فصل 1

فصل يملك المستأجر المنفعة في إجارة الاعيان، والعمل في الاجارة على الاعمال بنفس العقد، من غير توقف على شئ كما هو مقتضى سببية العقود. كما أن المؤجر يملك الاجرة ] (1) لاختصاص أدلة الثلاثة المذكورة بالبيع، وعموم أدلة ما عداها لها، ولابد من ملاحظة تلك الادلة. (2) نص على ذلك كله في الجواهر، متمسكا بعموم أدلتها. (3) عرفت إشكاله.

 

===============

 

( 45 )

 

[ ملكية متزلزلة به كذلك. ولكن لا يستحق المؤجر مطالبة الاجرة الا بتسليم العين أو العمل (1)، كما لا يستحق المستأجر مطالبتهما الا بتسليم الاجرة، كما هو مقتضى المعاوضة. وتستقر ملكية الاجرة باستيفاء المنفعة أو العمل أو ما بحكمه. فأصل الملكية للطرفين موقوف على تمامية العقد، وجواز المطالبة موقوف على التسليم، واستقرار ملكية الاجرة موقو ف على استيفاء المنفعة أو إتمام العمل أو ما بحكمهما. فلو حصل مانع عن الاستيفاء أو عن العمل تنفسخ الاجارة، كما سيأتي تفصيله. (مسألة 1): لو استأجر دارا - مثلا - وتسلمها، ومضت مدة الاجارة استقرت الاجرة عليه، سواء سكنها أو لم يسكنها باختياره (2). وكذا إذا استأجر دابة للركوب أو لحمل المتاع إلى مكان كذا، ومضى زمان يمكن له ذلك، وجب عليه الاجرة واستقرت وإن لم يركب أو لم يحمل، بشرط أن يكون مقدرا بالزمان المتصل بالعقد. وأما إذا عينا وقتا فبعد مضي ذلك الوقت. هذا إذا كانت الاجارة واقعة ] (1) لان مبنى المعاوضات على التسليم والتسلم، فلكل من المتعاوضين الامتناع من التسليم في ظرف امتناع صاحبه، كما أن لكل منهما المطالبة في ظرف صدور التسليم منه، ولايجوز للآخر الامتناع عنه حينئذ، فلو تعذر جاز له الفسخ. (2) لتحقق التسليم من المؤجر، الذي عرفت أنه موجب لاستقرار ملكية الاجرة، وهذا مما لا إشكال فيه ولا خلاف، ويشهد له غير واحد من النصوص.

 

===============

 

( 46 )

 

[ على عين معينة شخصية في وقت معين. وأما إن وقعت على كلي وعتين في فرد وتسلمه، فالاقوى أنه كذلك (1) مع تعيين الوقت وانقضائه. نعم مع عدم تعيين الوقت فالظاهر عدم استقرار الاجرة المسماة (2)، وبقاء الاجارة، وإن كان ضامنا لاجرة المثل لتلك المدة، من جهة تفويته المنفعة على المؤجر. (مسألة 2): إذا بذل المؤجر العين المستأجرة للمستأجر ولم يتسلم حتى انقضت المدة، استقرت عليه الاجرة (3). ] (1) لان تسليم الفرد تسليم الكلي، فيتحقق التسليم الذي هو شرط استقرار الاجرة. ونسب إلى الشيخ: العدم، لكون المدفوع غير موضوع الاجارة. لكنه ضعيف كما عرفت، وإن احتمل في عبارة الشرائع. (2) كما هو ظاهر محكي المهذب البارع، وايضاح النافع. واحتملاه في عبارة الشرائع، ووجهه - على ما قيل -: ان جميع الازمنة صالح للاستيفاء، ولا تتعين في زمان القبض، وضعفه ظاهر، لان زمان القبض فرد من زمان الاجارة، فالقبض فيه قبض فيه، فلا فرق بين هذه الصورة وما قبلها، كما صرح به في المسالك وغيرها. نعم لو كان الموجب لاستقرار الاجرة في الصورة الاولى تفويت المستأجر للمنفعة فهو غير حاصل في هذه الصورة، لان فوات الموسع إنما يكون بفواته في جميع الازمنة، ولا يكفي فيه فواته في بعضها. لكنه ليس ذلك هو الوجه، بل الوجه حصول التسليم، وهو حاصل في المقام كما عرفت. (3) كما صرح به في الجواهر، حاكيا نفي الخلاف فيه عن كل من تعرض له. وفي المسالك: " وفي حكم التسليم مالو بذل العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة، أو مضت مدة يمكن فيها الاستيفاء ". ونحوه

 

===============

 

( 47 )

 

[ وكذا إذا استأجره ليخيط له ثوبا معينا - مثلا - في وقت معين، وامتنع من دفع الثوب إليه حتى مضى ذلك الوقت، فانه يجب عليه دفع الاجرة (1)، سواء اشتغل في ذلك الوقت - مع امتناع المستأجر من دفع الثوب إليه - بشغل آخر لنفسه أو لغيره، أو جلس فارغا (2). (مسألة 3): إذا استأجره لقلع ضرسه ومضت المدة التي يمكن إيقاع ذلك فيها (3)، وكان المؤجر باذلا نفسه، استقرت الاجرة (4)، سواء كان المؤجر حرا أو عبدا باذن مولاه. واحتمال الفرق بينهما بالاستقرار في الثاني دون الاول لان منافع الحر لا تضمن إلا بالاستيفاء، لاوجه له، لان ] في القواعد، وعن غيرهما. ويقتضيه عموم اللزوم، لعدم الدليل على اعتبار أكثر من ذلك في استقرار العقد ولزومه. (1) لما سبق. (2) لاطراد المناط في استقرار الاجرة في جميع الصور، وهو البذل الذي يتحقق به التسليم. (3) تفترق هذه المسألة عن المسألة السابقة: بأن المفروض في السابقة انقضاء تمام المدة، وفي هذه المسألة انقضاء زمان يمكن فيه العمل، وإن لم يمض تمام المدة. ولذلك لم يقع الخلاف في المسألة السابقة في لزوم الاجرة، من جهة صدق التفويت فيها، بخلاف هذه. (4) هذا الحكم ربما ينافي ما تقدم منه (ره) في آخر المسألة الاولى من عدم استقرار الاجرة مع عدم تعيين الوقت، مع أن بذل العين أولى بصدق التسليم فيه.

