سورة اللّيل

سورة اللّيل‏

 [مكّيّة] .

و آيها إحدى وعشرون بالإجماع.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من أكثر قراءة والشمس والليل. (الحديث) وقد تقدّم في سورة والشمس.

و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأها أعطاه اللّه حتّى يرضى، وعافاه من العسر ويسّر له اليسر.

وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ : إذا يغشى الشّمس، أو النّهار، أو كلّ ما يواريه بظلامه.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى‏ وما أشبه ذلك.

قال: إنّ للّه أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلّا به.و في من لا يحضره الفقيه : وروى عليّ بن مهزيار قال: قلت لأبي جعفر الثاني- عليه السّلام-: قوله: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى وقوله- عزّ وجلّ-: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى‏ وما أشبه هذا.

فقال: إنّ للّه أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلّا به.

وَ النَّهارِ إِذا تَجَلَّى : ظهر بزوال ظلمة اللّيل، أو تبيّن بطلوع الشّمس.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏.

قال: اللّيل في هذا الموضع الثّاني ، غشى أمير المؤمنين في دولته الّتي جرت له عليه، وأمير المؤمنين- عليه السّلام- يصبر في دولتهم حتّى تنقضي.

قال: وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى.

قال: النّهار هو القائم منّا، أهل البيت، إذا قام غلب دولة الباطل. والقرآن ضربت  فيه الأمثال للنّاس، وخاطب نبيّه به ونحن نعلم  فليس يعلمه غيرنا.

وَ ما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى‏ : والقادر الّذي خلق صنفي الذّكر والأنثى من كلّ نوع له توالد. أو آدم وحوّاء.

و قيل : «ما» مصدريّة.

و في جوامع الجامع : وفي قراءة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وعليّ- عليه السّلام- وابن عبّاس: والذَّكَرَ وَالْأُنْثى‏.

و في مجمع البيان : في الشّواذّ قراءة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وقراءة عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: والنهار إذا تجلى وخلق الذكر والأنثى بغير «ما». روي ذلك عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ، أي: مساعيكم لأشتات مختلفة. جمع شتيت.

فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ وَاتَّقى‏  وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى‏ : تفصيل مبيّن لتشتّت المساعي. والمعنى: من أعطى الطّاعة واتّقى المعصية وصدّق بالكلمة الحسنى، وهي ما دلّت على حقّ، ككلمة التّوحيد.

فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏ : فسنهيّئه للخلّة الّتي تؤدّي إلى يسر وراحة، كدخول الجنّة. من يسّر الفرس: إذا هيّأه للرّكوب بالسّرج واللّجام.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: عن الباقر- عليه السّلام- في قوله: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى‏ فالذّكر: أمير المؤمنين، والأنثى: فاطمة. إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى لمختلف. فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ وَاتَّقى‏ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى‏  بقوته، وصام حتّى وفي بنذره، وتصدّق بخاتمه وهو راكع، وآثر المقداد بالدّينار على نفسه. وقال: وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى‏ وهي الجنّة والثّواب من اللّه. فَسَنُيَسِّرُهُ لذلك، بأن جعله  إماما في الخير وقدوة وأبا للأئمّة، يسّره اللّه لِلْيُسْرى‏.

وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ: بما أمر به.

وَ اسْتَغْنى‏ : بشهوات الدّنيا عن نعيم العقبى.

وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى‏ : بإنكار مدلولها.

فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏ : للخلّة المؤدّية إلى العسر والشّدة، كدخول النّار.

وَ ما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ: نفي، أو استفهام إنكار.

إِذا تَرَدَّى : هلك. تفعّل، من الرّدى. أو تردّى في حفرة القبر، أو قعر جهنّم.

و في قرب الإسناد  للحميريّ: أحمد بن محمّد، عن أحمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: سمعته يقول في تفسير وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ قال: إنّ رجلا من الأنصار كان لرجل في حائطه  نخلة، فكان يضربّه، فشكا ذلك إلى رسول اللّه‏- صلّى اللّه عليه وآله- فدعاه فقال: أعطني نخلتك بنخلة في الجنّة. فأبى، فسمع ذلك رجل  من الأنصار يكنّى: أبا الدّحداح، فجاء إلى صاحب النّخلة فقال: بعني نخلتك بحائطي. فباعه، فجاء إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللّه، قد اشتريت نخلة فلان بحائطي.

