سورة القمر

و آياتها خمس وخمسون بالإجماع.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة  اقتربت السّاعة، أخرجه اللَّه من قبره على ناقة من نوق الجنّة.

و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: ومن قرأ سورة اقتربت السّاعة في كلّ غبّ  عشيّة، بعث يوم القيامة ووجهه على صورة القمر ليلة البدر. ومن قرأها كلّ ليلة كان أفضل، وجاء يوم القيامة ووجهه مسفر على وجوه الخلائق.

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ : هو ما روي، أنّ الكفّار سألوا  رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- آية، فانشق القمر.

و قيل»

: معناه: سينشقّ القمر يوم القيامة.

و يؤيّد الأوّل، أنّه قرئ: «و قد انشقّ القمر»، أي: اقتربت السّاعة وقد حصل‏من آيات اقترابها انشقاق القمر.

و في مجمع البيان : قال ابن عبّاس: اجتمع المشركون إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقالوا: إن كنت صادقا فشقّ لنا القمر فرقتين.

فقال لهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إن فعلت تؤمنون؟

قالوا: نعم.

و كانت ليلة بدر، فسأل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ربّه أن يعطيه ما قالوا، فانشقّ القمر  فرقتين ورسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ينادي: يا فلان [يا فلان‏] ، اشهدوا.

و قال ابن مسعود : انشقّ القمر [على عهد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-]  شقّتين.

فقال لنا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: اشهدوا اشهدوا.

و روي- أيضا- : عن ابن مسعود أنّه قال: والّذي نفسي بيده، لقد رأيت حراء بين فلقي  القمر.

و عن جبير بن مطعم  قال: انشقّ القمر على عهد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- حتّى صار فرقتين على هذا الجبل وعلى هذا الجبل.

فقال أناس: سحرنا محمّد.

فقال رجل: إن كان سحركم فلم يسحر النّاس كلّهم.

و قد روى  حديث انشقاق القمر جماعة كثيرة من الصّحابة، منهم: عبد اللَّه بن مسعود، وأنس بن مالك، وحذيفة بن اليمان وجبير بن مطعم، وابن عبّاس، وعبد اللَّه بن عمر، وعليه جماعة المفسّرين إلّا ما روي عن عثمان بن عطا عن أبيه أنّه قال: معناه: وسينشقّ القمر ... وروي ذلك عن الحسن، وأنكره- أيضا- البلخيّ. وهذا- أيضا- لا يصحّ، لأنّ المسلمين أجمعوا على ذلك فلا يعتدّ بخلاف من خالف فيه، ولأنّ اشتهاره‏بين الصّحابة يمنع من القول بخلافه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ قال: اقتربت القيامة، فلا يكون بعد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إلّا القيامة وقد انقضت النّبوّة والرّسالة.

و قوله: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ فإنّ قريشا سألوا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أن يريهم آية، فدعا اللَّه، فانشق القمر نصفين  حتّى نظروا إليه ثمّ التأم.

و فيه : وروي- أيضا- في قوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ قال: خروج القائم- عليه السّلام-.

حدّثنا  حبيب بن الحسن بن أبان الآجريّ ، عن محمّد بن هشام، عن محمّد، عن يونس قال: قال لي أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: اجتمعوا أربعة عشر  رجلا أصحاب العقبة ليلة أربع عشرة  من ذي الحجّة، فقالوا للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما من نبيّ إلّا وله آية، فما آيتك في ليلتك هذه؟

فقال النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما الّذي تريدون؟

فقالوا: إن يكن لك عند ربّك قدر فأمر القمر أن ينقطع قطعتين.

فهبط جبرئيل فقال: يا محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- إنّ اللَّه يقرئك السّلام ويقول لك: إنّي قد أمرت كلّ شي‏ء بطاعتك.

فرفع رأسه فأمر القمر أن ينقطع قطعتين،]  فانقطع قطعتين، فسجد النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- شكرا للَّه وسجد شيعتنا، ثمّ رفع النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- رأسه ورفعوا رؤوسهم.

فقالوا: تعيده كما كان. فعاد كما كان.

ثمّ قالوا: ينشقّ  رأسه فأمره فانشقّ، فسجد النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- شكرا للَّه وسجد شيعتنا.

فقالوا: يا محمّد، حين تقدم أسفارنا  من الشّام واليمن فنسألهم ما رأوا في هذه‏اللّيلة، فإن يكونوا رأوا مثل ما رأينا علمنا أنّه من ربّك، وإن لم يروا مثل ما رأينا علمنا أنّه سحر سحرتنا به. فأنزل اللَّه: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ (إلى آخر السورة).

و في إرشاد المفيد : وروى أبو بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في حديث طويل أنّه قال. إذا قام القائم سار إلى الكوفة فهدم فيها أربعة مساجد، ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلّا هدمها وجعلها جماء ، ووسع الطّريق الأعظم، وكسر كلّ جناح خارج  في الطّريق، وأبطل الكنف والميازيب إلى الطّرقات، ولا يترك بدعة إلّا أزالها ولا سنّة إلّا أقامها، ويفتح قسطنطينة والصين  وجبال الدّيلم، فيمكث على ذلك سبع سنين، مقدار  كلّ سنة عشر سنين من سنيكم  ثمّ يفعل اللَّه ما يشاء.

قلت: جعلت فداك، كيف تطول السّنون ؟

قال: يأمر اللَّه- تعالى- الفلك باللّبوث وقلّة الحركة، فتطول الأيّام لذلك والسّنون.

قال: [قلت‏]  له: إنّهم يقولون: إنّ الفلك إن تغيّر  فسد.

