فصل في أحكام الشركة

 [ فصل في أحكام الشركة وهي عبارة عن كون شئ واحد لاثنين أو أزيد ملكا أو حقا (1). وهي (إما واقعية قهرية) كما في المال أو الحق الموروث (وإما واقعية اختيارية) من غير استناد إلى عقد كما إذا أحيي شخصان أرضا مواتا بالاشتراك، أو حفرا بئرا، بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه اجمعين محمد وآله الغر الميامين الطيبين الطاهرين المعصومين. ] فصل في أحكام الشركة (1) قال في الشرايع: " الشركة اجتماع حقوق الملاك في الشئ الواحد على سبيل الشياع " ونحوه في القواعد وغيرها، بل هو المشهور. وفي جامع المقاصد. " في التعريف نظر، لانتقاضه بالشركة في القصاص، وحد القذف، والخيار، والرهن، والشفعة، ونحو ذلك، فانه ليس هناك ملك حقيقي، فلا مالك حقيقة. وقد صرحوا بأن هذا أحد أقسام الشركة الثلاثة ". وفيه: أن المراد من الملاك ما يشمل ذوي الحقوق التي منها ما ذكره، إذ الحقوق نوع من الاملاك، والحق نوع من الملك والاختلاف بينهما بحسب المورد لاغير، كما أوضحناه في بعض مباحث هذا الكتاب.

 

===============

 

( 4 )

 

[ أو اغترفا ماء، أو اقتلعا شجرا (وإما ظاهرية قهرية) (1) كما إذا امتزج مالهما من دون اختيارهما - ولو بفعل أجنبي - بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر، سواء كانا من جنس واحد، ] ولاجل ذلك صح التعبير بقوله: " اجتماع حقوق الملاك " إذ الحقوق لو كانت غير املاك لكانت الاضافة مجازية، إذ الملاك على هذا لا حقوق لهم، ولا تكون الحقوق إلا لاهل الحقوق، لا للملاك، كما هو ظاهر. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما ذكره المصنف عدولا عن تعريف المشهور، إذ زاد قوله (ره): " ملكا أو حقا " فرارا عن الاشكال المذكور. لما عرفت من عدم ورود الاشكال في نفسه. ونقص تقييد على سبيل الاشاعة مع الحاجة إليه، إذ لولاه لصدقت الشركة فيما إذا كان خشب البيت لشخص وسائر آلاته لآخر وأرضه لثالث، لصدق كون الشئ الواحد لاكثر من واحد، مع أنه لا شركة هنا، كما صرحوا بذلك. وحمل الواحد على البسيط الذي لا يتجزأ كما ترى. وكأن عذره أن الشركة التي يقصد تعريفها غير الشركة بالمعنى الشرعي، كما سيأتي في كلامه قريبا. (1) قال في الشرائع: " وكل مالين مزج أحدهما بالآخر بحيث لا يتميزان تحققت فيهما الشركة، اختيارا كان المزج أو اتفاقا " وألحقه في الجواهر بقوله: " مقصودا به الشركة أولا، بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه " وفي القواعد: " وتحصل الشركة بالمزج، سواء كان اختيارا أو اتفاقا " ونحوهما عبارات غيرهما. والظاهر منها كون الشركة واقعية تتبدل ملكية كل منهما للجزء المعين في نفس الامر بالجزء المشاع. لكن في الجواهر خص ذلك بما إذا كان المزج بقصد الشركة، أما إذا كان قهرا، - كما في مفروض كلام المصنف - أو اختيارا لا بقصدها فالمراد من الشركة الحكمية، يعنى تجري أحكام الشركة حينئذ ويعامل

 

===============

 

( 5 )

 

معاملتها في الاحكام، مع بقاء الملكية بمالها من تعلقها بالجزء المعين الخارجي في نفس الامر، بحيث لو فرض العلم ببعضه لاحدهما لم يكن للاخر شركة فيه، بل لو فرض بقاء ما ليس هو إلا لاحدهما أمكن حينئذ الرجوع إلى القرعة عند القائل بها في مثله... إلى آخر ما ذكر مما يرجع إلى نفي ملكية الجزء المشاع. وكأن هذا هو المراد من الظاهرية في عبارة المتن، بل في بعض عبارات الجواهر أيضا، فالمراد الشركة الحكمية الواقعية، لا الشركة على وجه الاشاعة لكنها ظاهرية، لان جعل هذه الملكية إما مع بقاء الملكية للجزء المعين أو مع انتفائها، فعلى الاول يلزم اجتماع ملكيتين في موضوع واحد لمالكين، وعلى الثاني لا مليكة واقعية سوى ملكية المشاع، فكيف تكون ملكية المشاع ظاهريه؟! اللهم إلا أن يكون مجرد اصطلاح. وكيف كان فما في الجواهر هو الذي تقتضيه القواعد العامة، ولا دليل على تبدل الملكية حقيقة، و الاصل عدمه. والاجماع على التبدل غير ثابت. ولا سيما بملاحظة أن سببية المزج للشركة لم يذكره الشيخ ولا غيره من القدماء، وإنما ذكره المتأخرون، على ما قيل. وعلى هذا لا يعتبر في حصول الشركة بالمعنى المذكور - أعني الحكمية - اتحاد الجنس، ولا اتحاد الوصف، بل تكون حتى مع تعدد الجنس وفقد التمييز - كما في مزج الدبس بالخل، ودقيق الحنطة بدقيق الشعير، ودهن الحيوان بدهن النبات ودهن اللوز بدهن الجوز - ومع وحدة الجنس واختلاف الوصف - كمزج الحنطة الحمراء بالصفراء - ومع اختلاف الجنس واختلاف الوصف - مثل خلط الماش بالرز، والحنطة بالشعير إذا فرض تعذر عزل بعضها عن بعض - فان الحكم في الجميع هو الشركة الحكمية، ولا وجه لذكر القيود المذكورة في كلامهم. وبالجملة: الشركة الحكمية - بمعنى ترتيب آثار الشركة وأحكامها - لا تتوقف على أكثر من الامتزاج، فيكفي ذلك فيه وإن

 

===============

 

( 6 )

 

كان تميز بين الاجزاء مثل الامثلة التي ذكرناها. ومن ذلك يظهر إشكال ما في الجواهر، فانه اعترف بأن الشركة في مزج المالمين حكمية واعتبر فيها عدم التمير بين الاجزاء. فلاحظ كلامه. هذا ولكن التحقيق: أن الامتزاج بين المالين الموجب لارتفاع التميز بينهما موجب للشركة الحقيقية - كما هو ظاهر الاصحاب وإن كانت أجزاء المالين متميزة في نفس الامر - فان ذلك من الاحكام العرفية الممضاة لدى الشارع المقدس. بل إن ذلك - في الجملة - من الضروريات الفقهية والعرفية، وقد حكي عن التذكرة الاجماع عليه، وفي المسالك: أنه لا خلاف فيه. نعم قد يقع الاشكال في عموم الحكم وخصوصه، والمحكي عن المقداد أنه قال: " الفائدة الثانية: الشركة أمر حادث، وكل حادث لابد له من سبب، والسبب هنا قد يكون ارثا وقد يكون حيازة - كما لو اقتلعا شجرة، أو اغترفا ماء بآنية - وقد يكون مزجا، كما إذا مزجت الاجزاء المتساوية المصغرة بحيث لا يتميز جزؤ عن جزؤ كالادقة والادهان، لا كالحنطة والذرة والدخن والسمسم والدراهم الجدد والعتق ". والظاهر عدم الشركة في امتزاج الحنطة بمثلها والذرة بمثلها وكذا الدخن والسمسم. وحمله في الجواهر على إرادة عدم الشركة في امتزاج الامور المذكورة بغيرها، لا بمثلها. لكنه خلاف الظاهر جدا. وفي الشرايع: " أما ما لا مثل له - كالثوب والخشب والعبد - فلا يتحقق فيه المزج ". وحمل على أن المراد عدم الشركة في مزج القيميات مثل الثوب والعبد والخشب، فيكون ذلك تفصيلا فيه بين المثلي والقيمي. لكن الظاهر من عبارته اعتبار المزج في حصول الشركة، ولا يتحقق ذلك في مثل الامثلة المذكورة، بل يكون من اشتباه أحد المالين بالاخر، والمرجع فيه القرعة. والمتحصل مما ذكرنا أمور (الاول): أن التعبير عن الشركة في

 

===============

 

( 7 )

 

المقام بالظاهرية لم يكن مذكورا في كلام الاصحاب، وانما هو مذكور في كلام المصنف، وفي الجواهر في بعض مباحث الشركة غير هذا المقام. (الثاني): أن الشركة مع اتحاد الجنس والوصف شركة حقيقية واقعية. (الثالث): أن الشركة مع الامتزاج بين الجنسين - سواء انتفى التميز مثل خلط الادهان ومثل خلط الدبس بالخل، أم كان تمييز، مثل خلط الحنطة بالشعير - أو بين أفراد جنس واحد مع اختلاف الوصف - مثل الحنطة الحمراء بالصفراء - شركة حكمية، بمعنى: أنه لا يجوز لاحد المالكين التصرف بدون إذن الاخر، ويجوز المطالبة بالقسمة، وأن العوض يكون مشتركا بين المالكين (الرابع): أن وجه الحكم في المقامين بناء الفقهاء الموافق لبناء العرف (الخامس): أن ما ذكره في الجواهر من حمل الشركة على الشركة الحكمية إن كان ذلك خلافا منه للفقهاء كان المناسب له التعرض للوجه المسوغ له مع ظهور الاجماع عليه أو دعواه صريحا ونفي الخلاف فيه. وإن كان ذلك شرحا لمراد الفقهاء كان المناسب له أيضا التعرض لوجهه، فانه خلاف الظاهر. ولا سيما بملاحظه الشروط المذكورة في كلامهم من اتحاد الجنس وعدم التميز، فان هذه الشروط لا تكون شرطا في الحكمية كما عرفت: هذا وفي الرياض: " واعلم أن المستفاد من كلمة الاصحاب في المقام سيما كلام الفاضل في التذكرة - في دعوى الاجماع على حصول الشركة بمزج العروض والاثمان مزجا لا يتميز معه المالان - عدم اشتراط عدم التمييز في نفس الامر، بل يكتفى بعدمه في الظاهر وإن حصل في نفس الامر. وهو مناف لما ذكروه في التعريف من أنها اجتماع الحقوق على الاشاعة، فان الظاهر حينئذ منها حيث تطلق أن لا يفرض جزؤ إلا وفيه حق لهما. وبه صرح الفاضل المقداد في شرح الكتاب - يعنى النافع -.. (إلى أن

 

===============

 

( 8 )

 