 

===============

 

( 48 )

 

[ منافعه بعد العقد عليها صارت مالا للمستحق، فإذا بذلها ولم يقبل كان تلفها منه (1) مع أنا لا نسلم أن منافعه لا تضمن. ] (1) الفرق المذكور ذكره في جامع المقاصد وغيره، من جهة أن الحر لا يكون تحت اليد، فلا تكون منافعه تحت اليد بمجرد بذل نفسه، فلا يتحقق تسليمها إلا باستيفائها. وفيه: ما عرفت من أن التسليم الذي يتحقق به استقرار الاجرة، ويكون التلف من المستأجر، يتحقق بمجرد التخلية، بحت لا يكون مانع من استيفاء المنفعة إلا من قبل المستأجر. وبهذا المعنى يتحقق بمجرد بذل الاجير نفسه للعمل، كما يتحقق ببذل العين المستأجرة. بل الظاهر أنه لافرق بين العبد والحر إلا بالحرية والرقية بالاضافة إلى نفسهما. وأما بالاضافة إلى منافعهما فهو: أن منافع العبد مملوكة لمالكه، ومنافع الحر غير مملوكة. وأما من حيث إمكان إثبات اليد على العين، أو على المنافع تبعا للعين فيهما سواء. وعدم ضمان الحر بمجرد اليد، لعدم ملكية نفسه إجماعا لا يقتضي ذلك. كما أن عدم ضمان منافعه باليد عليه، لعدم كونها مملوكة له أيضا، لا يوجب الفرق بينهما في ما نحن فيه. مع أن استقرار الاجرة في إجارة العبد، بمجرد بذل مولاه له، لم يكن من جهة اثبات اليد عليه، ليفرق بينه وبين الحر، بأن الحر لا يمكن أن يكون تحت اليد، بخلاف العبد، بل إنما كان من جهة تحقق التسليم الحاصل بالبذل، وإن لم يكن العبد تحت اليد، فلم لا يلتزم بذلك بالنسبة إلى الحر؟!. هذا وقد يحكى عن شيخنا الاعظم المحقق الانصاري (ره): الفرق بين كون الاجارة على عمل جزئي معين وعلى عمل كلي، فتستقر في الاول بالبذل دون الثاني، لان تسليم الاول يكون بتسليم العامل نفسه، وتسليم الثاني إنما يكون بتسليم فرده، وهو لا يكون إلا بايجاده في الخارج.

 

===============

 

( 49 )

 

[ إلا بالاستيفاء، بل تضمن بالتفويت أيضا إذا صدق ذلك (1)، كما إذا حبسه وكان كسوبا، فانه يصدق في العرف: أنه فوت عليه كذا مقدار. هذا ولو استأجره لقلع ضرسه فزال الالم بعد العقد لم تثبت الاجرة، لا نفساخ الاجارة حينئذ (2). (مسألة 4): إذا تلفت العين المستأجرة قبل قبض ] لكن عرفت فيما سبق الاشكال فيه، وأن تسليم الجزئي إذا كان يكفي في حصوله تسليم العامل فلم لا يكون تسليم الفرد الذي به يتحقق تسليم الكلي كذلك؟!. وبالجملة: الفرق بين تسليم الجزئي الذي وقعت عليه الاجارة، وبين تسليم الجزئي الذي هو مصداق لما وقعت عليه بأنه يكفي في الاول تسليم العامل ولا يكفي في الثاني، غير ظاهر. (1) هذا قد يدعى عدم معقوليته، لان الضمان إن كان تداركا للخسارة فالحبس إنما يقتضي فوات فائدة لا الوقوع في خسارة. وإن كان اشتغال الذمة بالبدل، فمنافع الحر - كنفس الحر - ليس لها أثر في نظر الشارع كي يمكن تعقل البدلية عنها، لعدم كونها مملوكة للحر، ولاهي معنونة بعنوان مثل كونها صدقة أو نحوها، كي يمكن اعتبار البدلية للمضمون به، كما في إتلاف الوقف أو العين الزكوية، فان العين في المقامين غير مملوكة لمالك على التحقيق، لكن معنونة بعنوان كونها وقفا أو زكاة، فيمكن قيام البدل مقامها في حفظ العنوان المذكور، وفي المقام منافع الحر كنفس الحر ليست كذلك، فلا معنى لاعتبار البدلية لشئ عنها. مضافا إلى أن مقتضى الجمود على قاعدة الاتلاف - التي هي دليل الضمان - الاختصاص بما كان مالا للغير. فتأمل. (2) لصيرورة المنفعة محرمة، فيمتنع أكل المال بأزائها، لانه أكل بالباطل.

 

===============

 

( 50 )

 

[ المستأجر، بطلت الاجارة (1). وكذا إذا تلفت عقيب قبضها بلا فصل. وأما إذا تلفت بعد استيفاء منفعتها في بعض المدة، فتبطل بالنسبة إلى بقية المدة، فيرجع من الاجرة بما قابل المتخلف من المدة، إن نصفا فنصف، وإن ثلثا فثلث، مع تساوي الاجزاء بحسب الاوقات، ومع التفاوت تلاحظ النسبة. (مسألة 5): إذا حصل الفسخ في أثناء المدة بأحد ] (1) بلا خلاف نعلمه، كما في محكي التذكرة. ونحوه في الجواهر. وقد يستدل على ذلك: بأن مبنى عقود المعاوضة على المعاوضة الاعتبارية والخارجية التي هي تبديل سلطنة بسلطنة، فتعذره يقتضي انتفاءها. وأشكل عليه في الجواهر: بأن ذلك خلاف ما ذكروه في مسألة تلف المبيع قبل القبض من أنه خلاف الاصل، ثبت بدليل خاص بالبيع، ولاوجه للتعدي إلى غيره. اللهم إلا أن يكون التعدي إلى المقام دليل على فهم ذلك من الدليل. هذا والتحقيق أن الوجه في البطلان: ما سيأتي من أن اعتبار المنفعة إنما يصح في ظرف وجود العين فعلا، فمع التلف قبل القبض لا منفعة حتى يصح اعتبار الاجارة، وعليه فبطلان الاجارة من أصلها - كما نسب إلى العلامة (ره) - لامن حين التلف كما هو ظاهر المشهور هنا، بل المتسالم عليه في تلف المبيع قبل القبض، لان ظرف المعاوضة في البيع العين، وهي حاصلة وقت البيع، بخلاف الاجارة، فان وجود العين في زمان غير كاف في اعتبار المنفعة في الازمنة اللاحقة، فإذا تلفت العين في زمان كشف ذلك عن عدم المنفعة، فلا تنعقد الاجارة من أصلها، وإن كان ظاهر المشهور كون البطلان من حين التلف، كالبطلان في البيع. وسيأتي ذلك في المسألة السابعه.

