فصل في أحكام المواقيت

[ فصل في أحكام المواقيت (مسألة 1): لا يجوز الاحرام قبل المواقيت (1)، ولا ينعقد (2)، ولا يكفي المرور عليها محرما، بل لابد من إنشائه جديدا. ففي خبر ميسرة (3: " دخلت على أبي ] فصل في أحكام المواقيت (1) المراد من عدم الجواز الحرمة التشريعية. ولو أريد الحرمة الذاتية فلا دليل. ولا سيما وأن المذكور في كلماتهم أنه لا ينعقد. وما في بعض النصوص، من النهي عن الاحرام قبل الميقات، فالظاهر الارشادي إلى عدم الصحة. (2) بلا خلاف أجده فيه. والنصوص وافية في الدلالة عليه. كذا في الجواهر. وفى كشف اللثام: (للنصوص، والاصل، والاجماع. خلافا للعامة). وفى المدارك: (عن المنتهى: أنه قول علمائنا أجمع). واستدل له: بصحيحة عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله (ع): (الاحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله لا ينبغي لحاج ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها) (* 1) وصحيح ابن أذينة قال: (قال أبو عبد الله (ع) - في حديث -: ومن أحرم قبل الميقات فلا إحرام له) (* 2). (3) رواه الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب المواقيت حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 9 من أبواب المواقيت حديث: 3.

 

===============

 

( 296 )

 

[ عبد الله (ع) وأنا متغير اللون، فقال (ع): من أين أحرمت بالحج؟ فقلت: من موضع كذا وكذا. فقال (ع): رب طالب خير يزل قدمه. ثم قال: أيسرك إن صليت الظهر في السفر أربعا؟ قلت: لا. قال: فهو والله ذاك ": نعم يستثنى من ذلك موضعان: أحدهما: إذا نذر الاحرام قبل الميقات (1)، فانه يجوز ويصح. للنصوص. منها خبر أبي بصير (2) عن أبي ] علي بن النعمان، عن علي بن عقبة، عن ميسرة قال: (دخلت على أبي عبد الله (ع)...) (* 1) إلى آخر ما في المتن ونحوه غيره من النصوص الكثيرة ويأتي بعضها. (1) حكاه - في كشف اللثام - عن النهاية، والمبسوط، والخلاف والتهذيب، والمراسم، والمهذب، والوسيلة، والنافع، والشرائع، والجامع. وفى كلام غيره نسبته إلى الاكثر، أو أكثر المتأخرين، أو المشهور. واستدل له بجملة من النصوص. منها: صحيح الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل جعل لله عليه شكرا أن يحرم من الكوفة. قال (ع): فليحرم من الكوفة، وليف لله بما قال) (* 2)، وخبر علي ابن أبي حمزة قال: (كتبت إلى أبي عبد الله (ع) أسأله عن رجل جعل لله عليه أن يحرم من الكوفة. قال (ع): يحرم من الكوفة) (* 3). (* 2) رواه الشيخ باسناده عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب المواقيت حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 13 من أبواب المواقيت حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 13 من أبواب المواقيت حديث: 2.

 

===============

 

( 297 )

 

أبي نصر، عن عبد الكريم، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) قال: (سمعته يقول. لو أن...) (* 1) لكن الظاهر منه مجرد جعل الاحرام من المواضع البعيدة على نفسه، من باب تحمل الزحمة في سبيل الطاعة، شكرا لله تعالى، لا أنه من باب نذر الشكر. لكن في الاولين كفاية. نعم عن جماعة: المنع، لبطلان النذر، لانه نذر غير مشروع، كما لو نذر الصلاة قبل وقتها، أو إيقاع المناسك في غير مواضعها. مع ضعف الاخبار، فان الاول وإن حكم بصحته في المنتهى وغيره، لكن المحكي عن أكثر نسخ التهذيب أن السائل فيه: (علي)، هكذا: (عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن علي...). والظاهر أنه ابن أبي حمزة. بل قيل: إن نسخ التهذيب متفقة على ذلك (* 2)، وإنما الحلبي بدله مذكور في نسخ الاستبصار (* 3). مع أن السند فيه هكذا: (الحسين ابن سعيد، عن حماد، عن الحلبي). والمعروف في الحلبي مطلقا: عبيد الله، وأخوه محمد. وحماد إن كان ابن عيسى فتبعد روايته عن عبيد الله بلا واسطة، وإن كان ابن عثمان فتبعد رواية الحسين بن سعيد عنه بلا واسطة. وتبعد أيضا إرادة عمران من إطلاق الحلبي. ولذلك قوى البطلان في كشف اللثام. وفيه: أنه لا مجال للطعن في الروايات بالضعف بعد اعتماد من عرفت عليها. فالعمل بها متعين. مع أنها إن لم تكن من الصحيح فهي من الموثق الداخل في موضوع دليل الحجية.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 13 من ابواب المواقيت حديث: 3. (* 2) المصرح به في بعض نسخ التهذيب: (الحلبي) لاحظ التهذيب الجزء: 5 الصفحة 53 طبع النجف الاشرف. (* 3) لاحظ الاستبصار الجزء: 2 الصفحة: 163 طبع النجف الاشرف.

 

===============

 

( 298 )

 

[ عبد الله (ع): " لو أن عبدا أنعم الله تعالى عليه نعمة، أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية، فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان كان عليه أن يتم ". ولا يضر عدم رجحان ذلك - بل مرجوحيته - قبل النذر، مع أن اللازم كون متعلق النذر راجحا (1). وذلك لاستكشاف رجحانه بشرط النذر من الاخبار (2)، واللازم رجحانه حين العمل (3) ولو كان ] (1) هذه الشبهة ذكرت في كلام من خالف في الحكم اعتمادا عليها. (2) هذا على ظاهره غير معقول، لان صحة النذر مشروطة بمشروعية المنذور، فلو كانت مشورعيته مشروطة بالنذر لزم الدور. ولا يمكن العمل بالاخبا ر إذا دلت على أمر غير معقول. (3) لا إشكال في ذلك، لكن الاشكال في تحقق الرجحان حين العمل فانه لا يعقل أن يكون مستندا إلى النذر. وكذلك الاشكال في نظيره. واللازم في التخلص عن الاشكال أن يقال: إن الاخبار دلت على صحة النذر، اللازمة لمشروعية متعلقة. أما أنها كانت لاجل النذر أو لجهة ملازمة له فلا يستفاد من الاخبار. ولما كان الاول غير معقول تعين الثاني. وليس الدليل على عدم مشروعية الاحرام قبل الميقات إلا كسائر الادلة، يصح تقييد إطلاقه الاحوالي، كما يصح تقييد اطلاق غيره. وقد دل الدليل على صحة الصلاة تماما في السفر في بعض الموارد، وعلى صحة الصلاة قبل الوقت في بعض الموارد، وكما جاز الخروج به عن إطلاق دليل بطلان الصلاة تماما في السفر، وعن إطلاق دليل بطلان الصلاة قبل الوقت، فليجز في المقام ذلك.