[ كمزج حنطة بحنطة، أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير (1)، أو دهن اللوز بدهن الجوز، أو الخل بالدبس (وإما ظاهرية اختيارية) كما إذا مزجا باختيارهما لا بقصد الشركة فان مال كل منهما في الواقع ممتاز عن الاخر، ولذا لو فرض تمييزهما اختص كل منهما بماله (2). وأما الاختلاط ] قال): بقي الكلام في التوفيق بين التعريف وما هنا، والخطب سهل بعد الاجماع على ما هنا، لعدم الدليل على ما في التعريف من اعتبار الاشاعة بالمعنى المتقدم... " والظاهر منه أن الشركة في المالين الممتزجين على نحو لا يتميز أجزاؤها في الظاهر ليست على الاشاعة، بل على شكل آخر وان لم يتعرض له. وهو كما ترى، فان الاجماع الذي ادعاه كما كان على الشركة كان على كون الشركة على نحو الاشاعة. وهذا هو مراد الجواهر من قوله في الاشكال على الرياض: " إن التعريف للشركة الشرعية الموجبة للملك على الاشاعة التي قد ذكروا أسبابها بعد تعريفها. " وكأنه يخالف ما ذكره سابقا من كون الشركة حكمية لا حقيقية. على أن الشركة لا بمعنى المالك على الاشاعة ليست من الاحكام الشريعة، بل الاحكام الواقعية التابعة لاسبابها الواقعية، نظير الشركة في النسب والبلد والمهنة، وليس من وظيفة الفقهاء التعرض لها. (1) قال في الشرائع بعد العبارة المحكية سابقا: " ويثبت ذلك في المالين المتماثلين في الجنس والصفة ". وظاهره اختصاص الشركة بذلك فيكون امتزاج الجنسين أو الفردين من جنس واحد مع اختلاف الصفة خارجا عن مورد الشركة الحقيقية وإن كان داخلا في مورد الشركة الحكمية. (2) هذا لا يدل على انتفاء الشركة قبل التميز الحادث من باب

 

===============

 

( 9 )

 

[ مع التميز فلا يوجب الشركة ولو ظاهرا (1)، إذا مع الاشتباه (2) ] الاتفاق، لامكان انفساخ الشركة بهذا التميز. نظير ما إذا وقع مقدار من البول في كر من ماء، فانه لما صار مستهلكا بالامتزاج صار طاهرا، فإذا أخذ كف منه فذلك المقدار طاهر يجوز شربه والوضوء به، فإذا اتفق عروض بعض الطوارئ الموجب لتميز البول صار البول نجسا بعد أن خرج عن حال الاستهلاك إلى حال الوجود العرفي. (1) إذا كان الاختلاط بالمزج مثل اختلاط الحنطة البيضاء بالصفراء فقد عرفت أنه مع تعذر التخليص والعزل فهو أيضا يوجب الشركة الحكمية ولو فرض إمكان العزل والتخليص بقي كل مال لمالكه من دون تبدل الاحكام. وإذا كان الاختلاط بدون مزج - كما إذا وضع ثوبا في ثياب زيد، أو قوسا في أقواس عمرو ونحو ذلك ما لا مزج فيه - فان كان تميز فلا إشكال في أن كلا من العينين لمالكه كما قبل الاختلاط، وإذا لم يكن تميز فهذا من اشتباه المال بالمال، فكل من المالين مردد بين المالكين، فيرجع إلى القرعة في تعيين مالكه نعم لو فرض تعذر العمل بالقرعة لكثرة الثياب - كما إذا خلط مائة الف ثوب لزيد في مائة الف ثوب لعمرو ولم يكن تميز بين الثياب - يرجع إلى الشركة الحكمية. ومن ذلك تعرف أن باب اشتباه أحد المالين بالاخر أجنبي عن باب المزج بلا تميز. (2) كأنه يريد أنه مع عدم الاشتباه يبقى كل مال لمالكه من دون تبدل في الاحكام، ولوضوح ذلك لم يتعرض لحكمه، وقد عرفت أنه مع عدم الاشتباه تكون الشركة حكمية إذا كان من قبيل مزج الحنطة الصفراء بالبيضاء.

 

===============

 

( 10 )

 

[ مرجعه الصلح القهري (1) أو القرعة (وإما واقعية) مستندة إلى عقد غير عقد الشركة، كما إذا ملكا شيئا واحدا بالشراء أو الصلح أو الهبة أو نحوها (2) (واما واقعية) منشأه بتشريك أحدهما الاخر في ماله كما إذا اشترى شيئا فطلب منه شخص أن يشركه فيه. ويسمى عندهم بالتشريك. وهو صحيح لجملة من الاخبار (3) (وإما واقعية) منشأه بتشريك كل منهما الآخر في ماله. ويسمى هذا بالشركة العقدية ومعدود ] (1) الظاهر أن المراد من الصلح القهري الشركة الحكمية، فالصلح يكون في مقام تمييز الحقوق والقسمة، لا قبل ذلك، وإلا كان هو الشركة الحقيقية. (2) هذا من الواضحات ومصرح به في كلامهم. (3) منها صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: " سألته عن الرجل يشارك في السلعة. قال: إن ربح فله، وإن وضع فعليه " (10)، وصحيح الحلبي عن أبي جعفر (ع) قال: " سألته عن الرجل يشتري الدابة وليس عنده نقدها، فاتى رجل من أصحابه فقال يا فلان أنقد عني ثمن هذه الدابة والربح بيني وبينك، فنقد عنه، فنفقت الدابة قال: ثمنها عليهما، لانه لو كان ربح فيها لكان بينهما " (20)، ونحوهما غيرهما. وأما مثل صحيح اسحاق بن عمار قال: " قلت للعبد الصالح (ع): الرجل يدل الرجل على السلعة فيقول: اشترها ولي نصفها، فيشترها الرجل وينقد من ماله. قال: له نصف الربح. قلت: فان وضع يلحقه

 

 

____________

(10) الوسائل الباب: 1 من أبواب كتاب الشركة حديث: 1. (20) الوسائل باب: 1 من ابواب كتاب الشركة حديث: 2.

 

===============

 

( 11 )

 

[ من العقود (1). ثم إن الشركة قد تكون في عين وقد تكون في منفعة وقد تكون في حق، وبحسب الكيفية إما بنحو الاشاعة وإما ] من الوضيعة شئ؟ قال: عليه من الوضيعة كما اخذ الربح " (* 1)، ونحوه غيره. فالظاهر منها التشريك في نفس الشراء، بأن يشتري لهما معا، كما سبق في كلام المصنف. (1) قال في المسالك: " وهي يعني: الشركة تطلق على معنيين أحدهما: ما ذكره المصنف في تعريفه من اجتماع الحقوق على الوجه المذكور وهذا هو المتبادر من معنى الشركة لغة وعرفا... (إلى أن قال): وثانيهما: عقد ثمرته جواز تصرف الملاك للشئ الواحد على سبيل الشياع. وهذا هو المعنى الذي به تندرج الشركة في جملة العقود، ويلحقها الحكم بالصحة و البطلان. واليه يشير المصنف (ره) فيما بعد بقوله: قيل: تبطل الشركة. أعني: الشرط والتصرف. وقيل: تصح. ولقد كان على المصنف أن يقدم تعريفها على ما ذكره، لانها المقصود بالذات هنا، أو ينبه عليهما معا على وجه يزيل الالتباس عن حقيقتها وأحكامها ولكنه اقتصر على تعريفها بالمعنى الاول ". لكن في القواعد ذكر تعريفها بما سبق، ثم قال: " وأقسامها أربعة شركة العنان... (إلى أن قال): وأركانها (يعني شركة العنان) ثلاثة المتعاقدان... " و ظاهر ذلك ان التعريف إنما هو للشركة العقدية. ولذلك أشكل عليه في جامع المقاصد: بأنه إن كان غرضه البحث عن الشركة التي يجوز معها التصرف فحقه أن يعرف هذا القسم، وإن كان غرضه البحث عن الشركة التي يجوز معها التصرف فحقه أن يعرف هذا القسم، وإن كان غرضه البحث عن أحكام مطلق الشركة فعليه أن يقيد قوله: " وأركانها ". ثم ذكر أن الشركة لها معنيان (الاول): مطلق اجتماع حقوق الملاك في واحد

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب كتاب الشركة حديث: 4.

 

===============

 

( 12 )

 

على سبيل الشياع و (الثاني) هو الذي ينتظم في قسم العقود ويجري عليه أحكام الفساد والصحة. والاحسن ما يقال في تعريفها: أنها عقد ثمرته جواز تصرف الملاك للشئ الواحد على سبيل الشياع. انتهى. و في الحدائق بعد ما ذكر ما حكيناه عن المسالك قال: " لا يخفى على من تأمل الاخبار الجارية في هذا المضمار أنه لا يفهم منها معنى للشركة غير ما ذكره الفاضلان ونحوهما كالشيهد في اللمعة وغيره. وهو المتبادر لغة وعرفا من لفظ الشركة. وهذا المعنى الذي ذكره لا يكاد يثم له رائحة منها بالمرة " ثم حكى كلام الروضة الذي هو مثل ما في المسالك، ثم أشكل عليه بما أشكل به على المسالك. هذا ولا يخفى أن المراد من الشركة العقدية في كلام الجماعة إن كان إنشاء مفهوم الشركة بالعقد فلا ينبغي التأمل في صحة ذلك عرفا، فكما يصح إنشاء الشركة من قبل الشارع في الميراث مع تعدد الوارث، وفي الحيازة مع تعدد الحائز، يجوز إنشاؤها بعقد المتعاقدين، سواء كان المال من أحد الشخصين فيشرك الآخر فيه - كما سبق - أم من كل من الشخصين فيشرك كل منهما صاحبه، فيقول أحدهما مثلا: اشتركنا، ويقول الآخر: قبلت. وقد دلت الاخبار على ذلك كله، كصحيحي هشام بن سالم والحلبي المتقدمين. ومثل صحيح علي بن رئاب: " قال أبو عبد الله (ع): لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي ولا يبضعه ولا يودعه وديعة " (* 1) ونحوه غيره. وإن كان المراد من الشركة العقدية إنشاء الاذن في التصرف - كما قد يظهر من عبارتي جامع المقاصد والمسالك المتقدمتين، ونحوهما عبارات غيرهما، قال في القواعد: " وأركانها ثلاثة: المتعاقدان... (إلى أن قال) والصيغة، وهو ما يدل على الاذن في التصرف. ويكفي قولهما

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب الشركة حديث: 1

 

===============

 

( 13 )

 

