سورة المرسلات‏

سورة المرسلات‏

مكّيّة.

و آيها خمسون بلا خلاف.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

في ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً عرّف اللّه بينه وبين محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأ سورة والمرسلات كتب: أنّه ليس من المشركين.

 

و في الخصال : عن عكرمة، عن ابن عبّاس قال: قال أبو بكر: أسرع الشّيب إليك، يا رسول اللّه؟

قال: شيّبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعمّ يتساءلون.

وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً  فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً  وَالنَّاشِراتِ نَشْراً  فَالْفارِقاتِ فَرْقاً  فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً .

قيل : أقسم  بطوائف من الملائكة أرسلهنّ [اللّه‏]  بأوامره متتابعة، فعصفن‏عصف الرّياح في امتثال أمره، ونشرن الشّرائع في الأرض أو نشرن النّفوس الموتى بالكفر أو بالجهل بما أو حين من العلم، ففرقن بين الحقّ والباطل، فألقين إلى الأنبياء ذكرا .

أو بآيات القرآن المرسلة بكلّ عرف إلى محمّد، فعصفن سائر الكتب والأديان بالنّسخ، ونشرن آيات  الهدى والحكمة  في الشّرق والغرب، وفرقن بين الحقّ والباطل، فألقين ذكر الحقّ فيما بين العالمين.

أو بالنّفوس الكاملة المرسلة إلى الأبدان لاستكمالها، فعصفن ما سوى الحقّ، ونشرن أثر ذلك في جميع الأعضاء، ففرقن بين الحق [بذاته‏]  والباطل في نفسه فيرون كلّ شي‏ء هالكا إلّا وجهه، فألقين ذكرا بحيث لا يكون في القلوب والألسنة إلّا ذكر اللّه.

أو برياح عذاب أرسلن فعصفن، ورياح رحمة نشرن السّحاب في الجوّ ففرقن، فألقين ذكرا، أي: تسبّبن له، فإنّ العاقل إذا شاهد هبوبها وآثارها ذكر اللّه وتذكّر كمال قدرته.

و «عرفا» إمّا نقيض النّكر وانتصابه على العلّة، أي: أرسلن للإحسان والمعروف، أو بمعنى: المتتابعة، من عرف الفرس [و انتصابه على الحال.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً قال: آيات أن يتبع بعضها بعضا.

و في مجمع البيان : وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً، يعني: الرّياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس‏]  عن ابن مسعود وابن عبّاس إلى قوله: وقيل:

إنّها الملائكة أرسلت بالمعروف من أمر اللّه ونهيه. وفي رواية أخرى عن ابن مسعود وأبي حمزة الثمالي، عن أصحاب عليّ- عليه السّلام- عنه.

عُذْراً أَوْ نُذْراً : مصدران لعذر إذا محا الإساءة، وأنذر إذا خوّف. أو جمعان لعذير بمعنى: المعذرة، ونذير بمعنى: الإنذار، أو بمعنى: العاذر والمنذر.

و نصبهما على الأوّلين بالعلّيّة، أي: «عذرا» للمحقّين «أو نذرا» للمبطلين، أوالبدليّة من «ذكرا» على أنّ المراد به: الوحي، أو ما يعمّ التّوحيد والشّرك والإيمان والكفر. وعلى الثّالث بالحاليّة.

و قرأهما  أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص، بالتّخفيف.

إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ : جواب القسم، ومعناه: أنّ الّذي توعدون من مجي‏ء القيامة كائن لا محالة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً قال: القبر.

وَ النَّاشِراتِ نَشْراً قال: نشر الأموات.

فَالْفارِقاتِ فَرْقاً قال: الدّابّة.

فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً قال: الملائكة. عُذْراً أَوْ نُذْراً، أي: أعذركم وأنذركم بما أقول، وهو قسم وجوابه إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ.

فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ : محقت، أو ذهب نورها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ قال: يذهب نورها وتسقط.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى عبد اللّه بن سلام، مولى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: عنه حديث طويل، وفيه: فيأمر اللّه- عزّ وجلّ-  نارا يقال لها: الفلق، أشدّ شي‏ء في جهنّم عذابا، فتخرج من مكانها سوداء مظلمة بالسّلاسل والأغلال، فيأمرها اللّه أن تنفخ في وجوه الخلائق نفخة، فتنفخ فمن شدّة نفختها تنقطع السّماء وتنطمس النّجوم. (الحديث)

وَ إِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ : صدعت.

وَ إِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ : كالحبّ ينسف بالمنسف.

وَ إِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ .

قيل : عيّن لها وقتها الّذي يحضرون فيه للشّهادة على الأمم بحصوله، فإنّه لا يتعيّن لهم قبله. أو بلغت ميقاتها الّذي كانت تنتظره.و قرأ  أبو عمرو: «وقّتت» على الأصل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ فطموسها ذهاب ضوئها.