 

===============

 

( 299 )

 

[ ذلك للنذر. ونظيره: مسأله الصوم في السفر المرجوح أو المحرم من حيث هو، مع صحته ورجحانه بالنذر. ولابد من دليل يدل على كونه راجحا بشرط النذر، فلا يرد أن لازم ذلك صحة نذر كل مكروه أو محرم. وفي المقامين المذكورين الكاشف هو الاخبار. فالقول بعدم الانعقاد - كما عن جماعة (1)، ] نعم يفترق المقام عن غيره أن عنوان المقيد في سائر المقامات يجوز أن يكون علة لحكم المقيد، وفى المقام لا يجوز ذلك، لئلا يلزم الدور. لكن هذا المقدار - مع إمكان استكشاف عنوان موجب لحكم المقيد ملازم لعنوان المقيد - لا يوجب الفرق بين المقامات، في وجوب الخروج عن الاطلاق بالمقيد. (1) المراد بهم الحلي، والعلامة في المختلف. وعن المحقق، في المعتبر: الميل إليه. أما الحلي فعذره واضح على أصله - كما في المسالك - لبنائه على عدم العمل باخبار الآحاد، وأما العلامة في المختلف فلم يذكر دليلا على الجواز إلا رواية الحلي - ونسبها إلى علي بن أبي حمزة البطائني - ورواية أبي بصير. وطعن في الاولى: بأن البطائني واقفي، وفى الثانية: بأن في طريقها سماعة، وهو أيضا واقفي. وأما المحقق في المعتبر فنسب الروايتين الاولتين إلى علي بن أبي حمزة، وأنه تارة يرويها عن أبي عبد الله (ع)، وتارة يقول - كتبت إلى أبي عبد الله (ع). ثم ذكر رواية سماعة عن أبي بصير، ثم طعن فيهما بأن علي بن أبي حمزة واقفي، وكذا سماعة. وقال في المسالك: (ولم يذكر - يعني: العلامة - في المختلف صحيحة الحلبي، وهي مستند واضح. والعجب أنه في المنتهى والتذكرة أفتى بالجواز، مستدلا بها ولم يذكر غيرها. وحينئذ فالجواز أقوى). وقد عرفت أن

 

===============

 

( 300 )

 

[ لما ذكر - لا وجه له. لوجود النصوص، وإمكان تطبيقها على القاعدة. وفي الحاق العهد واليمين بالنذر وعدمه وجوه، ثالثها: (1) الحاق العهد دون اليمين (2). ولا يبعد الاول، ] اعتماد الاصحاب على الرواية - على تقدير ضعفها - موجب لدخولها في موضوع الحجية، فضلا عن أن تكون صحيحة، أو موثقة. (1) وأولها: الالحاق. استظهره في المسالك، واستدل له: بأن النصوص شاملة له. فانها مفروضة فيمن جعل ذلك عليه لله. وثانيها: العدم. وهو ظاهر كل من اقتصر على النذر، وربما مال إليه في الجواهر. (2) لما عرفت في أول فصل نذر الحج، من أن النذر يتضمن إنشاء تمليك الله سبحانه نفس المنذور، والعهد يتضمن إنشاء المعاهدة مع الله على فعل، واليمين ليس فيه إنشاء مضمون إيقاعي، فلا جعل فيه لله تعالى، فلا يدخل في النصوص. بل العهد كذلك، فان إنشاء المعاهدة لا يرجع إلى جعل شئ لله تعالى، فلا وجه لدخوله في النصوص أيضا. بل التحقيق: ان المعاهد ليست من المعاني الايقاعية، بل من الامور الحقيقية، والمعاني الايقاعية هي التي تكون موضوعا للمعاهدة. وتحقيق ذلك موكول إلى محله وإرجاع المعاهدة مع الله سبحانه على فعل شئ إلى جعل شئ له تعالى غير واضح، بل ممنوع. ولاجل ذلك نقول: إذا صالحت زيدا على أن يصلي عنك أو تصلي عنه، كان مفاد عقد الصلح غير مفاده لو صالحته على أن يكون لك عليه أن يصلي عنك وله عليك أن تصلي عنه، فان مفاد الاول لا تمليك فيه، ومفاد الثاني فيه إنشاء التمليك. وكذا في الشرط، فقد يشترط عليه أن يخيط ثوبه، فيقول: بعتك وعليك ان تخيط ثوبي، فلا تمليك، وقد يشترط

 

===============

 

( 301 )

 

[ لامكان الاستفادة من الاخبار. والاحوط الثاني (1)، لكون الحكم على خلاف القاعدة. هذا ولا يلزم التجديد في الميقات (2)، ] أن له عليه أن يخيط ثوبة، فيقول: بعتك ولي عليك أن تخيط ثوبي، فيكون مشتملا على التمليك، فارجاع أحد المضمونين إلى الآخر غير ظاهر. اللهم إلا أن يقال: إن التمليك يستفاد من الشرط الوارد في مقام المعاوضات على اختلاف مضامينه، لان وروده في ذلك المقام يستوجب القصد إلى التمليك. ولذا يكون الشرط موروثا للوارث، ولو كان خاليا عن التمليك لم يكن وجه للارث. لكن لو تم ذلك لم يرد في العهد، إذ لا قرينة على هذا التمليك، لا حالية ولا مقالية. فالبناء على دخول العقد واليمين في النصوص غير ظاهر. ولذا اقتصر الاصحاب على ذكر النذر، ولم يتعرضوا للعهد ولا لليمين. نعم لو تمت دلالة رواية أبي بصير كانت عامة للجميع. فالتفصيل بين العهد واليمين أضعف الوجوه. ودونه في الضعف العموم، فان رواية أبي بصير قد عرفت الاشكال فيها. وحملها - بقرينة الاجماع على عدم العمل بظاهرها - على غيرها يقتضي الخصوص لا العموم. فإذا المتعين ما هو ظاهر الاصحاب، وهو الاختصاص بالنذر، لا غير. (1) يشكل بأن الثاني وإن كان أحوط من جهة، لكنه خلاف الاحتياط من جهة مخالفة النذر، والمقام من قبل الدوران بين محذورين. (2) وإن حكي عن المراسم والرواندي. فانه لاوجه له بعد صحة الاحرام المنذور. واشكل منه ما حكي عن بعض القيود، من أنه إذا نذر إحراما واجبا وجب تجديده في الميقات، وإلا استحب. فانه تفصيل بلا فاصل ظاهر.

 

===============

 

( 302 )

 

[ ولا المرور عليها. وإن كان الاحوط التجديد، خروجا عن شبهة الخلاف. والظاهر اعتبار تعيين المكان (1)، فلا يصح نذر الاحرام قبل الميقات مطلقا، فيكون مخيرا بين الامكنة لانه القدر المتيقن، بعد عدم الاطلاق في الاخبار. نعم لا يبعد الترديد بين المكانين (2)، بأن يقول: " لله علي أن أحرم إما من الكوفة أو من البصرة "، وإن كان الاحوط خلافه. ولا فرق بين كون الاحرام للحج الواجب، أو المندوب، أو للعمرة المفردة (3). نعم لو كان للحج أو عمرة التمتع يشترط أن يكون في أشهر الحج (4)، لاعتبار كون الاحرام لهما فيها، والنصوص إنما جوزت قبل الوقت المكاني فقط. ] (1) كما نص على ذلك في الحدائق والمستند. (2) لا يظهر الفرق بين هذه المسألة وما قبلها، فان كلا منهما غير المتيقن من الاطلاق. بل مقتضى الاقتصار على المتيقن الاقتصار على خصوص الكوفة، أو مع البصرة، بناء على دلالة روايتها على المقام، أو لزوم حملها عليه. (3) لاطلاق النص والفتوى. (4) كما نص على ذلك المحقق في كتبه، ووافقه عليه من تأخر عنه. عملا بعموم ما دل على عدم صحة عمرة التمتع وحجه في غير أشهر الحج. والنصوص المتقدمة إنما دلت على صحة النذر إذا قدمه على الميقات، ولم تتعرض لصحته إذا نذر تقديمه على وقته، فلا موجب للخروج عن عموم أدلة المنع.

