خاتمة فيها مسائل 1

خاتمة فيها مسائل: (الاولى): خراج الارض المستأجرة في الاراضي الخراجية على مالكها (1). ولو شرط كونه على المستأجر ] خاتمة (1) لا ينبغي التأمل في أن الارض الخراجية - وهي المحياة حين الفتح - ملك للمسلمين من ولد ومن لم يولد، لا يملكها أحد غيرهم. وما ذكره جماعة من أنها تملك لآحاد الناس تبعا للآثار، لا دليل عليه، كما ذكرنا في حاشيتنا على مكاسب شيخنا الاعظم (ره). وما في مفتاح الكرامة من أن دعوى أن أرض الخراج لا تكون ملكا، وهم قطعا، فان الارض المفتوحة عنوة المحياة قبل الفتح إذا أذن الامام لاحد بأن يبني فيها أو يغرس، وأن يكون عليه خراجها، ملك رقبتها أصالة أو تبعا - على الخلاف - فإذا زالت آثاره زال ملكه. (انتهى). غير ظاهر، فراجع. ولعل مقصود المتن من المالك: المؤجر الذي يملك منفعتها. ثم الظاهر أنه لاإشكال ظاهر فيما ذكره من أن الخراج على المالك لا على المستأجر، لانه موضوع على من بيده الارض، ومن جعل له سلطان التصرف فيها، فلا يكون على المستأجر. ويظهر من كلماتهم في كتاب

 

===============

 

( 191 )

 

[ صح على الاقوى. ولا يضر كونه مجهولا من حيث القلة والكثرة (1)، لاغتفار مثل هذه الجهالة عرفا، ] المزارعة التسالم على الحكم المذكور، وإن اختلفت عباراتهم، فمنهم من عبر بالمالك. وآخر بالصاحب. وثالث برب الارض. والمراد به ما عرفت. ويشهد بالحكم المذكور خبر سعيد الكندي قال: " قلت لابي عبد الله (ع): إني آجرت قوما أرضا، فزاد السلطان عليهم. فقال (ع): أعطهم فضل ما بينهما. قلت: أنا لم أظلمهم ولم أزد عليهم. قال (ع): إنهم إنما زادوا على أرضك ". (1) أشار بذلك إلى ما ذكر في المسالك في مبحث المزارعة من المنع عن الشرط المذكور. للجهالة القادحة. واستشكل فيه في الرياض. ودفعه المصنف باغتفار مثل هذه الجهالة عرفا. وكأنه لان الشرط تابع وليس مقوما للعقد، فالجهالة فيه ليست جهالة في العقد. ويشكل: بأن الشرط في ضمن العقد وإن لم يكن من مقومات كلي العقد، لكنه من مقومات شخصه، فالجهل فيه جهل بمضمون العقد الشخصي، فيصدق على الاجارة الشخصية أنها غررية. نعم قد يصح ذلك في الشروط الملحوظة تبعا لركن العقد، مثل: اشتراط حمل الدابة وسرجها ولجامها ونحو ذلك مما كان معدودا من توابع العوض. هذا وفي الجواهر قال في مبحث المزارعة: " لعل الوجه في إطلاق النص والفتوى صحة هذا الشرط: أنه من اشتراط كون الحق الخراج عليه نحو اشتراط حق الزكاة على مشتري الثمرة، مع عدم العلم بمقدارها، إذ ليس هو اشتراط قدر، بل اشتراط حق، وربما لايؤدي عنه شيئا، ومرجعه إلى اشتراط كون الزارع كالمالك في تعلق هذا الحق، الذي

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة حديث: 10.

 

===============

 

( 192 )

 

[ ولاطلاق بعض الاخبار (1). ] لاإشكال في صحة اشتراطه ". ويشكل: بأن اشتراط كون الحق عليه لا يخلو من إشكال في نفسه لان موضوع حق الخراج هو المالك، فيكف يمكن أن يجعل موضوعه غيره؟! فان أمر موضوع الحق بيد جاعله، ولايكون بيد غيره، فاشتراط ذلك غير معقول، فضلا عن أن يكون صحته مما لاإشكال فيها. وكذا الحكم في اشتراط حق الزكاة، فان متعلقه عين النصاب، وليس متعلقا بالمالك ليكون مما نحن فيه. نعم خطاب أداء الزكاة متعلق بالمالك، واشتراط كونه على المشتري بحيث يخرج المالك عن موضوع الخطاب، أيضا غير معقول، إذ ليس للمأمور صلاحية نقل الخطاب المتعلق به إلى غيره. هذا مضافا إلى أن مقدار الخراج إذا كان مجهولا كان الحق مجهولا. ومثله: أن يشترط عليه أن يمكله ما في الصندوق المردد بين القليل والكثير، فالتقريب المذكور لا يرفع الاشكال. فالعمدة ما عرفت في أول الكتاب من أنه لادليل على قدح الجهالة كلية في عقد الاجارة. ودليل نفي الغرر مختص بالبيع. والاجماع على القدح غير حاصل. (1) في صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع): " في الرجل تكون له الارض عليها خراج معلوم، وربما زاد وربما نقص، فيدفعها إلى رجل على أن يكفيه خراجها، ويعطيه مائتي درهم في السنة. قال (ع): لا بأس ". ونحوه صحيح يعقوب بن شعيب (* 2). وظاهرهما جواز شرط ذلك مع تردده بين الاقل والاكثر، فالدلالة تكون بالظهور

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من أبواب المزارعة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 17 من أبواب المزارعة ملحق حديث: 1.

 

===============

 

( 193 )

 

[ (الثانية): لا بأس بأخذ الاجرة على قراءة تعزية سيد الشهداء وسائر الائمة صلوات الله عليهم (1)، ولكن ] لا بالاطلاق. نعم في صحيح يعقوب الآخر عن أبي عبد الله (ع) قال: " سألته عن الرجل تكون له الارض من أرض الخراج، فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها ويصلحها ويؤدي خراجها، فما كان من فضل فهو بينهما. قال (ع): لا بأس " (* 1). لكن الظاهر منه المزارعة لا الاجارة. وخبر ابراهيم بن ميمون: " سألت أبا عبد الله (ع) عن قرية لاناس من أهل الذمة، لاأدري أصلها لهم أم لا، غير أنها في أيديهم وعليها خراج، فاعتدى عليهم السلطان، فطلبوا إلي فاعطواني أرضهم وقريتهم، على أن أكفيهم السلطان بما قل أو كثر، ففضل لي بعد ذلك فضل، بعد ما قبض السلطان ما قبض. قال (ع): لا بأس بذلك، لك ماكان من فضل " (* 2). ونحوه خبر أبي بردة (* 3). وخبر أبي الربيع (* 4). وهذه الروايات وإن كان مطلقة، لكنها ظاهرة في كون أداء الخراج عوضا، لا شرطا في العقد. (1) لا ينبغي التأمل في صحة ذلك، لكونه عملا له منفعة معتد بها دنيوية وأخروية. نعم قد يشكل ما هو المتعارف، من جهة أنه لابد من تعيين العمل بالخصوصيات التي تختلف بها الرغبات والمالية، لاختلاف مالية القراءة بلحاظ اختلاف المضامين، واختلاف كيفية الاداء. واختلاف المدة، فإذا لم يكن تعيين بطلت الاجارة. نعم إذا كانت الاجارة واقعة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب المزارعة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 17 من أبواب المزارعة حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 17 باب من أبواب المزارعة حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 17 من أبواب المزارعة حديث: 4.

 

===============

 

( 194 )

 

[ لو أخذها على مقدماتها من المشي إلى المكان الذي يقرأ فيه كان أولى (1). (الثالثة): يجوز استئجار الصبي المميز من وليه الاجباري أو غيره - كالحاكم الشرعي - لقراءة القرآن أو التعزية والزيارات (2). بل الظاهر جوازه لنيابة الصلاة عن الاموات بناء على الاقوى من شرعية عباداته (3). ] على كلي القراءة ومسمى ذكر المصاب، صحت وإن لم يكن تعيين. وحينئذ لابد في تصحيح الاجارة من وقوعها على النحو المذكور، وحينئذ يستحق الاجرة بمجرد ذلك. (1) كأنه ليكون أبعد عن شبهة منافاة قصد أخذ الاجرة للاخلاص. (2) الامور الثلاثة وأمثالها: تارة: يحصل المقصود منها بمجرد وجودها، سواء كانت عبادة أم لا، وحينئذ لاشبهة في صحة اجارة الصبي عليها، كسائر الاعمال غير العبادية مثل الخياطة والنساجة ونحوهما. وأخرى: لا يحصل المقصود منها إلا بوقوعها على وجه العبادة، فقد تشكل الاجارة عليها بناء على أن عبادات الصبي تمرينية، لا شرعية. إلا أن يقال: إن الخلاف المذكور يختص بالعبادات الوجوبية، لان حديث رفع القلم عن الصبي يختص برفع الوجوب. لكن الظاهر منهم عموم الخلاف، بناء منهم على أن أدلة التشريع العامة غير شاملة للصبي، فينحصر تشريع عباداته بدليل آخر غيرها. ولذلك جعلوا مبني الخلاف المذكور: أن الامر بالامر هل هو أمر أو لا؟ فعلى الاول: تكون مشروعة، وعلى الثاني: لا تكون. ولافرق في ذلك بين الواجبات والمستحبات. (3) قد تكرر مرارا في هذا الشرح التعرض لهذه المسألة. وقد ذكرنا فيما سبق أن أدلة التشريع عامة للبالغ وغير البالغ. وليس ما يستوجب رفع

 

===============

 

( 195 )

 

[ (الرابعة): إذا بقي في الارض المستأجرة للزراعة بعد انقضاء المدة أصول الزرع فنبتت، فان لم يعرض المستأجر عنها كانت له (1)، ] اليد عن العموم المذكور الا حديث رفع القلم عن الصبي، لكن الجمع العرفي بينه وبين الادلة العامة بحمله على رفع الالزم، فيكون ترخيصا في مخالفة الوجوب والحرمة، كما يشهد به ذكره في سياق النائم، فانه أحد الثلاثة الذين رفع عنهم القلم، ولاريب أنه لا يسقط عنه التكليف بالمرة، وإنما يسقط عنه اللزوم العقلي، فراجع مبحث المرتد في باب نجاسة الكافر وغيره من المباحث. ثم إن الظاهر أن صحة النيابة عن الاموات لاتبتني على شرعية عبادة النائب، فان الفقير غير المستطيع يجوز نيابته عن الميت في حج الاسلام، والمسافر تشرع له النيابة عن الميت في صلاة التمام، والحاضر تشرع له النيابة عن الميت في صلاة القصر.. وهكذا. إذ اللازم في صحة النيابة في العبادة مشروعية العبادة في حق المنوب عنه، لان النائب يمتثل الامر المتوجه إلى المنوب عنه، فإذا لم يكن المنوب عنه مأمورا لم تكن النيابة عنه. وأما النائب فلا يتعبر في صحة نيابته توجه أمر إليه بالفعل المنوب فيه، نعم يعتبر وجود عموم يدل على مشروعية النيابة من الصبي، كما لو شك في مشروعية نيابة الذكر عن الانثى وبالعكس. والظاهر ثبوت هذا العموم، لعموم بناء العقلاء، وعموم الاخبار المتقدمة في مباحث النيابة. (1) قال في التذكرة في كتاب المزارعة: " إذا زارع رجلا في أرضه فزرعها، وسقط من الحب شئ ونبت في ملك صاحب الارض عاما آخر، فهو لصاحب البذر عند علمائنا أجمع. وبه قال الشافعي ". وقال في كتاب العارية: " لو حمل السيل حب الغير أو نواه أو جوزه

 

===============

 

( 196 )

 

أو لوزه إلى أرض آخر، كان على صاحب الارض رده على مالكه إن عرفه، وإلا كان لقطة. فان نبت في أرضه وصار زرعا أو شجرا، فانه يكون لصاحب الحب والنوى والجوز واللوز، لانه نماء أصله، كما أن الفرخ لصاحب البيض. ولا نعلم فيه خلافا ". وفي القواعد في كتاب المزارعة: " ولو تناثر من الحاصل حب فنبت في العام الثاني، فهو لصاحب البذر. ولو كان من مال المزارعة فهو لهما " ونحوه كلام غيره. ومثله مفروض المتن. والحكم فيه كما ذكر المصنف (ره). ووجهه ما أشار إليه في التذكرة من أن النماء تابع الاصل، فيملكه مالك الاصل. نعم قال في التذكرة أيضا: " لو كان المحمول بالسيل مالا قيمة له كنواة واحدة وحبة واحدة فنبت، احتمل أن يكون لمالك الارض إن قلنا لا يجب عليه ردها إلى مالكها، لو لم تثبت، لانتفاء حقيقة المالية فيها، والتقويم إنما حصل في أرضه. وهو أحد وجهي الشافعية. وأن يكون لمالكها إن قلنا بتحريم أخذها ووجوب ردها قبل نباتها. فعلى هذا في قلع النابت وجهان ". ولا ينبغي التأمل في أن الاصح الاحتمال الثاني، فان الملكية ليست متقومة بالمالية، فان المالية تابعة لتنافس العقلاء على موضوعها، والتنافس إنما يكون مع الاعتداد بمرتبة المالية، فإذا لم تكن بمرتبة معتد بها لم يكن موضوعها. وليست الملكية كذلك، فانها تابعة لاسباب أخرى عرفيه أو شرعية، فيصح اعتبارها مع وجود السبب، ولو لم تكن للعين مالية. فالمالية والملكية متباينان مفهوما، وبينهما عموم من وجه موردا. نعم الادلة اللفظية مثل: " لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه "، ومثل: " فلا يحل لاحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه " إنما يدلان على حرمة التصرف في مال الغير، ولا يدلان

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 3 من أبواب الانفال حديث: 6.

 

===============

 

( 197 )

 

[ وان أعرض عنها وقصد صاحب الارض تملكها كانت له (1). ] على حرمة التصرف في ملك الغير. لكن الظاهر التسالم على حرمة التصرف في ملك الغير كماله. يظهر ذلك من كلمات أصحابنا، وغيرهم من المخالفين. ويكفي في إثباته كونه ظلما وعدوانا، فيدل على حرمته مادل على حرمة الظلم والعدوان. وقد أشار المصنف (ره) إلى شئ من ذلك في مبحث التيمم في مسألة ما إذا حبس في مكان مغصوب. (1) المنسوب إلى المشهور: أن مجرد إعراض المالك عن المملوك يجعله كالمباح بالاصل، فيجوز لكل تملكه. قال في السرائر - بعد ماروى عن الشعيري: " قال: سئل أبو عبد الله (ع) عن سفينة انكسرت في البحر، فأخرج بعضه بالغوص، وأخرج البحر بعض ما غرق فيها. فقال (ع): أما ما أخرجه البحر فهو لاهله، الله أخرجه لهم، وأما ما خرج بالغوص فهو لهم وهم أحق به " (* 1): - " قال محمد بن ادريس: وجه الفرق في هذا الحديث: أن ما أخرجه البحر فهو لاصحابه، وما تركه أصحابه آيسين منه، فهو لمن وجده أو غاص عليه، لانه صار بمنزلة المباح. ومثله من ترك بعيره، من جهد في غير كلاء ولا ماء، فهو لمن أخذه، لانه خلاه آيسا منه. ورفع يده عنه، فصار مباحا. وليس هذا قياسا، لان مذهبنا ترك القياس، وإنما هذا على جهة المثال، والمرجع فيه إلى الاجماع وتواتر النصوص، دون القياس والاجتهاد، وعلى الخبرين إجماع أصحابنا منعقد ". قال في الجواهر - بعد نقل بعض كلامه هذا -: " قلت: لعل ذلك هو العمدة في تملك المعرض عنه. مضافا إلى السيرة في حطب المسافر ونحوه، وإلا فمن المعلوم توقف زوال الملك على سبب شرعي،

 

===============

 

( 198 )

 

كتوقف حصوله، ولا دليل على زوال الملك بالاعراض، على وجه يتملكه من أخذه كالمباح. ومن هنا احتمل جماعة إباحة التصرف في المال المعرض عنه دون الملك، بل عن ثاني الشهيدين: الجزم بذلك. وعن بعض: أنه لا يزول الملك بالاعراض، إلا في الشئ اليسير كاللقمة، وفي التالف كمتاع البحر، وفي الذي يملك لغاية قد حصلت كحطب المسافر. وعن آخر: اعتبار كون المعرض عنه في مهلكة، ويحتاج الاستيلاء عليه إلى الاجتهاد - كغوص وتفتيش ونحوهما - في حصول التملك به. وربما استظهر من عبارة ابن ادريس المتقدمة: اعتبار اليأس، زيادة على الاعراض فيه أيضا.. إلى غير ذلك من كلماتهم، التي مرجعها إلى تهجس في ضبط عنوان لذلك. مع أن السيرة عليه في الجملة، وليس في النصوص غير ما عرفت التعرض له ". أقول: مثل خبر الشعيري خبر السكوني، عن أبي عبد الله (ع) عن أمير المؤمنين (ع) - في حديث -: " قال: وإذا غرقت السفينة وما فيها فأصابه الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لاهله وهم أحق به، وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم " (* 1). ولا يخفى أن الخبرين المذكورين لا دلالة فيهما على أن الوجه في جواز تملك الغواص لما أخرجه. هو يأس المالك، أو إعراضه، أوهما، أو شئ آخر غيرهما إذ هو حكم في واقعة خاصة لا تعرض فيهما لمناطه. لكن ربما يستفاد منهما ومن غيرهما من النصوص المذكورة في مبحث اللقطة: أن المال المملوك إذا صار بحال يؤدي إلى ضياعه وتلفه، فاستنقذه شخص آخر من الضياع والتلف، كان ملكا له، نظير: " من

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب اللقطة حديث: 1.

 

===============

 

( 199 )

 

أحيى أرضا فهي له " (* 1) ففي صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع): " من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الارض، قد كلت وقامت وسيبها صاحبها لما لم تتبعه، فأخذها غيره، فأقام عليها وانفق نفقة حتى أحياها من الكلال ومن الموت، فهي له ولا سبيل له عليها وانما هي مثل الشئ المباح " (* 2). وخبر مسمع عن أبي عبد الله (ع) قال: " إن أمير المؤمنين (ع) كان يقول في الدابة إذا سرحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للذي أحياها. قال: وقضى أمير المؤمنين (ع) في رجل ترك دابة بمضيعة، قال: إن كان تركها في كلاء وماء وأمن، فهي له يأخذها متى شاء، وإن كان تركها في غير كلاء ولاماء، فهي لمن أحياها " (* 3). وصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع): " قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يارسول الله إني وجدت شاة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هي لك أو لاخيك أو للذئب. فقال: يارسول الله صلى الله عليه وآله إني وجدت بعيرا فقال صلى الله عليه وآله: معه حذاؤه وسقاؤه، - حذاؤه: خفه وسقاؤه: كرشه - فلا تهجه " (* 4). ونحوها غيرها. فان الظاهر من الجميع: أن الاستنقاذ من التلف في ظرف عجز المالك - سواء كان ملتفتا إلى ذلك وترك المال عجزا منه، أم غير ملتفت إليه، كما في مورد النصوص الاخيرة - مملك. وعليه فان أمكن العمل بالنصوص تعين القول بذلك. ولادخل للاعراض وعدمه ولا لاباحة المالك وعدمها في جواز التملك من المنقذ، وإن لم يمكن العمل بالنصوص - لاعراض المشهور عنها - فاللازم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب احياء الموات حديث: 5، 6. (* 2) الوسائل باب: 13 من ابواب اللقطة حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 13 من ابواب اللقطة حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 13 من ابواب اللقطة حديث: 1.

 

===============

 

( 200 )

 

القول بعدم جواز التملك بمجرد ذلك وغيره. وفي الجواهر قال: " وأما المال الذي امتنع على صاحبه تحصيله سبب من الاسباب - كغرق أو حرق ونحوهما - فيشكل تملكه بالاستيلاء عليه، خصوصا مع عدم العلم باعراض صاحبه عنه على وجه يقتضي إنشاء إباحة منه لمن أراد تملكه، أو رفع يده عن ملكيته، وإنما هو للعجز عن تحصيله، نحو المال الذي يأخذه قطاع الطريق والظلمة ". أقول: قد عرفت أن موضوع النصوص المال الذي بحال ينتهي إلى التلف لا المال الذي امتنع على صاحبه تحصيله، فلا يدخل فيه المال الذي يأخذه قطاع الطريق والظلمة. والانصاف يقتضي جواز العمل بالنصوص المذكورة، ولم يتحقق من المشهور الاعراض عنها، وقد تعرضوا لمضمونها في لقطة الحيوان الذي لا يمتنع من السباع والضياع، وفي حكم السفينة إذا انكسرت وغرق ما فيها. لكن إثبات القاعدة الكلية، وأن كل ما يؤدي بقاؤه إلى التلف لو لم يؤخذ يجوز أخذه وتملكه، غير ظاهر. ولاسيما أن نصوص الشاة لم يعمل بظاهرها عند المشهور، لبنائهم على جواز أخذها مع الضمان، على اختلاف منهم في معنى الضمان، وأنه فعلي فتكون في الذمة كسائر الديون، أو على تقدير المطالبة، كبنائهم على وجوب التعريف، وإن كان الاظهر عدم الضمان، وعدم لزوم التعريف، أخذا بظاهر النصوص المشار إليها وحملا لما دل على الضمان أو التعريف على غير الالتقاط في الفلاة، بقرينة لزوم التعريف الذي لا يكون في الفلاة. كما أشرنا إلى ذلك في مباحث اللقطة. هذا، وأما إعراض المالك: فلا يظهر من الادلة كونه موجبا لخروج المال عن مالك مالكه، وصيرورته من قبيل المباحات الاصلية، كما عرفت نسبته إلى المشهور، بل يظهر من كلماتهم المتعرضة لحكم الحب

 

===============

 

( 201 )

 

[ ولو بادر آخر إلى تملكها ملك (1)، ] المتساقط: التسالم على خلاف ذلك. قال في التذكرة: " لو نبتت نواة سقطت من إنسان في أرض مباحة أو مملوكة، ثم صارت نخلة ولم يستول عليها غيره، فان النخلة تكون ملك صاحب النواة قطعا ". ولعل مرادهم جواز تملكه لغير المالك، وإن كان باقيا على ملك مالكه، كما قد يظهر من بعضهم. لكنه أيضا غير ظاهر، لقصور النصوص المذكورة عن إثبات ذلك، إذ ليس ما يتوهم منه الدلالة على ذلك، إلا صحيح ابن سنان ونحوه، مما اشتمل على ترك المالك، وقد عرفت أنه ظاهر في التملك بالاحياء، لا بالاستيلاء. والسيرة المدعاة عليه غير ظاهرة. وأما تحليل نثار العرس وحطب المسافرين ونحوهما فالظاهر اختصاصه بصورة حصول امارة على إباحة المالك. ولاجل ذلك يتعين تقييد عبارة المتن بهذه الصورة، اقتصارا على القدر المتيقن. ولعل مقصود المصنف (ره) - كغيره - صورة ما إذا ظهر من المالك الاباحة، كما هو الغالب. (1) وفي الجواهر - في بيان أصل المسألة، بعد ما ذكر أن الزرع لصاحب البذر - قال: " لكن مع فرض كون الحب من الذي هو معرض عنه، على وجه يجوز للملتقط التقاطه، فهل هو كذلك، لانه لا يزول عن الملك، بالاعراض، بل به مع الاستيلاء، والفرض عدمه إلى أن صار زرعا، والفرض عدم الاعراض عنه في هذا الحال؟، أو أنه يكون لصاحب الارض لانه من توابعها ونمائها، بل لعل كونه فيها نوع

 

 

____________

(* 1) لعل المنظور في مستند التحليل في هذين الموردين هو السيرة وإلا فلم نعثر على خبر يدل على الحلية في الثاني، نعم في بعض الاخبار تدل عليه بالفحوى فراجع الوسائل باب: 12 من اللقطة. واما الاول فالاخبار الواردة فيه ادل على المنع إلا ان تأول فراجع الوسائل باب: باب: 36 من ابواب ما يكتسب به من كتاب النجارة.

 

===============

 

( 202 )

 

[ وان لم يجز له الدخول في الارض إلا باذن مالكها (1). (الخامسة): إذا استأجر القصاب لذبح الحيوان فذبحه على غير الوجه الشرعي بحيث صار حراما، ضمن قيمته (2). بل الظاهر ذلك إذا أمره بالذبح تبرعا. وكذا في نظائر المسألة. ] استيلاء من المالك عليه؟ وجهان، إلا أنه جزم في التذكرة: بأنه بينهما على كل حال، خلافا لبعض العامة ". ذكر ذلك في آخر كتاب المزارعة. ويشكل الاول: بأن الزرع عرفا نماء الحب في الارض، ولذا لو غصبه غاصب فزرعه كان الزرع للمالك. والثاني: بأن الاستيلاء بغير قصد لا يستوجب الملك. (1) هذا وإن كان مقتضى عموم: " فلا يحل لاحد أن يتصرف في مال غيره بغير اذنه " (* 1)، إلا أن السيرة جارية في الارض غير المحصنة والمحجبة على الدخول إليها والعبور فيها، ونحو ذلك من التصرفات غير المعتد بها. وقد جرت سيرة النجفيين على اختلاف طبقاتهم في العلم والصلاح، على الدخول في البساتين التي بين مسجد الكوفة والفرات، إذا لم تكن مسورة، فتراهم يعبرون فيها ويجلسون للاستراحة، أو لاكل الطعام وشرب الشاي ونحو ذلك، من دون توقف. وكذلك في غيرها من البساتين الواقعة على حافة نهر الفرات أو نهر الحسينية، أو غيرهما من الجداول، فيدل ذلك على الجواز. ومن ذلك يظهر جواز العبور في الشوارع المستحدثة في المدن. فلاحظ. (2) كما تقدم في المسألة الرابعة من فصل كون العين المستأجرة أمانة. وقد تقدم الاستدلال عليه بالنصوص المستفاد منها قاعدة: " من أتلف مال غيره فهو له ضامن ". فراجع.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من ابواب الانفال حديث: 6.

 

===============

 

( 203 )

 

[ (السادسة): إذا آجر نفسه للصلاة عن زيد، فاشتبه وأتى بها عن عمرو، فان كان من قصده النيابة عمن وقع العقد عليه (1). وتخيل أنه عمرو فالظاهر الصحة عن زيد، واستحقاقه الاجرة. وإن كان ناويا بالنيابة عن عمرو على وجه التقييد لم تفرغ ذمة زيد، ولم يستحق الاجرة، وتفرغ ذمة عمرو إن كانت مشغولة، ولا يستحق الاجرة من تركته، لانه بمنزلة المتبرع (2). وكذا الحال في كل عمل مفتقر إلى النية. (السابعة): يجوز أن يؤجر داره - مثلا - إلى سنة بأجرة معينة، ويوكل المستأجر في تجديد الاجارة عند انقضاء المدة، وله عزله بعد ذلك. وإن جدد قبل أن يبلغه خبر العزل ] (1) لاإشكال في أن ذات زيد غير ذات عمرو، فإذا قصد النائب ذات زيد: فتارة: يكون قصد عنوان عمرو على نحو يكون طريقا إلى ذات زيد ومرآة لها. وتارة: يكون قيدا لها على نحو تعدد المطلوب. وثالثة: على نحو وحدة المطلوب. فان كان على أحد النحوين الاولين كانت صلاته وفاء للاجارة، وأداء للعمل المستأجر عليه. وإذا كان على النحو الاخير، لم تكن صلاته وفاء ولا أداء للعمل المستأجر عليه، لانه غير ما استؤجر عليه. وإذا قصد النائب ذات عمرو جاء فيه أيضا الصور الثلاث. وفي الجميع لا تكون صلاته أداء للعمل المستأجر عليه، ولا وفاء بالاجارة. وأما فراغ ذمة عمرو من الصلاة التي عليه، فيختص بفرض ما إذا قصد ذات عمرو بصورها ولايكون بفرض مااذا قصد ذات زيد بصورها. (2) كما تقدم في المسألة الثامنة عشرة من فصل إجارة الارض بالحنطة والشعير. فراجع.

 

===============

 

( 204 )

 

[ لزم عقده. ويجوز أن يشترط في ضمن العقد أن يكون وكيلا عنه في التجديد بعد الانقضاء. وفي هذه الصورة ليس له عزله (1). (الثامنة): لا يجوز للمشتري ببيع الخيار بشرط رد الثمن للبائع أن يؤجر المبيع أزيد من مدة الخيار للبائع (2)، ولا في مدة الخيار من دون اشتراط الخيار، حتى إذا فسخ ] (1) لان مرجع الشرط إلى شرط التوكيل حدوثا وبقاء، وعزله مناف لشرط البقاء. اللهم إلا أن يقال: إن الوكالة من النتائج التي لا يصح شرطها كما عرفت. فضلا عن شرطها حدوثا وبقاء، إذ البقاء يمتنع جعله وإنشاؤه، لان البقاء مستند إلى استعداد الذات، فمن جعل له وكيلا بقيت وكالته. وكذلك الحكم في البيع والنكاح والطلاق، وإنما يقصد بالايجاب حدوثها، لاحدوثها وبقاؤها. فإذا كان البقاء لا يقبل الانشاء بالعقد، فأولى لا يقبل الانشاء بالشرط، فلابد أن يكون المقصود شرط أن لا يعزله عن الوكالة، فإذا عزله لم يصح، لانه تصرف في حق الغير، فيخرج عن سلطانه. (2) المنسوب إلى الاكثر والمشهور والمصرح به في كلام جماعة من الاساطين: أنه لا يجوز تصرف من عليه الخيار في العين تصرفا يمنع من استردادها. وظاهر ما ذكر في وجهه: أن الخيار حق متعلق بالعين، فالتصرف فيها تصرف في موضوع الحق، ولاجل قاعدة السلطنة على الحقوق - التي هي كقاعدة السلطنة على الاموال - يمتنع التصرف، لانه خلاف القاعدة المذكورة. والوجه في تعلقه بالعين: أنه قائم بالعقد، والعقد قائم بالعين. وفيه: أنه لاريب عندهم في جواز الفسخ مع تلف العين في الجملة، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في جواز الاقالة مع التلف، وجوزا الفسخ

 

===============

 

( 205 )

 

[ البائع يمكنه أن يفسخ الاجارة، وذلك لان اشتراط الخيار من البائع في قوة إبقاء المبيع على حاله حتى يمكنه الفسخ (1)، ] بالخيار معه. ودعوى: أنه قائم بالعين على نحو تعدد المطلوب. غير ثابتة، وكيف ذلك؟! مع أنه لو كان الخيار قائما بالعين لبطل بتصرف من له الخيار. ولا مجال للالتزام بذلك في مثل بيع الخيار، ضرورة أن البائع يتصرف في الثمن. بل إنما باع لاجل الثمن. ولذلك قال شيخنا الاعظم (ره): " فالجواز لا يخلو من قوة في الخيارات الاصلية. وأما الخيارات المجعولة بالشرط، فالظاهر من اشتراطه إرادة إبقاء الملك، ليسترده عند الفسخ ". وما ذكره غير بعيد، عملا بالقرينة العامة على إرادة ذي الخيار من شرط الخيار ذلك. ولكن على هذا لو اتفق وجود قرينة خاصة على غير ذلك. لم يكن مانع من التصرف. ثم إنه بناء على المنع في الخيار المجعول: هل تجوز الاجارة ونحوها مما لا يكون مانعا من رجوع العين إلى ملك البائع أولا؟ فيه وجهان، كما في كلام شيخنا الاعظم (ره): " من كونه ملكا له. ومن إبطال التصرف لتسلط الفاسخ على أخذ العين ". أقول: ظاهر ما ذكره في وجه المنع: أن البائع ذا الخيار كما اشترط الخيار في الفسخ، اشترط التمكن من الاسترداد، والمراد من الاسترداد وإن كان الاسترداد الخارجي، وهكذا المعنى تنافيه الاجارة. لكن ذلك يختص بما إذا كان مقتضى الاجارة تسليط المستأجر على العين. أما إذا لم يكن كذلك، كما في إجارة السفينة على المسافرين، لا تكون الاجارة منافية لذلك. كما أن مقتضى الشرط المذكور: أن لا يتصرف المشتري بالعين بما يمنع من ردها خارجا إلى البائع عند الفسخ، بأن يضعها في مكان مغلق يحتاج فتحه إلى مضي مدة. (1) قد عرفت: أن الاجارة لا تنافي الفسخ وإن قلنا بأن العقد

 

===============

 

( 206 )

 

[ فلا يجوز تصرف ينافي ذلك. (التاسعة): إذا استؤجر لخياطة ثوب معين لابقيد المباشرة، فخاطه شخص آخر تبرعا عنه استحق الاجرة المسماة (1). وإن خاطه تبرعا عن المالك لم يستحق المستأجر شيئا (2)، وبطلت الاجارة. وكذا إن لم يقصد التبرع عن أحدهما ولا يستحق على المالك أجرة، لانه لم يكن مأذونا من قبله (3)، وإن كان قاصدا لها، أو معتقدا أن المالك أمره بذلك. (العاشرة): إذا آجره ليوصل مكتوبه إلى بلد كذا إلى زيد مثلا، في مدة معينة، فحصل مانع في أثناء الطريق أو بعد الوصول إلى البلد، فان كان المستأجر عليه الايصال، وكان طي الطريق مقدمة، لم يستحق شيئا. وإن كان المستأجر عليه ] متعلق بالعين، وإنما تنافي الاسترداد والاخذ بمجرد الفسخ في بعض الصور، فالمنع من الاجارة كلية يتوقف على فهم اشتراط كون العين على حالها غير مسلوبة المنفعة، وهذا الشرط زائد على إمكان الاخذ الخارجي، وزائد على بقاء العين على ملك المشتري، بنحو يكون الفسخ موجبا لرجوعها إلى البائع. وعبارة المصنف (ره) في تعليل الحكم لا تفي بما ذكر. (1) يعني: استحق الاجير الاجرة، لحصول العمل المستأجر عليه منه بتبرع المتبرع، فيستقر له العوض. (2) لعدم تحقق العمل من الاجير، فتبطل الاجارة، لتعذر العمل المستأجر عليه، لعدم قابلية المحل لخياطة ثانية. (3) تقدم وجهه في المسألة الثامنة عشرة من فصل إجارة الارض

 

===============

 

( 207 )

 

[ مجموع السير والايصال، استحق بالنسبة. وكذا الحال في كل ما هو من هذا القبيل. فالاجارة مثل الجعالة، قد يكون على العمل المركب من أجزاء، وقد تكون على نتيجة ذلك العمل، فمع عدم حصول تمام العمل في الصورة الاولى: يستحق الاجرة بمقدار ما أتى به، وفي الثانية: لا يستحق شيئا (1). ومثل الصورة ما إذا جعلت الاجرة في مقابلة مجموع العمل من حيث المجموع (2)، كما إذا استأجر للصلاة أو الصوم فحصل مانع في الاثناء عن إتمامها. (الحادية عشرة): أذا كان للاجير على العمل خيار ] للزرع، ولا يكفي مجرد الاذن في الضمان، بل إما أن تكون ظاهرة في التعهد بالعوض على وجه الاجارة أو الجعالة، أو ظاهرة في الامر بالعمل، ليكون استيفاء موجبا للضمان، كما سبق وجهه. وإذا لم تكن الاذن ظاهرة في أحد الامرين لم يكن موجب للضمان. (1) بناء على ما يأتي منه في المسألة الحادية عشرة من قاعدة احترام عمل المسلم: أنه يستحق اجرة المثل. فانتظر. (2) يظهر من هذا التعبير: أن التوزيع في المسألة السابقة كان من جهة أن الاجرة مبذولة في مقابل العمل المركب من الاجزاء، الملحوظة على نحو الجميع لا المجموع. وليس كذلك، فان الاجزاء ملحوظة فيه على نحو المجموع أيضا. ولو كانت ملحوظة على نحو الجميع، للزمت الاجرة لكل واحد من الاجزاء، فانه الفارق بين العام الجميعي والمجموعي. وإذا استأجرت للصلاة أو الصوم فحصل مانع في الاثناء عن الاتمام، فالوجه في عدم تبعيض الاجزاء: أن أجزاء الصلاة في ظرف عدم

 

===============

 

( 208 )

 

[ الفسخ، فان فسخ قبل الشروع فيه فلا إشكال، وإن كان بعده استحق أجرة المثل (1)، وإن كان في أثنائه استحق بمقدار ما أتى به من المسمى أو المثل على الوجهين التقدمين إلا إذا كان المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع، فلا يستحق شيئا (2). وان كان العمل مما يجب إتمامه بعد الشروع فيه - كما في الصلاة بناء على حرمة قطعها، والحج بناء على ] انضمام بعضها الى بعض لاتقبل المعاوضة، لعدم ترتب أثر عليها حتى عند غير المتعاقدين، فلا تكون لها مالية، فتوزيع الاجرة عليها في حال الانفراد يوجب أكل المال بالباطل. وإن لم يكن فرق بينها وبين أجزاء السير في المثال، فانه إذا استأجره ليصوم من أول النهار إلى آخره فهو كما إذا استأجر ليسافر من البلد الفلاني إلى البلد الآخر في كيفية ملاحظة الاجزاء، وأنها في الجميع ملحوظة على نحو المجموع لا الجميع، وإنما الفرق بينهما: أن اجزاء الصوم ليست موضوعا لغرض عقلائي في حال انفراد بعضها عن بعض، بخلاف أجزاء السير، فقد تكون موضوعا للغرض، وتصح الاجارة عليها في حال الانفراد عن الباقي. ومن ذلك يظهر: أن أحكام تبعض الصفقة إنما تجري إذا كانت الابعاض موضوعا للغرض والمالية عند العقلاء في حال الانفراد عن الباقي. أما إذا لم تكن موضوعا للغرض، فلا تبعيض في العقد ولا في العوض. (1) لان العمل وقع على نحو الضمان، فإذا بطل ضمانه بالمسمى تعين ضمانه بأجرة المثل. والظاهر أن ذلك مما لاإشكال فيه ولا خلاف، فان الضمان هنا أولى من الضمان مع فساد العقد بقاعدة: (ما يضمن..) (2) الكلام فيه كما سبق.

