الزكاة

[ كتاب الزكاة التي وجوبها من ضروريات الدين، ومنكره مع العلم به كافر، بل في جملة من الاخبار: أن مانع الزكاة كافر. ويشترط في وجوبها أمور: الاول: البلوغ (1)، فلا تجب على غير البالغ في تمام ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين المعصومين. كتاب الزكاة (1) أما في النقدين فلا خلاف فيه، وحكي عن جماعة كثيرة: دعوى الاجماع عليه، منهم الحلي، والعلامة، والشهيدان، وصاحب المدارك ويشهد له النصوص الكثيرة المتضمنة: (أنه ليس على مال اليتيم زكاة) (1) بضميمة ما دل من النصوص على بقاء اليتم إلى البلوغ (* 2)، وصحيح يونس ابن يعقوب: (أرسلت إلى أبي عبد الله (ع): إن لي إخوة صغارا، فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ قال (ع): إذا وجب عليهم الصلاة وجبت عليهم الزكاة). (* 3) ونحوه غيره. أما حديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم (* 4)، فانما يقتضي عدم وجوب إيتاء الزكاة عليه تكليفا، لا نفي

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة. (* 2) الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات. (* 3) الوسائل باب: 5 من ابواب من تجب عليه الزكاة. (* 4) الوسائل باب: 11 من ابواب مقدمة العبادات.

 

===============

 

( 4 )

 

ثبوتها في ماله وضعا، فما دل على ثبوتها محكم. وهو يقتضي وجوب إيتائها على الولي، كسائر حقوق الناس الثابتة في مال الصبي أو في ذمته. وأما في الغلات والمواشي فهو المشهور كما عن جماعة بل عن الرياض: أنه خيرة المتأخرين كافة، وجماعة من أعاظم القدماء. لاطلاق نفي الزكاة على مال اليتيم، المقدم على إطلاق كل ما دل على ثبوتها في الغلات وفي المواشي، وإن كان بينهما العموم من وجه. أولا: من جهة ظهوره بقرينة مناسبة الحكم والموضوع في أن عنوان اليتم من العناوين الاقتضائية للمنع. وثانيا: من جهة أن النسبة المذكورة هي بعينها النسبة بينه وبين ما دل على ثبوتها في النقدين، فيدور الامر بين تخصيص الجميع به وطرحه، وتخصيص أحدها بعينه دون غيره، والاول هو الذي يقتضيه الجمع العرفي بينها. وبعبارة أخرى: مرجع أدلة وجوب الزكاة في الانواع الثلاثة إلى دليل واحد فيها، ونسبة دليل نفي الزكاة في مال اليتيم إلى ذلك كنسبة الخاص إلى العام، فكما أنه لو قيل: (تجب الزكاة في النقدين والمواشي والغلات) ثم قيل: (لا تجب الزكاة في مال اليتيم) يجب تقييد الاول بالاخير بحمله على غير اليتيم، كذلك لو كانت الادلة منفصلة. ومجرد قيام دليل خاص على انتفاء الزكاة عن اليتيم في النقدين لا يوجب انقلاب الجمع العرفي المذكور إلى الجمع، بحمله على خصوص النقدين، والعمل باطلاق دليلي ثبوتها في الغلات والمواشي، فان ذلك لا يخرج عن كونه تقييدا من غير قرينة عليه، لكونهما معا نافيين بخلاف الجمع بتقييد الادلة الثلاثة به والعمل باطلاقه، كما لا يخفى على المتأمل. مع أنه لو سلم عدم كون الجمع المذكور عرفيا، فلا أقل من التساوي الموجب للتساقط والرجوع إلى أصالة عدم وجوب الزكاة. اللهم إلا أن يكون المرجع عموم مثل قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة..) (* 1).

 

 

____________

(* 1) التوبة: 103.

 

===============

 

( 5 )

 

[ الحول فيما يعتبر فيه الحول ولا على من كان غير بالغ في ] هذا مضافا إلى ما رواه الشيخ عن أبي بصير بطريق موثق بابن فضال عن أبي عبد الله (ع) أنه سمعه يقول: (ليس في مال اليتيم زكاة وليس عليه صلاة، وليس على جميع غلاته من نخل، أو زرع، أو غلة زكاة. وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة، ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة، وكان عليه مثل ما على غيره من الناس) (* 1) ورواه الكليني بطريق صحيح عن أبي بصير عنه (ع) هكذا: (ليس على مال اليتيم زكاة، وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة..) (* 2) إلى آخر ما ذكر بتفاوت يسير. وعن المقنعة والنهاية و الخلاف والمبسوط والوسيلة وغيرها: وجوب الزكاة فيهما، وعن الناصريات: أنه مذهب أكثر أصحابنا، وعن الخلاف: الاجماع عليه، والعمدة فيه: صحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) أنهما قالا: (ليس على مال اليتيم في الدين والمال الصامت شئ، فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة) (* 3). وفيه: أنه يمكن حمله على الاستحباب، بقرينة موثق أبي بصير السابق حملا للظاهر على الاظهر، مع أنه لا تعرض فيه للمواشي، فالخروج فيها عن إطلاق: (ليس على مال اليتيم زكاة) ليس له وجه ظاهر. وعدم القول بالفصل غير ثابت، وإن ادعى. ودعوى: أن ظاهر الصحيح المذكور بيان حكم الانواع الثلاثة من مال اليتيم، فاقتصاره في النفي على الدين والمال الصامت الذي هو الذهب والفضة قرينة على ثبوتها في المواشي كالغلات.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 11. (* 2) الوسائل باب: 1 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2 .

 

===============

 

( 6 )

 

[ بعضه، فيعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ (1). ] غير ظاهرة، ولم لا يجوز العكس؟ وبالجملة: بعد صراحة موثق أبي بصير بنفيها في الغلات، لا مجال للتوقف في نفيها فيها. ونفيها في المواشي أخف مؤونة. وإجماع الخلاف لايهم بعد وضوح الخلاف. فلا حظ. (1) كما عن جمع التصريح به، ونسب إلى ظاهر الاصحاب، بل ادعى نفي الخلاف الظاهر فيه. واستدل له: بأن مادل على أنه لا زكاة في مال اليتيم، ظاهر في أن مال اليتيم ليس موضوعا للزكاة، بل موضوعه مال البالغ، فيكون البلوغ شرطا في الموضوع. وظاهر مادل على اعتبار الحول، اعتبار حول الحول على ما هو موضوع لها، فلو بلغ الصبي في أثناء الحول لم تجب، لعدم مضي الحول على ما هو موضوعها. نعم لو كان مفاد أدلة النفي مجرد شرطية البلوغ للوجوب كسائر الشرائط، أشكل الحكم المذكور، إذ مع تحقق البلوغ في الاثناء يحصل الشرط للوجوب، فإذا تم الحول فقد حصل الشرط الآخر وثبتت الزكاة. لكن الظاهر منها الاول. ولعدم تماميته في نظر المحقق السبزواري، إستشكل في الحكم المشهور فقال في الذخيرة: (المستفاد من الادلة عدم وجوب الزكاة على الصبي ما لم يبلغ، وهو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه عليه، إذ لا يستفاد من أدلة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف..) لكن عليه يشكل الحكم بالنسبة إلى الاحوال الماضية التي بلغ بعدها، إذ المراد من حول الحول إن كان يعم ما قبل البلوغ، وجبت الزكاة بالبلوغ لما مضى من الاحوال، والتفكيك بين بعض المدة وتمامها كما ترى. وقد يستدل له بقوله (ع) في رواية أبي بصير المتقدمة: (فليس عليه لما مضى زكاة..) لشموله للحول التام والناقص يوما أو أياما. وفيه: أن الظاهر من (ما) خصوص الغلات التى لا تعتبر فيها الحول، بقرينة ما بعده

 

===============

 

( 7 )

 

[ وأما ما لا يعتبر فيه الحول من الغلات الاربع، فالمناط البلوغ قبل وقت التعلق (1)، وهو انعقاد الحب وصدق الاسم على ما سيأتي. الثاني: العقل (2)، فلا زكاة في مال المجنون في تمام ] من قوله (ع): (حتى يدرك)، فان الظاهر من الادراك بلوغ الحد الذي تجب عنده الزكاة. بل المتن المتقدم الذي رواه الشيخ كالصريح في ذلك، فلا يكون مما نحن فيه. ولو سلم فالظاهر من (ما) خصوص الحول التام، إذ الناقص لا تجب فيه الزكاة حتى مع البلوغ، ولا خصوصية لليتم فيه، وظاهر الحديث بيان خصوص أحكامه لاغير. (1) بل الظاهر كفاية البلوغ في وقت التعلق، عملا بالعمومات. إذ لا مجال حينئذ لمعارضتها بما دل على أنه ليس على مال التيم زكاة. (2) المنسوب إلى الاكثر بل المشهور أن حكم المجنون حكم الطفل لظهور عدم الفرق بينهما بالاعتبار والاستقراء، لا شتراكهما في الاحكام غالبا. وفي الجواهر: (عدم الدليل المعتد به على هذه التسوية إلا مصادرات لا ينبغي للفقيه الركون إليها..). ومن ذلك يظهر وجوب الرجوع إلى مقتضى الادلة فيه بالخصوص، فنقول: روى عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال: (قلت لابي عبد الله (ع): إمرأة من أهلنا مختلطة، أعليها زكاة؟ فقال (ع): إن كان عمل به فعليها زكاة، وان لم يعمل به فلا) (* 1). وروى موسى ابن بكيرأنه سأل أبا الحسن (ع): (عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها، هل عليه زكاة؟ قال (ع): إن كان أخوها يتجر به فعليه زكاة) (* 2)، وإطلاقهما يقتضي عدم الفرق بين الصامت والغلات والمواشي

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 3 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

 

===============

 

( 8 )

 

[ الحول، أو بعضه ولو أدوارا (1). بل قيل: إن عروض الجنون آناما يقطع الحول. لكنه مشكل، بل لا بد من صدق اسم المجنون وأنه لم يكن في تمام الحول عاقلا، والجنون آناما بل ساعة وأزيد - لا يضر، لصدق كونه عاقلا (2). الثالث: الحرية، فلا زكاة على العبد وإن قلنا بملكه (3). ] لان عدم العمل به المصرح به في الصحيح، والمفهوم في الخبر أعم من عدم القابلية، فيشمل الجميع. (1) لما تقدم في الصبي بعينه. (2) إذا فرض صدق كونه مجنونا في آن، امتنع صدق كونه عاقلا في تمام الحول، إلا بالمساهلات العرفية التي لا يعتنى بها. وعدوى انصراف النص المتقدم عن الفرض ممنوعة. (3) أما على القول بعدم ملكيته فلا إشكال ولا خلاف في عدم وجوبها عليه، ضرورة شرطية الملك للوجوب. وأما على القول بالملكية فالمشهور العدم أيضا، لمصحح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع): (ليس في مال المملوك شئ ولو كان له ألف الف. ولو احتاج لم يعط من الزكاة شئ) (* 1) وصحيحه عنه (ع): (سأله رجل وأنا حاضر عن مال المملوك أعليه زكاة؟ فقال (ع): لا، ولو كان له ألف ألف درهم. ولو احتاج لم يكن له من الزكاة شئ " (* 2)، وصحيحه الآخر عنه (ع): (قلت له: مملوك في يده مال، أعليه زكاة؟ قال (ع) لا. قلت: فعلى سيده؟ فقال (ع): لا، لانه لم يصل إلى السيد، وليس هو

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.

 

===============

 

( 9 )

 

للمملوك) (* 1)، ومصحح إسحاق بن عمار: (قلت لابي عبد الله (ع): ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر، فيقول: أحللني من ضربي إياك ومن كل ما كان مني إليك، أو مما أخفتك وأرهبتك فيحلله ويجعله في حل رغبه فيما أعطاه. ثم إن المولى بعد أصاب الدراهم التي أعطاها في موضع قد وضعها فيه فأخذها، فحلال هي؟ قال (ع): لا فقلت: أليس العبد وماله لمولاه؟ فقال (ع): ليس هذا ذاك ثم قال: فهو له فليردها له فانها لا تحل له، فانه افتدى نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة، فقلت: فعلى العبد أن يزكيها إذا حال الحول؟ قال (ع): لا. إلا أن يعمل بها، ولا يعطى العبد من الزكاة شيئا) (* 2). ودلالتها كسندها لا قصور فيها، مع تأييدها برواية وهب بن وهب القرشي، عن الصادق (ع)، عن آبائه، عن علي (ع): (ليس في مال المكاتب زكاة) (* 3). فان غير المكاتب أولى بالنفي منه، وباتفاق النص والفتوى على أنه محجور عن التصرف (* 4) فانه كما سيأتي مانع من وجوبها. ولا مجال للنقض بالسفيه والصبي، فان الحجر فيهما لقصور في صاحب السلطنة لا في السلطنة، كما في العين المرهونة ونحوها مما هو متعلق حق الغير. فما عن المعتبر والمنتهى وإيضاح النافع وغيرها بل عن الشيخ: نسبته إلى

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 4. (* 2) جاء بعضه في الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 6. وذكر مقدارا من صدر الرواية في الباب: 9 من أبواب بيع الحيوان حديث: 3. ومن شساء الوقوف على الحديث بتمامه فليراجع التهذيب ج 8 صفحة 225 طبع النجف الاشرف. والفقيه ج 3 صفحة 146 طبع النجف الاشرف. (* 3) الوسائل باب: 4 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 9 من ابواب بيع الحيوان، وباب: 4 من ابواب الحجر.