 

===============

 

( 51 )

 

[ أسبابه، تثبت الاجرة المسماة بالنسبة إلى ما مضى، ويرجع منها بالنسبة إلى ما بقي - كما ذكرنا في البطلان - على المشهور (1) ويحتمل قريبا أن يرجع تمام المسمى، ويكون للمؤجر أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى، لان المفروض أنه يفسخ العقد الواقع أولا، ومقتضى الفسخ عود كل عوض إلى مالكه، بل يحتمل ] (1) فانه ذكر في الشرائع: أنه لو تجدد فسخ، صح فيما مضى وبطل في الباقي. ولم يتعرض في الجواهر والمسالك وغيرهما - في شرح العبارة المذكورة - لشبهة أو إشكال. وكذا ذكر في الارشاد، فيما لو انهدم المسكن ففسخ: أنه يرجع بنسبة المتخلف ولم يتعرض في مجمع البرهان للاشكال فيه. وكذا ذكره في الحدائق من دون نقل خلاف أو إشكال. ولم أقف على من تعرض لخلاف فيه. بل يظهر من كلماتهم أنه من المسلمات. وقد ادعى بعض الاعيان: ظهور اتفاقهم عليه. وعن بعض توجيهه: بعدم تعقل الفسخ فيما مضى، لانعدامه، فلا معنى لانتقاله بالفسخ إلى المؤجر. وفيه: أن الانتقال من الاعتبارات الصالحة للتعلق بالمعدوم، كالموجود. مع أنه منقوض باجارة العين فضولا، فان المنفعة قبل الاجارة ملك لمالك العين، وبعد الاجارة ملك للمستأجر. نعم قد يشكل ذلك من جهة أن الفسخ إنما يكون من حينه، لامن حين حدوث العقد. وفيه: أنه مسلم، لكن بالاضافة إلى تمام مضمون العقد، فلا يجوز الفسخ بالنسبة إلى بعضه دون بعض، وفي الاجارة المنافع التدريجية بحسب تدرج الزمان، أبعاض موضوع واحد لا يجوز التفكيك بينها فيه، فإذا وقع الفسخ وقع بالنسبة إلى الجميع. ولا مجال للمقايسة بالتلف في أثناء المدة، فان البطلان في ذلك من أول الامر، نظير تبعض الصفقة. ويشهد لما ذكرنا ما هو المعروف المدعى عليه الاجماع: أنه لا يجوز

 

===============

 

( 52 )

 

[ أن يكون الامر كذلك في صورة البطلان أيضا، لكنه بعيد (1). (مسألة 6): إذا تلف بعض العين المستأجرة، تبطل بنسبة، ويجئ خيار تبعيض الصفقة. (مسألة 7): ظاهر كلمات للعلماء: أن الاجرة من حين العقد مملوكة للمؤجر بتمامها، وبالتلف - قبل القبض أو بعده أو في أثناء المدة - ترجع إلى المستأجر كلا أو بعضا من حين البطلان، كما هو الحال عندهم في تلف المبيع قبل القبض لا أن يكون كاشفا عن عدم ملكيتها من الاول. وهو مشكل لان مع التلف ينكشف عدم كون المؤجر مالكا للمنفعة إلى ] التبعيض في الرد إذا ظهر عيب في بعض المبيع، كما لو باعه ثوبا وخاتما فتبين عيب في الثوب. ويشير إليه ما ذكروه من وجوب مطابقة القبول مع الايجاب، فلو قبل في بعض المبيع لم يصح العقد. لكن الظاهر بناؤهم على جواز التبعيض في مالو كان بعض المبيع حيوانا، فانه يثبت فيه خيار الحيوان، ويجوز رد الحيوان دون البعض الآخر. بل المشهور جواز الاقالة في بعض المبيع دون بعض، ولم ينقل الخلاف في ذلك إلا من ابن المتوج، على ما حكاه عنه الشهيد. والانصاف: أن المرتكزات العرفية لا تساعد على التبعيض في المقامين وإطلاقات مشروعية الاقالة والفسخ في مورده لا يصلح لاثبات قابلية المحل ومع الشك في القابلية يرجع إلى أصالة عدم ترتب الاثر. وهذا بخلاف مسألتنا، فان الارتكاز العرفي يساعد على التبعيض، ولعله هو الوجه في التسالم والاتفاق ظاهرا عيه. فلاحظ. (1) سيأتي وجهه في المسألة التاسعة.

 

===============

 

( 53 )

 

[ تمام المدة، فلم ينتقل ما يقابل المتخلف من الاول إليه. وفرق واضح بين تلف المبيع قبل القبض، وتلف العين هنا، لان المبيع حين بيعه كان مالا موجودا قوبل بالعوض، وأما المنفعة في المقام فلم تكن موجودة حين العقد، ولا في علم الله، إلا بمقدار بقاء العين. وعلى هذا فإذا تصرف في الاجرة، يكون تصرفه بالنسبة إلى ما يقابل المتخلف فضوليا. ومن هذا يظهر: أن وجه البطلان في صورة التلف كلا أو بعضا انكشاف عدم الملكية للمعوض. (مسألة 8): إذا آجر دابة كلية ودفع فردا منها فتلف، لا تنفسخ الاجارة، بل ينفسخ الوفاء (1)، فعليه أن يدفع فردا آخر. (مسألة 9): إذا آجره داراد فانهدمت، فان خرجت عن الانتفاع بالمرة بطلت، فان كان قبل القبض أو بعده قبل أن يسكن فيها أصلا رجعت الاجرة بتمامها، وإلا فبالنسبة، ويتحمل تمامها في هذه الصورة أيضا، ويضمن أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى. لكنه بعيد (2). وإن أمكن الانتفاع بها ] (1) لكون المدفوع ليس فرد الموضوع الاجارة. (2) بلا خلاف في ذلك ولا إشكال، كما في الجواهر. وكأنه لانحلال العقد إلى عقود متعددة، بتعدد مراتب المنفعة في الازمنة التدريجية ولا تلازم بينها في الصحة والبطلان، وإن كانت متلازمة في الفسخ، نظير موارد تبعض الصفقة، بل المقام منه. ويستفاد ذلك - هنا - من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة، الوارد بعضها فيمن استأجر دابة إلى