 

===============

 

( 209 )

 

[ وجوب إتمامه - فهل هو كما إذا فسخ بعد العمل أو لا؟ وجهان أوجههما: الاول (1). هذا إذا كان الخيار فوريا كما في خيار الغبن إن ظهر كونه مغبونا في أثناء العمل، وقلنا إن الاتمام مناف للفورية، وإلا فله أن لا يفسخ إلا بعد الاتمام. وكذا ] (1) كأن وجهه: أن الممتنع شرعا كالمتنع عقلا، فالاجارة تكون على الحدوث لا على الحدوث والبقاء، فيستحق الاجرة بمجرد الحدوث. لكن لازم ذلك ثبوت الاجرة وإن لم يتم العمل، وهو كما ترى. وبالجملة: إذا جوزنا وقوع الاجارة على الواجب، واستحقاق الاجرة بفعله. فلا مانع من أن تكون الاجارة في مثل الفرض على الحدوث والبقاء. فإذا فسخ في الاثناء كان الاتمام واجبا عليه تكليفا، غير مستحق عليه بالاجارة، فان أتم فقد أدعى الواجب، وإن قطع عصى، وليس لاحد حق عليه. مع أن الامتناع العقلي إذا كان بالاختيار لم يكن منافيا للاختيار، ولا مانعا من وقوع الاجارة عليه. ومن ذلك يظهر لك الوجه الثاني. وقد يتوهم: أن الوجوب كان بتسبيب المستأجر، فيكون التدارك عليه. وفيه أن التسبيب غير مختص به، بل كان من كل من المؤجر والمستأجر. مع أن مثل هذا التسبيب لا يقتضي الضمان، لعدم الدليل عليه بعد أن لم يكن موجبا لنسبة الضرر إليه عرفا. بل الاولى نسبته إلى الاجير نفسه، لانه هو الفاسخ الذي فوت على نفسه الاجرة المسماة. ومثله توهم: أنه كان بتغرير من المستأجر، فيرجع إليه بقاعدة الغرر. إذ فيه: أنه لا تغرير من المستأجر بعد أن كان العقد مشتركا بينهما. والوقوع في المحذور إنما كان من فسخ الاجير نفسه، بل هذا التوهم موهون جدا.

 

===============

 

( 210 )

 

[ الحال إذا كان الخيار للمستأجر (1)، إلا أنه أذا كان المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع، وكان في أثناء العمل. يمكن أن يقال: إن الاجير يستحق بمقدار ما عمل من أجرة ] (1) يعني: تجري الاحكام السابقة من عدم لزوم شئ على أحدهما إذا كان الفسخ قبل العمل، ولزوم المسمى أو أجرة المثل للاجير إذا كان الفسخ بعد العمل، والتبعيض في المسمى أو اجرة المثل إذا كان الفسخ في أثناء العمل، إلا فيما إذا كان العمل مما يجب إتمامه فيجب تمام المسمى. هذا، والحكم في هذه الصورة باستحقاق الاجير لتمام الاجرة مع الفسخ في الاثناء أهون منه في الصورة السابقة، لان الضرر يستند إلى فسخ المستأجر، فيمكن توهم استناد الضرر إليه الموجب للرجوع عليه. وإن كان أيضا يشكل: بأن الخيار إن كان مجعولا فهو بقبول الاجير واختياره، فاقدامه عليه إقدام منه على لوازمه، وإن كان من قبل الشارع فالضرر يستند إليه، لان المستأجر إنما عمل بحقه المجعول له شرعا، وليس عليه أن لا يأخذ بحقه، لئلا يقع الاجير بالضرر. إلا أن يقال: إن الحق الخياري إذا جعله الشارع دفعا للضرر الوارد عليه، يمتنع أن يثبت في حال لزوم الضرر على الاجير. وبالجملة: بعد ماكان المستأجر مقدما على بذل الاجرة في مقام العمل من دون خيار، فلزوم الضرر المثبت لخياره معارض بلزوم الضرر الوارد على الاجير بالفسخ، ومعه لا مجال لتقديم ضرره، فلا خيار له في الفسخ. وهذا غير بعيد. وعلى هذا فاللازم التفصيل في المقام بين صورة أن يكون الفاسخ المستأجر. ويكون الخيار شرعيا، وبين غيرها من الصور، فيستحق الاجير في الاول تمام الاجرة، ولا يستحق في غيرها شيئا. فتأمل.

 

===============

 

( 211 )

 

[ المثل لاحترام عمل المسلم (1)، خصوصا إذا لم يكن الخيار من باب الشرط (2). (الثانية عشرة): كما يجوز اشتراط كون نفقة الدابة المستأجرة والعبد والاجير المستأجرين للخدامة أو غيرها على المستأجر، إذا كانت معينة بحسب العادة، أو عيناها على وجه يرتفع الغرر، كذلك يجوز اشتراط كون نفقه المستأجر على ] (1) لا مجال لتطبيق هذه القاعدة في المقام بناء على ما عرفت من أن المراد من كون المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع: أن كل واحد من الاجزاء على الانفراد مما لاقيمة له، لانه يكون أخذ أجرة المثل لما يقابل بعض العمل أكلا للمال بالباطل. وإن شئت قلت: قاعدة الاحترام لا مجال لها، إذا كان العمل لاقيمة له ولا مالية، فان الاحترام يختص بماله قيمة ومالية. وكذا بناء على الاحتمال الثاني أعني: كون الاجزاء ملحوظة على نحو وحدة المطلوب وإن كان لكل واحد منها مالية، إذا كما أن عمل المسلم محترم كذلك مال المستأجر، فانه مسلم وماله محترم لا يجوز أخذه بلا عوض عائد إليه، لان المفروض أن البعض على الانفراد لم يقصد المستأجر المعاوضة عليه، كي يؤخذ منه عوضه. فأخذ العوض منه مع ذلك كان خلاف احترام ماله، كما إذا استأجره ليخيط ثوبه فصبغه اشتباها منه، فانه لا يستحق عليه أجرة كما سبق. نعم إذا أتم الاجير العمل تبرعا منه بعد الفسخ في الاثناء، كان تبعيض الاجرة في محله، لكون البعض حينئذ له مالية في ضمن الكل، كما أنه بعض المطلوب ومقابل ببعض الاجرة. وعلى هذا كان اللازم تقييد العبارة بذلك، وإلا توجه عليها الاشكال. (2) لانه إذا كان من باب الشرط يكون العامل قد أقدم على ضياع

 

===============

 

( 212 )

 

[ الاجير أو المؤجر، بشرط التعيين أو التعين الرافعين للغرر. فما هو المتعارف من إجارة الدابة للحج واشتراط كون تمام النفقة ومصارف الطريق ونحوهما على المؤجر. لامانع منه، إذا عينوها على وجه رافع للغرر (1). (الثالثة عشرة): إذا آجر داره أو دابته من زيد اجارة صحيحة بلا خيار له، ثم آجرها من عمرو كانت الثانية فضولية موقوفة على إجازة زيد، فان أجاز صحت له ويملك هو الاجرة فيطلبها من عمرو (2)، ولا يصح له إجازتها على ] عمله على تقدير الفسخ في الاثناء، ولا يتأتى ذلك لو كان الخيار شرعيا، لانه لم يكن يجعله وقبوله، فلا مجال لتوهم الاقدام حتى لو كان عالما، لان العلم به لا يستلزم العلم بالاعمال والفسخ، فيمكن أن يكون إقدامه على العقد برجاء عدم الاعمال. ولا يتأتى ذلك في صورة جعل الخيار، لان القبول الصادر من الاجير يعد عرفا إقداما على الفسخ في الاثناء وعلى لوازمه. (1) لكن الاشكال في إمكان ذلك فيما يتعارف، لاختلاف الاحوال والاطوار السفرية، الموجب لاختلاف النفقات كما وكيفا ومدة. (2) يعني: صحت الاجارة الثانية لزيد، لان المنفعة له فيملك عوضها وهو الاجرة. هذا إذا كانت الاجارة الثانية واقعة على المنفعة المقصودة بالاجارة الاولى. أما إذا كانت واقعة على غيرها، فالاجارة الثانية لا تصح باجازة زيد، لان المنفعة غير مملوكة له، ولا تصح بايقاع المؤجر المالك للعين، لانها أيضا غير مملوكة له، على ما عرفت من عدم ملك المنافع المتضادة. ولا يجدي فسخ الاجارة الاولى بعد ذلك في الصحة،

 

===============

 

( 213 )

 

[ أن تكون الاجرة للمؤجر، وإن فسخ الاجارة الاولى بعدها لانه لم يكن مالكا للمنفعة حين العقد الثاني (1). ] لما ذكر في المتن من أنه من قبيل من باع شيئا ثم ملكه. نعم بناء على أن المنافع المتضادة مملوكة لمالك العين، وأن بطلان الاجارة الثانية من جهة أنها منافية لحق المستأجر الاول فإذا أجاز صحت، وتكون الاجرة الثانية للمالك، لانها عوض منفعته، كما أن الاجرة الاولى له أيضا. والمتحصل: ان الاجارة الثانية: تارة: تكون بلحاظ منفعة الاجارة الاولى، وأخرى: تكون بلحاظ غيرها. فعلى الاول: تصح الاجارة الثانية باجازة المستأجر الاول، وتكون الاجرة له، وإذا لم يجز بطلت. وعلى الثاني: تبطل الاجارة الثانية مطلقا، لانها بلحاظ منفعة غير مملوكة، إذا قلنا بأن المنافع المتضادة غير مملوكة، وتصح باجازة المستأجر إن قلنا إنها مملوكة، وتكون الاجرة في الاجارتين معا ملك المؤجر المالك للعين، لكون المنفعتين المعوضتين ملكا له. وإذا ردها المستأجر بطلت، لمنافاتها لحقه. (1) هذا إشارة إلى أن قوام المعاوضة التي يتضمنها عقد الاجارة وغيره من عقود المعاوضات دخول العوض في ملك من خرج عن ملكه المعوض، وأن اعتبار العوضية إنما يصح بلحاظ ذلك. ولو كان العوض يدخل في ملك غير من خرج عن ملكه المعوض لم يكن عوضا عنه، ولم يكن المعوض عنه معوضا. والظاهر أن هذا مما لاإشكال فيه. وإنما الاشكال في لزوم ذلك من الطرفين. يعني: يجب أن يدخل المعوض عنه في ملك من خرج من ملكه العوض، كما لزم أن يدخل العوض في ملك من خرج عن ملكه المعوض عنه، أو لا يجب ذلك؟ فإذا قال زيد لعمرو: خذ هذا الدرهم واشتر لك به ثوبا، لم يصح حتى يتملك عمرو الدرهم، فإذا لم يتملكه وبقي على ملك زيد، فاشترى به ثوبا لنفسه لم يصلح الشراء

 

===============

 

( 214 )

 

لنفسه، لان الدراهم وإن صار عوضا عن الثوب، لكن الثوب لم يصر عوضا عن الدرهم، لان الدرهم خرج عن ملك زيد ودخل الثوب في ملك عمرو، فلم يقم الثوب مقامه، ولم يصر في مكانه. والمنسوب المشهور: لزوم ذلك، بل في مكاسب شيخنا (ره): أنه ادعى بعضهم في مسألة قبض المبيع عدم الخلاف في بطلان قول مالك الثمن: اشتر لنفسك به طعاما. (انتهى). كما أنه (ره) حكى عن العلامة التصريح في غير موضع من كتبه، تارة: بأنه لا يتصور، وأخرى: بأنه لا يعقل أن يشتري الانسان لنفسه بمال غيره شيئا. (انتهى). وقد ذكروا الاستدلال عليه: بأن المعاوضة متقومة بذلك، إذ مفهوم المعاوضة راجع إلى جعل كل من العوضين عوضا عن الآخر. ويشكل: بأن صيغة المعاوضة لا تقتضي الاشتراك على النحو المذكور، كما يظهر ذلك من ملاحظة موارد استعمال صيغة المفاعلة في مواردها المتفرقة، مثل: شايعت زيدا، وسافرت، وطالعت الكتاب، وأمثال ذلك من الموارد الكثيرة، كما أشرنا إلى ذلك أيضا في بعض مباحث الطهارة من هذا الشرح، فان ملاحظة موارد الاستعمال للصيغة، تشرف على القطع ببطلان اعتبار المشاركة من الطرفين. ويشهد بذلك: أنك إذا قلت: بعت الكتاب بدينار، اعتبر الكتاب معوضا عنه والدينار عوضا، بقرينة دخول باء العوض عليه، ولا يصح اعتبار العكس - أعني: اعتبار أن يكون الكتاب عوضا والدينار معوضا عنه - وإنما يصح ذلك لو قيل: بعت الدينار بالكتاب، وفي مثله لا يصح اعتبار الكتاب معوضا عنه والدينار عوضا. وبالجملة: المفهوم من قول القائل: بعت الكتاب بالدينار، غير المفهوم من قوله: بعت الدينار بالكتاب، فان مفهوم الاول أن الدينار عوض عن الكتاب، ومفهوم الثاني أن الكتاب عوض عن الدينار. فالعوض

 

===============

 

( 215 )

 

يجب أن يقوم مقام المعوض، لكن المعوض عنه لا يجب أن يقوم مقام العوض. ولاجل ذلك ذكر بعضهم: أنه لادليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد في انتقال بدله إليه، بل يكفي أن يكون مأذونا في بيعه لنفسه أو الشراء به. (انتهى). والمصنف (ره) في حاشيته على مكاسب شيخنا الاعظم (قده) جعله ممكنا، وأن اعتبار البدلية قد يكون بملاحظة تبديل ملكية هذا بملكية ذلك، وقد يكون بملاحظة إخراجه عن ملكه من دون تبديل الملكية، وقد يكون بملاحظة إتلافه. (انتهى). وفيه: أن المعاوضة وإن كانت تختلف بالملاحظات المذكورة، لكن المعاوضة بين الاعيان التي هي قوام البيع إنما هي بلحاظ البدلية في المملوك، لا في الملكية ولافي غيرها مما ذكر. فالملكية القائمة بين المالك والمملوك المتقومة بهما، إن كان فيها تبديل المملوك كانت بيعا، وإن كان فيها تبديل المالك كانت ميراثا، وان كان فيها تبديل الملكية كانت هبة معوضة، فلابد في البيع من تحقق تبديل المملوك، فيكون الثمن عوضا عن المثمن في قيامه مقام المثمن في تقويم الاضافة الخاصة القائمة بالطرفين، ولذا لا تأمل في كون الثمن عند المتبايعين عوضا عن المبيع. فالمعاوضة في البيع بين العينين، لا بين الملكيتين، ولا بين غيرهما مما ذكره (قده). وإنما التأمل: في أن المبيع أيضا عندهم عوض عن الثمن في البيع، والمنفعة عوض عن الاجرة في الاجارة، فتكون العوضية من الطرفين، أولا، بل العوضية من طرف واحد، وقد عرفت: أن مفاد البيع والاجارة عوضية الثمن والاجرة عن المبيع والمنفعة، وأما عوضية المبيع والمنفعة عن الثمن والاجرة فغير ظاهرة. وإنكار المصنف (ره) الامرين معا تبعا لبعض - كما عرفت - غريب. بل الانصاف يقتضي البناء على الامرين معا، وإن كانت دلالة الكلام

 

===============

 

( 216 )

 

[ وملكيته لها حال الفسخ لا تنفع أو إذا جدد الصيغة. وإلا فهو من قبيل من باع شيئا ثم ملك (1) ولو زادت مدة الثانية ] على الاول بالمطابقة وعلى الثاني بالالتزام. فالمفهوم من قول القائل: بعت الكتابة بدينار، هو المفهوم من قوله: بعت الدينار بالكتاب، وإنما يختلفان في المدلول المطابقي، فان الايجاب الاول يدل بالمطابقة على عوضية الدينار على الكتاب، وبالالتزام على عوضية الكتاب عن الدينار. والايجاب الثاني يدل بعكس ذلك، فيدل على عوضية الكتاب عن الدينار بالمطابقة، وعلى عوضية الدينار عن الكتاب بالالتزام. فالمدلول لاحدهما مدلول للآخر من دون زيادة ولا نقصان، وإنما الاختلاف بينهما في أن المدلول المطابقي لاحدهما مدلول التزامي للآخر. ولذلك اختلفا عرفا، فلا اختلاف بينهما في ذات المدلول ولا في كمية المدلول، وإنما الاختلاف بينهما في كيفية الدلالة عليه. فان كان المطلوب الذي يسعى نحو تحصيله هو الكتاب، قيل: بعتك الكتاب بدينار مثلا. وإن كان المطلوب هو الدينار، قيل: بعتك الدينار بالكتاب، وإلا فقد لوحظ كل منهما عوضا عن الآخر ومعوضا عنه. ومفهوم المعاوضة وإن لم يدل على تكرر النسبة، لكن المقصود منه ذلك عرفا. ومرتكزات العرف في مضامين العقود المعاوضية شاهد بذلك. وما في بعض الكلمات من خلاف ذلك تمحل، قضت ارتكابه ضرورة في دفع إشكال أو توجيه إشكال. والله سبحانه ولي التوفيق والسداد. (1) فان المشهور عدم صحة العقد الواقع باجازة المالك حين الاجازة، لامور مذكورة في محلها. ذكرها شيخنا الاعظم في مكاسبه، وذكرناها جريا على منهاجه في: " نهج الفقاهة ". والعمدة فيه أمران: النصوص الناهية عن بيع ما ليس عنده. وأن خصوصية الاضافة إلى المالك من الخصوصيات المقومة للمعاوضة، فالاجازة من المشتري إن كانت قد لوحظ

 

===============

 

( 217 )

 

[ عن الاولى لا يبعد لزومها على المؤجر في تلك الزيادة، وأن يكون لزيد امضاؤها بالنسبة إلى مقدار مدة الاولى. (الرابعة عشرة): إذا استأجر عينا ثم تملكها قبل انقضاء مدة الاجارة، بقيت الاجارة على حالها، فلو باعها والحال هذه لم يملكها المشتري إلا مسلوبة المنفعة في تلك المدة (1)، فالمنفعة تكون له ولا تتبع العين. نعم للمشتري خيار الفسخ إذا لم يكن عالما بالحال. وكذا الحال إذا تملك المنفعة بغير الاجارة في مدة ثم تملك العين، كما إذا تملكها بالوصية أو بالصلح أو نحو ذلك، فهي تابعة للعين إذا لم تكن ] فيها خصوصية الاضافة إلى المالك حين العقد، فذلك خلاف قاعدة السلطنة في حق المالك المذكور، مع أنه ليس من محل الكلام، وإن لوحظ فيها خصوصية الاضافة إلى نفسه، فتلك ليست إجازة للعقد. فراجع " نهج الفقاهة " في مبحث الفضولي. لكن النصوص مختصة بالبيع، فلا تشمل الاجارة وغيرها من عقود المعاوضة. فالعمدة فيها هو الامر الثاني، فانه مطرد في الجميع على نحو واحد. بل العمدة في البيع أيضا هو الامر الثاني، لان النصوص لا تخلو من إشكال، من جهة المعارضة، أو من جهة العموم والخصوص. فراجع. (1) لان المنفعة في تلك المدة لم تكن مملوكة للبائع بالتبعية، وإنما كانت مملوكة له بسبب آخر، إذ البيع لا يبطل الاجارة، ومقتضاها أن تكون المنفعة مملوكة للمستأجر بالاجارة في مقابل الاجرة، والمشتري إنما يقوم مقام البائع فيحتاج ملكيته لها إلى سبب آخر أيضا. وبالجملة: لادليل على التبعية في المقام.

 

===============

 

( 218 )

 

اللهم إلا أن يقال: التبعية انما كانت سببا للملك، عملا بالارتكاز العرفي ولا فرق في ذلك بين المقام وغيره. توضيح ذلك: أنه لاإشكال في أن التبعية تقتضي ملكية التابع، فيملكه مالك المتبوع، سواء كان التابع من الاعيان الخارجية، كالثمرة للشجرة والبيضة للدجاجة، والحمل للدابة، أم من الافعال، كالمنافع المستوفاة من العين ذات المنفعة، أم من الصفات الخارجية، كالقصارة الحاصلة بعمل القصار، والنساجة الحاصلة بعمل النساج، وهيئة السرير الحاصلة من عمل النجار، أم من الاعتبارات المحضة، مثل المنافع غير المستوفاة للعين ذات المنفعة، فانها حينئذ تكون من الاعتبارات المملوكة لمالك العين. ولذلك يصح القول بكونها مضمونة، إذ لولا أنها مملوكة لم يكن معنى لضمانها، فان الضمان لا يصح اعتباره إلا مع وجود مضمون له يكون مالكا للمضمون. نعم المنافع المستوفاة من قبيل الموجودات الخارجية كما عرفت. فالتابع في جميع الموارد المذكورة مملوك لمالك المتبوع، والموجب للملكية المذكورة هو التبعية، حسبما يقتضيه بناء العرف والمتشرعة عليه. ويشترط في تأثير التبعية المذكورة في الملك أن لا يكون مقتض على خلافها، فلو آجر داره على زيد فملك زيد منفعتها، ثم باع الدار على عمرو، لم يملك المنافع عمرو بالتبعية، لان ذلك خلاف مقتضى عقد الاجارة. وقد ذكر المصنف (ره) هنا شرطا آخر، وهو: أن يكون من انتقل عنه التابع مملوكا له بالتبعية، فلو لم يكن كذلك لم يستوجب التبعية في الملك، ولذلك التزم: بأن المشتري الثاني في فرض المسألة لم يملك المنافع بالتبعية، لان البائع لم يملكها بالتبعية. ولابد أن يلتزم بذلك في مثل مااذا اشترى ثمر الشجر، ثم اشترى الشجر، فإذا باعه على آخر لم يملك الآخر الثمر المتولد بعد البيع بالتبعية، بل يبقى على ملك البائع. هذا

 

===============

 

( 219 )

 

[ مفروزة. ومجرد كونها لمالك العين لا ينفع في الانتقال إلى المشتري، نعم لا يبعد تبعيتها للعين إذا كان قاصدا لذلك حين البيع (1). (الخامسة عشرة): إذا استأجر أرضا للزراعة مثلا، فحصلت آفة سماوية أو أرضية توجب نقص الحاصل لم تبطل (2) ولا يوجب ذلك نقصا في مال الاجارة (3)، ولا خيارا للمستأجر (4). نعم لو شرط على المؤجر ابراءه من ذلك بمقدار ما نقص، بحسب تعيين أهل الخبرة، ثلثا أو ربعا أو ] ولاجل أن المرجع في اقتضاء التبعية للملك بناء العرف والمتشرعة عليه، وأن الظاهر بناؤهم على عدم اعتبار الشرط المذكور، فالبناء على عدم اعتباره متعين. (1) إذا كان المراد من القصد المذكور: أنه قاصد للتمليك إنشاء، فيكون قاصدا لتمليك المنفعة والعين معا، فهو في محله، كما لو قصد تمليك شئ مع المبيع، وإذا كان المراد: أنه قاصد للتبعية، فهو غير ظاهر، لان قصد التبعية لا يوجب الملك بالتبعية، إذا لم تكن مقتضية لذلك. (2) لعدم المقتضي لذلك، بعد أن كانت العين ذات منفعة يصح بذل المال بازائها. (3) إذ لا تبعيض في المنفعة. (4) إذ لا نقص في صفة العين يوجب نقصا في صفة المنفعة، إذ المفروض كون النقص الحاصل لامر خارج عن العين، وليس عدمه مبنيا عليه العقد ليوجب الخيار، فهو نظير مالو استأجر دارا ليسكنها، فسكنها، فحدث حادث موجب للقلق أو الارق، فتنغص عيشه فيها.

 

===============

 

( 220 )

 

[ نحو ذلك، أو أن يهبه ذلك المقدار إذا كان مال الاجارة عينا شخصية، فالظاهر الصحة (1). بل الظاهر صحة اشتراط البراءة على التقدير المذكور بنحو شرط النتيجة (2). ولا ] (1) لاغتفار الجهالة في الشرط إذا كان تابعا. (2) هذا من قبيل النتيجة، الذي قد عرفت الاشكال في صحته في أول فصل: (أن العين المستأجرة أمانة)، فراجع. وقد ذكرنا هناك: أن البناء على أن الشرط ملك للمشروط له - كما هو كذلك في شرط الفعل - يمنع من صحة النتيجة، لان النتائج التي هي مضامين العقود والايقاع لا تصلح أن تكون موضوعا لاضافة الملكية إذا لم تكن في عهدة المشروط عليه، كما هو مقتضى كونها شرط نتيجة في مقابل شرط الفعل. فالملكية مثلا: تارة: تشترط في ضمن العقد على أن تكون في عهدة المشروط عليه، فيجب عليه تحصيلها فتكون حينئذ من قبيل شرط الفعل. وتارة: تشترط لاعلى أن تكون في عهدة متعهد بها، وهي بهذه الملاحظة مما لاتقبل أن تكون موضوعا لاضافة المملوكية. مضافا إلى أن جعلها مملوكة للمشروط له وجعل ملكيتها له، لا يوجب حصولها، فلا يترتب على الشرط المذكور أثر حصولها. ولاجل ذلك يلزم البناء على بطلان شرط النتيجة على نسق الفعل، بحيث يكون من تمليك النتيجة للمشروط له. نعم لامانع من أن يكون المقصود انشاءها على حد إنشاء مضمون العقد منضما إليه، فيكون المنشأ أمرين: مضمون العقد، ونفس النتيجة. فتترتب النتيجة بمجرد الشرط، إذا لم يعتبر في إنشائها سبب خاص. وعلى ذلك يحمل ما ورد في كلماتهم من صحة شرط سقوط الخيار في ضمن العقد، وكذلك شرط الضمان في العارية، ونحو ذلك. ومنه المقام،

 

===============

 

( 221 )

 

[ يضر التعليق، لمنع كونه مضرا في الشروط (1). نعم لو شرط براءته على التقدير المذكور حين العقد، بأن يكون ظهور النقص كاشفا عن البراءة من الاول. فالظاهر عدم صحته، لاوله إلى الجهل بمقدار مال الاجارة حين العقد (2). (السادسة عشرة): يجوز إجارة الارض مدة معلومة بتعميرها واعمال عمل فيها، من كري الانهار، وتنقية الآبار وغرس الاشجار، ونحو ذلك. وعليه يحمل قوله (ع): " لا بأس بقبالة الارض من أهلها بعشرين سنة أو أقل أو أكثر، فيعمرها ] أعني: شرط براءة الذمة من مقدار من الاجرة إذا كانت الاجرة ذمية لاعينا خارجية. ويشهد بذلك ما ورد فيمن تطبب أو تبيطر وأنه ضامن إلا أن يأخذ البراءة، فان الظاهر منه اشتراط البراءة من الضما على نحو شرط النتيجة. (1) وإن قال شيخنا الاعظم (ره): إنه قد يتوهم ذلك بناء على أن التعليق في الشرط يسري إلى العقد، لرجوع الشرط إلى جزء من أحد العوضين. وفيه: منع ذلك، كما هو ظاهر، نعم بناء على ما ذكره بعض في وجه مانعية التعليق في العقود والايقاعات من منافاة التعليق للانشاء، عموم المانعية، ولا وجه للتفكيك بين الشرط وغيره في ذلك، وإن كان التحقيق أن الوجه في المانعية: الاجماع المحقق المعول عليه عندهم، لا ما ذكر. ولذلك جاز عندهم التعليق مع الانشاء في الوصية التمليكية، والنذر المعلق، والتدبير. فراجع. (2) هذا إذا كان المراد من البراءة عدم اشتغال الذمة به. أما إذا كان المراد السقوط عن الذمة بعد الاشتغال به فلا يلزم المحذور.

 

===============

 

( 222 )

 

[ ويؤدي ما خرج عليها " (1) ونحو غيره. ] (1) هذا مذكور في مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) " قال: إن القبالة أن تأتي الارض الخربة فتقبلها من أهلها عشرين سنة أو أقل من ذلك أو أكثر، فتعمرها وتؤدي ما خرج عليها، فلا بأس به " (* 1). وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله (ع): " لا بأس بقبالة الارض من أهلها بعشرين سنة أو أقل أو أكثر، فيعمرها، ويؤدي خراجها. ولا يدخل العلوج في شئ من القبالة، لانه لا يحل " (* 2). وصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (ع) - في حديث قال: " وسألته عن الرجل يعطي الارض الخربة ويقول: اعمرها، وهي لك ثلاث سنين أو خمس سنين أو ما شاء الله. قال: لا بأس " (* 3). ونحوها غيرها. والمحتمل فيها أمور: (الاول): ما ذكره المصنف (ره)، من أن المراد من القبالة الاجارة، ويكون العمل هو الاجرة، فتكون من إجارة العين. (الثاني): أن المراد بها الاجارة على العمل، فتكون الاجرة منفعة الارض، والمستأجر العامل، والمستأجر عليه هو العمل من التعمير وغيره. (الثالث): أن تكون من الجعالة على العمل، والجعل هو المنفعة، ويحتمل - كما قيل - أن تكون الاجرة شيئا معلوما، ويكون ذلك الشئ أجرة للعمل، فتكون اجارتان، إجارة الارض، وإجارة الاجير العامل. (الرابع): أن تكون معاملة مستقلة، نظير المصالحة، مفادها تمليك المنفعة للعامل وتمليك مالك الارض للعمل، بلا معاوضة بين المنفعة والعمل. ولعل الاخير هو الاقرب.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب المزارعة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 93 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 11 من أبواب المزارعة حديث: 1.

 

===============

 

( 223 )

 

[ (السابعة عشرة): لا بأس بأخذ الاجرة على الطبابة وإن كانت من الواجبات الكفائية، لانها كسائر الصنائع واجبة بالعرض (1) لانتظام معائش العباد. بل يجوز وإن وجبت عينا لعدم من يقوم بها غيره. ويجوز اشتراط كون الدواء عليه ] (1) الظاهر: أنه تعليل لكونها من الواجبات الكفائية، لا لجواز أخذ الاجرة. نعم في النسخ التي رأيتها بدل قوله: " واجبة بالعرض ": " واجبة بالعوض "، فيكون تعليلا لجواز أخذ الاجرة. يعني: إنما جاز أخذ الاجرة عليها لانها واجبة بالعوض لامجانا، فقد أخذ في موضوع الوجوب العوض. لكن الظاهر أنه غلط، لانها واجبة بالعوض وبغير عوض، وإلا لما كان فعلها مجانا أداء للواجب. ثم إنك عرفت في مواضع من هذا الشرح التعرض لجواز أخذ الاجرة على الواجبات وعدمه، وأنه لم يقم دليل على عدم جواز أخذ الاجرة على الواجب، وأن وجوب الشئ لايمنع من أخذ الاجرة عليه. فالعمدة في عدم جواز أخذ الاجرة على الواجبات في بعض المقامات عينية وكفائية: هو الاجماع ولولاه لكان القول بجوازه في محله. ويشهد لذلك جواز أخذ الاجرة على الواجبات الكفائية، التي يتوقف عليها النظام، إذ الوجوب لو كان مانعا لم يفرق في منعه بين العيني والكفائي. وما في بعض الحواشي من الفرق بين الواجبات العينية والكفائية بأن الوجوب في الواجبات الكفائية عبارة عن الالزام بعدم حبسها عمن يحتاج إليها، فلا يكون مخرجا لذات العمل عن ملك مالكه، ويجوز أخذ الاجرة عليه. غير ظاهر، إذ الحبس ترك العمل، فعدم الحبس هو العمل. ولو أراد من الحبس معنى وجوديا، فعدمه ليس مقدمة للنظام، بل المقدمة هو العمل ضرورة.