 

===============

 

( 303 )

 

[ ثم لو نذر وخالف نذره فلم يحرم من ذلك المكان - نسيانا أو عمدا - لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات (1). نعم عليه الكفارة إذا خالفه متعمدا. ثانيهما: إذا أراد إدراك عمرة رجب وخشي تقضيه إن أخر الاحرام إلى الميقات، فانه يجوز له الاحرام قبل الميقات (2) وتحسب له عمرة رجب، وان أتى ببقية الاعمال في شعبان. لصحيحة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع): " عن رجل يجئ معتمرا ينوي عمرة رجب، فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق، أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب، أو يؤخر الاحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال: يحرم قبل الوقت لرجب. فان لرجب فضلا " (3)، وصحيحة معاوية بن عمار: سمعت ] (1) أما في النسيان فظاهر، لوقوع الاحرام على الوجه المشروع فيصح. وأما في العمد فمشكل، لان النذر يقتضي ملك الله سبحانه للمنذور على وجه يمنع من قدره المكلف على تفويته، والاحرام من الميقات عمدا لما كان تفويتا للواجب المملوك كان حراما، فيبطل إذا كان عبادة. وقد تقدم ذلك في مواضع من هذا الشرح. فراجع المسألة الواحدة والثلاثين من فصل نذر الحج، ونذر الصلاة جماعة وغيرها، وتأمل. (2) في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه)، وفى المعتبر: (عليه اتفاق علمائنا)، وفى المسالك: (هو موضع نص ووفاق)، وفى المنتهى: (على ذلك فتوى علمائنا). (3) رواها الشيخ عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن إسحاق (* 1)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من أبواب المواقيت حديث: 2.

 

===============

 

( 304 )

 

[ أبا عبد الله (ع) يقول: ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وآله. إلا أن يخاف فوت الشهر في العمرة " (1) ومقتضى إطلاق الثانية جواز ذلك لادراك عمرة غير رجب أيضا، حيث أن لكل شهر عمرة. لكن الاصحاب خصصوا ذلك برجب (2). فهو الاحوط، حيث ان الحكم على خلاف القاعدة. والاولى والاحوط - مع ذلك - التجديد في الميقات (3) كما أن الاحوط التأخير إلى آخر الوقت. وإن كان الظاهر جواز الاحرام قبل الضيق إذا علم عدم الادراك إذا أخر إلى الميقات (4). ] وطريق الشيخ إلى الحسين صحيح، وصفوان من الاعيان، ومن أصحاب الاجماع ورواه الكليني عن أبي علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان عنه. وأبو علي الاشعري ومحمد كلاهما من الاعيان، وأما إسحاق فالمعروف عد حديثه موثقا. لكن الذي حققه بعض المتأخرين أن حديثه صحيح، وهو بالقبول حقيق. ولذلك عد في الجواهر هذا الحديث في الصحيح. (1) رواها الشيخ عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن معاوية. ورواها الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبن أبي عمير، عنه (* 1) والسند في الجميع لا مجال للمناقشة فيه. (2) في الجواهر: (لم أجد به عاملا في غير رجب). ولعله للعلة التي أشار إليها الامام (ع) في الصحيح الآخر. (3) فان الحكم لم يتعرض له كثير من الاصحاب - كما في كشف اللثام - ولعل ذلك منهم خلاف فيه. (4) جعله في الجواهر الاقوى لما ذكر. وقال في المسالك: (ولا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من أبواب المواقيت حديث: 1.

 

===============

 

( 305 )

 

[ بل هو الاولى، حيث أنه يقع باقي أعمالها أيضا في رجب. والظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة والواجبة بالاصل (1) أو بالنذر ونحوه. (مسألة 2): كما لا يجوز تقديم الاحرام على الميقات كذلك لا يجوز التأخير عنها (2)، فلا يجوز لمن أراد الحج ] يشترط إيقاع الاحرام في آخر جزء منه، بل المعتبر وقوعه فيه. عملا باطلاق النص، وإن كان آخر أولى). وأولوية آخره بملاحظة الاحتياط فلا تنافي الاولوية المذكورة في المتن. بلحاظ أن التقدم يستوجب وقوع العمرة في مدة طويلة من الشهر، بخلاف التأخير. ولعل مراد المصنف (ره) ذلك، وان كانت العبارة لا تساعد عليه. (1) عموم النص لها لا يخلو من تأمل أو منع. (2) إجماعا - بقسميه - ونصوصا. كذا في الجواهر. وللنصوص، والاجماع. وفى المعتبر والمنتهى: اجماع العلماء كافة عليه. كذا في كشف اللثام. ونحوهما كلام غيرهما. وفى صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: (من تمام الحج والعمرة، أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله لا تجاوزها إلا وأنت محرم) (* 1). وفى صحيح صفوان: (فلا تجاوز الميقات إلا من علة) (* 2). وفى صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) - في حديث - قال: (ولا تجاوز الجحفة إلا محرما) (* 3). وفى دلالتها على الحرمة الذاتية تأمل.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب المواقيت حديث: 2. وباب: 16 منه حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب المواقيت حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 6 من أبواب المواقيت حديث: 3 وباب: 16 منه حديث: 2.

 

===============

 

( 306 )

 

[ أو العمرة أو دخول مكة أن يجاوز الميقات اختيارا إلا محرما بل الاحوط عد المجاوزة عن محاذاة الميقات إلا محرما وإن كان أمامه ميقات آخر (1). فلو لم يحرم منها وجب العود إليها مع الامكان. إلا إذا كان أمامه ميقات آخر، فانه يجزيه الاحرام منها (2)، ] (1) لان قوله (ع) في صحيح ابن سنان المتقدم: (فليكن احرامه) (* 1) ظاهر في الوجوب. وكذا قوله (ع) في الصحيح الآخر: (فليحرم منها...) (* 2) فيكون ترك الاحرام حراما. ولا يتضح الفرق بين المحاذاة وبين نفس الميقات، فان لسان الادلة في الجميع على نحو واحد. فتوقف المصنف (ره) في المحاذاة غير ظاهر. (2) كما هو ظاهر المسالك. قال: وفى بعض الاخبار أنه يرجع إلى ميقاته في جميع الصور - يعني: صور تجاوز الميقات بلا إحرام - والظاهر أنه غير متعين بل يجزي رجوعه إلى أي ميقات شاء، لانها مواقيت لمن مر بها، وهو عند وصوله كذلك). وفى المدارك: (لا يخفى أنه إنما يجب العود إذا لم يكن في طريقه ميقات آخر، وإلا لم يجب - كما مر - بل يؤخر إلى الميقات. وفى الجواهر: (هذا كله إذا لم يكن في طريقه ميقات آخر، وإلا لم يجب عليه الرجوع أيضا على كل حال، بناء على ما تقدم، من الاجتزاء بالاحرام منه مع الاختيار، فضلا عن العذر). والمراد ببعض الاخبار - في صدر كلام المسالك -: صحيح الحلبي (سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 7 من ابواب المواقيت حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 7 من أبواب المواقيت حديث: 3.