[ بنحو الكلي في المعين (1)، وقد تكون على وجه يكون كل من ] اشتركنا " ونحوها غيرها - فانشاء الاذن ليس من العقود، بل من الايقاع، ولا يرتبط بمفهوم الشركة، وليس هو من لوازمه، ولا مما تشير إليه النصوص كما ذكر في الحدائق. وإن أريد من الشركة العقدية الاشتراك المنشأ بالعقد بشرط الاذن في التصرف بهما، فهو أيضا مقتضى عمومات الصحة في العقد وفي الشرط. ولا يظن من صاحب الحدائق أو غيره انكاره إذ هو شركة بشرط كما لو اشتركا بشرط أن يكون التصرف لثالث أو لاحدهما بعينه وغير ذلك من الشرائط، فانه لابد من القول بصحته، عملا بعموم الادلة. ثم إنه قد يستشكل في صحة انشاء الشركة بين مالكين في ماليهما: بأنه لابد من مزج المالين في صحة الشركة العقدية مع أن المزج نفسه يقتضى الشركة. ويندفع: بأن المزج إنما يقتضى الشركة إذا لم تكن منشأة، أما إذا فرض إنشاؤها فلا يقتضى شيئا. مع أن المزج قد لا يقتضي الشركة الحقيقية، كما عرفت. مضافا إلى الاشكال في اعتبار المزج الذي هو من أسباب الشركة في صحة الشركة العقدية، كما سيأتي الكلام في ذلك (1) في الجواهر: " لا إشكال في صدق الشركة معه ولا إشاعة. اللهم الا أن يراد منها عدم التعيين، لا خصوص الثلث والربع ونحوهما " وما ذكره غير ظاهر، فان معنى الشركة في المملوك كون الملك على نحو الجزء المشاع، كما ذكره الاصحاب، وحمل الاشاعة على معنى عدم التعيين خلاف المقطوع به من كلامهم، فحملها على ذلك لا مقتضي له. وعليه فلا شركة في المقام، ولا وجه لنفي الاشكال في صدقها. الا أن يراد بها الاشتراك في عنوان من العناوين والمماثلة فيه، كما في البيت الواحد الذي يملك حجارته شخص وخشبه آخر وطينه ثالث، فان هؤلاء اشتركوا في

 

===============

 

( 14 )

 

[ الشريكين أو الشركاء مستقلا في التصرف، كما في شركة الفقراء في الزكاة (1) والسادة في الخمس (2) والموقوف عليهم ] وصف من الاوصاف، وهو تملك شئ من هذا البيت، والشركة في ملك الصاع من الصبرة من هذا القبيل، لاشتراك المالكين في صفة المالكية في الصبرة وإن اختلف المملوك، وهذا خلاف معنى الشركة في المملوك التي هي محل الكلام. (1) عن الشهيد في بعض حواشيه: أن ملك الفقراء للزكاة على البدل لا الجميع في عرض واحد، فلا اشتراك. وفي الجواهر: أن المالك للزكاة الجنس لا الفرد، وذكر أنه لا ريب في ملك الفقراء للزكاة في الجملة. وفيه: أن الملكية إن كانت مستفادة من اللام في قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء...) (* 1) فاللام فيه ليست للملك، وإنما هي للمصرف بقرينة بقية الاصناف، مثل في الرقاب وفي سبيل الله تعالى الذي لا يظن من أحد الالتزام بالملك فيه، والتفكيك بين الاصناف بعيد جدا. وان كانت مستفادة من غيره فغير ظاهر. وأما ما ذكره المصنف من كون كل من الفقراء مستقلا بالتصرف بالزكاة فغريب، فانه لا يجوز للفقير التصرف في الزكاة بدون إذن الولي، وهو المالك أو الحاكم الشرعي فضلا عن أن يكون مستقلا بالتصرف. (2) ظاهر الآية الشريفة: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن الله خمسه... " (* 2) وهو الملكية، ولا مانع من ثبوت هذه الملكية بالنسبة إليه تعالى، كثبوتها في النذر مثل: لله علي أن أتصدق، فان الصدقة تكون مملوكة له تعالى، على نحو ملكية زيد للدينار في قول المقر لزيد

 

 

____________

(* 1) التوبة: 60. (* 2) الانفال: 41.

 

===============

 

( 15 )

 

[ في الاوقاف العامة (1) ونحوها. (مسألة 1): لا تصح الشركة العقدية إلا في الاموال (2) بل الاعيان، فلا تصح في الديون (3)، فلو كان لكل منهما دين على شخص فأوقعا العقد على كون كل منهما بينهما لم يصح. وكذا لا تصح في المنافع، بأن كان لكل منهما دار مثلا وأوقعا العقد على أن يكون منفعة كل منهما بينهما بالنصف ] علي دينار. نعم لا يمكن حملها على ملكية الافراد " والا لزم البسط، ولا يقول المشهور به، وللزم انتقال المال إلى وارثه ولو لم يكن هاشميا. فالمتعين أن يكون المالك الجنس العاري عن الخصوصيات الفردية، وبتعيين المالك يصير الفرد مالكا، وحينئذ لا معنى للاشتراك بين الافراد على نحو الاستقلال في التصرف. (1) الاوقاف العامة إنما كان الوقف فيها على نحو البذل من دون ملك للموقوف عليهم ولا رائحة الملك، فان كتب العلم موقوفة على أن تبذل الطلبة، والمدارس موقوفة على أن تبذل للطلبة، ومنازل المسافرين موقوفة على أن تبذل للمسافرين من دون ملك ولا مالك. ولذلك إذا غصبت فسرق الكتاب غير الطلبة لا يضمن منافعه بالاستيفاء، وكذلك المدرسة إذا اغتصبها غير الطلبة فسكنوها لا يكون ضمانا لمنافعها عليهم، بل ليس الا الغصب وفعل الحرام. ولو فرض ان كان للساكن من غير الطلبة عذر شرعي من غفلة أو ضرورة أو نحو ذلك فلا أثم ولا ضمان عليه. (2) في مقابل الشركة في الابدان وأختيها. (3) لما يأتي من شرطية الامتزاج بين المالين في الشركة العقدية، وهذا متعذر في الديون، وكذا في المنافع. ولاجل ذلك كان المناسب تأخير هذه المسألة عن السمألة الرابعة المتضمنة لشرطية الامتزاج.

 

===============

 

( 16 )

 

[ مثلا. ولو أراد ذلك (1) صالح أحدهما الآخر نصف منفعة داره بنصف منفعة دار الآخر، أو صالح نصف منفعة داره بدينار مثلا وصالحه الآخر نصف منفعة داره بذلك الدينار. وكذا لا تصح شركة الاعمال (2) وتسمى شركة الابدان أيضا وهي أن يوقعا العقد على أن يكون أجرة عمل كل منهما مشتركا بينهما، سواء اتفق عملهما كالخياطة مثلا، أو كان عمل أحدهما الخياطة والآخر النساجة، وسواء كان ذلك في عمل معين أو في كل ما يعمل كل منهما. ولو أرادا الاشتراك في ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعته المعينة أو منافعه إلى مدة كذا ] (1) يعني: لو أرادا نفس المشاركة في المنافع صالح أحدهما الآخر... عل نحو المعاوضة بين الحصتين، أو على نحو تكون المعاوضة بين التمليكين فيقول: صالحتك على أن تملك حصة من مالي في مقابل أن أملك حصة من مالك، أو على نحو آخر من دون معاوضة بين العينين ولا بين التمليكين فيقول: صالحتك على أن تكون حصة من مالي لك وحصة من مالك لي ففي جميع ذلك تحصل الشراكة بينهما في ماليهما، وكذلك إذا كان بطريق الهبة المشروطة، فيهب أحدهما حصته من ماله لصاحبه بشرط ان يهبه الآخر حصته من ماله. أو بطريق بيع الحصة على صاحبه بثمن ثم شراء حصة صاحبه بذلك الثمن. كل ذلك لعدم اعتبار المزج في هذه العقود بخلاف الشركة، فان انشاءها لا يصح الا بالمزج، على ما سيأتي بيانه، ولا يمكن ذلك في المنفعة. (2) بلا خلاف معتد به أجده فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه بل المحكي منه مستفيض أو متواتر. كذا في الجواهر، ومفتاح الكرامة:

 

===============

 

( 17 )

 

" أجمعوا على نقل الاجماع، إذ هو محكي في تسعة عشر كتابا أو أكثر، كما سمعت، وهو معلوم محصل قطعا ". وعن المختلف (* 1): أنه استدل على البطلان باجماع الفرقة، وبأن الاصل عدم الشركة، ولانه غرر عظيم، ولان الشركة عقد شرعي فيقف على الاذن فيه. وفي الجواهر: استدل عليه بالاصل السالم عن معارضة (أوفوا بالعقود) بعد ما عرفت. والتراضي بما لم يثبت شرعيته غير مجد، والمراد بالتجارة عنه ما ثبت التكسب به شرعا. انتهى. والاشكال عليه ظاهر فان عموم (أوفوا بالعقود) لا مخصص له إلا دعوى الاجماع على البطلان. وعليه لا مجال للرجوع إلى الاصل معه. ولا وجه لدعوى كون المراد من التجارة عن تراض ما ثبت التكسب به، أو ما ثبت شرعيته. فان ذلك خلاف الاطلاق المقامي الموجب للتنزيل على المعنى العرفي. ولا يظهر الفرق بين عموم: (أوفوا بالعقود)، وعموم: (تجارة عن تراض) حيث جعل الاجماع مقيدا للاول، ولم يتعرض لذلك في الثاني. والذي تحصل من كلماتهم في المقام أن العمدة دعوى الاجماع. وفي كلام الاردبيلي قدس سره: " لا يظهر دليل على عدم الجواز إلا الاجماع، فان كان فهو، وإلا فلا مانع ". ويمكن أن يقال: إن العامل إذا آجر نفسه لعمل كانت الاجرة عوض العمل فتكون في ملك العامل، فجعلها لغيره بعقد الشركة خلاف مقتضى دليل صحة الاجارة، فإذا كانت الاجارة صحيحة كانت الشركة باطلة، وإذا كانت الاجارة باطلة فالشركة أيضا باطلة، لانها مبنية عليها

 

 

____________

(* 1) حكى في المختلف عن ابن الجنيد شركة الوجوه. ورده بما ذكره في المتن، فهو لم يستدل بما في المتن على البطلان شركة الاعمال بل على بطلان شركة الوجوه. وأما شركة الاعمال فقد حكى في المختلف عن ابن الجنيد كلاما ظاهرا في بطلانها وفاقا المشهور، ومن ثم لم يستدل على بطلانها. راجع المختلف الجزء: 2 الصفحة: 21.