 

===============

 

( 10 )

 

[ من غير فرق بين القن، والمدبر، وأم الولد، والمكاتب المشروط، والمطلق الذي لم يؤد شيئا من مال الكتابة (1) وأما المبعض فيجب عليه إذا بلغ (2) ما يتوزع على بعضه الحر النصاب. ] بعض أصحابنا: من القول بوجوب الزكاة عليه، بناء على مالكيته ضعيف. ومثله: ما عن القطيفي والاردبيلي: من القول بالوجوب إذا ملكه مولاه وصرفه فيه. وخبر قرب الاسناد: (ليس على المملوك زكاة إلا باذن مواليه) (* 1) مع هجره، وضعف سنده قاصر الدلالة على مدعاهما ولا يبعد أن يكون المراد منه نفي وجوب دفع الزكاة على مال السيد الذي بيده، إلا إذا أذن له في الدفع. أو يحمل على الاستحباب. (1) بلا خلاف ظاهر. لاطلاق الادلة، والمكاتب قد عرفت أنه مورد خبر وهب. لكنه ضعيف السند. (2) كما هو المشهور، بل نسب إلى قطع الاصحاب، وحكي الاتفاق عليه. وفي الجواهر: نفى وجدان الخلاف فيه، واستدل له فيها: بوجود المقتضي، وعدم المانع. وكأن المراد بالمقتضي: عموم وجوبها، وبالمانع ما دل على نفي الزكاة على المملوك المختص بغير المبعض. لكن يشكل: بأنه إذا اختص المانع بغير المبعض كان مقتضى العموم وجوب الزكاة في جميع ما يملكه، ولا يختص بحصة نصيب الجزء الحر. نعم قد يقال: بأن دليل النفي إنما ينطبق على جزئه المملوك، فيكون الجزء الحر بلا مانع. لكن تطبيق الدليل على أجزاء المكلف لا يخلو من تعسف وتكلف. وكأنه لذلك توقف الكاشاني فيما يظهر من محكي كلامه في المفاتيح.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

 

===============

 

( 11 )

 

[ الرابع: أن يكون مالكا (1)، فلا تجب قبل تحقق الملكية، كالموهوب قبل القبض (2)، ] (1) بلا خلاف فيه ولا إشكال ظاهر، كما عن غير واحد، وعن المعتبر والمنتهى: دعوى اتفاق العلماء عليه، وعن نهاية الاحكام وغيرها: الاجماع عليه. وظاهر عبارة المتن ولاسيما بملاحظة التفريع أنه شرط في وجوب إيتاء الزكاة، فلا يجب إيتاؤها على غير المالك. ويشهد له غير واحد من النصوص، كصحيح الكناني عن أبي عبد الله (ع) في حديث: (إنما الزكاة على صاحب المال) (* 1)، ومكاتبة ابن مهزيار: (لا تجب عليه الزكاة إلا في ماله) (* 2). ونحوهما غيرهما. ولو أريد أنه شرط في أصل التعلق بمعنى: أن مالا يكون ملكا كالمباحات لا تتعلق به الزكاة كان صحيحا أيضا. بل في الجواهر: لا ينبغي التأمل فيه إذا أريد عدمها في المباح ونحوه من غير المملوك، إذ لا دليل على ثبوت الزكاة فيه. والاطلاقات غير ظاهرة الشمول له. والاصل يقتضي العدم، بل هو من الواضحات التي لا ينبغي التعرض لها ولا يشك فيها كي يرجع فيها إلى أصل. بل الظاهر كما في الجواهر ذلك فيما كان الملك فيه للجهة العامة كالفقراء والعلماء لما ذكر. (2) بناء على أنه شرط في الملك ناقل. أما بناء على أنه شرط له على نحو الكشف الحقيقي بمعنى أنه بتحقق القبض يعلم بتحقق الملكية من حين العقد واقعا فلا يكون المثال من باب فقد الملك. وكذا بناء على أنه شرط في اللزوم، على ما يتراءى من ظاهر العبارة: من أن العقد تمام العلة في الملكية. غايه الامر أنه يجوز الرجوع قبل القبض. وإن كان المحكي

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 9 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 9 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

 

===============

 

( 12 )

 

[ والموصي به قبل القبول (1)، أو قبل القبض (2). وكذا في القرض لا تجب إلا بعد القبض (3). الخامس: تمام التمكن من التصرف (4)، فلا تجب في ] عن المحققين التصريح بأن المراد من كون القبض شرطا في اللزوم أنه شرط في الملكية على نحو الكشف الحقيقي المتقدم، فهما واحد. ثم إنك عرفت أن المراد أنه لا يجب على المتهب دفع الزكاة إذا لم يحل الحول بعد القبض ولو حال بعد العقد وقبل القبض وجبت الزكاة على الواهب. (1) فانه أيضا شرط في ملكية الموصي به. ويختلف الحكم باختلاف كونه شرطا ناقلا وكاشفا، على نحو ما سبق. (2) الظاهر أنه لم يتحقق قائل باعتبار القبض في الملك هنا، ولذلك احتمل أن يكون أثبت سهوا بدل (قبل الوفاة)، حيث لا يملك الموصي به قبلها قطعا، نعم عن بعض: أنه احتمل في كلام المبسوط اعتباره في ملك الموصي به، لكنه مع أنه غير متحقق يبعد أن يكون ما في العبارة إشارة إليه. (3) بناء على أنه متمم السبب المملك، ولو قيل باعتبار التصرف زائدا فلا تجب إلا بعد التصرف. والكلام فيه موكول إلى محله. (4) الذي نسب إلى قطع الاصحاب تارة، وإلى فتوى علمائنا أخرى، وإلى الاجماع ثالثة، وعن الحدائق: نفي الخلاف فيه. اعتبار التمكن من التصرف في ثبوت الزكاة، فضلا عن اعتباره في وجوب أدائها. وإن اختلفوا في كيفية اعتباره، فبعضهم كالشرائع جعله شرطا ثالثا زائدا على اشتراط الملك وتماميته، وبعضهم كالقواعد اعتبر شرطا رابعا زائدا على البلوغ والعقل والحرية كمال الملك، وجعل التمكن من التصرف أحد شؤون الكمال المذكور. والمصنف جعله شرطا زائدا على اشتراط

 

===============

 

( 13 )

 

[ المال الذي لا يتمكن المالك من التصرف فيه بأن كان غايبا ولم يكن في يده، ولا في يد وكيله ولا في المسروق، ] المالكية والمراد: أنه شرط لاصل تعلق الزكاة، نظير الشرائط الثلاثة الاول، وليس كاشتراط المالكية، فانها شرط لوجوب الاداء، كما عرفت وكيف كان قد استدل له بمصحح إسحاق بن عمار قال: (سألت أبا ابراهيم (ع): عن الرجل يكون له الولد، فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو، ومات الرجل، كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال (ع): يعزل حتى يجئ، قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال (ع): لا، حتى يجئ قلت: فإذا هو جاء أيزكيه؟ فقال: لا، حتى يحول عليه الحول في يده) (* 1)، وقريب منه خبره الآخر (* 2) وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع): (لا صدقة على الدين، ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك) (* 3)، وحسن سدير: (قلت لابي جعفر (ع): ما تقول في رجل كان له مال، فانطلق به فدفنه في موضع، فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه، فاحتفر الموضع الذي ظن أن المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين. ثم إنه احتفر الموضع من جوانبه كلها فوقع على المال بعينه، كيف يزكيه؟ قال (ع): (يزكيه لسنة واحدة، لانه كان غائبا عنه وإن كان احتبسه) (* 4)، وصحيح ابراهيم بن أبي محمود (قلت لابي الحسن الرضا (ع): الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل اليهما، ثم يأخذهما، متى يجب عليه الزكاة؟

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2. (* 2) الوسائل: باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 5 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 6. (* 4) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

 

===============

 

( 14 )

 

قال (ع): إذا أخذهما، ثم يحول عليه الحول يزكي) (* 1) وخبر زرارة: (في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال (ع): فلا زكاة عليه حتى يخرج، فإذا خرج زكاه لعام واحد. فان كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين) (* 2). ونحوها أو قريب منها غيرها، جملة منها واردة فيمن ترك نفقة لاهله وسافر (* 3). ومع ذلك فقد استشكل على اعتبار اشتراط التمكن من التصرف تارة: بأنه إن أريد جميع التصرفات لزم انتفاء الزكاة مع عدم التمكن من بعض التصرفات لمانع من بيع العين أو هبتها أو غيرهما ولا يمكن الالتزام به. وإن أريد بعض التصرفات لم يكن وجه للحكم بعدم الزكاة في المغصوب والمجحود والغائب، لامكان نقل العين إلى الغاصب والجاحد بالهبة ونقل الغائب إلى شخص حاضر. وأخرى: بأنه لا دليل على اعتبار الشرط المذكور، إذ النصوص المتقدمة إنما تدل على انتفاء الزكاة في موارد خاصة ولا يمكن استفادة حكم كلي منها. والاجماع بنحو يصح الاعتماد عليه غير ثابت، إلا في تلك الموارد أيضا. وكأن المصنف اختار الشق الاول من الشقين المذكورين في تقريب الاشكال الاول، لان الظاهر من قوله: (تمام التمكن من التصرف) التمكن من تمام التصرفات. لكن لم يتضح منه وجه اندفاع الاشكال المترتب عليه. وقد أجيب عن أصل الاشكال الاول: بأن المراد التمكن شرعا وعقلا من التصرف بالعين، بالدفع، والتسليم، والاقباض للغير، لان

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 5 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 17 من ابواب زكاة الذهب والفضة.

 

===============

 

( 15 )

 

التمكن على النحو المذكور في آخر الحول الذي هو وقت الوجوب شرط قطعا، فلو أريد من التمكن من التصرف الذي أخذ شرطا في تمام الحول غير هذا المعنى لزم اشتراط الوجوب بأمرين، لا أمر واحد، وظاهر النص أن التمكن في تمام الحول تمام السبب في الوجوب، فلا بد أن يكمل على ما هو الشرط في آخر الحول، كي لا يكون الشرط للوجوب إلا أمرا واحدا وفيه: أن هنا أمرين، ثبوت الزكاة في المال، ووجوب دفعها إلى مصرفها. والتمكن من الدفع في آخر الحول إنما يكون شرطا في وجوب الدفع، لا في ثبوت الزكاة في المال. والتمكن من التصرف طول الحول إنما هو شرط في ثبوتها في المال فلو بني على أن التمكن من التصرف في تمام الحول الذي هو السبب التام في ثبوت الزكاة بمعنى آخر، لم يلزم أن يكون الشرط أمرين. إذ كل واحد منهما شرط في غير ما يكون الآخر شرطا له، كما هو ظاهر بالتأمل. فالاولى أن يقال: قوله (ع) في حسن سدير: (لانه كان غائبا عنه) (* 1) تعليلا لعدم وجوب الزكاة، لا يراد منه مجرد الغيبة المقابل للحضور قطعا، إذ لا يمكن الالتزام بأن من كانت له نقود أو زروع أو مواش متفرقة في القرى والضياع لا تجب عليه زكاتها، حيث لم يحضر عند كل واحد منها طول سنته. مع أن المال في مورد الرواية لم يكن غائبا وإنما كان مجهولا موضعه لاغير. فالمراد من الغيبة كونه ممنوعا عنه على نحو لا يقدر على أخذه، كما يشير إليه قوله (ع) بعد ذلك: (وإن كان احتبسه..) يعني: وإن كان هو الذي جعله محبوسا عنه، فذلك كله قرينة على أن المراد أن المانع من ثبوت الزكاة كون المال محبوسا عن المالك والشرط أن يكون مطلقا مقدورا عليه.

 

 

____________

(* 1) لاحظ ذلك في صدر التعليقة.

