّذي جاء به، وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل، وكفر ذوي الكفر منه وممّن [يعينه و]  وافقه على ظلمه وبغيه وشركه، ولقد علم اللَّه ذلك منهم فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا. وقال: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ. وهنا كلام طويل يطلب عند قوله - تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا (الآية).

قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا: نفي [في معنى‏]  النّهي.كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ: من قبل تهيّئهم للخروج إلى خيبر.

فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا: أن نشارككم في الغنائم.

و قرئ ، بالكسر .

بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ: لا يفهمون.

إِلَّا قَلِيلًا : إلّا فهما قليلا، وهو فطنتم لأمور الدّنيا.

و معنى الإضراب الأول ردّ منهم أن يكون حكم اللَّه أن لا يتّبعوهم وإثبات للحسد، والثّاني ردّ من اللَّه لذلك وإثبات لجهلهم بأمور الدّين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ ذكر الأعراب الّذين تخلّفوا عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال- جلّ جلاله-: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ - إلى قوله-: وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً، أي: قوم سوء، وهم الّذين استنفرهم في الحديبية، ولمّا رجع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- من الحديبية إلى المدينة غزا خيبر، فاستأذنه المخلّفون بأن يخرجوا معه، فقال اللَّه- عزّ وجلّ-: «سيقول» لك الْمُخَلَّفُونَ- إلى قوله-: إِلَّا قَلِيلًا.

قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ: كرر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة في الذّمّ، وإشعارا بشناعة التّخلّف.

سَتُدْعَوْنَ إِلى‏ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ.

قيل : هم هوازن وحنين.

و قيل : هم هوازن وثقيف.

و قيل : هم ثقيف.

و قيل : هم أهل فارس.

و قيل : هم الرّوم.

و قيل : هم أهل حنين صفّين أصحاب معاوية.

و قيل : هم بنو حنيفة مع مسيلمة الكذّاب.و في مجمع البيان : والصّحيح أن المراد بالدّاعي في قوله: «ستدعون» هو النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- لأنّه دعاهم بعد ذلك إلى غزوات كثيرة وقتال أقوام ذوي نجدة وشدّة، مثل أهل خيبر  والطّائف ومؤتة، إلى تبوك وغيرها، فلا معنى لحمل ذلك على ما بعد وفاته.

تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ، أي: يكون أحد الأمرين: إمّا المقاتلة، أو الإسلام لا غير.

و قيل : ينقادون لكم.

فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً: هو الغنيمة في الدّنيا، والجنّة [في الآخرة] .

وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ: عن الحديبية.

يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً : لتضاعف جرمكم.

لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى‏ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ:

لمّا أوعد على التّخلّف نفي الحرج عن هؤلاء المعذورين، استثناء لهم عن الوعيد.

وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ: فصّل الوعد وأجمل الوعيد مبالغة فيه، لسبق رحمته. ثمّ جبر  ذلك بالتكرير على سبيل العموم فقال: وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً : إذ التّرهيب هاهنا أنفع من التّرغيب.

و قرأ  نافع وابن عامر: «ندخله» و«نعذّبه» بالنّون.

لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ نقل : أنّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا نزل الحديبية، بعث جوّاس بن أميّة الخزاعيّ إلى أهل مكّة، فهمّوا به فمنعه الأحابيش فرجع، فبعث عثمان بن عفّان فحبسوه فارجف بقتله، فدعا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أصحابه وكانوا ألفا وثلاثمائة أو أربعمائة أوخمسمائة وبايعهم على أن يقاتلوا قريشا ولا يفرّوا عنهم، وكان جالسا تحت سمرة  أو سدرة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثين  الحسين بن عبد اللَّه السّكينيّ، عن أبي سعيد البجليّ، عن عبد الملك بن هارون، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-  قال: كتب عليّ- عليه السّلام- إلى معاوية: أنا أوّل من بايع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- تحت الشّجرة في قوله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ [إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ] .

 (الحديث) أقول: وإنّما قال: عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ ولم يقل: عن الّذين يبايعونك، للإشعار بأن فيهم منافقين لم يرض بتلك البيعة، كبيعة أبي بكر وعمر.

فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ: من الإخلاص.

فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ: الطّمأنينة وسكون النّفس بالتّشجيع.

وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً : فتح خيبر غبّ  انصرافهم.

و قيل : مكّة، أو هجر.

و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدثنا]  محمّد بن أحمد الواسطيّ، عن زكريّا بن يحيى، عن إسماعيل بن عثمان، عن عمّار الدّهنيّ، عن أبي الزّبير، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: قول اللَّه- عزّ وجلّ-:

لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ (الآية)  كم كانوا؟

قال: ألفا ومائتين.

قال: هل كان فيهم عليّ- عليه السّلام-؟

قال: نعم، عليّ- عليه السّلام- سيّدهم وشريفهم.

وَ مَغانِمَ كَثِيرَةً [يَأْخُذُونَها، يعني: مغانم خيبر.

وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً : غالبا، مراعيا مقتضى الحكمة.وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً]  تَأْخُذُونَها: وهي ما يفي‏ء على المؤمنين إلى يوم القيامة.

فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ، يعني: مغانم خيبر.

وَ كَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ: أيدي أهل خيبر وحلفائهم من بني أسد وغطفان. أو قريش بالصّلح.

وَ لِتَكُونَ: هذه الكفّة، أو الغنيمة.

آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ: أمارة يعرفون بها أنّهم من اللَّه- تعالى- بمكان. أو صدق الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله- في وعدهم فتح خيبر في حين رجوعه عن الحديبية. أو وعد الغنائم. أو عنوانا لفتح مكّة.

و العطف على محذوف وهو علّة «لكفّ» أو «عجّل»، مثل: لتسلموا أو لتأخذوا، أو العلّة لمحذوف، مثل: فعل ذلك .

وَ يَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً : هو الثّقة بفضل اللَّه والتّوكّل عليه.

وَ أُخْرى‏: ومغانم أخرى. معطوفة على «هذه»، أو منصوبة بفعل يفسّره «قد أحاط اللَّه بها»، مثل: قضى.