وَ إِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ قال: تفرج  وتنشقّ.

وَ إِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ قال: بعثت في أوقات مختلفة.

و في مجمع البيان : وقال الصّادق- عليه السّلام-: أُقِّتَتْ، أي: بعثت في أوقات مختلفة.

لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ، أي: يقال: لأيّ يوم اخّرت.

و ضرب الأجل للجمع، وهو تعظيم «لليوم» وتعجيب عن هوله.

و يجوز أن يكون ثاني مفعولي «أقّتت» على معنى: أعلمت.

لِيَوْمِ الْفَصْلِ : بيان ليوم التّأجيل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ قال: تأخّرت  ليوم الفصل.

وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ : ومن أين تعلم كنهه ولم تر مثله.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ، أي: بذلك.

و «ويل» في الأصل مصدر منصوب بإضمار فعله، عدل به إلى الرّفع للدّلالة على ثبات الهلك للمدعو عليه، و«يومئذ» ظرفه، أو صفته.

أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ، كقوم نوح وعاد وثمود.

و قرئ : «نهلك» من هلكه، بمعنى: أهلكه.

ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ ، أي: ثمّ نتبعهم نظراءهم، ككفّار مكّة.

و قرئ ، بالجزم، عطفا على «نهلك» فيكون «الآخرين» المتأخّرين من المهلكين، كقوم لوط وشعيب وموسى.

كَذلِكَ: مثل ذلك الفعل نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ : بكلّ من أجرم.و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال: قلت وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ.

قال : [يقول:]  ويل للمكذّبين، يا محمّد، بما أوحيت إليك من ولاية عليّ- عليه السّلام-.

أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ، قال: الأوّلين الّذين كذّبوا الرّسل في طاعة الأوصياء.

كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ قال: من أجرم إلى آل محمّد وركب من وصيّه ما ركب.

و في شرح الآيات الباهرة : قال عليّ بن إبراهيم: قوله: أَ لَمْ نُهْلِكِ (الآية) قال: نهلك الأوّلين، أي: الأمم الماضية قبل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-. ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ، أي: الّذين خالفوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ، يعني: بني أميّة وبني فلان.

و روي  بحذف الإسناد، مرفوعا إلى العبّاس بن إسماعيل: عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- في قوله: أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ، يعني: الأوّل والثّاني. ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ قال: الثّالث والرّابع والخامس. كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ من بني أميّة.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : بآيات اللّه وأنبيائه والأوصياء. فليس تكريرا، وكذلك إن اطلق التّكذيب أو علّق في الموضعين بواحد، لأنّ الويل الأوّل لعذاب  الآخرة، وهذا للإهلاك في الدّنيا، مع أنّ التكرير للتّوكيد حسن شائع في كلام العرب.

أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ : نطفة قذرة ذليلة.

فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ : هو الرّحم.إِلى‏ قَدَرٍ مَعْلُومٍ : إلى مقدار معلوم من الوقت، قدّره اللّه للولادة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله- تعالى-: أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ.

أي: منتن.

و قوله: فِي قَرارٍ مَكِينٍ قال: في الرّحم. وأمّا قوله: إِلى‏ قَدَرٍ مَعْلُومٍ يقول:

منتهى الأجل.

و في نهج البلاغة : أيّها المخلوق السّويّ، والمنشأ المرعيّ  في ظلمات الأرحام ومضاعفات الأستار، بدئت  من سلالة من طين، ووضعت في قرار مكين إلى قدر معلوم وأجل مقسوم، تمور  في بطن أمّك جنينا، لا تحير  دعاء ولا تسمع نداء.

فَقَدَرْنا: فقدرنا على ذلك. أو فقدّرناه، ويدلّ عليه قراءة  نافع والكسائي بالتّشديد.

فَنِعْمَ الْقادِرُونَ : نحن.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : بقدرتنا على ذلك، أو على الإعادة.

أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً : كافتة ، اسم لما يكتف، أي: يضمّ ويجمع، كالضّمام والجماع [اسم‏]  لما يضمّ ويجمع. أو مصدر نعت به. أو جمع، كافت، كصائم وصيام.

أو كفت، وهو الوعاء، أجري على الأرض باعتبار أقطارها.

أَحْياءً وَأَمْواتاً : منتصبان على المفعوليّة، وتنكيرهما للتّفخيم، أو لأنّ أحياء الإنس وأمواتهم بعض الأحياء والأموات. أو الحاليّة  من مفعوله المحذوف للعلم به، وهو الإنس. أو «بنجعل» على المفعوليّة  [ «و كفاتا» حال أو الحاليّة]  فيكون‏المعنى: بالأحياء ما ينبت، وبالأموات ما لا ينبت.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: «الكفات» المساكن.

