سورة ق‏

و قيل : غير قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ إلى قوله: وَقَبْلَ الْغُرُوبِ.

و هي خمس وأربعون آية بالإجماع.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من أدمن في فرائضه ونوافله قراءة سورة ق وسّع اللَّه عليه في رزقه، وأعطاه كتابه بيمينه، وحاسبه حسابا يسيرا.

و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: ومن قرأ سورة ق، هوّن اللَّه عليه تارات الموت وسكراته.

ق الكلام فيه كما مرّ في ص.

و قيل : اسم من أسماء اللَّه.

و قيل : معناه: قضى الأمر، أو قضى ما هو كائن.

و في كتاب معاني الأخبار»، بإسناده إلى سفيان الثّوريّ: عن الصّادق- عليه‏السّلام- حديث طويل، يقول فيه: وأمّا «ق» فهو الجبل المحيط بالأرض وخضرة السّماء منه، وبه يمسك اللَّه الأرض أن تميد بأهلها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: إنّ «ق» جبل محيط بالدّنيا من وراء يأجوج ومأجوج.

وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ : ذو المجد والشّرف على سائر الكتب. أو لأنّه كلام المجيد. أو كلّ من علم معانيه وامتثل أحكامه مجد . وهو قسم.

و قيل : تقديره: والقرآن المجيد إنّ محمّدا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

بدلالة قوله: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ: إنكار لتعجّبهم ممّا ليس بعجب، وهو أن ينذرهم أحد من جنسهم أو من أبناء جلدتهم.

فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْ‏ءٌ عَجِيبٌ : حكاية لتعجّبهم.

و «هذا» إشارة إلى اختيار محمّدا للرسالة.

و إضمار ذكرهم ثمّ إظهاره  للإشعار بتعنّتهم  بهذا المقال، ثمّ التّسجيل على كفرهم بذلك. أو عطف لتعجّبهم من البعث على تعجّبهم من البعثة، والمبالغة فيه بوضع الظّاهر موضع ضميرهم. وحكاية تعجّبهم مبهما إن كانت الإشارة إلى مبهم يفسّره ما بعده، ومجملا إن كانت الإشارة إلى محذوف دلّ عليه «منذر». ثمّ تفسيره أو تفضيله لأنّه أدخل في الإنكار إذ الأول استبعاد لأنّ يفضّل عليهم مثلهم، والثّاني استقصار لقدرة اللَّه عمّا هو أهون ممّا يشاهدون من صنعه- تعالى-.

أَ إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً، أي: أ نرجع إذا متنا وصرنا ترابا. ويدلّ على المحذوف قوله: ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ، أي: بعيد عن الوهم، أو العادة، أو الإمكان.

و قيل : «الرّجع» بمعنى: المرجوع.

قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ: ما تأكل من أجساد موتاهم. وهو ردّ لاستبعادهم بإزاحة ما هو الأصل فيه.و قيل : إنّه جواب القسم، واللّام محذوف لطول الكلام.

وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ : حافظ لتفاصيل الأشياء كلّها، أو محفوظ عن التّغيير، والمراد: إمّا تمثيل علمه بتفاصيل الأشياء بعلم من عنده كتاب محفوظ يطالعه، أو تأكيد لعلمه بها بثبوتها في اللّوح المحفوظ عنده.

بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ، يعني: النّبوّة الثّابتة بالمعجزات، أو النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أو القرآن لَمَّا جاءَهُمْ.

و قرئ : «لما» بالكسر.

فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ : مضطرب. من مرج الخاتم في إصبعه: إذا جرج .

و ذلك قولهم تارة: إنّه شاعر، [و تارة إنّه ساحر،]  وتارة إنه كاهن.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، وبإسناده إلى يحيى بن ميسرة الخثعميّ: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: «عسق»  عش عدد سني القائم، و«ق» جبل محيط بالدّنيا من زمرّد أخضر، فخضرة، السّماء من ذلك الجبل. وعلم- عليه السّلام-  في عسق. «بل عجبوا»، يعني: قريشا. أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ، يعني: رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

 [فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْ‏ءٌ عَجِيبٌ أَ إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ]  قال: نزلت في ابيّ بن خلف، قال لأبي جهل: تعال [إليّ أعجبك‏]  من محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-. ثمّ أخذ عظما ففتّته، ثمّ قال: يزعم محمّد ، أنّ هذا يحيى!؟

فقال اللَّه: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ، أي: مختلط .

و في أصول الكافي ، بإسناده إلى سليم بن قيس الهلاليّ: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: بني الكفر على أربع دعائم: الفسق، والغلوّ، والشكّ، والشّبهة.إلى قوله: والغلوّ على أربع شعب: على التّعمّق بالرّأي، والتّنازع فيه، والزّيغ، والشّقاق. فمن تعمق لم ينب  إلى الحقّ، ولم يزدد إلّا غرقا في الغمرات، ولم تنحسر  عنه فتنة إلّا غشيته أخرى، وانخرق دينه، فهو يهوى في أمر مريج.

أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا: حين كفروا بالبعث.

إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ: إلى آثار قدرة اللَّه في خلق العالم.

كَيْفَ بَنَيْناها: رفعناها.

وَ زَيَّنَّاها: بالكواكب.

وَ ما لَها مِنْ فُرُوجٍ : فتقو، بأن خلقنا السّماء  متلاصقة الطبّاق.

وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها: بسطناها.

وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ: جبالا ثوابت.

وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ: من كلّ صنف بَهِيجٍ : حسن.

تَبْصِرَةً وَذِكْرى‏ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ : راجع إلى ربّه، متفكّر في بدائع صنعه. وهما علّتان للأفعال المذكورة معنى وإن انتصبتا عن الفعل الأخير.

وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً: كثير المنافع.

و في الكافي ، بإسناده إلى محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في قوله- تعالى-: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً قال: ليس من ماء في الأرض إلّا وقد خالطه ماء السّماء.

فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ: أشجارا وأثمارا.

وَ حَبَّ الْحَصِيدِ : وحبّ الزّرع الّذي من شأنه أن يحصد، كالبرّ والشّعير.

وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ: طوالا: أو حوامل، من أبسقت الشّاة: إذا حملت، فيكون من أفعل، فهو فاعل.

و إفرادها بالذّكر لفرط ارتفاعها، وكثرة منافعها.و قرئ : «باصقات» لأجل القاف.

لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ : منضود بعضه فوق بعض، والمراد: تراكم الطّلع، أو كثرة ما فيه من الثّمر.

رِزْقاً لِلْعِبادِ: علّة «لأنبتنا». أو مصدر، فإنّ الإنبات رزق.

و في روضة الكافي ، بإسناده إلى محمّد بن عطيّة: عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: كانت السّماء رتقا لا تنزل المطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت الحبّ، فلمّا خلق اللَّه الخلق وبثّ فيها من كلّ دابّة فتق السّماء بالمطر والأرض بنبات الحبّ.

و بإسناده  إلى أبي الرّبيع الشّاميّ : عن أبي جعفر- عليه السّلام-: إنّ اللَّه  أهبط آدم إلى الأرض وكانت السّماء  رتقا لا تمطر شيئا وكانت الأرض رتقا لا تنبت شيئا، فلمّا تاب اللَّه- عزّ وجلّ- على آدم، أمر السّماء فتفطّرت  بالغمام ثمّ أمرها فأرخت عزاليها ، ثمّ أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثّمار تفهّقت  بالأنهار، فكان ذلك رتقها وهذا فتقها.

وَ أَحْيَيْنا بِهِ: بذلك الماء.