قال: ذلك قول الزّنادقة، وأمّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك، وقد شقّ اللَّه- تعالى- القمر لنبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله- [و ردّ الشمس‏]  من قبله ليوشع بن نون، وأخبر بطول يوم القيامة وأنّه كألف سنة ممّا تعدّون.

وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا: عن تأمّلها والإيمان بها.

وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ : مطّرد، وهو يدلّ على أنّهم رأوه قبله آيات اخر مترادفة ومعجزات متتابعة حتّى قالوا ذلك. أو محكم، من المرّة، يقال: أمررته فاستمرّ:

إذا أحكمته فاستحكم. أو مستبشع ، من استمرّ: إذا اشتدّت مرارته. أو مارّ ذاهب لا يبقى.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فقالوا : هذا سحر مستمرّ، أي: صحيح.

وَ كَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ: وهو ما زيّن لهم الشّيطان من رد الحقّ بعد ظهوره.

و ذكرهما بلفظ الماضي، للإشعار بأنّهما من عادتهم القديمة.

وَ كُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ : منته إلى غاية من خذلان أو نصر في الدّنيا وشقاوة أو سعادة في الآخرة فإنّ الشّي‏ء إذا انتهى إلى غاية ثبت واستقرّ.

و قرئ  بالفتح، أي: ذو مستقرّ، بمعنى: استقرار. وبالكسر والجرّ، على أنّه صفة «أمر» و«كلّ» معطوف على «السّاعة».

وَ لَقَدْ جاءَهُمْ: في القرآن.

مِنَ الْأَنْباءِ، أي: أنباء القرون الخالية، أو أنباء الآخرة.

ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ : ازدجار من تعذيب، أو وعيد.

و تاء الافتعال تقلب دالا مع الدّال والذّال والزّاي، للتّناسب.

و قرئ : «مزّجر» بقلبها زايا وإدغامها.

حِكْمَةٌ بالِغَةٌ: غايتها، لا خلل فيها. وهي بدل من «ما» أو خبر لمحذوف.

و قرئ  بالنصب، حالا من «ما»، فإنّها موصولة أو مخصوصة بالصّفة فيجوز نصب الحال عنها.

فَما تُغْنِ النُّذُرُ : نفي. أو استفهام إنكار، أي: فأيّ غناء تغني النّذر.

و هو جمع، نذير، بمعنى: المنذر، أو المنذر منه، أو مصدر بمعنى: الإنذار.

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ: لعلمك أنّ الإنذار لا يغني فيهم.

يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ: إسرافيل.

و يجوز أن يكون الدّعاء فيه كالأمر في قوله: «كن فيكون». وإسقاط الياء اكتفاء بالكسرة للتّخفيف. وانتصاب «يوم» ب «يخرجون» أو بإضمار «اذكر».

إِلى‏ شَيْ‏ءٍ نُكُرٍ : فظيع تنكره النّفوس لأنّها لم تعهد مثله، وهو هول‏يوم القيامة.

و قرأ  ابن كثير: «نكر» بالتّخفيف.

و قرئ : «نكر» بمعنى: أنكر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : [و قوله: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ‏]  يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى‏ شَيْ‏ءٍ نُكُرٍ قال: الإمام إذا خرج يدعوهم إلى ما ينكرون.

خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ، أي: يخرجون من قبورهم خاشعا ذليلا أبصارهم من الهول.

و إفراده وتذكيره، لأنّ فاعله ظاهر غير حقيقيّ التّأنيث.

و قرئ : «خاشعة» على الأصل.

و قرأ  ابن عامر وابن كثير ونافع وعاصم: «خشّعا»، وإنّما حسن ذلك ولا يحسن: مررت برجال قائمين غلمانهم، لأنّه ليس على صيغة تشبه الفعل .

و قرئ : «خشّع أبصارهم» على الابتداء والخبر، فتكون الجملة حالا.

كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ : في الكثرة والتّموّج والانتشار في الأمكنة.

مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ: مسرعين مادّي أعناقهم إليه، أو ناظرين إليه.

يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ : صعب.

و في روضة الكافي ، بإسناده إلى ثوير بن أبي فاختة قال: سمعت عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- يحدّث في مسجد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

فقال: حدّثني أبي أنّه سمع أباه، عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- يحدّث النّاس، قال:إذا كان يوم القيامة، بعث اللَّه النّاس من حفرهم عزلا بهما  جردا مردا  في صعيد [واحد] ، يسوقهم النّور وتجمعهم الظلمة حتّى يقفوا على عقبة المحشر، فيركب بعضهم بعضا ويزدحمون دونها، فيمنعون من المضي فتشتدّ أنفاسهم ويكثر عرقهم وتضيق بهم أمورهم ويشتدّ ضجيجهم وترفع أصواتهم. قال  وهو أول هول من أهوال يوم القيامة.

قال: فيشرف الجبّار- تبارك وتعالى- عليهم من فوق عرشه [في ظلال من الملائكة ، فيأمر ملكا من الملائكة فينادي:]  يا معشر الخلائق، انصتوا واسمعوا منادي الجبّار.

قال: فيسمع آخرهم، كما يسمع أوّلهم.

قال: فتنكسر أصواتهم عند ذلك، وتخشع أبصارهم، وتضطرب فرائصهم ، وتفزع قلوبهم، ويرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصّوت مهطعين إلى الدّاع.

قال: فعند ذلك يقول الكافر: هذا يَوْمٌ عَسِرٌ

 (الحديث).

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ: قبل قومك.

فَكَذَّبُوا عَبْدَنا، نوحا. وهو تفصيل بعد إجمال.