و يحتمل رفعها بالابتداء لأنّها موصوفة، وجرّها بإضمار «ربّ».

لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها: بعد لما كان فيها من الجولة .

قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها: استولى، فأظفركم بها، وهي مغانم هوازن أو فارس.

وَ كانَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيراً : فإنّ قدرته ذاتيّة، لا تختصّ بشي‏ء دون شي‏ء.

وَ لَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا: من أهل مكّة ولم يصالحوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ:

لانهزموا.ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا: يحرسهم ، وَلا نَصِيراً : ينصرهم.

سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ، أي: سنّ غلبة أنبيائه سنّة قديمة فيمن مضى من الأمم، كما قال: «لأغلبنّ أنا ورسلي».

وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا : تغييرا.

وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ: أيدي كفّار مكّة.

عَنْكُمْ: بالرّعب.

وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ: بالنّهي.

بِبَطْنِ مَكَّةَ، يعني: الحديبية.

مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ: أظهركم عليهم.

و قيل : كان ذلك أنّ عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة إلى الحديبية، فبعث رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- خالد بن الوليد على جند فهزمهم حتّى أدخلهم حيطان مكّة.

فالمراد ببطن مكّة: في داخل مكّة، وهو الأظهر، ثمّ عاد.

و قيل : كان ذلك يوم الفتح، واستشهد به على أن مكّة فتحت عنوة.

وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ: من مقاتلتهم أوّلا طاعة لرسوله، وكفّهم ثانيا لتعظيم بيته.

و قرأ  أبو عمرو، بالياء.

بَصِيراً : فيجازيهم عليه.

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً:

محبوسا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ.

يدلّ على أنّ ذلك كان عام الحديبية.

و «الهدي» [ما يهدى إلى مكة.

و قرئ : «الهديّ»]  وهو فعيل، بمعنى: المفعول.و «محلّه» مكانه الّذي يحلّ فيه نحره، يعني: مكة، لأنّ هدي العمرة لا يذبح إلّا بمكّة، كما أنّ هدي الحجّ لا يذبح إلّا بمنى.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير وغيره، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا خرج النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- في غزوة الحديبية خرج في ذي القعدة، فلمّا انتهى إلى الموضع الّذي أحرم فيه أحرموا ولبسوا السّلاح.

فلمّا بلغه أنّ المشركين قد أرسلوا إليه خالد بن الوليد ليردّه قال: ابغوني رجلا يأخذني على غير هذا الطّريق. فاتي برجل من مزينة أو من جهينة، فسأله فلم يوافقه.

فقال: ابغوني رجلا غيره  [يأخذني على غير هذا الطّريق‏] . فاتي برجل آخر إمّا من مزينة أو من جهينة فذكر له، فأخذه معه حتّى انتهى إلى العقبة، فقال: من يصعدها حطّ اللَّه عنه، كما حطّ اللَّه من بني إسرائيل فقال لهم ادخلوا الباب سجّدا نغفر لكم خطاياكم.

قال: فابتدرها خيل الأنصار، الأوس والخزرج.

قال: وكانوا ألفا وثمانمائة، قال: فلمّا هبطوا إلى الحديبية إذا امرأة معها ابنها على القليب ، فسعى ابنها هاربا. فلمّا أثبت أنّه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- صرخت به: هؤلاء الصّابئون  ليس عليك منهم بأس . فأتاها رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فأمرها، فاستقت دلوا من ماء، فأخذه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فشرب وغسل وجهه، فأخذت فضلته فأعادته إلى البئر، فلم تبرح حتّى السّاعة.

و خرج رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فأرسل إليه المشركون  أبان بن سعيد في الخيل فكان بإزائه، ثمّ أرسلوا الحليس  فرأى البدن وهي تأكل بعضها أو بار بعض ،فرجع ولم يأت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و قال لأبي سفيان: يا أبا سفيان، أما واللَّه ما على هذا حالفناكم على أن تردّوا الهدي عن محلّه.

فقال: اسكت، فإنّما أنت أعرابيّ.

فقال: أما، واللَّه، لتخلّينّ عن محمّد وما أراد أو لأنفردن في الأحابيش.

فقال: اسكت حتّى نأخذ  من محمّد ولثا .

فأرسلوا إليه عروة بن مسعود، وقد كان جاء إلى قريش في القوم الّذين أصابهم المغيرة بن شعبة، كان خرج معهم من الطّائف وكانوا تجّارا فقتلهم وجاء بأموالهم إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. فأبى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أن يقبلها، وقال:

هذا غدر ولا حاجة لنا فيه. فأرسلوا إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقالوا: يا رسول اللَّه، هذا عروة بن مسعود فقد أتاكم وهو يعظّم البدن.

قال: فأقيموها. فأقاموها.

فقال: يا محمّد، مجيئ من جئت؟

قال: جئت أطوف بالبيت، وأسعى بين الصّفا والمروة، وأنحر هذه الإبل وأخلّي عنكم وعن لحمانها.

قال: لا، واللات والعزّى، فما رأيت مثلك ردّ عمّا جئت له، إنّ قومك يذكّرونك  اللَّه والرّحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم، وأن تقطع أرحامهم، وأن تجرّئ عليهم عدوّهم.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما أنا بفاعل حتّى أدخلها.

قال: وكان عروة بن مسعود حين كلّم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- تناول‏لحيته  والمغيرة قائم على رأسه، فضرب بيده.

فقال: من هذا، يا محمّد؟

فقال: هذا ابن أخيك، المغيرة.

فقال: يا غدر، واللَّه ، ما جئت إلّا في غسل سلحتك .

قال: فرجع إليهم، فقال لأبي سفيان وأصحابه: لا، واللَّه، ما رأيت مثل محمّد ردّ عمّا جاء له.

فأرسلوا إليه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزّي، فأمر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فأثيرت في وجوههم البدن.

فقالا: مجي‏ء من جئت؟

قال: جئت لأطوف بالبيت، وأسعى بين الصّفا والمروة، وانحر البدن وأخلّي بينكم وبين لحمانها.