 

===============

 

( 307 )

 

قال (ع): قال أبي (ع): يخرج إلى ميقات أهل أرضه، فان خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه، فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم) (* 1)، وصحيحه الآخر: (سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل ترك الاحرام حتى دخل الحرم. فقال (ع): يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم. فان خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم) (* 2). ونحوهما خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) (* 3)، وصحيح معاوية ابن عمار قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن امرأة كانت مع قوم، فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أعليك إحرام أم لا وأنت حائض؟ فتركوها حتى دخلت الحرم. فقال (ع): إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه، فان لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعدما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها) (* 4). وفى رواية الشيخ: (بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم) (* 5). وأما ما ذكره من أن المواقيت مواقيت لمن مر بها، فهو وإن كان صحيحا، لكن لا مجال للاخذ باطلاق توقيتها بعد ورود الدليل الخاص الآمر بالرجوع إلى ميقاته. نعم قد يظهر من صحيح معاوية الرجوع إلى مطلق الميقات. لكن لو تم فهو مقيدا أيضا على أنه من القريب أن يكون المراد به الميقات الذي عبروا عليه حين سألتهم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من ابواب المواقيت حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 14 من ابواب المواقيت حديث: 9. (* 4) الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت حديث: 4. (* 5) الوسائل باب: 14 من ابواب المواقيت ملحق حديث: 4.

 

===============

 

( 308 )

 

[ وإن أثم بترك الاحرام من الميقات الاول (1). والاحوط العود إليها مع الامكان مطلقا، وإن كان أمامه ميقات آخر. ] المرأة، بقرينة التعبير بالرجوع. نعم ظاهر الصحيحين الاولين خصوص ميقات بلده وإن لم يكن قد عبر عليه. لكن يتعين حملهما على ما عبر عليه بقرينة التعبير بالرجوع في ثانيهما. أو بقرينة الاجماع على خلافهما. نعم قد يظهر من موثق ابن بكير عن زرارة: (عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم، فقدموا إلى الميقات وهي لا تصلي، فجهلوا أن مثلها ينبغي أن تحرم، فمضوا بها - كما هي - حتى قدموا مكة وهي طامث حلال، فسألوا الناس، فقالوا: تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم منه. فكانت إذا فعلت لم تدرك الحج، فسألوا أبا جعفر (ع)، فقال (ع): تحرم من مكانها، قد علم الله تعالى بنيتها) (* 1). أنه يجزي الخروج إلى بعض المواقيت، أيها كان. لكن المسؤول فيه ليس هو الامام (ع) ولا يظهر من أبي جعفر (ع) تقرير للجواب المذكور، إذ لم يعرض عليه الجواب الصادر من الناس. وأما ما ذكره في المسالك، من أن المواقيت مواقيت لمن مر بها وهو عند وصوله كذلك، فهو مسلم، لكن لا يصلح للخروج به عن ظاهر النصوص المذكورة، لان نسبتها إلى دليل التوقيت نسبة الخاصة إلى العام. فإذا المتعين الرجوع إلى الميقات الذي عبر عليه ولا يجزي غيره. (1) قد اشتهر ذلك في كلماتهم. وقد أشرنا إلى أن الامر بالاحرام من الميقات ليس مولويا بل إرشادي إلى الشرطية، كما في جميع الاوامر الواردة في مقام بيان الماهيات العرفية، فضلا عن المخترعات الشرعية. وعليه عمل الفقهاء في جميع أبواب العبادات والمعاملات. فإذا أمر الشارع بالاطمئنان

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت حديث: 6.

 

===============

 

( 309 )

 

[ وأما إذا لم يرد النسك، ولا دخول مكة - بأن كان له شغل خارج مكة ولو كان في الحرم - فلا يجب الاحرام. نعم في بعض الاخبار (1): وجوب الاحرام من الميقات إذا أراد دخول الحرم وان لم يرد دخول مكة. لكن قد يدعى الاجماع على عدم وجوبه (2). وإن كان يمكن استظهاره من بعض الكلمات (3). ] حال الصلاة كان المراد به الارشاد إلى شرطية الاطمئنان في الصلاة، لا وجوب الاطمئنان وجوبا مولويا، بحيث يكون تركه موجبا للاثم مع صحة الصلاة. وكذلك في المقام، فان الظاهر أن الامر بالاحرام من الميقات إرشادي إلى شرطية الاحرام من الميقات في صحة النسك - حجا أو عمرة - فلا تكون مخالفته مستوجبة للاثم. اللهم إلا أن يكون مراده الاثم من جهة الحرمة التشريعية، لكون المفروض كونه عامدا. لكن الظاهر إرادة الحرمة الذاتية، كما يفهم مما يأتي في المسأله الآتية. (1) وهو صحيح عاصم بن حميد قال: (قلت لابي عبد الله (ع): يدخل الحرم أحد إلا محرما؟ قال: لا. إلا مريض، أو مبطون) (* 1) وصحيح محمد بن مسلم: (سألت أبا جعفر (ع)، هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟ قال (ع): لا. إلا أن يكون مريضا، أو به بطن) (* 2). (2) قال في المدارك: (قد أجمع العلماء على أن من مر على الميقات وهو لا يريد دخول مكة بل يريد حاجة فيما سواها لا يلزمه الاحرام). (3) في الوسائل: التصريح به. قال (ره): (باب: أنه لا يجوز دخول مكة ولا الحرم بغير إحرام) (* 3) وفى كشف اللثام: عن الجامع

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 50 من ابواب الاحرام حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 50 من ابواب الاحرام حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 50 من ابواب الاحرام.

 

===============

 

( 310 )

 

[ (مسألة 3): لو أخر الاحرام من الميقات عالما عامدا ولم يتمكن من العود إليها - لضيق الوقت أو لعذر آخر - ولم يكن أمامه ميقات آخر، بطل إحرامه (1)، وحجه (2)، على المشهور (3) الاقوى، ووجب عليه قضاؤه إذا كان مستطيعا (4) واما إذا لم يكن مستطيعا فلا يجب، وأن أثم بترك الاحرام بالمرور على الميقات (5). ] والتذكرة ذلك أيضا. وظاهره: الميل إليه، لانه استدل له برواية عاصم ولم يتعرض للمناقشة فيها. وفى المستند: (ومقتضى بعض هذه الاخبار عدم جواز دخول الحرم بغير إحرام، كما حكي الفتوى به عن جمع. وهو الاحوط، بل الاظهر). ولاجله تشكل دعوى لزوم رفع اليد عن ظاهر الصحيحين، بدعوى الاجماع في المدارك، فيحملان على خصوص صورة إرادة مكة من دخول الحرم، كما في مجمع البرهان. (1) كما في الشرائع وغيرها من كتب المحقق. وفى القواعد وعن النهاية والاقتصاد والسرائر وغيرها. لانه مقتضى إطلاق دليل التوقيت، الموجب لبطلان الاحرام من غير الوقت. (2) كما حكي التصريح به عن جماعة منهم. لفوات الكل بانتفاء جزئه أو المشروط بانتفاء شرطه. نعم في الشرائع والقواعد وغيرهما اقتصر على ذكر بطلان الاحرام، ولم يتعرض فيها للنسك. ولكن الظاهر منهم ذلك لما عرفت. (3) وفى الجواهر: (وفاقا للاكثر المشهور، بل ربما يفهم من غير واحد: عدم الخلاف فيه بيننا). (4) يعني: أداؤه في السنة اللاحقة. (5) الموجب لترك الحج إذا كان واجبا عليه، أو الموجب للدخول