 

===============

 

( 224 )

 

[ مع التعيين الرافع للغرر (1). ويجوز - أيضا - مقاطعته على المعالجة (2) إلى مدة أو مطلقا (3)، بل يجوز المقاطعة عليها بقيد البرء، أو بشرطه إذا كان مظنونا (4)، بل مطلقا (5). وما قيل من عدم جواز ذلك، لان البرء بيد الله فليس اختياريا ] (1) لعموم صحة الشرط كشرط كون الخيوط على الخياط، والحبر على الكاتب. وفي القواعد قال: " والكحل على المريض. ويجوز اشتراطه على الكحال ". وحكي التصريح به عن غيره. وقد يستشكل فيه: بأن مناف للعقد، لان الاعيان لا تملك بعقد الاجار أصالة، ولا تبعا. بل قيل: قد يرجع إلى بيع الكحل بلفظ الشرط. وفيه: أنه لادليل على المنع من تمليك العين بالشرط في الاجارة، وعموم صحة الشرط يقتضي الصحة. مع أن الشرط المذكور لا يقتضي التمليك، وإنما يقتضي بذل الكحل مجانا، فلا اشكال حينئذ. لكن قال في القواعد بعد ذلك: " ولو اشترط الدواء على الطبيب فالاقرب الجواز ". والفرق بين المسألتين غير ظاهر، كما اعترف به بعض. (2) يريد بها المداواة واستعمال الادوية لمكافحة المرض. (3) لكن مع عدم التقييد بالمدة وترددها بين القليل والكثير يلزم الغرر. اللهم إلا أن يكون المرض متعينا بنحو خاص، فيستأجر الطبيب على مداواته، فيجب تعينه كافيا في رفع الغرر مثل الصداع ونحوه، نظير خياطة الثوب المردد زمانها بين القليل والكثير، لكن تعين الثوب كاف في رفع الغرر. (4) الفرق بينهما ظاهر، إذ في الاول يكون البرء مقوما لموضوع الاجارة، وفي الثاني يكون غير مقوم، بل وصفا فيه على نحو تعدد المطلوب. (5) يعني: وإن لم يكن مظنونا، لان المصحح للاجارة القدرة

 

===============

 

( 225 )

 

[ له، وأن اللازم مع إرادة ذلك أن يكون بعنوان الجعالة لا الاجارة (1)، ] الواقعية، لا العلم بها أو الاعم منه ومن الظن، بل تصح الاجارة مع احتمال القدرة، فإذا تبين عدم المقدرة انكشف البطلان. اللهم إلا أن يحصل الغرر مع عدم الظن بالحصول، فتبطل لذلك، لا لعدم القدرة. لكنه يتوقف على عموم نفي الغرر للاجارة، وقد عرفت الاشكال فيه. (1) قال في القواعد: " ولو جعل له على البرء صح جعالة لا إجارة ". وفي جامع المقاصد: " أما عدم صحته إجارة: فان ذلك ليس من مقدور الكحال، وإنما هو من فعل الله سبحانه. وأما صحته جعالة: فلان السبب إلى حصوله كاف في استحقاق الجعل إذا حصل، وإن كان من فعل الله تعالى ". أقول: كونه من فعل الله تعالى كما يمنع من صحة الاجارة عليه يمنع من صحة الجعالة، لان الجعالة إنما تكون على فعل المجعول له، فان إذا قال مالك العبد: إذا رددت عبدي فلك درهم، فرده غير المخاطب، لا يستحق المخاطب الجعل. وإن كان المراد من كونه من فعل الله سبحانه: أنه من فعله تعالى بنحو لا ينافي نسبة البرء إلى الكحال، فلا يمنع من صحة الاجارة عليه. نعم الفرق بين الاجارة والجعالة: أن الاجارة تتضمن تمليك المستأجر عمل الاجير، والجعالة لا تتضمن ذلك. ولاجل هذا الفرق امتنع وقوع الاجارة على غير المقدور، وجاز وقوع الجعالة عليه، مع الاحتفاظ بصحة النسبة إلى المجعول له، وعدم القدرة لا ينافي صحة النسبة، وإن كان ينافي صحة التملك. وكأن مراد جامع المقاصد من قوله: " يفعل الله تعالى " معنى لا ينافي صحة النسبة، وان كان مانعا من القدرة، فيكون المراد من التعليل أن البرء غير مقدور للكحال، فلا تصح الاجارة عليه وان

 

===============

 

( 226 )

 

[ فيه: أنه يكفي كون مقدماته العادية اختيارية (1). ] صحت الجعالة عليه، لصحة نسبته إلى المجعول له، كما أفاد في المتن. (1) المائز بين الفعل الاختياري وغيره: أن الاختياري: ما يكون جميع مقدماته اختياريا، أو بعضها اختياري وبعضها غير اختياري. مع كون غير الاختياري متحققا في ظرفه. وغير الاختياري: ما يكون جميع مقدماته غير اختياري، أو بعضها اختياري وبعضها غير اختياري مع كون غير الاختياري غير متحقق. مثلا: نقل المتاع في السفينة من بلد إلى آخر، يتوقف على وضع المتاع في السفينة، وسحب السفينة في الماء، وعلى وجود الماء. ولاريب أن وجود الماء غير اختياري، لكن لما كان الماء موجودا، كان نقل المتاع اختياريا، وإذا اتفق غور الماء صار نقل المتاع غير اختياري، فعلى هذا قد يكون البرء اختياريا، كما إذا كانت مقدماته غير الاختيارية. متحققة، وقد يكون غير اختياري، كما إذا كانت مقدماته غير الاختيارية غير متحققة، فاطلاق أن البرء غير مقدور غير ظاهر. وفي حاشية بعض الاعاظم على المقام: " إنما يكفي اختيارية المقدمات في اختيارية ذيها، إذا كان - كمخيطية الثوب مثلا - أثرا متولدا منها، ولم يتوسط في البين مقدمة أخرى غير اختيارية، وإلا كانت هي الاخير من أجزاء علته ويستند الاثر إليها، ويكون تابعا لها في عدم المقدورية، ولا يصح الالتزام به بالاجازة، أو الاشتراط، أو غير ذلك، وظاهر أن برء المريض وكذا سمن الدابة ونحوهما من ذلك... ". والاشكال فيه يظهر مما ذكرنا، فان توسط بعض المقدمات غير الاختيارية إذا كانت متهيئة لا يقدح في اختيارية ذيها، كما عرفت. ولافرق بين المخيطية وبين برء المريض وسمن الدابة في كونها اختيارية، إذا كانت المقدمات غير الاختيارية متهيئة. نعم تختلف من حيث السرعة والبطئ. مع أن برء المريض

 

===============

 

( 227 )

 

[ ولا يضر التخلف في بعض الاوقات (1)، كيف وإلا لم يصح بعنوان الجعالة أيضا (2). (الثامنة عشرة): إذا استؤجر لختم القرآن لا يجب أن يقرأه مرتبا (3). ] قد يكون مثل المخيطية في سرعة الحصول. (1) ظاهر العبارة: أن التخلف لا يضر في اختيارية الفعل، وقد عرفت أن التخلف لعدم تحقق بعض المقدمات غير الاختيارية يضر في صدق الاختيار، فكأن المراد: أن التخلف في بعض الاوقات لا يضر في صدق الاختيار في حال عدم التخلف. (2) قد عرفت أن يكفي في صحة الجعالة صحة النسبة وإن لم يكن الفعل اختياريا. اللهم إلا أن يقال: يعتبر في استحقاق الجعل تحقق الفعل بقصد الجري على مقتضى الجعالة، ومع عدم الاختيار لاقصد وإن صحت النسبة، فلا يستحق الجعل. ولا يخلو من وجه، إذ لازم البناء على استحقاق الجعل بمجرد صحة النسبة استحقاق الجعل ولو مع قصد التبرع، وهو بعيد. فتأمل. (3) عملا بالاطلاق. وأما الانصراف إلى الابتداء بالاول والختم بالاخير فبدوي. ولذلك يتعين البناء على جواز قراءة آيات السورة من دون ترتيب. اللهم إلا أن يقال: قراءة القرآن تارة: يراد بها قراءة جنس القرآن، وأخرى: يراد بها قراءة الفرد التام. فان أريد الاول تم ما في المتن، وإن أريد الثاني فلابد من الابتداء بالاول والانتهاء بالاخير، لان الفرد له هيئة خاصة على ترتيب خاص، فإذا قرئ على غير ذلك الهيئة لم يؤت بقراءة الفرد الخاص. وأوضح منه قراءة السورة، فانه لايراد منها الجنس، بل المراد منها الآيات على الهيئة الخاصة، فإذا قرئت على غير

 

===============

 

( 228 )

 

[ بالشروع من الفاتحة والختم بسورة الناس، بل يجوز أن يقرأ سورة فسورة على خلاف الترتيب، بل يجوز عدم رعاية الترتيب في آيات السورة أيضا. ولهذا إذا علم بعد الاتمام أنه قرأ الآية الكذائية غلطا أو نسي قراءتها يكفيه قراءتها فقط (1) نعم لو اشترط عليه الترتيب وجب مراعاته. ولو علم اجمالا بعد الاتمام أنه قرأ بعض الآيات غلطا، من حيث الاعراب، أو من حيث عدم أداء الحرف من مخرجه، أو من حيث المادة، فلا يبعد كفايته وعدم وجوب الاعادة، لان اللازم القراءة على المتعارف والمعتاد، ومن المعلوم وقوع ذلك من القارئين غالبا ألا من شذ منهم. نعم لو اشترط المستأجر عدم الغلط أصلا، لزم عليه الاعادة مع العلم به في الجملة. وكذا الكلام في الاستئجار لبعض الزيارات المأثورة أو غيرها (2). ] الترتيب فقد فاتت الهيئة ولم يكن قراءة للسورة. وأوضح من ذلك قراءة كلمات الآية على غير الترتيب، فانه لو كان المراد جنس القرآن جازت قراءة كلمات الآيات على غير الترتيب، لصدق الجنس على ذلك. (1) هذا ليس لما ذكره (قده)، بل لان غلبة وقوع الغلط تقتضي الاجتزاء بذلك، وإلا لجازت قراءة الكلمات على غير الترتيب، ولم يتعرض له، وظاهره عدم جوازها، بل ينبغي القطع بذلك. فالوجه في الاكتفاء بقراءة ما وقع فيه الغلط هو ما ذكرناه وذكره هو (قده) بعد ذلك في صورة اشتراط الترتيب في عقد الاجارة. وبالجملة: قوله (ره): " ولهذا... " ينافيه قوله بعد ذلك: " لان اللازم القراءة... ". (2) ما ذكره في آيات السور جار في فقرات الزيارة. وكذا جار

 

===============

 

( 229 )

 

[ وكذا في الاستئجار لكتابة كتاب أو قرآن أو دعاء أو نحوها لا يضر في استحقاق الاجرة إسقاط كلمة أو حرف أو كتابتهما غلطا. (التاسعة عشرة): لا يجوز في الاستئجار للحج البلدي أن يستأجر شخصا من بلد الميت إلى النجف، وشخصا آخر من النجف إلى مكة أو إلى الميقات، وشخصا آخر منها إلى مكة، إذ اللازم أن يكون قصد المؤجر من البلد الحج والمفروض أن مقصده النجف مثلا (1)، وهكذا، فما أتى ] أيضا في الاستئجار لكتابة الكتاب أو القرآن، والالتزام بجواز قراءة الزيارة وكتابة الكتاب والقرآن على غير ترتيب الفقرات والسور أو الآيات، كما ترى. ولاجله يتضح ما ذكرناه من عدم جواز قراءة الآيات على خلاف الترتيب، ولاقراءة السور كذلك، فان الجميع من باب واحد. ولم يتعرض المصنف (ره) صريحا لحكم الاجارة على قراءة الزيارة وعلى كتابة الكتاب أو القرآن، ولكن يفهم من قوله: " لا يضر في استحقاق الاجرة... " أن اعتبار الترتيب في الموارد الثلاثة المذكورة مفروغ عنه. وقد عرفت أن الفرق بينها وبين الاستئجار لقراءة القرآن غير ظاهر، بالنظر إلى طبع الكلام. نعم قد تقدم القرينة على خلاف ذلك، فلا بأس بالعمل بها، بل يمكن أن يدعى أن عدم الارتباط بين السور قرينة عامة على عدم ملاحظة الترتيب ولا يخلو من تأمل. (1) هذا عين مفاد الدعوى التي ذكرها في صدر المسألة، ليس مسوقا مساق التعليل لها. نعم ظاهر قوله: " فما أتى به من السير ليس... " أنه تعليل لها. ويشكل: بأنه لا يصلح أن يكون تعليلا، إلا بناء على

 

===============

 

( 230 )

 

[ به من السير ليس مقدمة للحج. وهو نظير أن يستأجر شخصا لعمرة التمتع وشخصا آخر للحج، ومعلوم أنه مشكل، بل اللازم على القائل بكفايته أن يقول بكفاية استئجار شخص للركعة الاولى من الصلاة وشخص آخر للثانية، وهكذا، يتمم. ] القول بالمقدمة الموصلة، فان ما أتى به من السير لا قصور في مقدميته للحج إلا عدم ترتب الحج عليه. ولذا قال بعض الاعاظم في حاشيته في المقام: " لا يبعد أن يكون ما أفتى به من عدم الجواز مبنيا على ما اختاره في الاصول من تخصيص وجوب المقدمة بالموصلة ". لكن لو كان مبناه ذلك كان اللازم أن يقول: " ليس واجبا "، بدل قوله: " ليس مقدمة للحج ". فكأن مراده أن الواجب في الحج البلدي أن يحج الشخص عن السير من البلد بقصد الحج، فالسير من البلد لا بقصد الحج ليس قيدا للحج البلدي. فلا يكون مقدمة للحج. وهذا التعليل في غاية المتانة. وما ذكرناه آنفا من أن السير من البلد إلى النجف لا قصور في مقدميته للحج، إنما يصح بالاضافة إلى حج السائر، لا بالاضافة إلى حج غيره، إذ لا مقدمية بينه وبينه، فالتعليل لا يرتبط بالقول بالمقدمة الموصلة بوجه. ونظير المقام وضوء زيد بالنسبة إلى صلاة عمرو، فانه لا يكون مقدمة لها، وإنما يكون مقدمة لصلاة زيد نفسه. وهذا نظير أن يستأجره للصلاة عن ميت لابقيد المباشرة، فيصلي الاجير بلا وضوء ويتوضأ شخص آخر مكانه. وكان الاولى للمصنف (ره) التمثيل به، لا التمثيل بالامثلة التي ذكرها، فان فيها تبعيض النيابة في الاجزاء، لافي الشروط والقيود، كما هو في فرض المسألة ولا يلزم من عدم جواز التبعيض في النيابة في الاجزاء، عدم جوازه فيها في القيود. فمنشأ الخلاف في جواز التبعيض - كما في الحاشية المتقدمة - وعدمه - كما في المتن - هو أن الحج البلدي هل

 

===============

 

( 231 )

 

[ (العشرون): إذا استؤجر للصلاة عن الميت فصلى ونقص من صلاته بعض الواجبات غير الركنية سهوا، فإن لم يكن زائدا على القدر المتعارف الذي قد يتفق أمكن أن يقال لا ينقص من أجرته شئ (1)، وإن كان الناقص من الواجبات والمستحبات المتعارفة أزيد من المقدار المتعارف، ينقص من الاجرة بمقداره (2)، ] يعتبر فيه أن يكون الحاج قد خرج من البلد بقصد الحج إلى أن يحج، أولا يعتبر فيه ذلك، بل يكفي أن يخرج شخص من البلد وإن كان غير الحاج؟ فعلى الاول: لا يجوز التبعيض في النيابة وتعدد النائب، وإن قلنا بوجوب مطلق المقدمة كما هو المشهور، لان خروج شخص غير من قام به الحج ليس مقدمة لحج غيره، نظير مالو صلى النائب بوضوء نائب آخر. وعلى الثاني: يجوز التبعيض، وإن قلنا بالمقدمة الموصلة، لان المقدمة على هذا موصلة، لكون المفروض تحقق الحج مع وجود مقدمته، نظير مالو صلى شخص نائب بثوب طاهر قد غسله غيره، فان غسل غير المصلي مقدمة وموصلة لتحقق الصلاة حسب الفرض. فالاشكال على المحشي (قده) من وجهين: أحدهما: استظهاره من الدليل الدال على الحج البلدي: الاكتفاء بخروج غير الحاج من البلد، وهو في غاية من البعد. ثانيهما: بناؤه المنع على القول بالمقدمة الموصلة، وهو غير مبتن على ذلك. مع أن المقدمة في المقام موصلة حسب الفرض، لتحقق الحج من النائب الثاني. (1) لان التعارف يكون قرينة على أن موضوع الاجارة ما يشمل الناقص. (2) لان الاجرة موزعة على الجميع، فمع فوات البعض يفوت بعض الاجرة.

 

===============

 

( 232 )

 

[ إلا أن يكون المستأجر عليه الصلاة الصحيحة المبرئة للذمة (1) ونظير ذلك إذا استؤجر للحج فمات بعد الاحرام ودخول الحرم، حيث ان ذمة الميت تبرأ بذلك (2)، فان كان المستأجر عليه ما يبرئ الذمة استحق تمام الاجرة، والا فتوزع ويسترد ما يقابل به بقية الاعمال. ] (1) فان الصلاة الناقصة لما كانت مبرئة للذمة كانت تمام موضوع الاجارة، فيستحق الآتي بها تمام الاجرة. (2) إجماعا محققا كما في المستند، وبقسميه كما في الجواهر، ويشهد له مصحح اسحاق بن عمار قال: " سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه فيموت قبل أن يحج ثم أعطي الدراهم غيره. فقال (ع): إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فانه يجزئ عن الاول " (* 1). واطلاقه وإن كان يشمل غير الفرض، لكن لا يقدح في جواز الاستدلال به على الفرض. ويعضده ما ورد من النصوص فيمن مات بعد دخول الحرم، كصحيح ضريس عن أبي جعفر (ع) قال: " في رجل خرج حاجا حجة الاسلام فمات في الطريق. فقال: إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الاسلام، وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الاسلام " (* 2). وقريب منه غيره، فانها وإن كان المنصرف منها الحاج عن نفسه، لكن يقرب جدا كونه من أحكام مطلق الحج، أو لان الاصل في حج النائب أن يكون بحكم حج المنوب عنه، وتمام الكلام في هذه المسألة موكول إلى محله من كتاب الحج. والحمد لله رب العالمين.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 أبواب النيابة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 26 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

 

===============

 

( 233 )

 

إلى هنا انتهى ما أردنا تعليقه على كتاب الاجارة من كتاب العروة الوثقى، في جواز المشهد المقدس الحيدري على مشرفه أفضل الصلاة والسلام، يوم الثلاثاء، في اليوم الثالث والعشرين من شهر جمادي الثانية، سنة الالف والثلاثمائة واثنتين وسبعين هجرية، على مهاجرها أفضل الصلاة وأكمل التحية، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه انيب.

 

===============

 

( 234 )

 

[ بسم الله الرحمن الرحيم كتاب المضاربة وتسمى قراضا عند أهل الحجاز (1). والاول من الضرب، لضرب العامل في الارض لتحصيل الربح، والمفاعلة باعتبار كون المالك سببا له والعامل مباشرا (2). ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد النبيين وأشرف المرسلين محمد وآله، الغر الميامين الطيبين الطاهرين. كتاب المضاربة (1) بذلك صرح في التذكرة والمسالك وغيرهما، كما صرحوا بأنه سمي مضاربة عند أهل العراق. (2) يشير إلى أن المفاعلة لابد فيها من الاشتراك، وقد ذكر ذلك في كلام جماعة كثيرة، منهم صاحب الجواهر، على نحو يظهر منهم المفروغية عنه. ولكن لا أصل له، كما يظهر من ملاحظة موارد الاستعمال فتقول: طالعت الكتاب، وتابعت زيدا، وباركت له، وناولته الكتاب،

 

===============

 

( 235 )

 

وسافرت وآويته، وجازفت... إلى غير ذلك مما لا يحصى، وكل ذلك لا مشاركة فيه. نعم الذي يقتضي المشاركة التفاعل، مثل: تضاربا " وتجادلا، وتكافحا، وتعاوضا... إلى غير ذلك. وأما المفاعلة: فانها تقتضي السعي إلى الفعل، فإذا قلت: قتلت، فقد اخبرت عن وقوع القتل، وإذا قلت: قاتلت، كنت قد أخبرت بالسعي إلى القتل، فربما يقع وربما لا يقع، ولا تقتضي المشاركة. نعم ربما تكون المادة مقتضية للمشاركة، لكنها حينئذ ليست من مفاد الهيئة. ولاجل ذلك لا حاجة إلى تكلف بيان وجه المشاركة في المقام، وهو إما ما ذكره المصنف، ولعله المشهور، المبتني على حمل الضرب على الضرب في الارض. أو لان كلا منهما يضرب الربح بسهمه، كما ذكره في التذكرة والمسالك. وقيل: إنه من الضرب في المال وتقليبه، كما حكي في التذكرة والمسالك. لكن على هذا لا مشاركة، لان الفاعل لذلك العامل لاغير. إلا أن يكون المقصود من مشاركة المالك سببيته لذلك، كما سبق في المعنى الاول، وفي الجواهر: " لعل الاولى من ذلك في تحقق المفاعلة ضرب كل منهما فيما هو للآخر من المال والعمل ". وكأن مراده من الضرب في المال والعمل الاخذ من نمائه وناتجه، فكان كل واحد منهما قد ضرب فيما هو للآخر وأخذ منه. ولا يخفى أن لازم المشاركة في المقام أن كلا من المالك والعامل مضارب للآخر، مع أن الظاهر أن المضارب هو العامل، والمالك ليس بمضارب. قال في التذكرة: " ولم يشتق أهل اللغة لرب المال من المضاربة اسما "، ونحوه في المسالك، وفي الجواهر: " لم نعثر على اشتقاق أهل اللغة اسما لرب المال من المضاربة... ". فالاولى أن يكون معنى المضاربة مغالبة الناس على أموالهم بالطرق الشرعية، والعامل هو الذي

 

===============

 

( 236 )

 

[ والثاني من القرض، بمعنى: القطع (1). لقطع المالك حصة من ماله ودفعه إلى العامل ليتجر به (2). وعليه العامل مقارض بالبناء للمفعول (3) وعلى الاول مضارب بالبناء للفاعل. ] يقوم بهذه المضاربة، دون المالك، فتختص المضاربة به. والذي يتحصل مما ذكرنا أمران: (الاول): أن هيئة المفاعلة لاتدل على المشاركة، وإنما تدل على سعي الفاعل نحو الفعل، والمشاركة خارجة عن مفهومها " نعم ربما تستفاد من المادة في بعض المقامات أو من قرائن خارجية: (والثاني): أن المراد من الضرب في المضاربة المعنى المجازي الذي يحصل من التغلب على أموالهم بالطرق المشروعة، فالمضاربة في المقام المغالبة على الناس في أخذ أموالهم واسترباحها، ويمتاز المقام من أنواع الاتجار الاخرى: بأن دفع المال إلى العامل بقصد التغلب والاسترباح، بخلاف سائر موارد الاتجار، فقد يكون المقصود مجرد التبديل والتقليب بلا نظر إلى الربح وزيادة المال. (1) صرح بذلك في التذكرة والمسالك وغيرهما. (2) يحتمل أن القرض الملحوظ في مادة القراض ليس هو دفع مقدار من ماله وتمكينه منه، بل المقصود الربح الذي يكون من المال، الذي يصير للعامل، لما عرفت من أن (فاعل) يدل على السعي نحو الفعل، لانفس إيقاع الفعل، والا كان قارض بمعنى قرض، يعني: ملك قطعة من ماله لغيره. (3) لانه المفعول به، وليس فاعلا. ومن ذلك يتضح ما ذكرناه من أن قارض لا يدل على المشاركة، وإلا كان كل من المالك والعامل فاعلا ومفعولا به مقارضا - بالكسر - ومقارضا - بالفتح - ومن ذلك

 

===============

 

( 237 )

 

[ وكيف كان عبارة عن دفع الانسان (1) مالا إلى غيره ليتجر به على أن يكون الربح بينهما، لا أن يكون تمام الربح للمالك، ولا أن يكون تمامه للعامل. وتوضيح ذلك (2): أن من دفع مالا إلى غيره للتجارة (تارة): على أن يكون الربح بينهما، وهي مضاربة (وتارة): على أن يكون تمامه للعامل، وهذا داخل في عنوان القرض إن كان بقصده (3) (وتارة): على أن يكون تمامه للمالك، ويسمى عندهم باسم البضاعة (وتارة): لا يشترطان شيئا، وعلى هذا أيضا يكون تمام الربح للمالك، ] يظهر أن القراض قائم بين المالك والعامل، والمضاربة قائمة بين العامل وغير المالك من الناس الذي يتجر معهم، هذا بحس الاشتقاق، وأما في الاصطلاح فهي قائمة بين المالك والعامل، وهما طرفا الايجاب والقبول. (1) لا يخفى أن المضاربة من الانشاءات، والدفع معنى خارجي، فليست هي الدفع، بل الدفع من مقتضياتها، وانما هي المعاملة بين المالك والعامل على أن يتجر العامل بمال المالك، ويكون له بعض ربحه. فتفسيرها بالدفع - كما ذكره في النافع والتذكرة والمسالك وغيرها - مبني على نحو من المساهلة. (2) هذا التوضيح ذكره في الشرائع، وتبعه على ذلك في التذكرة والمسالك وغيرهما. (3) هذا القيد لم يتعرض له في الشرائع والتذكرة والمسالك. واشكاله ظاهر، فان القرض تمليك المال بعوض في الذمة مثله أو قيمته، وهو من العناوين الايقاعية لا يتحقق إلا بالقصد، فكيف يكون دفع المال إلى العامل على أن يكون له تمام الربح قرضا من دون قصد؟! كما أشار إلى ذلك

 

===============

 

( 238 )

 

[ فهو داخل في عنوان البضاعة. وعليهما يستحق العامل أجرة المثل لعمله (1) إلا أن يشترطا عدمه، أو يكون العامل قاصدا للتبرع. ومع عدم الشرط وعدم قصد التبرع أيضا له أن يطلب ] الاردبيلي (قده). واحتمل في الرياض: أن يكون مراد التذكرة والمسالك من كونه قرضا أن ذلك حكم القرض، لا أنه قرض موضوعا، وكذلك قصدهما من كونه قراضا في صورة اشتراط أن يكون الربح لهما. وهو كما ترى غير ظاهر. كما أنه احتمل صحة ما ذكراه وعدم لزوم القصد في حصول القرض، للمعتبرة المستفيضة، التي منها الصحيح والموثق وغيرهما (* 1) من أنه من ضمن تاجرا فليس له إلا رأس ماله وليس له من الربح شئ، لظهورها في أنه بمجرد تضمين المالك للمضارب يصير المال قرضا ويخرج عن المضاربة وان لم يتقدم عقد القرض، وهو في معنى اشتراطه الربح للعامل، فان الامرين من لوازم القرض. انتهى. وهو كما ترى، إذ لو بني على الاخذ بهذه النصوص، التي مرجعها إلى ما اشتهر عن أبي حنيفة من أن الخراج بالضمان، فهو مختص بالتضمين، وهو غير مورد كلام التذكرة والمسالك. ورجوع التضمين واشتراط الربح للعامل إلى ذلك ممنوع، فان التضمين لا يوجب خروج المال المضمون عن ملك المالك ودخوله في ملك الضامن. (1) ظاهر عبارتي التذكرة والمسالك: أنه مع اشتراط كون الربح للمالك لا شئ للعامل، ونسبه في الرياض أيضا إلى ظاهر غيرهما من الاصحاب، ثم قال: وهو حسن إن لم يكن هناك قرينة من عرف أو عادة

 

 

____________

(* 1) يشير إلى رواية محمد بن قيس المروية بطريق فيها الصحيح والحسن والموثق. منه قدس سره. الوسائل باب: 4 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 1.

 

===============

 

( 239 )

 

[ الاجرة، إلا أن يكون الظاهر منهما في مثله عدم أخذ الاجرة وإلا فعمل المسلم محترم (1) ما لم يقصد التبرع. ] بلزومه. وإلا فالمتجه لزومه ". كما أنه استشكل عليهما في الحكم بأجرة المثل في صورة عدم اشتراط شئ للعامل، وأنه لادليل عليه، والاصل العدم. ومرجعه إلى قيام احتمال التبرع ولا أجرة معه. انتهى. وكأن احتمال التبرع هو الوجه في ما استحسنه في الفرض السابق من عدم الاجرة، وقد ذكره (قده) أنه إذا انتفى احتمال التبرع وجبت الاجرة، بلا خلاف في الظاهر، لئلا يلزم الضرر على العامل الناشئ من إغراء المالك له بترغيبه إلى العمل تحصيلا لما بازائه من الاجرة. انتهى. والمتحصل من كلامه أمور: (الاول): أنه لا ضمان لعمل العامل عن المالك مع احتمال التبرع، للاصل. وقد سبقه إلى ذلك المحقق الاردبيلي.: (الثاني): أنه إذا قامت قرينة من عرف أو عادة بلزوم الاجرة لزمت. (الثالث): أنه مع عدم احتمال التبرع تجب الاجرة، لئلا يلزم الضرر. ويشكل الاول: بأن استيفاء عمل الغير موجب للضمان كاستيفاء ماله، حتى مع احتمال التبرع ما لم يثبت التبرع، وعلى ذلك استقرت طريقة العرف والعقلاء، بلا رادع عنها، كما أوضحنا ذلك في كتاب الاجارة وغيره من هذا الشرح، ومع الشك في التبرع يبنى على أصالة عدمه عندهم، لاعلى أصالة البراءة، ويشكل الاخير: بأن أدلة نفي الضرر لا تقتضي الضمان، لانها نافية لامثبتة. (1) استشكل في الجواهر على ما ذكراه في التذكرة والمسالك من عدم الاجرة إذا اشترط المالك أن يكون الربح له: بأن ذلك خلاف قاعدة احترام عمل المسلم، وتبعه عليه المصنف، وقد عرفت في كتاب الاجارة أن قاعدة الاحترام نفسها لا تصلح لاثبات الضمان على المالك، نظير: قاعدة نفي الضرر، وانما تقتضي قاعدة الاحترام حرمته وعدم جواز استيفائه

 

===============

 

( 240 )

 

[ ويشترط في المضاربة الايجاب والقبول (1). ] جبرا أو كرها، فالعمدة في وجه الضمان ما ذكرناه من أن استيفاء عمل العامل موجب لضمانه عند العرف والعقلاء من دون رادع عنه. (1) دعوى الاجماع على كون المضاربة من العقود المحتاجة إلى الايجاب والقبول صريحة وظاهرة في كلام جماعة، وقد ذكرنا في بعض مباحث النكاح أن المعيار في كون المعنى الانشائي عقدا أو ايقاعا ليس بلحاظ مفهومه ذاتا بمعنى أن المفهوم العقدي يخالف المفهوم الايقاعي ذاتا، ولا بالنظر إلى كونه قائما بين شخصين، أو شخص واحد، بل المعيار كونه تحت ولاية شخص واحد أو شخصين، فان كان تحت ولاية شخص واحد فهو إيقاع، وان كان تحت ولاية شخصين فهو عقد. ولما كان مفاد المضاربة خروج حصة من الربح من ملك صاحب المال، ودخولها في ملك العامل، وكان الخروج عن الملك قهرا خلاف قاعدة السلطنة على المال، كما أن الدخول في الملك قهرا خلاف قاعدة السلطنة على النفس، تعين أن يكون ذلك تحت ولاية المالك والعامل معا، فيكون ذلك المفهوم عقدا، محتاجا إلى الايجاب من أحدهما، والقبول من الاخر، وإذا فرض كون المالك والعامل سفيهين ووليهما واحدا فالمضاربة حينئذ إيقاع يكتفى فيها بالايجاب بلا قبول. كما أن الزوج والزوجة إذا كانا بالغين فالنكاح بينهما عقد يحتاج إلى الايجاب والقبول، فإذا اتفق أنهما رقان لمالك واحد كفى في حصول النكاح بينهما ايجاب المالك بلا حاجة إلى القبول، وكذا إذا عقد الجد لابن ابنه على بنت ابنه الآخر فانه يكفي في حصول النكاح بينهما أن يقول: زوجت فلانة من فلان. بل الوكيل على التزويج من الطرفين كذلك. نعم إذا كان وكيلا من أحدهما على الايجاب ومن الآخر على القبول تعين الايجاب والقبول معا.

 

===============

 

( 241 )

 

[ ويكفي فيهما كل دال، قولا، أو فعلا (1). والايجاب القولي كأن يقول: ضاربتك على كذا، وما يفيد هذا المعنى. فيقول: قبلت. ويشترط فيها أيضا - بعد البلوغ، والعقل، والاختيار (2) وعدم الحجر لفلس أو جنون (3) - أمور: ] (1) لما دل على صحة المعاطاة وكونها عقدا فعليا لاقوليا، والعقدية لا تتوقف على الانشاء باللفظ، بل تكون بالانشاء بالفعل أيضا بلا فرق إلا في بعض الاحكام المذكورة في مبحث المعاطاة، التي قد لا تطرد هنا. وفي الرياض: " ومن لوازم جوازها وقوع العقد بكل لفظ يدل عليه، وفي اشتراط وقوع قبوله لفظيا، أو جوازه بالفعل أيضا، قولان، قوى ثانيهما في الروضة تبعا للتذكرة، ويظهر منهما عدم الخلاف بيننا فيه، وفي الاكتفاء في طرف الايجاب بكل لفظ، فان تم، والا فالاولى خلافهما اقتصارا فيما خالف الاصل على المتيقن "، وظاهره المفروغية عن عدم جواز الايجاب بالفعل. ولكنه غير ظاهر، بل ممنوع، ومثله الاصل الذي ذكره، فان العمومات كافية في رفع الاصل والمنع من جريانه، يتضح ذلك بملاحظة مباحث المعاطاة. (2) هذه الامور شروط في عموم تصرفات الانسان في ماله ونفسه، وبيان أدلة ذلك موكول إلى كتاب الحجر، وقد تعرض الفقهاء - قدس سرهم - لذلك في الجملة في كتاب البيع، لانه أول الكتب المتعلقة بالتصرفات الاعتبارية تحريرا، وقل ما يتعرضون لذكر ذلك في غيره. (3) ذكر الجنون مستدرك للاكتفاء بذكر اشتراط العقل سابقا. وكان اللازم ذكر السفه بدله، لما دل على حجر السفيه عن تصرفه في ماله فلا تصح المضاربة إذا كان المالك سفيها، كما لا تصح إذا كان العامل

 

===============

 

( 242 )

 

[ الاول: أن يكون رأس المال عينا (1)، فلا تصح بالمنفعة، ولا بالدين، فلو كان له دين على أحد لم يجز أن يجعله مضاربة الا بعد قبضه. ولو أذن للعامل في قبضه، ما لم يجدد العقد بعد القبض. نعم لو وكله على القبض والايجاب من طرف المالك والقبو منه، بأن يكون موجبا قابلا، صح. ] سفيها، لعدم الفرق في حجر السفيه بين أن يكون المال عينا أو عملا، أما الفلس فلس عدمه شرطا في العامل، وإنما هو شرط في المالك، وان كان ظاهر العبارة أنه شرط فيهما معا، كالبلوغ والعقل. لكن سيأتي في المسألة الثالثة من مسائل الختام أن كلامه هنا مختص بالمالك. (1) وفي الجواهر: دعوى الاجماع بقسميه عليه، وفي التذكرة: " الاول أن يكون من النقدين دراهم ودنانير، مضروبة منقوشة، عند علمائنا "، وفيها: " لا يجوز القراض على الديون، ولا نعلم فيه خلافا. قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أنه لا يجوز أن يجعل الرجل دينا له مضاربة... "، وفي المسالك: " اشتراط ذلك في المال موضع وفاق، نقله في التذكرة. وهو العمدة "، وفي الرياض استدل عليه بعد الاجماع: بأنه القدر المتيقن في الخروج عن أصالة عدم ترتب الاثر، بل أصالة كون الربح للمالك. ولا مجال للتمسك بعموم الوفاء بالعقود في المقام لمنع الاصل المذكور، لاختصاصه بالعقود اللازمة. كما لا مجال للتمسك باطلاقات المضاربة، لعدم ورودها في مقام البيان من هذه الجهة، فينبغي الاقتصار على المتيقن من النص والفتوى، وهو خصوص النقدين: وفي الجواهر الاشكال على ذلك: بأنه يكفى في الصحة قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض) ونحوه. وفيه: أن ذلك إنما يقتضي الصحة، ولا يقتضي كونها مضاربة. ومن ذلك يظهر أنه لو سلم

 

===============

 

( 243 )

 

جواز التمسك بعموم: (أوفوا بالعقود) (* 1) فانما يقتضي الصحة أيضا ولا يقتضي كونها مضاربة، وأما الاطلاقات المقامية فلا تجدي شيئا، إذ مقتضاها صحة المضاربة التي عند العرف، ولم يثبت أن المعاملة على الدين والمنفعة مضاربة عند العرف، والاصل عدم ترتب أحكام المضاربة عليها. نعم إذا كان مراد الاصحاب من عدم الصحة في الدين والمنفعة عدم الصحة مطلقا لا مضاربة ولاغيرها، كان الاشكال عليهم في محله، إذ الصحة مقتضى بعض العمومات. اللهم إلا أن يدعى اختصاص العمومات بالعقود المتعارفة، فلا تقتضي صحة غيرها. لكنه محل منع، إذ لا مقتضي لهذا التخصيص، والاصل عدمه. اللهم إلا أن يقال: الاصل رجوع الربح إلى مالك الاصل، فثبوته لغيره خلاف دليل صحة المعاملة على ماله، فيكون الاصل بطلان العقد المذكور ما لم يقم عليه دليل بالخصوص. وفيه: أن المضاربة لما كانت من سنخ المعاوضة، لان الحصة من الربح في مقابل العمل، فالمراد من دخول حصة الربح في ملك العامل أن ذلك بعد أن تدخل في ملك المالك، عملا بمقتضى المعاوضة، ليكون ضمان عمل العامل بمال المالك في ظرف أنه مال المالك، ولابد أن يكون ذلك بعد الدخول في ملك المالك، وهكذا ماكان من هذا القبيل. وأما الاجماع على اشتراط ذلك فالقدر المتيقن أنه شرط في المضاربة، لا مطلقا. ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره في الجواهر في شرح قول ماتنه: " ولو دفع آلة الصيد كالشبكة بحصته، فاصطاد، كان الصيد للصائد، وعليه أجرة الآلة "، قال في الجواهر: " لم يكن مضاربة قطعا، لانتفاء الشرط، ولا شركة، لعدم الامتزاج، ولا اجارة، لعدم معلومية الاجرة، فليس هي إلا معاملة باطلة ". وحاصل الاشكال: أنه لادليل على انحصار المعاملة الصحيحة

 

 

____________

(* 1) المائدة: 1.