بَلْدَةً مَيْتاً: أرضا جدبة لا نماء فيها.

كَذلِكَ الْخُرُوجُ :، كما حييت هذه البلدة يكون خروجكم أحياء بعد موتكم.

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِ‏

في الكافي : بإسناده إلى هشام الصّيدنانيّ: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سأله رجل عن هذه الآية: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ.فقال بيده هكذا، فمسح إحداهما على الأخرى ، فقال: هنّ اللّواتي [باللّواتي‏] ، يعني: النساء بالنّساء.

و في مجمع البيان : وقيل: كان سحق النّساء في أصحاب الرّسّ. وروي ذلك عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.

وَ ثَمُودُ  وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ المراد بفرعون: هو وقومه، ليلائم ما قبله وما بعده.

وَ إِخْوانُ لُوطٍ : [سمّي قوم لوط]  إخوانه لأنّهم كانوا أصهاره.

وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ قد مرّ تفسير تلك الأصحاب كلّ في موضعه .

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: لم سمّي تبّع تبّعا؟

فقال: لأنّه كان  غلاما كاتبا، وكان يكتب لملك كان قبله، فكان إذا كتب كتب: بسم اللَّه الّذي خلق سبحا وريحا.

فقال الملك: اكتب وابدأ باسم ملك الرّعد.

فقال: لا أبدأ إلّا باسم إلهي، ثمّ أعطف على حاجتك.

فشكر اللَّه له ذلك، فأعطاه ملك ذاك الملك، فتابعه النّاس على ذلك فسمّي تبعا.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى عمر بن أبان: عن أبان رفعه، أنّ تبّعا  قال في شعره :

         حتى أتاني من قريظة عالم             حبر  لعمرك في اليهود مسود         قال ازدجر عن قرية  محجوبة             لنبيّ مكّة من قريش مهتدي

         فعفوت عنهم عفو غير يثرب              وتركتهم لعقاب يوم سرمد

         وتركتها للَّه أرجو عفوه             يوم الحساب من الجحيم الموقد

         ولقد تركت له بها من قومنا             نفرا أولي حسب وبأس  يحمد

         نفرا يكون النصر  في أعقابهم             أرجو بذاك ثواب نصر  محمّد

         ما كنت أحسب أنّ بيتا ظاهرا             للَّه في بطحاء مكّة  يعبد

         قالوا بمكّة بيت مال داثر             وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد

         فأردت أمرا حال ربّي دونه             واللَّه يدفع عن خراب المسجد

         فتركت ما أمّلته فيه لم             وتركتهم مثلا لأهل المشهد

 قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: وقد أخبر أنّه سيخرج من هذه، يعني: مكّة، نبيّ يكون مهاجرته إلى يثرب، فأخذ قوما من اليمن فأنزلهم مع اليهود لينصروه إذا خرج، وفي ذلك قال شعرا:         شهدت على أحمد أنّه              رسول من اللَّه بارئ النسم‏

         فلو مدّ عمري إلى عمره             لكنت وزيرا له وابن عمّ‏

         وكنت عذابا على المشركين             أسقيهم  كأس حتف وغمّ‏

و بإسناده  إلى الوليد بن صبيح: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ تبّعا قال للأوس والخزرج: كونوا هاهنا حتى يخرج هذا النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-. أما أنا فلو أدركته، لخدمته ولخرجت معه.

كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ، أي: كلّ واحد منهم، أو قوم منهم، أو جميعهم.

و إفراد الضّمير، لإفراد لفظه.

فَحَقَّ وَعِيدِ : فوجب وحلّ عليه وعيدي. وفيه تسلية للرّسول وتهديد لهم.

أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ: أ فعجزنا عن الإبداء حتّى نعجز عن الإعادة. من عيي بالأرض: إذا لم يهتد لوجه علمه.

و «الهمزة» فيه للإنكار.

بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ .

قيل : أي: هم لا ينكرون قدرتنا على الخلق الأوّل، بل هم في خلط وشبهة في خلق مستأنف لما في من مخالفة العادة.

و تنكير الخلق الجديد لتعظيم شأنه، والإشعار بأنه على وجه غير متعارف ولا معتاد.

و في كتاب الخصال : عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث‏طويل، يقول فيه: لعلّكم ترون أنّه إذا  كان يوم القيامة وصيّر اللَّه أبدان أهل الجنّة مع أرواحهم في الجنّة، وصيّر اللَّه أبدان أهل النّار مع أرواحهم في النّار، أنّ اللَّه- عزّ وجلّ- لا يعبد في بلاده، ولا يخلق خلقا يعبدونه ويوحّدونه ويعظّمونه؟ بلى، واللَّه، ليخلقنّ خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحّدونه ويعظّمونه، ويخلق لهم أرضا تحملهم وسماء تظلّهم، أ ليس اللَّه- عزّ وجل- يقول : يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ .

و قال: أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى عمرو بن شمر: عن جابر بن يزيد قال:

سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللَّه- تعالى-: أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ.

قال: يا جابر، تأويل ذلك: أنّ اللَّه إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم وأسكن أهل الجنة الجنّة وأهل النّار النّار، جدّد اللَّه عالما غير هذا العالم، وجدّد خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحّدونه، وخلق لهم أرضا غير هذه الأرض تحملهم وسماء غير هذه السّماء تظلّهم. لعلّك ترى أن اللَّه إنّما خلق هذا العالم الواحد، أو  ترى أنّ اللَّه لم يخلق بشرا غيركم؟

بلى، واللَّه، لقد خلق ألف ألف عالم وألف ألف آدم، أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميّين.

وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ: ما تحدثه به نفسه، وهو ما يخطر بالبال.

و «الوسوسة» الصّوت الخفيّ. ومنها وساوس الحليّ.

و الضّمير «لما» إن جعلت موصولة، و«الباء» مثلها في: صوّت بكذا. أو للإنسان إن جعلت مصدريّة، والباء للتّعدية.

و في شرح الآيات الباهرة : وروى محمّد بن جمهور، عن فضالة، عن أبان، عن عبد الرحمن، عن ميسر، عن بعض آل محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- في قوله:وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ قال: هو الأول.

وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ : أي: ونحن أعلم بحاله ممّن كان أقرب إليه من حبل الوريد.

تجوّز بقرب الذّات لقرب العلم، لأنّه موجبه.

و حبل الوريد مثل في القرب، قال:

         والموت أدنى لي من  الوريد

 

 و«الحبل» العرق، وإضافته للبيان. و«الوريدان» عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدّمها، متصلان بالوتين  يردان من الرأس إليه.

و قيل : سمي وريدا، لأنّ الرّوح ترده.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، رفعه، عن محمّد بن مسلم قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- فقال له: رأيت ابنك موسى يصلّي والنّاس يمرّون بين يديه فلا ينهاهم، وفيه ما فيه! فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: ادعوا لي موسى.

فدعي، فقال: يا بنيّ، إنّ أبا حنيفة يذكر أنّك كنت صلّيت والنّاس يمرّون بين يديك فلم تنههم .

فقال: [نعم‏]  يا أبت، إنّ الّذي كنت أصلّي له كان أقرب إليّ منهم، يقول اللَّه- عزّ وجل-: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ.

قال: فضمّه أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- إلى نفسه، ثمّ قال: بأبي أنت وأمّي، يا مستودع  الأسرار.

و هذا تأديب منه- عليه السّلام- لا أنّه ترك الفض.

إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ: مقدّر «با ذكر». أو متعلّق «بأقرب»، أي: هو أعلم بحاله من كلّ قريب حين يتلقى، أي: يتلقّى الحفيظان ما يتلفّظ به.و فيه إيذان بأنّه غنيّ عن استحفاظ الملكين، فإنّه أعلم منهما ومطلع على ما يخفى عليهما، لكنّه لحكمة اقتضته، وهي ما فيه من تشديد تثبّط العبد عن المعصية، وتأكيد في اعتبار الأعمال وضبطها للجزاء، وإلزام الحجّة يوم يقوم الأشهاد.

عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ، أي: عن اليمين قعيد وعن الشّمال قعيد، أي: مقاعد، كالجليس، فحذف الأول لدلالة الثّاني عليه، كقوله:

         وإنّي وقيّار بها لغريب‏

 

 وقيل : يطلق الفعيل للواحد والمتعدّد، كقوله: وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ.

ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ: ما يرمي به من فيه.

إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ: ملك يرقب عمله.

عَتِيدٌ : معدّ حاضر، يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب.

و في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس، فصل فيما يذكر من كتاب «قصص القرآن وأسباب نزول آثار القرآن»  تأليف الهيثم  بن محمّد بن الهيثم  النيسابوريّ، فصل في ذكر الملكين الحافظين: دخل عثمان بن عفّان على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وقال: أخبرني عن العبد كم معه من ملك ؟

قال: ملك على يمينك على حسناتك وواحد على الشّمال، فإذا عملت حسنة كتب عشرا، وإذا عملت سيّئة قال الّذي على الشّمال للّذي على اليمين: أكتب؟

قال: لعلّه يستغفر اللَّه ويتوب. فإذا قال ثلاثا قال: نعم، اكتب أراحنا  اللَّه منه فبئس القرين ، وما أقلّ مراقبته للَّه- عزّ وجلّ- وأقلّ استحياءه منّا ! يقول اللَّه- عزّ وجلّ-: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ.

و ملكان بين يديك ومن خلفك، [يقول اللَّه :لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ‏] .

و ملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت للَّه رفعك، وإذا تجبّرت [على اللَّه وضعك اللَّه و]  فضحك.

و ملكان على شفتيك ليس  يحفظان  عليك إلّا الصّلاة  على محمّد [و آله‏] .

و ملك قائم على فيك لا يدع أن تداف  الحيّة في فيك.

و ملكان على عينيك، فهذه عشرة أملاك على كلّ آدميّ. يعدّ أن ملائكة اللّيل على ملائكة النّهار، لأنّ ملائكة اللّيل سوى ملائكة النّهار. فهؤلاء عشرون ملكا  على كلّ آدميّ، وإبليس بالنّهار وولده باللّيل، قال اللَّه : وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (الآية) وقال- تعالى-: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ (الآية).

و فيه- أيضا-  بعد أن ذكر ملكي اللّيل وملكي النّهار: وفي رواية أنّهما يأتيان المؤمن عند حضور صلاة الفجر، فإذا هبطا صعد الملكان الموكّلان باللّيل، فإذا غربت الشّمس نزل إليه [الملكان‏]  الموكلان بكتابة الليل ويصعد  الملكان الكاتبان بالنّهار بديوانه إلى اللَّه، فلا يزال ذلك دأبهم إلى وقت حضور أجله.

فإذا حضر أجله، قالا للرّجل [الصّالح‏] : جزاك اللَّه من صاحب عنّا خيار، فكم من عمل صالح أريتناه ، وكم من قول حسن أسمعتناه ، وكم من مجلس خير أحضرتناه، فنحن اليوم على ما تحبّه وشفعاء إلى ربّك. وإن كان عاصيا، قالا له: جزاك اللَّه من صاحب عنّا شرا، فلقد كنت تؤذينا، فكم من عمل سيئ أريتناه ، وكم من‏قول سيّئ أسمعتناه ، وكم  من مجلس سوء أحضرتناه، ونحن اليوم لك على ما تكره وشهيدان عند ربّك.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: ما من قلب إلّا وله أذنان، على إحداهما ملك مرشد وعلى الأخرى شيطان مفتّن، هذا يأمره وهذا يزجره، الشّيطان يأمره بالمعاصي والملك يزجره عنها. وهو قول اللَّه- عزّ وجلّ-: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد اللَّه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ المؤمنين إذا قعدا يتحدّثان قالت الحفظة بعضها لبعض: اعتزلوا بنا فلعلّ لهما سرا وقد ستر اللَّه عليهما.

فقلت: أ ليس اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ؟

فقال: يا إسحاق، إن كانت الحفظة لا تسمع، فإنّ عالم السّرّ يسمع ويرى.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله- عليه السّلام- قال: إنّ المؤمنين إذا اعتنقا غمرتهما الرّحمة، فإذا التزما لا يريدان بذلك إلّا وجه اللَّه ولا يريدان غرضا من أغراض الدّنيا قيل لهما: مغفورا لكما، فاستأنفا. فإذا أقبلا على المساءلة [قالت الحفظة]  بعضها لبعض: تنحّوا عنهما، فإنّ لهما سرا وقد ستر اللَّه عليهما.

قال إسحاق: فقلت: جعلت فداك، فلا يكتب عليهما لفظهما وقد قال اللَّه- عزّ وجلّ-: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ؟

قال: فتنفّس أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- الصّعداء ، ثمّ بكى حتّى اخضلّت دموعه لحيته، وقال: يا إسحاق، إن اللَّه- تعالى- إنّما أمر الملائكة أن تعتزل  عن المؤمنين‏إذا التقيا إجلالا لهما، وإنّه وإن كانت [الملائكة]  لا تكتب لفظهما ولا تعرف كلامهما فإنّه يعرفه ويحفظه عليهما عالم السّرّ وأخفى.

و في جوامع الجامع : وعن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: كاتب الحسنات على يمين الرّجل وكاتب السّيّئات على شماله ، وصاحب اليمين أمير على صاحب الشّمال.

فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا. وإذا عمل سيّئة، قال صاحب اليمين لصاحب الشّمال: دعه سبع ساعات، لعلّه يسبّح أو يستغفر.

و في مجمع البيان : عن أبي امامة، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: إنّ صاحب الشّمال ليرفع القلم ستّ ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسي‏ء، فإن ندم واستغفر [اللَّه‏]  منها، ألقاها وإلّا كتب واحدة.

و عن أنس بن مالك  قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ اللَّه وكلّ بعبده ملكين يكتبان عليه، فإذا مات قالا: يا ربّ، قد قبضت عبدك فلانا فإلى أين؟

 

قال: سمائي مملوءة بملائكتي يعبدونني وأرضي مملوءة من خلقي يطيعونني، اذهبا إلى قبر عبدي فسبّحاني وكبّراني وهلّلاني واكتبا  ذلك في حسنات عبدي.

وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ: لمّا ذكر استبعادهم البعث للجزاء، وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه ، أعلمهم بأنّهم يلاقون ذلك عن قريب عند الموت وقيام السّاعة، ونبّه على اقترابه بأن عبّر عنه بلفظ الماضي.

و «سكرة الموت» شدّته الذّاهبة بالعقل، و«الباء» للتّعدية، كما في قولك: جاء زيد بعمرو، والمعنى: وأحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر، أو الموعود الحقّ، أو الحقّ الّذي ينبغي أن يكون من الموت، أو الجزاء فإن الإنسان خلق له. أو مثل الباء في تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ .و قرئ : «سكرة الحقّ بالموت» على أنّها لشدّتها اقتضت الزّهوق، أو لاستعقابها له، كأنّها جاءت به، أو على أنّ «الباء» بمعنى: «مع».