 

===============

 

( 54 )

 

[ مع ذلك، كان للمستأجر بين الابقاء والفسخ (1). وإذا فسخ كان حكم الاجرة ما ذكرنا. ويقوى هنا رجوع تمام المسمى مطلقا، ودفع أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى، لان هذا مقتضى فسخ العقد كما مر سابقا. وإن انهدم بعض بيوتها بقيت الاجارة بالنسبة إلى البقية (2)، وكان للمستأجر خيار تبعض الصفقة. ولو بادر المؤجر إلى تعميرها، بحيث لم يفت الانتفاع أصلا، ليس للمستأجر الفسخ حينئذ على الاقوى، خلافا للثانيين (3). ] مسأفة فأعيت (* 1)، وبعضها فيمن استأجر أجيرا ليحفر له بئرا فأعيى (* 2) وفيمن استأجر أجيرا ليحج فمات (* 3). وبالجملة: المقام من البطلان في البعض من أول الامر، كما هو باب تبعض الصفقة، لامن باب البطلان الطارئ بالفسخ، فليسا هما من باب واحد. ثم إنه تقدم من المصنف (ره) في المسألة الرابعة: الجزم بالبطلان في البعض دون البعض. (1) هذا الخيار من قبيل خيار الرؤية، لتخلف الوصف. (2) يعني: وبطلت بالنسبة إلى ما انهدم. (3) يعني: المحقق والشهيد الثانيين، فقد اختار الاول في الجامع، والثاني في المسالك: أن للمستأجر الفسخ وإن لم يفت الانتفاع أصلا، لثبوت الخيار بالانهدام، فيستصحب، إذ لم يدل دليل على سقوطه بالاعادة. وفي الجواهر: " قد يناقش فيه بمنع ما يدل على ثبوته بالانهدام، من حيث كونه انهداما، وإن لم يفت به شئ من المنفعة على وجه تنقطع به

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من ابواب احكام الاجارة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 35 من أبواب احكام الاجارة حديث: 1، 2. (* 3) الوسائل باب: 15 من أبواب نيابة الحج.

 

===============

 

( 55 )

 

[ (مسألة 10): إذا امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه، وإن لم يمكن إجباره كان للمستأجر فسخ الاجارة والرجوع بالاجرة (1)، وله الابقاء ومطالبة عوض المنفعة الفائتة. وكذا إن أخذها منه بعد التسليم، بلا فصل أو في أثناء المدة (2). ومع الفسخ في الاثناء يرجع بما يقابل ] أصالة اللزوم، اللهم إلا أن يستبعد الفرض، وهو خروج عن محل الفرض ". أقول: أبعاض العين المستأجرة: منه ما يكون انهدامه موجبا لفوات المنفعة حين الانهدام، ومنه مالا يكون كذلك، لاختصاص الانتفاع به بغير زمان الانهدام، كما إذا انهدم درج السطح أو السرداب في أيام الشتاء فانه لا يوجب نقصا في المنفعة. أما القسم الثاني: فلا ينبغي التأمل في عدم اقتضائه البطلان. وأما القسم الاول: فان كان فوات المنفعة بنحو بعتد به، فلا ينبغي التأمل في البطلان فيه، لانتفاء المعاوضة بالنسبة إليه، لانتفاء موضوعها. وإن كان بنحو لا يعتد به، فالظاهر عدم اقتضائه البطلان ولا الخيار. ومما ذكرنا يظهر جريان ما ذكر في انهدام الكل، وتجئ فيه الاحكام. فإذا انهدام الدكان في أثناء الليل فأعاده قبل الصبح لم يقتض شيئا. ولعله أشار بعض الاعاظم في حاشيته إلى ما ذكرنا. فراجع. (1) كما حكي عن جماعة، واختاره في الشرائع، لان مبنى المعاوضات على التسليم، فمع تعذره يثبت الخيار. وعن الشيخ والعلامة في التذكرة: انفساخ الاجارة، تنزيلا لذلك منزلة التلف قبل القبض. وهو كما ترى، إذ التلف يكشف عن انتفاء المنفعة، ولا موجب لهذا التنزيل. (2) لان المنفعة لما كانت تدريجية فأخذ العين بعد القبض يوجب عدم تحقق القبض بالنسبة إلى المنفعة اللاحقة، ولذا نسب الخيار المذكور إلى جماعة. لكن في جامع المقاصد وعن المسالك: لزوم العقد لتحقق

 

===============

 

( 56 )

 

[ التخلف من الاجرة. ويحتمل قويا رجوع تمام الاجرة ودفع أجرة المثل لما مضى (1) - كما مر نظيره سابقا - لان مقتضى فسخ العقد عود تمام كل من العوضين إلى مالكهما الاول. لكن هذا الاحتمال خلاف فتوى المشهور. (مسألة 11): إذا منعه ظالم عن الانتفاع بالعين قبل القبض تخير بين الفسخ (2) والرجوع بالاجرة (3)، وبين الرجوع على الظالم بعوض ما فات. ويحتمل قويا تعين الثاني (4) وإن كان منع الظالم أو غصبه بعد القبض يتعين الوجه الثاني (5) ] التسليم المعتبر في اللزوم بالتسليم قبل الاخذ. وهو غير بعيد، لان القبض المعتبر ارتكازا عند العرف به قبض العين، وإن كان لا يخلو من خفاء. (1) كما تقدم منه (ره)، وتقدم تقريبه. (2) لما سبق في منع المؤجر. (3) على المالك المؤجر. وفي جامع المقاصد وعن غيره: احتمال جواز الرجوع إلى المؤجر بأجرة المثل، لانها مضمونة عليه. لكن دفعه في المسالك: بأن ضمان المؤجر ضمان المعاوضة، بمعنى: الرجوع إلى المسمى بعد الفسخ أو الانفساخ لا ضمان يد، كما هو ظاهر. (4) لكن الاقوى خلافه، لما عرفت من أن تعذر التسليم الذي عليه تبتني المعاوضة موجب للخيار، من دون فرق بين أن يكون لمنع المؤجر، أو لمنع الظالم، أو لغير ذلك. (5) بلا خلاف كما قيل. وما تقدم في أخذ المؤجر بعد التسليم غير آت هنا كما قيل. لكن الفرق لا يخلو من خفاء، فان منع الظالم قبل القبض إذا كان قادحا في حصول التسليم الذي تبتني عليه المعاوضة، كان