فقالا: إنّ قومك يناشدونك اللَّه والرّحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم، وتقطع أرحامهم، وتجرّئ عليهم عدوّهم.

قال: فأبي عليهما رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إلّا أن يدخلها، وكان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أراد أن يبعث عمر.

فقال: يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إنّ عشيرتي قليل وإنّي فيهم على ما تعلم، ولكنّي أدلّك على عثمان بن عفّان.

فأرسل إليه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: انطلق إلى قومك من المؤمنين فبشرهم بما وعدني ربّي من فتح مكّة.

فلمّا انطلق عثمان، لقي أبان بن سعيد فتأخر عن السّرح ، فحمل عثمان بين يديه ودخل [عثمان‏]  فأعلمهم، وكانت المناوشة .فجلس سهيل بن عمرو عند رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وجلس عثمان في عسكر المشركين، وبايع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- المسلمين ، وضرب بإحدى يديه على الأخرى [لعثمان‏] .

فقال المسلمون: طوبى لعثمان، قد طاف بالبيت وسعى بين الصّفا والمروة وأحلّ.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما كان ليفعل.

فلمّا جاء عثمان قال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أطفت بالبيت؟

فقال: ما كنت لأطوف بالبيت ورسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لم يطف به.

ثمّ ذكر القصّة وما كان فيها.

فقال لعليّ- عليه السّلام-: اكتب: «بسم اللَّه الرّحمن الرحيم».

فقال سهيل: ما أدري ما الرّحمن الرّحيم، إلّا أنّي أظنّ هذا  الّذي باليمامة، ولكن اكتب كما  نكتب: باسمك اللّهمّ.

قال: واكتب: هذا ما قاضى  [عليه‏]  رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- سهيل ابن عمرو.

فقال سهيل بن عمرو: فعلى ما نقاتلك، يا محمّد؟

فقال: أنا  رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأنا محمّد بن عبد اللَّه.

فقال النّاس: أنت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

قال: اكتب، فكتب: هذا ما قاضى  عليه محمّد بن عبد اللَّه.

فقال النّاس: أنت رسول اللَّه.

و كان في القضيّة: أنّ من كان منّا أتى إليكم رددتموه إلينا، ورسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- غير مستكره، عن دينه، وما جاء إلينا منكم لم نردّه إليكم.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: لا حاجة لنا فيهم.و على أن يعبد اللَّه فيكم علانية غير سرّ، وإن كانوا ليتهادون السّيور  في المدينة إلى مكّة.

و ما كانت قضيّة أعظم بركة منها، لقد كاد أن يستولي على أهل مكّة الإسلام.

فضرب سهيل بن عمرو على أبي جندل، ابنه، فقال: أوّل ما قاضينا عليه.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: وهل قاضيت على شي‏ء؟

فقال: يا محمّد، ما كنت بغدّار.

قال: فذهب بأبي جندل، فقال: يا رسول اللَّه، تدفعني إليه؟

قال: ولم أشترط لك.

قال : وقال: اللّهمّ، اجعل لأبي مخرجا.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن عبد اللَّه بن فرقد، عن حمران، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- حين صدّ بالحديبية قصّر وأحلّ [و نحر] ، ثمّ انصرف منها، ولم يجب عليه الحلق حتّى يقضي المناسك»

، فأمّا المحصور فإنّما يكون عليه التّقصير.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد. ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن محرم انكسرت ساقه، أيّ شي‏ء يكون حاله، وأي شي‏ء عليه؟

قال: هو حلال من كلّ شي‏ء.

قلت: من النّساء والثّياب والطّيب؟

فقال: نعم، من جميع ما يحرم على المحرم.

و قال: أما بلغك قول أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: حلّني حيث حبستني لقدرك الّذي قدّرت عليّ.قلت: أصلحك اللَّه، ما تقول في الحجّ؟

قال: لا بدّ أن يحجّ من قابل.

قلت: أخبرني عن المحصور والمصدود هما سواء؟

فقال: لا.

قلت: فأخبرني عن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- حين صدّه المشركون قضى عمرته؟

قال: لا، ولكنّه اعتمر بعد ذلك.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير وصفوان، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: المحصور غير المصدود، المحصور المريض، والمصدود الّذي يصدّه المشركون، كما ردّوا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأصحابه ليس من مرض، والمصدود تحلّ له النّساء، والمحصور لا تحلّ له النّساء.

و في آخر هذا الحديث قال : قلت: فما بال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- حين رجع من الحديبية حلّت له النّساء ولم يطف بالبيت؟

قال: ليسا سواء، كان النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- مصدودا والحسين- عليه السّلام- محصورا.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الفضل عن يونس، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفه قبل أن يعرّف، فبعث به إلى مكة فحبسه، فلمّا كان يوم النّحر، خلّى سبيله، كيف يصنع؟

قال: يلحق فيقف بجمع ، ثمّ ينصرف إلى منى فيرمى ويذبح ويحلق، ولا شي‏ء عليه.

قلت: فإن خلّى عنه يوم النّفر، كيف يصنع؟

قال: هذا مصدود عن الحجّ، إن كان دخل مكّة متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ فليطف بالبيت أسبوعا ثمّ يسعى أسبوعا ويحلق رأسه ويذبح شاة، فإن كان مفردا للحجّ‏فليس عليه ذبح ولا شي‏ء عليه.

حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن المثنّى ، عن أبان، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: المصدود يذبح حيث صدّ، ويرجع صاحبه فيأتي النّساء.

 (الحديث)

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللَّه-: عن الحسن بن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه لمعاوية: لعن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أبا سفيان في ستّة  مواطن.

... إلى قوله: والخامسة قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ.

و صددت أنت وأبوك ومشركو قريش رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فلعنه  لعنة شملته وذرّيّته إلى يوم القيامة.

وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ: لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين.

أَنْ تَطَؤُهُمْ: أن توقعوا بهم وتبيدوهم. وهو بدل الاشتمال من «رجال» و«نساء»، أو من ضميرهم في «تعلموهم».

فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ: من جهتهم.