 

===============

 

( 311 )

 

[ خصوصا إذا لم يدخل مكة. والقول بوجوبه عليه ولو لم يكن مستطيعا (1)، بدعوى: وجوب ذلك عليه إذا قصد مكة، فمع تركه يجب قضاؤه. لا دليل عليه. خصوصا ذاا لم يدخل مكة (2). ] في الحرم محلا. لكن الاثم حينئذ بالدخول في الحرم محلا لا يترك الاحرام ولا مقدمية بينهما. (1) قال في المسالك: (وحيث يتعذر رجوعه مع التعمد يبطل نسكه ويجب عليه قضاؤه، وإن لم يكن مستطيعا للنسك بل كان وجوبه بسبب إرادة دخول الحرم، فان ذلك موجب للاحرام، فإذا لم يأت به وجب قضاؤه كالمنذور. نعم لو رجع بعد تجاوز الميقات ولما يدخل الحرم فلا قضاء عليه، وإن أثم بتأخير الاحرام. وادعى العلامه (* 1) في التذكرة الاجماع عليه). وفى المدارك: (هو غير جيد، لان القضاء فرض مستأنف فيتوقف على دليل، وهو منتف هنا. والاصح سقوط القضاء، كما اختاره في المنتهى. واستدل عليه بأصالة البراءة من القضاء. وبأن الاحرام مشروع لتحية البقعة فإذا لم يأت به سقط، كتحية المسجد. وهو حسن). ووجه في الجواهر كلام الشهيد في المسالك: بأن مراده وحوب القضاء على من دخل مكة حاجا ولو باحرام من دونه، وعليه يكون القضاء للحج لا للاحرام. ولكنه أيضا يشكل: بأنه لا دليل على وجوب القضاء في هذه الصورة أيضا، والاصل البراءة. على أنه خلاف ظاهر قوله: (موجب للاحرام فإذا...). (2) فان هذه الصورة داخلة في كلام المسالك. ووجه الخصوصية:

 

 

____________

(* 1) قال في التذكرة: " ولو تجاوز الميقات ورجع ولم يدخل الحرم فلا قضاء عليه. بلا خلاف نعلمه، سواء أراد النسك أو لم يرده " منه قدس سره.

 

===============

 

( 312 )

 

[ وذلك لان الواجب عليه إنما كان الاحرام لشرف البقعة - كصلاة التحية في دخول المسجد - فلا قضاء مع تركه. مع أن وجوب الاحرام لذلك لا يوجب وجوب الحج عليه (1)، وأيضا إذا بدا له ولم يدخل مكة كشف عن عدم الوجوب من الاول (2). وذهب بعضهم إلى أنه لو تعذر عليه العود إلى الميقات أحرم من مكانه (3)، كما في الناسي والجاهل. نظير ما إذا ترك التوضي إلى أن ضاق الوقت، فانه يتيمم وتصح صلاته، وإن أثم بترك الوضوء متعمدا. وفيه: أن البدلية في المقام لم تثبت، بخلاف مسألة التيمم، والمفروض أنه ترك ما وجب عليه متعمدا. ] ما عرفت من المشهور، من أن الاحرام إنما يجب لدخول مكة، فإذا لم يدخل لم يكن ما يوجبه، فلا وجه للقضاء مع عدم وجوب الاداء. إلا أن يقال: يجب عند الشهيد الاحرام لدخول الحرم عند إرادة دخول مكة وإن لم يدخلها) بحيث يكون الوجوب واقعيا. (1) لان قضاء الاحرام يكون بالاحرام ثانيا ولو للعمرة المفردة. إلا أن يكون مقصود الشهيد ما ذكر في الجواهر، وهو ما لو دخل حاجا. فالمقتضى يكون هو الحج لا الاحرام. لكن عرفت: أنه لا دليل عليه أيضا. (2) فلا أداء، فلا وجه للقضاء حينئذ. لكن عرفت إمكان التأمل في ذلك عند الشهيد. (3) في الجواهر: أنه محكي عن جماعة من المتأخرين. وفى كشف اللثام: أنه محتمل إطلاق المبسوط والمصباح ومختصره. وهو قوي. وفى

 

===============

 

( 313 )

 

[ (مسألة 4): لو كان قاصدا من الميقات للعمرة المفردة وترك الاحرام لها متعمدا، ويجوز له أن يحرم من أدنى الحل وإن كان متمكنا من العود إلى الميقات (1). فأدنى الحل له مثل كون الميقات أمامه، وإن كان الاحوط - مع ذلك - ] المستند اختياره، ونسبته إلى المحكي عن الكتب الثلاثة، وجماعة من متأخري المتأخرين. لاطلاق صحيح الحلبي الثاني المتقدم (* 1)، الموجب لتنزيل إطلاق دليل التوقيت على غير صورة التعذر. لكن في الجواهر: ليس ذلك بأولى من تنزيل إطلاق صحيح الحلبي على غير الفرض - يعني: غير العامد - وهو أولى من وجوه). وكأن المراد من الوجوه: الشهرة والحمل على الصحة. فان التنزيل الثاني أوفق بالشهرة في الفتوى والشهرة في الرواية فان روايات التوقت أكثر عددا. وكذا الحمل على الصحة، فان حمل الترك على الاعم من العمد خلاف حمل المسلم على الصحة. أقول: الصحيح من قبيل الخاص بالنسبة إلى دليل التوقيت، والخاص مقدم على العام. ولاجل ذلك لا مجال للرجوع إلى المرجحات المذكورة، لو كانت في نفسها من المرجحات. نعم الحمل على الصحة ربما يقتضي انصراف الصحيح عن العامد. لكنه بدوي لا يعتد به. فالبناء على إلحاق العامد بغيره أقرب إلى العمل بالادلة. (1) قال في الجواهر: (ثم إن ظاهر المتن والقواعد وغيرهما - يعني مما تضمن عدم صحة الاحرام لو تجاوز الميقات عمدا - بطلان الاحرام منه ولو للعمرة المفردة، وحينئذ لا يباح له دخول مكة حتى يحرم من الميقات.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت حديث: 7. وقد تقدم ذلك في المسألة: 2 من هذا الفصل.