و قال: نظر أمير المؤمنين- عليه السّلام- [في رجوعه‏]  من صفّين إلى المقابر فقال:

هذه كفات الأموات، أي: مساكنهم. ثمّ نظر إلى بيوت الكوفة فقال: هذه كفات الأحياء. ثمّ تلا: أَ لَمْ نَجْعَلِ (الآية).

و في معاني الأخبار : حدّثنا أبي، عن سعد بن عبد اللّه، عن القاسم بن محمّد الاصبهانيّ، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه نظر إلى المقابر فقال: يا حمّاد، هذه كفات الأموات. ونظر إلى بيوت الكوفة  فقال: هذه كفات الأحياء. ثمّ تلا: أَ لَمْ نَجْعَلِ (الآية).

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضّال، عن بعض أصحابه، عن أبي كهمس، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: أَ لَمْ نَجْعَلِ (الآية) قال: دفن الشّعر والظّفر.

وَ جَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ: جبالا ثوابت طوالا.

و التّنكير للتّفخيم، أو الإشعار بأنّ فيها ما لم يعرف ولم ير.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: جبالا  مرتفعة.

وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً : بخلق الأنهار والمنافع فيها.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : بأمثال هذه النّعم.

انْطَلِقُوا: يقال لهم: انطلقوا إِلى‏ ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ : من العذاب.

انْطَلِقُوا: خصوصا.

و عن يعقوب : «انطلقوا»  على الإخبار من امتثالهم للأمر اضطرارا.إِلى‏ ظِلٍّ، يعني: ظلّ دخان جهنّم، كقوله: وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ.

ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ : يتشعّب لعظمه، كما ترى الدّخان العظيم  يتفرّق ذوائب.

قيل : وخصوصيّة الثّلاث إمّا لأنّ حجاب النّفس عن أنوار القدس الحسّ والخيال والوهم، أو لأنّ المؤدّي إلى هذا العذاب هو القوّة الواهمة الحالّة في الدّماغ والغضبيّة الّتي في يمين القلب والشّهويّة الّتي في يساره، ولذلك قيل: شعبة تقف فوق الكافر، وشعبة عن يمينه، وشعبه عن يساره.

لا ظَلِيلٍ: تهكّم بهم، وردّ لما أوهم لفظ الظّلّ.

وَ لا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ : وغير مغن عنهم من حرّ اللّهب شيئا.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل في بيان الأيّام، وفيه: قال: قلت: فالثّلاثاء؟

قال: خلقت النّار فيه، وذلك قوله: انْطَلِقُوا- إلى قوله-: مِنَ اللَّهَبِ.

قال: قلت: فالأربعاء؟

قال: بنيت [أربعة]  أركان النّار يوم الأربعاء.

و في شرح الآيات الباهرة : وروى الشّيخ أبو جعفر الطّوسيّ، عن أحمد بن يونس، عن أحمد بن سيّار، [عن بعض أصحابنا،]  عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا لاذ النّاس من العطش قيل لهم: انْطَلِقُوا إِلى‏ ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ، يعني: إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

قال: فإذا أتوه قال لهم: انْطَلِقُوا إِلى‏ ظِلٍّ- إلى قوله-: مِنَ اللَّهَبِ، يعني:

من لهب العطش.

و روى محمّد بن العبّاس ، عن أحمد بن القاسم، عن [أحمد بن‏]  محمّد بن‏سيّار، عن بعض أصحابنا، مرفوعا إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: إذا لاذ النّاس من العطش قيل لهم: انْطَلِقُوا إِلى‏ ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ، يعني: أمير المؤمنين- عليه السّلام- فيقول لهم: انْطَلِقُوا إِلى‏ ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ.

قال: يعني: الثّلاثة، فلان، وفلان، وفلان.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا فبلغنا- واللّه أعلم- أنّه إذا استوى أهل النّار إلى النّار لينطلق بهم قبل أن يدخلوا النّار، فيقال لهم: ادخلوا إلى ظلّ ذي ثلاث شعب من دخان النّار . فيحسبون أنّها الجنّة، ثمّ يدخلون النّار أفواجا، وذلك نصف النّهار.

و فيه : وقوله: انْطَلِقُوا إِلى‏ ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ. قال: فيه ثلاث  شعب من النّار.

إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ، أي: كلّ شرارة كالقصر في عظمتها.

و يؤيّده: أنّه قرئ : «بشرار».

و قيل : هو جمع، قصرة، وهي الشّجرة الغليظة.

و قرئ : «كالقصر» بمعنى: القصور، كرهن ورهن. و«كالقصر» جمع قصرة، كحاجة، وحوج.

و الهاء في «إنّها» «للشّعب».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ . قال: شرر النّار مثل القصور والجبال.

و في إرشاد المفيد - رحمه اللّه-: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، وفيه يقول: تزفر  النّار بمثل الجبال شررا.كأنه جمالات: جمع، جمال. أو جمالة، جمع جمل.