 

===============

 

( 57 )

 

[ فليس له الفسخ حينئذ، سواء كان بعد القبض في ابتداء المدة أم في أثنائها. ثم لو أعاد الظالم العين المستأجرة في أثناء المدة إلى المستأجر فالخيار باق (1)، لكن ليس له الفسخ إلا في الجميع. وربما يحتمل جواز الفسخ بالنسبة إلى ما مضى من المدة في يد الغاصب (2)، والرجوع بقسطه من المسمى واستيفاء باقي المنفعة. وهو ضعيف، للزوم التبعيض في العقد، وإن كان يشكل الفرق بينه وبين ما ذكر من مذهب المشهور من ابقاء العقد فيما مضى وفسخه فيما بقي، إذ اشكال تبعيض العقد مشترك بينهما. (مسألة 12): لو حدث للمستأجر عذر في الاستيفاء - كما لو استأجر دابة لتحمله إلى بلد، فمرض المستأجر ولم يقدر - فالظاهر البطلان، ] مانعا كذلك بعد القبض بالاضافة إلى المنفعة اللاحقة. (1) قطعا، كما في جامع المقاصد، لفوات المعقود عليه وهو مجموع المنفعة، ولانه قد ثبت له الخيار بالغصب والاصل بقاؤه. لكن الاصل لا يعارض عموم لزوم العقود. فالعمدة الوجه الاول. (2) قال في القواعد: " فيه نظر ". وفي جامع المقاصد: " ينشأ من أن فوات المنفعة - وهي المعوض - يقتضي الرجوع إلى العوض، وهو الاجرة المسماة، والفوات في هذه الصورة مختص بالمنفعة الماضية، فاستحق الفسخ فيها. ومن أن ذلك مقتض لتبعض الصفقة، وهو خلاف مقتضى العقد، فاما أن يفسخ في الجميع أو يمضي في الجميع... إلى أن قال: وهو الاصح ".

 

===============

 

( 58 )

 

[ إن اشترط المباشرة (1) على وجه القيدية (2). وكذا لو حصل له عذر آخر. ويحتمل عدم البطلان (3). نعم لو كان هناك عذر عام بطلت قطعا (4)، لعدم قابلية العين للاستيفاء حينئذ (5). (مسألة 13): التلف السماوي للعين المستأجرة أو لمحل العمل موجب للبطلان، ومنه إتلاف الحيوانات. وإتلاف ] (1) لتعذر المنفعة المشروطة، ومع عدم المنفعة لا مجال لصحة الاجارة. ولا يكفي في الصحة مجرد قابلية العين للمنفعة في نفسها، كما لا يخفى بعد التأمل. (2) بأن تؤخذ المباشرة قيدا على نحو وحدة المطلوب. أما إذا كان أخذها على نحو تعدد المطلوب، كما لصاحب الشرط الخيار، نظير مالو باعه شيئا موصوفا فتعذر الوصف، فالمستأجر يكون له الخيار بين الفسخ والرضا بذات المقيد. (3) قال في القواعد: " ولو حدث خوف منع المستأجر من الاستيفاء - كما لو استأجر جملا للحج فتنقطع السابلة - فالاقرب تخير كل من المؤجر والمستأجر في الفسخ والامضاء ". وفيه: ما عرفت. مع أن الوجه في تخير المؤجر لا يخلو من خفاء، إذ لا خلل في مقصده. (4) لكن في القواعد: " لو استأجر دارا للسكنى، فحدث خوف عام يمنع من السكنى في ذلك البلد في تخير المستأجر نظر ". وفي جامع المقاصد: " في ثبوت التخيير قوة ". وفيه: ما عرفت من عدم المنفعة التي هي شرط صحة الاجارة، وقد تقدم: أن في حاق الاجارة المعاوضة على المنفعة، ولا مجال لتحقق المعاوضة مع عدم المنفعة خارجا. (5) عبارة التعليل لا تخلو من مسامحة.

 

===============

 

( 59 )

 

[ المستأجر بمنزلة القبض (1)، وإتلاف المؤجر موجب للتخيير بين ضمانه والفسخ (2). وإتلاف الاجنبي موجب لضمانه (3). والعذر العام بمنزلة التلف. وأما العذر الخاص بالمستأجر - كما إذا استأجر دابة لركوبه بنفسه فمرض ولم يقدر على المسافرة أو رجلا لقلع سنه فزال ألمه، أو نحو ذلك - ففيه اشكال. ولا يبعد أن يقال: إنه يوجب البطلان إذا كان بحيث لو كان قبل العقد لم يصح معه العقد (4). (مسألة 14): إذا آجرت الزوجة نفسها بدون إذن الزوج فيما ينافي حق الاستمتاع وقفت على إجازة الزوج، بخلاف ما إذا لم يكن منافيا، فانها صحيحة. وإذا اتفق إرادة الزوج للاستمتاع كشف عن فسادها. ] (1) لا يخلو من إشكال، لان اعتبار المنفعة عند العقلاء تابع لوجود العين خارجا، ولا يكفي فيه الوجود الفرضي ولو كان ذميا. ومنه يظهر الاشكال فيما بعده، وإن كان يظهر من الجواهر وغيرها التسالم عليه. (2) أما الضمان: فلان إتلاف العين اتلاف للمنفعة، وهو موجب لضمانها. وأما الفسخ: فلتخلف المقصود، وهو الانتفاع الخاص بالعين. ويظهر من كلام غير واحد: المفروغية عن ثبوت الخيار لذلك. (3) الموجب للفسخ في إتلاف المؤجر موجود هنا أيضا، فالفرق بينهما في ذلك غير ظاهر. (4) بأن يكون موضوع المعاوضة خصوص انتفاع شخص المستأجر، أما إذا كان التقييد على نحو تعدد المطلوب يكون المقام من باب تخلف الوصف، كما عرفت.