و قيل : معناه: كذّبوه تكذيبا على عقب تكذيب، كلّما خلا منهم قرن مكذّب تبعه قرن مكذّب. أو كذّبوه بعد ما كذّبوا الرّسل.

وَ قالُوا مَجْنُونٌ: هو مجنون.

وَ ازْدُجِرَ : وزجر عن التّبليغ بأنواع الأذيّة.

و قيل : [إنّه من جملة قيلهم‏]  أي: هو مجنون، وقد ازدجرته الجنّ وتخبّطته.فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي: [بأنّي.

و قرئ  بالكسر، على إرادة القول‏] .

مَغْلُوبٌ: غلبني قومي.

فَانْتَصِرْ : فانتقم لي منهم. وذلك بعد يأسه منهم، فقد نقل: أنّ الواحد منهم كان يلقاه فيخنقه حتّى يخرّ مغشيّا عليه، فيفيق ويقول: اللّهمّ، اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

لبث فيهم نوح ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم سرّا وعلانية، فلمّا أبوا وعتوا قال: ربّ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللَّه- كلام لعليّ- عليه السّلام- يقول فيه- وقد قيل له: لم لا حاربت أبا بكر وعمر، كما حاربت طلحة والزّبير ومعاوية؟-:  إنّ لي أسوة بستّة من الأنبياء، أوّلهم نوح حيث قال: ربّ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ. فإن قال قائل: إنّه قال هذا لغير خوف، فقد كفر، وإلّا فالوصي اعذر.

فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ : منصبّ. وهو مبالغة وتمثيل لكثرة الأمطار، وشدّة انصبابها.

و قرأ  ابن عامر ويعقوب: «ففتّحنا» بالتّشديد لكثرة الأبواب.

وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً: وجعلنا الأرض كأنّها عيون منفجرة. وأصله:

و فجرّنا عيون الأرض، فغيّر للمبالغة.

فَالْتَقَى الْماءُ: ماء السّماء وماء الأرض.

و قرئ : «الماءان» لاختلاف النّوعين. و«الماوان» بقلب الهمزة واوا.

عَلى‏ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ : على حال قدّرها اللَّه في الأزل من غير تفاوت. أوعلى حال قدّرت وسوّيت، وهو أنّ قدر ما انزل من السّماء على قدر ما اخرج من الأرض. أو على أمر قدّره اللَّه، وهو هلاك قوم  نوح بالطّوفان.

وَ حَمَلْناهُ عَلى‏ ذاتِ أَلْواحٍ: ذات أخشاب عريضة.

وَ دُسُرٍ : ومسامير، جمع دسار، من الدّسر وهو الدّفع الشّديد. وهي صفة للسّفينة أقيمت مقامها، من حيث أنّها كشرح لها تؤدّي مؤدّاها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن صفوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا أراد اللَّه هلاك قوم نوح. وذكر حديثا طويلا، وفيه:

فصاحت امرأته لمّا فار التّنور، [فجاء نوح إلى التنّور]  فوضع عليها طينا وختمه حتّى أدخل جميع الحيوان السّفينة، ثمّ جاء إلى التنّور ففضّ  الخاتم ورفع الطّين، وانكسف الشّمس، وجاء من السّماء ماء منهمر صبّا بلا قطر، وتفجّرت الأرض عيونا، وهو قوله- تعالى-: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ- إلى قوله- : أَلْواحٍ وَدُسُرٍ.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ نوحا لمّا كان في أيّام الطّوفان دعا المياه كلّها فأجابته  إلّا ماء الكبريت والماء المرّ، فلعنهما.

و بإسناده  إلى أبي سعيد، عقيصا التيميّ قال: مررت بالحسن والحسين- عليهما السّلام- وهما في الفرات مستنقعان  في إزارين.

... إلى قوله: ثمّ قالا: إلى أين تريد؟

فقلت: إلى هذا الماء.

فقالا: وما هذا الماء؟

فقلت: أريد دواءه ، أشرب منه لعلّة بي أرجو أن يخفّ له الجسد ويسهّل‏البطن.

فقالا: ما نحسب  أن اللَّه جعل في شي‏ء قد لعنه شفاء.

قلت: ولم ذلك؟

فقالا: لأنّ اللَّه- تعالى- لمّا آسفه  قوم نوح، فتح السّماء بماء منهمر، وأوحى إلى الأرض فاستعصت عليه عيون منها، فلعنها وجعلها ملحا أجاجا.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سنان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: كان أبي يكره أن يتداوى بالماء المرّ وبماء الكبريت، وكان يقول: إنّ نوحا لمّا كان الطّوفان دعا المياه فأجابته كلّها إلّا الماء المرّ وماء الكبريت، فدعا عليهما ولعنهما.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود قال:

حدّثني أبو سعيد، دينار بن عقيصا  التيميّ  قال: مررت بالحسن والحسين- عليهما السّلام- وهما في الفرات مستنقعان في إزارهما.

فقالا: إنّ للماء سكانا كسكّان الأرض.

ثمّ قالا: أين تذهب؟

فقلت: إلى هذا الماء.

قالا: وما هذا الماء؟

قلت: ماء نشربه في هذا الحير  يخفّ له الجسد، ويخرج الحرّ، ويسهّل البطن، هذا الماء [له سرّ]  فقالا: ما نحسب  أنّ اللَّه- تبارك وتعالى- [جعل في شي‏ء ممّا قد لعنه شفاء.فقلت: ولم ذاك؟

فقالا: إن اللَّه- تبارك وتعالى-]  لمّا آسفه قوم نوح، فتح السّماء بماء منهمر، فأوحى اللَّه إلى الأرض فاستعصت عليه عيون منها، فلعنها فجعلها ملحا أجاجا.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام الخراسانيّ، عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أخبرني عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فأنّى كان موضعه، وكيف كان؟

فقال: كان التّنّور في بيت عجوز مؤمنة، في دبر قبلة  ميمنة المسجد.