و قيل : «سكرة الحقّ» سكرة اللَّه، وإضافتها إليه للتّهويل.

و في مجمع البيان : في الشّواذّ: «و جاءت سكرة الحقّ بالموت». وهي قراءة سعيد بن جبير [و طلحة] ، ورواها أصحابنا عن أئمّة الهدى.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ قال: نزلت «و جاءت سكرة الحقّ بالموت».

ذلِكَ، أي: الموت.

ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ : تميل وتفرّ عنه. والخطاب للإنسان.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ قال : نزلت في الأول .

وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ، يعني: نفخة الصّور .

ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ، أي: وقت ذلك يوم تحقق الوعيد وإنجازه.

و الإشارة إلى مصدر «نفخ».

وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ .

قيل : ملكان: أحدهما يسوقه، والاخر يشهد بعمله. أو ملك جامع للوصفين.

و قيل : السّائق كاتب السّيّئات، والشّهيد كاتب الحسنات.

و قيل : السّائق نفسه أو قرينه، والشّهيد جوارحه وأعماله.

و محلّ «معها» النّصب على الحال من «كلّ» لإضافته إلى ما هو في حكم المعرفة .و في نهج البلاغة : ف كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ سائق يسوقها إلى محشرها، وشاهد يشهد عليها بعملها.

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن أبي الجهم، عن أبي خديجة قال: قال لي أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: كم بينك وبين البصرة؟

قلت: في الماء خمس إذا طابت الرّيح، وعلى الظّهر ثمان ونحو ذلك.

فقال: ما أقرب هذا! تزاوروا وتعاهدوا  بعضكم بعضا، فإنّه لا بدّ يوم  [القيامة]  من أن يأتي كلّ إنسان بشاهد يشهد له على دينه‏

 (الحديث).

و في من لا يحضره الفقيه : وفي رواية السّكونيّ قال: قال عليّ- عليه السّلام-:

ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلّا قال له ذلك اليوم: أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد، فافعل فيّ خيرا واعمل فيّ خيرا أشهد به لك يوم القيامة، فإنك لن تراني بعد هذا أبدا.

و في شرح الآيات الباهرة : روى الحسن بن أبي الحسن الديلميّ، بإسناده، عن رجاله، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ- : وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ قال: السّائق أمير المؤمنين- عليه السّلام-. والشّهيد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا: على إضمار القول. والخطاب لكلّ نفس إذ ما من أحد إلّا وله اشتغال ما عن الآخرة، أو للكافر.

فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ.

 «الغطاء» الحاجب لأمور المعاد، وهو الغفلة، والانهماك في المحسوسات والالف بها وقصور النظر عليها.

فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ : نافذ، لزوال المانع للإبصار.

و قيل : الخطاب للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-. والمعنى: كنت في غفلة من أمرالدّيانة، فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي وتعليم  القرآن، فبصرك اليوم حديد ترى ما لا يرون وتعلم ما لا يعلمون.

و يؤيّد الأول قراءة  من كسر التّاء والكافات، على خطاب النفس.

وَ قالَ قَرِينُهُ: الملك الموكل عليه هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ : هذا ما هو مكتوب عندي حاضر لديّ. أو الشّيطان الّذي قيّض له: هذا ما عندي وفي ملكتي عتيد لجهنّم، هيّأته لها بإغوائي له وإضلالي.

و «ما» إن جعلت موصوفة «فعتيد» صفتها. وإن جعلت موصولة فبدلها، أو خبر بعد خبر، أو خبر محذوف .

أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ قيل : خطاب من اللَّه للسّائق والشّهيد، أو لملكين من خزنة النّار، أو لواحد.

و تثنية الفاعل منزّل منزلة تثنية الفعل، وتكريره كقوله:

         فإن تزجراني يا ابن عفّان أنزجر             وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا

 أو «الألف»  بدل من نون التّأكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف، ويؤيّده أنّه قرئ : «ألقين» بالنّون الخفيفة.

عَنِيدٍ : معاند للحقّ.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَقالَ قَرِينُهُ، أي: شيطانه، وهو الثّاني  هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ. وقوله: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ  عَنِيدٍ مخاطبة للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- وعليّ- عليه السّلام-. وذلك قول الصّادق- عليه السّلام-: عليّ قسيم الجنّة والنّار.و بإسناده  إلى عبيد بن يحيى: عن محمّد بن عليّ بن الحسين ، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- في قوله: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إن اللَّه إذا جمع النّاس يوم القيامة في صعيد واحد كنت أنا وأنت يومئذ عن يمين العرش، ثم يقول اللَّه- تبارك وتعالى- لي ولك:

قوما ، ألقيا  من أبغضكما وكذّبكما في النّار.

و حدّثني  أبي، عن أبي عبد اللَّه بن  المغيرة الخزّاز ، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقول: إذا سألتم اللَّه فاسألوه لي الوسيلة. [و ذكر- صلوات اللَّه عليه وآله- الوسيلة]  وصفتها، وهو حديث طويل، وفي آخره: فبينما أنا كذلك إذا بملكين  قد أقبلا إليّ، أمّا أحدهما فرضوان خازن الجنّة وأما الآخر فمالك خازن النّار، فيدنو إليّ رضوان ويسلّم عليّ.

فيقول: السلام عليك، يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فأردّ عليه السلام، وأقول:

أيها الملك الطيب الريح الحسن الوجه الكريم على ربّه من انت؟ فيقول: انا رضوان خازن الجنة، أمرني ربّي أن آتيك بمفاتيح الجنّة، فخذها يا محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-.

فأقول: قد قبلت ذلك من ربّي، وله الحمد على ما أنعم به عليّ، ادفعها إلى أخي، عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

فيدفعها إلى عليّ ويرجع رضوان، ثمّ يدنو مالك خازن النّار فيسلّم عليّ، ويقول: السّلام عليك، يا حبيب اللَّه.

فأقول له: وعليك السّلام، أيّها الملك، ما أنكر رؤيتك وأقبح وجهك من أنت؟

فيقول: أنا مالك خازن  النّار، أمرني ربّي أن آتيك بمفاتيح النّار.

فأقول قد قبلت ذلك من ربّي، فله الحمد على ما أنعم به عليّ وفضّلني به،ادفعها إلى أخي، عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

فيدفعها إليه ثمّ يرجع، ويقبل عليّ- عليه السّلام- ومعه مفاتيح الجنّة ومقاليد النّار حتّى يقعد  على شفير جهنّم ويأخذ زمامها بيده، وقد علا  زفيرها واشتد حرّها وكثر شرارها، فتنادي جهنّم: يا عليّ- عليه السّلام- جزني، فقد أطفأ نورك لهبي.

فيقول لها عليّ: قرّي، يا جهنّم، وذري هذا وليّي وخذي هذا عدوّي. فلجهنّم يومئذ أشدّ مطاوعة لعليّ من غلام أحدكم لصاحبه، فإن شاء يذهب به يمنة وإن شاء يذهب به يسرة، ولجهنّم يومئذ أشدّ مطاوعة لعليّ- عليه السّلام- فيما يأمرها به من جميع الخلائق، وذلك أنّ عليّا يومئذ قسيم الجنّة والنّار.

و في مجمع البيان : وروى أبو القاسم الحسكانيّ، بالإسناد، عن الأعمش أنّه قال: حدّثنا أبو المتوكّل التّاجر ، عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إذا كان يوم القيامة يقول اللَّه- تعالى- لي ولعليّ- عليه السّلام-: ألقيا في النّار من أبغضكما وأدخلا الجنّة من أحبّكما، وذلك قوله: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ.