 

===============

 

( 244 )

 

[ وكذا لو كان له على العامل دين لم يصح جعله قراضا (1). إلا أن يوكله في تعيينه ثم إيقاع العقد عليه بالايجاب والقبول بتولي الطرفين. الثاني: أن يكون من الذهب أو الفضة المسكوكين بسكة المعاملة، بأن يكون درهما أو دينارا، فلا تصح بالفلوس ولا بالعروض، بلا خلاف بينهم، وإن لم يكن عليه دليل سوى دعوى الاجماع (2). نعم تأمل فيه بعضهم (3). وهو في محله، لشمول العمومات، إلا أن يتحقق الاجماع، وليس ] في أحد الاقسام، وعموم: (أوفوا بالعقود) (* 1) ونحوه يقتضي عدم الانحصار، وحمله على المتعارف - لو سلم - لا يقتضي عدم شمول المورد، لانه من المتعارف، وحمله على ما تعارف عند الفقهاء غريب. (1) ففي رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع): " قال أمير المؤمنين (ع) في رجل له على رجل مال فيتقاضه ولا (فلا. خ ل) يكون عنده (ما يقتضيه. خ ل) فيقول: هو عندك مضاربة. قال (ع): لا يصلح حتى تقبضه منه ". (2) (* 2) في الجواهر: دعوى الاجماع بقسميه عليه، وقد تقدم في التذكرة نسبته إلى علمائنا، وقد اشتهرت دعوى الاجماع على ذلك في كلام جماعة كثيرة. (3) قال في الحدائق: " إن من لا يلتفت إلى دعوى مثل هذه الاجماعات، لعدم ثبوت كونها دليلا شرعيا فانه لامنع عنده من الحكم بالجواز في غير النقدين، نظرا إلى عموم الادلة على جوازه، وتخصيصها يحتاج إلى دليل شرعي، وليس فليس ". أقول: قد عرفت أن مراد الاصحاب إن كان عدم صحة المضاربة بغير الدينار والدرهم، فهو في

 

 

____________

(* 1) المائدة: 1. (* 2) الوسائل باب: 5 من كتاب المضاربة حديث: 1.

 

===============

 

( 245 )

 

[ ببعيد، فلا يترك الاحتياط. ولا بأس بكونه من المغشوش الذي يعامل به (1)، مثل الشاميات والقمري ونحوها. نعم لو كان مغشوشا يجب كسره (2) ] محله، للاصل بعد عدم ثبوت كون المعاملة حينئذ مضاربة عند العرف، ولا حاجة إلى دعوى الاجماع في ذلك. وإن كان مرادهم عدم الصحة أصلا ولو لا بعنوان المضاربة. فهو غير طاهر، ولم يثبت اجماعهم عليه، كما عرفت ذلك في اشتراط السابق. (1) بعدما عرفت من أن الشرط أن يكون المال درهما أو دينارا لافرق بين كونهما مغشوشين أولا، للاطلاق، إذ الدرهم والدينار القطعة من الفضة أو الذهبة المسكوكة للمعاملة وإن كان فيها غش، ولذا تجب فيهما الزكاة، كما ذكر ذلك في الجواهر. نعم إذا كان الغش مانعا من صدق الذهب والفضة لغلبة الخليط لم تصح المضاربة، لعدم كونها درهما أو دينارا. ولذا يشكل الحكم في مثل القمريات والشاميات، لعدم صدق الفضة عليهما، لغلبة الخليط. ومن ذلك يشكل ما ذكره المصنف بقوله: " مثل الشاميات والقمري " فان التعامل نفسه لا يكفي في صحة المضاربة بهما، لعدم صدق الذهب والفضة عليهما. (2) في خبر المفضل بن عمرو الجعفي قال: " كنت عند أبي عبد الله (ع) فالقي بين يديه دراهم، فالقى إلي درهما منها. فقال: أيش هذا؟ فقلت: ستوق. فقال: وما الستوق؟ فقلت: طبقتين فضة وطبقة من نحاس وطبقة من فضة. فقال (ع): اكسرها، فانه لا يحل بيع هذا ولا إنفاقه " (* 1) لكن قال في الجواهر: " الظاهر عدم وجوب الكسر وإن نص عليه في الخبر السابق، إلا اني لم أجد من أفتى به بل الفتوى وباقي النصوص على

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من ابواب الصرف حديث: 5.

 

===============

 

( 246 )

 

[ - بأن كان قلبا - لم يصح (1) وإن كان له قيمة، فهو مثل الفلوس. ولو قال للعامل: بع هذه السلعة وخذ ثمنها قراضا لم يصح (2)، إلا أن يوكله في تجديد العقد عليه بعد أن نض ثمنه. الثالث: أن يكون معلوما قدرا ووصفا (3)، ] خلافه ". ويشير بذلك إلى صحيح محمد بن مسلم قلت لابي عبد الله (ع): الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره، ثم يبيعها. قال (ع): إذا بين (الناس. خ) ذلك فلا بأس " (* 1) وقريب منه غيره. (1) لخروجه عن الدرهم والدينار وإن كان خالصا، فضلا عما إذا لم يكن، لاختصاصهما بما كان مسكوكا بسكة المعاملة، فلا يشملان غيره. (2) لفقد الشرط الاول. وكان الانسب ذكر هذا الشرط فيما سبق. (3) على المشهور، بل ظاهر التذكرة: أنه لا خلاف فيه بيننا، وحكي عن الشيخ في الخلاف. ولكن عن المبسوط: أنه حكى عن بعض بطلان المضاربة بالجزاف، وحكي عن بعض: الصحة، ثم قال: " وهو الاقوى عندي " وعن المختلف: اختياره. لعموم أدلة الصحة، من دون دليل واضح على المنع. وفي الشرائع: اشتراط أن يكون المال معلوم المقدار، واستدل له في الجواهر بما دل على النهي عن الغرر (* 2) ثم أجاب عنه

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من ابواب الصرف حديث: 2. (* 2) روي ذلك بنحوين: احدهما: مادل على النهي من الغرر بقول مطلق، ورواه في التذكرة في المسألة: 2 من الركن الثالث من الفصل الثاني من كتاب الاجارة. ويمكن استفادته مما رواه في الوسائل باب: 10 من ابواب عقد البيع وشروطه حديث: 2. وباب: 12 منها حديث: 13 والآخر: مادل على النهي عن؟؟؟ الغرر، وقد تقدمت الاشارة في صفحة: 7 من هذا الجزء إلى روايته في الوسائل وكنز العمال وصحيح الترمذي والموطأ. فراجع كما رواه في مستدرك الوسائل باب: 31 من ابواب اداب التجارة حديث: 1

 

===============

 

( 247 )

 

[ ولا تكفي المشاهدة (1) وإن زال به معظم الغرر. ] بأن النهي عن الغرر مختص بالبيع، ثم قال: " اللهم إلا أن يقال: بأن في بعض النصوص النهي عن الغرر، فيشمل المقام، بل لو سلم تحقق اطلاق في المضاربة يشمل محل الفرض كان التعارض من وجه، والترجيح للاول بفتوى المشهور بذلك ". والاشكال عليه ظاهر، فان النص لم يثبت بنحو يعتمد عليه. ولو سلم فلا يمكن الاخذ بظاهره، لكثرة التخصيص. ولو سلم فالفتوى لا تصلح للترجيح. نعم يكون ترجحه لانه لو لم يؤخذ به في مقابل عموم الصحة لم يبق له مورد، للمعارضة دائما بينهما. وكأنه لذلك قال بعد ذلك: " والتحقيق إن لم يكن اجماع عدم قدح الجهالة التي تؤول إلى العلم، نحو أن يقع العقد على ما في الكيس، لاطلاق الادلة أو عمومها. نعم بناء على عموم أو إطلاق فلا ريب أن الاصل الفساد. أما الجهالة التي لا تؤول إلى العلم فالظاهر عدم جوازها، لعدم إمكان تحقق الربح معها، وهو روح هذه المعاملة. فتأمل جيدا ". لكن ما ذكر من أن الربح روح المعاملة المذكورة مسلم، لكن يمكن الرجوع في تعيين مقداره إلى القرعة، ولو بأن يجعل ذلك شرطا فيها، أو إلى حكم الحاكم مع التنازع أو غير ذلك، ولا يقتضي البطلان. ولو أنه استدل على بطلان المضاربة بقصور الاطلاق عن إثبات الصحة، فالمرجع الاصل، المقتضي للبطلان، كان متينا. (1) حكى في جامع المقاصد عن الشيخ في المبسوط الاكتفاء بالمشاهدة في جواز المضاربة وصحتها، لزوال معظم الغرر. لكن زوال المعظم لا يجدي مع بقاء الغرر بناء على النهي عنه، ولا حاجة إليها بناء على عدم النهي عنه، فالتفصيل غير ظاهر.

 

===============

 

( 248 )

 

[ الرابع: أن يكون معينا (1)، فلو أحضر مالين وقال: قارضتك بأحدهما، أو بأيهما شئت، لم ينعقد إلا أن يعين ثم يوقعان العقد عليه. نعم لا فرق بين أن يكون مشاعا أو مفروزا (2) بعد العلم بمقداره ووصفه (3)، فلو كان المال مشتركا بين شخصين، فقال أحدهما للعامل: قارضتك بحصتي في هذا المال، صح مع العلم بصحته من ثلث أو ربع. وكذا لو كان للمالك مائة دينار مثلا، فقال: قارضتك بنصف هذا المال، صح. الخامس: أن يكون الربح مشاعا بينهما، فلو جعل لاحدهما مقدارا معينا والبقية للآخر، أو البقية مشتركة بينهما لم يصح (4). ] (1) وعليه الاجماع، فان المبهم المردد لا وجود له في الخارج، فلا يكون موضوعا للاحكام. (2) بلا خلاف ولا اشكال عندنا، كما في الجواهر. ويقتضيه اطلاق أدلة الصحة مع صدق المضاربة عرفا معه. نعم لو فرض الشك في الصدق لاحتمال اعتبار الافراز في صدق المفهوم عرفا فالاطلاق لا مجال للتمسك به، بل المرجع أصالة عدم الاثر. هذا بالنسبة إلى أثر المضاربة، أما بالنسبة إلى أثر العقد فلا مانع من البناء عليه، عملا بالعموم الدال على صحة العقود فحينئذ يكون نفي الشرطية مستندا إلى الاجماع لاغير. (3) بناء على ما تقدم من اشتراط العلم بالمقدار. (4) قال في الحدائق: " الظاهر أنه لا خلاف بينهم في أنه يشترط في الربح الشياع، بمعنى أنه يشترط أن يكون كل جزء جزء منه مشتركا،

 

===============

 

( 249 )

 

[ السادس: تعيين حصة كل منهما (1) من نصف أو ثلث ] لانه مقتضى المضاربة، كما تنادي به الاخبار المتقدمة في حكمها: بأن الربح بينهما. يعني: كل جزء جزء منه، وما لم يكن مشتركا فانه خارج عن مقتضاها، فهذا الشرط داخل في مفهوم المضاربة " يظهر من كلمات غيره الاجماع على الحكم المذكور. وفي الشرائع: علله بعدم الوثوق بحصول الزيادة، فلا تتحقق الشركة. انتهى. وإشكاله ظاهر بعدم اطراده في صورة الوثوق بحصول الزيادة. وأما ما في الحدائق فمبني على ظهور النصوص في كون الربح بينهما على وجه الاشتراك على الاشاعة، لا بمجرد الاشتراك، وإلا فهو حاصل في الصورة المذكورة أيضا، وعلى الاول فالشرط المذكور يكون منافيا لمفهوم العقد كما اختاره طاب ثراه، لا منافيا لحكمه، إذ من البعيد جدا أن يكون حكما لها مع عموم مفهومها، فيكون الحكم على خلاف المفهوم. فإذا ما ذكره هو ظاهر النصوص، لا ما يتخيل من أن ظاهر النصوص بيان حكمها لا مفهومها. فلاحظ. (1) بلا خلاف، كما في التذكرة، بل ظاهر أنه لا خلاف فيه بين المسلمين، وقد ذكره الاصحاب شرطا للمضاربة على نحو ذكر المسلمات، من دون تعرض منهم لنقل خلاف أو إشكال فكأنه لا خلاف فيه بيننا. والمراد به إن كان تعيين الحصة في مقابل ترديدها، بأن تكون معينة لامرددة فدليله، واضح، إذ المردد لا يقبل الملك، كما لا يقبل غيره من الاحكام، وان كان المراد تعيينها عندهما بمعنى كونها معلومة المقدار عندهما، في مقابل المجهولة - كما هو ظاهر كلامهم - فلا تصح المضاربة إذا قال للعامل: ولك مثل ما شرط فلان، فدليله غير ظاهر، لما عرفت في الشرط الثاني من عدم الدليل على مانعية الغرر على نحو الكلية. اللهم إلا أن يحصل الشك حينئذ في صدق المضاربة عرفا، فلا يمكن الرجوع إلى إطلاق

 

===============

 

( 250 )

 

[ أو نحو ذلك، إلا أن يكون هناك متعارف ينصرف إليه (1) الاطلاق. السابع: أن يكون الربح بين المالك والعامل، فلو شرطا جزء منه لاجنبي عنهما، لم يصح (2). إلا أن يشترط عليه عمل متعلق بالتجارة (3). نعم ذكروا أنه لو اشترط كون جزء من الربح لغلام أحدهما صح، ولا بأس به خصوصا على القول بأن العبد لا يملك، لانه يرجع إلى مولاه، وعلى القول الآخر يشكل. إلا أنه لما كان مقتضى القاعدة صحة الشرط حتى للاجنبي (4)، والقدر المتيقن من عدم الجواز ما إذا لم يكن غلاما لاحدهما، فالاقوى الصحة مطلقا. بل لا يبعد ] أدلة أحكامها بل يرجع إلى أصالة عدم ترتب الاثر، لكن لامانع من صحة المعاملة مع الجهل لا بعنوان المضاربة. (1) فيكون الانصراف موجبا للعلم بالمقدار. (2) لظهور النصوص في كون الربح بينهما لاغير، فلا تكون مضاربة إذا كان بينهما وبين غيرهما. مضافا إلى الاصل الذي عرفته بناء على الشك في صدق المضاربة عرفا حينئذ. (3) فيكون الاجنبي عاملا آخر، فتكون المضاربة بين المالك وعاملين أو يكون من قبيل الحمال ونحوه إذا لم يكن عمله التجارة، فيكون أحد مصارف الربح فيكون من قبيل مؤنة التجارة التي تستثنى من الربح المشترك. (4) كأن المراد من القاعدة عمومات صحة العقود والتجارة ونحوها. لكنها مخصصة بما دل على اعتبار اختصاص الربح بالمالك والعامل في المضاربة فلا مجال للعمل بها في المقام. نعم يتم ما ذكره لو كان الغرض

 

===============

 

( 251 )

 

[ القول به في الاجبني أيضا وإن لم يكن عاملا، لعموم الادلة. الثامن: ذكر بعضهم أنه يشترط أن يكون رأس المال بيد العامل (1)، فلو اشترط المالك أن يكون بيده لم يصح. لكن لا دليل عليه (2)، فلا مانع أن يتصدى العامل للمعاملة ] صحة المعاملة في نفسها، لا بعنوان المضاربة. لكنه خارج عن محل الكلام مع أنك قد عرفت الاشكال في ذلك في الشرط الاول. ومن ذلك يظهر الاشكال في قوله (ره): " فالاقوى الصحة " وقوله: " بل لا يبعد القول... ". وبالجملة: إن كان الكلام في منع ذلك من المضاربة فالمنع مقتضى النصوص القائلة الربح بينهما، ولا مجال للعمل بما دل على صحة المضاربة بعد تخصيصه بهذه النصوص. ولافرق بين هذا الشرط وغيره مما سبق. وكان على المصنف التعرض فيما سبق أيضا لذلك، وان الدليل الدال على الشرطية إنما يقتضي بطلان المضاربة بفقد الشرط، لا بطلان المعاملة بلا عنوان المضاربة. وإن كان الكلام في منع ذلك من صحة المعاملة لا بعنوان المضاربة، فالمنع خلاف عموم الادلة. فلاحظ. (1) قال العلامة في القواعد: " الرابع (يعنى: من شروط رأس المال): أن يكون مسلما في يد العامل، فلو شرط المالك أن تكون يده عليه لم يصح، أما لو شرط أن يكون مشاركا في اليد أو يراجعه في التصرف أو يراجع مشرفه فالاقرب الجواز ". (2) علله في جامع المقاصد: بأن ذلك خلاف وضع المضاربة، ثم قال: إنه موضع تأمل، لانه إن أريد بوضع المضاربة مقتضى العقد فلا نسلم أن العقد يقتضي ذلك... إلى أن قال: وإن أريد بالوضع أن الغالب في العادات ذلك لم يقدح ذلك في جواز المخالفة... الخ. وفيه: أن الشك في اعتباره عرفا في مفهوم المضاربة كاف في اعتباره،

 

===============

 

( 252 )

 

[ مع كون المال بيد المالك، كما عن التذكرة (1). التاسع: أن يكون الاسترباح بالتجارة، وأما إذا كان بغيرها - كأن يدفع إليه ليصرفه في الزراعة، مثلا ويكون الربح بينهما - يشكل صحته (2). إذ القدر المعلوم من الادلة ] لما عرفت من أصالة عدم ترتب الاثر، ولا عموم يقتضي صحته مضاربة والاطلاقات المقامية لا مجال لها مع الشك في الموضوع العرفي، كما سبق في نظيره. (1) قال فيها: " الاقرب عندي أنه لا يشترط في القراض أن يكون رأس المال مسلما إلى العامل بحيث يستقل ياه عليه، وينفرد بالتصرف فيه عن المالك وغيره، فلو شرط المالك أن يكون الكيس في يده يوفي الثمن منه إذا اشترى العامل شيئا، أو شرط أن يراجعه العامل في التصرف أو يراجع مشرافا نصبه، جاز ذلك، ولم يجز للعامل التجاوز، وكان القراض صحيحا، لانه شرط سائغ لا يخالف الكتاب والسنة... ". ثم حكى عن الشافعية: أنه يشترط في القراض أن يكون رأس المال مسلما إلى العامل، وبستقل باليد عليه والتصرف فيه، ثم قال: " وقد وافقنا بعض الشافعية على ما قلناه ". والتحقيق ما عرفت من انتفاء المضاربة مع عدم استقلال العامل بالمال، لعدم ثبوتها عرفا حينئذ، وصحة معاملة اخرى بمقتضى العمومات. (2) في التذكرة: " شرطه (يعني: العمل في المضاربة) أن يكون تجارة، فلا يصح على الاعمال، كالطبخ، والخبز، وغيرهما من الصنائع لان هذه أعمال مضبوطة يمكن الاستيجار عليها، فاستغني بها عن القراض فيها، وإنما يسوغ القراض فيما لا يجوز الاستيجار عليه وهو التجارة، التي لا يمكن ضبطها، ولا معرفة قدر العمل فيها، ولاقدر العوض، والحاجة

 

===============

 

( 253 )

 

[ هو التجارة. ولو فرض صحة غيرها للعمومات - كما لا يبعد (1) لا يكون داخلا في عنوان المضاربة. العاشر: أن لا يكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن التجارة به، مع اشتراط المباشرة من دون الاستعانة بالغير أو كان عاجزا حتى مع الاستعانة بالغير، وإلا فلا يصح (3)، لاشتراط كون العامل قادرا على العمل. كما أن الامر كذلك في الاجارة للعمل، فانه إذا كان عاجزا تكون باطلة (3) ] داعية إليها، ولا يمكن الاستيجار عليها، فللضرورة مع جهالة العوضين شرع عقد المضاربة " والعمدة ما أشرنا إليه فيما مضى من الشك في تحقق المضاربة عرفا في مثل ذلك الموجب للرجوع إلى أصالة عدم ترتب الاثر. (1) كما عرفت في نظيره من الشروط فيما سبق. وكان المناسب للمصنف أن يتعرض لذلك في الموارد السابقة أيضا. (2) هذا الشرط لم يذكره في الشرائع وغيرها على النحو المذكور هنا، فقد قال في الشرايع: " وإذا أخذ من مال القراض ما يعجز عنه ضمن " ونحو ذلك ذكر في القواعد، وفي المسالك: " وحيث يثبت الضمان لا يبطل العقد به، إذ لا منافاة بين الضمان وصحة العقد "، وفي الحدائق بعد ما حكى عنهم أنه لا منافاة بين الضمان وصحة العقد قال: " ويدل عليه ما تقدم في تلك الاخبار، وعليه اتفاق الاصحاب، من أنه مع المخالفة لما شرطه المالك فانه يضمن والربح بينهما، لكن في الجواهر: " لعل المتجه الفساد لمعلومية اعتبار قدرة العامل على العمل في الصحة، نحو ما ذكروه في الاجارة، ضرورة لغوية التعاقد مع العاجز " وتبعه عليه المصنف وغيره، وهو في محله. (3) إذا كان الموجب للبطلان العجز، فالعجز كان عن المجموع،

 

===============

 

( 254 )

 

[ وحينئذ فيكون تمام الربح للمالك (1) وللعامل أجرة عمله مع جهله بالبطلان (2)، ] فيوجب بطلان المجموع، لا بطلان كل جزء جزء، لعدم العجز عن ذلك، وحينئذ تصح في المقدور وتبطل في الزائد، ويكون من قبيل تبعض الصفقة. (1) هذا متفرغ على بطلان المضاربة كلية، أما إذا كانت صحيحة في المقدور باطلة في غيره. فالمقدار المتجر به الذي حصل به الربح مقدور فيكون الربح بين المالك والعامل، ولا يستحق العامل عليه أجرة المثل من المالك. وبالجملة: المقدار الذي اتجر به مقدور، فتصح فيه المضاربة وبكون الربح بينهما على حسب ما شرط في إيقاعها، والمقدار الذي عجز عن العمل به لاعمل فيه، ولاربح فلا يستحق العامل فيه شيئا، لانتفاء السبب. (2) أما مع علمه بالبطلان فلا يستحق الاجرة، لانه أقدم على بذل عمله مجانا، فيكون متبرعا، ولا يستحق الاجرة، وقد وافق في ذلك جماعة من الاعاظم، ومنهم المحقق الثاني في جامع المقاصد والشهيد الثاني في المسالك، حيث ذكروا أن ضمان المال المقبوض بالعقد الفاسد يختص بصورة جهل الدافع وضمان المنافع المستوفاة بالعقد الفاسد يختص أيضا بصورة جهل العامل، أما إذا كان الدافع للمال والعامل عالمين بالحال فقد أقدم الدافع للمال على هتك حرمة ماله، وكذلك العامل يكون متبرعا بعمله، فلا يستحقان عوضا. وقد أطال المصنف (ره) في بيان ذلك في كتاب الاجارة. وفيه: أنه غير ظاهر، كما أشرنا إلى ذلك هناك، وأنه لما كان التشريع في السبب فدفع المال والعمل يكون بقصد العوض لا بقصد التبرع. فراجع مباحث الاجارة.

 

===============

 

( 255 )

 

[ ويكون ضامنا لتلف المال (1)، إلا مع علم المالك بالحال. وهل يضمن حينئذ جميعه (2)، لعدم التميز مع عدم الاذن في أخذه على هذا الوجه، أو القدر الزائد، لان العجز إنما يكون بسببه، فيختص به، أو الاول إذا أخذ الجميع دفعة ] (1) كما في الشرائع، وكذلك في جامع المقاصد والمسالك شرط جهل المالك لامع علمه، لما سبق. والوجه في الضمان - على ما ذكره الجماعة - أن وضع العامل يده على المال لم يكن باذن من مالكه، لان الاذن كان بعنوان المضاربة وهو مفقود، فاخذ العامل للمال ووضع يده عليه كان بلا إذن من مالكه، فيكون موجبا للضمان. قال في جامع المقاصد: " لان تسليم المال إليه إنما هو ليعمل فيه، فإذا كان عاجزا عن العمل كان وضع يده على خلاف الوجه المأذون فيه، فكان ضامنا "، ونحوه عبارة المسالك. هذا ولكن الضمان في المقام مخالف لقاعدة: (مالا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده)، فان مال المضاربة غير مضمون على العامل في المضاربة الصحيحة فلا يكون مضمونا عليه في الباطلة. ويدل على القاعدة المذكورة مادل على صحة ضمان المؤتمن، مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع): " صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنا، وقال (ع): ليس على مستعير عارية ضمان. وصاحب العارية والوديعة مؤتمن " (* 1) ونحوه غيره. فراجع وقد اختار المصنف في كتاب الاجارة أن الاقوى عدم ضمان العين المستأجرة في الاجارة الفاسدة. والفرق بينه وبين المقام غير ظاهر. فراجع ما ذكرناه في شرح ذلك الباب، وما ذكرناه في دليل القاعدة من كتابنا (نهج الفقاهة)، وتأمل. والله سبحانه ولي السداد. (2) قال في المسالك: " وهل يكون ضامنا للجميع، أو القدر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من كتاب العارية حديث: 6.

 

===============

 

( 256 )

 

[ والثاني إذا أخذ أولا بقدر مقدوره ثم أخذ الزائد ولم يمزجه مع ما أخذه أولا (1)؟ أقواها الاخير. (ودعوى) (2): أنه بعد أخذ الزايد يكون يده على الجميع، وهو عاجز عن المجموع من حيث المجموع، ولا ترجيح الآن لاحد أجزائه إذ لو ترك الاول وأخذ الزيادة لا يكون عاجزا (كما ترى) إذ الاول وقع صحيحا، والبطلان مستند إلى الثاني وبسببه (3)، ] الزائد على مقدوره؟ قولان. من عدم التمييز، والنهي عن أخذه على هذا الوجه. ومن أن التقصير بسبب الزائد، فيختص به. والاول أقوى ". أقول: كل جزء من المال إذا لوحظ منفردا فهو مقدور العمل به، وإذا لوحظ منضما فهو غير مقدور العمل به، ولما كان وضع اليد عليه في حال الانضمام، لافي حال الانفراد فهو غير مقدور العمل به، فلا يكون مأذونا في قبضه، فيكون مضمونا بناء على ما عرفت من اقتضاء اليد الضمان. ومن ذلك يعرف ضعف الوجه الثاني فان الزائد لو كان مقبوضا منفردا كان مقدورا، لكن المفروض كونه مقبوضا منضما، فلا يكون مقدورا. (1) قال في المسالك: " وربما قيل انه إن أخذ الجميع دفعة فالحكم كالاول، وإن أخذ مقدوره ثم أخذ الزائد ولم يمزجه ضمن الزائد خاصة ". (3) هذه الدعوى ذكرها في المسالك بعنوان الاشكال على هذا التفصيل. (4) هذا يتم لو كان أخذ الاول بعقد يختص به. والثاني بعقد آخر يختص به، أما إذا كان الاخذ الثاني بعقد موضوعه مجموع الاول والثاني، فيكون موضوع العقد غير مقدور، فيكون العقد باطلا، فالمأخوذ به أولا

 

===============

 

( 257 )

 

[ والمفروض عدم المزج. هذا ولكن ذكر بعضهم (1) أن مع العجز المعاملة صحيحة، فالربح مشترك، ومع ذلك يكون العامل ضامنا مع جهل المالك. ولا وجه له، لما ذكرنا مع أنه إذا كانت المعاملة صحيحة لم يكن وجه للضمان (2). ثم إذا تجدد العجز في الاثناء وجب عليه رد الزائد (3)، ] كالمأخوذ به ثانيا، كلاهما مأخوذ بعقد باطل، فيكون كل منهما مضمونا. ولافرق بينهما. (1) تقدم ذلك عن المسالك. وفي الحدائق: " قالوا وحيث يثبت الضمان لا يبطل العقد، إذ لا منافاة بين الضمان وصحة العقد. أقول: ويدل عليه ما تقدم في تلك الاخبار - وعليه اتفاق الاصحاب - من أنه مع المخالفة لما شرطه المالك فانه يضمن، والربح بينهما ". (2) لان العامل أمين عندهم، والامين لا يضمن. وأما ما ذكره في الحدائق فضعيف، لخروج المورد عن عموم النصوص الدالة على أن العامل إذا خالف ما شرط عليه فهو ضامن والربح بينهما، الآتية في المسألة الخامسة. فلاحظ. (3) قال في المسالك: " ولو كان قادرا فتجدد العجز وجب عليه رد الزائد عن مقدوره، لوجوب حفظه، وهو عاجز عنه، وإمكان التخلص منه بالفسخ، فلو لم يفسخ ضمن وبقي العقد كما هو ". ولا يخلو مراده من غموض، فانه لم يكن عاجزا عن الحفظ، وإنما كان عاجزا عن العمل الموجب للانفساخ، بلا حاجة إلى الفسخ. ولذلك يجب أن يقال: انه إذا تجدد العجز جرى عليه حكم مالو كان العجز من أول الامر، فإذا بنينا على البطلان في الجميع كان هنا كذلك. ولافرق بين أن يكون قد عمل في بعض المال وأن لا يكون قد عمل، لان العمل ببعض المال لا يوجب

 

===============

 

( 258 )

 

[ وإلا ضمن (1). (مسألة 1): لو كان له مال موجود في يد غيره، أمانة أو غيرها، فضاربه عليها صح (2)، وإن كان في يده غصبا (3)، أو غيره مما يكون اليد فيه يد ضمان فالاقوى أنه يرتفع الضمان بذلك (4)، لانقلاب اليد حينئذ فينقلب الحكم. ] اختصاص العجز بغيره لامكان رفع اليد عما عمل به، والاشتغال بالعمل في غيره، وحينئذ لامعين فيكون الحكم كما لو لم يعمل بالمال أصلا. (1) إذا بنينا على الضمان في المضاربة فقد ثبت هنا بمجرد الفسخ. ولا يتوقف على عدم الرد، نعم الاثم في ترك الرد يتوقف على عدم الرد حيث يمكن الرد ولم يحصل. اللهم إلا أن يقال: لاشمول لعموم على اليد لمثل المقام مما كان الاخذ حدوثا باذن المالك. (2) نص في التذكرة على صحة المضاربة في مال الوديعة والعارية. ويظهر منه اجماع المسلمين عليه. ويقتضيه الاطلاق المقامي بعد عدم الفرق عرفا بين كون المال المضارب عليه في يد المالك وفي يد غيره، أمينا كان، أو مستعيرا، أو غيرهما. وكان على التذكرة التعرض لغير الوديعة والعارية أيضا. (3) قال في الشرائع: " ولو كان له في يد غاصب ماله فقارضه عليه صح، ولم يبطل الضمان ". كما نص على صحة المضاربة في الفرض في التذكرة، ونسبه إلينا وإلى أحد وجهي الشافعية، ويظهر منه اتفاقنا عليه. وفي الحدائق: والظاهر أن الحكم اتفاقي عند الاصحاب، إذ لم أقف على نقل خلاف في المسألة. (4) كما استوجهه في التذكرة، وحكاه عن أبي حنيفة ومالك، لانه ماسك له باذن صاحبه. وكأنه إليه أشار المصنف (ره) بقوله:

 

===============

 

( 259 )

 

[ ودعوى: أن الضمان مغيى بالتأدية، ولم تحصل (1) كما ترى (2) ] " لانقلاب اليد " يعني: كانت اليد غاصبة فصارت غير غاصبة. لكنه لا يجدي في نفي الضمان إلا أن يثبت أمران: الاذن في القبض، وأن المأذون لا يضمن. (1) قال في المسالك: " وان وجه بقاء الضمان أنه كان حاصلا قبل ولم يحصل ما يزيله، لان عقد القراض لا يلزمه عدم الضمان، فانه قد يجامعه بأن يتعدى فلا ينافيه. ولقوله صلى الله عليه وآله: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (* 1) وحتى لانتهاء الغاية، فيبقى الضمان إلى الاداء، إما على المالك أو على من أذن له، والدفع إلى البائع مأذون فيه، فيكون من جملة الغاية ". ومحصله الرجوع إلى استصحاب الضمان تارة، وإلى عموم " على اليد... " أخرى من دون مخصص. (2) كأنه يريد أن الغاية تحصل بالاذن في البقاء كما تحصل بالاذن بالدفع إلى الغير. لكنه غير ظاهر، لان الاذن بالدفع إلى غيره. يجعل غيره كوكيل عنه في القبض، فيكون الدفع إلى الغير دفعا إلى نفسه، أما الاذن في الابقاء فليس فيه شئ من الغاية، فكيف يكون غاية للضمان؟! هذا مع أن في المسالك منع من حصول الاذن في الابقاء من مجرد العقد، قال: " وأما اقتضاء العقد الاذن في القبض فضعفه ظاهر، لان مجرد العقد لا يقتضي ذلك، وإنما يحصل الاذن بأمر آخر، ولو حصل سلمنا زوال الضمان. كيف والعلامة قد صرح في التذكرة: بأن كون المال في يدل العامل ليس بشرط في صحة القراض ". ومن ذلك تعرف أن الكلام في المقام يكون في أمور (الاول): أنه هل يحصل

 

 

____________

(* 1) كنز العمال الجزء: 5 صفحة: 257، مستدرك الوسائل باب: 1 من كتاب الوديعة حديث: 12 وباب: 1 من كتاب الغصب حديث: 4.