فقلت له: فإنّ ذلك موضع زاوية باب الفيل اليوم، ثمّ قلت له: وكان بدء خروج الماء من ذلك التّنور؟

فقال: نعم، إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أحبّ أن يري قومه آية، ثمّ إنّ اللَّه أرسل عليهم المطر يفيض فيضا، وفاض الفرات فيضا، والعيون كلّهنّ فيضا، فغرّقهم اللَّه- عزّ ذكره- وأنجى نوحا ومن معه في السّفينة.

عليّ بن إبراهيم ، عن هارون  بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: لم تنزل  قطرة من السّماء من مطر إلّا بعدد معدود ووزن معلوم، إلّا ما كان من يوم الطّوفان على عهد نوح فإنّه نزل ماء منهمر بلا وزن ولا عدد.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن أبي حمزة الثّمالي، عن أبي رزين  الأسديّ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ نوحا لمّا فرغ من السّفينة، وكان ميعاده فيما بينه وبين ربّه في إهلاك قومه أن يفور التّنّور، ففار فقالت امرأته: إنّ التّنّور قد فار. فقام إليه فختمه فقام الماء ، وأدخل من أراد أن يدخل، وأخرج من أراد أن يخرج، ثمّ جاء إلى خاتمه فنزعه، يقول‏اللَّه- عزّ وجلّ-: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ- إلى قوله-: أَلْواحٍ وَدُسُرٍ.

قال: وكان نجرها في وسط مسجدكم، ولقد نقص عن ذرعه سبعمائة ذراع .

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمة اللَّه-: روى عن موسى بن جعفر، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: فإنّ نوحا دعا ربّه فهطلت السّماء بماء منهمر.

قال له عليّ - عليه السّلام-: لقد كان كذلك، وكانت دعوته دعوة غضب، ومحمّد هطلت له السّماء بماء منهمر [لأنّه- عليه السّلام-]  رحمة [و ذلك‏]  أنّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا هاجر إلى المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة فقالوا له: يا رسول اللَّه، احتبس القطر واصفرّ العود وتهافت الورق. فرفع يده المباركة إلى السّماء حتّى رأى  بياض إبطيه ، وما يرى في السّماء سحابة، فما برح حتّى سقاهم اللَّه، حتّى أنّ الشّابّ المعجب بشبابه لتهمّه  نفسه في الرّجوع إلى منزله فما يقدر من شدّة السّيل، فدام أسبوعا.

فأتوه في الجمعة الثّانية فقالوا: يا رسول اللَّه، لقد تهدّمت الجدر واحتبس الرّكب والسّفر.

فضحك- صلّى اللَّه عليه وآله- وقال: هذه سرعة ملالة ابن آدم.

ثمّ قال: اللّهمّ، حوالينا ولا علينا، اللّهمّ، في  أصول الشيخ  ومراتع البقر .

فرأى  حول المدينة المطر يقطر قطرا وما يقع بالمدينة قطرة، لكرامته على اللَّه.

و عن الأصبغ بن نباته  قال: قال ابن الكوّاء لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: [أخبرني يا أمير المؤمنين‏]  عن المجرّة  الّتي تكون في السّماء.

قال: هي شرح  في السّماء وأمان لأهل الأرض من الغرق، ومنه أغرق اللَّه قوم نوح بماء منهمر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ قال:

صبّ بلا قطر.

وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ قال: ماء السّماء وماء الأرض. عَلى‏ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْناهُ، يعني: نوحا.

عَلى‏ ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ قال: ذات ألواح  السّفينة، والدّسر المسامير.

و قيل : الدّسر ضرب من الحشيش تشدّ  به السّفينة.

تَجْرِي بِأَعْيُنِنا: بمرأى منّا، أي: محفوظة بحفظنا.

جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ ، أي: فعلنا ذلك جزاء لنوح لأنّه نعمة كفروها، فإنّ كلّ نبيّ نعمة من اللَّه ورحمة على أمّته.

و يجوز أن يكون على حذف الجارّ وإيصال الفعل إلى الضّمير .

و قرئ : [ «لمن كفر»، أي: للكافرين‏] .

وَ لَقَدْ تَرَكْناها، أي: السّفينة، أو الفعلة آيَةً: يعتبر بها، إذا شاع خبرها واستمرّ.

فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ : معتبر.

و قرئ : «مذتكر» على الأصل. و«مذّكر» بقلب التّاء ذالا والإدغام فيها.

فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ : استفهام تعظيم ووعيد. و«النّذر» يحتمل‏المصدر، والجمع.

وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ: سهّلناه، أو هيّأناه، من يسر ناقته للسّفر: إذا رحّلها.

لِلذِّكْرِ: للإذكار والاتّعاظ، بأن صرّفنا فيه أنواع المواعظ والعبر. أو للحفظ بالاختصار وعذوبة اللّفظ.

فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ : متّعظ.

كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ : وإنذاري  لهم بالعذاب قبل نزوله، أو لمن بعدهم في تعذيبهم.

إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً: باردا. أو شديد الصّوت.

فِي يَوْمِ نَحْسٍ: شؤم.