 

===============

 

( 16 )

 

[ والمحجور، والمدفون في مكان منسي، ولا في المرهون، ولا في الموقوف، ولا في المنذور التصدق به (1). ] وعلى هذا يتعين حمل قوله (ع): (حتى يحول عليه الحول في يده..) أو: (وهو عنده..) على ذلك، لا على ظاهره من كونه مقبوضا له وتحت استيلائه، ولا على ما تحت العبارة من كونه في اليد بمعنى العضو الخاص. أو أن يكون في موضع حوله وقريب منه. ويوضح ذلك خبر زرارة، حيث تضمن أن المناط في نفي الزكاة على المال الغائب كونه لا يقدر على أخذه، وأنه لو كان يقدر على أخذه وجبت فيه الزكاة (* 1). وحينئذ نقول: إذا كان ظاهر النصوص اعتبار القدرة على المال، فالظاهر من القدرة على الشئ التمكن من التصرف الخارجي القائم به، من إتلاف ونحوه، بحيث لا يكون قصور في المال مانعا عن ذلك. لا أقل من كونه القدر المتيقن في الخروج عن إطلاقات الوجوب، فلا يكفي في ثبوتها القدرة على بعض التصرفات الاعتبارية، كالعتق والهبة والصلح، ولا يمنع عنه العجز عن ذلك. نعم مورد النصوص العجز الخارجي الناشئ من كون المال مدفونا أو غائبا، أو كون صاحبه غائبا عنه، فالتعدي إلى العجز الشرعي من التصرف لتعلق حق الغير مثلا لابد أن يكون من جهة فهم عدم الخصوصية، ولو بقرينة مناسبة الحكم والموضوع. أو يتمسك باطلاق: (لا يقدر) في خبر زرارة، و (لا يضل) في صحيح ابن أبي محمود (* 2) ونحوهما. وبما ذكرنا يندفع الاشكال الثاني، كما لا يخفى. فتأمل جيدا (1) هذه الثلاثة من قبيل عدم التمكن شرعا، بخلاف الاربعة التي

 

 

____________

1) تقدم ذلك في هذه التعليقة. (* 2) لاحظ الروايتين في صدر التعليقة.

 

===============

 

( 17 )

 

[ والمدار في التمكن على العرف (1). ومع الشك يعمل بالحالة السابقة (2). ] قبلها فانها من قبيل عدم التمكن العقلي. (1) قال في الجواهر: (إن المدار في التمكن من التصرف على العرف وإن لم يكن هذا اللفظ بخصوصه موجودا في النصوص، لكن قد عرفت أن الموجود فيها ما يرادفه. وحينئذ لا عبرة بالعجز عن بعض التصرفات مع صدقه. كما لا عبرة بالتمكن من البعض مع صدق سلبه، ومع فرض عدم تنقيح العرف لبعض الافراد قد يقوى سقوط الزكاة للاصل، بعد قاعدة أن الشك في الشرط شك في المشروط. وربما احتمل الوجوب، للاطلاق ورجوع الشك في الفرض إلى الشك في الاشتراط لا في تحقق الشرط، والاول أظهر). أقول: قوله: (ومع فرض عدم تنقيح..) ظاهر في كون الشبهة مفهومية. وعليه فاللازم الرجوع إلى عموم الوجوب، لوجوب الرجوع إلى العام أو المطلق عند إجمال الخاص أو المقيد، لاقتضاء الاجمال الشك في في زيادة التخصيص، المحكم فيه أصالة العموم أو الاطلاق، ولا مجال للرجوع إلى أصالة البراءة أو الاستصحاب، وإن كان المراد الشبهة الموضوعية الخارجية فالمرجع استصحاب الحالة السابقة، ومع الجهل بها فالمرجع استصحاب العدم أو أصالة البراءة، بناء على أن ظاهر الادلة التقييد. ولو بني على التخصيص فكذلك، بناء على عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. ولو بني على الجواز كان المرجع عموم الوجوب. والظاهر من النصوص المتقدمة كونها مقيدة لاطلاقات الوجوب، فعدم وجوب الزكاة متعين. (2) يعني: الشك في الشبهة الخارجية الموضوعية. أما مع الشك في المفهوم العرفي فالمرجع أصالة الاطلاق، كما عرفت.

 

===============

 

( 18 )

 

[ ومع عدم العلم بها فالاحوط الاخراج (1). السادس: النصاب، كما سيأتي تفصيله. (مسألة 1): يستحب للولي الشرعي (2) إخراج الزكاة في غلات غير البالغ يتيما كان أولا، ذكرا كان أو أنثى دون النقدين (3). وفي استحباب اخراجها من مواشيه إشكال (4)، ] (1) قد عرفت ما يكون وجها للتوقف، كما عرفت: أن الاقرب العدم. (2) الظاهر أن الاستحباب ملاكا بالسنبة إلى الطفل، والولي نائب عنه في الامتثال، كما في سائر موارد النيابة، فمصلحة الخطاب راجعة إلى الطفل لا إلى وليه. وكأن الوجه في تخصيص الولي بالاستحباب: أن موضوعه وهو الاخراج من التصرفات المالية التي لا تصح من الطفل ولو باذن الولي على المشهور، فلو قيل بصحة تصرفه باذن الولي، أمكن توجه الخطاب إليه إذا كان مميزا وإن جاز للولي القيام عنه في امتثاله إذا كان أصلح في نظره. وكيف كان فما ذكره هو المعروف بين القائلين بعدم وجوب الزكاة في غلات الطلق، ومستندهم: صحيح زرارة ومحمد عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) أنهما قالا: (ليس على مال اليتيم في الدين والمال الصامت. شئ، فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة) (* 1) بناء منهم على حمله على الاستحباب، كما تقدم، وقيل بنفي الاستحباب كما عن العلامة الطباطبائي حملا للصحيح على التقية. وقد عرفت: أن الحمل على التقية فرع امتناع الجمع العرفي، لا مع إمكانه. ثم إن مورد الرواية خصوص اليتيم، فالتعدي إلى غيره يتوقف على عدم الفصل. أو على ثبوت الاولوية. (3) إجماعا ظاهرا. لعدم الدليل على الاستحباب. (4) ينشأ: من دعوى عدم القول بالفصل بين المواشي والغلات،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث:

 

===============

 

( 19 )

 

[ والاحوط الترك. نعم إذا اتجر الولي بماله يستحب إخراج زكاته أيضا (1). ] المقتضية لاستحباب الزكاة فيها كما في الغلات. ومن أن الاعتماد على مثل ذلك في التصرف في مال الطفل مخالفة لما دل على عدم جواز التصرف فيه كما تقدم. (1) كما نسب إلى الاكثر تارة، والاشهر أخرى، والمشهور ثالثة وعن المعتبر والمنتهى وغيرهما: الاجماع عليه، كما يقتضيه مصحح ابن مسلم: (قلت لابي عبد الله (ع): هل على مال اليتيم زكاة؟ قال (ع): لا إلا أن تتجر به، أو تعمل به) (* 1) وخبر محمد بن الفضيل: (عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم، هل يجب على مالهم زكاة؟ فقال (ع): لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به، فإذا عمل به وجبت الزكاة. فأما إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه) (* 2) ونحوهما غيرهما. وظاهرهما وإن كان وجوب الزكاة، إلا أنه يجب رفع اليد عنه بالاتفاق المحكي على الاستحباب، إذ لم ينقل القول بالوجوب إلا عن المفيد (ره) في المقنعة، وقد حمله الشيخ (ره) الذي هو أعرف من غيره بمراده على الاستحباب، وهذا هو العمدة في رفع اليد عن ظاهر النصوص. وأما اطلاقات: (ليس على مال اليتيم زكاة) (* 3) فانها مقيدة بها. وكذا مادل على عدم وجوب الزكاة في مال التجارة، فان الجمع العرفي يقتضي تقديم نصوص المقام عليه، لانها أخص. هذا وعن الحلي في مكاسب السرائر، والسيد في المدارك: نفي المشروعية

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 2 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة

 

===============

 

( 20 )

 

[ ولا يدخل الحمل في غير البالغ (1)، فلا يستحب إخراج ] أصلا ولو استحبابا. ووجهه غير ظاهر في قبال النصوص الكثيرة المشتملة على الصحيح. والحمل على التقية لو أمكن لا موجب له. مع أنه غير ممكن لتضمن بعضها نفي الزكاة عن مال اليتيم إلا أن يتجر به، وهو مخالف لمذهبهم. هذا إذا كان الاتجار من الولي بمال الطفل للطفل حيث يجوز له ذلك أما إذا كان الاتجار للطفل بماله حيث لا يجوز له، أو كان قد اقترضه الولي واتجر به لنفسه حيث لا يجوز له ذلك، فانه يكون ضامنا للمال قطعا ولو كان الربح لليتيم حينئذ، فمقتضى إطلاق غير واحد من النصوص ثبوت الزكاة أيضا، كصحيح زرارة وبكير عن أبي جعفر (ع): (ليس على مال اليتيم زكاة، إلا أن يتجر به، فان اتجر به ففيه الزكاة، والربح لليتيم، وعلى التاجر ضمان المال) (* 1). ونحوه خبر سعيد السمان (* 2) اللهم إلا أن تحمل على صورة مالو كان الاتجار لليتيم لا لنفسه كما هو الظاهر من سياقها من كون الاتجار بمال اليتيم بما أنه ماله لا بما أنه مال المتجر فلا تشمل الصورة الثانية. وكأنه لذلك أطلق جماعة نفي الزكاة في الثانية، خلافا لاخرين فأثبتوها فيها، ولو اقترضه الولي حيث يصح له ذلك فاتجر به لنفسه فعليه ضمان المال بالاقتراض، وكان له الربح وعليه الخسران والزكاة استحبابا، كما في سائر أمواله التجارية، كما هو واضح. (1) إجماعا كما عن الايضاح. لظهور الادلة في المولود، والتعدي إلى الجنين في نفي وجوب الزكاة على أمواله إنما كان لكونه أبعد عن الكمال من اليتيم، فيكون أولى بنفي الوجوب من اليتيم مضافا إلى ما قد يظهر من بعض نصوص النفي: من أن موضوعها غير البالغ الشامل للجنين،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 8. (* 2) الوسائل باب: 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

 

===============

 

( 21 )

 

[ زكاة غلاته ومال تجارته. والمتولي لا خراج الزكاة هو الولي (1) ومع غيبته يتولاه الحاكم الشرعي (2). ولو تعدد الولي جاز لكل منهم ذلك (3)، ومن سبق نفذ علمه (4). ولو تشاحوا في الاخراج وعدمه قدم من يريد الاخراج (5). ولو لم يؤد الولي إلى أن بلغ المولى عليه فالظاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة إليه (6). ] بخلاف المقام لعدم شمول اليتيم، ولا للجنين مناسبة عرفية تقتضي التعدي إليه (1) لان الاخراج المذكور إحدى جهات ولايته. أما غيره فلا يجوز له التصرف، لعموم حرمة التصرف في مال الغير. (2) لانه ولي من لا ولي له. والغائب بمنزلة المعدوم، لعجزه عن القيام بشؤون الطفل. (3) لان كلا منهم ولي مستقل. (4) عملا بدليل ولايته. (5) لاطلاق دليل الاستحباب، فإذا شمل حال عدم إرادة الاخراج من بعضهم كان لغيره العمل بمقتضاه. (6) هذا بناء على ما يظهر مما دل على أن الزكاة في المال من أنها من الحقوق المالية ظاهر. إذ عليه يبقى الحق المذكور إلى أن يؤدى ولو بعد البلوغ. ولا ينافي ذلك عدم وجوب الاداء، إذ لا مانع عقلا من ملك الفقير جزءا من المال بنحو يستحب دفعه إليه ولا يجب، نظير ما قد يقال في جواز الرجوع في الهبة، وجواز الرجوع في المعاطات قبل التصرف فقد قيل: إن الرجوع لا بعنوان الفسخ، بل بعنوان تملك مال الغير. وإن كان هو ضعيفا كما حررناه في محله.

 

===============

 

( 22 )

 

[ (مسألة 2): يستحب للولي الشرعي إخراج زكاة مال التجارة للمجنون (1)، دون غيره، من النقدين كان أو من غيرهما (2) (مسألة 3): الاظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه (3) ] وكذا بناء على أنه من قبيل التكليف المحض لليتيم، بأن يكون مكلفا استحبابا بالدفع. ولا ينافيه قصوره، إذ هو إنما ينافي توجه الخطاب إليه به لا مناط الخطاب، فإذا كان المناط موجودا في فعله كان مستحبا له بعد البلوغ أيضا كما قبله. أما إذا كان الخطاب متوجها إلى الولي لا غير فلا استحباب له بعد بلوغ اليتيم، لخروجه عن الولاية عليه حينئذ، ولا يجوز له التصرف في مال غيره قطعا، ولا استحباب للصبي الذي قد بلغ لعدم الملاك المقتضي له. وأقرب الوجوه الاول، وبعده الثاني. وحديث: (رفع القلم..) (* 1) لا ينفي الثاني، لانه مختص بنفي الالزام والذي ينفي الثالث: أن التقرب بالاداء ومصلحته إنما ترجع إلى اليتيم، والولي نائب عنه كما في سائر التصرفات المالية كما أشرنا إلى ذلك آنفا. (1) بلا خلاف للنصوص المتقدمة في اعتبار العقل (* 2) وظاهرها وإن كان الوجوب، لكنها محمولة على الاستحباب، كما تقدم في الصبي بعينه. (2) كما هو مذهب كثير من المحققين. لاطلاق أدلة النفي من دون معارض. وقيل بالحاق المجنون بالصبي في الوجوب والاستحباب، لعدم الفرق بينهما في كثير من الابواب، وهو كما ترى أشبه بالقياس. (3) لاطلاق الادلة، خلافا لجماعة منهم العلامة في التذكرة وغيرها

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات. (* 2) لاحظ الشرط الثاني من شروط وجوب الزكاة.