 

===============

 

( 60 )

 

[ (مسألة 15): قد ذكر سابقا: ان كلا من المؤجر والمستأجر يملك ما انتقل إليه بالاجارة بنفس العقد، ولكن لا يجب تسليم احدهما إلا بتسليم الآخر. وتسليم المنفعة بتسليم العين. وتسليم الاجرة باقباضها إلا إذا كانت منفعة ايضا، فبتسليم العين التي تستوفى منها. ولا يجب على واحد منهما الابتداء بالتسليم. ولو تعاسرا أجبرهما الحاكم. ولو كان احدهما باذلا دون الآخر ولم يمكن جبره كان للاول الحبس. إلى أن يسلم الآخر. هذا كله إذا لم يشترط في العقد تأجيل التسليم في احدهما، وإلا كان هو المتبع. هذا وأما تسليم العمل: فان كان مثل الصلاة والصوم والحج والزيارة ونحوها فبإتمامه، فقبله لا يستحق المؤجر المطالبة وبعده لا يجوز للمستأجر المماطلة، إلا أن يكون هناك شرط أو عادة في تقديم الاجرة، فيتبع، وإلا فلا يستحق حتى لو لم يمكن له العمل إلا بعد أخذ الاجرة، كما في الحج الاستئجاري إذا كان المؤجر معسرا. وكذا في مثل بناء جدار داره أو حفر بئر في داره أو نحو ذلك (1)، فان إتمام العمل تسليم، ولايحتاج إلى شئ آخر. وأما في مثل الثوب الذي أعطاه ] (1) لا يظهر الفرق بين بناء الجدار وحفر البئر وخياطة الثوب، في أن كل واحد منها له أثر خارجي، لا يكون تسليم الاثر إلا بتسليم المحل ولعل المراد: صورة ما إذا كانت الدار التي فيها الجدار والبئر في يد المالك، فحينئذ لاريب في حصول التسليم بمجرد تمام العمل. ولعله ظاهر العبارة الآتية.

 

===============

 

( 61 )

 

[ ليخيطه، أو الكتاب الذي يكتبه، أو نحو ذلك مما كان العمل في شئ بيد المؤجر: فهل يكفي إتمامه في التسليم، فبمجرد الاتمام بستحق المطالبة، أو لا إلا بعد تسليم مورد العمل، فقبل أن يسلم الثوب - مثلا - لا يستحق مطالبة الاجرة؟ قولان، أقواهما: الاول (1)، لان المستأجر عليه نفس العمل، والمفروض ] (1) كما اختاره في الجواهر. تبعا لما في الشرائع وظاهر غيرها، للوجه المذكور في المتن. والثاني: ظاهر القواعد، وحكي عن جملة أخرى، واختاره بعض الاعاظم في حاشيته فقال: " بل الثاني، وضابط ذلك هو: أنه لما كانت مالية العمل باعتبار نفس صدوره من العامل - كالعبادات مثلا وحفر البئر وبناء الجدار وحمل المتاع ونحوه من مكان إلى آخر - فالفراغ عن العمل تسليمه. وإن كان الاثر المتولد منه هو مناط ماليته - كالخياطة والقصارة والصياغة ونحو ذلك - فذلك الاثر بملك تبعا لتملك العمل، ويتوقف تسليم ما آجر نفسه له على تسليمه بتسليم مورده على الاقوى. ولو تلف قبل ذلك بعد الفراغ عن العمل المستأجر له - كالخياطة مثلا - كان بالنسبة إلى متعلق الاجارة من التلف قبل القبض الموجب لانفساخها. ولو أتلفه المؤجر أو أجنبي يتخير المالك في فسخ الاجارة. فيستوفي قيمة الثوب غير مخيط ممن أتلفه، أو امضائها فيستوفي قيمته مخيطا، ويدفع إلى العامل قيمة الخياطة، ويثبت للعامل حق حبس العين بعد إتمام العمل إلى ان يستوفي أجرته ". أقول: قوله في الحاشية المذكورة: " كالعبادات " لا يخلو من نظر، فان مالية الافعال المذكورة إنما هو بلحاظ ما يترتب عليها من الآثار، لابلحاظها في نفسها، ولاسيما في مثل بناء الجدار، فان الفرق بينه وبين خياطة الثوب في غاية الخفاء. فان الصفة الحادثة في الثوب من الخياطة

 

===============

 

( 62 )

 

بعينها الصفة الحادثة في الجدار من البناء. وهي في المقامين منشأ الرغبة في العمل، التي هي الموجب لاعتبار المالية فيهما. وربما يحتمل أن يكون وجه الفرق بين الامثلة المذكورة: أن الاثر المترتب على العمل في القسم الاول ليس له وجود خارجي، فان نقل المتاع من مكان إلى آخر، إنما يترتب عليه إضافة الظرفية إلى المكان الثاني، وليس هناك وجود زائد على وجود الظرف والمظروف، ونحوه بناء الجدار، وحفر البئر، إذ لا يترتب على الاول إلا اتصال الحجارة بالطين، ولا على الثاني إلا فصل التراب عن موضعه. وكذا أمثالها مما لا يترتب على الاعمال فيها إلا الاضافات الخاصة، بخلاف مثل صبغ الثوب، فان اللون موجود خارجي زائد على موضوعه. وفيه: أن ذلك جار بعينه في مثل الخياطة والصياغة، فان المترتب عليه ليس إلا الهيئة الخاصة، الحاصلة من تقارب الاجزاء أو تواصلها. مع أن كون الامور المذكورة ليست موجودات خارجية وأنها اضافات خارجية لا يستوجب الفرق بينها وبين مثل السواد والبياض في الحكم المذكور، فان العرف لا يفرق بينهما في جميع الاحكام، فان كل مثل السواد والبياض مملوكا فهي أيضا مملوكة، وإن كان مثلها مناط المالية فهي أيضا كذلك، وإن كان مثلها مما تصح الاجارة عليه فهي أيضا كذلك، وإن كان تسليم العمل بتسليمها فهي أيضا كذلك، فالفرق بينهما غير ظاهر. قوله - في الحاشية -: " تبعا لتملك ": لاإشكال في أن الاثر يملك تبعا للعمل، لانه متولد منه، إلا أن هذا المقدار لا يستوجب كون الاثر موضوعا للمعاوضة المأخوذة في حاق الاجارة، لمباينته للعمل الذي هو تمام موضوعها، وحينئذ لا يكون عقد الاجارة موجبا لتسليمه في ظرف تسلم الاجرة. هذا مضافا إلى أن تملك الاثر بالتبعية لا يتوقف على كون