 

===============

 

( 260 )

 

[ ولكن ذكر جماعة بقاء الضمان (1) إلا إذا اشترى به شيئا ودفعه إلى البائع، فانه يرتفع الضمان (2) به، لانه قد قضى دينه باذنه (3)، وذكروا نحو ذلك في الرهن أيضا، وأن ] الاذن في القبض من مجرد العقد أولا؟ وقد منع في المسالك من ذلك، لان عقد المضاربة أعم. وكان على المصنف موافقته، لما سبق في الشرط الثامن، وكذلك كان على العلامة في التذكرة. (الثاني): أنه على تقدير حصول الاذن في القبض هل يرتفع الضمان ويحصل الاداء الذي جعل غاية للضمان في حديث: " على اليد... " أولا؟ الذي اختاره في المسالك الاول وحكى منعه عن بعض، قال: " وربما قيل بعدم زوال الضمان وإن أذن له في قبضه بعد ذلك، لما تقدم من الادلة. ويضعف: بأنه حينئذ وكيل محض ". وقد عرفت أن الاذن في بقاء المال عند آخذه لا يكون موجبا لحصول غاية الضمان، ولايكون المأذون كالوكيل في القبض، إذ لادفع هنا ولا أداء بخلاف الوكيل. نعم يرتفع الضمان بمقتضى الادلة الخاصة الدالة على أن المأذون في القبض أمين ولا يضمن الامين، فبطلان الضمان للادلة الخاصة، لا لحصول الغاية. وهذا هو الامر الثالث الذي ينبغي التنبيه عليه. وهذه الادلة مانعة من الاستصحاب ومخصصة لعموم: " على اليد... ". ومن ذلك يظهر أن ارتفاع الضمان بالاذن بدفعه ثمنا بملاك حصول الغاية وارتفاعه بالاذن بالبقاء بملاك آخر. (1) كما تقدم في الشرائع، وفي الحدائق: أنه المشهور. (2) إجماعا في المسالك. (3) كأنه يشير إلى أن الاداء المجعول غاية الضمان يراد منه أن يكون المال تحت سلطانه الخارجي أو الاعتباري، كما إذا أذن في دفعه ثمنا أو

 

===============

 

( 261 )

 

[ العين إذا كانت في يد الغاصب فجعله رهنا عنده أنها تبقى على الضمان والاقوى ما ذكرنا في المقامين، لما ذكرنا (1). (مسألة 2): المضاربة جايزة من الطرفين (2) يجوز لكن منهما فسخها، سواء كان قبل الشروع في العمل أو بعده قبل حصول الربح أو بعده، نض المال أو كان به عروض، مطلقا كانت أو مع اشتراط الاجل (3) وإن كان قبل انقضائه. نعم لو اشترط فيها عدم الفسخ إلى زمان ذكا يمكن أن يقال بعدم جواز فسخها قبله، بل هو الاقوى، لوجوب الوفاء بالشرط. ولكن عن المشهور بطلان الشرط المذكور (4)، ] دفعه وفاء عما في ذمته، فان هذا الاداء لما كان باذنه كان تحت سلطانه، (1) قد عرفت أنه لايتم إلا بناء على اعتبار القبض في صحة الرهن وفي صحة المضاربة. (2) بلا خلاف، كما في المسالك، وفي الجواهر: " الاجماع بقسميه عليه، وهو الحجة في الخروج عن قاعدة اللزوم ". (3) فانه يصح الفسخ قبل الاجل بلا خلاف أجده فيه، للاصل وغيره. كذا في الجواهر، وكون الاصل مقتضيا للجواز حينئذ غير ظاهر سواء كان الاصل العملي، إذ الاصل عدم ترتب الاثر على الفسخ، أم عموم مادل على الجواز، لما تقدم من عدم العموم اللفظي، والدليل منحصر بالاجماع، والاقتصار على المتيقن في المخصص اللبي لازم، ويتعين الرجوع إلى عموم اللزوم. فالدليل حينئذ عموم الاجماع على الجواز، لا الاصل. (4) قال في الشرائع بعد ما ذكر: أن عقد المضاربة جائز من

 

===============

 

( 262 )

 

الطرفين " ولو اشترط فيه الاجل لم يلزم. لكن لو قال: إن مرت بك سنة مثلا تشتر بعدها وبع، صح، لان ذلك من مقتضى العقد. وليس كذلك لو قال: " على أن لا أملك فيها منعك، لان ذلك مناف لمقتضى العقد " وفي القواعد: " ولو شرط توقيت المضاربة لم يلزم الشرط والعقد صحيح لكن ليس للعامل التصرف بعده " وقال قبل ذلك: " ولو شرط ما ينافيه فالوجه بطلان العقد، مثل أن يشترط ضمان المال، أو سهما من الخسران أو لزوم المضاربة... ". وفي جامع المقاصد: أن هذه شروط باطلة، لمنافاتها مقتضى العقد شرعا، فيبطل العقد بها، لان التراضي المعتبر فيه لم يقع إلا على وجه فاسد، فيكون باطلا. انتهى. ومن ذلك تعرف أن الشرط المنافي لمقتضى العقد عندهم هو شرط لزوم المضاربة وعدم ملك الفسخ، لا مجرد شرط عدم الفسخ، الراجع إلى شرط الاجل في عبارة الشرائع والتوقيت في عبارة القواعد، فانه عندهم لا يلزم ولا يجب الوفاء به، لا أنه مناف لمقتضى العقد، ولا أنه مبطل للعقد. وعليه فنسبة بطلان شرط عدم الفسخ وابطاله العقد لانه مناف لمقتضى العقد إلى المشهور في كلام المصنف ليس مما ينبغي، وإنما هو في شرط لزوم المضاربة وعدم ملك الفسخ. وكيف كان فاشتراط عدم الفسخ إلى أجل بعينه في عقد المضاربة ليس منافيا لمقتضى العقد، ولا لمضمونه، ولا للكتاب والسنة، فان بطل فلوجه آخر غير ما ذكر. وسيأتي التعرض لوجهه في كلام المصنف. ثم إن المصنف ذكر شرط الاجل وذكر أنه باطل لا يترتب عليه أثر فيجوز معه الفسخ، كما ذكر الاصحاب، وذكر شرط عدم الفسخ مقابلا له وذكر فيه ما ذكر، مع أنه لا يظهر الفرق بينهما، إذ لا معنى لشرط التأجيل إلا ذلك، ولذا لم يذكره الاصحاب في مقابل شرط

 

===============

 

( 263 )

 

[ بل العقد أيضا (1)، لانه مناف لمقتضى العقد. وفيه: منع، ] التأجيل وإنما ذكروا شرط أن لا يملك الفسخ. ولعل مراد المصنف منه ذلك. لكن استدلاله على صحته بما ذكره لا يساعد على ذلك ويقتضي أن يكون المراد ما هو ظاهر العبارة. وحينئذ يتوجه عليه الاشكال في وجه الفرق بين شرط التأجيل وبينه. (1) قد عرفت تصريح الشرائع والقواعد وجامع المقاصد ببطلان العقد لمنافاة الشرط لمقتضاه، وعلل في جامع المقاصد ذلك: بأن التراضي المعتبر في العقد لم يقع إلا على وجه فاسد وكان الاولى تعليله: بأن القصد إلى المتنافيين متعذر، فيكون العقد غير مقصود، فلا يصح. وبالجملة: الشرط الواقع في ضمن العقد (تارة): يكون منافيا لمضمون العقد، كما إذا شرط في البيع أن لا يكون للمبيع ثمن، فان قوام المبادلة الطرفان، فلا تكون مع طرف واحد، (وأخرى): منافيا لمقتضاه عرفا، كما إذا شرط في البيع أن لا يملك المشتري المبيع أو لا يملك البائع الثمن، فان ذلك خلاف ما تقتضيه المبادلة، فانها تقتضي أن يكون كل من البدلين قائما مقام الآخر، فإذا كان الثمن ملكا للمشتري فالمثمن بدله لابد أن يكون كذلك، وإذا كان المثمن ملكا للبائع فالثمن بدله كذلك (وثالثة): أن يكون مخالفا للكتاب وان لم يكن مخالفا لمضمون العقد ولا لمقتضاه، كما إذا اشترطت الزوجة في عقد نكاحها أن يرث أبوها أو أخوها من زوجها، فان ذلك مخالف لما دل على إرث غيرهما من مراتب الارث. وهذه الاقسام الثلاثة كلها باطلة. أما الاولان: فلامتناع القصد إلى المتنافين، ولذلك يكون الشرط مبطلا للعقد أيضا. وأما الثالث: فللادلة الخاصة، والتحقيق: أنه ليس بمبطل للعقد إذ لا مقتضي لذلك، فعموم الصحة محكم. وقد عرفت أن شرط عدم الفسخ

 

===============

 

( 264 )

 

[ بل هو مناف لاطلاقه (1). ودعوى: أن الشرط في العقود الغير اللازمة غير لازم الوفاء (2)، ] ليس من أحد المذكورات، وشرط أن لا يكون له الفسخ من قبيل الشرط المخالف للكتاب، لما دل على جواز عقد المضاربة، فيكون باطلا لذلك لا لمنافاته لمقتضى العقد، إذ ليس في عقد المضاربة ما يقتضي عرفا ملك الفسخ، حتى يكون شرط عدم ملك الفسخ مخالفا لمقتضى العقد. (1) هذا إن تم فانما يتم بالنسبة إلى شرط أن لا يملك، يعني: أن اطلاق المضاربة بلا شرط يقتضي أن يكون لكل من الطرفين الفسخ، أما مع الشرط فلا تقتضي ذلك، وحينئذ لامانع من صحة الشرط. أما بالنسبة إلى شرط عدم الفسخ فلا يتم، ولا مجال له، لان عدم الفسخ لا يرتبط باطلاق العقد ولا بتقييده، كما لعله ظاهر بالتأمل. فالجواب يناسب الاستدلال بالنسبة إلى شرط عدم ملك الفسخ، لا بالنسبة إلى شرط عدم الفسخ. (2) هذه الدعوى مذكورة في كلام بعض من قارب عصرنا. قال في الحدائق في كتاب الدين: " المشهور أن القراض من العقود الجائزة التي يجوز الرجوع فيها من الطرفين، بل ادعي عليه الاجماع. وعلى هذا فلو شرط التأجيل فيه لم يلزم. وبذلك صرحوا أيضا. وكذا كل شرط سائغ ". وقال في الرياض في شرح قول ماتنه في كتاب المضاربة " ولا يلزم فيها اشتراط الاجل ": " هذه العبارة تحتمل معنين... " (إلى أن قال): الثاني: أن الاجل المشترط فيها حيث كان غير لازم بل جائز، يجوز لكل منهما الرجوع، لجواز أصله، بلا خلاف كما مضى، فلن يكون الشرط المثبت فيه جائزا بطريق أولى ". وهذا المضمون ربما يحتمل من كلام جماعة، ففي جامع المقاصد: " قال الشيخ في المبسوط:

 

===============

 

( 265 )

 

إذا دفع إليه ألفا قراضا على أن يدفع إليه الفا بضاعة، بطل الشرط، لان العامل في المضاربة لا يعمل عملا بغير جعل... (إلى أن قال): قال الشيخ: ولو قلنا القراض والشرط جائز لا يلزم الوفاء به، لان البضاعة لا يلزم القيام بها كان قويا... (إلى أن قال في جامع المقاصد): وصرح في التحرير: بأنه لا يلزم الوفاء به، وهو حق، لان العقد جائز من الطرفين ". ويحتمل أن يكون مراده عدم وجوب الوفاء لجواز فسخ العقد فيسقط الشرط، لامع بقاء العقد. وفي جامع المقاصد في شرح قول ماتنه: " ولا يصح التأجيل فيها " - يعني: في الشركة -: " المراد بصحته ترتب أثره عليه، ولو لزومها إلى الاجل وإنما لم يصح لانها عقد جائز فلو شرط التأجيل كان لكل منهما فسخها متى شاء "، ونحوه في المسالك في شرح قول ماتنه: " ولو شرط التأجيل في الشركة لم يصح ". ويحتمل أن يكون مرادهما أنها جائزة على نحو لا تلزم بالشرط فيكون بطلان الشرط لاجل مادل على جوازها، لا لانه شرط في عقد جائز. ولذلك علله في الجواهر بقوله: " لما عرفت من الاجماع على كونها عقدا جائزا بالنسبة إلى فسخها بالقسمة، فلا يلزم الشرط المذكور فيها " وهذا الاحتمال هو الاقرب، إذ لو كان المراد الاول كان اللازم التعبير بأنها عقد جائز والشرط في العقد الجائز جائز. (ودعوى): أنه لو كان المراد الثاني كان اللازم بناؤهم على بطلان شرط التأجيل في عقد آخر مع أن بنائهم على صحته (مدفوعة): بامكان كون التفصيل بين المقامين مبنيا على أمر آخر اعتقدوه: وحينئذ فكأن هذه الكلية - أعني: عدم لزوم الشرط في العقد الجائز - لاأثر لها في كلام الاصحاب. قال في القواعد في كتاب القراض: " وهو عقد قابل للشروط الصحيحة "، وفي جامع المقاصد: " لامزية لهذا العقد في ذلك، بل

 

===============

 

( 266 )

 

كل عقد قابل لذلك ". والظاهر من الشروط الصحيحة ما يلزم العمل بها ويترتب الاثر على مضمونها وقال في القواعد: " ولو شرط على العامل المضاربة في مال آخر، أو يأخذ منه بضاعة أو قرضا، أو يخدمه في شئ بعينه، فالوجه صحة الشرط ". وفي جامع المقاصد: " حكي عن الشيخ بطلان الشرط إذا اشترط في المضاربة أن يدفع إليه ألفا بضاعة، لان العامل في المضاربة لا يعمل عملا بغير جعل ولا قسط من الربح، وإذا بطل الشرط بطل القراض... ". وقال في القواعد في كتاب الشركة: " ولو شرطا التفاوت مع تساوي المالين، أو التساوي مع تفاوتهما، فالاقرب جوازه إن عملا أو أحدهما، سواء شرطت الزيادة للعامل أو للآخر وقيل: تبطل إلا أن تشترط الزيادة للعامل " ونحوه في الشرائع. فالقائل بالصحة لا يراها منافية لجواز العقد، والقائل بالبطلان لم يستند إلى جواز العقد وعدم صحة الشرط في العقد الجائز، بل استند إلى أمر آخر. وفي التذكرة: لو شرط في المضاربة أن يعطيه بهيمة يحمل عليها جاز لانه شرط سائغ لا ينافي الكتاب والسنة، فوجب الوفاء به، عملا بقوله (ع): " المسلمون عند شروطهم " (* 1). وبالجملة: ملاحظة كلماتهم في الشروط في العقود الجائزة - مثل الشركة والمضاربة والعارية وغيرها - وبناؤهم على صحة بعض الشروط فيها وعلى بطلان البعض الآخر، لامور ذكروها مع عدم تعرضهم للقاعدة المذكورة، وجعلها منشأ لبطلان بعضها، أو مخصصة بالنسبة إلى الصحيح منها، دليل على عدم بنائهم عليها وما في بعض الكلمات المتقدمة ونحوها محمول على خلاف ظاهر، أو أنه رأي خاص للقائل نفسه. نعم قال في الجواهر في هذا المقام: " إنما الكلام في حكمه

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من أبواب الخيار حديث: 1، 2، 5.

 

===============

 

( 267 )

 

(يعني: حكم الشرط بالنسبة إلى وجوب الوفاء به وعدمه) فيحتمل الاول، لكن بمعنى الوجوب المشروط بالبقاء على العقد وعدم إنشاء فسخه لكونه حينئذ كنفس مقتضى العقد، إذ هو من توابعه. وبهذا المعنى يندرج في قوله تعالى: (أوفوا بالعقود)... (* 1) (إلى أن قال): ويحتمل الثاني، لا بمعنى تسلطه على فسخ العقد، بل على معنى عدم وجوب الوفاء به وإن لم يفسخ العقد: للاصل السالم عن معارضة الآية.... (إلى أن قال): ولعل هذا هو مراد الشيخ والفاضل في التحرير من المحكي عنهما، لاأن المراد عدم لزوم الوفاء بالعقد باعتبار جواز العقد، وإلا فالوفاء به واجب حال عدم فسخ العقد، إذ هو كما ترى لادليل عليه، بل المعلوم خلافه، ضرورة كون الشرط أولى من مقتضى العقد الذي لا يجب الوفاء به وإن لم يفسخ العقد، فان من استودع أو وكل أو أعار أو ضارب - أي جاء بعقد من هذه العقود - لا يجب عليه الوفاء بمقتضى ذلك، فيأخذ الوديعة مثلا، ويفعل كل ما وكل، ويتناول العارية ويأخذ عين مال القراض، فالشرط أولى. ومنه يعلم حينئذ أنه هو مراد الشيخ والفاضل فيما ذكراه من عدم لزوم الوفاء به. وهو لا يخلو من قوة ". وما ذكره (قده) من أنه مراد الشيخ والفاضل في التحرير غير ظاهر، فان الشيخ (قده) قد علل البطلان بما ذكر، ثم علل الجواز: بأن البضاعة لا يجب القيام بها وظاهره أن الوجه في الجواز امتناع وجوب البضاعة، لاكون الشرط في عقد جائز، والفرق بين البطلان وبين الجواز الذي اختاره: أن مقتضى البطلان أن لو جاء المشروط عليه بالشرط استحق العوض، كما هو الملاك في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، بخلاف الجواز، فانه لا يستحق كما لو فعل ما وعد به، فانه لا يستحق على الموعود عوضا. وأما العلامة في

 

 

____________

(* 1) المائدة: 1.

 

===============

 

( 268 )

 

التحرير فلم يعلم منه الوجه في عدم وجوب الوفاء به، ومن القريب أن يكون هو الوجه فيما ذكره الشيخ، وإلا فقد ذكر جملة من الشروط في عقد المضاربة وغيره وصححها، ولم يتعرض فيها لما ذكر، فلو كان الشرط في العقد الجائز لا يجب الوفاء به وإن لم يفسخ العقد لم يكن وجه للبناء على صحة الشروط الاخرى المذكورة في كتابي الشركة والمضاربة وغيرهما. وبالجملة: فكلمات الاصحاب خالية عن التعرض لهذه القاعدة، ويظهر منهم عدم البناء عليها، ولزوم العمل بالشروط وإن كانت في عقد جائز، والعبارات السابقة لابد من حملها على غير هذا المعنى، وإلا لم يكن وجه لبنائهم على صحة جملة من الشروط المذكورة في العقود الجائزة، وتمسكهم على صحتها بلزوم الوفاء بالعقود والشروط. فلاحظ ما تقدم عن القواعد من قوله في كتاب القراض: " وهو عقد قابل... "، وما تقدم في شرحه من جامع المقاصد. وكيف كان فالذي يمكن أن يكون وجها لهذه القاعدة أمور. (الاول) الاولوية المشار إليها في عبارتي الرياض والجواهر. وفيه: أنها لا تخلو من خفاء، فلا تصلح للاثبات. (الثاني): أن دليل الجواز يدل على جواز العقد بتوابعه والشرط من توابعه. وقد يظهر ذلك من عبارة المسالك الآتية. وفيه: أن غير ظاهر، فان دليل الجواز هو الاجماع، والمتيقن منه يختص بالعقد ولا يشمل توابعه. (الثالث): أنه لو لزم الالتزام بالشرط مع عدم الالتزام بالعقد للزم الالتزام به ولو مع فسخ العقد، ولا قائل به. وفيه: أن دليل لزوم الشرط يختص بما كان في العقد، فإذا فسخ العقد ارتفع الشرط الذي هو موضوع اللزوم. (الرابع): أن جواز الشرط مقتضى الاصل كما أشار إلى ذلك في الجواهر في عبارته المتقدمة، وفيه: أن وجوب الوفاء بالعقد أو الشرط لايراد منه الوجوب التكليفي، بل

 

===============

 

( 269 )

 

[ ممنوعة (1). نعم يجوز فسخ العقد، فيسقط الشرط (2)، وإلا فما دام العقد باقيا يجب الوفاء بالشرط فيه (3)، وهذا إنما يتم في غير الشرط الذي مفاده عدم الفسخ. مثل المقام، فانه يوجب لزوم ذلك العقد (4). هذا ولو شرط عدم فسخها ] الارشادي إلى نفوذ والشروط، وكذلك وجوب الوفاء بالنذر فالشك في الحقيقة في اللزوم والجواز يرجع إلى الشك في جواز الفسخ وعدمه، والاصل عدم ترتب الاثر على الفسخ. وكأنه لذلك لم يتعرض لها الاصحاب، وكأن بنائهم على خلافها، وشيخنا الاعظم في مكاسبه لم يتعرض لذكرها مع أنه أطال في ذكر مباحث الشروط وما يتعلق بها. نعم في المسالك - في شرح قول ماتنه فيما إذا اشترط في المضاربة أن يأخذ مالا آخر بضاعة: " ولو قيل بصحتهما (يعني: صحة المضاربة وصحة الشرط) كان حسنا " قال: والقراض من العقود الجائزة لا يلزم الوفاء به، فلا يلزم الوفاء بما شرط في عقده، لان الشرط كالجزء من العقد فلا يزيد عليه " والاستدلال بما ذكر مشكل كما عرفت. ولذا قال بعد ذلك: " والذي تقتضيه القواعد أنه يلزم العامل الوفاء به، وبه صرح في التحرير، فمتى أخل به تسلط المالك على فسخ العقد وإن كان ذلك له بدون شرط، إذ لا يمكن هنا سوى ذلك ". والذي يظهر من مجموع كلامه أن القاعدة المذكورة لاأصل لها في كلامهم وإنما تذكر كوجه من الوجوه الذي تختلف فيها العلماء. فلاحظ. (1) قد عرفت وجهه. (2) لعدم لزوم العمل بالشروط الابتدائية، كالوعد. (3) لعدم ترتب الاثر على الفسخ، للاصل كما عرفت. (4) إذا كان وجود العقد شرطا في لزوم العمل بالشرط امتنع أن

 

===============

 

( 270 )

 

[ في ضمن عقد لازم آخر فلا إشكال في صحة الشرط (1) ولزومه. وهذا يؤيد ما ذكرنا من عدم كون الشرط المذكور منافيا لمقتضى العقد (2)، إذ لو كان منافيا لزم عدم صحته في ضمن عقد آخر أيضا (3). ] يكون لزوم العمل بالشرط مقتضيا لوجود العقد ومانعا من فسخه، لما تحرر في محله من أن وجوب المشروط لا يقتضي وجود شرطه. وبالجملة: شرط عدم فسخ العقد يمتنع أن يكون موجبا للزوم العقد وامتناع فسخه، لان لزوم عدم الفسخ يتوقف على وجود العقد، فلا يتوقف عليه وجود العقد. ومن ذلك يظهر بطلان شرط التأجيل في جميع العقود الجائزة، كالشركة، والمضاربة، والوكالة، وغيرها، لان شرط التأجيل راجع إلى شرط عدم الفسخ إلى الاجل، وقد عرفت بطلانه. (1) نفي الاشكال غير ظاهر. نعم صرح بعضهم بصحته وبطلان اشتراطه في ضمن عقد المضاربة. وبعض الوجود المذكورة في وجه عدم صحته في ضمن عقد المضاربة مطرد في ضمن غيره. (2) قد عرفت أن من ذكر هذا الوجه أراد بالشرط شرط عدم ملك الفسخ لاشرط عدم الفسخ، وإن كان الاول أيضا غير مناف لمقتضى العقد، وإنما هو مخالف للكتاب، فيبطل ذلك. (3) كذا في الجواهر. لكن قد عرفت آنفا أن بطلان الشرط المنافي لمقتضى العقد لامتناع قصده مع قصد العقد، ولذلك يبطل العقد أيضا، بخلاف الشرط المخالف للكتاب فانه بطلانه لصرف المخالفة للكتاب. ولاجل ذلك لافرق في بطلانه بين أن يكون في العقد الجائز والعقد اللازم، أما المنافي فانما ينافي مقتضى العقد الجائز، ولا ينافي مقتضى العقد اللازم، فلا مانع من صحته إذا كان في عقد لازم. اللهم إلا أن يقال: الشرط

 

===============

 

( 271 )

 

[ ولو شرط في عقد مضاربة عدم فسخ مضاربة أخرى (1) سابقة صح، ووجب الوفاء به (2)، إلا أن يفسخ هذه المضاربة، فيسقط الوجوب. كما أنه لو اشترط في مضاربة مضاربة أخرى في مال آخر، أو أخذ بضاعة منه، أو قرض أو خدمة، أو نحو ذلك، وجب الوفاء به (3) ما دامت المضاربة باقية، وإن فسخها سقط الوجوب. ولابد أن يحمل ما اشتهر من أن الشروط في ضمن العقود الجايزة غير لازمة الوفاء (4) ] المنافي لمقتضى العقد وان كان واقعا في ضمن عقد آخر أيضا يكون من الشرط المنافي للكتاب، لان دليل صحة العقد الآخر يقتضي ثبوت مقتضاه، فاشتراط خلافه مخالف للمشروع، فيبطل. (1) الكلام فيه هو الكلام فيما لو اشترط في العقد اللازم وان اختلفا في الجهة المذكورة في المتن. (2) الوجه الذي ذكرناه سابقا لبطلان شرط عدم الفسخ لا يأتي هنا، كما هو ظاهر، فيتعين البناء على الصحة هنا. (3) قال في القواعد: " ولو شرط على العامل المضاربة في مال آخر أو يأخذ منه بضاعة أو قرضا، أو يخدمه في شئ بعينه، فالوجه صحة الشروط ". وقال في جامع المقاصد في شرحه: " وجه الصحة عموم قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (* 1) وقوله (ع): " المسلمون عند شروطهم " (* 1)، وليس الشرط محرما، ولا منافيا لمقتضى العقد. قال الشيخ في المبسوط... " إلى آخر ما نقلناه عنه في الحاشية السابقة. (4) قد عرفت أن نسبة ذلك إلى الشهرة غير ظاهرة.

 

 

____________

(* 1) المائدة: 1. (* 2) الوسائل باب: 6 من أبواب الخيار حديث: 1، 2، 5.

 

===============

 

( 272 )

 

[ على هذا المعنى، وإلا فلا وجه لعدم لزومها مع بقاء العقد على حاله، كما اختاره صاحب الجواهر (1)، بدعوى: أنها تابعة للعقد لزوما وجوازا، بل مع جوازه هي أولى بالجواز، وأنها معه شبه الوعد. والمراد من قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) اللازمة منها، لظهور الامر فيها في الوجوب المطلق (2). والمراد من قوله (ع): المؤمنون عند شروطهم بيان صحة أصل الشرط: لا اللزوم والجواز. إذ لا يخفى ما فيه. (مسألة 3): إذا دفع إليه مالا وقال: اشتر به بستانا مثلا، أو قطيعا من الغنم، فان كان المراد الاسترباح بهما بزيادة القيمة صح مضاربة، وإن كان المراد الانتفاع بنمائهما بالاشتراك ففي صحته مضاربة وجهان، من أن الانتفاع بالنماء ليس من التجارة، فلا يصح، ومن أن حصوله يكون بسبب الشراء، ] (1) تقدمت عبارة الجواهر الدالة على مختاره. (2) يعني: فيتعين حملها على العقود اللازمة، وتخرج منها العقود الجائزة، التي منها ما نحن فيه. وفيه: ما أشرنا إليه آنفا من أن قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) وقوله (ع): " المؤمنون عند شروطهم " (* 1) ونحوهما ليس في مقام جعل الحكم التكليفي، والا لزم ترتب عقابين على البائع إذا امتنع عن تسليم المبيع إلى المشتري، عقاب الغصب والعدوان على مال الغير، وعقاب مخالفة وجوب الوفاء، ولا يمكن الالتزام بذلك فيتعين أن يكون المقصود منها الارشاد إلى صحة العقد والشرط والنذر،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4، مستدرك الوسائل باب: 5 من ابواب الخيار: 7.

 

===============

 

( 273 )

 

[ فيكون بالتجارة والاقوى البطلان (1) مع إرادة عنوان المضاربة إذ هي ما يكون الاسترباح فيه بالمعاملات وزيادة القيمة، لا مثل هذه الفوائد، نعم لا بأس بضمها إلى زيادة القيمة (2). ] ومقتضى العموم الازماني عموم الصحة بحسب الازمان، فيدل على اللزوم، وعدم ترتب أثر على الفسخ لو وقع، وقد خرج من ذلك نفس العقد الجائز، لما دل على الجواز وترتب أثر الفسخ، وبقي الشرط الوقع في ضمنه على حاله، فلا يحتاج في إثبات اللزوم إلى الوجوب التكليفي، ولو فرض الاحتياج إليه فالخارج عن عموم الآية نفس العقد، دون الشرط في ضمنه. (1) قال في القواعد: " ولو شرط أن يشتري أصلا يشتركان في نمائه - كالشجر والغنم - فالاقرب الفساد، لان مقتضى القراض التصرف في رأس المال "، وفي جامع المقاصد: " ولان مقتضى القراض الاسترباح بالتجارة، وليس موضوع النزاع كذلك، فلا يصح القراض عليه. وهو الاصح ". ولم يتضح الفرق بين التعليلين. وفي الشرائع بعدما حكى القول بالفساد قال: " وفيه تردد "، وفي جامع المقاصد: " ويحتمل ضعيفا الصحة. لان ذلك حصل بسعي العامل، وهو شراؤه الشجر والغنم، وذلك من جملة الاسترباح بالتجارة، وضعفه ظاهر، لان الحاصل بالتجارة هو زيادة القيمة لما وقع عليه العقد، لانماؤه الحاصل مع بقاء عين المال " والعمدة: عدم الدليل على صحة المضاربة في المقام ومفهومها العرفي يأباه. ولذا لم يعرف القول بالصحة لاحد من أصحابنا، كما في الجواهر، والاصل عدم ترتب الاثر. (2) قال في الجواهر: " لو قال له اشتره وما يحصل من ارتفاع قيمته ومن نمائه فهو بيننا " فالاقوى الصحة، لاطلاق الادلة. كما انه

 

===============

 

( 274 )

 

[ وإن لم يكن المراد خصوص عنوان المضاربة فيمكن دعوى صحته للعمومات (1). ] لو اتفق نماء أعيان المضاربة قبل بيعها شارك في النماء قطعا، ثم قال: " وبذلك ظهر لك أن لشركة العامل في النماء صورا ثلاثة، أحدهما: معلومة الصحة، والثانية: مظنونة، والثالثة: شك في شمول الاطلاق لها، والاصل الفساد ". ويريد بالمعلومة صورة تحقق النماء من باب الاتفاق، وهي التي ذكرها ثانيا في كلامه، والمظنونة صورة التعرض له في العقد مضافا إلى الربح، التي ذكرها أولا في كلامه. وكان الاولى بالعكس لانه إذا حصل النماء من باب الاتفاق، ولم يكن قد تعرض له المتعاقدان، فالقاعدة تقتضي كونه للمالك، لانه نماء ملكه ولاوجه لمشاركة العامل فيه، بخلاف صورة التعرض له، فانه يكون كالشرط في المضاربة، ولاوجه للتوقف في صحته. والمصنف اقتصر على هذه الصورة، ولم يتعرض للصورة الاخرى، وفي المسالك ذكر ما يشمل الصورتين قال: " واعلم أن المنع إنما هو في حصر الربح في النماء المذكور - كما تقتضيه هذه المعاملة - وإلا فلا يمنع كون النماء بينهما ويحتسب من جملة الربح على بعض الوجوه، كما إذا اشترى شيئا له غلة، فظهرت غلته قبل أن يبيعه، فانها تكون بينهما من جملة الربح، إلا أن الربح لم يحصراه فيها لامكان تحصيله من أصل المال ". وبالجملة: إذا لم يتعرضا للنماء فاللازم كونه للمالك، إلا أن يكون ملحوضا إجمالا تبعا. ولعله مراد الجواهر في الصورة الثانية في كلامه، فيكون الاشتراك فيه شرطا إجماليا في المضاربة، في مقابل الصورة الاولى في كلامه التي يكون الاشتراك فيه شرطا مصرحا في ضمن العقد. (1) فانها كافية في إثبات الصحة. واحتمال اختصاص العمومات بالمتعارف، فلا يشمل المقام. ممنوع، كما تقدم نظير ذلك.

 

===============

 

( 275 )

 

[ (مسألة 4): إذا اشترط المالك على العامل أن يكون الخسارة عليهما كالربح، أو اشترط ضمانه لرأس المال، ففي صحته وجهان (1) أقواهما الاول، لانه ليس شرطا منافيا لمقتضى العقد - كما قد يتخيل - بل إنما هو مناف لاطلاقه، إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك وعدم ضمان العامل إلا مع التعدي، أو التفريط. (مسألة 5): إذا اشترط المالك على العامل أن لا يسافر مطلقا أو إلى البلد الفلاني أو إلا إلى البلد الفلاني، أو لا يشتري الجنس الفلاني، أو إلا الجنس الفلاني، أو لا يبيع من زيد مثلا، أو إلا من زيد، أو لا يشتري من شخص، أو إلا من ] (1) بل قولان أحدهما العدم، وقد تقدم ما في القواعد من قوله: " ولو اشترط ما ينافيه فالوجه بطلان العقد، مثل أن يشترط ضمان المال أو سهما من الخسران... "، وفي جامع المقاصد: " وجه البطلان أن هذه شروط باطلة، لمنافاتها مقتضى العقد شرعا، فيبطل العقد بها لان التراضي المعتبر فيه لم يقع إلا على وجه فاسد، فيكون باطلا. ويحتمل ضعيفا صحة العقد وبطلان الشرط، لان بطلان أحد المتقارنين لا يقتضي بطلان الآخر. وجوابه أن التراضي في العقد شرط، ولم يحصل إلا على الوجه الفاسد. فيكون غير معتبر، فيفوت شرط الصحة ". وكأنه لوضوح منافاة الشرط للعقد لم يتعرض لبيان وجهها وتعرض لوجه ابطال الشرط الباطل للعقد. لكن في الجواهر: أن جميع هذه الامور من الاحكام أو ما هو مقتضى اطلاق العقد، لاأنها من منافيات مقتضاه التي تعود عليه بالنقض

 

===============

 

( 276 )

 

فتأمل جيدا. انتهى. وكأنه يريد بالاحكام الاحكام غير الاقتضائية، وإلا فالاحكام الاقتضائية لا يصح اشتراط خلافها، لان الشرط المخالف للكتاب باطل. وبالجملة: قد أشرنا في المسألة السابقة إلى أن الشرط المخالف لمقتضى العقد تارة: يكون مخالفا لمضمونه، واخرى: يكون مخالفا للوازمه العرفية، وثالثة: يكون مخالفا لاحكامه الشرعية الاقتضائية. وكون الشرط الضمان أو شرط تحمل الخسارة من أحد الاقسام المذكورة غير ظاهر، بل من الواضح أنهما غير مخالفين لمضمون المضاربة ولا للوازمها العرفية. نعم قد يتوهم مخالفتهما لما دل على عدم ضمان الامين. لكنه ممنوع لاحتمال أن عدم ضمان الامين لعدم المقتضي، لا لمقتضي العدم، ومع الاحتمال يبنى على صحة الشرط المخالف له، لعدم ثبوت كونه مخالفا للكتاب، والاصل العدم. بل الظاهر المفهوم عرفا أن عدم ضمانه لعدم المقتضي، وحينئذ لا تضر مخالفته للشرط. نعم في مصحح إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (ع) قال: " سألته عن مال المضاربة قال (ع): الربح بينهما والوضيعة على المال " (* 1)، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) أن ه قال: " المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح، وليس عليه من الوضيعة شي إلا أن يخالف أمر صاحب المال " (* 2)، ونحوه رواية الكناني عن أبي عبد الله (ع) (* 3) وظاهر الروايات المذكورة أن عدم ضمان العامل للخسارة من أحكام المضاربة فيكون الشرط مخالفا للكتاب، ومخالفا لمقتضى العقد شرعا. اللهم إلا أن يقال أيضا: إن الحكم المذكور لعدم المقتضي فلا ينافيه الشرط.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب المضاربة حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب المضاربة حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 1 من أبواب المضاربة حديث: 3.