 

===============

 

( 23 )

 

[ في أثناء الحول، وكذا السكران. فالاغماء والسكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه، ولا ينافيان الوجوب (1) إذا عرضا حال التعلق في الغلات. (مسألة 4): كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيده فيما ملكه (2)، على المختار من كونه مالكا. وأما على القول بعدم ملكه فيجب عليه مع التمكن العرفي من التصرف فيه. (مسألة 5): لو شك حين البلوغ (3) في مجئ وقت التعلق من صدق الاسم وعدمه أو علم تاريخ البلوغ وشك ] على ما حكي فنفوه عنه، إلحاقا له بالمجنون. ووجهه غير ظاهر، كما عن المدارك والكفاية وغيرهما. إذ مجرد عدم صلاحيته عقلا لتوجه الخطاب إليه لفقد القدرة والشعور غير كاف في تقييد مناطات الاحكام التكليفية كالنائم فضلا عن تقييد الاحكام الوضعية، فتشمله الاحكام الوضعية كما تشمله مناطات الاحكام التكليفية. (1) يعني: لا ينافيان ثبوت الزكاة وضعا، وثبوت مناط وجوب إيتائها تكليفا، لما سبق. (2) لخروجه عن ملك السيد، وقد عرفت اعتباره في الوجوب (3) إذا كان المراد الشك حين البلوغ في تحقق أو ان التعلق قبل البلوغ فلا أثر لهذا الشك، إذ على التقديرين من التحقق وعدمه لا إلزام بالزكاة وإن كان المراد الشك في تحقق أوان التعلق حين البلوغ، فكذلك بناء على ما تقدم منه: من اعتبار سبق البلوغ. نعم بناء على ما استظهرناه: من الاكتفاء في الوجوب بالاقتران بين زمان التعلق وزمان البلوغ، يكون للشك أثر. وحينئذ فالمرجع أصالة عدم تحقق ما به يكون التعلق، المقتضية لعدم الوجوب.

 

===============

 

( 24 )

 

[ في سبق زمان التعلق وتأخره ففي وجوب الاخراج إشكال، لان أصالة (1) التأخر لا تثبت البلوغ (2) حال التعلق، ولكن الاحوط الاخراج (3). وأما إذا شك حين التعلق في البلوغ وعدمه (4)، أو علم زمان التعلق وشك في سبق البلوغ وتأخره ] لكن الذي يظهر مما في المتن من الاشكال في الوجوب، ومن تعليل ذلك أن المراد صورة العلم بتحقق زمان التعلق، بأن يشك حال البلوغ في تحقق أوان التعلق قبل البلوغ وعدمه، ثم يبقى الشك المذكور إلى أن يعلم بتحقق أوان التعلق، مرددا بين ما قبل البلوغ وما بعده، نظير الصورة اللاحقة والفرق ليس إلا في حدوث الشك حال البلوغ وتأخر الشك عنه لكنه لا يناسب الصور الآتية. (1) قد اشتهر في كلامهم التمسك بأصالة تأخر الحادث عند الشك في حدوثه متقدما ومتأخرا بالاضافة إلى حادث آخر. ففي المقام يتمسك بأصالة تأخر أوان التعلق عن البلوغ، فيثبت كونه في حال البلوغ، فتجب الزكاة. لكن هذا الاصل لا دليل عليه بالخصوص. ودليل الاستصحاب وإن اقتضى وجوب البناء على عدمه إلى زمان العلم به، لكن هذا المقدار لا يثبت كونه بعد حودث البلوغ وفي حالة البلوغ، إلا بناء على الاصل المثبت، المحقق في محله بطلانه، وإذا لم يثبت ذلك لا وجه للحكم بوجوب الزكاة، لان موضوعها وهو تحقق أوان التعلق في حال البلوغ غير ثابت، فالمرجع في نفي وجوبها: أصالة عدم الوجوب. (2) المناسب للعبارة السابقة أن يقال: لا تثبت التعلق حال البلوغ. (3) كأن الوجه فيه: الخروج عن شبهة حجية أصالة تأخر الحادث. (4) هذا الشك لا أثر له أيضا بناء على عدم وجوب الزكاة مع اقتران البلوغ والتعلق.

 

===============

 

( 25 )

 

[ أو جهل التأريخين فالاصل عدم الوجوب (1). وأما مع الشك في العقل، فان كان مسبوقا بالجنون وكان الشك في حدوث العقل قبل التعلق أو بعده فالحال كما ذكرنا في البلوغ (2) من التفصيل. وإن كان مسبوقا بالعقل، فمع العلم بزمان التعلق والشك في زمان حدوث الجنون فالظاهر الوجوب (3)، ومع العلم بزمان حدوث الجنون والشك في سبق التعلق وتأخره فالاصل عدم الوجوب (4)، ] (1) بل الاصل عدم البلوغ، فان الاصل الجاري في الموضوع مقدم على الاصل الجاري في الحكم. هذا ولم يتعرض في المتن هنا للاحتياط كما تعرض في الفرضين السابقين لان أصالة التأخر هنا لو جرت كان مفادها نفي الوجوب أيضا، لانها هنا تثبت البلوغ متأخرا عن التعلق، ففي حال التعلق لا بلوغ، فينتفي الوجوب بانتفاء شرطه، بخلاف ما سبق، كما عرفت. (2) لان العقل حينئذ يكون مسبوقا بالعدم كالبلوغ، فيجري فيه ما تقدم بعينه. (3) لاصالة بقاء العقل إلى حسين التعلق، فيثبت شرط الوجوب، فيثبت الوجوب بثبوت شرطه. (4) بل الاصل عدم تحقق ما به يكون التعلق إلى زمان الجنون، فانه أصل موضوعي سببي، وهو مقدم على أصالة عدم الوجوب الذي هو أصل حكمي مسببي، كما سبق نظيره. وأما أصالة تأخر ما به التعلق عن الجنون فلو بني على صحتها كانت نافية للوجوب أيضا، ولذا لم يتعرض هنا أيضا للامر بالاحتياط.

 

===============

 

( 26 )

 

[ وكذا مع الجهل بالتاريخين (1). كما أن مع الجهل بالحالة السابقة وأنها الجنون أو العقل كذلك (2). (مسألة 6): ثبوت الخيار للبائع ونحوه لا يمنع من تعلق الزكاة (3) إذا كان في تمام الحول، ولا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء زمانه، بناء على المختار من عدم منع الخيار من التصرف. فلو اشترى نصابا من الغنم أو الابل مثلا وكان للبائع الخيار، جرى في الحول من حين العقد لا من حين انقضائه. ] وأما استصحاب العقل إلى حين أوان التعلق فلا يجري، لانه لاشك في ذلك بلحاظ الازمنة التفصيلية، وإنما الشك بلحاظ الزمان الاجمالي لاغير ومعه لا مجال للاستصحاب، كما أشرنا إلى وجهه في مسألة ما لو علم بالحدث والطهارة وشك في المتقدم والمتأخر منهما، في كتاب الوضوء من هذا الشرح. فراجع. (1) يعني: يرجع إلى أصالة عدم الوجوب، إما لعدم جريان الاصول الموضوعية ذاتا أعني: أصالة عدم الجنون إلى زمان موضوع التعلق، وأصالة عدم موضوع التعلق إلى زمان الجنون كما هو التحقيق، كما أشرنا إليه. أو لتعارضها، فيرجع بعد التساقط إلى الاصل الحكمي. (2) لانتفاء الاصول الموضوعية حينئذ، فيتعين الاصل الحكمي الذي هو أصالة عدم الوجوب. (3) المشهور: أن الخيار المجعول في العقد لا ينافي انتقال الملك به، فلا يتوقف حصول الملك على انقضاء زمان الخيار. وعن الشيخ: توقف الانتقال على انقضاء زمان الخيار. وعلى الاول المشهور، فهل يجوز تصرف

 

===============

 

( 27 )

 

[ (مسألة 7): إذا كانت الاعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أزيد يعتبر بلوغ النصاب في حصة كل واحد (1)، فلا تجب في النصاب الواحد إذا كان مشتركا. (مسألة)): لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عاما أو خاصا (2). ولا تجب ] غير ذي الخيار في العين أو لا يجوز؟ قولان، مبنيان على أن الخيار حق قائم بالعين أو بالعقد، فعلى الاول لا يجوز التصرف في العين، لانها موضوع حق الغير، فالتعصرف فيها تصرف في الحق. وعلى الثاني يجوز لقاعدة السلطنة من غير مزاحم. وحينئذ نقول: لاجل أن المصنف يرى ما هو المشهور، وأن الخيار حق قائم بالعقد لاغير، أفتى بأن ابتداء الحول من حين العقد لاجتماع الشرائط حينئذ. ولازم قول الشيخ: أن ابتداء الحول حين انقضاء زمان الخيار. كما أنه أيضا لازم القول بمنع التصرف زمان الخيار. هذا وما اختاره المصنف في المسألتين هو الاظهر، كما تعرضنا له في حاشية المكاسب. نعم لا يبعد أن يكون الخيار المشروط برد الثمن مجعولا بحسب ارتكاز المتعاملين في العين بنحو تعدد المطلوب، فلا يجوز التصرف في العين حينه، ولو اتفق عصيانا أو غيره أو تلفت لم يسقط الخيار، بل يفسخ صاحبه ويرجع بالقيمة. وتحقيق ذلك موكول إلى محله. (1) بلا إشكال. ويأتي الاستدلال له في المسألة الثالثة من فصل زكاة الانعام. (2) بلا خلاف، كما عن الكفاية والحدائق. وفي الجواهر: نفي الاشكال فيه. نعم قد يظهر من محكي وقف التذكرة. حيث جعل وجوب الزكاة ثمرة الخلاف في كون الوقف ملكا للواقف أو الموقوف عليهم الخلاف. ولكنه غير ظاهر، لعدم التمكن من التصرف، فانه مناف لصحة الوقف،

 

===============

 

( 28 )

 

[ في نماء الوقف العام (1). وأما في نماء الوقف الخاص فتجب على كل من بلغت حصته حد النصاب. (مسألة 9): إذا تمكن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المحجور بالاستعانة بالغير أو البينة أو نحو ذلك بسهولة فالاحوط إخراج زكاتها (2). وكذا لو مكنه الغاصب ] كما هو ظاهر. (1) بلا خلاف ظاهر، معللين له: بأنه لا يملك إلا بعد القبض، بخلاف الوقف الخاص. وهذا يتوقف على أن المايز بين الوقف العام والخاص أن الموقوف عليه في الاول الكلي وإن انحصر في واحد، الذي لا يتعين في الخارج إلا بالقبض، وفي الثاني الجزئي وإن كثر، فيملكه الموقوف عليهم بالنماء، كما يملك المشتركون نماء الملك المشترك بينهم، ولو كان المايز غير ذلك لم يتم التعليل. لكن الظاهر الاول. هذا إذا كان غرض الواقف ملك النماء. أما لكان الغرض المصرفية فلا زكاة في النماء. حتى لو كان المصرف شخصا خاصا أو أشخاصا لعدم الملك. نعم لو صرفه الولي بنحو التمليك كان ابتداء الحول زمان الملك. (2) لاختلاف النصوص في ذلك، فالذي يظهر مما اشتمل عليه جملة منها مثل كونه عنده، أو في يده، أو يقع في يده اعتبار اليد الفعلية بلا ممانع أصلا، ومقتضاه عدم وجوب الزكاة في الموارد المذكورة، لانتفاء الشرط المذكور. والذي يظهر من خبر زرارة: (فان كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين) (* 1). ونحوه حسن سدير المشتمل على التعليل بقوله (ع): (لانه كان غائبا عنه وإن كان احتبسه) (* 2) الاكتفاء بمطلق القدرة على الاخذ ولو بواسطة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 7. (* 2) الوسائل باب: 5 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

 

===============

 

( 29 )

 