مَعَرَّةٌ: مكروه، كوجوب الدية والكفّارة بقتلهم، والتأسّف [عليهم، وتعيير الكفّار بذلك، والإثم بالتقصير في البحث عنهم‏] .

مفعلة، من عرّه: إذا عرّاه ما يكرهه.

بِغَيْرِ عِلْمٍ: متعلّق «بأن تطؤوهم»، أي: تطؤوهم غير عالمين بهم. وجواب «لو لا» محذوف لدلالة الكلام عليه، والمعنى: لو لا كراهة أن تهلكوا أناسا مؤمنين بين أظهر الكافرين جاهلين بهم، فيصيبكم بإهلاكهم مكروه، لما كفّ أيديكم عنهم.

لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ: علّة لما دلّ عليه كفّ الأيدي من أهل مكّة صونا لمن فيها من المؤمنين، أي: كان ذلك لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ، أي.في توفيقه لزيادة الخير، او الإسلام.

مَنْ يَشاءُ: من مؤمنيهم، او مشركيهم. لَوْ تَزَيَّلُوا: لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض.

و قرئ : «لو تزايلوا».

لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً : بالقتل والسبي.

و في كتاب كمال الدين وتمام النعمة ، بإسناده الى ابن أبي  عمير: عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت له: ما بال امير المؤمنين لم يقاتل فلانا وفلانا؟  قال له: لآية في كتاب اللَّه- عزّ وجل-: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً.

قال: قلت: ما يعني بتزايلهم؟

قال: ودائع المؤمنين  في أصلاب قوم كافرين، وكذلك القائم- عليه السّلام- لن يظهر أبدا حتى تظهر  ودائع اللَّه- عزّ وجل-. فإذا خرجت، ظهر على من ظهر من أعداء اللَّه فقتلهم.

و بإسناده الى إبراهيم الكرخي ، قال: قلت لابي عبد اللَّه- عليه السّلام- او قال له رجل: أصلحك اللَّه، أ لم يكن عليّ- عليه السّلام- قويا في دين اللَّه؟

قال: بلى.

قال: فكيف ظهر على القوم وكيف لم يدفعهم، وما يمنعه من ذلك؟

قال: آية في كتاب اللَّه [- عزّ وجلّ- منعته‏] .

قلت: وأيّة آية؟

قال: هي قوله- تعالى-: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً. إنّه كان [للَّه- عزّ وجلّ‏]  ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، ولم يكن عليّ- عليه‏السّلام- ليقتل الاباء حتّى تخرج  الودائع، فلما خرجت الودائع ظهر على من ظهر فقاتله، وكذلك قائمنا، اهل البيت، لن يظهر أبدا حتّى تظهر ودائع اللَّه- عزّ وجلّ-. فإذا ظهرت، ظهر على من ظهر فيقتلهم .

و بإسناده  إلى منصور بن حازم: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً. قال: لو أخرج اللَّه ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين وما في أصلاب الكافرين من المؤمنين لَعَذَّبْنَا  الَّذِينَ كَفَرُوا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً، يعني: هؤلاء الّذين كانوا بمكّة من المؤمنين والمؤمنات، يعني: لو زالوا  عنهم وخرجوا من بينهم لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً.

حدّثنا أحمد بن عليّ ، قال: حدثنا الحسين بن عبد اللَّه [السعدي‏]  قال: حدّثنا الحسن بن موسى الخشّاب، عن عبد اللَّه بن الحسين، عن بعض أصحابه، عن فلان الكرخيّ قال: قال رجل لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أ لم يكن عليّ- عليه السّلام- قويّا في بدنه، قويّا في أمر اللَّه؟

فقال له أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: بلى.

قال: فما منعه أن يدفع أو يمتنع؟

قال: قد سألت فافهم الجواب، منع عليّا- عليه السّلام- من ذلك آية من كتاب اللَّه.

فقال: وأيّ آية؟

فقرأ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً. إنّه كان للَّه ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن عليّ- عليه السّلام- ليقتل الآباء حتّى تخرج  الودائع، فلمّا خرجت  ظهر على من ظهر وقتله، وكذلك قائمنا، أهل البيت: لن‏يظهر أبدا حتّى تخرج ودائع اللَّه. فإذا خرجت، يظهر على من يظهر فيقتله.

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا: مقدّر «باذكر». أو ظرف «لعذّبنا»، أو «صدّوكم».

فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ: الأنفة حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ: الّتي تمنع إذعان الحقّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم .- رحمه اللَّه- قال عليّ بن إبراهيم: ثمّ قال- جلّ ذكره-: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ، يعني: قريشا وسهيل بن عمرو حين قالوا لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: لا نعرف الرّحمن»

 الرّحيم، وقولهم: لو علمنا أنّك رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ما حاربناك [فاكتب: محمّد بن عبد اللَّه‏] .

و في كتاب الخصال : عن سماعة بن مهران قال: كنت عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- وعنده جماعة من مواليه، فجرى ذكر العقل والجهل.

 [فقال أبو عبد اللَّه: اعرفوا العقل (و جنده)  والجهل (و جنده) ] .

... إلى أن قال- عليه السّلام-: والإنصاف، وضدّه الحميّة.

عن أبي عبد اللَّه - عليه السّلام- قال: كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يتعوّذ في كلّ يوم من ستّ خصال: من الشّكّ، والشّرك، والحميّة، والغضب، والبغي، والحسد.

و في روضة الكافي : سهل بن زياد، عن إبراهيم بن عقبة، عن سبابة  بن أبي  أيّوب ومحمّد بن الوليد عليّ بن أسباط، يرفعونه إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه يعذّب السّتّة بالسّتّة: العرب بالعصبيّة.

 (الحديث)

و في أصول الكافي : عليّ [بن إبراهيم‏] ، عن أبيه، عن النّوفلي، عن‏السّكونيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: من كان في قلبه حبّة من خردل من عصبيّة، بعثه اللَّه يوم القيامة مع أعراب الجاهليّة.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن داود بن النّعمان، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من تعصّب أو تعصّب له فقد خلع ربق  الإيمان من عنقه.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم ودرست  بن أبي منصور، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: من تعصّب أو تعصّب له فقد خلع ربق الإيمان من عنقه.

أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن خضر، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من تعصّب عصّبه اللَّه بعصابة من نار.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان بن مهران، عن عاصم بن السّمط، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال: لم تدخل  الجنّة حميّة غير حميّة حمزة بن عبد المطّلب، وذلك حين أسلم غضبا للنبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- في حديث السّلا  الّذي ألقي على النبي‏- صلّى اللَّه عليه وآله-.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ، عن القاسم بن محمّد [عن‏]  المنقريّ، عن عبد الرّزّاق، عن معمّر، عن الزّهريّ قال: سئل عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- عن العصبيّة.

فقال: العصبية  الّتي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرّجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، وليس من العصبيّة أن يحبّ الرّجل قومه، ولكن من العصبيّة أن يعين قومه على الظّلم.

و في نهج البلاغة : فأطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبيّة وأحقاد الجاهليّة، وإنّما تلك الحميّة تكون في المسلم من خطرات الشيطان  ونخواته  ونزعاته  ونفثاته .

و فيه : فاللَّه اللَّه في كبر الحميّة وفخر الجاهليّة، فإنّه ملاقح  الشنآن  ومنافخ‏1»

 الشّيطان اللاتي خدع بها الأمم الماضية والقرون الخالية.

فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى‏ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ: فأنزل عليهم الوقار والثّبات.

وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى‏.

قيل : كلمة الشّهادة. أو «بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم» محمّد رسول اللَّه اختارها لهم. أو الثّبات و الوفاء بالعهد.

و إضافة «الكلمة» إلى «التّقوى» لأنّها سببها، أو كلمة أهلها.و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن جميل قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قوله- عزّ وجلّ-: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى‏.

قال: هو الإيمان.

و في تفسير علي بن إبراهيم ، خطبة له- صلّى اللَّه عليه وآله- وفيها: وأولى القول كلمة التّقوى.

و في أمالي الصّدوق - رحمه اللَّه-، بإسناده إلى النبي- صلّى اللَّه عليه وآله- قال:

إنّ اللَّه عهد إليّ في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- عهدا.

قلت: يا ربّ، بيّنة لي.

قال: اسمع.

قلت: قد سمعت.

قال: إنّ عليّا راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة الّتي ألزمتها المتّقين، من أحبّه أحبّني، ومن أطاعه أطاعني.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى سلام الجعفيّ: عن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- عن أبي ذرّ، عن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- مثله.

و في كتاب الخصال : عن عبد اللَّه بن عبّاس قال: قام رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فينا خطيبا، فقال في آخر خطبته: نحن كلمة التّقوى وسبيل الهدى.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في خطبته: أنا عروة اللَّه  الوثقى وكلمة التّقوى.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود: عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: نحن كلمة التقوى والعروة الوثقى.و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى الحسن بن عبد اللَّه: عن آبائه، عن جدّه، الحسن بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام-، عن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث طويل في تفسير «سبحانه اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلّا اللَّه واللَّه أكبر» وفي: قال- عليه السّلام- وقوله: لا إله إلّا اللَّه، يعني: وحدانيته الّتي لا يقبل اللَّه الأعمال إلّا بها، وهي كلمة  التّقوى يثقل اللَّه بها الموازين يوم القيامة.

وَ كانُوا أَحَقَّ بِها: من غيرهم.

وَ أَهْلَها: والمستأهل لها.

و في شرح الآيات الباهرة : روى الحسن بن أبي الحسن الديلميّ، بإسناده، عن رجاله، عن مالك بن عبد اللَّه قال: قلت لمولاي الرّضا- عليه السّلام-: قوله: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى‏ وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها.

قال: هي ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

فالمعنى: أنّ الملزومين  بها هم شيعته وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها.

و ذكر عليّ بن إبراهيم  في تفسيره، قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: لمّا عرج بي ربّي  إلى السّماء فسح في بصري غلوة، كما يرى الرّاكب خرق الإبرة من ميسرة يوم، فعهد إليّ ربّي في عليّ كلمات.

فقال: اسمع، يا محمّد، إنّ عليّا إمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، ويعسوب  المؤمنين والمال يعسوب الظّلمة، وهو الكلمة الّتي ألزمتها المتّقين وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها فبشّره بذلك.

قال: فبشّره رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بذلك، فالقي عليّ- عليه السّلام- ساجدا شكرا للَّه.

ثمّ قال: يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وإنّي لأذكر هناك؟

قال: نعم، إنّ اللَّه ليعرفك هناك، وإنّك لتذكر في الرّفيق الأعلى.و روى محمّد بن العبّاس ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن محمّد بن هارون، عن محمّد بن مالك، عن محمّد  بن فضيل، عن غالب الجهنيّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ، [عن أبيه،]  عن جدّه، [عن عليّ- صلوات اللَّه عليهم-]  قال: قال لي النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: لمّا اسري بي إلى السّماء ثمّ إلى سدرة المنتهى أوقفت  بين يدي ربّي.

فقال لي: يا محمّد.

فقلت: لبيك، ربّي، وسعديك.

قال: قد بلوت خلقي فأيّهم وجدت أطوع لك؟

قلت: ربّي، عليّا.

قال: صدقت، يا محمّد، فهل اتّخذت لنفسك خليفة يؤدّي عنك ويعلّم عبادي من كتابي ما لا يعلمون؟

قال: قلت: لا، فاختر لي، فإنّ خيرتك خيرتي .

قال: قد اخترت لك عليّا، فاتّخذه لنفسك خليفة ووصيّا، وقد نحلته علمي وحلمي، وهو أمير المؤمنين حقّا لم ينلها أحد قبله وليست لأحد من بعده.

يا محمّد،- صلّى اللَّه عليه وآله- عليّ راية الهدى، وإمام من أطاعني، ونور أوليائي، وهو الكلمة الّتي ألزمتها المتّقين، من أحبّه فقد أحبّني، ومن أبغضه فقد أبغضني، فبشره بذلك، يا محمّد.