و في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يقول اللَّه يوم القيامة لي ولعليّ- عليه السّلام-: أدخلا الجنّة من أحبّكما وأدخلا النّار من أبغضكما، وذلك قوله- تعالى-: أَلْقِيا (الآية) .

و بإسناده ، قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في قوله- تعالى-: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ قال: نزلت في وفي عليّ- عليه السّلام-، وذلك أنّه إذا كان يوم القيامة شفّعني ربّي وشفّعك، يا عليّ، وكساني وكساك، يا عليّ.

ثم قال لي ولك، يا عليّ: ألقيا في جهنّم من أبغضكما وأدخلا الجنّة كلّ من أحبّكما.

قال: ذلك هو المؤمن.

و في شرح الآيات الباهرة : روى بحذف الإسناد، عن محمّد بن حمران قال:سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ.

فقال: إذا كان يوم القيامة وقف محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- وعليّ على الصّراط، فلا يجوز عليه إلّا من كان معه براءة.

قلت: وما براءته؟

قال ولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- والأئمّة من ولده، وينادي مناد:

يا محمّد يا عليّ أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ بنبوّتك عَنِيدٍ لعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وولده.

و روى محمّد بن العبّاس : عن أحمد بن هوذة  الباهلي، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللَّه بن حمّاد، عن شريك قال: بعث إلينا الأعمش وهو شديد المرض فأتيناه، وقد اجتمع عنده أهل الكوفة وفيهم أبو حنيفة وابن قيس الماصر .

فقال لابنه: يا بنيّ، أجلسني. فأجلسه، فقال: يا أهل الكوفة، إنّ أبا حنيفة وابن قيس الماصر  أتياني فقالا: إنّك قد حدّثت في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- أحاديث فارجع عنها فإنّ التّوبة مقبولة ما دامت الرّوح في البدن.

فقلت لهما: مثلكما يقول لمثلي هذا، أشهدكم يا أهل الكوفة، فإنّي في آخر يوم من أيّام الدّنيا وأول يوم من أيّام الآخرة، إنّي سمعت عطاء بن رياح يقول: سألت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عن قول اللَّه أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أنا وعلىّ نلقي في جهنّم كلّ من عادانا.

فقال أبو حنيفة لابن قيس: قم بنا لا يجي‏ء ما هو أعظم من هذا. فقاما وانصرفا.

و روي  بحذف الاسناد عن عبد اللَّه بن مسعود أنه قال: دخلت على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فسلّمت، وقلت: يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أرني الحقّ أنظر إليه عيانا .

فقال: يا ابن مسعود، لج المخدع  فانظر ما ذا ترى؟قال: فدخلت، فإذا  عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- راكعا وساجدا، وهو يخشع في ركوعه وسجوده ويقول: اللّهمّ، بحقّ محمّد نبيّك إلّا ما غفرت للمذنبين من شيعتي. فخرجت لأخبر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بذلك، فوجدته راكعا وساجدا، وهو يخشع في ركوعه وسجوده يقول: اللّهمّ، بحقّ عليّ وليّك إلّا ما غفرت للمذنبين من أمّتي.

فأخذني الهلع، فأوجز- صلّى اللَّه عليه وآله- في صلاته وقال: يا ابن مسعود، أ كفر بعد إيمان؟

فقلت: لا وعيشك، يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- غير أنّي نظرت إلى عليّ- عليه السّلام- وهو يسأل اللَّه بجاهك، ونظرت إليك وأنت تسأل اللَّه بجاهه، فلا أعلم أيّكما أوجه عند اللَّه من الآخر؟

فقال: يا ابن مسعود، إنّ اللَّه خلقني وخلق عليّا والحسن والحسين- عليهم السّلام- من نور قدسه، فلمّا أراد أن ينشئ الصّنعة فتق نوري وخلق منه السّموات والأرض، وأنا، واللَّه، أجلّ من السّموات والأرض. وفتق نور عليّ- عليه السّلام- وخلق منه العرش والكرسيّ، وعليّ واللَّه، أجلّ من العرش والكرسيّ [و فتق نور الحسن‏]  وخلق منه الحور العين والملائكة ، والحسن، واللَّه، أجلّ من الحور العين والملائكة. وفتق نور الحسين وخلق منه اللّوح والقلم، والحسين، واللَّه، أجلّ من اللّوح والقلم.

فعند ذلك أظلمت المشارق والمغارب، فضجّت الملائكة ونادت: إلهنا وسيّدنا، بحقّ الأشباح الّتي خلقتها إلا ما فرّجت عنّا هذه الظلمة. فعند ذلك تكلّم اللَّه بكلمة أخرى، فخلق منها روحا، فاحتمل النّور الرّوح فخلق منه الزّهراء، فاطمة، فأقامها أمام العرش، فأزهرت المشارق والمغارب، فلأجل ذلك سمّيت الزّهراء.

فقال : يا ابن مسعود، إذا كان يوم القيامة يقول اللَّه لي ولعليّ- عليه السّلام-:أدخلا الجنة من أحببتما ، وألقيا في النّار  من أبغضتما ، والدليل على ذلك قوله:

أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ.

فقلت: يا رسول اللَّه، من الكفّار العنيد ؟

قال: «الكفّار» من كفر بنبوّتي، و«العنيد» من عاند عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ قيل : كثير المنع للمال عن الحقوق المفروضة.

و قيل : المراد بالخير: الإسلام، فإن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة لما منع بني أخيه عنه.

مُعْتَدٍ مُرِيبٍ : شاكّ في اللَّه وفي دينه.

الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ: مبتدأ متضمّن معنى الشّرط، وخبره فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ . أو بدل من «كلّ كفّار»، فيكون «فألقياه» تكريرا للتّوكيد، أو مفعول لمضمر يفسّره «فألقياه».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : [و أمّا قوله: «منّاع للخير»]  قال: المنّاع الثّاني، والخير ولاية عليّ- عليه السّلام- وحقوق آل محمّد- صلوات اللَّه عليهم-. ولمّا كتب الأوّل كتاب فدك بردّها على فاطمة، منعه  الثّاني، فهو مُعْتَدٍ مُرِيبٍ، الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ. قال: هو ما قالوا: نحن كافرون بمن جعل لكم الإمامة والخمس.

قالَ قَرِينُهُ، أي: الشيطان المقيّض له.

و إنّما استؤنفت، كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التّقاول، فإنّه جواب لمحذوف دلّ عليه رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ، كأنّ الكافر قال: هو أطغاني، فقال قرينه:

ربّنا، ما أطغيته. بخلاف الأولى فإنّها واجبة العطف على ما قبلها، للدّلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول، أعني: مجيئ كلّ نفس مع الملكين وقول قرينه.وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ : فأعنته عليه. فإنّ إغواء الشّيطان إنّما يؤثر فيمن كان مختلّ الرأي مائلا إلى الفجور، كما قال : وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي.

قالَ، أي: اللَّه.

لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ، أي: في موقف الحساب، فإنه لا فائدة فيه. وهو استئناف مثل الأولى.

وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ : على الطّغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي، فلم يبق لكم حجّة.

و هو حال فيه تعليل للنّهي، أي: لا تختصموا عالمين بأنّي أوعدتكم. والباء مزيدة، أو معدّية، على أنّ «قدّم» بمعنى: تقدّم.