 

===============

 

( 63 )

 

[ أنه قد حصل، لا الصفة الحادثة في الثوب - مثلا - وهي المخيطة (1)، حتى يقال: إنها في الثوب وتسليمها بتسليمه. وعلى ما ذكرنا: فلو تلف الثوب - مثلا - بعد تمام الخياطة في يد المؤجر بلا ضمان يستحق أجرة العمل، بخلافه على القول الآخر (2). ولو تلف مع ضمانه أو أتلفه، وجب عليه قيمته ] مالية العمل بلحاظ ترتبه، فانه لو كانت مالية العمل بلحاظ نفسه، وكان يترتب عليه أثر عيني خارجي أيضا يكون مملوكا لمالك. فالضابط - على هذا - ينبغي أن يكون هكذا: يعني: أن العمل المستأجر عليه قسمان: الاول: مالا يكون له أثر في موضوع. والآخر: ما يكون له أثر عيني في موضوع. فالاول: لاإشكال في حصول تسليمه باتمامه، واستحقاق الاجرة به. والثاني: فيه القولان المذكوران. قوله - في الحاشية -: " يتخير المالك ": يعني: لا تبطل الاجارة بالتلف المذكور، لان التالف لما كان مضمونا لم يكن من التلف قبل القبض، بل من قبيل تخلف الوصف قبل القبض، الموجب للخيار. (1) لانها عين، والاجارة انما تكون على المنفعة التي تنطبق على العمل لا على العين. (2) فانه لا يستحق الاجر، لبطلان الاجارة بالتلف قبل القبض. لكن هذا مبني على التعدي من البيع إلى الاجارة، وهو غير ظاهر كما تقدم في المسألة السابعة، وتعرضنا له في شرح المسألة الرابعة. إلا أن يقال: إذا كان وجوب التسليم مشروطا بامكانه، فمع التلف لا يجب التسليم، وإذا كان الشئ لا يجب تسليمه أبدا لا يصح اعتبار الملكية له. لكن ذلك غير البطلان. أو أن مقصودهم من أن التلف موجب للبطلان: أنه لا يجب معه التسليم.

 

===============

 

( 64 )

 

مع وصف المخيطية لاقيمته قبلها، وله الاجرة المسماة. بخلافه على القول الآخر، فانه لا يستحق الاجرة وعليه قيمته غير مخيط. وأما احتمال عدم استحقاقه الاجرة مع ضمانه القيمة مع الوصف. فبعيد، وإن كان له وجه (1). وكذا يتفرع على ما ذكر: أنه لا يجوز حبس العين بعد إتمام العمل إلى أن يستوفي الاجرة (2)، فانها بيده أمانة، إذ ليست هي ولا الصفة التي فيها موردا للمعاوضة، فلو حبسها ضمن، بخلافه على القول الآخر. ] (1) يمكن أن يكون الوجه فيه ما أشرنا إليه، من عدم بطلان الاجارة بالتلف، غاية الامر أنه لا يستحق الاجير المطالبة بالاجرة، ولا يجب على المستأجر تسليمها، إذ على هذا تكون الصفة ملكا للمستأجر، فيضمنها الاجير للمستأجر، ولا تجوز له المطالبة بالاجرة. نعم بناء على أن التلف قبل القبض موجب للبطلان في الاجارة كالبيع يكون التلف موجبا لرجوع العمل ملكا للعامل، فيتبعه أثره، ولا موجب لضمان العامل، لانه له لا لغيره. لكن يشكل هذا الوجه: بأن الصفة إذا كانت مضمونة للمستأجر فقد سلمت إليه بدفع البدل، فيجب عليه دفع الاجرة لحصول التسليم من طرفه، ولافرق في ذلك بين القول بكون الضمان معاوضة، وكونه تدارك خسارة، لان تدارك الخسارة أيضا نوع من التسليم، فيجب معه التسليم من الطرف الآخر. وإن شئت قلت: الاصل وجوب التسليم الا ما خرج، والمتيقن منه صورة عدم التسليم من الطرف الآخر من كل وجه. فلاحظ. (2) كما جزم به في القواعد. وفي الجواهر: أنه مناف لما سبق منه

 

===============

 

( 65 )

 

[ (مسألة 16): إذا تبين بطلان الاجارة رجعت الاجرة إلى المستأجر، واستحق المؤجر أجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من المنفعة (1)، أو فاتت تحت يده (2) إذا كان جاهلا بالبطلان، خصوصا مع علم المستأجر (3). وأما إذا كان عالما فيشكل ضمان المستأجر، خصوصا إذا كان جاهلا، لانه بتسليمه العين إليه قد هتك حرمة ماله، خصوصا إذا كان البطلان من جهة جعل الاجرة مالا يتمول شرعا أو عرفا، أو إذا كان أجرة بلا عوض. ودعوى: أن إقدامه وإذنه في الاستيفاء إنما هو بعنوان الاجارة، والمفروض عدم تحققها، فاذنه مقيد بما لم يتحقق. مدفوعة: بأنه إن كان المراد كونه مقيدا بالتحقق شرعا فممنوع، إذ مع فرض العلم بعدم ] من عدم استحقاق الاجرة باتمام العمل. (1) العمدة في دليله الاجماع. والاستدلال له بما دل على احترام مال المسلم (* 1) أو قاعدة الضرر (* 2)، غير ظاهر، كما حرر ذلك في قاعدة: (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده). مضافا إلى ما يستفاد من صحيح أبي ولاد المشهور (* 3)، فانه تضمن ضمان الانتفاعات المستوفاة. (2) دليله غير ظاهر، والاجماع المدعى عليه في التذكرة لا مجال للركون إليه، لنقل الخلاف من جماعة، كما حرر ذلك في محله. (3) فانه في هذه الحال يكون آثما عاصيا، فأولى أن يؤخذ بأشق الاحوال.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 152 من أبواب احكام العشرة حديث: 12 وباب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1، 3. (* 2) تقدمت الاشارة إلى مستند القاعدة من النصوص في صفحة: 39. (* 3) الوسائل باب: 17 من أبواب احكام الاجارة حديث: 1.