 

===============

 

( 18 )

 

[ بنصف منفعة أو منافع الاخر، أو صالحه نصف منفعته بعوض معين (1) وصالحه الاخر أيضا (2) نصف منفعته بذلك العوض ولا تصح أيضا شركة الوجوه (3)، وهي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما (4) بعقد الشركة على أن يبتاع كل منهما في ذمته إلى أجل (5) ويكون ما يبتاعه بينهما فيبيعانه ويؤديان الثمن ويكون ما حصل من الربح بينهما. وإذا أرادا ذلك على ] فيعلم ببطلان الشركة على كل من تقديري صحة الاجارة وبطلانها. نعم لو كان مفاد شركة الاعمال الاشتراك في الاجر بعد ما يدخل في ملك العامل منهما، بحيث يخرج من ملك العامل إلى ملك الشريك لم يجر الاشكال المذكور، وكانت صحتها على طبق القواعد العامة. وكذا لو كان مفادها تشريك كل منهما الآخر في منفعته التي تقابل بالاجر والعوض لم يتوجه الاشكال المذكور، كما سيأتي نظيره في كلام المصنف. (1) فيكون التشريك في المنفعة بعنوان المصالحة لا بعنوان التشريك، كما سبق منا في الحاشية السابقة. (2) فتكون هناك معاملتان لا معاملة واحدة كما في الوجوه السابقة. (3) وجه البطلان فيها عندهم هو الوجه فيه في شركة الاعمال وفي مفتاح الكرامة: " والحجة على بطلانها - بعد الاجماع - الاصل، والغرر والضرر، وأنه عقد يتوقف على الاذن ". والعمدة دعوى الاجماع. (4) هذا المعنى أحد الوجوه المذكورة في تفسيرها، وفي المسالك: أنه الاشهر، وفي التذكرة: أنه أشهرها. انتهى. (5) ظاهر العبارة أن الثمن جميعه في ذمة المتاع وان كان قد ابتاع المثمن لهما معا، وفي الجواهر لم يتعرض لكون الثمن في ذمة المبتاع أو ذمتهما، واقتصر على كون الابتياع لهما معا، وفي التذكرة قال في تفسيرها:

 

===============

 

( 19 )

 

[ الوجه الصحيح وكل كل منهما الآخر في الشراء (1) فاشترى ] " ليبتاعا في الذمة إلى أجل على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما... " ونحوه عبارة المسالك. وظاهره أن الابتياع لهما والثمن في ذمتهما معا. وكيف كان فان كان المراد ما ذكره المصنف رحمه الله من كون الابتياع لهما والثمن في ذمة المبتاع المباشر فالمعاملة في نفسها باطلة، بناء على المشهور من وجوب دخول كل من العوضين في ملك من خرج منه الآخر، فان الابتياع إذا كان لهما فقد دخل في ملك كل منهما نصف المبيع، فيجب أن يخرج من كل منهما نصف الثمن، ولازمه كون نصف الثمن في ذمة أحدهما والنصف الآخر في ذمة الآخر، لا أن يكون تمام الثمن في ذمة أحدهما المباشر. نعم بناء على أن اللازم في المعاملات المعاوضية أن يدخل العوض في ملك مالك المعوض ولا يلزم العكس كما هو الظاهر، تصح المعاملة المذكورة. وحينئذ لا موجب لبطلان الشركة إلا الاجماع، وسيأتي. (1) الفرق بين هذا وما قبله بناء على ما ذكره المصنف أمران: (الاول): أن الشراء فيما قبله لهما كان بالاذن وهنا بالوكالة. (الثاني): أن الشراء فيما قبله كان بذمة أحدهما وهنا بذمتهما معا. وعلى ما هو ظاهر التذكرة وغيرها بكون الفرق بين هذا وما قبله بالاذن فيما قبله وبالوكالة فيه. لكن هذا الفرق لا يصح أن يكون فارقا قطعا والمظنون - كما هو ظاهر المبسوط - أن المراد من شركة الوجوه أن يبتاع كل من الشريكين لنفسه بثمن في ذمته على أن يكون الربح بينهما. و حينئذ يتوجه الاشكال المتقدم في شركة الابدان من أن الربح يتبع الاصل بمقتضى المعاملة، فلا يمكن أن يجعل بعضه لغير مالك الاصل، الا بدليل خاص، وهو مفقود، ولابد حينئذ من القول بالبطلان. ولولا ذلك أشكل القول بالبطلان، كما أشكل الاعتماد على الاجماع

 

===============

 

( 20 )

 

في البطلان، لعدم تحصل معقد الاجماع، إذ قد عرفت أن شركة الوجوه قد فسرت بمعان أربعة أظهرها أو أشهرها ما ذكره المصنف رحمه الله. وفي القواعد فسرها بأن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون له بعضه وخصه بالبطلان، وهذا المعنى ذكره في التذكرة آخر المعاني الاربعة. وذكر قبله أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال، ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل، والمال في يده لا يسمله إلى الوجيه، والربح بينهما. وذكر قبلهما أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوض بيعه إلى خامل، ويكون الربح بينهما، عكس المعنى المذكور في القواعد. ويظهر منهم أن معقد الاجماع مردد بين هذه المعاني، فهو واحد منها مردد بينها. كما يظهر أيضا من الاقتصار على واحد منها في كلام بعضهم أن الاجماع لم يكن على البطلان في الجميع. وحينئذ كيف يعتمد على مثل هذا الاجماع المردد معقده؟ ولا سيما بملاحظة أن المعنى الثالث نوع من المضاربة الصحيحة لا يختلف عنها إلا في خصوصية الوجاهة والخمول، ومن المعلوم أن هذين القيدين لا يوجبان اختصاصه بالبطلان، ولم يذكر الاصحاب في شروط صحة المضاربة انتفاء القيدين المذكورين. نعم المعنى الذي ذكره في القواعد وعكسه من قبيل الجعالة، لكنها لا تصح فيهما، لما تقدم من الاشكال في شركة الابدان من أن عقد الشركة لا يصلح لتشريع غير المشروع. والذي يتحصل مما ذكرناه أمور (الاول): أن الاجماع في مسألة شركة الوجوه لا مجال للاعتماد عليه بعد جهالة معقده (الثاني): أن المعنى المشهور من شركة الوجوه لا مجال للبناء على البطلان فيه، والعموم يقتضي الصحة. نعم على ما نظن يتعين البناء على البطلان، للوجه المتقدم في شركة الابدان. (الثالث): أن المعنى الثالث من شركة الوجوه لا مجال للقول

 

===============

 

( 21 )

 

[ لهما وفي ذمتهما. وشركة المفاوضة أيضا باطلة (1)، وهي أن يشترك اثنان أو أزيد على أن يكون كل ما يحصل لاحدهما ] بالبطلان فيه، لانه نوع من المضاربة. (الرابع) أن المعنيين الآخرين لتعين البناء على البطلان فيهما للوجه المتقدم في شركة الابدان كونهما نوعا من الجعالة لا يكفي في البناء على الصحة، إذ لا عموم يقتضي صحة الجعالة وإن كانت موجبة لمخالفة الادلة. نعم يصح إذا كان المراد أن تكون الحصة من الربح للعامل بعد أن تدخل في ملك مالك الاصل، كما لعله المفهوم من عنوان الجعالة، إذ لا مانع من ذلك، بل هو صحيح حتى في شركة الابدان، لعدم وجود المانع المتقدم حينئذ. وهذا هو المصحح للمضاربة في مواردها وفي المعنى الثالث الذي صححناه، لانه من المضاربة. (1) وفي الجواهر: " الاجماع بقسميه على فسادها "، وفي مفتاح الكرامة: " اجماعا كما في السرائر، والايضاح، وشرح الارشاد لولد المصنف، والمهذب البارع، والتنقيح وجامع المقاصد... " إلى آخر ما حكاه عن الكتب المتضمنة لنقل الاجماع ظاهرا. والذي يظهر منهم أن الاجماع هو مستند البطلان لا غير. وفيه نظر ظاهر. لورود الاشكال المتقدم في شركة الابدان هنا بعينة. إذ الربح يكون لصاحبه بدليله فانتقال بعضه إلى غير صاحبه خلاف ذلك الدليل. وكذلك الغرامة تكون على صاحبها بدليل ثبوتها لغيره خلاف ذلك الدليل. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما في بعض الحواشي من أنه يمكن تصحيح ذلك بالاشتراط في ضمن عقد لازم آخر. إذ بناء على ما ذكرنا يكون مخالفا لمقتضى الكتاب، فلا يصح. إلا أن يقال إذا كان الشرط في ضمن عقد المعاوضة أو نحوها فالظاهر من اشتراط شئ، من الربح فيه أن يدخل الربح في ملك المشروط له بعد

 

===============

 

( 22 )

 

[ من ربح تجارة أو زراعة أو كسب آخر أو إرث أو وصية أو نحو ذلك مشتركا بينهما، وكذا كل غرامة ترد على أحدهما تكون عليهما. فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة بالشركة في الاعيان المملوكة فعلا، وتسمى بشركة العنان (1). (مسألة 2): لو استأجر اثنين لعمل واحد بأجرة معلومة صح وكانت الاجرة مقسمة عليهما بنسبة عملهما. ولا يضر الجهل بمقدار حصة كل منهما حين العقد، لكفاية معلومية المجموع (2) ولا يكون من شركة الاعمال (3) التي تكون باطلة، بل من شركة الاموال (4)، فهو كما لو استأجر كل منهما لعمل (5) وأعطاهما شيئا واحدا بأزاء اجرتهما. ولو اشتبه مقدار عمل كل منهما فان احتمل التساوي حمل عليه، لاصالة عدم زيادة عمل أحدهما على الآخر (6)، وإن علم ] أن يدخل في ملك المشروط عليه، لا قبل أن يدخل. نظير اشتراط شئ من الربح للعامل في المضاربة، فان المراد به اشتراط أن يدخل الربح في ملك العامل بعد أن يدخل في ملك المالك، لا قبله ليكون خلاف الادلة الاولية. (1) سيأتي في المسألة الرابعة أن هناك قسم خامس للشركة فانتظر. (2) كما في بيع الصفقة. إذ لا دليل على اعتبار العلم باكثر من ذلك. (3) لاختصاص تلك بعقد الشركة بين العاملين وهو مفقود هنا. (4) هذا يكون بعد قبض المال المشترك، أما لو دفع المستأجر حصة كل واحد بمقدار عمله فلا شركة. (5) يعني: بأجرة معينة، مثل نصف دينار، وبعد عملهما أعطاهما دينارا واحدا ورضيا بذلك. (6) قال في القواعد: " وإذا تميز عمل الصانع من صاحبه اختص

 

===============

 

( 23 )

 

[ زيادة أحدهما على الآخر (1) فيحتمل القرعة في المقدار الزائد (2) ويحتمل الصلح القهري. (مسألة 3): لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماء بآنية واحدة أو نصبا معا شبكة للصيد أو أحييا أرضا معا، فان ملك كل منهما نصف منفعته بنصف منفعة الآخر اشتركا فيه بالتساوي، وإلا فلكل منهما بنسبة عمله بحسب القوة والضعف (3). ولو اشتبه الحال فكالمسألة السابقة (4). ] بأجرته، ومع الاشتباه يحتمل التساوي والصلح "، ونحوه عن التذكرة، وفي المسالك: " ولو اشتبه مقدار كل واحد فطريق التخلص بالصلح ". وكأن وجه التساوي الاصل المذكور، كما صرح بذلك في الجواهر في المسألة الآتية، لكن يعارضه أصالة عدم التساوي. أو يقال: لا مجال للاصول المذكورة، لعدم كون مجراها موضوعا لحكم شرعي، إذ ليس المدار في الاستحقاق على مقدار نسبة أحد العملين إلى الآخر، بل على مقدار نسبة العمل إلى ما يقابله من الاجرة، والنسبة مجهولة، والاصول لا تصلح لاثباتها لتعارضها في العملين، وحينئذ فالمقدار المردد يرجع فيه إلى القرعة، فإذا تعذرت لكثرة المحتملات لزم البناء على الصلح بينهما، ومع تعاسرهما يفصل بينهما الحاكم الشرعي بما يراه من كيفية الصلح. (1) يعني: ولم يعلم مقدار الزيادة. (2) بناء على ما تقدم منه من جريان أصالة عدم الزيادة فمع الشك في مقدار الزيادة يبنى على القدر المتيقن، لاصالة عدم الزيادة المحتملة. لكن عرفت إشكاله. (3) إذا كانا دخيلين في زيادة العمل ونقصه، وإلا فلا أثر لهما. (4) لكن عرفت التحقيق فيها.