و يجوز أن يكون «بالوعيد» حالا والفعل واقعا على قوله: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، أي: بوقوع الخلف فيه، فلا تطمعوا أن أبدّل وعيدي. وعفو بعض المذنبين لبعض الأسباب ليس من التّبديل، فإن دلائل العفو تدلّ على تخصيص الوعيد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وأما قوله: قالَ قَرِينُهُ، أي: شيطانه، وهو الثّاني  رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ، يعني: الأوّل  وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ. فيقول [اللَّه لهما] : لا تَخْتَصِمُوا- إلى قوله- : ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، [أي: ما فعلتم‏]  لا يبدّل حسنات ، ما وعدته لا أخلفه.

وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ : فأعذب من ليس لي تعذيبه.

و في من لا يحضره الفقيه : وروي عن زيد بن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- أنّه قال: [سألت‏]  أبي، سيّد العابدين - عليه السّلام- فقلت له: يا أبت، أخبرني عن جدّنا، رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا عرج به إلى السّماء [و أمره ربّه- عزّ وجلّ-] بخمسين صلاة، كيف لم يسأله التّخفيف عن أمّته حتّى قال له موسى بن عمران: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك؟

فقال: يا بنيّ، إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لا يقترح على ربّه ولا يراجعه في شي‏ء يأمره به، فلمّا سأله موسى ذلك، وصار شفيعا لأمّته إليه، لم يجز ردّ شفاعة أخيه، موسى، فرجع إلى ربّه يسأله التّخفيف إلى أن ردّها إلى خمس صلوات.

 [قال: فقلت له: يا أبت، فلم لم يرجع إلى ربّه- عزّ وجلّ- ولم يسأله التخفيف من خمس صلوات‏]  وقد سأله موسى أن يرجع إلى ربّه ويسأله التّخفيف؟

فقال: يا بنيّ، أراد أن يحصل لأمّته التّخفيف مع أجر خمسين صلاة لقول اللَّه - عزّ وجلّ-: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها. ألّا ترى أنّه لمّا هبط إلى الأرض نزل عليه جبرئيل فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرئك السّلام ويقول: إنّها خمس بخمسين ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ

 (الحديث).

يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ : سؤال وجواب جي‏ء بهما للتّخييل والتّصوير، والمعنى: أنّها مع اتّساعها تطرح فيها الجنّة والنّاس فوجا فوجا حتّى تمتلئ لقوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ. أو أنّها من السّعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد فراغ. أو أنّها من شدّة زفيرها وحدّتها وتشبّثها بالعصاة كالمستكثرة لهم، والطّالبة لزيادتهم.

و قرأ  نافع وأبو بكر : «يقول» بالياء.

و «المزيد» إمّا مصدر، كالمجيد، أو مفعول: كالمبيع.

و «يوم» مقدّر «با ذكر». أو ظرف «لنفخ»، فيكون «ذلك» إشارة إليه، فلا يفتقر إلى تقدير مضاف.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قال: هو استفهام، لأنّ اللَّه وعد النّار  أن يملأها فتمتلئ النّار. ثمّ يقال لها:هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ على حدّ الاستفهام ، أي: ليس فيّ مزيد.

قال فتقول الجنّة: يا ربّ، وعدت النّار أن تملأها ووعدتني أن تملأني، [فلم لم تملأني‏]  وقد ملأت النّار؟

قال: فيخلق اللَّه يومئذ خلقا فيملأ بهم الجنّة.

فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: طوبى لهم، إنّهم لم يروا غموم الدّنيا وهمومها.

و في مجمع البيان : وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ويجوز أن يكون تطلب الزّيادة على أن يزاد في سعتها، كما جاء عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قيل له يوم فتح مكّة: ألا تنزل دارك؟

فقال- عليه السّلام-: وهل ترك لنا عقيل من دار؟ [لأنّه كان‏]  قد باع دور بني هاشم لمّا خرجوا إلى المدينة. فعلى هذا يكون المعنى: وهل بقيت زيادة.

 (انتهى) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ: قربت لهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في قوله: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ، أي: زيّنت.

غَيْرَ بَعِيدٍ : مكانا غير بعيد.

و يجوز أن يكون حالا، وتذكيره لأنّه صفة محذوف، أي: شيئا غير بعيد. أو على زنة المصدر. أو لأنّ الجنّة بمعنى البستان.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : «غير بعيد» قال:، بسرعة.

هذا ما تُوعَدُونَ: على إضمار القول، والإشارة إلى الثّواب. أو مصدر «أزلفت».

و قرأ  ابن كثير، بالياء.

لِكُلِّ أَوَّابٍ: رجّاع إلى اللَّه. بدل من «المتّقين» بإعادة الجارّ.

حَفِيظٍ : حافظ لحدوده.مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ : بدل بعد بدل. أو بدل من موصوف «أوّاب»، ولا يجوز أن يكون في حكمه لأن «من» لا يوصف به. أو مبتدأ خبره ادْخُلُوها على تأويل يقال لهم: ادخلوها، فإنّ «من» بمعنى الجمع.

و «بالغيب» حال من الفاعل أو المفعول. أو صفة لمصدر، أي: خشية ملتبسة بالغيب حيث خشي عقابه وهو غائب، أو العقاب بعد غيب، أو هو غائب عن الأعين لا يراه أحد.

و تخصيص «الرّحمن» للإشعار بأنّهم يرجون رحمته ويخافون عذابه، أو بأنّهم ذو خشية مع علمهم بسعة رحمته.

و وصف القلب، بالإنابة، إذ الاعتبار رجوعه إلى اللَّه.

بِسَلامٍ: سالمين من العذاب، وزوال النّعمة. أو مسلّما عليكم من اللَّه وملائكته.

و في عوالي الّلآلي : وقال- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا دخل المدينة عند هجرته:

أيّها النّاس، أفشوا السّلام وصلوا الأرحام وأطعموا الطّعام وصلّوا باللّيل والنّاس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.

ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ : يوم تقرير الخلود، كقوله : فَادْخُلُوها خالِدِينَ.

لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ : وهو ما لا يخطر ببالهم، ممّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ قال:

النّظر إلى رحمة اللَّه.

حدثني أبي ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ للَّه كرامة في عباده المؤمنين في كلّ يوم جمعة، فإذا كان يوم الجمعة بعث اللَّه إلى المؤمن  ملكا معه حلّتان، فينتهي إلى باب الجنّة فيقول: استأذنوا لي‏على فلان، فيقال له: هذا رسول ربّك على الباب.

فيقول لأزواجه: أيّ شي‏ء ترين عليّ أحسن؟

فيقلن: يا سيّدنا، والّذي أباحك بالجنة ، ما رأينا عليك [شيئا]  أحسن من هذا قد بعث إليك ربّك.

فيتّزر بواحدة ويتعطّف بالأخرى، فلا يمرّ بشي‏ء إلّا أضاء له حتّى ينتهي إلى الموعد، فإذا اجتمعوا تجلّى لهم الرّبّ، فإذا نظروا إليه، [أي‏]  إلى رحمته، خرّوا سجّدا.

فيقول: عبادي، ارفعوا رؤوسكم، ليس هذا يوم  سجود ولا عبادة قد رفعت عنكم المؤنة.

فيقولون: يا ربّ، وأيّ شي‏ء أفضل ممّا أعطيتنا؟ أعطيتنا  الجنّة.

فيقول: لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفا.

فيرجع المؤمن في كلّ جمعة بسبعين  [ضعفا]  مثل ما في يديه، وهو قوله:

وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ وهو يوم الجمعة، إنّها ليلة غرّاء ويوم أزهر، فأكثروا فيها من التّسبيح والتّهليل والتّكبير والثّناء على اللَّه والصّلاة على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

قال: فيمرّ المؤمن، فلا يمرّ بشي‏ء إلّا أضاء له حتّى ينتهي إلى أزواجه.