 

===============

 

( 314 )

 

[ العود إلى الميقات. ولو لم يتمكن من العود، ولا الاحرام من أدنى الحل بطلت عمرته. (مسألة 5): لو كان مريضا لم يتمكن من النزع ولبس الثوبين يجزيه النية والتلبية (1)، فإذا زال عندها نزع ] بل عن بعض الاصحاب: التصريح بذلك. لكن قد يقال: إن المراد بطلان الاحرام لا للعمرة المفردة التي أدنى الحل ميقات لها اختياري، وإن أثم يتركه الاحرام عند مروره بالميقات، بل قيل: إن الاصحاب إنما صرحوا بذلك لا بطلانه مطلقا. ويمكن صرف ظاهر المتن وغيره إليه ولعله الاقوى). أقول: قد عرفت أن الاقوى وجوب الرجوع إلى الميقات الذي عبر عليه وان كان أمامه ميقات آخر. ولو بني على جواز الاحرام من الميقات الآخر الذى أمامه لا مجال لجعل المفروض منه، إذ لا إطلاق يدل على أن ميقات العمرة المفردة أدنى الحل يشمل الفرض، كي يرجع إليه فيه، بل الادلة فيه مختصة بغيره، كما تقدم في الميقات العاشر. وحينئذ يتعين الاخذ باطلاق التوقيت، الشامل للعمرة المفردة. بل قد يشكل فيها جواز الاحرام من موضعه إذا لم يتمكن من الرجوع إلى الميقات، لاختصاص النصوص المتقدمة بالحج، أو به وبالعمرة المتمتع بها. اللهم إلا أن تلحق بها للاولوية. (1) المحكي عن الشيخ في النهاية: أنه قال: (من عرض له مانع من الاحرام جاز له أن يؤخره عن الميقات، فإذا زال المانع أحرم من الموضع الذي انتهى إليه). وعن ابن ادريس: أن مقصوده تأخير كيفية الاحرام الظاهرة، من نزع الثياب، وكشف الرأس، والارتداء، والتوشيح والائتزار. فأما النية والتلبية - مع القدرة عليهما - فلا يجوز له ذلك، إذ

 

===============

 

( 315 )

 

لا مانع له يمنع ذلك، ولا ضرورة، ولا تقية. وإن أراد وقصد شيخنا غير ذلك فهذا يكون قد ترك الاحرام متعمدا من موضعه، فيؤدي إلى إبطال حجه بلا خلاف). وتبعه على ذلك العلامة في المختلف والتحرير والمنتهى، على ما حكي. وقال في المسالك: (وإنما يجوز تأخيره عن الميقات لعذر إذا لم يتمكن من نيته أصلا وإن كان الفرض بعيدا - فلو تمكن منها وإنما تعذر عليه توابعه - من نزع المخيط، ونحوه - وجب عليه الاحرام، وأخر ما يتعذر خاصة، إذ لا دخل له في حقيقة الاحرام ولا يسقط الممكن بالمتعذر). والذي ذكره في الشرائع: أنه لو أخره عن الميقات لمانع ثم زال المانع عاد إلى الميقات، فان تعذر جدد الاحرام حيث زال. وفى القواعد: (ولا يجوز تأخيره عنها إلا لعذر، فيجب الرجوع مع المكنة، ولا معها يحرم حيث زال المانع). وفى الجواهر: (ذكر ذلك غير واحد، مرسلين له إرسال المسلمات. وهو لا ينطبق على ما ذكره الشيخ، ولا على ما ذكر ابن ادريس، لظهوره في جواز تأخير نفس الاحرام - كما ذكره الشيخ، خلافا لابن ادريس - وفى وجوب الرجوع مع المكنة، وهو خلاف ما ذكره الشيخ وابن ادريس. والذي تقتضيه القواعد: هو ما ذكره ابن ادريس ومن تبعه، بناء على أن لبس الثوبين ونزع المخيط ليس من شرائط الاحرام - كما سيأتي - لامكان الاحرام للمعذور مع إمكان النية والتلبية، فيجب ولا يجوز التأخير. والموجب للخروج عن القواعد هو مرسل أبي شعيب المحاملي، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (ع) قال: (إذا خاف الرجل على نفسه أخر إحرامه إلى الحرم) (* 1). وما في صحيح صفوان المتقدم، من قوله (ع):

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 16 من أبواب المواقيت حديث: 3.

 

===============

 

( 316 )

 

[ ولبسهما، ولا يجب حينئذ عليه العود إلى الميقات. نعم لو ] (فلا تجاوز المقات إلا من علة) (* 1). وفى الرياض: نفي البأس عما ذكر ابن ادريس لقوة دليله، مع قصور الخبرين - بعد إرسال أحدهما - عن التصريح بخلافه. انتهى لكن عدم التصريح بخلافه لا يمنع من الحجية مع الظهور. وأما خبر الاحتجاج - المتقدم في ميقات أهل العراق - فانما تضمن إيقاع الاحرام بواجباته - من لبس الثوبين، ونزع المخيط. ثم يلبس الثياب - فهو غير ما نحن فيه، فلا مجال للاستشهاد به على المقام. فالعمل بالصحيح متعين، وحمله على العلة المانعة من النية بعيد جدا. نعم ليس فيه تعرض لموقع الاحرام إذا زالت العلة وقد تجاوز الميقات محلا لاجلها. والمصرف منه أنه يحرم عند زوال العلة، لان الواجب قطع تمام المسافة التي بين الميقات ومكة محرما، فإذا رخص للعلة ترك الاحرام في بعضها وجب الباقي، فيتم حينئذ ما ذكره الشيخ (ره): ولو لم يتم الانصراف المذكور كان اللازم البناء على ما ذكر الجماعة، من الرجوع إلى الميقات مع الامكان، ومع عدمه يحرم من مكانه. إلا أن يقال: إن ظاهر الصحيح: أن العلة مسقطة للاحرام من الميقات إلى آخره على نحو لا يرجع، لا ما دامت. وحينئذ يتعين الرجوع إلى الاصل، المقتضي للاحرام من أدنى الحل، نعم إذا كان قد تجاوز الحرم لم يبعد الرجوع إلى أدنى الحل، كما يستفاد من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة، الآتي بعضها في المسألة السادسة. وأما مرسل المحاملي فالاعتماد عليه - لارساله - غير ظاهر.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب المواقيت حديث: 1. وقد تقدم في المسألة: 2 من هذا الفصل.

 

===============

 

( 317 )

 

[ كان له عذر عن أصل إنشاء الاحرام - لمرض أو إغماء - ثم زال وجب عليه العود إلى الميقات إذا تمكن، وإلا كان حكمه حكم الناسي في الاحرام من مكانه إذا لم يتمكن الا منه. وإن تمكن العود في الجملة وجب. وذهب بعضهم إلى أنه إذا كان مغمى عليه ينوب عنه غيره (1). لمرسل جميل عن أحدهما (ع): " في مريض أغمي عليه، فلم يفق حتى أتى الموقف (2). قال (ع): يحرم عنه رجل ". والظاهر أن المراد أنه يحرمه رجل، ويجنبه عن محرمات الاحرام، لا أنه ينوب عنه في الاحرام (3). ومقتضى هذا القول عدم وجوب ] (1) قال في القواعد: (ولو لم يتمكن من نية الاحرام - لمرض وغيره - أحرم عنه وليه، وجنبه ما يتجنبه المحرم). وحكي في كشف اللثام ذلك عن الاحمدي، والنهاية، والمبسوط، والتهذيب، والمهذب، والجامع، والمعتبر. وفى الدروس: (ولو جن في الميقات، أو أغمي عليه أحرم عنه وليه، وجنبه ما يتجنبه المحرم). (2) في نسخة الكافي (* 1). وفى الوسائل رواه عن الكليني: (أغمي عليه حتى أتى الوقت) (* 2)، ورواه عن الشيخ: (أغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الوقت) (* 3). (3) كما هو مذكور في القواعد وغيرها مما سبق، أي: يحرم به

 

 

____________

(* 1) في بعض نسخ الكافي: (الوقت) لاحظ الكافي الجزء 4 الصفحة 325 طبع ايران الحديثة. (* 2) الوسائل باب: 20 من أبواب المواقيت حديث: 1. طبع ايران الحديثة. (* 3) الوسائل باب: 20 من أبواب المواقيت حديث: 4. طبع ايران الحديثة، باب: 55 من أبواب الاحرام حديث: 2. من الطبعة المذكورة، إلا أنه في الثاني جاء في الاصل: (الموقف) وكتب (الوقت) بعنوان: نسخة. وفي التهذيب - أيضا -: (الموقف) لاحظ التهذيب الجزء 5 الصفحة 60 طبع النجف الاشرف.