[ من التصرف فيه، مع بقاء يده عليه (1)، أو تمكن من أخذه سرقة، بل وكذا لو أمكن تخليصه ببعضه، مع فرض انحصار طريق التخليص بذلك أبدا. وكذا في المرهون (2) إن أمكنه فكه بسهولة. (مسألة 10): إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة ولم ] الاستعانة بالغير أو بالبينة أو غيرهما، ومقتضاه وجوبها لحصول الشرط، كما حكي عن الخلاف، والنهاية، والنافع، والتحرير. وعن المدارك والروضة والبيان: إنما تسقط الزكاة عن المغصوب ونحوه إذا لم يمكن تخليصه ولو ببعضه، بل عن الروضة: اعتبار عدم إمكان الاستعانة ولو بظالم. وعن جماعة: تقييد سقوط الزكاة في المحجور بما إذا لم يكن عنده بينة، وعن المحقق الثاني: أنه مشكل. وكأنه لقرب دعوى انصرافه إلى صورة عدم الممانع المعتد به، فلا يشمل الفروض المذكورة، بل هو الاقرب، كما يشير إليه ما في خبر زرارة: (فان كان يدعه متعمدا.) فان الظاهر منه صورة عدم وجود العذر في تركه، ولا يشمل صورة القدرة مع العذر العرفي في ترك أخذه. ومن ذلك يظهر عدم وجوب الزكاة في الامثلة المذكورة في غالب الاحوال. (1) هذا الفرض لا ينبغي عده من صور الاشكال، لعدم القدرة على العين ولو بواسطة، والتمكن من بعض التصرفات فيها كالانتفاع ونحوه غير كاف في الوجوب، كما عرفت. (2) الظاهر أن حق الرهانة مانع وإن أمكن رفعه بسهولة، لان ذلك لا يمنع من صدق كونه محبوسا عنه لاجل الحق. وذلك بخلاف الموانع الخارجية، فانه إذا أمكن رفعها لا يصدق عليها أنها موانع،

 

===============

 

( 30 )

 

[ يفعل لم يجب اخراج زكاته (1). بل وإن أراد المديون الوفاء ولم يستوف اختيارا، مسامحة أو فرارا من الزكاة. والفرق بينه وبين ما ذكر من المغصوب ونحوه: أن الملكية حاصلة في المغصوب ونحوه، بخلاف الدين فانه لا يدخل في ملكه إلا بعد قبضه. ] (1) كما هو المشهور، بل شهرة عظيمة، بل عليه إجماع المتأخرين، كما في الجواهر. ويشهد له مضافا إلى مادل على نفي الزكاة فيما ليس في يده أو ليس عنده مادل على أنه لا زكاة في الدين، كصحيح ابن سنان: (لا صدقة على الدين، ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك) (* 1)، ومصحح إسحاق: (قلت لابي إبراهيم: الدين عليه زكاة قال (ع): لا، حتى يقبضه. قلت: فإذا قبضه أيزكيه؟ قال (ع): لا، حتى يحول عليه الحول في يده) (* 2) ونحوهما غيرهما وخبر علي ابن جعفر (ع) المروي عن قرب الاسناد وعن كتاب ابن جعفر (ع): (عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه صاحبه، هل عليه زكاة؟ قال (ع): لا، حتى يقبضه و يحول عليه الحول) (* 3). وعن المقنعة والمبسوط واخلاف وجمل السيد وغيرها: الوجوب في الدين إذا كان صاحبه يقدر على أخذه ولم يأخذه، لخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع): (ليس في الدين زكاة، إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره. فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 6 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3. (* 3) الوسائل: باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 15، وملحقه.

 

===============

 

( 31 )

 

[ (مسألة 11): زكاة القرض على المقترض بعد قبضه (1) ] يقبضه) (* 1)، وخبر عبد العزيز عنه (ع): (عن الرجل يكون له الدين، أيزكيه؟ قال (ع): كل دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته، وما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة) (* 2)، وصحيح الكناني عن أبي عبد الله (ع): (في الرجل ينسئ أو يعير فلا يزال ماله دينا، كيف يصنع في زكاته؟ قال (ع): يزكيه، ولا يزكي ما عليه من الدين، فانما الزكاة على صاحب المال) (* 3)، وصحيح اسماعيل بن عبد الخالق: (سألت أبا عبد الله (ع): أعلى الدين زكاة؟ (قال (ع): لا. إلا أن تقربه) (* 4). لكن هذه النصوص وإن كانت أخص مما سبق، إلا أن حملها على الاستحباب أولى من ارتكاب تقييد تلك، بحملها على الدين الذي لا يكون تأخيره باختيار مالكه، فان ذلك يوجب انتفاء خصوصية الدين، وهو خلاف ظاهر تلك النصوص. مع أن رواية ابن جعفر (ع) معارضة لها وهي صريحة في نفي الوجوب، فتكون قرينة على الحمل على الاستحباب وحينئذ يكون سبيلها سبيل رواية عبد الحميد المتضمنة لثبوت الزكاة على الدين المؤجل إلى ثلاث سنين (* 5) إذ الظاهر أنه لاعامل بمضمونها، بل صحيح الكناني في مورده النسيئة، وهي ظاهرة في ذلك. (1) بلا خلاف، كما عن الخلاف والسرائر، وغيرهما، بل عن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 7. (* 2) الوسائل باب: 6 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 11. (* 4) الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 13. (* 5) الوسائل باب: 6 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث 8.

 

===============

 

( 32 )

 

[ لا المقرض، فلو اقترض نصابا من أحد الاعيان الزكوية وبقي عنده سنة وجب عليه الزكاة. نعم يصح أن يؤدي (1) المقرض عنه تبرعا، بل يصح تبرع الاجنبي أيضا. والاحوط ] التنقيح: نسبته إلى الاصحاب. وتشهد له النصوص المستفيضة، كمصحح زرارة: (قلت لابي عبد الله (ع): رجل دفع إلى رجل مالا قرضا، على من زكاته، على المقرض أو على المقترض؟ قال (ع): لا، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض) (* 1) وصحيح يعقوب ابن شعيب: (سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين والثلاث أو ما شاء الله، على من الزكاة، على المقرض أو على المستقرض؟ فقال (ع): على المستقرض، لان له نفعه وعليه زكاته) (* 2) ونحوهما غيرهما. (1) كما عن غير واحد. ويشير إليه صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع): (في رجل استقرض مالا، فحال عليه الحول وهو عنده، قال (ع): إن كان الذي اقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه، وإن كان لا يؤدي أدى المستقرض) (* 3) وربما علل: بأنها دين كسائر الديون التي يجوز التبرع في وفائها. وفيه: أن إيتائها عبادة والنيابة فيها عن الحي ممنوعة. اللهم إلا أن يكون مقتضى القواعد الاولية جواز النيابة عن الحي، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث القضاء عن الاموات. والاجماع على عدم الجواز غير شامل للمقام بل الاجماع والنصوص متفقان على جواز التوكيل في أدائها الذي هو نوع

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 7 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 7 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 7 من ابواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

 

===============

 

( 33 )

 

[ الاستئذان من المقترض (1) في التبرع عنه، وإن كان الاقوى عدم اعتباره. ولو شرط في عقد القرض أن يكون زكاته على المقرض، فان قصد أن يكون خطاب الزكاة متوجها إليه لم يصح (2)، وإن كان المقصود أن يؤدي عنه صح (3). ] من الاستنابة فيه. ومن ذلك تعرف أنه يصح تبرع الاجنبي بها. (1) فعن الدروس والبيان: اعتبار الاذن من المقترض. ووجهه غير ظاهر. إلا ما أشرنا إليه: من أنها عبادة تجب على المقترض، فلابد من فعله لها ولو بالتسبيب. وفيه مع أنه خلاف إطلاق الرواية: أن مجرد الاذن غير كاف في صحة النسبة وإلا لكفى في سائر موارد النيابة عن الحي، مع أن المدار فيها قصد النائب النيابة لا غير. (2) لكون الشرط مخالفا للكتاب والسنة، أعني: إطلاق مادل على أن الزكاة على المالك في ماله، والشرط المخالف للكتاب والسنة باطل اتفاقا نصا وفتوى. (3) كما عن جماعة كثيرة، منهم الشيخ في قرض النهاية وزكاة المبسوط، والعلامة في قرض المختلف، والشهيد الثاني في المسالك. لعموم أدلة نفوذ الشرط. وتوهم: أنه مخالف للكتاب والسنة، لان أدلة وجوب الزكاة إنما دلت على ثبوتها على المالك، في ماله الخاص الزكوي، فاشتراط ثبوتها على غير المالك، أو في غير المال الزكوي مخالفة لتلك الادلة. أو لانها عبادة، ولا تجوز النيابة فيها عن الحي. مندفع: بأن الشرط المذكور لا ينافي تلك الادلة بوجه، بل مبني على العمل بها، فان مرجع الشرط إلى أن الزكاة التي ثبتت علي في مالي ولزمني أداؤها أدها عني، وقد عرفت: اتفاق النص والفتوى على جواز النيابة فيها. وقد يشهد لما ذكرنا: صحيح ابن سنان قال: (سمعت أبا عبد الله (ع)

 

===============

 

( 34 )

 

يقول: باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا وكذا ألف دينار، واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين) (* 1) وصحيح الحلبي عنه (ع) (باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال، واشترط عليه في بيعه: أن يزكي هذا المال من عنده لست سنين) (* 2). اللهم إلا أن يحتمل: أن يكون المراد من الصحيحين زكاة السنين السابقة على البيع، لكون المال المجعول ثمنا مما فيه زكاة. ومثله في الاشكال: توهم أن عقد القرض جائز، فالشرط فيه لا يجب الوفاء به. إذ فيه أولا: أن عقد القرض ليس جائزا، بل هو لازم لعمومات اللزوم. وما دل على جواز مطالبة المقرض للمقترض دائما لا ينافي ذلك، وإنما الذي ينافيه جواز الرجوع بالعين المقترضة، وهو غير ثابت، بل هو خلاف عموم اللزوم. ولو سلم جوازه فلا ينافي صحة الشرط فيه ووجوب العمل به، كما هو محقق في محله، وقد أشار المصنف إلى وجهه في كتاب المضاربة. نعم لو فسخ العقد الجائز رجع الشرط إلى كونه شرطا ابتدائيا لا يجب الوفاء به، بناء على عدم نفوذ الشرط الابتدائي حدوثا وبقاء. فلاحظ. نعم قد يشكل ذلك: بأن التفكيك بين العقد والشرط في الجواز واللزوم بعيد. كما يمكن الاشكال في الشرط المذكور بكونه موجبا للربا، لقولهم (ع): (جاء الربا من قبل الشروط..) (* 3)، فهو من قبيل شرط الزيادة وفيه: أن الشرط في عقد القرض إنما يوجب الربا إذا كان على المقترض لا على المقرض. فراجع.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 18 من أبواب الزكاة الذهب والفضة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 18 من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 12 من أبواب الصرف حديث: 1.

 

===============

 

( 35 )

 

[ (مسألة 12): إذا نذر التصدق بالعين الزكوية، فان كان مطلقا غير موقت ولا معلقا على شرط لم تجب الزكاة فيها (1)، ] (1) كما عن جماعة كثيرة، لان التصرف فيه مناف للنذر، فيكون مخالفة لما دل على وجوب الوفاء به، وقد عرفت: أن المنع عن التصرف شرعا كالمنع عنه عقلا في مانعيته عن وجوب الزكاة. نعم يقع الكلام في وجه المنع من التصرف، وهل هو ثبوت حق لله سبحانه؟ أو حق للفقراء الذين نذر التصدق عليهم؟ أولا هذا ولا ذلك ولكن ثبوت التكليف بالعمل على طبق النذر، والوفاء به يستتبع وجوب حفظ المال، فالتصرف فيه مناف للحفظ الواجب، فيكون غير مقدور عليه شرعا؟ التحقيق هو الاول، لما تحقق في محله: من أن معنى الخبر والانشاء واحد، والاختلاف بينهما بقصد الحكاية في الخبر وقصد الايجاد في الانشاء. ولاجل أنه لا ريب في أن قول المخبر: (لزيد علي أن أخيط ثوبه) معناه الاخبار عن ملكية زيد على المخبر أن يخيط ثوبه، وبذلك يكون إقرارا واعترافا على نفسه، فليكن معناه إنشاء كذلك، أعني: إنشاء ملكية أن يخيط ثوبه، ومقتضى ذلك أن يكون معنى قول الناذر: (لله علي أن أتصدق بمالي على الفقراء) إنشاء الملكية لله سبحانه لان يتصدق به ولاجل أن التصدق المملوك موضوعه المال يكون المال موضوع حق لله سبحانه، إذ لا نعني بكون الشئ موضوع حق إلا كونه موضوع فعل مملوك لذي الحق. وأما دعوى ثبوت حق للفقراء في العين فشئ لا مأخذ له واضح. ومجرد وجوب الصدقة عليهم لا يستتبع حقا لهم ولا يتفرع عليه. وقياس المقام بباب الواجبات المالية مثل وجوب إيتاء الزكاة لاهلها، ووجوب إيصال الخمس لمستحقه، ووجوب الكفارة عند أسبابها حيث دل الخطاب بالالتزام على ثبوت ملكية الفقراء أو السادات للامور المذكورة في غير محله،

 

===============

 

( 36 )

 