 

===============

 

( 24 )

 

[ وربما يحتمل التساوي مطلقا (1)، لصدق اتحاد فعلهما في السببية واندراجهما في قوله: من حاز ملك. وهو كما ترى (2). (مسألة 4): يشترط على ما هو ظاهر كلماتهم (3) في الشركة العقدية - مضافا إلى الايجاب، والقبول، والبلوغ والعقل، والاختيار، وعدم الحجر لفلس أو سفه - امتزاج المالين (4) ] (1) هذا الاحتمال ذكره في الجواهر، لصدق اتحاد فعلهما في السببية واندراجهما في قول: من حاز ملك، ولعدم الدليل على اقتضاء ذلك التفاوت في المحاز، وإن كان هو منافيا للاعتبار العقلي، الذي لا يرجع إلى دليل معتبر شرعا. (2) فان انطباقه على كل واحد ينافي انطباقه على الآخر، " فيجب أن يكون له انطباق واحد عليهما معا، وحينئذ لا إطلاق له يقتضي المساواة في الحصة، بل الارتكاز العقلائي يقتضي صرفه إلى كون الملكية بمقدار العمل. (3) بل هو صريح كلماتهم. نعم ظاهرهم الاجماع عليه، ولعله مراد المصنف. (4) قال في التذكرة: " لا تصح الشركة إلا بمزج المالين وعدم الامتياز بينهما عند علمائنا ". لكن في الخلاف: " لا تنعقد الشركة الا في مالين مثلين في جميع صفاتهما، ويخلطان، ويأذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في التصرف فيه. وبه قال الشافعي ". ثم حكى عن أبي حنيفة عدم اعتبار الخلط، ثم قال: " دليلنا أن ما اعتبرناه مجمع على انعقاد الشركة به، وليس على انعقادها بما قاله دليل، فوجب بطلانه "، وظاهره الاجماع على الصحة في المختلطين، لا على اشتراط الاختلاط في الصحة والبطلان في غير المختلطين، وان كان ظاهر كلمات الجماعة في هذا الباب التسالم على اعتبار المزج في صحة الشركة. قال في النافع: " ولا تصح الا مع امتزاج

 

===============

 

( 25 )

 

المالين على وجه لا يتميز أحدهما من الآخر " ونحوه كلام غيره وقد عرفت الاشكال في ذلك في الحاشية على قول المصنف (ره): " وهو معدود من العقود "، فان النصوص صريحة في حصول الشركة يقول مالك العين للآخر: شاركتك، فإذا قال أحد المالكين للعينين: شاركتك " وقال الآخر: قبلت، حصلت الشركة في عينه، فإذا قال الآخر للاول: شاركتك، وقال الاول: قبلت، حصلت الشركة في عينه أيضا، فتكون شركة في العينين ومثله أن يقول أحدهما: تشاركنا في مالينا، فيقول الآخر: قبلت. ودعوى: أنه لا يحصل في هذا الشركة إلا بشرط الامتزاج بعيدة جدا، وإن عرفت أنها ظاهرة من كلام الاصحاب. إلا أن يكون مرادهم من الشركة معنى غير المعنى العرفي، وهو الاشتراك على وجه الاذن في التصرف من كل من الشريكين، كما عرفت أنه أيضا ظاهر كلمات جماعة منهم، و منهم الشيخ في عبارته في الخلاف المتقدمة. ومن ذلك ظهر أن لا إجماع على اعتبار الامتزاج في حصول مجرد الاشتراك في المالين وإن كان ظاهر بعض العبارات ذلك، والقدر المتيقن من الاجماع الشركة في التجارة المتضمنة للاذن في التصرف، المسماة بشركة العنان. وكأن وجه تسميتها بذلك أن كلا من الشريكين كأنه فارس وبيده عنان الفرس يذهب حيث يشاء، بخلاف من لا يكون بيده العنان، فانه يذهب حيث تشاء الفرس لا حيث يشاء هو. وان كان هذا الوجه لم يذكر في وجه التسمية بشركة العنان مع أنهم ذكروا الوجوه الكثيرة. وعلى هذا لم يظهر اجماع على اعتبار الامتزاج في أصل الاشتراك، والمتيقن منه في خصوص شركة التجارة التي يقصد فيها الاسترباح، المسماة بشركة العنان، المتضمنة للاذن لهما في التصرف. والمتحصل مما ذكرنا: أن الشركة العقدية على قسمين. (الاول).

 

===============

 

( 26 )

 

[ سابقا على العقد (1) أو لاحقا، بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر، من النقود كانا أو من العروض. بل اشترط جماعة (2) اتحادهما في الجنس والوصف. والاظهر عدم اعتباره (3)، بل يكفي الامتزاج على وجه لا يتميز أحدهما من الآخر، كما لو امتزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير ونحوه، أو امتزج نوع ] مجرد عقد شركة بين المالكين في المالين فقط. وهذه لم يقم دليل على اعتبار المزج فيها. (والثاني): عقد شركة بين المالكين في ماليهما مع الاذن في التصرف منهما لهما. وهي التي يعتبر فيها المزج بين المالين على نحو لا يتميز أحدهما عن الآخر، بناء على الاجماع المتقدم في كلامهم. بل هناك قسم ثالث يكون في المال الذي يشرك مالكه فيه، كما تضمنته النصوص فان الشركة فيه عقدية في مال واحد. (1) إذا كان الامتزاج سابقا على العقد فقد حصلت الشركة وحينئذ لا يكون العقد لانشائها، بل يكون لمحض الاذن في التصرف، فيكون معنى اشتركنا: أنه اشتركنا في التصرف لا اشتركنا في الملك. (2) حكى في مفتاح الكرامة: اشتراط الاتحاد في الجنس والصفة عن المبسوط والوسيلة والسرائر وجامع الشرائع والشرائع والتذكرة وجامع المقاصد والمسالك والكفاية، وعن السرائر: الاجماع على ذلك. لكن الذي يظهر من عبارة المبسوط الآتية خلاف ذلك. فانتظر. (3) قد يظهر ذلك من عبارة القواعد، إذ قال في مقام بيان أركانها الثلاثة: المتعاقدان والصيغة والمال: " وهو كلما يرتفع الامتياز مع مزجه، سواء كان أثمانا أو عروضا أو فلوسا "، وفي المبسوط: " ومن شرط الشركة أن يكون مال الشركة مختلطا لا يتميز مال أحدهما عن الآخر.. (إلى أن قال): ومتى أخرجا مالين متفقين في الصفة - مثل أن يخرج

 

===============

 

( 27 )

 

[ من الحنطة بنوع آخر (1). بل لا يبعد كفاية امتزاج الحنطة بالشعير (2). وذلك للعمومات العامة، كقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (* 1) وقوله (ع): " المؤمنون عند شروطهم " (* 2) وغيرهما. بل لولا ظهور الاجماع على اعتبار الامتزاج أمكن منعه مطلقا، عملا بالعمومات. ودعوى عدم كفايتها لاثبات ذلك (3). ] كل واحد منهما دراهم مثل دراهم صاحبه أو دنانير مثل دنانير صاحبه أو دهنا مثل دهن صاحبه أو حبا مثل حب صاحبه - وخلطاهما، وأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف في المال انعقد الشركة ". وكأنه لهذا ونحوه لم يتحقق الاجماع على اعتبار الجنس والوصف، ولذا قال في مجمع البرهان: " إن في اشتراط التساوي في الجنس تأملا، لانه يجري في غير المتجانسين حيث يرتفع المايز ". وحينئذ لا بأس بالبناء على حصول الشركة العقدية بمجرد الخلط الرافع للامتياز وإن كان المالان مختلفي الجنس. (1) يعني: مع عدم الامتياز. (2) لا يخفى أن الاجماع على اعتبار الخلط الذي عول عليه المصنف في اعتبار المزج كان معقده المزج الذي يرتفع معه الامتياز بين المالين، ولم يكن على محض اعتبار المزج مطلقا، كى يمكن التفكيك بين اعتبار المزج واعتبار عدم التميز، كما لا يخفى، وحينئذ لا مجال للرجوع إلى العمومات الدالة على الصحة. (3) تظهر هذه الدعوى من كلام الشيخ في الخلاف المتقدم نقله في الحاشية السابقة، فانه ظاهر في أنه مع عدم الامتزاج لا دليل على

 

 

____________

(* 1) المائدة: 1. (* 2) الوسائل الباب: 20 من ابواب المهور حديث: 4.

 

===============

 

( 28 )

 

[ كما ترى (1). لكن الاحوط مع ذلك أن يبيع كل منهما حصة مما هو له بحصة مما للآخر، أو يهبها كل منهما للآخر أو نحو ذلك، في غير صورة الامتزاج الذي هو المتيقن. هذا ويكفي في الايجاب والقبول كل ما دل على الشركة (2) من قول أو فعل. (مسألة 5): يتساوى الشريكان في الربح والخسران مع تساوي المالين (3)، ومع زيادة فبنسبة الزيادة ربحا وخسرانا سواء كان العمل من أحدهما أو منهما، مع التساوي فيه أو الاختلاف أو من متبرع أو أجير. هذا مع الاطلاق، ولو شرطا في العقد زيادة لاحدهما، فان كان للعامل منهما، أو لمن عمله أزيد، فلا اشكال ولا خلاف على الظاهر (4) عندهم في ] الصحة، بل يمكن أن ينسب ذلك لى القواعد وجماع المقاصد والمسالك، بناء على ما يظهر منها من أن العقد إنما ينشأ به الاذن في التصرف، دون الاشتراك في الملكية، وأن ذلك إنما يستند إلى المزج، فإذا شك في السببية للاشتراك في الملك يرجع إلى أصالة عدم ترتب الاثر، إذ لا عموم يقتضى ذلك. (1) لان الظاهر من الشركة العقدية إنشاء نفس الاشتراك بالعقد، غاية الامر أن ينضم إلى الاشتراك الاذن في التصرف، وحملها على إنشاء نفس الاذن مقطوع بخلافه، فلاحظ. (2) بناء على ما سبق يتعين أن يكون المراد من الشركة الشركة في الملك والشركة في العمل والتجارة، ليتضمن الاذن في التصرف. (3) هذا مقتضى أصالة تبعية الربح لاصل المال، وكذا في المسألة الثانية. (4) قال في الجواهر: " بل لا خلاف فيه بينهم، على ما اعترف

 

===============

 

( 29 )

 