قال: فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فلك بدلها نخلة في الجنّة. فأنزل اللّه على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى‏ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏، يعني: النّخلة وَاتَّقى‏ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى‏ بموعد  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏- إلى قوله-: تَرَدَّى.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه- في قوله: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ وَاتَّقى‏ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى‏ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏ قال: نزلت في رجل من الأنصار كانت له نخلة في دار رجل آخر، وكان يدخل عليه بغير إذن، فشكا ذلك إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال رسول اللّه لصاحب النّخلة: بعني نخلتك هذه بنخلة في الجنّة.

فقال: لا أفعل.

فقال: بعنيها بحديقة في الجنّة.

فقال: لا أفعل، وانصرف.

فمضى إليه أبو  الدّحداح واشتراها منه، وأتى أبو  الدّحداح إلى النّبيّ فقال: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- خذها واجعل  لي في الجنّة الحديقة الّتي قلت لهذا فلم يقبله.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لك في الجنّة حدائق وحدائق. فأنزل اللّه- تعالى- في ذلك فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ وَاتَّقى‏ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى‏، يعني: أبا الدّحداح فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏- إلى قوله-: إِذا تَرَدَّى، يعني: إذا مات.

أخبرنا  أحمد بن إدريس قال: حدّثنا محمّد بن أحمد، عن الحسين بن سعيد، عن‏محمّد بن الحسين ، عن خالد بن يزيد، عن عبد الأعلى، عن أبي الخطّاب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ وَاتَّقى‏ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى‏ قال: بالولاية فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏- إلى قوله-: وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى‏ فقال: بالولاية فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن ضريس الكناسيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: مرّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- برجل يغرس غرسا في حائط له، فوقف له وقال: ألا ادلّك على غرس أثبت أصلا وأسرع إيناعا وأطيب ثمرا وأبقى؟

فقال: بلى فدلّني، يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال: إذا أصبحت وأمسيت فقلت: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، فإنّ ذلك إن قلته أعطيت  بكلّ تسبيحة عشر شجرات في الجنّة من أنواع الفاكهة، وهو من الباقيات الصّالحات.

قال: فقال الرّجل: إنّي أشهدك، يا رسول اللّه، انّ حائطي هذا صدقة مقبوضة على فقراء المسلمين أهل الصّدقة. فأنزل اللّه آيات من القرآن فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ (الآيات).

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مهران بن محمّد، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ وَاتَّقى‏ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى‏ بأنّ اللّه يعطي بالواحد عشرة إلى مائة ألف فما زاد فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏ قال: لا يريد شيئا من الخير إلّا يسّره اللّه له.

وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى‏ قال: بخل بما آتاه اللّه وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى‏ بأنّ اللّه يعطي بالواحد عشرة إلى مائة ألف فما زاد فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏ قال: لا يريد شيئا من الشّرّ إلّا يسّره له.

وَ ما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى قال: أمّا، واللّه، ما هو تردّى في بئر ولا من جبل ولا من حائط، ولكن تردّى في جهنّم.إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى‏ ، أي: الدّلالة والهداية. وأمّا الاهتداء فإليكم، والتّوفيق والخذلان إلينا.

و في قرب الإسناد  للحميريّ: أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: قلت: قول اللّه- تبارك وتعالى-: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى‏.

قال: اللّه  يهدي من يشاء، ويضلّ من يشاء.

فقلت له: أصلحك اللّه، إنّ قوما من أصحابنا يزعمون أنّ المعرفة مكتسبة، وأنّهم إن ينظروا من وجه النّظر أدركوه .

فأنكر ذلك، فقال: فما لهؤلاء القوم لا يكتسبون الخير لأنفسهم، ليس أحد  من أناس إلّا وهو يحبّ أن يكون هو خيرا ممّن هو [خير]  منه، هؤلاء بنو هاشم  موضعهم موضعهم  وقرابتهم وهم أحقّ بهذا الأمر منكم، أ فترون أنّهم لا ينظرون لأنفسهم، وقد عرفتهم  ولم يعرفوا؟ قال أبو جعفر- عليه السّلام-: لو استطاع النّاس لأحبّونا.

وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى‏ : فنعطي في الدّارين ما نشاء لمن نشاء.

قيل : أو ثواب الهداية للمهتدين. أو فلا يضرّنا ترككم الاهتداء.

فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى : تتلهّب.

لا يَصْلاها: لا يلزمها مقاسيا شدّتها .

إِلَّا الْأَشْقَى : إلّا الكافر، فإنّ الفاسق وإن دخلها لا يلزمها، ولذلك سمّاه أشقى ووصفه بقوله: الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ، أي: كذّب الحقّ وأعرض عن الطّاعة.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق،عن عبد الرّزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: وأنزل في وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى، الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى فهذا مشرك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى‏ قال: إنّ علينا أن نبيّن لهم.

قوله: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى، أي: تتلهّب عليهم.

حدّثنا  محمّد بن جعفر قال: حدّثنا يحيى بن زكرياء، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى، لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى، الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى.

قال: في جهنّم واد فيه نار لا يصلاها إلّا الأشقى، فلان ، الّذي كذّب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في عليّ- عليه السّلام- وتولّى عن ولايته.

ثمّ قال: النّيران بعضها دون بعض، فما كان من نار لهذا الوادي فللنّصّاب.

وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى : الّذي اتّقى الشّرك والمعاصي، فإنّه لا يدخلها فضلا عن أن يدخلها ويصلاها.

قيل : ومفهوم ذلك، أنّ من اتّقى الشّرك دون المعصية لا يتجنّبها  ولا يلزم ذلك صلاها، فلا يخالف الحصر السّابق .

الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ: فيصرفه في مصارف الخير لقوله: يَتَزَكَّى : فإنّه بدل من «يؤتي»، أو حال من فاعله.

وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى‏ : فيقصد بإتيانه مجازاتها.

إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى‏ : استثناء منقطع. أو متّصل عن محذوف، مثل لا يؤتي إلّا ابتغاء وجه ربّه، لا لمكافأة نعمة.

وَ لَسَوْفَ يَرْضى‏ : وعد بالثّواب الّذي يرضيه.

و في مجمع البيان : وروى الواحديّ، بالإسناد المرفوع المتّصل، عن عكرمة،عن ابن عبّاس، أن رجلا كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال، وكان الرّجل إذا جاء فدخل الدّار وصعد النّخلة ليأخذ منها التّمر فربّما سقطت التّمرة فيأخذها صبيان الفقير، فينزل الرّجل من النّخلة حتّى يأخذ التّمر من أيديهم، فإنّ وجدها في أحدهم  أدخل أصبعه حتّى يأخذ التّمرة من فيه، فشكا ذلك الرّجل إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأخبره بما يلقي من صاحب النّخلة.

فقال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: اذهب، ولقي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- صاحب النّخلة فقال: تعطيني نخلتك المائلة الّتي فرعها في دار فلان لك بها نخلة في الجنّة؟

فقال له الرّجل: إنّ لي نخلا كثيرا، وما فيه نخلة أعجب إليّ تمرة منها.

قال: ثمّ ذهب الرّجل، فقال رجل كان يسمع  [الكلام من‏]  رسول اللّه: يا رسول اللّه، أ تعطيني بما أعطيت الرّجل نخلة في الجنّة إن أنا أخذتها؟

قال: نعم.

فذهب الرّجل ولقي صاحب النّخلة، فساومها  منه.

فقال له: أشعرت أنّ محمّدا أعطاني بها نخلة في الجنّة، فقلت له: يعجبني تمرها، وإنّ لي نخلا كثيرا فما فيه نخلة أعجب إليّ تمرة منها؟

فقال له الآخر: أ تريد بيعها؟

فقال: لا، إلّا أن اعطي بها ما لا أظنّه اعطى.

قال: فما هناك؟

قال: أربعون نخلة.

فقال الرّجل: جئت بعظيم، تطلب بنخلتك المائلة أربعين نخلة! ثمّ سكت عنه، فقال له: أنا أعطيك أربعين نخلة.