مُسْتَمِرٍّ : استمر شؤمه. أو استمرّ عليهم حتّى أهلكهم. أو على جميعهم كبيرهم وصغيرهم فلم يبق منهم أحدا. أو أشتدّ مرارته، وكان يوم الأربعاء آخر الشهر.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب وهشام بن سالم، عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إذا أراد اللَّه- عزّ وجلّ- أن يعذّب قوما بنوع من العذاب، أوحى إلى الملك الموكّل بذلك النّوع من الرّيح الّتي يريد  أن يعذّبهم بها. قال : فيأمرها الملك فتهيج ، كما يهيج الأسد المغضب.

قال: ولكلّ ريح منهنّ اسم، أما تسمع قوله- تعالى-: كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ، إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عثمان بن عيسى، رفعه إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: الأربعاء يوم نحس مستمرّ، لأنّه أول يوم وآخر يوم من الأيّام الّتي‏قال اللَّه- تعالى-: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً.

و في مجمع البيان : يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ قيل: إنّه كان في يوم أربعاء في آخر الشّهر لا يدور ... رواه العيّاشي بالإسناد عن أبي جعفر- عليه السّلام-.

و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: توقّوا الحجامة والنّورة يوم الأربعاء، فإنّ يوم الأربعاء يوم نحس مستمرّ، وفيه خلقت جهنّم.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: ثمّ قام إليه رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن يوم الأربعاء وتطيّرنا منه وثقله، وأيّ أربعاء هو؟

قال: آخر أربعاء في الشّهر، وهو المحاق، وفيه قتل قابيل هابيل  أخاه.

... إلى أن قال- عليه السّلام-: ويوم الأربعاء أرسل اللَّه- عزّ وجلّ- الرّيح على قوم عاد.

و في من لا يحضره الفقيه : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام-: إنّ للَّه- عزّ وجلّ- جنودا من الرّيح يعذّب بها من عصاه وموكّل بكلّ ريح منهنّ ملك مطاع، فإذا أراد اللَّه- عزّ وجلّ- أن يعذّب قوما بعذاب  أوحى اللَّه إلى الملك الموكّل بذلك النّوع من الرّيح الّذي يريد أن يعذّبهم به، فيأمر بها الملك فتهيج، كما يهيج الأسد المغضب. ولكلّ ريح منهنّ اسم، أما تسمع لقول اللَّه- تعالى-: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ.

تَنْزِعُ النَّاسَ: تقلعهم.

روي : أنّهم دخلوا في الشّعاب والحفر وتمسّك بعضهم ببعض، فنزعتهم الرّيح وصرعتهم موتى.

كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ : أصول نخل منقلع عن مغارسه، ساقطعلى الأرض.

و قيل : شبهوا بالأعجاز، لأنّ الرّيح طيّرت رؤوسهم وطرحت أجسادهم.

و تذكير «منقعر» للحمل على اللّفظ، والتأنيث في قوله: أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ للمعنى.

فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ : كرّره للتّهويل.

و قيل : الأوّل لما حاق بهم في الدّنيا، والثّاني لما يحيق بهم في الآخرة، كما قال- أيضا- في قصّتهم: لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى‏.

وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ  كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ : بالإنذارات والمواعظ، أو الرّسل. وفَقالُوا أَ بَشَراً مِنَّا: من جنسنا، أو من جملتنا لا فضل له علينا.

و انتصابه بفعل يفسّره ما بعده.

و قرئ  بالرّفع، على الابتداء. والأوّل أوجه للاستفهام .

واحِداً: منفردا لا تبع له. أو من آحادهم دون أشرافهم.

نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ : جمع سعير، كأنّهم عكسوا عليه فرتّبوا على اتّباعهم إيّاه ما رتّبه على ترك اتّباعهم له.

و قيل : السّعر الجنون، ومنه: ناقة مسعورة.

و في بصائر الدّرجات : عليّ بن حسّان، عن جعفر بن هارون الزّيّات قال:

كنت أطوف بالكعبة فرأيت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- فقلت في نفسي: هذا هو الّذي يتبع والّذي هو الإمام، وهو كذا وكذا.

قال: فما علمت به حتّى ضرب يده على منكبي، ثمّ أقبل عليّ وقال: فَقالُوا  أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ.أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ: الكتاب، أو الوحي عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا: وفينا من هو أحقّ منه بذلك.

بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ : حمله بطره على التّرفّع علينا بادّعائه.

سَيَعْلَمُونَ غَداً: بعد نزول العذاب بهم، أو يوم القيامة.

مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ : الّذي حمله أشره على الاستكبار عن الحقّ وطلب الباطل أصالح أم من كذّبه.

و قرأ  ابن عامر وحمزة ورويس: «ستعلمون» على الالتفات، أو حكاية ما أجابهم صالح- عليه السّلام-.

و قرئ : «الأشر»، كقولهم: حذر في حذر.

و «الأشر» الأبلغ في الشّرارة، وهو أصل مرفوض كالأخير.

و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسن بن عبد الرّحمن، عن عليّ بن أبي حمزة، [عن أبي بصير]  عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت له: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ- إلى قوله-: بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ.

قال: هذا كان بما كذّبوا صالحا، وما أهلك اللَّه قوما قطّ حتّى يبعث إليهم قبل ذلك الرّسل فيحتجّوا عليهم، فبعث اللَّه إليهم صالحا فدعاهم إلى اللَّه فلم يجيبوه وعتوا عليه عتوّا وقالوا: لن نؤمن لك حتّى تخرج لنا من هذه الصّخرة الصمّاء  ناقة عشراء .

و كانت الصّخرة يعظّمونها ويعبدونها ويذبحون عندها في رأس كلّ سنة ويجتمعون عندها، فقالوا له: إنّ كنت كما تزعم نبيّا رسولا فادع لنا إلهك حتّى يخرج لنا من هذه الصّخرة الصّماء ناقة عشراء.