 

===============

 

( 66 )

 

[ الصحة شرعا لا يعقل قصد تحققه إلا على وجه التشريع المعلوم عدمه (1). وإن كان المراد تقيده بتحققها الانشائي فهو حاصل. ومن هنا يظهر حال الاجرة أيضا، فانها لو تلفت في يد المؤجر يضمن عوضها، إلا إذا كان المستأجر عالما ببطلان الاجارة ومع ذلك دفعها إليه. نعم إذا كانت موجودة له أن يستردها. هذا وكذا في الاجارة على الاعمال، إذا كانت باطلة يستحق العامل أجرة المثل لعمله، دون المسماة إذا كان جاهلا بالبطلان. وأما إذا كان عالما فيكون هو المتبرع بعمله، سواء كان بأمر من المستأجر، أو لا، فيجب عليه رد الاجرة المسماة أو عوضها، ولا يستحق أجرة المثل. وإذا كان المستأجر أيضا عالما فليس له مطالبة الاجرة مع تلفها، ولو مع عدم العمل من المؤجر. (مسألة 17): يجوز إجارة المشاع، كما يجوز بيعه وصلحه وهبته، ولكن لا يجوز تسليمه إلا باذن الشريك إذا كان مشتركا. نعم إذا كان المستأجر جاهلا بكونه مشتركا كان له خيار الفسخ للشركة، وذلك كما إذا آجره داره فتبين أن ] (1) هذا غير ظاهر، بل المرتكز في ذهن المتعاملين في أمثال المقام قصد المعاملة الشرعية بالسبب الخاص، فالتشريع يكون في السبب، والدفع يكون مقيدا بملكية المدفوع إليه شرعا، وإن كان لاجل التشريع في سببها. وهكذا الكلام في الاجرة وإجارة العامل، فان الدفع في جميع ذلك إنما كان بعنوان استحقاق المدفوع إليه، لا بعنوان كونه غير مستحق له، بل مستحق للدافع والعامل، والتبرع الخارج عن عموم الضمان مختص بالاخير لاغير.

 

===============

 

( 67 )

 

[ نصفها للغير، ولم يجز ذلك الغير، فان له خيار الشركة، بل وخيار التبعض. ولو آجره نصف الدار مشاعا، وكان المستأجر معتقدا أن تمام الدار له فيكون شريكا معه في منفعتها، فتبين أن النصف الآخر مال الغير فالشركة مع ذلك الغير، ففي ثبوت الخيار له حينئذ وجهان (1). لا يبعد ذلك إذا كان في الشركة مع ذلك الغير منقصة له. (مسألة 18): لا بأس باستئجار اثنين دارا على الاشاعة، ثم يقتسمان مساكنهما بالتراضي أو بالقرعة (2). ] (1) أقواهما عدمه، لان الموجب للخيار تخلف المقصود العقدي. وكون الشريك زيدا أو عمرا لادخل له في ذلك. (2) هذا من قبيل المنافع، وقد صرح جماعة - منهم العلامة في القواعد - بعدم وجوب الاجابة إليها، ولو وقعت الاجابة جاز الفسخ حتى لو تصرف أحدهما على طبق القسمة. نعم لو تصرفا معا على طبق القسمه لم يجز الرجوع إلا بالتراضي، وكأنه لعدم الدليل على عموم الاجابة إليها، بل عدم الدليل أيضا على صحتها من حيث أنها قسمة، لاختصاص أدلة مشروعيتها بقسمة الاعيان، ولا تشمل المنافع، نعم لو وقع الصلح بينهم على القسمة كان لازما، عملا بعموم دليله. اللهم إلا أن يتمسك بعموم الوفاء بالعقود، فانها نوع منها، وحينئذ يجب البناء على لزومها، ولا يصح الرجوع عنها. نعم لا تجب الاجابة إليها لعدم الدليل عليه، ولكونه خلاف قاعدة السلطنة. وأما التفكيك بين تصرفهما وتصرف أحدهما، فيجوز الرجوع في الثاني دون الاول، فغير ظاهر الوجه، لانها إن كانت جائزة بعد تصرف أحدهما فقط فلتكن

 

===============

 

( 68 )

 

[ وكذا يجوز استئجار اثنين دابة للركوب على التناوب، ثم يتفقان على قرار بينهما بالتعيين، بفرسخ فرسخ، أو غير ذلك وإذا اختلفا في المبتدئ يرجعان إلى القرعة. وكذا يجوز استئجار اثنين دابة - مثلا - لاعلى وجه الاشاعة. بل نوبا معينة بالمدة أو بالفراسخ. وكذا يجوز إجارة اثنين نفسهما على عمل معين على وجه الشركة، كحمل شئ معين لا يمكن إلا بالمتعدد. (مسألة 19): لا يشترط اتصال مدة الاجارة بالعقد على الاقوى، فيجوز أن يؤجره داره شهرا متأخرا عن العقد بشهر أو سنة، سواء كانت مستأجرة في ذلك الشهر الفاصل أم لا. ودعوى البطلان (1) من جهة عدم القدرة على التسليم كما ترى، إذ التسليم لازم في زمان الاستحقاق لاقبله. هذا ولو آجره داره شهرا وأطلق، انصرف الاتصال بالعقد. نعم لو لم يكن انصراف بطل (2). ] جائزة بعد تصرفهما. وكأنه لذلك تنظر في الجواهر في الجملة فيما ذكره الجماعة. (1) حكي عن الشيخ وأبي الصلاح، وعلل بما في المتن. وظاهر محكي كلام الاول: أن الوجه فيه عدم الدليل على الصحة. وهو كما ترى، فان عموم الوفاء بالعقود كاف في الدلالة عليها. (2) للابهام.