فقال له: اشهد إن كنت صادقا.فمرّ إلى أناس فدعاهم فأشهدهم بأربعين نخلة، ثمّ ذهب إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللّه، إنّ النّخلة قد صارت في ملكي فهي لك.

فذهب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى صاحب الدّار فقال له: النّخلة لك ولعيالك. فأنزل اللّه وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ (السّورة).

و عن عطاء  قال: اسم الرّجل أبو الدّحداح. فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ وَاتَّقى‏ هو أبو الدّحداح، وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى‏ هو صاحب النّخلة. وقوله: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى هو صاحب النّخلة. وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى هو أبو الدّحداح. وَلَسَوْفَ يَرْضى‏ إذا أدخله الجنّة.

قال: فكان النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يمرّ بذلك الحشّ  وعذوقه دانية، فيقول:

عذوق وعذوق لأبي الدّحداح في الجنّة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  وقال اللّه: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى‏ قال:

ليس لأحد عند اللّه يدعى ربّه بما فعله لنفسه، وإن جازاه فبفضله يفعل، وهو قوله: إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى‏، وَلَسَوْفَ يَرْضى‏، أي: يرضى عن أمير المؤمنين يرضى  عنه.

و في شرح الآيات الباهرة : جاء مرفوعا، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ قال:

دولة إبليس إلى يوم القيامة، وهو يوم قيام القائم. وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى وهو القائم إذا قام.

و قوله: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ وَاتَّقى‏، أي: أعطى نفسه الحقّ واتّقى الباطل.

فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏ [، أي الجنّة] .

وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى‏، يعني: بنفسه عن الحقّ، واستغنى بالباطل عن الحقّ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى‏ بولاية عليّ بن أبي طالب والأئمّة من بعده فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏، يعني: النّار.و أمّا قوله: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى‏، يعني: إنّ عليّا هو الهدى، وإنّ له الآخرة والأولى.

فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى قال: هو القائم إذا قام بالغضب ، فيقتل من كلّ ألف تسعمائة وتسعة  وتسعين.

لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى قال: هو عدوّ آل محمّد.

وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى قال: ذاك أمير المؤمنين- عليه السّلام- وشيعته.

و روي  بإسناد متّصل إلى سليمان بن سماعة، عن عبد اللّه بن القاسم، عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى اللّه خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى‏ ولعليّ الآخرة والأولى.

و روى محمّد بن خالد البرقيّ ، عن يونس بن ظبيان، عن عليّ بن أبي حمزة، عن فيض بن مختار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قرأ: إن عليا للهدى وإن له الآخرة والأولى.

عن محمّد بن أورمة ، عن الرّبيع بن بكر، عن يونس بن ظبيان قال: قرأ أبو عبد اللّه: والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، الله خالق الزوجين الذكر والأنثى، ولعلي الآخرة والأولى.

إسماعيل بن مهران ، عن أيمن  بن محرز، عن سماعة، [عن أبي بصير]»

 عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: نزلت هذه الآية هكذا [و اللّه‏]  الله خالق  الزوجين الذكر والأنثى، ولعلي الآخرة والأولى.

و روى أحمد بن القاسم ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أيمن بن محرز، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏الخمس وَاتَّقى‏ ولاية الطّواغيت وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى‏ بالولاية فَسَنُيَسِّرُهُ [لِلْيُسْرى‏ فلا يريد شيئا من الخير إلّا تيسّر له وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بالخمس وَاسْتَغْنى‏ برأيه عن أولياء اللّه وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى‏ بالولاية فَسَنُيَسِّرُهُ‏]  لِلْعُسْرى‏ فلا يريد شيئا من الشّر إلّا تيسّر له.

 

و أمّا قوله: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى قال رسول اللّه: ومن تبعه.

و الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى قال: ذاك أمير المؤمنين- عليه السّلام- وهو قوله - تعالى-: وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ.

و قوله: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى‏ فهو رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الّذي ليس لِأَحَدٍ عِنْدَهُ (مِنْ)  نِعْمَةٍ تُجْزى‏ ونعمته جارية على جميع الخلق- صلوات اللّه عليه وعلى أهل بيته وأولي الحقّ المبين- صلاة باقية إلى يوم الدّين.