[ صحته. أما لو شرطا لغير العامل منهما أو لغير من عمله أزيد ففي صحة الشرط والعقد (1) وبطلانهما (2) وصحة العقد وبطلان الشرط (3) - فيكون كصورة الاطلاق - أقوال (4) أقواها الاول (5) وكذا لو شرطا كون الخسارة على أحدهما أزيد. وذلك لعموم: " المؤمنون عند شروطهم ". ودعوى: أنه ] به جماعة، بل ولا في جوازه مع العمل منهما أيضا وشرطت الزيادة لمن زاد عمله على الآخر "، وفي الشرائع: " أما لو كان أحدهما وشرطت الزيادة للعامل صح، وكان بالقراض أشبه ". واستشكل عليه في الجواهر بعدم قصد القراض أولا، وبعدم اعتبار ما يعتبر في صحة القراض من كونه نقدا ثانيا، وبأنه لا يتم في الفرض الثاني ثالثا، فيتعين أن يكون الملك بالشرط، وحينئذ يطالب بوجه الفرق بين صورة العمل وغيرها بالصحة في الاولى والبطلان في غيرها، لتحقق الشرط في المقامين، فان صح صح فيهما معا، وإن بطل ففيهما معا أيضا. وفيه ما سيأتي فانتظر. (1) حكي ذلك عن المرتضى في الانتصار، وعن العلامة في جملة من كتبه كالتذكرة والتحرير والتبصرة والمختلف، وعن مجمع البرهان والكفاية وغيرها، وعن العلامة حكايته عن والده، واختاره في الجواهر. (2) حكاه في الشرايع قولا واختاره، ونسب إلى الخلاف والمبسوط والسرائر وشرح الارشاد للفخر واللمعة والمفاتيح وغيرها، وفي جامع المقاصد: أنه الاصح. (3) حكي عن ظاهر الكافي والغنية والنافع وجامع الشرائع، حيث قالوا: لم يلزم الشرط، بل في المسالك حكايته عن أبي الصلاح. (4) سيأتي القول الرابع الذي اختاره في القواعد. (5) لما سيأتي.

 

 

===============

 

( 30 )

 

[ مخالف لمقتضى العقد (1)، كما ترى (2). نعم هو مخالف لمقتضى إطلاقه. والقول بأن جعل الزيادة لاحدهما من غير أن يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس تجارة، بل هو أكل بالباطل (3) ] (1) لا يحضرني من ادعى ذلك. (2) من الواضح أن مقتضى الشركة الاشتراك في الربح على حسب الشركة في الاصل، لكن هذا الاقتضاء ليس على نحو العلية بل على نحو الاقتضاء، وهذا المقدار كاف في بطلان الشرط على خلافه لكونه حينئذ مخالفا للكتاب، المراد أنه مخالف للحكم الاقتضائي. هذا بالنسبة إلى النماء الخارجي، وأما بالنسبة إلى النماء الاعتباري أعنى الربح فالاشكال فيه أظهر، كما اشرنا إليه في شركة الابدان، وسيأتي أيضا. ومن ذلك تعرف الاشكال في قوله رحمه الله: " هو مخالف لمقتضى... ". (3) هذا القول لجامع المقاصد وقد أطال في الاستدلال على البطلان فانه بعد أن استدل للقول بالصحة بعموم قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (* 1) وقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)، (* 2)، وقوله (ع): " المؤمنون عند شروطهم " (* 3) قال: " ويضعف بأنه أكل مال بالباطل لان الزيادة ليس في مقابلها عوض، لان الفرض أنها ليست في مقابله عمل " ولا وقع اشتراطها في عقد معاوضة، لتضم إلى أحد العوضين، ولا اقتضى تملكها وعقد هبة، والاسباب المثمرة للملك معدودة، وليس هذا أحدها، ولا هو إباحة للزيادة، إذ المشروط تملكها بحيث يستحقها المشروط

 

 

____________

(* 1) المائدة: 1. (* 2) النساء: 29. (* 3) الوسائل باب: 20 من ابواب المهور حديث: 4.

 

===============

 

( 31 )

 

[ كما ترى باطل (1). ودعوى: أن العمل بالشرط غير لازم، ] له، فيكون اشتراطها اشتراطا لتملك شخص مال غيره بغير سبب ناقل للملك، كما لو دفع إليه دابة ليحمل عليها والحاصل لهما، فيكون باطلا، فيبطل العقد المتضمن له إذ لم يقع التراضي بالشركة والاذن في التصرف الا على ذلك التقدير، ولا يندرج في قوله تعالى: (أوفوا بالعقود)، ولا في قوله (ع): " المؤمنون عند شروطهم ". أما عدم اندراجه في قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فظاهر، إذ الشركة ليست من التجارة في شئ، إذ هي مقابلة مال بمال. نعم لو شرط ذلك للعامل تحققت التجارة حينئذ، لان العمل مال، فهو في معنى القراض ". (1) فان قوله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) (* 1) وإن كان مقدما على قوله تعالى: " (أوفوا بالعقود) (* 2) وقوله تعالى: (تجارة عن تراض) (* 3) ونحوهما، إما لانه مخصص لها، أو وارد عليها، إلا أن كون الزيادة ليس في مقابلها عوض لا يستوجب أكل المال بالباطل، فان أكل مال الغير باذنه أو بتمليكه ليس من الاكل بالباطل ضرورة. كما أنه لا تنحصر صحة التملك بالمعاوضة والهبة كما ذكر - إذ لا دليل على ذلك، بل هو خلاف عموم صحة الشروط المقتضية للملك المجاني. هذا مضافا إلى أن بطلان الشرط لا يقتضي بطلان العقد، وعدم التراضي بالعقد الا على تقدير الشرط ممنوع، فان الرضا بالعقد ولشرط كان على نحو تعدد المطلوب، كما حقق في محله. ولذا بنى جماعة من المحققين على أن بطلان الشرط لا يقتضي بطلان العقد.

 

 

____________

(* 1) البقرة: 188، النساء: 29. (* 2) المائدة: 1. (* 3) النساء: 29.

 

===============

 

( 32 )

 

[ لانه في عقد جايز (1). مدفوعة أولا: بأنه مشترك الورود، ] (1) هذا محكي عن الرياض، وقد سبق أن عقد الشركة تارة: يراد به عقد التشريك في الملك، وأخرى: عقد التشريك في العمل والاذن في التصرف لهما، كما عرفت ظهور عبارات جماعة في أنه معنى عقد الشركة، وأنه بهذا المعنى كان من العقود الجائزة. وحينئذ فالشرط المذكور إن كان شرطا في الشركة بالمعنى الاول فهو شرط في عقد لازم، ولا ينافي لزومه بطلان الشركة بالقسمة، كما لا ينافي لزوم البيع بطلانه بالاقالة، كما ذكر ذلك في الجواهر. وإن كان شرطا في الشركة بالمعنى الثاني كان شرطا في عقد جائز لا لازم. لكن عرفت سابقا الاشكال في كون الشركة بهذا المعنى من العقود، لان الاذن في التصرف منهما كالاذن من أحدهما من قبيل الايقاع، الذي لا يصح فيه الشرط. نعم يصح الشرط في الاذن على معنى كونه عوض الاذن، فيكون الشرط مقوما للعقد، لا شرطا في العقد، بأن يقول الشريك لشريكه: أنت مأذون في العمل وحدك في المال المشترك على أن يكون لي ثلاثة أرباع الربح، فيقبل الشريك ذلك، لما يترتب على ذلك من الاغراض العقلائية، لكن الشرط بهذا المعنى ليس بالمعنى المصطلح في معنى الشرط في العقد، بأن يكون انشاء في ضمن انشاء، بل يكون قيدا مقوما للعقد. ولا مجال للتمسك فيه بقوله (ع): " المسلمون عند شروطهم " (* 1) بل يتمسك فيه بمثل: (أوفوا بالعقود). ومن ذلك يظهر أن شرط التفاوت مع العمل - الذي تقدم الاتفاق على صحته - من هذا القبيل، فانه معاملة بين الشريكين موضوعها العمل والتفاوت، لا أن ذلك شرط في العقد.

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 6 من أبواب الخيار من كتاب التجارة.

 

===============

 

( 33 )

 

[ إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به في صورة العمل أو زيادته (1) وثانيا: بأن غاية الامر جواز فسخ العقد فيسقط وجوب الوفاء بالشرط والمفروض في صورة عدم الفسخ (2)، فما لم يفسخ يجب الوفاء به. وليس معنى الفسخ حل العقد من الاول (3) ] (1) وقد عرفت أنه لا خلاف في صحة الشرط حينئذ ونفوذه. (2) يعني: المفروض ومحل الكلام في صورة عدم الفسخ، فيكون الشرط نافذا. (3) يعني: لو فرض أنه وقع الفسخ بعد ذلك لا يكون ذلك الفسخ موجبا لبطلان الشرط من أصله، لان الفسخ حل العقد من حينه - يعني: من حين وقوع الفسخ لامن أول الامر، وحينئذ يترتب أثر الشرط وإن وقع الفسخ بعده. هذا ولكن عرفت في مسألة بطلان الشركة في الابدان أن المعاوضة على مال الغير تقتضي دخول العوض في ملك مالك المعوض عنه، فالربح يجب أن يدخل في ملك مالك المال، فلا يصح اشتراط خلاف ذلك، لانه إن صح الشرط بطلت المعاوضة، وإن صحت المعاوضة بطل الشرط. نعم إذا كان المراد أن تمليك مقدار التفاوت للشريك بعد أن يدخل في ملك شريكه صح. لكنه خلاف الظاهر من جعل التفاوت له في غير مقام المعاوضة. نعم إذا كان الجعل في مقام المعاوضة - كما إذا كان له عمل - فان ذلك قرينة على كون المقدار خارجا عن ملك الشريك إلى ملكه، لانه عوض العمل الذي ترجع فائدته إلى من يخرج من ملكه، كما في الصورتين الاوليين اللتين لا خلاف فيهما في صحة الشرط. ولاجل ذلك كانت المضاربة لا مخالفة فيها للقاعدة من أجل أن جزء الربح المجعول للعامل في مقابل عمله، فيكون المراد صيرورته للعامل بعد أن يدخل في ملك المالك لا قبل أن يدخل في ملكه، ليلزم مخالفة

 

===============

 

( 34 )

 

القاعدة. وكذلك الحكم في المثال الذي ذكره في جامع المقاصد، وهو ما إذا دفع دابة إلى غيره ليحمل عليها ويكون الحاصل لهما، فان جزء الحاصل الذي يكون للعامل يراد منه ذلك بعد أن يدخل في ملك مالك الدابه في مقابل عمله، لا قبله ليلزم الاشكال، والقرينة على ذلك ظهور قصد المعاوضة الموجبة لدخول كل من العوضين في ملك مالك من خرج عنه الاخر. والذي يتحصل مما ذكرنا أمور: (الاول): أن المراد من الشرط في المقام ليس ما يكون انشاء في ضمن إنشاء، بل القيد المأخوذ في المعاملة سواء كان في مقابل عمل - كما في الصورتين - أم لا، كما في مورد الكلام. (الثاني): أن الوجه في البطلان في الصورة الاخيرة ليس من جهة أكل المال بالباطل، ولا من جهة أنه شرط في عقد جائز، بل من جهة أنها معاملة على خلاف مقتضى المعاملة الواقعة على أصل المال، فلا يمكن تصحيحهما معا، فان صحت المعاملة على المال بطلت هذه المعاملة وإن صحت هذه المعاملة بطلت المعاملة على المال. (الثالث): أن الوجه في الفرق بين الشرط مع العمل والشرط بدونه أنه مع العمل يكون المراد دخول جزء الربح في ملك العامل بعد خروجه من ملك الشريك، عملا بظاهر المعاوضة، ولا اشكال فيه، وبدون العمل يكون المراد دخوله في ملك الشريك قبل أن يدخل في ملك شريكه، فيلزم الاشكال. فلو فرض التصريح بأن الدخول في ملك من له التفاوت بعد دخوله في ملك الشريك تعين القول بالصحة. فالفارق بين المسألتين اختلافهما في المراد، لا اختلافهما في الدخول في الادلة، ليطالب بالوجه الفارق في ذلك. (الرابع): أن المعيار في الصحة والفساد كون اشتراط الزيادة لاحدهما بعد دخولها في ملك الشريك وقبله، فعلى الاول تصح، وعلى الثاني تبطل. (تنبيه): قال العلامة في القواعد: " ولو اشترطا التفاوت مع تساوي