صُفْرٌ : فإنّ الشّرار لما فيها من النّاريّة يكون أصفر.

و قيل : سود، فإنّ سواد الإبل تضرب إلى الصّفرة.

و الأوّل تشبيه في العظم، وهذا في اللّون والكثرة والتّتابع والاختلاط وسرعة الحركة.

و قرأ  حمزة والكسائي وحفص: «جِمالَتٌ».

و عن يعقوب : «جمالات» بالضّمّ، جمع جمالة، وقد قرئ بها، وهي الحبل الغليظ من حبال السّفينة، وشبّهه بها في امتداده والتفافه.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ  هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ : بما يستحقّ، فإنّ النّطق بما لا ينفع كلا نطق. أو بشي‏ء من فرط الدّهشة والحيرة، وهذا في بعض المواقف.

و قرئ  بنصب «اليوم»، أي: هذا الّذي ذكر واقع يومئذ.

وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ  وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : عطف «فيعتذرون» على «يؤذن» ليدلّ على نفي الإذن والاعتذار عقيبه مطلقا. ولو جعله جوابا لدلّ على أنّ عدم اعتذارهم لعدم الإذن، فأوهم ذلك أنّ لهم عذرا لكن لم يؤذن لهم فيه.

و في روضة الكافي ، بإسناده إلى حمّاد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول في قول اللّه- تعالى-: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ فقال: إنّ اللّه أجلّ وأعدل وأعظم من أن يكون لعبده عذر لا يدعه يعتذر به، ولكنّه فلج فلم يكن له عذر.

هذا يَوْمُ الْفَصْلِ: بين المحقّ والمبطل.

جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ : تقرير وبيان «للفصل».

فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ : تقريع لهم على كيد المؤمنين في الدّنيا، وإظهار لعجزهم.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : إذ لا حيلة لهم في التّخلّص من العذاب.

إِنَّ الْمُتَّقِينَ: من الشّرك، لأنّهم في مقابلة «المكذّبين».فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ  وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ : مستقرّون في أنواع التّرفّه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ قال: في ظلال من نور أنور من الشّمس.

و في أصول الكافي : [عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب،]  عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال: قلت: إِنَّ الْمُتَّقِينَ.

قال: نحن، واللّه، وشيعتنا ليس على ملّة إبراهيم غيرنا، وسائر النّاس منها برآء.

كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، أي: مقولا لهم ذلك.

إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، أي: في العقيدة والعمل.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : يمحض لهم العذاب المخلّد، ولخصومهم الثّواب المؤبّد.

كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ : حال من «المكذّبين»، أي: الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم [ذلك، تذكيرا لهم‏]  بحالهم في الدّنيا وبما جنوا على أنفسهم أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النّعيم المقيم الجليل.

و في شرح الآيات الباهرة : قال عليّ بن إبراهيم في قوله: فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ قال: في ظلال من نور، وقال لهم: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الأعمال الحسنة بعد المعرفة.

ثمّ عطف على أعداء آل محمّد، فقال لهم: كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا في الدنيا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : حيث عرّضوا أنفسهم للعذاب الدّائم بالتّمتّع القليل.

وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا: أطيعوا واخضعوا له وصلّوا. أو اركعوا في الصّلاة،إذ

روي  أنّه نزل حين أمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ثقيفا بالصّلاة، فقالوا:

لا ننحني  [، أي: لا نركع‏]  فإنّها مسبّة.

و قيل : هو يوم القيامة حين يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ.

لا يَرْكَعُونَ : لا يمتثلون. واستدلّ به على أنّ الأمر للوجوب، وأنّ الكفّار مخاطبون بالفروع.

و في مجمع البيان : قوله: لا يَرْكَعُونَ، أي: لا يصلّون.

قال مقاتل : نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بالصّلاة، فقالوا: لا ننحني، فإنّ ذلك مسبّة  علينا.

فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ قال: إذا قيل لهم: تولّوا الإمام، لا يتولّونه.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ  فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ: بعد القرآن يُؤْمِنُونَ : إذا لم يؤمنوا به، وهو معجز في ذاته، مشتمل على الحجج الواضحة والمعاني الشّريفة.

و في شرح الآيات الباهرة : وروى الحسن بن عليّ الوشّاء، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثّماليّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قوله- تعالى-:

وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ.

قال: هي في بطن القرآن، وإذا قيل للنّصّاب: تولّوا عليّا- عليه السّلام- لا يفعلون. لما سبق لهم من اللّه من الشّقاء، لمعاداتهم لسيّد الأوصياء وصيّ سيّد الأنبياء، أبي السّادة النّجباء- صلّى اللّه عليهم صلاة تملأ الأرض والسّماء ما اختلف الصّبح والمساء والظّلام والضّياء.