قال: فبشّره بذلك.

فقال عليّ: أنا عبد اللَّه وفي قبضته، إن يعاقبني فبذنبي لم يظلمني، وإن يتمّ لي ما وعدني فاللَّه أولى بي.

فقال النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله-: اللّهمّ، أجل  قلبه واجعل ربيعه الإيمان بك.

قال اللَّه- تعالى-: قد فعلت ذلك به، يا محمّد، غير أنّي مختصّه من البلاء بما لاأختصّ به أحدا من أوليائي.

قال: قلت: ربّي، أخي وصاحبي.

قال: إنّه قد سبق في علمي أنّه مبتلى ومبتلى به، ولو لا عليّ لم تعرف أوليائي ولا اولياء رسولي .

و قال- أيضا- : حدّثنا محمّد بن الحسين، عن عليّ بن منذر، عن مسكين  الرّجال  العابد- وقال ابن منذر عنه: وبلغني أنّه لم يرفع رأسه إلى السّماء منذ أربعين سنة- قال : حدثنا فضيل الرسان ، عن أبي داود، عن أبي بردة  قال: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقول: إنّ اللَّه عهد إليّ في عليّ- عليه السّلام- عهدا.

فقلت: اللّهمّ، بيّن لي.

فقال لي: اسمع.

فقلت: اللّهم، قد سمعت.

فقال اللَّه- عزّ وجلّ- أخبر عليّا بأنّه أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وأولى النّاس بالنّاس، والكلمة الّتي ألزمتها المتّقين.

فيكون المراد بالمتّقين: شيعته الّذين ألزمهم كلمته، وفرض عليهم ولايته فقبولها ووالوا بولايته  ذريّته  الّذين أكمل بهم دينه وأتمّ نعمته، ومنحهم فضله، وجعل عليهم صلواته وسلامه وتحيّته وبركاته التّامة العامّة ورحمته.

وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً : فعلم أهل كلّ شي‏ء ويسّره له.

لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا: رأى [رسول اللَّه‏] - صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه وأصحابه دخلوا مكّة آمنين وقد حلقوا وقصروا، فقصّ الرّؤيا على أصحابه ففرحوا وحسبوا أنّ ذلك يكون في عامهم هذا. فلمّا تأخّر، قال بعضهم: واللَّه، ما حلقنا وما قصّرنا ولا رأينا البيت. فنزلت، والمعنى: صدقه في رؤياه.بِالْحَقِّ: ملتبسا به، فإنّ ما رآه كائن لا محالة في وقته المقدّر له، وهو العام القابل.

و يجوز أن يكون «بالحقّ» صفة مصدر محذوف، أي: صدقا ملتبسا بالحقّ، وهو القصد إلى التّمييز بين الثّابت في الإيمان والمتزلزل فيه. وأن يكون قسما إمّا باسم اللَّه- تعالى- أو بنقيض الباطل، وقوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ

الْحَرامَ‏

: جوابه، وعلى الأولين جواب قسم محذوف.

إِنْ شاءَ اللَّهُ: تعليق للعدة بالمشيئة تعليما للعباد، أو إشعارا بأن بعضهم لا يدخل لموت أو غيبة. أو حكاية لما قاله ملك الرّؤيا، أو النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- لأصحابه.

آمِنِينَ: حال من «الواو» والشّرط معترض.

مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ، أي: محلّقا بعضكم ومقصّرا آخرون.

لا تَخافُونَ: حال مؤكّدة. أو استئناف، أي: لا تخافون بعد ذلك.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى سليمان بن مهران قال: قلت لجعفر بن محمّد- عليه السّلام-: كيف صار الصّرورة  يستحبّ له دخول الكعبة دون من قد حجّ؟

قال: لأنّ الصّرورة قاضي فرض، مدعو إلى حجّ بيت اللَّه الحرام ، فيجب أن يدخل البيت الّذي دعي إليه ليكرم فيه.

قلت: فكيف صار الحلق عليه واجبا دون من قد حجّ؟

قال: ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين، ألا تسمع اللَّه يقول: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي نصر، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: الفرق  من السّنّة؟قال: لا.

قلت: فهل فرق رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-؟

قال: نعم.

قلت: كيف فرق رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وليس من السّنّة؟

قال: من  أصابه ما أصاب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يفرق، كما فرق رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- [فقد أصاب سنة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-]  وإلّا فلا.

قلت: كيف ذلك؟

قال: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا صدّ عن البيت وقد كان ساق الهدي وأحرم، أراه اللَّه الرّؤيا [التي أخبره اللَّه بها في كتابه إذ يقول: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا]  بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ. فعلم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أن اللَّه سيفي له بما أراده، فمن ثمّ وفّر ذلك الشّعر الّذي كان على رأسه حين أحرم انتظارا لحلقه في الحرم حيث وعده اللَّه- عزّ وجل-. فلمّا حلقه، لم يعد توفير الشّعر ولا كان ذلك من قبله.

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن النّضر بن سويد، عن درست بن أبي منصور [عن أبي بصير]  قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، الرّؤيا الصّادقة والكاذبة مخرجهما من موضع واحد؟

قال صدقت، أمّا الكاذبة المختلفة فإنّ الرجل يراها في أول ليله في سلطان المردة الفسقة. وإنّما هي شي‏ء يخيّل إلى الرّجل وهي كاذبة مخالفة لا خير فيها، وأمّا الصادقة إذا رآها بعد الثّلثين من اللّيل مع حلول الملائكة وذلك قبل السّحر فهي صادقة لا تخلف [إن شاء اللَّه‏] ، إلّا أن يكون جنبا أو ينام على غير طهور ولم يذكر اللَّه حقيقة ذكره فإنّها تخلف وتبطئ على صاحبها.و في كتاب الاحتجاج  للطبرسي- رحمه اللَّه-: روي عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: فإنّ هذا يوسف قاسى مرارة الغربة ، وحبس في السّجن توقّيا للمعصية، والقي في الجبّ وحيدا.

قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك، ومحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- قاسى مرارة الغربة وفراق الأهل والأولاد [و المال‏]  مهاجرا من حرم اللَّه وأمنه، فلمّا رأى [اللَّه‏] - عزّ وجلّ- كآباته واستشعاره  الحزن أراه- تعالى- رؤيا توازي رؤيا يوسف في تأويلها وأبان للعالمين صدق تحديثها ، فقال له: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا (الآية) .

و في كتاب الخصال : عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال: سمعت [أبا جعفر محمّد بن علي‏]  الباقر- عليه السّلام- يقول: ليس على النّساء أذان.

... إلى أن قال: ولا الحلق، إنّما يقصّرون من شعورهنّ.

فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا: من الحكمة في تأخير ذلك.

فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ: من دون دخولكم المسجد، أو فتح مكّة.

فَتْحاً قَرِيباً : هو فتح خيبر، لتستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسّر الموعود.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم

: [فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً]

 يعني فتح خيبر، لأنّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا رجع من الحديبيّة غزا خيبر.

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏: ملتبسا به، أو بسببه، أو لأجله.

وَ دِينِ الْحَقِّ: وبدين الإسلام.

لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ: ليغلبه على جنس الدين كلّه، بنسغ ما كان‏حقّا وإظهار فسد ما كان باطلا. أو بتسليط المسلمين على أهله، إذ ما من أهل دين إلّا وقد قهرهم المسلمون.

و فيه تأكيد لما وعده من الفتح.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم

: وقوله- عزّ وجل-: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ (الآية)

 وهو الإمام الّذي يظهره اللَّه على الدين كلّه، فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما. وهذا ممّا ذكرنا أنّ تأويله بعد تنزيله.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن عليّ بن عيسى، رفعه، قال: إنّ موسى ناجاه اللَّه- فقال له في مناجاته: يا موسى، لا يطول في الدّنيا أملك. وذكرنا حديثا قدسيّا طويلا يقول اللَّه- تعالى- فيه، وقد ذكر محمدا- صلّى اللَّه عليه وآله-: فتمّت كلماتي، لأظهرنّ دينه على الأديان كلّها ولاعبدنّ بكلّ مكان.

وَ كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً : على أنّ ما وعده كائن. أو على نبوّته بإظهار المعجزات.

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ‏

في كتاب الخصال ، بإسناده إلى جابر قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: مكتوب على باب الجنّة: لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-، عليّ- عليه السّلام- أخو الرسول قبل أن يخلق اللَّه السموات

 بألفي عام.

و هو جملة مبيّنة للمشهود به.

و يجوز أن يكون «رسول اللَّه»- صلّى اللَّه عليه وآله- صفة، و«محمّد»- صلّى اللَّه عليه وآله- خبر محذوف. أو مبتدأ وَالَّذِينَ مَعَهُ: معطوف عليه، وخبرهما أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ.

و «أشدّاء» جمع، شديد. و«رحماء» جمع، رحيم.

و المعنى: أنّهم يغلظون على من خالف دينهم، ويتراحمون فيما بينهم، كقوله

:أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمّه

 و

 اللَّه خلق طينتهما من سبع سموات، وهي من طينة الجنان. ثمّ تلا: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ فهل يكون الرّحم إلّا برّا وصولا.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي المغرا

، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحزنه

، ويحقّ على المسلمين

 الاجتهاد في التّواصل والتّعاون على التّعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض، حتّى تكونوا، كما أمركم اللَّه- عزّ وجلّ- رحماء بينكم، متراحمين مغتمّين

 لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و نقل هذا الحديث في باب آخر

 وفيه بدل بينكم بينهم.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد [بن عيسى‏]

، عن محمّد بن سنان، عن كليب الصّيداويّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: تواصلوا وتبارّوا وتراحموا، وكونوا إخوة بررة، كما أمركم اللَّه- عزّ وجلّ-

.

تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً: لأنّهم مشتغلون بالصّلاة في أكثر أوقاتهم.

و في شرح الآيات الباهرة : نقلا عن ابن مردويه الحافظ وأخطب خوارزم: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.و مثله روي  عن الكاظم- عليه السّلام-.

يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً: الثّواب والرّضا.

في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدثني سعيد بن الحسن بن مالك قال: حدثنا بكّار، عن الحسن بن الحسين قال: حدّثنا منصور بن مهاجر، عن سعد

، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه سئل عن هذه الآية: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمنوا (الآية)

.

فقال : مثل أجراه اللَّه في شيعتنا، كما يجري لهم في الأصلاب، ثمّ يزرعهم في الأرحام ويخرجهم للغاية الّتي أخذ عليهم ميثاقهم في الخلق.

فمنهم أتقياء شهداء، ومنهم الممتحنة قلوبهم، ومنهم العلماء، ومنهم النّجباء، ومنهم النّجداء ، ومنهم النّقي

، ومنهم أهل التّقوى، ومنهم أهل التسليم، فازوا بهذه الأشياء سبقت لهم من اللَّه، وفضّلوا [على النّاس‏]

 بما فضّلوا، وجرت للنّاس بعدهم في المواثيق حالهم، أسماؤهم حدّ المستضعفين، وحدّ المرجون لأمر اللَّه [حدّا]

 وأمّا أن يتوب عليهم، وحدّ عسى أن يتوب عليهم، وحدّ لابثين فيها [أبدا، وحدّ لابثين فيها]

 أحقابا، وحدّ  خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض.

ثمّ حد الاستثناء من اللَّه من الفريقين، ومنازل  النّاس في الخير والشر خلقان من خلق اللَّه، فيهما المشيئة ، فمن شاء من خلقه في قسمه و[ما]  قسم له تحويل عن حال زيادة في الأرزاق، أو نقص منها، أو تقصير في الآجال وزيادة فيها، أو نزول البلاء أو دفعه.

ثمّ أسكن الأبدان على ما شاء من ذلك، فجعل منه مشعرا  في القلوب ثابتالأهله ، و[منه‏]  عواري من القلوب والصّدور إلى أجل له وقت، فإذا بلغ وقتهم انتزع ذلك منهم، فمن ألهمه اللَّه الخير وأسكنه في قلبه، بلغ منه الغاية الّتي أخذ عليها ميثاقه في الخلق الأوّل.

سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ.

قيل : يريد السّمعة الّتي تحدث في جباههم من كثرة السّجود، فعلى، من سامه: إذا أعلمه . وقد قرئت ممدودة، و«من أثر السّجود» بيانها، أو حال من المستكنّ في الجار.

و في أصول الكافي : أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن عبد اللَّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، إنّي لأرى بعض أصحابنا يعتريه النّزق والحدّة والطيش  فأغتمّ لذلك غمّا شديدا، وأرى من خالفنا فأراه حسن السّمت.

قال: لا تقل: حسن السّمت، فإنّ السّمت سمت الطّريق: ولكن قل: حسن السّيماء، فإنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ [مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ]

 (الحديث).

و في من لا يحضره الفقيه»

: وسأله عبد اللَّه بن سنان عن قول اللَّه- عزّ وجل-:

سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ.

قال: هو السّهر في الصّلاة.

و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللَّه-: وسأل الصّادق- عليه السّلام- عبد اللَّه بن سنان عن قول اللَّه: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ.

قال: هو السّهر في الصّلاة.

ذلِكَ: إشارة إلى الوصف المذكور. أو إشارة مبهمة يفسّرها «كزرع» .

مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ: صفتهم العجيبة الشّأن المذكورة فيها.وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ: عطف عليه، أي: ذلك مثلهم في الكتابين.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: ثمّ وصف أبتاع نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله- من المؤمنين فقال- عزّ وجلّ-: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ- صلّى اللَّه عليه وآله- إلى قوله : فِي الْإِنْجِيلِ. وقال - تعالى-: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى‏ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ، يعني: أولئك المؤمنين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: نزلت هذه الآية في اليهود والنّصارى، يقول اللَّه: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ [يعني: التوراة والإنجيل‏]  يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ، يعني: رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. لأن اللَّه قد أنزل عليهم في التّوراة والإنجيل والزّبور صفة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- وصفة أصحابه ومبعثه ومهاجره ، وهو قوله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ- صلّى اللَّه عليه وآله- إلى قوله- تعالى- : فِي الْإِنْجِيلِ. فهذه صفة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في التّوراة والإنجيل وصفة  أصحابه، فلمّا بعثه اللَّه عرفه أهل الكتاب، كما قال- تعالى- .

كَزَرْعٍ: تمثيل مستأنف، أو تفسير.

أَخْرَجَ شَطْأَهُ: فراخه. يقال: أشطأ الزّرع: إذا أفرخ.

و قرأ  ابن كثير وابن عامر [برواية ابن ذكوان‏]  مشطأه» بفتحات، وهو لغة فيه.

و قرئ : «شطأه» بتخفيف الهمزة. و«شطاءه» بالمدّ. و«شطه» بنقل حركة الهمزة وحذفها. و«شطوه» بقلبها واوا.فَآزَرَهُ: فقواه. من المؤازرة، بمعنى: المعاونة. أو من الإيزار، وهو الإعانة.

و قرأ  ابن عامر [برواية ابن ذكوان‏] : «فأزره»، كأجر، في آجر.

فَاسْتَغْلَظَ: فصار من الدّقة  إلى الغلظ.

فَاسْتَوى‏ عَلى‏ سُوقِهِ: فاستقام على قصبه. جمع، ساق.

و عن ابن كثير : «سؤقه» بالهمزة.

و في شرح الآيات الباهرة : نقل ابن مردويه، عن الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- قال: استوى الإسلام بسيف عليّ- عليه السّلام-.

يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ: بكثافته وقوّته وغلظه وحسن منظره.

و هو مثل ضربه اللَّه لأصحابه، قلّوا في بدأ الإسلام ثمّ كثروا واستحكموا، فترقّى أمرهم بحيث أعجب النّاس.

و في شرح الآيات الباهرة : قال [محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-] : حدّثنا محمّد بن أحمد بن  عيسى بن إسحاق، عن الحسن بن الحارث بن طليب، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس في قوله- عزّ وجل-: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ .

قال: قوله: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ أصل الزّرع عبد المطّلب، و«شطأه» محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- و«يعجب الزّرّاع» قال: عليّ [بن أبي طالب‏] - عليه السّلام-.

لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ: علّة لتشبيههم بالزّرع في زكائه واستحكامه. أو لقوله:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً : فإنّ الكفّار لمّا سمعوه غاظهم ذلك.

و «منهم» للبيان.و في شرح الآيات الباهرة : خبر من محاسن الأخبار في تأويل هذه الآية ورد من طريق العامّة، نقله أخطب خوارزم بإسناد يرفعه إلى ابن عبّاس قال: سأل قوم النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: فيمن نزلت هذه الآية؟

قال: إذا كان يوم القيامة عقد لواء من نور أبيض، ونادى مناد: ليقم سيّد المؤمنين ومعه الّذين آمنوا بعد بعث محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-. فيقوم عليّ [بن أبي طالب‏] - عليه السّلام- فيعطى اللّواء من النّور الأبيض بيده، وتحته جميع السّابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، لا يخالطهم غيرهم حتى يجلس على منبر من نور ربّ العزّة، ويعرض الجميع عليه رجلا رجلا فيعطيه أجره ونوره، فإذا أتى على آخرهم قيل لهم: قد عرفتم صفتكم ومنازلكم في الجنّة، إنّ ربّكم يقول: إنّ لكم عندي مغفرة وأجرا عظيما، يعني: الجنّة.

فيقوم عليّ- عليه السّلام- والقوم تحت لوائه معه حتّى يدخل بهم الجنّة.

ثمّ يرجع إلى منبره، فلا يزال يعرض عليه جميع المؤمنين فيأخذ نصيبه  منهم  إلى الجنّة، وينزل أقواما على النّار. فذلك قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ، يعني: السّابقين الأولين والمؤمنين وأهل الولاية له. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ، يعني:

كفروا وكذبوا بالولاية وبحقّ عليّ- عليه السّلام-.

و هذا ذكره  الشيخ في أماليه.