 

===============

 

( 277 )

 

اللهم إلا أن يقال الاستثناء في روايتي الحلبي والكناني يقتضي عدم الضمان حتى بملاحظة العناوين الثانوية، فيدل على عدم تحمل الخسارة مطلقا في غير المستثنى حتى مع الشرط، فيدل على عدم صحة شرط الضمان وتدارك الخسارة تعبدا، لامن جهة كونه مخالفا لمقتضمى العقد شرعا. اللهم إلا أن يكون منصرف النصوص الجعل الشرعي، لاجعل المالك، كما هو مورد الكلام، وهو غير بعيد جمعا بين النصوص المذكورة وعموم نفوذ الشروط. وحينئذ لامانع من اشتراط تدارك الخسارة كلا أو بعضا. هذا وفي حسن الكاهلي عن أبي الحسن موسى (ع): " في رجل دفع إلى رجل مالا مضاربة، فجعل له شيئا من الربح مسمى، فابتاع المضارب متاعا فوضع فيه. قال (ع): على المضارب من الوضيعة بقدر ما جعل له من الربح (* 1) ": لكنه متروك الظاهر. وفي صحيح محمد ابن قيس عن أبي جعفر (ع) في حديث إن عليا (ع) قال: " من ضمن تاجرا فليس له إلا رأس ماله (المال. خ ل) وليس له من الربح شئ " (* 2)، وفي بعض طرقه: " من ضمن مضاربة ". وظاهره أن شرط الضمان صحيح لكنه مانع من استحقاق الربح للمالك، فيكون من قبيل ما أرسل عن النبي صلى الله عليه وآله: " الخراج بالضمان " (* 3)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب المضاربة حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 4 من أبواب المضاربة حديث: 1. (* 3) هكذا روي في كتب أصحابنا وقد أمر سيدنا المؤلف - قدس سره - بالفحص عن سند الحديث ومتنه في كتب الجمهور، لانه من رواياتهم وقد ظهر أنه مروي في صحيح الترمذي في (ج 5 صفحة 285) هكذا: (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر وأبو عامر العقدي عن ابن أبي ذئب عن مخلد ابن خفاف عن عروة عن عائشة: ان رسول الله صلى الله عليه وآله قضى أن الخراج بالضمان) ونحوه في (الجزء 5 صفحة 286) بسند آخر ورواه في سنن أبي داود (الجزء 2 صفحة 255) هكذا: (حدثنا ابراهيم بن مروان -

 

===============

 

( 278 )

 

[ شخص معين، أو نحو ذلك من الشروط، فلا يجوز له المخالفة (1)، ] وهو مذهب المخالف، وغير معمول به، ولا معمول عليه عندنا. وحمل في الوافي وغيره على أنه يكون المال قرضا. وهو - مع أنه خلاف الظاهر منه - مخالف للقواعد. والمتحصل: أن المنع من شرط الضمان وتدارك الخسارة لا يقتضيه مادل على عدم ضمان الامين، لانه حكم غير اقتضائي. فشرط خلافه لا يكون مخالفا للكتاب. ولا رواية اسحاق ونحوها مما ورد في خصوص المضاربة، لما ذكر أيضا. ولا إطلاق صحيح الحلبي لان منصرفه خصوص جعل الشارع، فلا يشمل جعل العاقد، ولا قوله (ع): " من ضمن تاجرا فليس له إلا رأس ماله وليس له من الربح شئ " لانه يدل على صحة الشرط لا بطلانه. فالعمل باطلاق مادل على صحة الشروط محكم. (1) نص على ذلك في الشرائع والقواعد وغيرهما، وفي المسالك: " لا خلاف عندنا في جواز هذه الشروط ولزومها وإن ضاقت بسبب هذه التجارة ". ثم إن عدم الجواز (تارة): يكون تكليفيا، بأن تصرف تصرفا عينيا ممنوعا منه من المالك. ودليله مادل على عدم جواز التصرف في مال أحد إلا باذنه، مثل التوقيع المشهور (* 1)، ونحوه (وتارة):

 

 

____________

- حدثنا أبي حدثنا مسلم بن خالد الزنجي حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة (رض) ان رجلا ابتاع. علاما فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وآله فرده عليه فقال الرجل: يارسول الله قد استغل غلامي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الخراج بالضمان) ومورد الاخير الضمان العقدي الراجع إلى التملك بالثمن لا الضمان الشرعي المتقوم بكون الشئ في عهدة الضامن وعليه دركه، كضمان اليد وقد حكي عن أكثر فقهائهم تخصيص القاعدة بالضمان العقدي، وتعميمها إلى الضمان الشرعي مختص بالحنفية. لكن المحكي عنهم انهم استدلوا عليها بوجه اعتباري لا بالحديث. فراجع... (* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب الانفال وما يختص بالامام من كتاب الخمس حديث: 6.

 

===============

 

( 279 )

 

[ وإلا ضمن المال لو تلف (1) بعضا أو كلا، وضمن الخسارة مع فرضها. ومقتضى القاعدة وإن كان كون تمام الربح للمالك على فرض إرادة القيدية (2)، ] يكون وضعيا كما إذا كان التصرف الممنوع منه من المالك اعتباريا، كما إذا قال له: لاتبع على زيد فباع عليه. وحينئذ لا يكون مأثوما بالبيع، ولا فاعلا للحرام، وانما كان تصرفه باطلا، لاغير. ودليله عموم قاعدة السلطنة. ومن ذلك يظهر الاشكال في الاستدلال على المقام بالقاعدة، فانها لاعموم فيها للتصرف العيني، الذي هو موضوع الحكم التكليفي. (1) بلا خلاف ولا اشكال. ويقتضيه النصوص الكثيرة، منها صحيح الحلبي ورواية الكناني المتقدمان، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: " سألته عن الرجل يعطى المال مضاربة وينهى أن يخرج به فخرج. قال (ع): يضمن المال والربح بينهما " ونحوه غيرها (2) القيود التي تذكر في المضاربة (تارة): تكون من مقومات المضاربة، مثل المبيع والمثمن ومكان البيع وزمانه والبائع والمشتري ونحو ذلك وهذه لا تكون إلا قيودا للمجعول وهو المضاربة، لا مجعولة بجعل مستقل لتعذر ذلك فيها، فإذا قال له: اشتر الغنم، أو في السوق الفلاني، أو في النهار، أو في الليل، أو لاتبع على زيد، أو لاتشتر من زيد، أو بتوسط الدلال الفلاني، أو نحو ذلك، فهذه قيود المضاربة أخذت قيدا للمجعول، لاأنها مجعولة بجعل مستقل في ضمن المضاربة، لامتناع جعلها لانها عينية لاتقبل الجعل، وجعلها في ضمن جعل المفهوم بمثل قوله: وعليك أن تشتري الغنم، راجع إلى تقييد المفهوم، لاجعل شئ في ضمن جعل المفهوم، فهو إذا قيد ولاشرط (وتارة): لا تكون مقومة للمضاربة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 1.

 

===============

 

( 280 )

 

بل خارجة عنها، مثل أن يقول: لاتحمل المال معك، أو لا تنقد الثمن في مجلس البيع، أو اقرأ سورة من القرآن وقت البيع، أو نحو ذلك. وهذا القسم (تارة): يكون ملحوظا قيدا للمضاربة، كأن يقول: بع وأنت تقرأ القرآن، أو تذكر الله تعالى (وأخرى): يكون ملحوظا شرطا في ضمن المضاربة، مجعولا بجعل مستقل، بأن يقول: واشترطت عليك أن تقرأ القرآن وقت البيع (وثالثة): أن يأمر المالك به أو ينهى عنه، من دون ملاحظة كونه شرطا له على العامل، ولاقيدا للعمل، بل لوحظ لنفسه لما فيه من الفائدة، مثل أن يقول: احمل النقد في هميان، أو اتخذ حارسا يحفظ مال التجارة. أما ما أخذ قيدا للمضاربة - سواء كان من مقوماتها أم خارجا عنها - فهو على قسمين: (الاول): ما يؤخذ قيدا في مقام الواقع، كما إذا قال له: لاتتجر بالاكفان، أو لاتبع وأنت جنب فلا ينبغي التأمل في عدم صحة المعاملة لو خالف، لانها غير مأذون فيها من المالك، فصحتها خلاف قاعدة السلطنة، ولا تصح إلا باجازة المالك. (الثاني): ما أخذ قيدا في مقام الظاهر خوفا من الخسران، كما إذا قال: لاتشتر التمر فانه خطر، فاشترى تمرا وربح، فالمعاملة وإن كانت غير مأذون فيها ظاهرا مأذون فيها واقعا، ولا منافاة بين الامرين، لعدم التنافي بين الحكم الظاهري والواقعي. وعليه فالمعالمة صحيحة، ولا تحتاج إلى إمضاء وإجازة. وكذلك تصح المعاملة فيما لم يؤخذ قيدا أو شرطا مجعولا بجعل مستقل، فانها حينئذ مأذون فيها ولاخيار للمالك في الفسخ لعدم المقتضي لذلك، فإذا لم يتخذ حارسا لحفظ ماله أو لم يحمل النقد في هميان كان مخالفا لما أمره به المالك، فيكون آثما وضامنا، لكن لا خلل في المعاملة، ولافي لزومها، ولاخيار للمالك. والمتحصل مما ذكرنا أمور: (الاول): أن القيود المذكورة في

 

===============

 

( 281 )

 

[ إذا أجاز المعاملة (1)، وثبوت خيار تخلف الشرط على فرض كون المراد من الشرط الالتزام في الالتزام (2)، وكون تمام الربح له على تقدير الفسخ، إلا أن الاقوى اشتراكهما في الربح (3) على ما قرر، لجملة من الاخبار الدالة على ذلك (4) ] ضمن عقد الضماربة، تارة: تكون قيودا للمضاربة، وأخرى: تكون شرطا فيها، وثالثة: لا تكون قيودا لها ولا شرطا فيها. (الثاني): أن المأخوذة قيودا لا تصح المضاربة بدونها إذا كانت قيودا واقعية، وتصح إذا كانت قيودا ظاهرية (الثالث): أنها إذا لم تكن قيودا ولا شروطا تصح المضاربة معها، ولا تحتاج إلى الاجازة من المالك، وإن كان العامل آثما وضامنا. (1) قد عرفت أنه يختص بالقيود الواقعية. (2) قد عرفت أنه توجه أيضا صورة ثالثة. (3) كما هو المنسوب إلى الاصحاب. (4) الاخبار الواردة في الباب وإن كانت كثيرة، لكن لا يظهر منها ورودها في صورة كون القيد واقعيا، فقد تقدم صحيح محمد بن مسلم (* 1) ومورده النهي عن الخروج، ونحوه أحد صحاح الحلبي، (* 2) وروايات الكناني (* 3) وأبي بصير وزيد الشحام (* 5)، والنهي عن الخروج ليس من قبيل تقييد المعاملة، بل الظاهر منه أنه من القسم الثالث. وقد تقدم أحد صحاح الحلبي (* 6)، ودلالته على الاشتراك في الربح مع المخالفة

 

 

____________

(* 1) راجع صفحة: 279. (* 2) الوسائل باب: 1 من كتاب المضاربة حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 1 من كتاب المضاربة حديث: 6. (* 4) الوسائل باب: 1 من كتاب المضاربة حديث: 10. (* 5) الوسائل باب: 1 من كتاب المضاربة حديث: 11. (* 6) راجع صفحة: 276.

 

===============

 

( 282 )

 

[ ولا داعي إلى حملها على بعض المحامل (1)، ] غير ظاهرة، فضلا عن كون المخالفة في قيود المعاملة، فلا يكون من أدلة المقام، ونحوه رواية الكناني (* 1) الاخرى، وكذلك صحيح الحلبي الثالث عن أبي عبد الله (ع): " أنه قال في المال الذي يعمل به مضاربة: له من الربح، وليس عليه من الوضيعة شئ، إلا أن يخالف أمر صاحب المال. فان العباس كان كثير المال، وكان يعطي الرجال يعملون به مضاربة، ويشترط عليهم أن لا ينزلوا بطن واد، ولا يشتروا ذا كبد رطبة، فان خالفت شيئا مما أمرتك به فانت ضامن للمال " (* 2). وليس في الخبرين دلالة على الاشتراك في الربح مع المخالفة. نعم في صحيح جميل عن أبي عبد الله (ع): " في رجل دفع إلى رجل مالا يشتري به ضربا من المتاع مضاربة، فذهب فاشترى به غير الذي أمره. قال: هو ضامن، والربح بينهما على ما شرط " (* 3). ولا يبعد أن يكون التقييد فيه من قبيل التقييد في مقام الظاهر، لا الواقع وعلى هذا فليس في الروايات بأجمعها ما هو ظاهر في الاشتراك في الربح مع التقييد الواقعي الذي هو خلاف القواعد. نعم في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع): " في الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة فيخالف ما شرط عليه قال (ع): هو ضامن والربح بينهما " (* 4). فان إطلاقه يقتضي الاشتراك في الربح حتى في القيود الواقعية. لكن الخروج عن القواعد به في صورة التقييد الواقعي مشكل مع احتمال الحمل على غيره. (1) فقد ذكر في الجواهر: أنه يمكن تنزيل النصوص على إرادة بقاء

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب المضاربة حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب المضاربة حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 1 من ابواب المضاربة حديث: 9. (* 4) الوسائل باب: 1 من أبواب المضاربة حديث: 5.

 

===============

 

( 283 )

 

[ ولا إلى الاقتصار على مواردها (1)، لاستفادة العموم من بعضها الآخر (2). (مسألة 6): لا يجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر (3) لنفسه أو غيره، إلا مع إذن المالك، عموما، ] الاذن في المضاربة بأن يكون الغرض من الاشتراط الضمان لاغير، كما يؤمي إليه صحيح الحلبي السابق - يعني: المتعرض لذكر العباس - فان قوله في آخره: " فأنت ضامن... " يقتضي الاقتصار فيه على الضمان. وإلا لقال فأنت ضامن وغير مأذون في المعاملة. ولكنه كما ترى غير ظاهر. (1) حكاه في الجواهر عن بعض الناس، واحتمله من الشرائع، حيث اقتصر فيها على ذكر موردين، قال فيها: " ولو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها، أو أمره بابتياع شئ معين، فابتاع غيره، ضمن، ولو ربح والحال هذه كان الربح بينهما بموجب الشرط ". والمثال الاول مذكور في صحيح الحلبي وغيره، والثاني في صحيح جميل. (2) لا يظهر وجود العام الدال على الاشتراك في الربح مع المخالفة وانما الموجود العام الدال على الضمان مع المخالفة لاغير، مثل صحيح الحلبي الاول وخبر الكناني وغيرهما. فالعمدة إذا ما ذكرناه من التفصيل. فلاحظ. تنبيه: إطلاق بعض النصوص والكلمات يقتضي ضمان العامل إذا خالف المالك من غير فرق بين الموارد. ولكن الذي ينصرف إليه الذهن هو ما إذا خالفه فيما كان من شؤون المال مما كان له الولاية عليه، أما إذا كان خارجا عن ذلك - كما إذا أمره بصلاة الليل ونوافل النهار وقراءة القرآن ونحو ذلك، مما لا يرجع إلى المال وإلى المعاملة به، فلم يفعل شيئا من ذلك - فلا ضمان عليه، لقصور الادلة على ذلك. (3) نص على ذلك في الشرائع، وعلله: بأنه تصرف غير مشروع.

 

===============

 

( 284 )

 

[ كأن يقول: اعمل به على حسب ما تراه مصلحة، إن كان هناك مصلحة، أو خصوصا، فلو خلط بدون الاذن ضمن التلف (1). إلا أن المضاربة باقية (2) والربح بين المالين على النسبة. (مسألة 7): مع إطلاق العقد يجوز للعامل التصرف على حسب ما يراه (3)، من حيث البايع، والمشتري، ونوع الجنس المشترى. لكن لا يجوز له أن يسافر من دون إذن المالك (4)، إلا إذا كان هناك متعارف ينصرف إليه الاطلاق ] وعلل في المسالك: بأنه أمانة لا يجوز خلطها، كالوديعة. والعمدة مادل على حرمة التصرف في مال أحد إلا باذنه، فإذا لم يكن إذن في التصرف - علم - أو خاص - حرم. (1) كما في المسالك وغيرها. لعدم الاذن في ذلك الموجب للرجوع إلى عموم: " على اليد... " والعمدة النصوص المتقدمة. (2) كما نص على ذلك في المسالك والجواهر. لما عرفت من أن مثل ذلك لا ينافي بقاء الاذن في المضاربة. (3) عملا باطلاق الاذن والاصل الحل والبراءة. (4) قال في القواعد: " ليس للعامل أن يسافر إلا باذن المالك ". وفي جامع المقاصد: " هو مذهب علمائنا. لان فيه تغريرا بالمال. ولانه لا يتبادر من اطلاق العقد ولا يتفاهم منه، ليكون شاملا له، وللروايات الصريحة في ذلك عن أهل البيت (ع)، مثل رواية الحلبي عن الصادق (ع)، وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) ". ودلالة الروايات لا تخلو من نظر، فانها إنما تعرضت لصورة نهي المالك عن الخروج - كما تقدم -

 

===============

 

( 285 )

 

[ وإن خالف فسافر فعلى ما مر في المسألة المتقدمة (1). (مسألة 8): مع إطلاق العقد وعدم الاذن في البيع نسيئة لا يجوز له ذلك (2)، إلا أن يكون متعارفا ينصرف إليه الاطلاق. ولو خالف في غير مورد الانصراف، فان استوفى الثمن قبل اطلاع المالك فهو (3)، وإن اطلع المالك قبل الاستيفاء فان أمضى فهو (4)، وإلا فالبيع باطل (5)، ] ولم تتضمن النهي عنه. كما تشكل دعوى عدم تبادره من إطلاق العقد، إذ لا مقتضى للانصراف عنه. وكونه تغريرا بالمال كلية غير ظاهرة. نعم ربما يكون كذلك، وربما يكون الحضر كذلك. وكأنه لذلك أهمل ذكره في الشرائع. فإذا لافرق بين السفر والحضر في الجواز ما لم تكن قرينة موجبة للانصراف عنه. (1) لاطلاق بعض النصوص المتقدمة الشامل للمقام، كما عرفت. (2) قال في التذكرة: " وليس له أن يبيع نسيئة بدون إذن المالك. لما فيه من التغرير بالمال، فان خالف ضمن عندنا ". وفي المسالك: أن فيه تغريرا بمال المالك، وأن الامر فيه واضح. وفيه: أنه غير ظاهر، بل ربما يكون النقد كذلك. فالاولى المنع عن كل منهما إذا كان فيه تغرير بالمال، والجواز إذا لم يكن، من دون فرق بين أن يكون متعارفا وأن لا يكون، كما هو ظاهر المختلف وغيره، بل نسب إلى جماعة من متأخري المتأخرين. (3) يعني: تصح المعاملة، ويكون الربح بينهما، على ما تقدم. (4) يعني: يصح البيع، ويكون الربح مشتركا. (5) لكونه غير مأذون فيه. قال في الشرائع: " ويقتضي إطلاق الاذن البيع نقدا، بثمن المثل، من نقد البلد. ولو خالف لم يمض إلا

 

===============

 

( 286 )

 

[ وله الرجوع على كل من العامل والمشتري (1) مع عدم وجود ] مع إجازة المالك ". وقال في المسالك: " إذا خالف مادل عليه اللفظ بخصوصه أو إطلاقه لم يقع التصرف باطلا، بناء على جواز بيع الفضولي لكن يقف على إجازة المالك، فان اجاز نفذ. ثم إن قدر على تحصيل النسيئة، وإلا ضمن الثمن، لثبوته بالبيع الصحيح، لا القيمة. وإلا وجب الاسترداد مع إمكانه، ولو تعذر ضمن قيمة المبيع أو مثله، لا الثمن المؤجل وان كان أزيد، ولا التفاوت في صورة النقيصة، لانه مع عدم إجازة البيع يقع باطلا، فيضمن للمالك عين ماله، الذي تعدى فيه وسلمه من غير إذن شرعي " وفي التذكرة: " إذا باع نسيئة في موضع لا يجوز له فقد خالف مطلق الامر، فيقف على اجازة المالك، لانه كالفضولي في هذا التصرف ". وكأن المصنف جرى عليه هذا المجرى. وهو مخالف لما تقدم، من أنه إذا خالف المالك ضمن والربح بينهما، إذ قد عرفت أنه يقتضي صحة المعاملة من دون توقف على إجازة المالك، للنصوص، فما الذي فرق بين المقامين؟ بل في الجواهر: أن الصحة في المقام أولى منها في صورة المخالفة الصريحة التي هي مورد النصوص بل يمكن القول بشمول بعض النصوص للجميع فلاحظ. مع أنه على تقدير الفرق لم يكن وجه لقوله: " فان استوفى الثمن قبل اطلاع المالك فهو "، وكان اللازم أن يقول: إذا استوفى الثمن قبل اطلاع المالك راجع المالك، فان أجاز فهو، وإلا رده على المشتري، لبطلان المعاملة، إذ الموجب للبطلان عدم الاذن، من دون فرق بين اطلاع المالك قبل الاستيفاء وبين الاستيفاء قبل اطلاع المالك. (1) قد عرفت أنه بناء على بطلان البيع فالعين للمالك، له المطالبة بها من كل من وضع يده عليها، فان كان العامل سلمها إلى المشتري جاز

 

===============

 

( 287 )

 

[ المال عنده أو عند مشتر آخر منه (1)، فان رجع على المشتري بالمثل أو القيمة لا يرجع (2) هو على العامل، إلا أن يكون مغرورا من قبله (3) وكانت القيمة أزيد من الثمن، فانه حينئذ يرجع بتلك الزيادة عليه (4). ] للمالك الرجوع على العامل وعلى المشتري، كما في جميع موارد تعاقب الايدي فان كان المشتري قد باعها على ثالث وسلمها له، جاز للمالك الرجوع على العامل والمشتري الاول والمشتري الثاني. (1) الذي يظهر من هذا القيد أن العين إذا كانت موجودة عند المشتري أو عند مشتر آخر لم يجز للمالك الرجوع إلى العامل، بل يرجع على من كانت العين موجودة عنده. ولكنه غير ظاهر الوجه، فانه مع تعاقب الايدي يجوز الرجوع إلى كل واحد من ذوي الايدي المتعاقبة وإن كانت العين موجودة عند بعضهم، ولا يختص رجوعه بمن كانت العين عنده. إذ الموجب للضمان اليد، وهي حاصلة في الجميع. وفي القواعد: " وللمالك إلزام من شاء "، وفي مفتاح الكرامة: حكاية ذلك في المبسوط والتذكرة والتحرير وجامع المقاصد وغيرها. ولعل هذا الشرط للرجوع بالبذل، لا لاصل الرجوع على العامل. لكن الشرط حينئذ التعذر، لا عدم وجود العين. (2) يعني: المشتري. لتأخره يده، كما هو حكم تعاقب الايدي، فانه يرجع السابق على اللاحق، ولا يرجع اللاحق على السابق. (3) يعني: إذا كان المشتري مغرورا من العامل جاز له الرجوع عليه، لان المغرور يرجع على من غره. (4) أما بمقدار الثمن فلا يرجع به، لاقدامه على ضمانه بالثمن بلا غرور من العامل، والغرور إنما كان بالزيادة، فإذا فرض أن القيمة التي رجع بها

 

===============

 

( 288 )

 

[ وإن رجع (1) على العامل يرجع هو على المشتري بما غرم، إلا أن يكون مغرورا منه وكان الثمن أقل، فانه (2) حينئذ يرجع (3) بمقدار الثمن (4). (مسألة 9): في صورة إطلاق العقد لا يجوز له أن يشتري بأزيد من قيمة المثل (5). كما أنه لا يجوز أن يبيع بأقل من قيمة المثل، وإلا بطل. نعم إذا اقتضت المصلحة أحد الامرين لا بأس به (6). ] المالك على المشتري بمقدار الثمن. فليس له الرجوع على العامل بشئ منها. (1) يعني: المالك. (2) يعني: العامل. (3) يعني: على المشتري. (4) إذ لا تغرير من العامل فيه. وأما الزائد على مقدار الثمن الذي غرمه للمالك فلا يرجع فيه على المشتري، لانه غار له فيه، فإذا رجع على المشتري بتلك الزيادة رجع المشتري عليه بها، لانه غار له. وإن شئت قلت: لا يرجع على المشتري بتلك الزيادة، لانه غار له فيها، فغرامتها مستندة إلى تغريره لاإلى المشتري. (5) كما هو المعروف المصرح به في جملة كثيرة من كتب الاصحاب. لما فيه من تضييع المال، المانع من دخوله في اطلاق الاذن. وكذا ما بعده. (6) كما في المختلف وعن جماعة من متأخري المتأخرين. إذ من المعلوم الاذن مع المصلحة. وفي الجواهر: تخصيصه بما إذا كان متعارفا، أما إذا كان نادرا فلا يدخل في الاطلاق، لانصرافه إلى المتعارف. لكن الانصراف ممنوع، والاطلاق محكم.

 

===============

 

( 289 )

 

[ (مسألة 10): لا يجب في صورة الاطلاق أن يبيع بالنقد، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر (1). وقيل بعدم جواز البيع إلا بالنقد المتعارف (2). ولا وجه له إلا إذا كان جنسا لا رغبة للناس فيه غالبا (3). (مسألة 11): لا يجوز شراء المعيب، إلا إذا اقتضت المصلحة، ولو أتفق فله الرد أو الارش، على ما تقتضيه المصلحة. (مسألة 12): المشهور - على ما قيل - أن في صورة الاطلاق يجب أن يشتري بعين المال، فلا يجوز الشراء في الذمة (4). وبعبارة أخرى: يجب أن يكون الثمن شخصيا من مال المالك، لا كليا في الذمة. والظاهر أنه يلحق به (5) الكلي في المعين أيضا. وعلل ذلك: بأنه القدر المتيقن. وأيضا الشراء في الذمة قد يؤدي إلى وجوب دفع غيره (6) - كما إذا ] (1) كما قواه في المسالك مع الغبطة. عملا باطلاق الاذن. (2) كما في الشرايع وغيرها. (3) فلا يكون فيه مصلحة. أما إذا كان فيه مصحلة أيضا فلا بأس إعملا باطلاق الاذن. (4) قال في الشرائع: " وكذا يجب أن يشتري بعين المال، ولو اشترى في الذمة لم يصح، إلا مع الاذن ". وفي القواعد: " وان اشترى في الذمة لزم العامل إن أطلق الشراء ولم يجز المالك، وإن ذكر المالك بطل مع عدم الاجازة ". وفي الحدائق: " أنه صرح بذلك جملة من الاصحاب. (5) يعني: بالشراء بعين المال، لانه نوع منه. (6) هذا ومابعده ذكرهما في المسالك.

 

===============

 

( 290 )

 

[ تلف رأس المال قبل الوفاء - ولعل المالك غير راض بذلك. وأيضا إذا اشترى بكلي في الذمة لا يصدق على الربح أنه ربح مال المضاربة. ولا يخفى ما في هذه العلل (1). والاقوى - كما هو المتعارف - جواز الشراء في الذمة (2) والدفع من رأس المال. ثم إنهم لم يتعرضوا لبيعه، ومقتضى ما ذكروه وجوب كون المبيع أيضا شخصيا، لاكليا. ثم الدفع من الاجناس التي عنده. والاقوى فيه أيضا جواز كونه كليا. وإن لم يكن في المتعارف مثل الشراء. ثم إن الشراء في الذمة يتصور على وجوه. أحدها: أن يشتري العامل بقصد المالك وفي ذمته من ] (1) فان العمل بالقدر المتيقن إنما يكون مع عدم الاطلاق، أما مع الاطلاق فالعمل به متعين. ووجوب دفع غيره ليس محذورا إذا كان مقتضى الاطلاق، وإذا كان الشراء بالمال يشمل الشراء بالذمة فقد صدق أن الربح للمال لتبعية ذلك لما ذكر. (2) كما مال إليه في الجواهر واحتمل إرادة الاصحاب من المنع صورة الشراء في الذمة مع إرادة الرجوع إليه بغير مال المضاربة. وفي الرياض: " ويمكن تنزيل إطلاق كلام الاصحاب عليه بصرفه إلى غير صورة غلبة ذلك (يعني: مراد الاصحاب من لزوم الشراء بعين المال صورة مااذا لم يكن الغالب والمتعارف ذلك) أما إذا كان الغالب والمتعارف ذلك فقد جاز الشراء بالذمة "، إذ المتعارف مانع من حمل الاطلاق على غيره. بل قيل: يكون موجبا لحمل الاطلاق عليه بالخصوص. لكن الاظهر العمل بالاطلاق في الجميع.

 

===============

 

( 291 )

 

[ حيث المضاربة (1). الثاني: أن يقصد كون الثمن في ذمته من حيث أنه عامل ووكيل عن المالك. ويرجع إلى الاول. وحكمها الصحة وكون الربح مشتركا بينهما على ما ذكرنا. وإذا فرض تلف مال المضاربة قبل الوفاء كان في ذمة المالك يؤدى من ماله الآخر (2) ] (1) يعني على أن يكون المبيع مورد المضاربة وكون الثمن من مال المالك المعين للمضاربة. (2) قد تقدم ماعن المسالك من الاستدلال على عدم جواز الشراء في الذمة ما ظاهره المفروغية عن وجوب الاداء من ماله الآخر، وأنه من المسلمات، وفي الجواهر: استدل عليه بأنه مقتضى الاطلاق. وفيه: أن الاطلاق من حيث كون الشراء في الذمة أو في العين لا يلازم الاطلاق من حيث كون الاداء من مال المضاربة وغيره، إذ المفروض أن الشراء في الذمة وان كان باذن المالك فهو بلحاظ المضاربة وكون الاداء لما في الذمة بمال المضاربة لا بغيره. ولذلك قيد المصنف الوجه الاول بكونه من حيث المضاربة، لا مطلقا، فإذا كان عنوان المضاربة مأخوذا قيدا للشراء فمع تعذره يبطل الشراء، كما إذا اشترى ولي الزكاة شيئا بمال الزكاة فتلف المال قبل الوفاء، فانه يبطل، فلا يكلف بدفع الثمن من ماله. وأشكل من ذلك ما ذكره في الجواهر من أنه إذا دفع من ماله الاخر يكون من مال القراض، للاطلاق المذكور، وأنه محكي عن المبسوط التصريح به. إذ من الواضح أن مال المضاربة هو التالف لاغير، وأن الاذن في الشراء في الذمة كان بقيد الوفاء من ذلك المال لاغير، فلم يقصد المضاربة بما في الذمة مطلقا. ولذلك ذكر في الخلاف أن الذي يقوى في نفسه أن المبيع للعامل، ولا شئ على رب المال. وستدل عليه: بأن رب المال إنما

 

===============

 

( 292 )

 

[ الثالث: أن يقصد ذمة نفسه وكان قصده الشراء لنفسه ولم يقصد الوفاء حين الشراء من مال المضاربة، ثم دفع منه وعلى هذا الشراء صحيح، ويكون غاصبا في دفع مال المضاربة من غير إذن المالك، إلا إذا كان مأذونا في الاستقراض وقصد القرض (1). الرابع: كذلك لكن مع قصد فع الثمن من مال المضاربة حين الشراء، حتى يكون الربح له، فقصد نفسه حيلة منه، وعليه يمكن الحكم بصحة الشراء وإن كان عاصيا ] فسح للعامل في التصرف في الف إما أن يشتري به بعينه أو في الذمة وينقد منه ولم يدخل على أن يكون له في القراض اكثر منه. وما ذكره من الوجه متين، لكن انما يقتضي عدم الصحة للمالك، لا التحول إلى العامل لعدم قصد العامل ذلك، فكيف يدخل في ملكه من دون قصد، ويكلف بدفع البدل من دون اختيار؟! ونسب في الخلاف إلى أبي حنيفة ومحمد أن يلزم المالك أن يدفع الثمن من مال آخر ويكونا معا رأس المال. وإلى مالك أن المالك مخير بين أن يدفع الثمن من مال آخر ويكون هو رأس المال لاغير وبين أن لا يدفع شيئا، فيكون المبيع للعامل والثمن عليه. كما نسب إلى أبي حنيفة أيضا أنه إذا تلف المال الثاني لم يلزم المالك شئ، وإلى غيره أنه كلما تلف الثمن دفع المالك غيره ولم يظهر من الجواهر أنه إذا تلف المال الثاني فهل يلزم الدفع من مال ثالث وهكذا أو لا يلزمه؟ كما أنه لم يظهر منه أن رأس المال هو مجموع المالين، أو الاكثر، أو هو الاخير لاغير؟ والتحقيق ما عرفت. (1) أو كان قاصدا الشراء من نفسه للمالك بمال المضاربة، فانه لما

 

===============

 

( 293 )

 

[ في التصرف في مال المضاربة من غير إذن المالك، وضامنا له بل ضامنا للبايع أيضا، حيث أن الوفاء بمال الغير غير صحيح ويحتمل القول ببطلان الشراء (1) لان رضى البايع مقيد بدفع الثمن (2) والمفروض أن الدفع بمال الغير غير صحيح، فهو بمنزلة السرقة، كما ورد في بعض الاخبار: أن من استقرض ولم يكن قاصدا للاداء فهو سارق. ويحتمل صحة الشراء وكون قصده لنفسه لغوا بعد أن كان بنائه الدفع من مال ] كان وليا على الشراء للمالك ووليا على نفسه لم يحتج في الشراء للمالك مال نفسه إلى أكثر من إنشاء الايجاب، فيقصد المعاوضة بينه وبين المالك بدفع مال المالك وفاء عما في ذمته من الثمن، فيكون انشاء المعاوضة بالفعل، وهو دفع المال إلى البائع، لا بالقول، وبانشاء واحد بلا قبول، كما تحقق ذلك في بعض مباحث نكاح العبيد من هذا الشرح. فراجع. فيكون في الخارج شراءآن: شراء من المشتري لنفسه، وشراء من نفسه للمالك، فالشراء للعامل بثمن في الذمة والشراء للمالك بعين المال. (1) هذا الاحتمال ضعيف إذ النقص في الشراء على النحو المذكور إن كان لاجل نية عدم أداء الثمن فأمر لم يقل به أحد، ولا دليل عليه وإن كان لاجل دفع مال الغير، الراجع إلى عدم دفع الثمن شرعا فهو أيضا لم يقل به أحد، ولا دليل عليه. (2) قد عرفت أنه لادليل عليه. وما في بعض الاخبار راجع إلى نية عدم دفع الثمن حال البيع، لاعدم الدفع بعد ذلك، فالشاهد لا يرتبط بالمشهود له. مع أن ما في المقام ليس من باب عدم نية الدفع، بل من باب نية دفع ما ليس ملكا له شرعا، بعنوان كون ملكا له تشريعا، فهو أمر ثالث غير ما ذكر.