 

===============

 

( 35 )

 

[ بل من حينه، فيجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط إلى ذلك الحين. هذا ولو شرطا تمام الربح لاحدهما بطل العقد، لانه خلاف مقتضاه (1). نعم لو شرطا كون تمام الخسارة على أحدهما فالظاهر صحته (2) لعدم كونه منافيا. (مسألة 6): إذا اشترطا في ضمن العقد (3) كون ] المالين أو التساوي مع تفاوته فالاقرب جوازه إن عملا أو أحدهما سواء اشترطت الزيادة له أو للآخر ". ووجهه غير ظاهر، فانه إذا جاز اشتراط الزيادة لغير العامل فلا وجه لاعتبار عمل غيره في ذلك، فاشتراط ذلك فيه لا يخلو وجهه من غموض وخفاء. (1) لم يتضح وجه الفرق بين تمام الربح وبعضه في كون شرط الاول مخالفا لمقتضى العقد دون الثاني، وقد عرفت أنه ليس هناك عقد وشرط، بل ليس إلا عقد فقط، غايته أنه مقيد بقيد ينافي صحة المعاملة الموجبة للربح. (2) الكلام في الخسارة بعينه الكلام في الربح، فان مقتضى المعاملات الواقعة على المال رجوع النقص على المالك، عملا بالعوضية كرجوع الزيادة إليه عملا بالعوضية، فرجوع الخسران إلى غير المالك خلاف مقتضى المعاوضة الذي لا يمكن أن يتخلف، فيكف لا يكون منافيا؟!. نعم لو أريد من رجوع الخسارة إلى أحدهما لزوم تداركهما فلا بأس به، ولا يكون منافيا لمقتضى المعاوضات، نظير ما عرفته في الربح. (3) الظاهر إرادة عقد التشريك في الملك لا عقد التشريك في العمل والتجارة، ولذا قال في الشرائع: " وإذا اشترك المال لم يجز لاحد الشركاء التصرف فبه إلا مع إذن الباقين، فان حصل الاذن لاحدهم تصرف هو دون الباقين، ويقتصر من التصرف على ما أذن له، فان

 

===============

 

( 36 )

 

[ العمل من أحدهما أو منهما مع استقلال كل منهما أو مع انضمامهما فهو المتبع ولا يجوز التعدي، وإن اطلقا لم يجز لواحد منهما التصرف إلا باذن الآخر. ومع الاذن بعد العقد أو الاشتراط فيه فان كان مقيدا بنوع خاص من التجارة لم يجز التعدي عنه. وكذا مع تعيين كيفية خاصة. وإن كان مطلقا فاللازم الاقتصار على المتعارف (1) من حيث النوع والكيفية. ويكون حال المأذون حال العامل في المضاربة، فلا يجوز البيع بالنسيئة، بل ولا الشراء بها، ولا يجوز السفر بالمال، وإن تعدى عما عين له أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف، ولكن يبقى الاذن بعد التعدي أيضا (2) إذ لا ينافي الضمان بقاءه. والاحوط مع اطلاق الاذن ملاحظة المصلحة، وإن كان لا يبعد كفاية عدم المفسدة (3). (مسألة 7): العامل أمين (4)، فلا يضمن التلف ] أطلق له الاذن تصرف كيف شاء "، ونحوه ما في القواعد وغيرها، فالحكم المذكور من أحكام الشركة وان لم تكن بعقد. (1) إذا كان التعارف قرينة على التقييد به أو صالحا لذلك، أما إذا لم يكن كذلك فلا مانع من الاخذ بخلافه، خصوصا إذا كان ذلك أقرب إلى المصلحة وأبعد عن الضرر. (2) لاطلاقه الشامل لذلك. (3) وفي الجواهر: " إن ذلك لا يخلو من قوة ". لكن وجهه غير ظاهر، إذ الاذن بالتجارة يقتضي الاختصاص بما فيه الفائدة، فلا إطلاق له يشمل رفع المفسدة. (4) عبر في الشرائع بقوله: " ولا يضمن الشريك ما تلف في يده "

 

===============

 

( 37 )

 

[ ما لم يفرط أو يتعدى. (مسألة 8): عقد الشركة من العقود الجايزة (1)، ] وفي القواعد: " والشريك أمين لا يضمن ما يتلف في يده "، والعبارات الثلاث واحدة المفاد، وهو عدم ضمان من هو مأذون في وضع يده على المال، لانه أمين. والحكم عندهم من المسلمات الواضحات، وهو كذلك، لما دل من النصوص على عدم ضمان الامين، وهي كثيرة. (1) قد اشتهر التعبير بذلك في كلام الجماعة، كالمحقق والعلامة والمحقق الثاني والشهيد الثاني وغيرهم، وعن الغنية والتذكرة: الاجماع عليه، قال في الشرائع: " ولكل واحد من الشركاء الرجوع في الاذن والمطالبة بالقسمة لانها غير لازمة "، وقال في القواعد: " ويجوز الرجوع في الاذن والمطالبة بالقسمة، إذ الشركة من العقود الجائزة من الطرفين " ونحوهما عبارات غيرهما، وفي المسالك في شرح عبارة الشرائع المتقدمة قال: " الشركة بمعنييها غير لازمة " وأشار إلي الاول بقوله: والمطالبة بالقسمة، وإلى الثاني بقوله: الرجوع في الاذن ". ويشكل: بأن المطالبة بالقسمة لا تنافي اللزوم، إذ القسمة ليست فسخا، وإنما هي تعيين الحصة المشاعة، وذلك وإن كان يقتضي زوال الاشاعة والاشتراك لكنه ليس فسخا لعقد التشريك في الملك، إذ الفسخ يقتضي رجوع كل مال إلى ملك مالكه قبل الاشتراك، وليست القسمة كذلك. ومجرد زوال الاشتراك به لا يوجب كونه فسخا، كما أن الطلاق لا يكون فسخا للنكاح وإن زال النكاح به. هذا إذا كان التشريك قد انشئ بالعقد " أما إذا كان قد حصل بالامتزاج فهو من الاحكام لا من العقود، فلا يقبل الجواز واللزوم حتى يكون طلب القسمة مقتضيا للجواز وأما الرجوع بالاذن فليس فسخا لعقد، وإنما هو رفع للاذن، والاذن ليس من العقود بل من الايقاع، كما أشرنا إلى ذلك في أول المبحث،

 

===============

 

( 38 )

 

[ فيجوز لكل من الشريكين فسخه (1)، لا بمعنى أن يكون الفسخ موجبا للانفساخ (2) من الاول أو من حينه بحيث تبطل الشركة (3)، إذ هي باقية ما لم تحصل القسمة، بل بمعنى جواز رجوع كل منهما عن الاذن في التصرف الذي بمنزلة عزل الوكيل ] وذكره شيخنا في الجواهر. ثم إنه في المسالك قرب أن يكون مراد الشرائع من قوله (ره): " غير لازمة " هو المعنى الثاني، لانه الذي يكون من العقود. لكن على هذا لا يحسن جعله تعليلا لطلب القسمة الذي ذكر أنه يتعلق بالمعنى الاول. فلاحظ. هذا والظاهر أن مراد الشرائع والقواعد وغيرهما من طلب القسمة طلب قسمة المال المشترك بعقد الشركة التجارية، يعني: أن الشريكين في التجارة يجوز لكل منهما نقضها بالرجوع عن الاذن وبطلب القسمة، في مقابل احتمال لزوم الاستمرار عليها، فيكون طلب القسمة أيضا منافيا للزوم الشركة التجارية، ولا يرتبط بالشركة الملكية، وحينئذ يتوجه الاشكال الاخير فقط، وهو: أن الشركة التجارية إيقاع لا عقد، فلا تقبل الجواز واللزوم. وإن شئت قلت: لا يمكن أن يكون المراد كل واحد من المعنيين للشركة، لانه من استعمال المشترك في اكثر من معنى، وحينئذ إما أن يراد المعنى الاول أو الثاني، والاول ممتنع لانه لا يرتبط بالاذن، فيتعين الثاني. (1) ذكر المصنف ذلك، لانه من أحكام جواز العقد ومن فروعه. (2) إذا لم يكن بهذا المعنى لم يكن من أحكام جواز العقد، بل يكون حكما خاصا، وحينئذ لا يكون جواز عقد الشركة بمعناه المصطلح بل يكون بمعنى آخر، وحينئذ لا داعي إلى هذا التعبير هذا الايهام. (3) إذا كان المراد من الشركة العقدية التمليكية فهي لازمة لا جائزة

 

===============

 

( 39 )

 

[ عن الوكالة (1) أو بمعنى مطالبة القسمة (2). وإذا رجع أحدهما عن إذنه الآخر - فيما لو كان كل منهما مأذونا - لم يجز التصرف للآخر، ويبقى الجواز بالنسبة إلى الاول (3) وإذا رجع كل منهما عن إذنه لم يجز لواحد منهما. وبمطالبة القسمة يجب القبول على الآخر، وإذا أوقعا الشركة على وجه يكون لاحدهما زيادة في الربح أو نقصان في الخسارة يمكن ] ولا يجوز فسخها، وإذا كان المراد الشركة التجارية فان كانت من العقود فلا مانع من أن تكون جائزة ويجوز فسخها وان بقيت الشركة في المال بحالها. نعم عرفت سابقا الاشكال في كونها من العقود، كي تقبل الجواز واللزوم، وتقبل الفسخ. (1) عزل الوكيل ليس فسخا للوكالة، وإنما هو اعتبار آخر وإن كان رافعا لها، كما أن طلاق الزوجة ليس فسخا لنكاحها، وعتق العبد ليس فسخا لشرائه أو استرقاقه، فان هذه العناوين الاعتبارية مباينه لاعتبار الفسخ. (2) الظاهر أنه لا إشكال في أنه يجوز للشريك مطالبة القسمة، ويقتضيه عموم السلطنة. لكنه ليس فسخا للسبب الموجب للتشريك، ولذا تصح القسمة في الموارد الذي لا يكون التشريك إنشائيا كالارث ونحوه. (3) هذا مما يوضح أن الرجوع عن الاذن ليس فسخا، إذ لو كان فسخا كان رفعا للاذن من الطرفين. نعم إذا كان الاذن من الطرفين مضمون عقد الشركة، فان كان عقد الشركة يقتضى الاذن فرفع الاذن من أحد الطرفين يقتضي ارتفاع الاذن من الآخر، لما بينهما من نوع المعاوضة، فيكون انفساخا قهريا. ومن ذلك يشكل ما عن التذكرة من الفرق بين قوله: " فسخت العقد " وبين قوله: " عزلتك "، حيث أن