إذ استفادة ذلك لم يكن من محض الخطاب بالدفع، وإنما كان من قرائن متصلة أو منفصلة. وكيف تصح دعوى ثبوت حق للفقراء في المال إذا نذر التصدق به عليهم مع أن ذلك أمر لم يجعله الناذر على نفسه، ودليل الوجوب ليس إلا وجوب الوفاء بالنذر، وهو لا يقتضي أكثر مما يقتضيه النذر؟ بل ذلك مخالفة للنذر، لان المنذور هو التصدق بمعنى التمليك على وجه القربة، وهو إنما جعل بالنذر لله سبحانه ولم يجعل للفقراء، فلو استحق الفقراء هذا التمليك بنفس النذر لزم وقوع ما لم ينذر. وبالجملة: فالقول الثاني ضعيف. وأما القول الثالث فهو مبني على كون الظرف لغوا واللام لام التعدية لا لام الملك ويكون الظرف مستقرا، ومعنى قول الناذر: (لله علي أن أتصدق): (التزمت لله تعالى علي) فاللام متعلقة ب‍ (التزمت) المستفاد من الانشاء، فليس مفاد النذر إلا الالتزام بفعل المنذور، ووجوب الوفاء بالنذر يقتضي وجوبه لا غير. لكن المبني المذكور خلاف ظاهر الكلام جدا كما عرفت. ثم إنه بناء على ثبوت حق لله سبحانه أو الفقراء، فالحق المذكور يقتضي المنع من التصرف في موضوعه، لان قاعدة السلطنة على الحقوق التي هي كقاعدة السلطنة على الاموال توجب قصور سلطنة غير السلطان عن كل تصرف مناف لذلك الحق، ومن المعلوم أن التصرف بالعين مناف له فيمتنع. وبناء على عدمه فالتكليف بالوفاء بالنذر لما كان مستتبعا للتكليف بحفظ المال مقدمة للتصدق، فكل ما ينافي حفظه يكون ممنوعا عنه، لئلا يلزم مخالفة التكليف النفسي بالتصدق، كما عرفت. نعم يفترق الاخير عن الاولين: بأن التصرف الاعتباري بالبيع أو الهبة أو نحوهما على الاخير يكون صحيحا وإن كان محرما، لعدم اقتضاء تحريمه الفساد، نظير البيع

 

===============

 

( 37 )

 

وقت النداء. وعلى الاولين يكون فاسدا، لقصور سلطنة المالك على ماله الذي هو موضوع حق الغير. ثم إن هذا كله فيما لو نذر التصدق، بمعنى الفعل، أما لو نذر كونه صدقة المسمى بنذر النتيجة، فعن المدارك: أنه قطع الاصحاب بأن هذا أولى من الاول، يعني: في المنع عن وجوب الزكاة. وكأنه لصيرورته صدقة بنفس النذر، وخروجه عن ملك الناذر بمجرد النذر، وظاهره المفروغية عن صحته. وكأنه إما لبنائهم على صحة نذر النتيجة كلية، أو في خصوص نذر الصدقة، فعن بعض: دعوى الاجماع على الخروج عن الملكية إذا نذر كون الحيوان هديا، وعن بعضهم ذلك إذا نذر كونه أضحية. هذا ولا يخفى أنه بناء على التحقيق من أن مفاد النذر جعل حق لله سبحانه بمعنى: أن المنذور يكون ملكا له تعالى على الناذر لا مجال للقول بصحة نذر النتيجة. وتوضيح ذلك: أن نتائج الافعال، تارة تكون ملحوظة في ذمة معينة، وأخرى لا تكون كذلك، بل ملحوظة في نفسها من دون إضافة إلى ذمة، فان كانت ملحوظة على النحو الاول صح أن تكون مملوكة لمالك، كما في إجارة الاجير على كون الثوب مصبوغا أو مخيطا أو نحو ذلك من الصفات التي هي من نتائج الاعمال. فإذا نذرها الناذر وجعلها لله سبحانه كان مقتضى النذر اشتغال ذمة الناذر بها لله سبحانه فيجب عليه تحصيلها بأسبابها، كما في الاجارة على الصفة. وحينئذ لا يكون مفاد النذر حصولا النتيجة، بل لابد من تحصيلها بانشاء آخر غير النذر، فيرجع نذر النتيجة من هذه الجهة إلى نذر الفعل، وليس ذلك محل الكلام في نذر النتيجة. وإن كانت ملحوظة على النحو الثاني امتنع أن تكون مضافة إلى مالك كما هو الحال في الاعيان التي لا تكون خارجية، ولا مضافه إلى ذمة أصلا.

 

===============

 

( 38 )

 

فلا يصح أن تقول: (بعتك فرسا) إذا لم تكن خارجية، ولا مضافة إلى ذمة معينة، سواء أكانت ذمة البائع أم غيره، كما هو موضح في محله فإذا امتنع ذلك في الاعيان فأولى أن يمتنع في مثل هذه الاعتباريات، مثل كون العبد حرا، وكون المال صدقة، وكون الزوجة مطلقة، ونحوها، فلا يصح قصد كونها لله سبحانه، فيمتنع نذرها على النحو المذكور. مضافا إلى أن معنى الجملة النذرية تمليك الله سبحانه كون العين صدقة، فالصيغة معناها جعل التمليك، وأما جعل المملوك وهو وصف الصدقة فلا تعرض فيها لجعله، فيحتاج إلى جعل مستقل. والجملة الواحدة لا تصلح لجعل المنسوب وجعل النسبة، إذ الاول مفاد (كان التامة) والثاني مفاد (كان الناقصة) ولا يجتمعان في جملة واحدة. وعليه فلو نذر كون المال صدقة، أو الشاة أضحية، تعين أن يكون المراد جعلها في ذمته لله سبحانه، فيجب عليه تحصيلها بجعل مستقل غير النذر. هذا كله بناء على أن مفاد النذر جعل المنذور لله سبحانه، وأما بناء على أن اللام متعلق ب‍ (التزمت) والمجعول بالنذر الالتزام بالامر المنذور فأدلة نفوذ النذر دالة على نفوذ الالتزام المذكور، فان كان المنذور نتيجة كان مقتضى أدلة نفوذه ثبوت تلك النتيجة وإن كان فعلا كان مقتضاها ثبوت الفعل عليه. فحينئذ نقول: إن كان المنذور من الامور العقدية المتقومة بطرفين لم يترتب الاثر على النذر، إلا مع رضا الطرف الآخر، ويكون النذر بمنزلة الايجاب، فإذا انضم إليه القبول صح ولزم، ولو رد الطرف الآخر بطل. وعموم وجوب الوفاء بالنذر لا يكفي في إثبات صحته، لانه لا يصلح لاحراز قابلية المحل، فلولم تحرز القابلية من الخارج لم يمكن تطبيقه وإن كان من الايقاعات صح. إلا أن يقوم دليل على اعتبار صيغه خاصة

 

===============

 

( 39 )

 

[ وإن لم تخرج عن ملكه بذلك، لعدم التمكن من التصرف فيها، سواء تعلق بتمام النصاب أو بعضه (1). نعم لو كان النذر بعد تعلق الزكاة وجب إخراجها أولا ثم الوفاء بالنذر (2) وإن كان موقتا بما قبل الحول ووفى بالنذر فكذلك لا تجب الزكاة إذا لم يبق بعد ذلك مقدار النصاب، وكذا إذا لم يف ] في إنشائه كما في العتق، حيث لا يصح إنشاؤه إلا بمثل: (أنت حر). وفي قوله: (أعتقتك) خلاف، ولا يجوز بغيرهما إجماعا. وكذا لو قام دليل على اعتبار انشائه بنفسه بحيث لا يكفي إنشاء الالتزام به في إنشائه، وفي غير ذلك لامانع من العمل بأدلة النفوذ لاثبات المنذور وترتبه. اللهم إلا أن يعتبر فيه شرائط خاصه غير الصيغة، مثل الطلاق الذي يعتبر فيه شهادة العدلين وطهارة المطلقة وغير ذلك، فيصح في ظرف اجتماع الشرائط لاغير. (1) بلا خلاف نظفر به، ولا تردد من أحد، كما عن شرح الروضة لعدم الفرق في مانعية عدم القدرة على التصرف بين تمام النصاب وبعضه، مضافا إلى ما قيل: من أنه في صورة تعلقه بالكل يستحيل التكليف بالزكاة إذ لا يجتمع في مال واحد حقان يحيط أحدهما بالآخر. (2) أما وجوب الزكاة فلا شبهة فيه، لاطلاق دليلها بلا معارض. وأما الوفاه بالنذر فكذلك لو كان متعلقه المقدار الزائد على الزكاة لعين ما ذكر. ولو كان متعلقه تمام المال، فان كان مفاد النذر التصدق بعد الفك صح النذر لرجحان المنذور، ووجب فكه بأداء الزكاة من مال آخر، وإن كان مفاده التصدق به على حاله بطل بالاضافة إلى مقدار الزكاة لعدم رجحان المنذور، بل لعدم القدرة عليه، لعدم السلطنة على التصرف بتمام النصاب من دون دفع الزكاة. أما بالاضافة إلى المقدار الزائد عليه فصحته وبطلانه مبنيان على كونه بنحو تعدد المطلوب ووحدته، فعلى

 

===============

 

( 40 )

 

[ به وقلنا بوجوب القضاء بل مطلقا لا نقطاع (1) الحول بالعصيان. نعم إذا مضى عليه الحول من حين العصيان وجبت (2) على القول بعدم وجوب القضاء. وكذا إن كان موقتا بما بعد الحول، فان تعلق النذر به مانع (3) عن التصرف فيه. ] الاول يصح، وعلى الثاني يبطل. وتوهم وجوب العمل بالنذر بالاضافة إلى الباقي، لان مالا يدرك كله لا يترك كله. مدفوع بتوقفه على الصحة ولو اقتضاء في الجميع على كل حال، وهي منتفية لما عرفت من تعلقه بحق الغير المانع من انعقاده. (1) قال شيخنا الاعظم (ره) في زكاته: (فان كان الوقت قبل تمام الحول فلا إشكال في سقوط الزكاة سواء وفي بالنذر في وقته أم لم يف، وسواء قلنا بوجوب القضاء مع فوات الوقت أم لا لرجوع الموقت بعد حضور وقته إلى المطلق، وقد عرفت الحال. وفي شرح الروضة: إنه لا شبهة في وجوب الزكاة هنا لو لم يف بالنذر في وقته ولم نوجب القضاء. وفيه أن مجرد التكليف بالتصدق يوجب انقطاع الحول من غير توقف على الوفاء. إلا أن الظاهر ابتناء ما ذكره على أن عدم التمكن من التصرف إنما يقدح لو منع من التكليف باخراج الزكاة، لا مطلقا..). أقول: المبنى المذكور قد عرفت فساده، للاجماع والنصوص على اعتبار القدرة على التصرف في تمام الحول، لافي خصوص زمان الاداء. ومن ذلك تعرف ما في ظاهر المتن: من أن انقطاع الحول كان بالعصيان، فان الانقطاع إنما كان بالتكليف بالوفاء بالنذر لا بعصيانه. وكأنه يريد انقطاع الحول إلى زمان العصيان. (2) لاجتماع شرائط الوجوب. (3) لا فرق في المنع بين القول بثبوت حق لله تعالى والقول بمجرد

 

===============

 

( 41 )

 

[ وأما إن كان معلقا على شرط، فان حصل المعلق عليه قبل تمام الحول لم تجب (1)، وإن حصل بعده وجبت (2)، وإن ] التكليف، إذ كما أن ثبوت الحق فعلا مانع من التصرف في موضوعه، كذلك ثبوت التكليف فعلا يقتضي وجوب إبقاء العين إلى وقت المنذور من باب وجوب المقدمة. نعم لوبني في الموقت على عدم ثبوت الحق أو التكليف إلا بعد الوقت أشكل وجه المنع من التصرف قبل الوقت، نظير المشروط بما بعد الحول، كما سيجئ. (1) لان المشروط بعد حصول شرطه كالمطلق الذي عرفت أنه مانع عن التصرف. (2) إذ لاحق ولا تكليف قبل حصول الشرط، فلا مانع من التصرف كما أشرنا إليه. اللهم إلا أن يقال: جواز التصرف شرعا في الحول ينافي الحق ولو في زمان متأخر عنه، لانه مفوت له، فإذا بني على تقديم دليل وجوب الوفاء بالنذر على ما دل على جواز التصرف في الملك فلا بد من البناء في المقام على عدم جواز التصرف، وإلا لزم تخصيص دليل وجوب الوفاء بالنذر بغير المقام، فيلزم بطلان النذر والمفروض صحته. وكذا نقول بناء على أن مفاد النذر تكليف محض، فان جواز التصرف شرعا أيضا ينافي وجوب الصدقة ولو في المستقبل، لانه مفوت لموضوعه، فلا يجوز عقلا. وإن شئت قلت: نذر الصدقة بالمال المشروط بالشرط المتأخر عن الحول إما أن يكون مشروطا أيضا ببقاء المال، وإما أن يكون مطلقا غير مشروط ببقائه، فعلى الاول لا يجب الابقاء، لانه شرط النذر، فلا يكون النذر موجبا لحفظه، كما لا يقتضي الوجوب المشروط بشرط حفظ ذلك الشرط. وعلى الثاني يجب إبقاء المال، لان مرجع النذر حينئذ إلى نذر إبقائه إلى زمان الشرط والتصدق به بعده، فإذا كان إبقاء المال منذورا لا يجوز اتلافه