 

===============

 

( 294 )

 

[ المضاربة، فان البيع وإن كان بقصد نفسه وكليا في ذمته، إلا أنه ينصب على هذا الذي يدفعه (1) فكأن البيع وقع عليه. والاوفق بالقواعد الوجه الاول، وبالاحتياط الثاني. واضعف الوجوه الثالث، وإن لم يستبعده الآقا البهبهاني. الخامس: أن يقصد الشراء في ذمته من غير التفات إلى نفسه وغيره. وعليه أيضا يكون المبيع له (2)، وإذا دفعه من مال المضاربة يكون عاصيا. ولو اختلف البايع والعامل في أن الشراء كان لنفسه أو لغيره وهو المالك المضارب، يقدم قول البايع، لظاهر الحال (3)، فيلزم بالثمن من ماله، وليس له إرجاع البايع إلى المالك المضارب. ] (1) هذا غير ظاهر الوجه، ولا يظن الالتزام به في نظائر المقام، فان الغاصب للمال إذا دخل السوق واشترى لنفسه في الذمة، ونوى الوفاء من ذلك المال المغصوب، فاجاز المغصوب منه ذلك لم يكن الشراء له، ولايكون ما اشتراه ملكا للمغصوب منه. مضافا إلى أن البناء على كون ذلك من الشراء بعين المال موجب للبناء على صحة البيع الواقع على العين الخارجية المجهولة للبائع وعدم كونها مقصودة له ولامنوية له، وهو كما ترى. (2) لكون عوضه منه وهو ما في ذمته. (3) قال في الشرائع: " ولو اشترى في الذمة لامعه، ولم يذكر المالك تعلق الثمن بذمته ظاهرا ". فيحتمل أن يكون التعلق ظاهرا بذمته اعتمادا على أصالة الصحة، لانه إذا كان لغيره بطل لعدم الاذن، وإذا كان له صح. ويحتمل أن يكون لظاهر الحال، حيث أن حمل الذمة على ذمة المالك خلاف الظاهر، يحتاج إلى قرينة، فان الاصل في الفعل المنسوب

 

===============

 

( 295 )

 

[ (مسألة 13): يجب على العامل بعد تحقق عقد المضاربة ما يعتاد بالنسبة إليه وإلى تلك التجارة، في مثل ذلك المكان والزمان، من العمل، وتولي ما يتولاه التاجر لنفسه، من عرض القماش، والنشر واللطي، وقبض الثمن، وايداعه في الصندوق ونحو ذلك مما هو اللايق والمتعارف ويجوز له استيجار من يكون المتعارف استيجاره، مثل الدلال، والحمال، الوزان، والكيال، وغير ذلك، ويعطي الاجرة من الوسط. ولو استأجر فيما يتعارف مباشرته بنفسه فالاجرة من ماله (1)، ولو تولى بنفسه ما يعتاد الاستيجار له فالظاهر جواز أخذ الاجرة (2) إن لم يقصد التبرع. وربما يقال بعدم الجواز (3). وفيه أنه: ] إلى الفاعل كونه عن نفسه، فإذا قال القائل: صليت، يعني: عن نفسي وإذا قال: صل، يعني: عن نفسك، وهكذا، فلو فرض أن المالك قد أذن بالشراء له، وشك في الشراء أنه للمالك أو للعامل حمل على الثاني، فإذا ادعى المالك ذلك كان قوله مطابقا للحجة والعامل بخلافه، هذا مالا ينبغي الاشكال فيه. لكن في الرياض في صورة مالو اشترى في ذمة المالك، أو في الذمة مطلقا، احتمل الحكم بكون الشراء للمالك، لعموم الاذن. وفيه: أن الاشكال في ظهور الذمة مطلقا في ذمة المالك، وكيف يكون ذلك وهو خلاف ما عليه العرف؟. نعم يصح ما ذكره في صورة الشراء بذمة المالك. فلاحظ. (1) لعدم الاذن. فلا موجب للزومها للمالك. (2) وفي المسالك: أنه له وجها. (3) كما في الشرائع والمبسوط، وفي المسالك: نسبه إلى إطلاق

 

===============

 

( 296 )

 

[ مناف لقاعدة احترام عمل المسلم (1) المفروض عدم وجوبه عليه. (مسألة 14): قد مر أنه لا يجوز للعامل السفر من دون إذن المالك. ومعه فنفقته في السفر من رأس المال (2)، ] المصنف والجماعة. (1) كذا في الجواهر. لكن عرفت غير مرة أن قاعدة الاحترام لا تقتضي الضمان للعمل، وإنما الذي يقتضيه الاستيفاء وإن كان واجبا عليه، فان المريض إذا طلب من الطبيب المعالجة ضمن الاجرة وإن كانت المعالجة واجبة عليه، والاستيفاء لعمل العامل في باب المضاربة في مقابل الحصة من الربح لاغير، فاثبات شئ آخر يحتاج إلى دليل. ولاجل ذلك لا يرتبط المقام بما إذا أذن له في البيع أو الشراء، بناء على عموم الاذن للشراء من نفسه والبيع على نفسه، مضافا إلى أن ذلك يختص بما إذا صرح له بالاذن بالاستيجار، وفي المقام ربما لا يكون إلا الاذن في الاتجار ولوازمه على نحو العموم، ومنها استيجار من جرت العادة باستيجاره لحمل الاثقال، لكن عموم ذلك لنفسه غير ظاهر، إذ من المحتمل أن يكون المراد أن لا يتحمل العامل خسارة الاجرة، فلا يشمل الفرض. (2) قال في الشرائع: " وينفق في السفر كمال نفقته من أصل المال على الاظهر "، وفي المسالك وعن غيرها: أنه الاشهر بين الاصحاب، وفي التذكرة وجامع المقاصد: أنه المشهور، بل في التذكرة في موضع نسبته إلى علمائنا، وعن الخلاف: أن عليه اجماع الفرقة وأخبارهم. انتهى. لانه بسفره انقطع إلى العمل في مال القراض فناسب أن تكون النفقة على المال، كما في التذكرة، وجامع المقاصد، أو لان السفر لمصلحة المال فنفقته عليه كما في التذكرة، لكن مقتضى الاخير الاختصاص بنفقة السفر نفسه، لانفقة العامل في السفر، ومقتضى الاول العموم لنفقة الحضر أيضا إذا كان

 

===============

 

( 297 )

 

[ إلا إذا اشترط المالك كونها على نفسه. وعن بعضهم (1) كونها على نفسه مطلقا، والظاهر أن مرده فيما إذا لم يشترط كونها من الاصل. وربما يقالا: له تفاوت ما بين السفر والحضر (2). والاقوى ما ذكرنا من جواز أخذها من أصل المال بتمامها، من مأكل، ومشرب، وملبس، ومسكن، ونحو ذلك مما يصدق عليه النفقة. ففي صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام (3): في المضارب ما أنفق في سفره فهو من جميع المال، فإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه هذا وأما في الحضر فليس له أن يأخذ من رأس المال شيئا (4) إلا إذا اشترط على المالك ذلك. (مسألة 15): المراد بالنفقة ما يحتاج إليه من مأكول وملبوس ومركوب وآلات يحتاج إليها في سفره وأجرة المسكن ] منقطعا إلى العمل فيه، وعدم العموم لنفقة السفر مع عدم الانقطاع إلى العمل في المال. مضافا إلى أن المناسبة لا تصلح للاثبات. (1) المراد به الشيخ في المبسوط، لانه دخل على أن له سهما معلوما من الربح، فلا يستحق سواه، وقد لا يربح من المال أكثر من النفقة. (2) قاله الشيخ في المبسوط على تقدير القول بالانفاق. (3) رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن العمركي، ورواه في التهذيب عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن أحمد الكوكبي عن العمركي، ونحوه رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) عن أمير المؤمنين (ع)، رواها في الكافي، ونحوه مرسل الفقيه (* 1). (4) إجماعا، صريحا وظاهرا، حكاه جماعة.

 

 

____________

(* 1) ذكر الاحاديث المذكورة في الوسائل باب: 6 من كتاب المضاربة.

 

===============

 

( 298 )

 

[ ونحو ذلك (1)، وأما جوائزه وعطاياه وضيافاته ومصانعاته فعلى نفسه (2) إلا إذا كانت التجارة موقوفة عليها. (مسألة 16): اللازم الاقتصار على القدر اللايق، فلو أسرف حسب عليه (3). نعم لو قتر على نفسه، أو صار ضيفا عند شخص، لا يحسب له (4). (مسألة 17): المراد من السفر العرفي (5)، لا الشرعي فيشمل السفر فرسخين أو ثلاثة. كما أنه إذا أقام في بلد عشرة أيام أو أزيد كان نفقته من رأس المال، لانه في السفر عرفا. نعم إذا أقام بعد تمام العمل لغرض آخر - مثل التفرج، أو لتصحيل مال له، أو لغيره مما ليس متعلقا بالتجارة - فنقته ] (1) لاشبهة في كون ذلك مرادا ولا اشكال، للصدق. (2) لان الظاهر من النفقة ما يحتاجه لمعاشه، وما ذكر إنما يحتاجه لجهات أدبية، لامعاشه، فهو داخل في المؤنة المستثناة في الخمس، لافي النفقة الواجبة للزوجة أو للقريب المذكورة في باب النفقات، كما ذكر ذلك في الجواهر. (3) لخروجه عن المأذون فيه، فيكون مضمونا عليه. (4) كما صرح به في الجواهر لان المأذون فيه النفقة المنتفية بالفرض لا مقدار النفقة. (5) كما صرح به في المسالك والجواهر، وحكي عن الروضة ومجمع البرهان والكفاية وغيرها. لاطلاق الادلة، وثبوت القصر وبعض الاحكام لخصوص السفر إلى المسافة مع الشروط الخاصة لا يقتضي حقيقة شرعية ولا متشرعية، بحيث يحمل عليه المراد في جميع موارد الاستعمال من دون

 

===============

 

( 299 )

 

[ في تلك المدة على نفسه (1). وإن كان مقامه لما يتعلق بالتجارة ولامر آخر، بحيث يكون كل منهما علة مستقلة لولا الآخر فان كان الامر الآخر عارضا في البين فالظاهر جواز أخذ تمام النفقة من مال التجارة (2)، وإن كانا في عرض واحد ففيه وجوه، ثالثها للتوزيع (3). وهو الاحوط في الجملة (4) وأحوط منه كون التمام على نفسه وإن كانت العلة مجموعهما، بحيث يكون كل واحد جزء من الداعي فالظاهر التوزيع (5). (مسألة 18): استحقاق النفقة مختص بالسفر المأذون فيه (6) فلو سافر من غير إذن، أو في غير الجهة المأذون فيه ] قرينة، إذ لادليل على ذلك، فالحمل على المفهوم العرفي متعين. (1) كما صربح به في التذكرة والمسالك والجواهر. لان السفر حينئذ لم يكن لمصلحة المال فيكون خارجا عن منصرف الادلة. (2) لدخوله في إطلاق الدليل. (3) وأقواها - كما في الجواهر - جواز الانفاق، لاطلاق النص الشامل له، ولانه لا يخرج عن كونه لمصلحة المال المقتضية له على الاستقلال فتأمل. (4) والاضعف، لان الادلة إن عمت اقتضت الاول، وإلا اقتضت الثاني. (5) كما في الجواهر. لكنه غير ظاهر، لما عرفت من أن الادلة إن عمت اقتضت كون النفقة على المال، والااقتضت كونها على نفسه فالتوزيع لا مقتضي له، ولذا كان الاقوى كونها على نفسه، لعدم ثبوت دخوله في إطلاق الدليل. (6) كما في المسالك والجواهر. لاختصاص الدليل به، أو لان مادل على الضمان بالتعدي مقدم عليه عرفا، أو لانه خاص فيخصص به.

 

===============

 

( 300 )

 

[ أو مع التعدي عما أذن فيه، ليس له أن يأخذ من مال التجارة. (مسألة 19): لو تعدد أرباب المال - كأن يكون عاملا لاثنين أو أزيد، أو عاملا لنفسه وغيره - توزع النفقة (1) وهل هو على نسبة المالين، أو على نسبة للعملين؟ قولان (2). (مسألة 20): لا يشترط في استحقاق النفقة ظهور ] (1) كما هو المحكي عن جملة كثيرة من كتب الاعيان، كالشيخ والفاضلين والمحقق والشهيد الثانيين وغيرهم. قال في الشرائع: " ولو كان لنفسه مال غير مال القراض فالوجه التقسيط " قال في المسالك: " وجه التقسيط ظاهر، لان السفر لاجلهما، فنقته عليهما ". أقول: قد عرفت إشكال هذا التعليل، فلا مجال للاستدلال به في المقام. نعم يتجه الحكم المذكور في الاول، لصدق مال المضاربة على جميع الاموال، ومقتضى إطلاق أن نفقة المضارب على مال المضاربة أنها على جميع الاموال، ومقتضى ذلك التوزيع على الجميع. ويشكل في الثاني، لصدق كون العامل مضاربا فتكون نفقته على مال المضاربة، ولاوجه للتوزيع. نعم في الجواهر: أن السفر لما لم يكن للقراض خاصة اتجه التوزيع المزبور، وهو راجع إلى ما في المسالك. وفيه ما عرفت (2) في المبسوط: الجزم بالاول، وهو جامع المقاصد: أنه أوجه، وفي المسالك: أنه أجود، لان استحقاق النفقة في مال المضاربة منوط بالمال، ولا ينظر إلى العمل. انتهى. وان شئت قلت. موضوع النفقة مال المضاربة. فهو موضوع التوزيع. وأما القول الثاني فلم نعرف قائله. نعم عن التذكرة: أنه إذا كان المال لنفسه فالتوزيع على المالين، وإذا كان لغيره فعلى العملين. انتهى. لكن عبارة التذكرة لا تساعد عليه. وعلى تقديره فغير ظاهر الوجه.

 

===============

 

( 301 )

 

[ ربح بل ينفق من أصل المال (1) وإن لم يحصل ربح أصلا. نعم لو حصل الربح بعد هذا تحسب من الربح، ويعطى المالك تمام رأس ماله، ثم يقسم بينهما. (مسألة 21): لو مرض في أثناء السفر، فان كان لم يمنعه من شغله فله أخذ النفقة (2)، وإن منعه ليس له (3)، وعلى الاول لا يكون منها ما يحتاج إليه للبرء من المرض (4). ] (1) قال في المسالك: " ولا يعتبر في النفقة ثبوت الربح، بل ينفق ولو من أصل المال إن لم يكن ربح، وإن قصر المال. نعم لو كان ربح فهي منه مقدمة على حق العامل "، ونحوه كلام غيره. لكن في الرياض: " مقتضى إطلاق النص والفتوى انفاقها من الاصل ولو مع حصول الربح، ولكن ذكر جماعة إنفاقها منه دون الاصل، وعليه فليقدم على حصة العامل ". وما ذكره الجماعة هو الوجه، إذ لا يصدق الربح الا بعد استثناء النفقة وغيرها من مؤنة التجارة. والظاهر أن ذلك لاإشكال فيه بينهم، ولذلك قال في الجواهر - بعد حكاية ما في الرياض -: " وهو من غرائب الكلام ". (2) بلا ريب، كما في الجواهر. لاطلاق الادلة. (3) كما في الجواهر. وكأنه لان السفر في حال المرض المانع عن العمل ليس للتجارة. وهو غير ظاهر، ولازمه عدم النفقة مع طرو المانع عن العمل غير المرض إذا كان في مقام الزوال، وهو كما ترى. (4) قال في المسالك: " إن مؤنة المرض والموت في السفر سويتان على العامل خاصة، لانهما لم يتعلقا بالتجارة ". وهو في محله بالنسبة إلى الموت لانفساخ المضاربة، لا لعدم تلقه بالتجارة، أما بالنسبة إلى المرض، فيشكل بأن المرض وإن لم يكن للتجارة لكن السفر لها، فإذا كانت مؤنة المرض

 

===============

 

( 302 )

 

من نفقات السفر كانت على المالك، كغيرها من شؤون النفقة. نعم يتم بناء على عدم كونها من النفقة الواجبة لواجب النفقة، كما هو المصرح به في كلام غير واحد من الاكابر. وكأن وجهه عدم الدليل على وجوب نفقة المرض للزوجة، فضلا عن غيرها. إذ دليل نفقتها إن كان قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (* 1) فمن الواضح اختصاصه بالرزق والكسوة، ولا يشمل الدواء المشروب، لانصرافه عنه، فضلا عن العلاج بالضماد ونحوه، وإن كان قوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) (* 2) فهو ناظر إلى الجهات الاخلاقية لاغيرها وإن كان قوله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته) (* 3) فالظاهر منه الانفاق على المطلقات، بقرينة ما قبله من قوله تعالى في سورة الطلاق: (وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) (* 4) ولاجل ذلك لا يكون واردا في مقام تشريع النفقة للزوجة، بل في مقام وجود النفقة المشروعة للزوجة على المطلقة، ولا مجال للتمسك باطلاقه، ولا لحمله على المتعارف كما في الجواهر. نعم يتعين ذلك لو كان في مقام تشريع النفقة، لامتناع كون المراد الانفاق في الجملة، كامتناع كون المراد إنفاق كل شئ، فيتعين الحمل على المتعارف. لكن الظاهر من سياقه أنه ليس في مقام التشريع الاصلي، وحينئذ لادليل على وجوب نفقة المرض للزوجة. بل الاصل العدم في كل ما شك في وجوبه لها من أنواع النفقات، مثل الآت التنظيف والغطاء والفراش وظروف الطعام والشراب وغير ذلك مما لايدخل

 

 

____________

(* 1) البقرة: 233. (* 2) النساء: 19. (* 3) الطلاق: 7. (* 4) الطلاق: 6.

 

===============

 

( 303 )

 

في الطعام والشراب. ومن ذلك يشكل ما في الجواهر فانه بعدما حكى كلمات بعض الاصحاب في تحديد النفقة، وما فيها من الاختلاف والاضطراب والتشويش، قال: " إن كان المدار في الانفاق بذل جميع ما تحتاج إليه المرأة لم يكن لاستثناء الدواء والطبيب والكحل وأجرة الحمام والفصد وجه. وإن كان المدار على خصوص الكسوة والاطعام والمسكن لم يكن لعد الفراش والاخدام - وخصوصا ماكان منه للمرض وغير ذلك مما سمعته في الواجب - وجه وإن جعل المدار فيه المعاشرة بالمعروف واطلاق الانفاق كان المتجه وجوب الجميع، بل وغير ما ذكروه من أمور أخر لاحصر لها فالمتجه إحالة جميع ذلك إلى العادة في انفاق الازواج على الزوجات من حيث الزوجية، لامن حيث شدة حب ونحوه... " وجه الاشكال: أن الامر بالمعاشرة بالمعروف ليس مما نحن فيه، والامر بالانفاق في الاية الشريفة ليس في مقام تشريع وجوب النفقة للزوجة، بل في مقام إلحاق المطلقة بها. وإن كان الذي يظهر من بعض الصحاح أنه وارد في الزوجة، كصحيح ربعي والفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (ع) " في قوله تعالى: (ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله) (* 1) قال (ع): إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة، وإلافرق بينهما " (* 2) ونحوه صحيح أبي بصير (3) لكن ظاهره اختصاص النفقة بالاطعام والكسوة، كالآية الشريفة، لا يعم غيرهما. اللهم الا أن يكون جواز التفريق مختصا بذلك، لا وجوب النفقة، وحينئذ يتم ما ذكر في الجواهر من لزوم الرجوع إلى المتعارف في النفقة

 

 

____________

(* 1) الطلاق: 65. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب النفقات حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 1 من ابواب النفقات حديث: 12.

 

===============

 

( 304 )

 

بعد تعذر الاخذ بصرف الطبيعة، كتعذر الاخذ بالعموم. ويعضد ذلك صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (ع): " خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا الاب والام والولد والمملوك والمرأة، وذلك أنهم عياله لازمون له " (* 1) وفي خبر ابن الصلت " لانه يجبر على نفقتهم " (* 2) والتعليل بأنهم لازمون له بعد أن لم يكن تعبديا يراد به إما أنهم أغنياء ولا تجوز إعطاء الزكاة لذلك، واما لان اللزوم يمنع من تعلق لزوم آخر من جهة الزكاة، لئلا يلزم التداخل، فيكون هو المانع من إعطائهم الزكاة. ولو كانت النفقة مختصة بعض الحاجيات دون بعض كان البعض الآخر موردا للزكاة فلا يحصل التداخل، كما لا يحصل الغنى. فالتعليل المذكور يكون دليلا واضحا على وجوب الانفاق بالنسبة إلى جميع الحاجات، ومنها الدواء وأجرة الطبيب وأجرة الفصد والاواني والظروف اللازمة في الاستعمال وأواني التنظيف وغير ذلك مما يحتاج إليه. وكان الاولى التمسك بالصحيح المذكور على ما ذكر، لاإهماله والتمسك بالاطلاق المحتاج في دليليته إلى تكلف. هذا كله بالنسبة إلى نفقة الزوجة. وأما نفقة العامل فيما نحن فيه، فان قلنا بوحدة المراد كانت نفقة المرض مستثناة أيضا، وإن لم نقل بأن المقامين من باب واحد أمكن التمسك باطلاق الدليل في المقام على ذلك، فان نفقة المرض من أهم ما يحتاج إليه في معاشه. ولذلك يضعف ما تقدم في المسالك وسبقه إليه في جامع المقاصد والتذكرة وغيرهما، من دون تعرض منهم لوجهه. وكأنه دعوى انصراف الاطلاق في المقام عنه، أو لبنائه على ذلك في نفقة الزوجة وكون المقامين من باب واحد. لكن دعوى الانصراف ممنوعة، كدعوى ذلك في نفقة الزوجة على ما عرفت.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 13 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 13 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

 

===============

 

( 305 )

 

[ (مسألة 22): لو حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء السفر فنفقة الرجوع على نفسه (1)، بخلاف ما إذا بقيت ولم تنفسخ، فانها من مال المضاربة. (مسألة 23): قد عرفت الفرق بين المضاربة والقرض والبضاعة، وأن في الاول الربح مشترك، وفي الثاني للعامل، وفي الثالث للمالك، فإذا قال: خذ هذا المال مضاربة والربح بتمامه لي، كان مضاربة فاسدة (2)، إلا إذا علم أنه قصد ] (1) كما صرح بذلك غير واحد، وظاهر المسالك: أنه لا خلاف فيه بيننا لارتفاع المضاربة، فيرتفع حكمها. وعن بعض العامة لزوم النفقة من أصل المال، لانه استحقها بالسفر. ولا بأس به لو بني على كون الحكم على القاعدة، كما يقتضي ذلك ما تقدم عن جامع المقاصد والتذكرة من تعليل الحكم. أما إذا كان المستند النص فالنص غير شامل له. اللهم إلا أن يقال: النص لا ينفيه، والقاعدة تقتضيه، فالعمل بها متعين في خصوص نفقة السفر، لانفقة العامل. (2) قال في الشرائع: " لو قال: خذه قراضا والربح لي، فسد. ويمكن أن يجعل بضاعد، نظرا إلى المعنى. وفيه تردد ". وفي القواعد: " لو قال: خذه قراضا على أن الربح لك، أو لي، بطل "، ونحوه في التذكرة وغيرها، وفي المسالك: أنه المشهور. بل قيل لا نعرف خلافا صريحا فيه، وإنما وقع التردد من بعضهم كالشرائع. وكيف كان نقول: إن كون الربح مشتركا بين المالك والعامل داخل في قوام المضاربة فكون الربح كله للمالك مناف له، ولاجل أن الجمع بين المتنافيين محال فالقصد اليهما معا محال، فلابد في المقام من أحد أمور

 

===============

 

( 306 )

 

[ الابضاع، فيصير بضاعة، ولا يستحق العامل أجرة (1)، ] عدم قصد الامرين، أو قصد الاول دون الثاني، أو العكس، فعلى الاول لا يكون معنى إنشائي أصلا لا صحيح ولافاسد. وعلى الثاني تكون مضاربة صحيحة، وعلى الثالث تكون بضاعة أنشئت بلفظ المضاربة، فتكون صحيحة. وإذا علم أن المتكلم شاعر في مقام الانشاء فقد انتفى الاحتمال الاول، وتعين أحد الاخيرين، وثانيهما أولى، لان التصرف في لفظ المضاربة بحمله على البضاعة أولى من التصرف في قوله: ولي الربح، بحمله على مالا ينافي المضاربة، فيكون هو المتعين، ويحمل الكلام على البضاعة، وعلى هذا لا مجال للمضاربة الفاسدة في مقام الثبوت، فضلا عن مقام الاثبات. هذا كله مع الالتفات. أما مع الغفلة فيمكن القصد إلى المتنافيين معا، بأن يكون أحدهما مقصودا إجمالا، والآخر تفصيلا، وفي المقام يكون المنشئ قد قصد المضاربة بمالهما من المعنى اجمالا، وقصد أن يكون تمام الربح له تفصيلا. فيكون شرطا منافيا لمقتضى العقد، فيكون فاسدا. فان قلنا بأن الشرط الفاسد مفسد فقد فسد العقد، وإلا فلا، ولاوجه للبناء على فساد العقد ممن لا يرى فساده بالشرط الفاسد. اللهم إلا أن يقال القصد الاجمالي إنما يكتفي به في مقام الانشاء إذ لم يكن قصد تفصيلي على خلافه، والا فلا يعتد به في حصول الانشاء، ويكون العمل على القصد التفصيلي، فلا مضاربة في المقام لاصحيحة ولا فاسدة، بل هو بضاعة. والمتحصل: أنه مع الالتفات التفصيلي ففي مقام الثبوت لا مضاربة لاصحيحة ولا فاسدة، وفي مقام الاثبات بضاعة، ومع عدم الالتفات التفصيلي فالواقع إما مضاربة صحيحة أو بضاعة صحيحة، لا مضاربة فاسدة. (1) الذي يظهر من كلمات الاصحاب أنه يعتبر في البضاعة كون

 

===============

 

( 307 )

 

[ إلا مع الشرط أو القرائن الدالة على عدم التبرع، ومع الشك فيه وفي إرادة الاجرة يستحق الاجرة أيضا، لقاعدة احترام عمل المسلم. وإذا قال خذه قراضا وتمام الربح لك، فكذلك مضاربة فاسدة (1). إلا إذا علم أنه أراد القرض. ولو لم يذكر لفظ المضاربة، بأن قال: خذه واتجر به والربح بتمامه لي، كان بضاعة (2)، ] الربح للمالك من دون أجرة عليه للعامل. قال في الوسيلة: " وإن دفع إليه ليتجر به له من دون أجرة كان بضاعة "، ونحوه في غيرها، وفي الجواهر: " قد عرفت أنها (يعني: البضاعة) المال المدفوع ليعمل به على أن الربح لمالكه بلا أجره للعامل، فهي حينئذ توكيل في التجارة تبرعا " ولاجل عدم الدليل على هذا المعنى في المقام قيده المصنف بما إذا كانت القرينة على التبرع، أما إذا كانت على عدم التبرع أو لم تقم على أحد الامرين، فاللازم البناء على الاجرة، لقاعدة الاحترام، كما ذكر المصنف، أو لقاعدة الاستيفاء كما هو التحقيق. وحكى في الرياض عن التنقيح: نحو ذلك، واختاره، ثم قال: " وينبغي تنزيل كلمات الاصحاب عليه ". ثم إن عبارة المتن لا تخلو من اشكال، وكان الاولى التعبير بقوله: ويستحق العامل الاجرة، إلا أن تكون قرينة على التبرع بدل ما ذكر من العبارة. (1) كما في القواعد، وكذا في غيرها، وفي التذكرة: " ولو قال: قارضتك على أن يكون جميع الربح لك، فسد القراض أيضا عندنا " وظاهره الاجماع على الفساد. لكن يشكل ما ذكره بما عرفت في الفرض السابق، إذ الكلام في المقامين من باب واحد. (2) قال في الشرائع: " أما لو قال خذه فاتجر به والربح لي،

 

===============

 

( 308 )

 

[ إلا مع العلم باراده المضاربة، فتكون فاسدة (1). ولو قال: خذه واتجر به والربح لك بتمامه، فهو قرض (2)، إلا مع العلم بارادة ] كان بضاعة. ولو قال: والربح لك كان قرضا "، ونحوه ما في القواعد، وحكي عن كثير من كتب الاصحاب ويظهر منهم عدم الخلاف فيه. ولكنه يشكل إذا أريد عدم استحقاق العامل الاجرة - كما هو معنى البضاعة على ما عرفت - وذلك لعدم القرينة على المجانية، ومقتضى استيفاء عمل المسلم ضمانه. (1) قد عرفت إشكاله، وأنه على تقدير إرادة المضاربة يكون شرط خلافها مخالفا لمقتضى العقد، فيكون فاسدا، لكنه غير مفسد، على ما هو التحقيق، بل على تقدير قصد المضاربة تفصيلا يمتنع القصد إلى معنى قوله والربح لي، فلا شرط حينئذ، كي يكون منافيا لمقتضى العقد، وفاسدا. (2) كما سبق في الشرائع والقواعد وغيرهما، وظاهرهم التسالم عليه. ويشكل - كما عن مجمع البرهان - بأن القرض تمليك بعوض، وهو غير مفروض في كلام المالك، ولا مقصود له. وقد ينزل كلامهم - كما في الرياض - على إرادة أن اشتراط تمام الربح للعامل من أحكام القرض، لا أنه قرض فعلا. ولكنه بعيد جدا. كما أنه استدل على تحقق القرض بذلك بما ورد في المعتبرة المستفيضة التي فيها الصحيح والموثق: " من ضمن تاجرا فليس له إلا رأس ماله وليس له من الربح شئ "، لظهورها في أنه بمجرد تضمين المالك للمضارب يصير المال قرضا. وفيه: أنه لا تضمين في المقام، ولو فرض فلا دلالة في النصوص المذكورة على حصول القرض، بل ظاهرها أنها من قبيل ماروي مرسلا من قول

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من كتاب المضاربة.

 

===============

 

( 309 )

 

[ المضاربة، ففاسد. ومع الفساد في الصور المذكورة يكون تمام الربح للمالك (1)، وللعامل أجرة عمله (2)، إلا مع علمه بالفساد (3) (مسألة 24): لو اختلف العامل والمالك في أنها مضاربة فاسدة أو قرض، أو مضاربة فاسدة أو بضاعة، ولم يكن هناك ظهور لفظي (4) ولا قرينة معينة، ] النبي صلى الله عليه وآله: " الخراج بالضمان " الذي لم يكن بناء الاصحاب على العمل به. ولذا أفتوا بضمان المنافع المستوفاة للمقبوض بالعقد الفاسد، كما دلت عليه بعض الصحاح. (1) لان الربح تابع للمال. لكن هذا مع إجازة المالك وإلا فله عين ماله مع وجوده، أو بدله مع فقده. ولاربح حينئذ، ففرض وجود الربح مبني على ثبوت الاجازة أو استفادة الاذن، وسيأتي التعرض لذلك في المسألة الثامنة والاربعين. (2) للاستيفاء. (3) لاقدامه على العمل بدون استحقاق، فيكون بمنزلة التبرع. وفيه: أن العلم بعدم الاستحقاق شرعا لا يقتضي التبرع، ضرورة أن فعله كان بقصد الربح ولو بغير استحقاق، وهذا المقدار كاف في الاستحقاق. (4) تبع في ذلك الجواهر حيث حكى عن المسالك: أنه إذا اختلفا في القصد المبطل احتمل تقدم قول المالك لانه أعرف بنيته، والعامل نظرا إلى ظاهر اللفظ وترجيحا للصحة. ثم قال: " لا يخفى عليك عدم إتيان الوجهين بعد تسليم كون ظاهر اللفظ في ذلك، ضرورة عدم وجه لمن يدعي خلاف الظاهر بلا قرينة وإلا لزم من ذلك فساد كثير ". وفيه: أن دعوى خلاف ظاهر اللفظ كدعوى خلاف ظاهر اليد وغيرها من

 

 

____________

(* 1) تقدم التعرض لسند الحديث ومتنه في المسألة الرابعة.

 

===============

 

( 310 )

 

[ فمقتضى القاعدة التحالف (1). ] الحجج في أن صاحبها مدع وخصمه منكر، ولافرق بين الحجج في ذلك، وكذلك من يدعي خلاف مقتضى القرينة تسمع دعواه، وعليه الاثبات. ولعل مراد المصنف أن ذلك شرط في التحالف. ومع الظهور اللفظي أو القرينة يكون المورد من موارد المدعي، والمنكر. لا أنه لا تسمع دعوى الخلاف. (1) لان كلا منهما يدعي أمرا خلاف الاصل. هذا بناء على أن المعيار في المدعي والمنكر مصب الدعوى، أما إذا كان المعيار الغرض المقصود من الدعوى - كما هو الحقيق، وأشرنا إليه في كتاب الاجارة - فيختلف ذلك باختلاف المقامات، فإذا ادعى العامل القرض وادعى المالك المضاربة الفاسدة، وكانت دعوى العامل القرض راجعة إلى دعوى استحقاق الربح وحده، ودعوى المالك المضاربة الفاسدة راجعة إلى دعوى نفي القرض وبقاء المال على ملكه ليكون ربحه له، كانت دعوى المالك على وفق الاصل ودعوى العامل على خلاف الاصل. وإذا لم يكن ربح للمال فادعى العامل المضاربة الفاسدة ليكون له على المالك أجرة العمل، وادعى المالك القرض ليتخلص من الاجرة كانت دعوى المالك موافقة لاصالة براءة ذمته من الاجرة، ودعوى العامل المضاربة الفاسدة خلاف الاصل، فيكون منكرا. وأصالة عدم القرض لما لم تثبت الاجرة لم تكن جارية في المقام لعدم ترتب الاثر على مجراها، ففي الفرض الاول يكون مدعي القرض مدعيا، وفي هذا الفرض يكون منكرا. وإذا ادعى المالك البضاعة وادعى العامل المضاربة الفاسدة فقد اتفقا على كون الربح للمالك، ويكون الخصام بينهما في أن العامل يستحق على المالك الاجرة أولا، فالمالك يدعي أنها بضاعة تبتني على المجانية - كما عرفت - والعامل يدعي المضاربة الفاسدة الموجبة لاستحقاق الاجرة، فاستيفاء عمل العامل الموجب للضمان حاصل على

 

===============

 

( 311 )

 

[ وقد يقال: بتقديم قول من يدعى الصحة (1). وهو مشكل، إذ مورد الحمل على الصحة (2) ما إذا علم أنهما أوقعا معاملة معينة واختلفا في صحتها وفسادها، لا مثل المقام، الذي يكون الامر دائرا بين معاملتين على إحداهما صحيح وعلى الاخرى باطل، نظير ما إذا اختلفا في أنهما أوقعا البيع الصحيح أو الاجارة الفاسدة مثلا. وفي مثل هذا مقتضى القاعدة التحالف (3) وأصالة الصحة لا تثبت كونه بيعا مثلا لا إجارة، أو بضاعة صحيحة مثلا لا مضاربة فاسدة. (مسألة 25): إذا قال المالك للعامل: خذ هذا المال قراضا والربح بيننا صح (4). ولكل منهما النصف، وإذا قال: ونصف الربح لك، فكذلك (5)، بل وكذا لو قال: ونصف الربح لي، فان الظاهر أن النصف الآخر للعامل. ولكن فرق بعضهم (6) بين البعارتين، وحكم بالصحة في الاولى، لانه ] كل حال، ويدعي المالك التبرع وينكر العامل ذلك. (1) كما في المسالك. (2) كما قرره في الجواهر. (3) قد عرفت إشكاله، وأن مدعي الاجارة الفاسدة إنما يقصد إنكار البيع الصحيح، والاجارة الفاسدة ليست موضع غرض له. (4) كما في الشرائع وغيره، وظاهر المسالك: الاتفاق عليه عندنا وعند غيرنا إلا بعض الشافعية. والوجه فيه ظهور الكلام في التنصيف، وماعن بعض الشافعية من منع ذلك ممنوع عليه. (5) بلا خلاف. (6) كالمحقق في الشرائع. ووجه الفرق ما في المتن، كما قرره في المسالك.