 

===============

 

( 40 )

 

[ الفسخ، بمعنى إبطال هذا القرار، بحيث لو حصل بعده ربح أو خسران كان بنسبة المالين (1) على ما هو مقتضى إطلاق الشركة. (مسألة 9): لو ذكرا في عقد الشركة أجلا لا يلزم فيجوز لكل منهما الرجوع قبل انقضائه (2). إلا أن يكون مشروطا في ضمن عقد لازم، فيكون لازما. ] الاول يقتضي ارتفاع الاذن من الطرفين، بخلاف الثاني، لكن عرفت أن التحقيق أنه لا عقد ولا جواز ولا لزوم، وانما هو إيقاع من الطرفين، فإذا ارتفع أحدهما لم يرتفع الآخر. (1) هذا إذا كانت التفاوت قد أخذ شرطا زائدا على إنشاء الشركة التجارية، إذ حينئذ يجوز بطلان الشرط، ويبقى الانشاء المشروط فيه بحاله، ولذا يحوز للمشروط اسقاط شرطه من دون ورود خلل في أصل العقد. أما إذا كان قد أخذ مقوما للايقاع - كما عرفت - فإذا بطل أحتيج إلى إيقاع جديد. (2) قال في الشرائع: " ولو شرط التأجيل في الشركة لم يصح، ولكن منهما أن يرجع متى شاء "، وفي القواعد " ولا يصح التأجيل فيها " ونحوهما كلام غيرهما. وفي بعضها: أن المؤجلة باطلة. والظاهر أن المراد بطلان التأجيل، ولا بطلان أصل الشركة التجارية، بحيث لا يصح التصرف في المال والاتجار به، فضلا عن بطلان الشركة العقدية التمليكية. ثم إن الظاهر أنه لا إشكال في الحكم المذكور عندهم، وعللوة: بأن الشركة من العقود الجائزة، فلا تلزم بالشرط. والاشكال فيه ظاهر إذ لم يثبت أن الشركة التجارية من العقود، فضلا عن أن تكون جائزة. ولم سلم فلا مانع من صحة شرط اللزوم وعدم الفسخ إلى أجل في العقود الجائزة، كما تقدم من المصنف (ره) في أوائل المضاربة. اللهم إلا أن يكون جوازها

 

===============

 

( 41 )

 

[ (مسألة 10): لو ادعى أحدهما على الآخر الخيانة أو التفريط في الحفظ فأنكر عليه الحلف مع عدم البينة (1). (مسألة 11): إذا ادعى العامل التلف قبل قوله مع اليمين لانه أمين (2). (مسألة 12): تبطل الشركة بالموت (3)، والجنون والاغماء، والحجر بالفلس أو السفه، بمعنى: أنه لا يجوز للآخر ] اقتضائيا، فيكون الشرط مخالفا للكتاب. لكن بناء على هذا لا يصح وان كان في عقد لازم. نعم لو كان المستند الاجماع على بطلان الشرط أمكن اختصاص الاجماع بصورة الشرط في ضمن العقد، فلا يشمل غيره. لكن ثبوت الاجماع غير ظاهر. فالتحقيق أن الوجه فيه أن الشركة التجارية ليست إلا إيقاع الاذن من الشركاء، والاذن لا يقبل اللزوم ضرورة، فيجوز للآذن العدول عن إذنه ما لم يكن سبب ملزم. (1) لانه أمين، وليس على الامين إلا اليمين، كما سبق أنه مفاد النصوص (2) يعني: وليس على الامين إلا اليمين. ولا فرق بين أن يكون التلف المدعى بسبب ظاهر أو خفي - كما نص على ذلك في الشرائع وغيرها - لاطلاق الادلة، خلافا لبعض العامة. (3) كما نص على ذلك في الشرائع والقواعد وغيرهما من كتب القدماء والمتأخرين. ويظهر منهم الاجماع عليه، بل عن الغنية: الاجماع صريحا، وعن التذكرة: انفساخها بالاغماء والحجر والسفه، وعن التحرير وجامع المقاصد والمسالك: انفساخها بالفلس. والوجه في الحكم في الموت ظاهر، لانتقال المال إلى الوارث فلا يجوز التصرف بغير إذنه. وكذا في الفلس، لكون الاموال تحت سلطان الحاكم الشرعي، فلا يجوز التصرف بغير اذنه. أما في غيرهما فغير ظاهر، لولا ظهور الاجماع، وكما أن الاذن

 

===============

 

( 42 )

 

[ التصرف، وأما أصل الشركة فهي باقية (1). نعم يبطل أيضا ما قرراه من زيادة أحدهما في النماء بالنسبة إلى ماله أو نقصان الخسارة كذلك (2). إذا تبين بطلان الشركة فالمعاملات الواقعة قبله (3) محكومة بالصحة، ويكون الربح على نسبة المالين، لكفاية الاذن المفروض حصوله (4). نعم لو كان مقيدا بالصحة تكون كلها فضوليا بالنسبة إلى من يكون إذنه ] لا تبطل بالنوم لا تبطل عرفا بالاغماء والجنون والسفه، وإذا شك فالاستصحاب كاف في ترتيب الاحكام. (1) كما صرحوا بذلك على نحو يظهر منهم أنه من المسلمات، بل ينبغي أن يكون من الضروريات، وأن حدوث هذه الطوارئ لا يوجب إفراز الحقوق، ولا تعيين الحصة المشاعة، فالشركة التي حكم ببطلانها بالامور المذكورة هي الشركة في الاتجار بالمال والعمل به، بمعنى عدم جواز التصرف فيه. (2) لان بطلان العقد يستوجب بطلان الشرط في ضمنه، لانه حينئذ يكون من الشرط الابتدائي، وهو لا يجب العمل به. (3) يعني: قبل تبين البطلان. (4) يعني: أن الشركة إذا بطلت فبطل الشرط في ضمنها تبقى الاذن فيصح بها التصرف، وقد ذكر جماعة أنه إذا بطلت الوكالة يصح التصرف بالاذن التي في ضمنها، مثلا إذا علق الوكالة على شرط استقبالي بطلت للتعليق، لكن تبقى الاذن، فيصح لاجلها التصرف الصادر من الوكيل، لا لانه وكيل، بل لانه مأذون. فيكون هناك أمور ثلاثة: شركة عقدية، وشرط التفاوت، وإذن في التصرف، فإذا بطلت الشركة فبطل الشرط لم تنتف الاذن بالتصرف، فتصح المعاملات الجارية على المال. لكن عرفت

 

===============

 

( 43 )

 

[ مقيدا. ولكل منهما أجرة مثل عمله (1) بالنسبة إلى حصة الآخر إذا كان العمل منهما، وان كان من أحدهما فله أجرة مثل عمله. (مسألة 13): إذا اشترى أحدهما متاعا وادعى أنه ] أن الشركة العقدية نفس الاذن بالتصرف، والشرط إن فرض فهو قيد للاذن ومقوم لها لان الاذن بالتصرف أخذت مقيدة بالتفاوت، نظير الاباحة، فمع انتفاء القيد تتفي الاذن. هذا مضافا إلى أن المبطلات المذكورة إنما تبطل الشركة لانها تبطل الاذن فلا تصح الاذن معها، كما هو ظاهر، وقد سبق منه أنه لا يجوز التصرف. نعم لو فرض بطلان الشركة بمبطل غير الامور المذكورة أمكن القول ببقاء الاذن، كما تقدم ذلك في المضاربة. لكن ظاهر كلام المصنف (ره) الحكم في المبطلات المذكورة. ويحتمل بعيدا أن يكون المراد أن المعاملات الواقعة قبل البطلان صحيحة. لكن صحتها حينئذ من جهة صحة الشركة، لا لكفاية الاذن مع بطلان الشركة كما ذكر. وأيضا بناء على ذلك لا تختص الصحة بالمعاملات الواقعة قبل البطلان، بل يشمل حتى المعاملات الواقعة بعد البطلان، لان البطلان لا يوجب ارتفاع الاذن. (1) الذي يظهر من العبارة أن ذلك من أحكام البطلان، يعني إذا بطلت الشركة استحق العامل أجرة عمله بالنسبة إلى حصة شريكه، لاستيفائه العمل فيضمن بالاستيفاء. لكن يختص ذلك بما إذا فرض للعامل أجرة، أما إذا لم يفرض له أجرة فقاعده: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، تقتضي عدم الضمان. هذا والمصنف لم يتعرض في الشركة الصحيحة لاستحقاق الاجرة وعدمه، وكان المناسب ذلك، بل الظاهر من قوله في المسألة الخامسة:

 

===============

 

( 44 )

 

[ اشتراه لنفسه وادعى الآخر أنه اشتراه بالشركة، فمع عدم البينة القول قوله مع اليمين، لانه أعرف بنيته (1). كما أنه كذلك لو ادعى أنه اشتراه بالشركة وقال الآخر أنه اشتراه لنفسه، فانه يقدم قوله أيضا، لانه أعرف، ولانه أمين (2). تم كتاب الشركة ] " يتساوى الشريكان... " أن ذلك مبني على أن العمل مجاني، وكذلك ظاهر كلمات الفقهاء. وعليه فلا وجه لاستحقاق الاجرة مع البطلان. هذا ويحتمل بعيدا أن يكون كلامه هذا لبيان حكم العمل في الشركة الصحيحة، لكن كان المناسب أن يفصله عن هذه المسألة بمسألة أخرى. (1) يشير هذا التعليل إلى القاعدة المشهورة في كلام الاصحاب من قبول قول من لا يعرف المقول إلا من قبله، ويظهر أنها من القواعد المعول عليها عند العقلاء، ولولاها يلزم تعطيل أحكام المقول، إذ لا طريق إلى إثبات موضوعها، ويقتضيها قاعدة: من ملك شيئا ملك الاقرار به، المدعى عليها الاجماع في كلام الاصحاب، وقد مر ذلك في المسألة الثانية والخمسين من كتاب المضاربة. فراجع. (2) لا يظهر دليل على كلية سماع قول الامين الا في حال الاخبار عن وقوع الفعل المؤتمن عليه، كما إذا أخبرت الجارية بغسل الثوب الذي كلفت بغسله، أو يكون الخبر مع التداعي مع من ائتمنه في جملة من الموارد لا على كليته، فلو ادعى الرد لم يقبل قوله إلا في الودعي. فكان الاولى للمصنف (ره) أن يقول: لانه أمين على أداء الفعل الذي أخبر عن وقوعه.