 

===============

 

( 42 )

 

[ حصل مقارنا لتمام الحول ففيه إشكال ووجوه، ثالثها: التخيير (1) بين تقديم أيهما شاء، ورابعها: القرعة. ] ويمتنع التصرف فيه. ولاجل أن موضوع المسألة النذر غير المشروط ببقاء المال كان الواجب الحكم بعدم جواز التصرف فيه وعدم وجوب زكاته. فان قلت: لامانع من الالتزام ببطلان النذر إذا كان المنذور التصدق بتمام المال، لعدم رجحان المنذور لتعلقه بحق الغير، فإذا بطل النذر وجبت الزكاة، لعدم المانع من وجوبها. قلت: إنما يكون متعلقا بحق الغير إذا فرض اجتماع شرائط وجوب الزكاة، وهو ممتنع، لان النذر رافع للتمكن من التصرف الذي هو شرط للوجوب، فينتفي الوجوب بانتفائه. فان قلت: إذا قدم دليل النذر كان الامر كما ذكر، ولو قدم دليل الزكاة كانت الزكاة واجبة وارتفع شرط النذر، فما وجه هذا الترجيح؟ قلت: الجمع بين الدليلين يقتضي الاخذ بالسابق موضوعا، ويكون ذلك تخصصا بالنسبة إلى اللاحق لا العكس، كما أشرنا إلى ذلك في مواضع من هذا الشرح. (1) يعني: أحدها وجوب الزكاة، وثانيها عدمه. ثم إن قلنا بعدم وجوب الزكاة فيما لو حصل الشرط بعد الحول فهنا القول بالعدم أولى. وإن قلنا بالوجوب كما اختاره في المتن فوجه الاحتمال الاول: أن عدم التمكن في آخر أزمنة الحول لا يقدح في وجوب الزكاة، لعدم الاعتناء به في الآن المذكور لقلته، وحينئذ لا يصح النذر لتعلقه بحق الغير. ووجه الاحتمال الثاني: ظهور الادلة في اعتبار التمكن في تمام الحول حقيقة، وهو غير حاصل، والصدق المبني على المسامحة لا يعتد به، فيكون الحكم كما لو حصل الشرط في أثناء الحول. ووجه التخيير: إما البناء على كون المقام من باب تزاحم المقتضيات أو من باب التعارض الذي حكمه التخيير.

 

===============

 

( 43 )

 

[ (مسألة 13): لو استطاع الحج بالنصاب فان تم الحول قبل سير القافلة والتمكن من الذهاب وجبت الزكاة أولا (1) فان بقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب، وإلا فلا. وإن ] وفيه:. أن التزاحم يتوقف على تمامية المقتضي في الطرفين، وليس كذلك. إذ الامر دائر بين الاحتمالين السابقين، فان بني على الاول ارتفع موضوع النذر وإن بني على الثاني ارتفع موضوع الزكاة، فلا يمكن البناء على اجتماع المقتضيين. ومنه يظهر بطلان إجراء التعارض في المقام، لانه إن بني على الاحتمال الاول يتعين سقوط دليل النذر، وإن بني على الثاني يتعين سقوط دليل الزكاة. مع أن التخيير حكم التعارض في المتباينين لا العامين من وجه كما في المقام فان حكمه التساقط والرجوع إلى دليل آخر. اللهم إلا أن يقال: إنما يرجع إلى دليل آخر إذا كان موافقا لاحدهما لا ما إذا كان مخالفا لهما، وفي المقام لا يمكن الرجوع إلى أصالة البراءة ونحوها مما كان نافيا للامرين، فيتعين الرجوع إلى الاحتياط، فان أمكن صرف العين في مجمع العنوانين وجب،، وإلا تخير بينهما. هذا والمتعين من الاحتمالين هو الثاني، لظهور قوله (ع): (حتى يحول عليه الحول في يده) (* 1) في اعتبار التمكن في تمام الحول. فلاحظ. وأما وجه القرعة: فعموم ما دل على أنها لكل أمر مشكل (* 2). وفيه: أنه على تقدير جواز العمل بهذا العموم فلا إشكال ولا اشتباه بعد كون مقتضى العمل بالقواعد تقديم النذر وسقوط الزكاة، كما عرفت. (1) كما في محكي البيان. لعدم وجوب حفظ المال قبل التمكن من

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2. (* 2) راجع الوسائل باب: 13 من ابواب كيفية القضاء، ومستدرك الوسائل باب: 11 من الابواب المذكورة.

 

===============

 

( 44 )

 

[ كان مضي الحول متأخرا عن سير القافلة وجب الحج (1) ] السفر إلى الحج، بل يجوز التصرف فيه بنحو تزول الاستطاعة. لكن سيأتي إن شاء الله تعالى في محله الاشكال في هذا التحديد. ولو بني عليه فشرط وجوب الزكاة حاصل. (1) لتحقق الاستطاعة التي هي شرط وجوب الحج، وإذا وجب وجب حفظ المال مقدمة له، وحرم التصرف فيه، فينتفي شرط وجوب الزكاة. ولا مجال لان يقال: لا يجب الحج لانتفاء الاستطاعة من جهة وجوب دفع الزكاة بعد حولان الحول، لان وجوب الدفع مشروط بالتمكن من التصرف، المنتفي بوجوب الحج، المقتضي لحفظ المال عن التلف، وقد عرفت أن المقتضيين الشرعيين إذا كان كل واحد منهما رافعا لشرط الآخر يجب العمل على الاسبق. هذا إذا توقف الحج على صرف عين المال، وإلا لم يقتض وجوبه المنع من التصرف، فإذا حال الحول وجبت الزكاة، وحينئذ إذا كان وجوبها موجبا لثلم الاستطاعة سقط وجوب الحج. ولعله لذلك قال في القواعد: (لو استطاع بالنصاب ووجب الحج ثم مضى الحول على النصاب فالاقرب عدم منع الحج من الزكاة..) ونحوه حكي عن التذكرة، والنهاية والايضاح، والبيان، معللا في الثلاثة الاول: بأن الزكاة متعلقة بالعين بخلاف الحج، يعني: فانه متعلق بالذمة، ولا يتوقف على وجود العين. وإلا فمجرد تعلقه بالذمة وتعلقها بالعين لا يستلزم تحقق شرطها الذي هو التمكن من التصرف. ثم إنه يمكن أن يقال بوجوب الزكاة والحج معا في صورة عدم توقف الحج على صرف العين، أما الزكاة فلما ذكر، وأما الحج فلان فوات الاستطاعة يكون مستندا إلى تقصيره في عدم تبديل النصاب، وإذا

 

===============

 

( 45 )

 

[ وسقط وجوب الزكاة. نعم لو عصى ولم يحج وجبت بعد تمام الحول (1). ولو تقارن خروج القافلة مع تمام الحول وجبت الزكاة أولا لتعلقها بالعين (2)، بخلاف الحج، (مسألة 14): لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكن من التصرف فيه بأن كان مدفونا ولم يعرف مكانه، أو غائبا، أو نحو ذلك ثم تمكن منه استحب زكاته لسنة (3)، بل يقوى استحبابها بمضي سنة واحدة أيضا. ] استند فوات الاستطاعة إلى تقصير المكلف استقر عليه الحج ووجب ولو متسكعا. (1) هذا غير ظاهر، لان التكليف بالحج بحدوثه يمنع من التصرف والعصيان لا أثر له في رفع ذلك، كما تقدم في النذر الموقت بما قبل الحول إذا لم يف به. نعم لو فرض عدم توقف السفر إلى الحج على صرف ذلك المال بأن يمكنه السفر متسكعا، أو باستدانة مال آخر لم تسقط الزكاة إذا تم الحول على المال، سواء حج أم عصى. وكذا لو بني على عدم وجوب المقدمة غير الموصلة، وكان عازما حين الاستطاعة على عدم الحج فانه تجب الزكاة عليه إذا لم يحج ولم يتصرف بالمال. فسقوط الزكاة بالاستطاعة في أثناء الحول إنما يكون بناء على وجوب مطلق المقدمة، وفرض توقف الحج على صرف ذلك المال في طريقه. (2) قد عرفت: أن مجرد ذلك غير كاف في وجوبها إذا كان وجوب الحج مانعا عن التصرف بالعين، لتوقفه على وجود النصاب أو بعضه. نعم إذا لم يتوقف الحج على وجود النصاب أو قلنا: بأن المنع عن التصرف في آخر أجزاء الحول ليس مانعا عن وجوب الزكاة وجبت الزكاة وسقط الحج، لعدم الاستطاعة. (3) بلا خلاف فيه في الجملة، بل ظاهر محكي التذكرة والمنتهى:

 

===============

 

( 46 )

 

[ (مسألة 15): إذا عرض عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة أو بعد مضي الحول متمكنا فقد استقر الوجوب (1)، فيجب الاداء إذا تمكن بعد ذلك، وإلا فان كان مقصرا يكون ضامنا (2)، وإلا فلا. ] الاجماع عليه. ويدل عليه في المدفون والغائب خبرا زرارة وسدير، المتقدمان في شرطية التمكن من التصرف (* 1)، ومصحح رفاعة: (عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين، ثم يأتيه فلا يرد رأس المال، كم يزكيه؟ قال (ع): سنة واحدة) (* 2) المحمولة على الاستحباب إجماعا. نعم في التعدي عن موردها إلى كل ما لم يتمكن من التصرف فيه كما قد يظهر من المتن غير ظاهر. ولا سيما بملاحظة اختصاص أكثر الفتاوى بهما. نعم في محكي المنتهي: ذكر المغصوب والضال. ولا يحضرني إطلاق لهم يشمل كل ما لم يتمكن من التصرف فيه. ثم إن المحكي عن أكثر الكتب: تخصيص الحكم بالضال والمفقود ثلاث سنين، وعن البيان وجامع المقاصد والمفاتيح: شمول الحكم لسنتين. ويساعدهم: إطلاق خبر زرارة، بل قرب في الجواهر: عمومه للسنة الواحدة كما قواه في المتن وهو في محله. (1) لتحقق شرطه، وهو التمكن من التصرف في الحول. (2) المعروف: أنه إذا تعلقت الزكاة بعين المال فلم يتمكن من أدائها فتلفت لم يضمن، وإن تمكن منه فأهمل ضمن. وعن المنتهى: الاجماع على الاول، وعن التذكرة والمدارك: الاجماع على الثاني. والاول مقتضى أصالة البراءة من الضمان. كما أن الثاني أيضا مقتضى أصالة الضمان

 

 

____________

(* 1) لاحظ الشرط الخامس من شروط وجوب الزكاة. (* 2) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 4

 

===============

 

( 47 )

 

[ (مسألة 16): الكافر تجب عليه الزكاة (1)، لكن ] على الامين المفرط، بناء على وجوب الاداء فورا، لان تركه تفريط منه. نعم بناء على عدم وجوب الفورية يشكل كونه مقتضى الاصل. إلا إذا كانت يده ليست يد أمانة، بناء على عموم: (على اليد..) لغير الامين. لكن المبنى المذكور مع مخالفته لظاهر الاجماع على كونه أمينا مقتضاه الضمان مع عدم الاهمال. فالمتعين الاعتماد في الضمان مع الاهمال بناء على عدم وجوب الفور على الاجماع المحكي، وظاهر غير واحد من النصوص، كمصحح زرارة: (سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل بعث إلى أخ زكاته ليقسمها فضاعت فقال (ع): ليس على الرسول، ولا على المؤدي ضمان قلت: فان لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت، أيضمنها؟ فقال (ع): لا، ولكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها) (* 1)، ومصحح ابن مسلم: (رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال (ع): إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لانها قد خرجت من يده) (* 2). (1) على المشهور المعروف، بل حكي: إجماع أصحابنا على أن الكفار مكلفون بالفروع كما هم مكلفون بالاصول. ويقتضيه: عموم أدلة التكليف وخصوص جملة من الآيات، مثل قوله تعالى: (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة..) (* 3). وقوله تعالى: (لم نك من المصلين ولم نك

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 39 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 39 من ابواب مستحقي الزكاة حديث: 1. (* 3) فصلت: 6 - 7.