فأخرجها اللَّه كما طلبوا منه، ثمّ أوحى اللَّه إليه: أن، يا صالح، قل لهم: إنّ اللَّه قد جعل لهذه النّاقة شرب يوم ولكم شرب يوم.

فكانت النّاقة إذا كان يوم شربها شربت الماء ذلك اليوم، فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير إلّا شرب من لبنها يومهم ذلك، فإذا كان اللّيل وأصبحوا غدوا إلى مائهم‏فشربوا منه ذلك اليوم ولم تشرب النّاقة ذلك اليوم، فمكثوا بذلك ما شاء اللَّه، ثم أنّهم عتوا على اللَّه ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا: اعقروا هذه النّاقة واستريحوا منها، لا نرضى أن يكون لها شرب يوم ولنا شرب يوم. ثمّ قالوا: من ذا الّذي يلي قتلها ونجعل له جعلا ما أحبّ؟

فجاءهم رجل أحمر أشقر أزرق ولد زنا، لا يعرف له أب، يقال له: قدار، شقيّ من الأشقياء مشؤوم عليهم، فجعلوا له جعلا، فلمّا توجّهت النّاقة إلى الماء الّذي كانت ترده تركها حتّى شربت الماء وأقبلت راجعة، فقعد لها في طريقها فضربها بالسّيف ضربة فلم يعمل شيئا، فضربها ضربة أخرى فقتلها، فخرّت إلى الأرض على جنبها وهرب فصيلها حتّى صعد إلى الجبل، فرغا  ثلاث مرّات إلى السّماء، وأقبل قوم صالح فلم يبق أحد إلّا شركه في ضربته واقتسموا لحمها فيما بينهم، فلم يبق صغير ولا كبير إلّا أكل منها.

فلمّا رأى ذلك صالح أقبل إليهم فقال: يا قوم، ما دعاكم إلى ما صنعتم، أعصيتم ربّكم؟

فأوحى اللَّه إلى صالح- عليه السّلام-: إنّ قومك قد طغوا وبغوا، وقتلوا ناقة بعثها اللَّه إليهم حجّة عليهم ولم يكن عليهم منها ضرر وكان لهم منها أعظم المنفعة، فقل لهم:

إنّي مرسل عليكم عذابي إلى ثلاثة أيّام، فإن هم تابوا ورجعوا قبلت توبتهم وصددت عنهم، وإن هم لم يتوبوا ولم يرجعوا، بعثت عليهم عذابي في اليوم الثّالث.

فأتاهم صالح- عليه السّلام- فقال لهم: يا قوم، إنّي رسول ربّكم إليكم، وهو يقول لكم: إنّ أنتم تبتم ورجعتم واستغفرتم غفرت لكم وتبت عليكم.

فلمّا قال لهم ذلك كانوا أعتا ما كانوا وأخبث، وقالوا: يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين.

قال: يا قوم، إنكم تصبحون غدا ووجوهكم مصفرّة، واليوم الثّاني ووجوهكم محمرّة، واليوم الثّالث ووجوهكم مسودّة.

فلمّا كان أوّل يوم، أصبحوا ووجوههم مصفرة، فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا:

قد جاءكم ما قال لكم صالح.فقال العتاة منهم: لا نسمع قول صالح ولا نقبل قوله وإن كان عظيما.

فلمّا كان اليوم الثّاني، أصبحت وجوههم محمرّة، فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا: يا قوم، قد جاءكم ما قال لكم صالح.

فقال العتاة منهم: لو أهلكنا جميعا ما سمعنا قول صالح، ولا تركنا آلهتنا الّتي كان آباؤنا يعبدونها، ولم يتوبوا ولم يرجعوا.

فلمّا كان اليوم الثّالث، أصبحوا ووجوههم مسودّة، فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا : يا قوم، أتاكم ما قال لكم صالح.

فقال العتاة منهم: قد أتانا ما قال لنا صالح.

فلمّا كان نصف اللّيل أتاهم جبرئيل فصرخ بهم صرخة، خرقت تلك الصّرخة أسماعهم وفلقت قلوبهم وصدعت أكبادهم، وقد كانوا في تلك الثّلاثة أيّام  قد تحنّطوا وتكفّنوا [و علموا]  أنّ العذاب نازل بهم، فماتوا أجمعين في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم، فلم يبق لهم ناعقة ولا دراغية  ولا شي‏ء إلّا أهلكه اللَّه، فأصبحوا في ديارهم و مضاجعهم موتى أجمعين، ثمّ أرسل اللَّه عليهم مع الصّيحة النّار من السّماء فأحرقتهم أجمعين، وكانت  هذه قصّتهم.

إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ: مخرجوها وباعثوها.

فِتْنَةً لَهُمْ: امتحانا لهم.

فَارْتَقِبْهُمْ: فانتظرهم، وتبصّر ما يصنعون.

وَ اصْطَبِرْ : على أذاهم.

وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ: مقسوم [لها يوم و]  لهم يوم.و «بينهم» لتغليب العقلاء.

كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ : يحضره صاحبه في نوبته، أو يحضر عنه غيره.

فَنادَوْا صاحِبَهُمْ: قدار  بن سالف، أحيمر ثمود.

فَتَعاطى‏ فَعَقَرَ : فاجترأ على تعاطي قتلها فقتلها. أو فتعاطى السّيف فقتلها.

و «التّعاطي» تناول الشّي‏ء بتكلّف.

فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ  إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً: صيحة جبرئيل.

فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ : كالشّجر اليابس المتكسر، الّذي يتّخذه من يعمل الحظيرة لأجلها. أو كالحشيش اليابس، الّذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشّتاء.

و قرئ  بفتح الظّاء، أي: كهشيم الحظيرة، أو الشّجر المتّخذ لها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: فَنادَوْا صاحِبَهُمْ قال: قدار، الّذي عقر النّاقة.

و قوله: كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ.

قال: الحشيش و النّبات.

وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ  كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ  إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً: ريحا تحصبهم بالحجارة، أي: ترميهم.

إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ : في سحر، وهو آخر اللّيل. أو مسحّرين.

نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا: إنعاما منّا. وهو علّة «لنجّينا».

كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ : نعمتنا بالإيمان والطّاعة.

وَ لَقَدْ أَنْذَرَهُمْ: لوط.

بَطْشَتَنا: أخذتنا بالعذاب.فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ : فكذّبوا بالنّذر متشاكسين.

وَ لَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ: قصدوا الفجور بهم.

فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ: فمسحناها  وسوّيناها بسائر الوجه.

روي : أنّهم لمّا دخلوا داره عنوة، صفقهم جبرئيل- عليه السّلام- صفقة فأعماهم.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن داود بن فرقد، عن أبي يزيد الحمّار ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل يذكر فيه قصّة قوم لوط ومجي‏ء الملائكة إليهم، وفيه يقول- عليه السّلام-: فكاثروه حتّى دخلوا البيت، فصاح به جبرئيل وقال: يا لوط، دعهم يدخلوا. فإذا دخلوا، أهوى جبرئيل بإصبعه نحوهم فذهبت أعينهم، وهو قول اللَّه- تعالى-: فَطَمَسْنا  أَعْيُنَهُمْ.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سعيد قال:

أخبرني زكريّا بن محمّد، عن أبيه، عن عمرو، عن أبي جعفر- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا يذكر فيه قصّة قوم لوط ومجي‏ء الملائكة اليهم، وفيه يقول- عليه السّلام-: فقال له جبرئيل: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ . فأخذ كفّا من بطحاء فضرب بها وجوههم وقال: شاهت الوجوه. فعمي أهل المدينة كلّهم.

و الحديثان بتمامهما مذكوران في سورة هود- عليه السّلام- .

و في علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي بصير وغيره: عن أحدهما يذكر فيه قصّة لوط ومجي‏ء الملائكة إليهم، وفيه يقول- عليه السّلام-: فأشار إليهم جبرئيل بيده، فرجعوا عميا يلتمسون الجدار بأيديهم، يعاهدون اللَّه: لئن أصبحنا لا نستبقي أحدا من آل لوط.

فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ : فقلنا لهم: ذوقوا، على ألسنة الملائكة أو ظاهرالحال .

وَ لَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً وقرئ : «بكرة» غير مصروفة ، على أنّ المراد بها: أوّل نهار معيّن.

عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ : يستقر بهم حتّى يسلمهم إلى النّار.

فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ  وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ : كرر ذلك في كلّ قصّة إشعارا بأنّ تكذيب كلّ رسول مقتض لنزول العذاب، واستماع كلّ قصّة مستدع للإذكار والاتّعاظ واستئنافا للتّنبيه والإيقاظ لئلّا يغلبهم السّهو والغفلة، وهكذا تكرير قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ووَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ونحوهما.

وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ : اكتفي بذكرهم عن ذكره، للعلم بأنّه أولى بذلك [منهم‏] .

كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها، يعني: الآيات التّسع.

و في الكافي : أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني، عن موسى ابن محمّد العجليّ، عن يونس بن يعقوب، رفعه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها، يعني: الأوصياء كلّهم.

فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ: لا يغالب.

مُقْتَدِرٍ : لا يعجزه شي‏ء.

أَ كُفَّارُكُمْ: يا معشر العرب خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ: الكفّار المعدودين قوّة وعدّة، أو مكانه ودينا عند اللَّه.

أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ : أم نزل لكم في الكتب السّماويّة، أنّ من كفر منكم فهو في أمان من العذاب.

أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ: جماعة أمرنا مجتمع.مُنْتَصِرٌ : ممتنع لا نرام. أو منتصرين من الأعداء لا نغلب. أو متناصر ينصر بعضنا بعضا.

و التّوحيد على لفظ الجمع .

سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ، أي: الأدبار. وإفراده لإرادة الجنس، أو لأنّ كلّ واحد يولّي دبره. وقد وقع ذلك يوم بدر، وهو من دلائل النّبوّة.

بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ: موعد عذابهم الأصليّ، وما يحيق بهم في الدّنيا فمن طلائعه.

وَ السَّاعَةُ أَدْهى‏: أشدّ.

و «الدّاهية» أمر فظيع لا يهتدى لدوائه.

وَ أَمَرُّ : مذاقا من عذاب الدّنيا.

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ : ونيران في الآخرة.

يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى‏ وُجُوهِهِمْ: يجرّون عليها.

ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ، أي: يقال لهم: ذوقوا حرّ النّار وألمها، فإنّ مسّها سبب للتألّم بها.

و «سقر» علم لجهنم، ولذلك لم يصرف، من سقرته النّار [و صقرته‏] : إذا لوّحته.

إِنَّا كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ، أي: إنّا خلقنا كلّ شي‏ء خلقناه مقدّرا مرتّبا على مقتضى الحكمة، أو مقدّرا مكتوبا في اللّوح قبل وقوعه.