 

===============

 

( 312 )

 

[ صرح فيها بكون النصف للعامل والنصف الآخر يبقى له، على قاعدة التبعية، بخلاف العبارة الثانية، فان كون النصف للمالك لا ينافي كون الآخر له أيضا، على قاعدة التبعية، فلا دلالة فيها على كون النصف الآخر للعامل. وأنت خبير بأن المفهوم من العبارة عرفا كون النصف الآخر للعامل (1). (مسالة 26): لا فرق (2) بين أن يقول: خذ هذا المال قراضا ولك نصف ربحه، أو قال: خذه قراضا ولك ربح نصفه، في الصحة والاشتراك في الربح بالمناصفة. وربما يقال: بالبطلان في الثاني (3)، بدعوى: أن مقتضاه كون ربح النصف الآخر بتمامه للمالك، وقد يربح النصف فيختص به أحدهما، أو يربح أكثر من النصف، فلا يكون الحصة معلومة وأيضا قد لا يعامل إلا في النصف. وفيه: أن المراد ربح نصف ما عومل به وربح، فلا إشكال. ] (1) كما في الجواهر، بل قال: " هو واضح ". وهو كما قال. لكن معنه في المسالك، لعدم استقرار العرف على ذلك، ثم قال: " والاجود البطلان " وفي القواعد: " بطل على إشكال ". (2) كما في الشرائع والقواعد، وفي المسالك: " المشهور صحة القراض في الصورتين، وأنه لافرق بينهما من حيث المعنى ". (3) نسبه في المسالك إلى الشيخ في أحد قوليه، وعلله بما ذكر، ومحصله اشكالان (الاول): أن شرط القراض الاشتراك في كل جزء من الربح وفي الفرض لااشتراك، لان ربح أحد النصفين للعامل، وربح النصف الاخر للمالك. وأيضا قد لا يعامل إلا بالنصف، فيكون ربحه

 

===============

 

( 313 )

 

[ (مسألة 27): يجوز اتحاد المالك وتعدد العامل (1)، ] لاحدهما بعينه بلا اشتراك بينهما (الثاني): جهالة النسبة إذ ربما يكون ربح النصف الآخر أقل، وربما يكون أكثر، فالنسبة بين الحصتين مجهولة. وأيضا إذا كان ربح أحد النصفين للعامل وربح الباقي للمالك، فربما يكون ربح الباقي ربح بعض النصف، وربما يكون ربح تمامه، فيكون مقداره مجهولا أيضا. وحمله في الجواهر على صورة تعين النصف المضاف إليه ربح العامل فانه الذي يصح معه الدليل، وهو غير ما نحن فيه. ولذا ذكر في المسالك: أنه أجيب عنه بأن الاشارة ليست إلى نصف معين، بل إلى مبهم، فإذا ربح أحد النصفين فذلك الذي ربح هو المال. والذي لم يربح لااعتداد به. انتهى. ولاجل أن أخذ النصف مبهما لا يكفي في رفع الاشكال، لان العمل إذا كان بالنصف وقد ربح، فذلك النصف إما أن ينطبق عليه نصف المال، وإما أن لا ينطبق، فان انطبق كان ربح للعامل أو للمالك بلا معين وان لم ينطبق لم يكن لاحدهما، وكل ذلك كما ترى، ألحقه بقوله: " فإذا ربح أحد... " يريد أن النصف المبهم لا ينطبق على تمام النصف المذكور، بل ينطبق على نصفه، كما ينطبق النصف الثاني على نصفه الثاني، لان ذلك النصف المعمول به هو المال ذو النصفين، ولا اعتداد بالنصف الذي لم يعمل به. ولكنه كما ترى فان المراد من المال تمامه، فالنصف المعمول به نصفه لاكله. فالمتعين في دفع الاشكال أن يقال: إن ربح النصف ربح لتمام المال، ولذا يقسم بين العامل والمالك في العبارة الاخرى وهي ما إذا قال: خذ هذا المال ولك نصف ربحه، فإذا صدق أنه ربح لتمام المال فقد صدق أن نصفه ربح لنصف المال، فيكون العامل، والنصف الآخر للمالك. (1) قال في القواعد: " يجوز تعددهما، واتحادهما، وتعدد أحدهما

 

===============

 

( 314 )

 

[ مع اتحاد المال، أو تميز مال كل من العاملين، فلو قال: ضاربتكما ولكما نصف الربح، صح، وكانا فيه سواء. ولو فضل أحدهما على الآخر صح أيضا (1) وإن كان في العمل سواء، فان غايته اشتراط حصته قليلة لصاحب العمل الكثير وهذا لا بأس به (2) ويكون العقد الواحد بمنزلة عقدين مع اثنين، ويكون كما لو قارض أحدهما في نصف المال بنصف وقارض الآخر في النصف الآخر بربع الربح، ولا مانع منه (3) وكذا يجوز تعدد المالك واتحاد العامل: بأن كان المال مشتركا بين اثنين، فقا رضا واحدا بعقد واحد بالنصف مثلا متساويا بينهما، أو بالاختلاف: بأن يكون في حصة أحدهما بالنصف وفي حصة الآخر بالثلث أو الربع مثلا. وكذا يجوز مع عدم اشتراك المال: بأن يكون مال كل منهما ممتازا، وقارضا واحدا مع الاذن في الخلط، مع التساوي في حصة العامل بينهما، أو الاختلاف: بأن يكون في مال أحدهما بالنصف وفي مال الآخر بالثلث أو الربع. (مسألة 28): إذا كان مال مشتركا بين اثنين، فقا رضا واحدا، واشترطا له نصف الربح، وتفاضلا في ] خاصة ". والظاهر أنه لااشكال ولا خلاف في جميع ذلك، فقد ذكر في كثير من الكتب، من دون تعرض لخلاف أو تردد. ويقتضيه إطلاق الادلة. (1) وفي المسالك: أنه صحيح عندنا. (2) عملا بالعمومات. (3) وفي المسالك: أن ذلك جائز اتفاقا.

 

===============

 

( 315 )

 

[ النصف الآخر: بأن جعل لاحدهما أزيد من الآخر مع تساويهما في ذلك المال، أو تساويا فيه مع تفاوتهما فيه، فان كان من قصدهما كون ذلك للنقص على العامل بالنسبة إلى صاحب الزيادة: بأن يكون كأنه اشترط على العامل في العمل بماله أقل مما شرطه الآخر له، كأن اشترط هو للعامل ثلث ربح حصته، وشرط له صاحب النقيصة ثلثي ربح حصته مثلا مع تساويهما في المال، فهو صحيح لجواز اختلاف الشريكين في مقدار الربح المشترط للعامل (1). وإن لم يكن النقص راجعا إلى العامل، بل على الشريك الآخر: بأن يكون المجعول للعامل بالنسبة إليهما سواء، لكن اختلفا في حصتهما، بأن لا يكون على حسب شركتهما، فقد يقال فيه بالبطلان (2)، لاستلزامه زيادة لاحدهما على الآخر مع تساوي المالين أو تساويهما مع التفاوت في المالين، بلا عمل من صاحب الزيادة، لان المفروض كون العامل غيرهما، ولا يجوز ذلك في الشركة والاقوى الصحة (3) ] (1) هذا التعليل أشبه بالمصادرة، واللازم التعليل باطلاق الادلة، وعموم المرتكزات العرفية، ولايحتاج إلى تعدد عقد المضاربة مع كل من الشريكين، لانحلال العقد الواحد الصادر من الشريكين إلى عقدين، لامتناع قيام العقد الواحد بالاثنين، كيف وكل من الشريكين له ولاية على حصته دون حصة شريكه، وكل من العقدين المنضمين بمنزلة العقد المستقل، فكأن أحد الشريكين قال للعامل: إتجر بحصتي ولك النصف، وقال الآخر له: إتجر بحصتي ولك الثلث. (2) حكي البطلان عن المبسوط وجامع الشرائع، وتوقف فيه في التحرير. (3) في بعض الحواشي أن الصحة تتوقف على إيقاع عقد الشركة

 

===============

 

( 316 )

 

بين الشريكين على الشرط المذكور من التساوي أو التفاضل. ووجهه: أن المالكين هما موضوعا هذا الاشتراط، أحدهما مشروط له، والآخر مشروط عليه، ولا يرتبط ذلك بالعامل كي يكون الشرط المذكور في عقد المضاربة الذي أحد أركانه العامل. نعم بناء على ما تقدم، من جواز شرط حصته من الربح للاجنبي، يصح الاشتراط في عقد المضاربة إذا مرجعه إلى أن العامل يشترط على أحد المالكين أن يكون مقدار حصته للمالك الآخر بل لو قلنا بعدم صحة الشرط للاجنبي، لانه على خلاف قوله (ع) " الربح بينهما " (* 1) أمكن القول بالصحة هنا، لعدم منافاته لذلك، لان الحصة المشروطة ليست للاجنبي، بل لاحد المالكين. وبالجملة: يكفي في صحة الشر من العامل أن يكون محط غرضه في الجملة وإن كانت فائدة الشرط راجعة لغيره فإذا عرف العامل أن أحد المالكين لا يحضر لاجراء المضاربة إلا إذا كانت حصته اكثر من حصة شريكه صح للعامل أن يشترط في عقد المضاربة ذلك على الشريك الآخر، بل له أن يشترط على أحد الشريكين شروطا تعود فائدتها إلى الشريك الثاني لاغير إذا كان لا يقبل المضاربة الا بذلك، فإذا قال: لاأضارب بمالي إلا إذا زوجني الشريك جاريته فحينئذ يصح للعامل الذي يريد المضاربة أن يشترط على أحد الشريكين أن يزوج جاريته شريكه الآخر، كي يتمكن من المضاربة بالمال، ولايجوز أن نقول إن هذا الشرط قائم بين الشريكين ولادخل للعامل فيه. وبالجملة: لا يعتبر في صحة الشرط أن تكون فائدة الشرط راجعة إلى المشترط، بل يكفي أن يكون له غرض في الشرط وإن كانت فائدته ترجع إلى غيره. بل يصح للعامل أن يشترط على المالك في عقد المضاربة أن يزوج ابنته من أخ العامل أو ولده بما لا يتعلق بالربح أصلا،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من ابواب المضاربة حديث: 5 وقد تقدم في صفحة: 276.

 

===============

 

( 317 )

 

[ لمنع عدم جواز الزيادة لاحد الشريكين بلا مقابلتها لعمل منه (1)، فان الاقوى جواز ذلك بالشرط، ونمنع كونه خلاف مقتضى الشركة، بل هو خلاف مقتضى إطلاقها. ] كما يقتضيه عموم الآدلة. (1) يشير بذلك إلى وجه المنع منه، يعني: أنه قد يتوهم أن اشتراط التفاضل خلاف مقتضى الشركة، فيكون الشرط مخالفا للكتاب، وحاصل الجواب: أن ذلك ليس مخالفا لمقتضى الشركة، وانما هو مخالف لمقتضى إطلاقها، وهو حاصل في كل شرط يذكر في العقد، إذ لولاه يكون الحكم على خلاف مقتضى الشرط، ولا يقدح في صحته، والا لم يصح الشرط دائما. وتوضيح ذلك: أن الشرط المخالف للكتاب يراد به ما يكون مخالفا للحكم الاقتضائي الشرعي على ما هو التحقيق وكون المقام منه ممنوع كما يدل عليه ما تضمن مشروعية المضاربة إذ لا يخطر في البال أن جعل حصة من الربح للعامل مخالف للكتاب، فانه خلاف مقتضى الارتكازات الشرعية، فيدل على أن تبعية الربح للمال من باب وجود المرجح للتبعية مع عدم المقتضي للخلاف، وحينئذ لامانع من اشتراط التفاضل، لافي عقد الشركة، ولافي غيره من العقود، فيصح أن يشترط في البيع التفاضل في النماء للمال المشترك، كما يصح أن يشترط ذلك في المضاربة، ولامانع منه، مع أن الشك في كون الشرط مخالفا للكتاب أو لا موجب للرجوع إلى أصالة عدم المخالفة، على ما هو التحقيق من جريان الاصل في العدم الازلي، كما أشرنا إلى ذلك في حاشية المكاسب.

 

 

____________

(* 1) سيأتي في كتاب الشركة بيان وجه الفرق بين جعل حصة من الربح للعامل وجعل التفاضل وأن التحقيق عدم جواز اشتراط التفاضل في عقد الشركة ولا في المقام. (منه قدس سره).

 

===============

 

( 318 )

 

[ مع أنه يمكن أن يدعى الفرق بين الشركة والمضاربة (1) وإن كانت متضمنة للشركة. (مسألة 29): تبطل المضاربة بموت كل من العامل والمالك (2)، أما الاول: فلاختصاص الاذن به (3)، وأما ] (1) يعني: لو سلم أنه خلاف مقتضى الشركة أمكن البناء عليه، عملا بدليل صحة المضاربة المتضمنة ثبوت حصة للعامل، فان ذلك خلاف مقتضى الشركة الذي هو تبعية الربح للمال، لكن قام الدليل عليه، فوجب البناء عليه، كما أشرنا إلى ذلك. والمتحصل مما ذكر أمور: (الاول): الاشكال بأن تفاضل المالكين الشريكين في الربح قائم بهما، لا بالعامل، فلا يصح ذكره شرطا في المضاربة. (الثاني): اندفاعه بأنه يمكن أن يكون محط غرض العامل، فيكون متعلقا به، فيصح اشتراطه. (الثالث): أن تفاضل الشريكين في الربح لا ينافي مقتضى العقد، وإنما ينافي اطلاقه، فيصح اشتراطه في الشركة وفي غيرها من العقود. (الرابع): أنه لو سلم أنه مناف لمقتضى العقد جاز البناء عليه للدليل على صحة المضاربة. اللهم إلا أن يقال: لاإطلاق لدليل صحة المضاربة يشمل ذلك، لخروجه عن مفهومها، وإنما هو داخل في عموم صحة المشروط. فإذا خصص ذلك العموم بالشرط المخالف لمقتضى العقد، تعين في المقام الرجوع إلى المخصص، لاإلى العموم. (2) قال في الشرائع: " وبموت كل واحد منهما تبطل المضاربة، لانها في المعنى وكالة "، ونحوه في كثير من الكتب، ويظهر منهم أن ذلك من المسلمات، فان ذلك حكم العقود الجائزة، ومنها المضاربة. (3) فيكون الوارث كسائر الناس، لا يجوز أن يتصرف بغير إذن المالك، وليس ذلك من الحقوق، حتى يكون موروثا للوارث.

 

===============

 

( 319 )

 

[ الثاني: فلانتقال المال بموته إلى وارثه، فابقاؤها يحتاج إلى عقد جديد (1) بشرائطه، فان كان المال نقدا صح (2)، وإن كان عروضا فلا، لما عرفت من عدم جواز المضاربة على غير النقدين. وهل يجوز لوارث المالك إجازة العقد بعد موته، قد يقال بعدم الجواز (3)، لعدم علقة له بالمال حال العقد بوجه من الوجوه (4)، ليكون واقعا على ماله أو متعلق حقه. وهذا بخلاف إجارة البطن السابق في الوقف أزيد من مدة حياته، فان البطن اللاحق يجوز له الاجازة، لان له حقا بحسب جعل الواقف. وأما في المقام فليس للوارث حق حال حياة المورث أصلا، وإنما ينتقل إليه المال حال موته. وبخلاف إجازة الوارث لما زاد من الثلث في الوصية، وفي المنجز حال ] (1) يعني: بين العامل والمالك الجديد. (2) يعني: بعقد جديد. (3) قال في الشرائع: " ولو مات رب المال والمال متاع، فأقره الوارث، لم يصح، لان الاول بطل، ولا يصح ابتداء القراض بالعروض " وظاهر التعليل أن المراد من إقراره بعد الموت إبقاؤه، وهذا بعد الموت متعذر للبطلان، وكذلك تجديده، لان في المال عروض. والمصنف رحمه الله حرر المسألة بعنوان الاجازة، وذكر في الجواهر: أن المقام ليس من الفضولي، إذ لا علقة للوارث بالمال حال العقد بوجه من الوجوه... إلى آخر ما ذكر في المتن في تقريب عدم الجواز. (4) الاجازة لا تصح الا بشرطين (الاول): أن يكون العقد المجاز صادرا من غير الولي عليه، فلا يصح منه إلا بالاجازة. (الثاني):

 

===============

 

( 320 )

 

[ المرض - على القول بالثلث فيه - فان له حقا فيما زاد، فلذا يصح إجازته، ونظير المقام اجارة الشخص ماله مدة مات في أثنائها، على القول بالبطلان بموته، فانه لا يجوز للوارث اجازتها. لكن يمكن أن يقال: يكفي في صحة الاجازة كون المال في معرض الانتقال إليه وإن لم يكن له علقة به حال العقد، فكونه سيصير له كاف ومرجع اجازته حينئذ إلى ابقاء ما فعله المورث، لا قبوله، ولا تنفيذه، فان الاجازة أقسام، قد تكون قبولا لما فعله الغير، كما في اجازه بيع ماله فضولا، وقد تكون راجعا إلى اسقاط حق، كما في اجازة المرتهن لبيع الراهن، واجازة الوارث لما زاد عن الثلث. وقد تكون ابقاء لما فعله المالك (1)، كما في المقام. ] أن يكون للمجيز ولاية على العقد، فإذا انتفى ذلك لم تصح الاجازة. وهذان الشرطان موجودان في الامثلة المذكورة في الجواهر وفي المتن، أما فيما نحن فيه فمفقودان معا، إذ العقد الواقع من المالك صادر من الولي عليه فيصح، ولا معنى لاجازته والاجازة الصادرة من الوارث - سواء كانت صادرة منه حال حياة الموروث، أم بعد وفاته - صادرة ممن لاولاية له على العقد. نعم إذا كانت صادرة منه بعد وفاة الموروث فهي ممن له ولاية على تجديد العقد لاعلى العقد نفسه، فلا معنى لتعلقها بالعقد. (1) قد عرفت أن العقد الواقع لا قصور فيه، فهو نافذ بلا إجازة والاجازة الصادرة من الوارث ليست ممن له ولاية على العقد، ولا أدنى تعلق له به، والابقاء - مع أنه ليس مجعولا، لان بقاء العقد بنفسه، لا يجعل جاعل - متعذر، لان المفروض بطلانه، فكيف يمكن إبقاؤه؟! مع أنه

 

===============

 

( 321 )

 

[ (مسألة 30): لا يجوز للعامل أن يوكل وكيلا في عمله، أو يستأجر أجيرا إلا بإذن المالك. نعم لا بأس بالتوكيل ] غير مقصود للمجيز. نعم يمكن تجديده للوارث، وهذا شي آخر غير إجازة العقد، ويختص بصورة ماذا كان المال نقدا لاعروضا. والمتحصل في الاشكال: أنه إن أريد إجازة العقد بلحاظ الحدوث كما في إجازة الفضولي - فالعقد لا قصور فيه من هذه الجهة، كي يحتاج إلى الاجازة، والاجازة صادرة ممن لاتعلق له بالعقد. وإن أريد إجازته بلحاظ البقاء، فالبقاء ليس مقصودا للمجيز، ولا مما يقبل الجعل، وفي المقام متعذر. لفرض البطلان، كما ذكر في الشرائع. وان أريد من الابقاء التجديد اختص ذلك بما إذا كان المال نقدا، ولا يصح إذا كان عروضا كما ذكر أيضا في الشرائع. ولعل مراد المصنف الاشكال على الشرائع: بأن الاقرار إنما يمتنع إذا ثبت البطلان، وهو ممنوع، إذ يختص البطلان بما إذا لم يقره الوارث أما إذا أقره فلا بطلان. كما أنه يمكن دفع الاشكال: بأن البقاء لا يحتاج إلى جعل بأن ذلك مسلم إذا لم يكن موجب للبطلان، كما في المقام، أما معه فيصح جعل البقاء، ويكون مستندا، إلى الجعل لا لنفسه. ولكن عبارة المصنف بعيدة عن ذلك، وفيها تهافت، فان الاجازة بمعنى الابقاء صادرة من الوارث المالك، وقد ذكر انها صادرة ممن سيصير له علقة، فكأن موضوع كلامه الاجازة من الوارث حال حياة الموروث لابعد وفاته. والتحقيق: أن المالك ركن في عقد المضاربة كالعامل، فإذا مات أحدهما بطل العقد ضرورة، كما في موت أحد الزوجين، فلا يمكن جعل ابقائه أبدا، كما ذكر المحقق رحمه الله، فلا يمكن إبقاء العقد، لا بالاجازة ولا بالابقاء، ولا بغير ذلك. نعم يمكن إبقاع عقد المضاربة بين الوارث

 

===============

 

( 322 )

 

[ أو الاستيجار في بعض المقدمات، على ما هو المتعارف (1). وأما الايكال إلى الغير وكالة أو استيجارا في أصل التجارة، فلا يجوز من دون إذن المالك، ومعه لا مانع منه. كما أنه لا يجوز له أن يضارب غيره إلا بإذن المالك. (مسألة 31): إذا أذن في مضاربة الغير فإما أن يكون يجعل العامل الثاني عاملا للمالك، أو يجعله شريكا معه في العمل والحصة، وإما يجعله عاملا لنفسه. أما الاول فلا مانع منه وتنفسخ مضاربة نفسه على الاقوى (2). واحتمال بقائها مع ذلك (3)، لعدم المنافاة، كما ترى. ويكون الربح مشتركا بين ] والعامل إذا اجتمعت الشرائط. (1) كأن الفرق بين المقامين أن المنصرف من المضاربة استعمال العامل في التجارة مباشرة، فايكال التجارة إلى غيره خلاف الظاهر يحتاج إلى إذن بالخصوص، بخلاف المقدمات، فانه ليس في عنوان المضاربة ما يقتضي المباشرة فيها، فاطلاقها يقتضي الاذن إلا إذا كانت قرينة على الخلاف. والحكم في الجميع وجوب أن يكون العمل باذن المالك، المستفادة من الاطلاق، أو من صريح الخطاب، أو من العادة، أو غير ذلك من القرائن، فإذا لم تعلم لم يجز التصرف. (2) كما هو ظاهر المسالك. (3) بل جزم به في الجواهر، لعدم ما يدل على اعتبار خلو المال عن وقوع عقد قراض عليه في صحة الثاني. انتهى. وكأنه اعتبر المضاربة نوعا من الوكالة، ولامانع من توكيل وكيلين على عمل واحد، لعدم التنافي في ذلك. لكن الظاهر عرفا من المضاربة أنها استعمال للعامل وهو

 

===============

 

( 323 )

 

[ المالك والعامل الثاني، وليس للاول شئ (1)، إلا إذا كان بعد أن عمل عملا وحصل ربح، فيستحق حصته (2) من ذلك وليس له أن يشترط على العامل الثاني شيئا من الربح (3) بعد أن لم يكن له عمل بعد المضاربة الثانية. بل لو جعل الحصة للعامل في المضاربة الثانية أقل مما اشترط له في الاولى، كأن يكون في الاولى بالنصف، وجعله ثلثا في الثانية لا يستحق تلك الزيادة (4)، بل ترجع إلى المالك. وربما يحتمل جواز اشتراط شئ من الربح، أو كون الزيادة له (5)، بدعوى أن هذا المقدار - وهو ايقاع عقد المضاربة ثم جعلها للغير - ] لا يقبل التعدد، نظير الاستيجار على العمل لكن لو سلم فذلك يمنع من تعدد العامل بالنسبة إلى العمل الواحد، لا بالنسبة إلى العملين، فإذا عمل الاول وربح كان له سهم في الربح، وإذا عمل الثاني أيضا فربح كان له سهم، كما صرح بذلك في الجواهر. والاولى أن يقال: انه إذا كان العامل قد انتزع نفسه من المضاربة، انفسخت بالنسبة إليه، واختص بها الثاني. وإن كان لم ينتزع نفسه، كان كل منهما عاملا، واختص كل واحد منهما بحصته من الربح في عمله. (1) إذ المفروض أن الربح مشترك بين المالك والعامل، وهو غيرهما. (2) كما هو مقتضى المضاربة معه. (3) الا بناء على جواز اشتراط حصة من الربح للاجنبي، وقد تقدم. (4) لانها للمالك حسب المجعول في المضاربة الثانية، فلا تكون كلها أو بعضها لغيره. (5) هذا الاحتمال احتمله في الجواهر، معللا له بما ذكر.

 

===============

 

( 324 )

 

[ نوع من العمل، يكفي في جواز جعل حصة من الربح له. وفيه: أنه وكالة، لا مضاربة (1). والثاني أيضا لا مانع منه، وتكون الحصة المجعولة له في المضاربة الاولى مشتركة بينه وبين العامل الثاني، على حسب قرارهما. وأما الثالث فلا ] (1) قد يكون التوكيل من شؤون المضاربة - كما تقدم في المسألة الثلاثين - فيستحق عليه العامل حصة من الربح. فالعمدة: أن العمل الذي يجعل الحصة له في المضاربة الثانية ما يكون حاصلا من العامل في المضاربة الثانية بعد حصولها، والعمل المذكور حاصل قبلها من غير العامل فيها، بل من العامل في المضاربة الاولى وحينئذ إذا كان موجبا لاستحقاق شئ لصدوره لا بعنوان التبرع، فهو على المالك، لاحصة في ربح المضاربة الثانية، لعدم كونه عاملا فيها. بل إذا فرض أن عمل المضاربة الاولى كان بذلك استحق حصة من الربح الحاصل من ذلك العمل ولو بتوسط المضاربة الثانية التي هي في ضمن المضاربة الاولى. ومن ذلك يظهر أن القسم الاول له صورتان: (الاولى) أن تكون المضاربة الثانية أجنبية عن الاولى، تبطلها أو لا تبطلها، على الخلاف المتقدم بين المصنف والجواهر. (الثانية): أن تكون المضاربة الثانية في ضمن الاولى ومن شؤونها فتكون الثانية من قبيل الجعالة التي تكون في ضمن الاولى، وحصة المالك فيها راجعة إلى ربح المضاربة الاولى فتنقسم بين المالك والعامل الاول. وبالجملة: قد تكون المضاربة الثانية أجنبية عن الاولى تنافيها أو لا تنافيها، وقد تكون في طولها ومن شؤونها فارباح الثانية بعد اخراج حصة العامل تكون من أرباح الاولى، فتكون حصة منها للعامل، والباقي للمالك. وقد كان المناسب للمصنف للتعرض لهذا القسم، فتكون الاقسام أربعة.

 

===============

 

( 325 )

 

[ يصح من دون أن يكون له عمل مع العامل الثاني (1)، ومعه يرجع إلى التشريك. (مسألة 32): إذا ضارب العامل غيره مع عدم الاذن من المالك، فان أجاز المالك ذلك كان الحكم كما في الاذن السابق في الصور المتقدمة، فيلحق كلا حكمه (2)، وان لم يجز بطلت المضاربة الثانية (3). وحينئذ فان كان العامل الثاني عمل وحصل الربح (4) فما قرر للمالك في المضاربة الاولى فله (5) وأما ما قرر للعامل فهل هو أيضا له (6) أو للعامل الاول، أو مشترك بين العاملين؟ وجوه وأقوال (7)، أقواها الاول، ] (1) من المعلوم أن العامل في المضاربة من يكون عاملا للمالك في ماله، والعامل لغير المالك خارج عنه، سواء كان له عمل أم لم يكن. إلا أن يكون المراد منه مالا يتنافي مع كونه عاملا للمالك، ويكون الاختلاف بمجرد التعبير. (2) إذ لافرق بين الاجازة اللاحقه والاذن السابقة في الاحكام. (3) لصدورها من غير الولي، بلا إذن، ولا إجازة من الولي. (4) يعني باجازة المالك لشراء العامل الثاني، إذ مع عدم الاجازة لا تصح المعاملة، فلا ربح وسيأتي التصريح بذلك من المصنف. وإطلاق كلامه هنا كاطلاق كلام غيره مبني على ذلك، كما هو الغالب. (5) لتبعية الربح للمال، كما هو الاصل. (6) يعني: للمالك. (7) قال في الشرائع في مسألة ما إذا قارض العامل وغيره: " فان كان باذنه وشرط الربح بين العامل الثاني والمالك صح، ولو شرط لنفسه لم

 

===============

 

( 326 )

 

[ لان المفروض بطلان المضاربة الثانية، فلا يستحق العامل الثاني شيئا، وأن العامل الاول لم يعمل حتى يستحق، فيكون تمام الربح للمالك إذا أجاز تلك المعاملات الواقعة على ماله. ويستحق العامل الثاني أجرة عمله مع جهله بالبطلان (1) على العامل الاول ] يصح، لانه لاعمل له. وإن كان بغير إذنه لم يصح القراض، فان ربح كان نصف الربح للمالك، والنصف الآخر للعامل الاول، وعليه أجرة الثاني. وقيل: للمالك أيضا، لان الاول لم يعمل. وقيل: بين العاملين ويرجع الثاني على الاول بنصف الاجرة. والاول حسن ". وقال في المسالك: " وهذه الاقوال ليست لاصحابنا، ولانقلها عنهم أحد ممن نقل الخلاف، وان كان ظاهر العبارة بقيل وقيل يشعر به، وإنما هي وجوه للشافعية موجهة، ذكرها المصنف والعلامة في كتبه، ونقل الشيخ في المبسوط قريبا منها بطريقة أخرى غير منقحة. ولهم وجه رابع: أن جميع النصف للعامل الثاني. عملا بالشرط، ولا شئ للاول، إذ لاملك له ولا عمل له ". وقريب منه ما في جامع المقاصد. ويشهد لما ذكراه ما في التذكرة، فانه بعد ما ذكر أن الاقرب أن يكون الربح للمالك ذكر الوجوه الاخرى، ونسبها إلى الشافعية، ولم ينسب شيئا منها إلى أحد من أصحابنا. (1) كما قيده بذلك الجماعة، ولم أقف على غيره من أحد، بل في جامع المقاصد: " لاشك في أنه إذا كان عالما لا يستحق أجرة ". لكن الاختصاص بهذه الصورة يتوقف على كون الضمان بالغرور، أما إذا كان الضمان بالاستيفاء، وأن من استوفى عمل غيره كان ضامنا له وإن كان عالما بالبطلان، فالرجوع إلى العامل بأجرة المثل يكون في صورتي الجهل والعلم.

 

===============

 

( 327 )

 

[ لانه مغرور من قبله. وقيل: يستحق على المالك (1). ولا وجه له مع فرض عدم الاذن منه له في العمل هذا إذا ضاربه على أن يكون عاملا للمالك (2)، وأما إذا ضاربه على أن يكون عاملا له، وقصد العامل في عمله العامل الاول، فيمكن أن يقال: إن الربح للعامل الاول، بل هو مختار المحقق في الشرايع (3) ] (1) حكي هذا الاحتمال في التذكرة، وعلله: بأن نفع عمله عاد إليه. انتهى. ولا يخفى ما فيه، فان ذلك ليس من أسباب الضمان. (2) سواء كان الشراء له بذمته أم بعين ماله، فان المبيع له، فيكون له ربحه. (3) قد تقدمت عبارة الشرائع، وهي خالية عن التقييد المذكور، ولاسيما بناء على ما تقدم منه من عدم صحتها حتى مع اذن المالك، فكيف يخصص بها كلام المحقق؟! ولذلك وجهه في المسالك: بأن عقد المضاربة وقع معه، فيستحق ما شرط، وعقده مع الثاني فاسد، فلا يتبع شرطه. انتهى. وأشكل عليه بعد ذلك: بأن العامل الاول لم يعمل شيئا، فلا يكون له شئ من الربح. وأما التوجيه المذكور في المتن من أن العمل المعتبر في المضاربة الاولى ما يعم المباشرة وغيرها فقد ذكره في الجواهر، فقال: " ليس في عقد القراض ما يقتضي مباشرة العمل بنفسه، ضرورة الاكتفاء بمتبرع عنه وبأجرة أو نحو ذلك ". وحينئذ يسقط الاشكال المتقدم من أن العامل الاول لم يعمل شيئا فلا يستحق شيئا. وعلى هذا عول في الجواهر واختار ما في الشرائع. لكن عرفت أن مختار الشرائع لا يختص بهذه الصورة، كسائر الاقوال الاخرى المحكية فيها، فلا وجه لتخصيصه بها، كما في المتن مضافا إلى أن البناء على عموم العمل لغيره المباشرة يقتضي صحة المضاربة الثانية، إذ ليس مضمونها الا ما هو مأذون فيه فلا وجه للبناء

 

===============

 

( 328 )

 

[ وذلك بدعوى: أن المضاربة الاولى باقية بعد فرض بطلان الثانية، والمفروض أن العامل قصد العمل للعامل الاول، فيكون كأنه هو العامل فيستحق الربح، وعليه أجرة عمل العامل، إذا كان جاهلا بالبطلان، وبطلان المعاملة لا يضر بالاذن الحاصل منه للعمل له (1). لكن هذا انما يتم إذا لم يكن المباشرة ] على بطلانها بدعوى عدم الاذن. وأيضا إذا كان المراد من العمل في المضاربة ما يعم عمل غيره عنه وجب أن يكون عمل الغير للمالك، كما أن عمل العامل له، فكما أن العامل يتجر للمالك فالمتبرع عن العامل أيضا يتجر للمالك، وهذا لا يتناسب مع الصورة المذكورة في المتن من أن العامل الثاني يعمل للعامل الاول، كما يظهر من قول المصنف: " وأما إذا ضاربه على أن يكون عاملا له ". والمتحصل مما ذكرنا وجوه من الاشكال.