 

===============

 

( 48 )

 

[ لا تصح منه (1) إذا أداها. نعم للامام (ع) أو نائبه أخذها منه قهرا (2). ] نطعم المسكين..) (* 1). ويدل عليه في المقام: ما ورد من تقبيل النبي صلى الله عليه وآله خيبر، وأنه جعل عليهم في حصصهم سوى قبالة الارض العشر ونصف العشر (* 2). فراجع. (1) بلا إشكال كما عن المدارك لاعتبار الايمان فضلا عن الاسلام في صحة العبادات إجماعا، التي منها إيتاء الزكاة إجماعا. ثم إنه قد يستشكل في ثبوت الوجوب على الكافر مع عدم الصحة: بأنه إن أريد وجوب أدائها حال الكفر فهو تكليف بما لا يصح، وإن أريد بعد الاسلام فهو مناف لبنائهم على سقوطها بالاسلام. أقول: الاشكال المذكور لا ورود له على وجوبها وضعا في المال بمعنى: تعلقها به كتعلقها بمال المسلم إذ يترتب على تعلقها به كذلك جواز انتزاعها منه قهرا أو اختيارا. وأما وجوبها تكليفا فالمراد منه وجود مناط الوجوب عليه، وإن امتنع توجهه إليه فعلا لعدم إسلامه قبل أوان التعلق، المستلزم لعدم قدرته على الامتثال، فالمراد من الوجوب ما يقابل انتفاؤه رأسا، لا الوجوب الفعلي. (2) كما عن المسالك. لان الحاكم الشرعي بولايته على الفقراء له استيفاء أموالهم واستنقاذ حقوقهم، ومجرد عدم صحة الايتاء من الكافر وعدم مقربيته له لا يوجب تعذر استيفاء حقوق الناس منه، كما في المسلم الممتنع، فيكون الحاكم وليا عليه في التعيين، كما يكون وليا على الممتنع فيه. وحينئذ يسقط وجوب الاداء بانتفاء موضوعه لا بامتثال النائب،

 

 

____________

(* 1) المدثر: 43 - 44. (* 2) الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

 

===============

 

( 49 )

 

[ ولو كان قد أتلفها فله أخذ عوضها منه (1). (مسألة 17): لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه ] لامتناع النيابة في العبادة عن الكافر وكذا الحال في التعيين، فانه لابد فيه من النية كالاداء إجماعا، على ما حكاه غير واحد، منهم المحقق والعلامة في المعتبر والمنتهى على ما حكي. فلا يتعبد عنه في التعيين، كما لا يتعبد عنه في الاداء. (1) لقاعدة الضمان بالاتلاف، وحينئذ فتؤخذ منه قهرا، لكن المحكي عن تصريح الشيخين، والفاضلين، والشهيدين، وغيرهم: عدم الضمان، بل عن جماعة: نسبته إلى المشهور، ودليله غير ظاهر نعم استدل له: بأن الكافر لا يتمكن الاداء، والتمكن منه شرط في الضمان، وفيه: أن الكافر يتمكن من الاداء، وإنما الذي لا يتمكن منه الاداء الصحيح المقرب، وهو ليس بشرط للضمان، كما يظهر من ملاحظة النصوص المتقدمة. مع أنه تمكن دعوى تمكنه من الاداء الصحيح بالاسلام قبل وقت التعلق. إلا أن يشكل الاخير: بأن التمكن المستند إلى ما قبل التعلق لا يجدي في الضمان. ويشكل ما قبله: بأن عدم شمول نصوص نفي الضمان عند عدم التمكن لمثله لا يقتضي الضمان، إلا بناء على عموم: (على اليد..) للفرض. فالعمدة: أن التمكن من الاداء شرط للضمان بالتلف لا بالاتلاف الذي هو محل الكلام، فان الضمان به ليس مشروطا بالتمكن من الاداء، كما لا يخفى، وقد أطال شيخنا الاعظم (ره) في تقريب عدم الضمان بما لم يتحصل لنا المراد منه. مع أنه في آخر كلامه قال: (ويبقى الكلام في دليل ما ذكروه: من اشتراط الاسلام في الضمان، وليس بواضح، كما اعترف به غير واحد).

 

===============

 

( 50 )

 

[ الزكاة سقطت عنه (1) وإن كانت العين موجودة، فان الاسلام يجب ما قبله. ] (1) كما هو المشهور، بل في مفتاح الكرامة: (ما وجدنا من خالف أو توقف قبل صاحب المدارك وصاحب الذخيرة))، وعن مجمع البرهان: أنه قال: لعله للاجماع والنص. ويريد بالنص: النبوي المشهور: (الاسلام يجب ما قبله) (* 1). لكن يمكن أن يستشكل فيه: أولا: بوروده مورد الامتنان المنافي لشموله للمقام، لانه خلاف الامتنان بالاضافة إلى الفقراء. وثانيا: بأن ظاهر الحديث جب حال الكفر عن حال الاسلام، فيختص بما لو كان ثابتا حال الاسلام لاستند إلى ما ثبت حال الكفر، مثل التكليف بقضاء العبادات حال الاسلام فانه لو ثبت كان مستندا إلى الفوت حال الكفر فقطع حال الكفر عن الاسلام يقتضي أن لا يترتب على الفوت الثابت حال الكفر التكليف بالقضاء حال الاسلام. وهذا لا يجري في مثل الزكاة لان حول الحول مثلا على العين الزكوية يوجب حدوث حق للفقراء، فإذا حدث كان بقاؤه مستندا إلى استعداد ذاته، فإذا أسلم وبقي الحق المذكور للفقراء بعد إسلامه لم يكن بقاؤه مستندا إلى حول الحول حال الكفر ليشمله الحديث، وإنما يستند بقاؤه إلى استعداد ذاته، فلا يشمله الحديث. ودعوى: أن تعلق حق الفقراء ناشئ من الامر بأداء الزكاة، والامر المذكور إنما يستند إلى حولان الحول حال الكفر، فإذا كان الحديث نافيا لوجود مالو وجد كان مستندا إلى ما قبل الاسلام كان نافيا للامر المذكور، وإذا انتفى انتفى الحق المذكور، لانتفاء منشأه فيها: منع ذلك جدا. بل الامر بالعكس، فان السبب في الامر بالايتاء ثبوت الحق، كما يقتضيه تعلق الايتاء بالزكاة تعلق الحكم بموضوعه المقتضي لثبوته في رتبة سابقة عليه، نظير

 

 

____________

(* 1) تقدم الكلام حول الحديث في أوائل فصل صلاة القضاء من الجزء السابع من هذا الشرح.

 

===============

 

( 51 )

 

قولك: (إدفع مال زيد إليه) لا من قبيل: (إدفع مالك إلى زيد). وبالجملة: ملاحظة مجموع ما ورد في الزكاة من أدلة التشريع يقتضي الجزم بأن جعل الحق ثابت في الرتبة السابقة على الامر بالايتاء، وإلا فالامر باتياء الانسان ماله إلى غيره لا يقتضي بوجه ثبوت حق للغير في ماله كي يدعى أن الامر بايتاء الزكاة منشأ لثبوت الحق، وقوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة.) (* 1) يراد منها ما ذكرنا، ونسبتها إلى أموالهم يراد أن أصلها من أموالهم. أو لانها قبل الدفع لم تتعين زكاة، إنما تتعين به ودعوى: أن الملكية من الاحكام الوضعية وهي منتزعة من التكليف مندفعة: بما تقرر في محله: من أن الانتزاع لو سلم فانما هو في غير ما كان مثل الملكية والحقية ونحوهما، مما أخذ موضوعا للاحكام الشرعية، لامتناع انتزاع الموضوع من حكمه. فراجع المسألة في الاصول. وثالثا: بأن البناء على عموم حديث الجب يوجب تخصيص الاكثر إذ لا ريب في بقاء إيقاعاته وعقوده وما عليه من الديون ونحوها على ماهي عليه قبل الاسلام، وذلك يوجب البناء على إجماله، والقدر المتيقن عدم مؤاخذته على الكفر السابق، وليس منه ما نحن فيه. ويمكن الجواب على الاول: بأنه لو سلم كون الحديث واردا مورد الامتنان فانما هو بالاضافة إلى المسلم نفسه، فلا مانع من كونه على خلاف الامتنان بالاضافة إلى غيره. وعن الثاني: بأن ملكية الفقراء للزكاة لما كانت من الامور الاعتبارية وليست من الامور الحقيقية كان بقاؤها مستندا إلى ملاحظة منشأ الاعتبار، فكما أن اعتبارها في آن حدوثها ناشئ من ملاحظة السبب كذلك اعتبارها في الآن الثاني وهكذا فما لم يلحظ منشأ الاعتبار في كل آن لا يصح اعتبارها كذلك. ولذا كان الفسخ واردا على العقد وموجبا لارتفاع

 

 

____________

(* 1) التوبة: 103.

 

===============

 

( 52 )

 

الاثر، لا أنه وارد على نفس الاثر فهو من هذه الجهة نظير التكليف مثل وجوب القضاء، فان المولى في كل آن ما لم يلحظ الفوت لا يوجب القضاء، وكما لا يصح وجوب القضاء في أول أزمنة الفوت إلا بعد ملاحظة صدق الفوت كذلك في بقية الازمنة، لا يصح الوجوب إلا بلحاظ تحقق الفوت السابق. وكما أن مقتضى الحديث عدم تأثير الفوت الحاصل قبل الاسلام في وجوب القضاء بعده، كذلك مقتضاه عدم تأثير حولان الحول الحاصل قبل الاسلام في ملكية الفقراء بعده. نعم يتم الاشكال في مثل النجاسة، والحدث الاصغر، والاكبر، فانها لو كانت اعتبارية فمنشأ اعتبارها نفس الاثر الخارجي الحاصل من وجود السبب لا نفس السبب، وذلك الاثر بقاؤه مستند إلى استعداد ذاته لا إلى السبب، فحديث الجب لا يقتضي ارتفاعه، فيصح اعتبار تلك الاحكام منه ويترتب أثرها: من الغسل والوضوء والغسل، لوجود السبب بعد الاسلام بعين وجوده قبله. وعن الثالث: بامكان دعوى انصراف الحديث الشريف إلى خصوص ما كان وقوعه نوعا قبل الاسلام، من جهة عدم كونه مسلما، فلا يشمل مثل العقود والايقاعات والديون ونحوها مما لا يختص بفعله نوعا غير المسلم. فلو اعتق الكافر عبدا بقي على حريته بعد إسلامه. ولو استدان مالا بقي في ذمته بعد الاسلام، وهكذا.. نعم لو وقع في عقده أو إيقاعه خلل بفقد شرط، أو وجود مانع لم يؤثر ذلك الخلل فسادا بعد الاسلام، لسقوط مؤثريته بعد الاسلام بحديث الجب، فيصح بيعه الربوي أو المجهول فيه أحد العوضين، وهكذا.. نعم قد يشكل التمسك بالحديث: بأن المروي (* 1) في مجمع البحرين

 

 

____________

(* 1) قد تقدم في قضاء الصلوات من كتاب الصلاة التعرض لجملة من طرق الحديث وموارده. فراجع (منه قدس سره).

 

===============

 

( 53 )

 

من متنه، والمحكي عن غيره أيضا هكذا: (الاسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب). وقصوره عن صحة التمسك به ظاهر، والشهرة لا تجبر الدلالة على الصحيح. وفي أواخر الجزء الرابع من شرح النهج لابن أبي الحديد، عن أبي الفرج الاصبهاني: ذكر قصة إسلام المغيرة بن شعبة، وأنه وفد مع جماعة من بني مالك على المقوقس ملك مصر، فلما رجعوا قتلهم المغيرة في الطريق، وفر إلى المدينة مسلما، وعرض خمس أموالهم على النبي صلى الله عليه وآله فلم يقبله. وقال: (لاخير في غدر) فخاف المغيرة على نفسه من النبي صلى الله عليه وآله وصار يحتمل ما قرب وما بعد فقال صلى الله عليه وآله: (الاسلام يجب ما قبله). هذا وفي المدارك: (يجب التوقف في هذا الحكم، لضعف الرواية المتضمنة للسقوط سندا ومتنا، ولما روي في عدة أخبار صحيحة: من أن المخالف إذا استبصر لا يجب عليه إعادة شئ من العبادات التي أوقعها في حال ضلالته، سوى الزكاة فانه لابد من أن يؤديها (* 1) ومع ثبوت هذا الفرق في المخالف يمكن إجراؤه في الكافر. وبالجملة: الوجوب على الكافر متحقق فيجب بقاؤه تحت العهدة إلى أن يحصل الامتثال، أو يقوم على السقوط دليل يعتد به.). وفيه: أن ضعف السند مجبور باعتماد الاصحاب، وضعف الدلالة ممنوع إلا من جهة ما ذكرنا، ولو سلم فلا مجال للتوقف في الحكم بعد تسالم الاصحاب، وأن من المقطوع به من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وخلفائه (ع) عدم مطالبتهم من أسلم من الكافرين بزكاة ماله فيما مضى من عمره، سواء أكان موجودا أم مفقودا، وكفى بمثل ذلك دليلا على السقوط، مانعا من الرجوع إلى القواعد المقتضية للبقاء، فضلا عن القياس على المخالف، فتأمل.

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب مستحقي الزكاة.

 

===============

 

( 54 )

 

[ (مسألة 18): إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب بعد تعلق الزكاة وجب عليه إخراجها (1).