 

===============

 

( 318 )

 

[ العود إلى الميقات بعد إفاقته وإن كان ممكنا. ولكن العمل به مشكل، لارسال الخبر، وعدم الجابر (1). فالاقوى العود مع الامكان، وعدم الاكتفاء به مع عدمه. (مسألة 6): إذا ترك الاحرام من الميقات - ناسيا، أو جاهلا بالحكم، أو الموضوع - (2) وجب العود إليه مع الامكان (3) ] رجل فيتولى النائب النية لا غير، ويجنبه محرمات الاحرام - كما في الاحرام بالصبي - لا أن المراد: أن الاحرام يكون من النائب والافعال تكون من المنوب عنه. إذ هو نظير قيام الطهارة بالنائب والصلاة بالمنوب عنه، فان ذلك مما لا يقبل النيابة. ولذلك قال في المدارك: (وقد بينا فيما سبق: أن المراد بالاحرام عن غير المميز والمجنون الاحرام بهما، لا كون الولي نائبا عنهما). (1) يظهر من الجماعة المتقدم ذكرهم الاعتماد عليه، بل ظاهر المدارك: العمل به. وفى مرآة العقول للمجلسي - في شرح الحديث -: أنه مرسل كالحسن. وسيأتي - في المسألة الرابعة عشرة من فصل كيفية الاحرام - ماله نفع في المقام. (2) لبس في النصوص تعرض لحكم الفرض. لكن يمكن استفادته من النصوص الواردة في غيره. ولاسيما وكون الحكم إجماعيا. (3) بلا خلاف أجده فيه، نصا وفتوى. كذا في الجواهر، وعن المنتهى: (بلا خلاف فيه بين العلماء). ويشهد له في الناسي: أحد صحيحي الحلبي (* 1)، وفى الجاهل صحيح معاوية بن عمار (* 2)، وفيهما

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من ابواب المواقيت حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 14 من ابواب المواقيت حديث: 4.

 

===============

 

( 319 )

 

صحيح الحلبي الآخر (* 1)، المتقدمة كلها في المسألة الثانية. نعم في خبر أبي الصباح الكناني قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم، كيف يصنع؟ قال (ع) يخرج من الحرم، ثم يهل بالحج) (* 2). وفى خبر سورة بن كليب قال: (قلت لابي جعفر (ع): خرجت معنا امرأه من أهلنا فجهلت الاحرام، فلم تحرم حتى دخلنا مكة، ونسينا أن نأمرها بذلك. قال (ع): فمروها فلتحرم من مكانها من مكة، أو من المسجد) (* 3). وفى صحيح ابن جعفر (ع) قال: (سألته عن رجل نسي الاحرام بالحج فذكر وهو بعرفات، ما حاله؟ قال (ع): يقول: اللهم على كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله، فقد تم إحرامه. فان جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلاده، إن كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه) (* 4). لكن يتعين حمله على صورة عدم التمكن من الرجوع إلى الميقات، حملا لها على ما سبق، حملا للمطلق على المقيد. بل صحيح ابن جعفر (ع) كالصريح في أن مورده صورة عدم التمكن من الرجوع إلى الميقات. نعم في خبر علي ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) قال: (سألته عن رجل ترك الاحرام حتى انتهى إلى الحرم، فأحرم قبل أن يدخله. قال (ع): إن كان فعل ذلك جاهلا فليبن [ فليلبي. خ ل - فليلب خ ل ] مكانه ليقضي، فان ذلك يجزيه إن شاء الله. وإن رجع إلى الميقات الذي يحرم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت حديث: 7. (* 2) الوسائل باب: 14 من ابواب المواقيت حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت حديث: 8.

 

===============

 

( 320 )

 

[ ومع عدمه فإلى ما أمكن (1). إلا إذا كان أمامه ميقات آخر. ] منه اهل بلده فانه أفضل) (* 1). فانه صريح في عدم وجوب الرجوع إلى الميقات. ويتعين حينئذ طرحه، لعدم القائل به - كما في الجواهر - ولاسيما مع ضعفه في نفسه. (1) في المسالك: (في وجوب العود إلى ما أمكن من الطريق وجه) ونسب إلى بعض. ويشهد له ما في صحيح معاوية بن عمار - المتقدم في المسألة الثانية - من قوله (ع): (فلترجع إلى ما قدرت عليه، بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها) (* 2). واستدل له في المسالك: بقاعدة الميسور. وقد يشكل: بأنه خلاف ظاهر إطلاق النصوص، المتضمنة: أنه يحرم من مكانه، أو بعدما يخرج من الحرم. فان الحمل على صورة عدم إمكان الرجوع - في الجملة - بعيد. ولاجل ذلك قال في المدارك: (في وجوب العود إلى ما أمكن من الطريق وجهان، أظهرهما العدم للاصل. ولظاهر الروايات المتضمنة الحكم الناسي). لكن الاصل لا مجال له مع الدليل. وظهور روايات الناسي مقيد بالصحيحة لو تم عدم الفصل، ولو لم يتم لا يدل على حكم الجاهل. فالعمدة ما ذكرنا، من صعوبة التقيد جدا. فلاحظ صحيح عبد الله بن سنان قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه، فنسي - أو جهل - فلم يحرم حتى أتى مكة، فخاف إن رجع إلى الوقت أن يفوته الحج. فقال (ع): يخرج من الحرام ويحرم، ويجزيه ذلك) (* 3) ونحوه غيره،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من ابواب المواقيت حديث: 10. (* 2) الوسائل باب: 14 من ابواب المواقيت حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت حديث: 2.

 

===============

 

( 321 )

 

[ وكذا إذا جاوزها محلا - لعدم كونه قاصدا للنسك، ولا لدخول مكة ثم بدا له ذلك - فانه يرجع إلى الميقات مع التمكن (1) والى ما أمكن مع عدمه (2). ] مما يبعد جدا تقييده بصورة عدم امكان الرجوع زائدا على ما ذكر ولو قليلا. وهذه النصوص لا تختص بالناسي، فانه حمل على النادر جدا، فلذلك تعين حملها على ذلك جمعا. وبذلك افترقت هذه النصوص عن النصوص السابقة الساكتة عن الرجوع إلى الميقات، إذ تقييدها بصورة عدم التمكن من الرجوع إلى الميقات ليس فيه الحمل على النادر، بل لعله الغالب. (1) بلا خلاف ظاهر، بل الظاهر أنه إجماع، وفى المدارك: أنه مما قطع به الاصحاب، وفى المستند: الاجماع عليه، وفى الجواهر: نفي وجدان الخلاف في الحاقهما بالناسي والجاهل. واستدل له في المعتبر: بأنه متمكن من الاتيان بالنسك على الوجه المأمور به فيكون واجبا. ويشكل: بأن كونه مأمورا به شرعا يحتاج إلى إثبات، والقدر الثابت أن المريد للنسك حال العبور على الميقات يحرم منه، والمقام ليس منه. فالعمدة ما ذكروه للاستدلال به، وهو صحيح الحلبي المتقدم، المتضمن لحكم من ترك الاحرام من الميقات. وإن أمكن الاشكال فيه بانصرافه إلى من تركه وهو مريد من للنسك، لان المنصرف من قول السائل: (ترك الاحرام) تركه لما لا ينبغي تركه، وهو الذي يحتاج إلى السؤال عن حكمه، فلا يشمل المقام. وكذا لا يشمل مالو كان قاصدا دخول مكة، وكان ممن لا يجب له الاحرام لذلك - كالحطاب، والحشاش، ونحوهما - فان الجميع من باب واحد عندهم. (2) على ما عرفت.