فيقلن: والّذي أباحنا الجنّة ، يا سيّدنا، ما رأينا  قطّ أحسن منك السّاعة! فيقول: إنّي قد نظرت إلى نور ربّي.

 (الحديث) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ: قبل قومك.

مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً: قوّة، كعاد وفرعون.

فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ: فخرّقوا في البلاد وتصرّفوا فيها، أو جالوا في الأرض كلّ مجال حذر الموت.

فالفاء على الأول للتّسبّب، وعلى الثّاني لمجرّد التّعقيب.

و أصل التّنقيب: التّنقير عن الشّي‏ء والبحث عنه.هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ، أي: لهم من اللَّه، أو الموت.

و قيل : الضّمير في «نقّبوا» لأهل مكة، أي: ساروا في أسفارهم في بلاد القرون، فهل رأوا لهم محيصا حتّى يتوقّعوا مثله لأنفسهم. ويؤيّده أنّه قرئ: «فنقّبوا» بالكسر، من النقب، وهو أن ينتقب  خفّ البعير، أي: أكثروا السّير حتّى نقبت أقدامهم، أو أخفاف مراكبهم.

إِنَّ فِي ذلِكَ، أي: فيما ذكر في هذه السّورة.

لَذِكْرى‏: لتذكرة.

لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ، أي: قلب واع يتفكّر في حقائقه.

و في تنكير القلب وإبهامه تفخيم، وإشعار بأنّ كلّ قلب لا يتفكر ولا يتدبّر [كلا قلب‏] .

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى عمرو بن شمر: عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء احذروا أن تغلبوا [عليها فتضلّوا]  في دينكم. أنا ذو القلب، يقول اللَّه- تعالى-:

إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في أصول الكافي : بعض أصحابنا رفعه، عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر- عليهما السّلام-: يا هشام، إن اللَّه يقول في كتابه: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ، يعني: عقل.

أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ، أي: أصغى لاستماعه.

وَ هُوَ شَهِيدٌ : حاضر بذهنه ليفهم معانيه. [أو شاهد بصدقه فيتّعظ بظواهره وينزجر بزواجره.

و في شرح الآيات الباهرة : جاء في تأويله حديث لطيف وخبر طريف‏]  وهوما نقله ابن شهر آشوب في كتابه مرفوعا، عن رجاله، عن ابن عبّاس أنه قال: أهدى رجل إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ناقتين عظيمتين سمينتين، فقال للصّحابة: هل فيكم أحد يصلي ركعتين بوضوئهما وقيامها وركوعهما وسجودهما [و خشوعهما]  ولم يهتمّ فيهما بشي‏ء من أمر الدّنيا ولا يحدّث قلبه بفكر الدّنيا، أهدي إليه إحدى هاتين النّاقتين.

فقالها مرّة ومرّتين وثلاثا، فلم يجبه أحد من أصحابه.

فقام إليه أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال: أنا، يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أصلّي ركعتين أكبّر التكبيرة  الأولى إلى أن أسلم منها لا أحدّث نفسي بشي‏ء من أمر الدّنيا.

فقال: يا علي صلّ ، صلّى اللَّه عليك [و آلك‏] .

قال: فكبّر أمير المؤمنين- عليه السّلام- ودخل في الصّلاة، فلمّا سلّم من الرّكعتين، هبط جبرئيل على النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: يا محمّد، إنّ اللَّه يقرئك السّلام ويقول لك: أعطه إحدى النّاقتين.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أنا شارطته على أن يصلّي ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه بشي‏ء من أمر الدّنيا أن أعطيه إحدى النّاقتين، وإنّه جلس في التشهّد فتفكر في نفسه أيّهما يأخذ؟

فقال جبرئيل: يا محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- إنّ اللَّه يقرئك السّلام ويقول لك:

تفكّر أيّهما يأخذ أسمنهما فينحرها في سبيل اللَّه ويتصدّق بها لوجه اللَّه، وكان تفكّره للَّه لا لنفسه ولا للدّنيا.

فبكى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأعطاه كلتيهما، فنحرهما وتصدّق بهما، فأنزل اللَّه فيه: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ

، يعني به: أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنه خاطب نفسه في صلاته للَّه، لم يتفكّر فيها بشي‏ء من أمر الدّنيا.

و هذا هو سبيل الإخلاص والعصمة، لم تتّفق هاتان الخصلتان في أحد من الصّحابة والقرابة إلّا فيه وفي المعصومين من بنيه. [- صلوات اللَّه وسلامه عليهم في كل‏زمان وما يليه، ما دار الفلك الجاري على مجاريه وسبّحه موحّدا هو والحلول فيه‏] .

وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ مرّ تفسيره مرارا.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى [عبد اللَّه بن‏]  يزيد بن سلام أنه سأل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أخبرني عن أول يوم خلق اللَّه.

قال: يوم الأحد.

قال: ولم سمّي يوم الأحد؟

قال: لأنّه واحد محدود.

قال: فالإثنين؟

قال: هو يوم الثّاني من الدّنيا.

قال: فالثلاثاء ؟

قال: الثّالث من الدّنيا.

قال: فالأربعاء؟

قال: اليوم الرّابع من الدّنيا.

قال: فالخميس؟

قال: هو يوم خامس من الدّنيا، وهو يوم أنيس لعن فيه إبليس ورفع فيه إدريس.

قال: فالجمعة؟

قال : هو يوم مجموع له النّاس، وذلك يوم مشهود، وهو شاهد ومشهود.

قال: فالسبت؟

قال : يوم مسبوت، وذلك قوله [- عزّ وجلّ- في القرآن‏] : وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ. فمن الأحد إلى الجمعة ستّة أيّام،و السّبت معطّل.

قال: صدقت، يا محمّد - صلّى اللَّه عليه وآله-

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ : من تعب وإعياء.

و هو ردّ لما زعمت اليهود، من أنّه بدأ خلق العالم يوم الأحد، وفرغ منه يوم الجمعة، واستراح يوم السّبت واستلقى على العرش.

و في أصول الكافي ، خطبة لعليّ- عليه السّلام- وفيها: أتقن ما أراد  خلقه من الأشياء  كلّها بلا مثال  سبق [إليه‏] ، ولا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه.

فَاصْبِرْ عَلى‏ ما يَقُولُونَ: ما يقول المشركون من إنكارهم البعث، فإن من قدر على خلق العالم بلا إعياء قدر على بعثهم والانتقام منهم. أو ما يقول اليهود من الكفر والتشبيه.

و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللَّه-: روي أنّ اليهود أتت النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فسألته عن خلق السّموات والأرض.

فقال: خلق اللَّه الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال وما فيهنّ يوم الثّلاثاء، وخلق يوم الأربعاء الشّجر والماء والمدائن والعمران والخراب، وخلق يوم الخميس السّماء، وخلق يوم الجمعة النّجوم والشّمس [و القمر]  والملائكة.

قالت اليهود: ثمّ ما ذا، يا محمّد؟

قال: ثم استوى على العرش.

قالوا: قد أصبت لو أتممت، قالوا: ثمّ استراح.

فغضب النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- غضبا شديدا، فنزلت: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ (الآية) .

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ،جميعا، عن القاسم بن محمّد الإصفهاني، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: عليك بالصّبر في جميع أمورك، فإن اللَّه بعث محمّدا [- صلّى اللَّه عليه وآله- بالصبر والرفق ... فصبر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-]  حتّى نالوه بالعظائم ورموه بها فضاق صدره، فأنزل اللَّه : وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. ثمّ كذّبوه ورموه فحزن لذلك، فأنزل اللَّه : قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ، وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى‏ ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا.