و قيل : معناه: خلقنا كلّ شي‏ء على قدر معلوم، فخلقنا اللّسان للكلام واليد للبطش والرّجل للمشي والعين للبصر  والأذن للسّماع والمعدة للطّعام، ولو زاد أو نقص عمّا قدرناه لما تمّ الغرض.و قيل : معناه: جعلنا لكلّ شي‏ء شكلا [يوافقه و] يصلح [له‏] ، كالمرأة للرّجل، والأتان  للحمار، وثياب الرّجال للرّجال ، وثياب النّساء للنّساء.

و «كلّ شي‏ء» منصوب بفعل يفسّره ما بعده.

و قرئ  بالرّفع، على الابتداء.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى عليّ بن سالم: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الرّقي  أ تدفع من القدر شيئا؟

فقال: هي من القدر.

و قال- عليه السّلام-: إنّ القدريّة مجوس هذه الأمّة، وهم الّذين أرادوا أن يصفوا اللَّه بعدله فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: يَوْمَ يُسْحَبُونَ (الآية).

و بإسناده  إلى عبد اللَّه بن موسى بن عبد اللَّه بن الحسن: عن أبيه، عن آبائه، عن الحسن بن عليّ- عليه السّلام- [عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-]  أنّه سئل عن قول اللَّه: إِنَّا كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ.

فقال: يقول اللَّه- تعالى-: إنّا كلّ شي‏ء خلقناه لأهل النّار بقدر أعمالهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- تعالى-: إِنَّا كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ قال:

له وقت وأجل ومدّة.

و بإسناده إلى  إسماعيل بن مسلم قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: وجدت لأهل القدر اسما  في كتاب اللَّه: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ- إلى قوله-: بِقَدَرٍ فهم المجرمون.

و في ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: أرواح القدريّة تعرض على النّار غدوّا وعشيّا حتّى تقوم السّاعة، فإذا قامت السّاعة عذّبوا مع‏أهل النّار بأنواع  العذاب، فيقولون: يا ربّنا، عذّبتنا خاصّة وتعذّبنا  عامّة. فيردّ عليهم: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ، إِنَّا كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ.

عن يونس ، عمّن حدثه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: ما أنزل اللَّه هذه الآيات إلّا في القدريّة: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ- إلى قوله-: خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ.

عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، عن عبد اللَّه بن جعفر الحميريّ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زرارة بن أعين ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزلت هذه الآية في القدريّة:

إِنَّا كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ.

و بإسناده  إلى ابن أبي بكير : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ في جهنّم لواديا للمتكبّرين يقال له: سقر، شكا إلى اللَّه شدّة حرّه وسأله أن يأذن له أن يتنفس، فتنفّس فأحرق جهنّم.

وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ: إلّا فعلة واحدة، وهو الإيجاد بلا معالجة ومعاناة. أو إلّا كلمة واحدة، وهو قوله- تعالى-: كُنْ.

كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ : في اليسر والسّرعة.

وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ: أشباهكم في الكفر ممّن قبلكم.

فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ : متّعظ.

وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ : مكتوب في كتب الحفظة.

وَ كُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ: من الأعمال مُسْتَطَرٌ : مسطور في اللّوح.

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ : أنهار، واكتفي باسم الجنس. أو سعة. أو ضياء من النّهار.

و قرئ : «نهر» بضمّ الهاء، جمع نهر، كأسد واسد.فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ: في مكان مرضيّ.

و قرئ : «مقاعد صدق».

عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ : مقرّبين عند من تعالى أمره في الملك والاقتدار بحيث أبهمه ذو والإفهام.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام- بعد أن ذكر التّقوى: وفيه جماع كلّ عبادة صالحة، وبه وصل من وصل إلى الدّرجات العلى ، وبه عاش من عاش بالحياة الطّيبة والأنس الدّائم، قال- تعالى-: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (الآية).

و في شرح الآيات الباهرة : قال أبو جعفر الطّوسي: روينا بالإسناد إلى جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- [لعلي- عليه السّلام-: يا عليّ، من أحبّك وتولّاك أسكنه اللَّه معنا في الجنّة. ثمّ تلا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-] : إِنَّ الْمُتَّقِينَ (الآية).

محمّد بن العبّاس ، عن محمّد بن عمر بن أبي شيبة، عن زكرياء بن يحيى، عن عمرو  بن ثابت، عن أبيه، عن  عاصم بن ضمرة قال: إنّ جابر بن عبد اللَّه قال: كنّا عند رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في المسجد، فذكر بعض أصحابه الجنّة.

فقال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ أوّل أهل الجنّة دخولا إليها عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

فقال أبو دجانة الأنصاري: يا رسول اللَّه،- صلّى اللَّه عليه وآله- [أليس‏]  أخبرتنا أنّ الجنّة محرّمة على الأنبياء حتّى تدخلها، وعلى الأمم حتّى تدخلها أمّتك؟

فقال: بلى، يا أبا دجانة، أما علمت أن للَّه لواء من نور وعمودا من نور خلقهما اللَّه قبل أن يخلق السّموات والأرض بألفي عام، مكتوب على ذلك اللّواء : لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، خير البريّة آل محمّد. صاحب اللّواء عليّ- عليه السّلام- وهو إمام‏القوم.

فقال عليّ- عليه السّلام-: الحمد للَّه الّذي هدانا بك، يا رسول اللَّه، وشرّفنا.

فقال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: أبشر، يا عليّ،- عليه السّلام- ما من عبد ينتحل مودّتك إلّا بعثه اللَّه معنا يوم القيامة.

و جاء في رواية أخرى : يا عليّ، أما علمت أنّه من أحبّنا وانتحل مودّتنا  أسكنه اللَّه معنا؟ وتلا هذه الآية: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.