فألزم النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- نفسه الصّبر ، فتعدّوا فذكروا اللَّه وكذّبوه.

فقال: قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي، ولا صبر لي على ذكر إلهي.

فأنزل اللَّه- تعالى-: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلى‏ ما يَقُولُونَ. فصبر النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- في جميع أحواله.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ: ونزّهه عن العجز عمّا يمكن والوصف بما يوجب التّشبيه، حامدا له على ما أنعم عليك من إصابة الحقّ وغيرها.

قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ، يعني: الفجر والعصر، وقد عرفت فضيلة الوقتين.

و في مجمع البيان : وروي عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه سئل عن قوله:

وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ.

فقال: تقول حين تصبح وحين تمسي عشر مرّات: لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كلّ شي‏ء قدير.

و في كتاب الخصال : عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: عجّت الأرض إلى ربّها كعجيجها من ثلاثة: من دم حرام يسفك عليها، واغتسال من زنا، والنّوم عليها قبل طلوع الشّمس.و فيه ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب: واطلبوا الرّزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس، فإنّه أسرع في طلب الرّزق من الضّرب في الأرض، وهي السّاعة الّتي يقسّم اللَّه فيها الرّزق بين عباده.

وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ: فسبّحه بعض الليل.

وَ أَدْبارَ السُّجُودِ : وأعقاب الصّلاة. جمع، دبر.

و قرأ  الحجازيّان وحمزة [و خلف‏] ، بكسر الهمزة، من أدبرت الصّلاة: إذا انقضت.

و قيل : المراد بالتّسبيح: الصّلاة. [فالصّلاة]  قبل الطّلوع الصّبح، وقبل الغروب الظّهر والعصر، ومن اللّيل العشاءان والتّهجد، وأدبار السّجود النّوافل بعد المكتوبات. وقيل: الوتر بعد العشاء.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت: وَأَدْبارَ السُّجُودِ.

قال: ركعتان بعد المغرب.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر  قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- عن قول اللَّه: [وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ‏]  وَأَدْبارَ السُّجُودِ.

قال: أربع ركعات بعد المغرب.

و في قرب الإسناد  للحميريّ، بإسناده إلى إسماعيل بن عبد الخالق قال:

سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: الرّكعتين اللّتين بعد المغرب هما أدبار السّجود.

و

 

في مجمع البيان : وَأَدْبارَ السُّجُودِ فيه أقوال: أحدها، أنّ المراد به الرّكعتان بعد المغرب، وأدبار النّجوم الرّكعتان قبل الفجر عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-و الحسن بن عليّ، وعن ابن عبّاس مرفوعا إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و رابعها، أنّه الوتر من آخر اللّيل.

و روي ذلك عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.

وَ اسْتَمِعْ: لما أخبرك به من أحوال القيامة. وفيه تهويل وتعظيم للمخبر به.

يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ.

قيل : أي: إسرافيل، أو جبرئيل- عليهما السّلام-، فيقول: أيتها العظام [و الأوصال المنقطعة]  البالية  واللّحوم المتمزّقة [و الشعور المتفرّقة] ، إن اللَّه يأمركنّ أن تجتمعن لفصل القضاء.

مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ : بحيث يصل نداؤه إلى الكلّ على سواء. ولعلّه في الإعادة نظير «كن» في الإبداء.

و «يوم» نصب بما دلّ عليه يوم الخروج .

يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ: بدل عنه. و«الصّيحة» النّفخة الثّانية.

بِالْحَقِّ: متعلّق بالصّيحة، والمراد به: البعث للجزاء.

ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ : من القبور، وهو من أسماء يوم القيامة، وقد يقال للعبد .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ [مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ قال: ينادي المنادي‏]  باسم القائم واسم أبيه.

و قوله: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ قال: صيحة القائم من السّماء ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ قال: هي الرجعة.

 [حدثنا  أحمد بن إدريس قال: حدثنا محمّد بن أحمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ‏قال: هي الرّجعة] .

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ: في الدّنيا.

وَ إِلَيْنَا الْمَصِيرُ : للجزاء في الآخرة.

يَوْمَ تَشَقَّقُ: تتشقّق.

و قرأ  عاصم وحمزة والكسائيّ وأبو عمرو، بتخفيف الشّين.

الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً: مسرعين.

و في كتاب الخصال : عن جعفر بن محمّد- عليه السّلام-، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ- عليه السّلام-، عن النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال في وصيّة له: يا عليّ- عليه السّلام- إنّ اللَّه أعطاني فيك سبع خصال، أنت أول من ينشقّ عنه القبر معي.

 (الحديث)

عن الزّهريّ  قال: قال عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام-:

أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث ساعات: الساعة الّتي يعاين فيها ملك الموت، والسّاعة الّتي يقوم فيها من قبره.

 (الحديث)

عن عليّ بن موسى- عليه السّلام- الرّضا ، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا عليّ، سألت ربّي فيك خمس خصال فأعطاني، أمّا أوّلها فسألت ربّي أن أكون أول من تنشقّ عنه الأرض وأنفض التّراب عن رأسي وأنت معي.

 (الحديث) وفي تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال علي بن إبراهيم في قوله: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً قال: في الرّجعة.

و في تهذيب الأحكام ، بإسناده إلى عطيّة الأبزاريّ  قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: لا تمكث جثّة نبيّ [و لا وصيّ نبيّ‏]  في الأرض أكثر من أربعين يوما.و بإسناده  إلى زياد بن أبي الحلّال: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: ما من نبيّ ولا وصي يبقى في الأرض بعد موته أكثر من ثلاثة أيّام حتّى ترفع روحه وعظمه ولحمه إلى السّماء، وإنّما تؤتى مواضع آثارهم ويبلغهم السّلام من بعيد ويسمعونه  في مواضع آثارهم من قريب.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال الصّادق- عليه السّلام-: إنّ اللَّه أوحى إلى موسى: أن أخرج عظام يوسف من مصر.

 (الحديث)

و فيه ، في آخر زيارة أمير المؤمنين- عليه السّلام- متّصلا بزيارة الحسين- عليه السّلام-: وتصلّي عنده ست ركعات تسلّم في كلّ ركعتين، لأن في قبره عظام آدم وجسد نوح وأمير المؤمنين- عليهم السّلام-. ومن زار قبره فقد زار آدم ونوحا وأمير المؤمنين- عليهم السّلام- فتصلّي لكلّ زيارة ركعتين.

و طريق الجمع بين تلك الأخبار، أن يقال: رفع بعضهم بعد ثلاثة، وبعضهم بعد أربعين بحسب اختلاف مراتبهم، ثمّ ينزل بعد ما شاء اللَّه، ويؤتى  مواضع آثارهم في أوقات الرّفع.

و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللَّه-: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: لا تنشقّ الأرض عن أحد يوم القيامة إلّا وملكان آخذان  بضبعه، يقولان: أجب ربّ العزّة.

ذلِكَ حَشْرٌ: بعث وجمع.

عَلَيْنا يَسِيرٌ :

و تقديم الظّرف للاختصاص، فإنّ ذلك لا يتيسر إلّا على العالم القادر لذاته الّذي لا يشغله شأن عن شأن، كما قال: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ.

نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ: تسلية لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وتهديد لهم. وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ: بمسلّط تقسرهم على الإيمان. أو تفعل بهم ماتريد، وإنّما أنت داع.

فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ : فإنّه لا ينتفع غيره به.