 

===============

 

( 322 )

 

[ (مسألة 7): من كان مقيما في مكة وأراد حج التمتع وجب عليه الاحرام لعمرته من الميقات إذا تمكن، وإلا فحاله حال الناسي (1). (مسألة 8): لو نسي المتمتع الاحرام للحج بمكة ثم ذكر وجب عليه العود مع الامكان (2)، وإلا ففي مكانه، ولو كان في عرفات - بل المشعر - وصح حجه (3). وكذا ] (1) قد تقدم الكلام منه في هذه المسألة مفصلا، في المسألة الرابعة من فصل صورة حج التمتع: فراجع. (2) لوجوب الاتيان بالمأمور به على وجهه. لكن تقدم في صحيح علي بن جعفر (ع) ما يدل على أنه إذا ذكر وهو في عرفات لم يرجع (* 1) وعن التذكرة والمنتهى: العمل به فيمن نسي الاحرام - يوم التروية - بالحج حتى حصل بعرفات. لكن عرفت ان اللازم - بمقتضى الجمع العرفي - تقييد الصحيح بغيره، فيحمل على صورة عدم التمكن من الرجوع إلى الميقات، بل هو كالصريح في ذلك كما عرفت. ولعل مراد العلامة منه ذلك، فلا مخالفة منه للمشهور، وإلا فلا وجه ظاهر للعمل به في خصوص الفرض المذكور دون غيره. فلاحظ. (3) لما يأتي فيمن ترك الاحرام حتى أتم المناسك. والظاهر أنه لا دليل عليه غيره. وحينئذ لا خصوصية للمشعر، فلو نسي الاحرام وذكر بعد الافاضة من المشعر كان حكمه كذلك، فيحرم ويتم الاعمال. ولعل وجه التعرض للمشعر بالخصوص ما ذكره العلامة (ره) في التذكرة والمنتهى، من أن من

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من ابواب المواقيت حديث: 8.

 

===============

 

( 323 )

 

نسي الاحرام يوم التروية حتى حصل بعرفات صح حجه، فان الاقتصار فيه على عرفات ربما أشعر باختصاص الحكم بذلك. ومثله المحقق في الشرائع فانه ذكر أنه إذا ضاق الوقت أحرم ولو بعرفات. انتهى. ولذا قال الشهيد الثاني في شرح العبارة: (وكان حق العبارة أن يقول: أحرم ولو بالمشعر لانه أبعد ما يمكن فرض الاحرام منه فيحسن دخول (لو) عليه. بخلاف عرفة، وإن كان الاحرام منها جائزا أيضا، بل أولى به) وقوله (ره): (لانه أبعد ما يمكن فرض الاحرام منه...) باعتبار كونه كافرا، فلو لم يدرك المشعر مسلما بطل حجه، لبطلان الوقوفين منه، لا لفوات الاحرام وإلا فالاحرام يمكن تداركه ولو بعد المشعر - بناء على إلحاق هذه المسألة بما يأتي في المسألة الثامنة - فانه إذا صح الحج مع قضاء المناسك كلها بغير إحرام فالبعض أولى. وفى المدارك: (فالمسأله محل تردد...). وكأنه لعدم وضوح الاولوية. لكن الاولوية في نظر العرف - الموجب لفهم العموم - ظاهرة. فلاحظ. وأما حديث رفع النسيان (* 1)، فلا يصلح لاثبات صحة الفاقد، فانه رافع لا مثبت. ودعوى: أن الرفع في حال رفع وجوب الباقي ليس امتنانيا فبقرينة ورود الحديث مورد الامتنان يتعين أن يكون الرفع في حال وجوب الباقي. مندفعة: بأن الرفع إذا لم يكن امتنانيا لا يكون الحديث شاملا له فلا يكون شاملا للمورد. لا أنه شامل للمورد على نحو يكون الرفع في حال وجوب الباقي، لان ذلك إثبات لا يصلح حديث الرفع له. وبالجملة: قرينة الامتنان تقتضي عدم شمول الرفع للمورد، لا شموله بنحو يقتضي الاثبات. فلاحظ.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 56 من ابواب جهاد النفس.

 

===============

 

( 324 )

 

[ لو كان جاهلا بالحكم (1). ولو أحرم له من غير مكة مع العلم والعمد لم يصح وإن دخل مكة باحرامه، بل وجب عليه الاستئناف مع الامكان، وإلا بطل حجه (2). نعم لو أحرم من غيرها نسيانا، ولم يتمكن من العود إليها صح احرامه من مكانه (3). (مسألة 9): لو نسي الاحرام ولم يذكر حتى أتى بجميع الاعمال - من الحج أو العمرة - فالاقوى صحة عمله (4). ] (1) فان الدليل الآتي وارد في الجاهل أيضا، فيتم الحاق الجاهل هنا به. (2) على ما عرفت في العامد. (3) يعني: من مكان الذكر. (4) كما هو المشهور. وعن المسالك: أنه فتوى المعظم. وفى الدروس أنه فتوى الاصحاب إلا ابن ادريس. ويشهد له مرسل جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (ع): (في رجل نسي أن يحرم أو جهل، وقد شهد المناسك كلها، وطاف، وسعى. قال (ع): يجزيه نيته، إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه وإن لم يهل) (* 1). وفى الدروس: أنه لم يجد دليلا للمشهور إلا المرسلة المذكورة، وفيها دليل على أن المنسي هو التلبية لا النية. وفيه - كما في المدارك -: أن الظاهر أن المراد بقوله: (إذا كان قد نوى ذلك) أنه نوى الحج بجميع أجزائه جملة، لا نوى الاحرام بقرينة ذكر الجاهل مع الناسي، والجاهل لا يتأتى منه نية الاحرام، كما هو ظاهر. نعم استشكل في المدارك - في الحكم المذكور - بأن الرواية مرسلة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 20 من أبواب المواقيت حديث: 1.

 

===============

 

( 325 )

 

وإرسالها يمنع عن العمل بها. وقد يستدل له بما يأتي في الجاهل، فان الناسي أعذر من الجاهل. وفى المدارك: أنه غير واضح. انتهى. أو لان الجهل يعم النسيان، كما في كشف اللثام. وفى: منع. ولا يبعد أن يكون عمل الاصحاب بالمرسلة موجبا لا نجبار سندها. وفى السرائر - بعد ما نسب صحة الحج إلى ما روي في أخبارنا - قال: (والذي نقتضيه أصول المذهب: أنه لا يجزي، وتجب عليه الاعادة. لقوله صلى الله عليه وآله: إنما الاعمال بالنيات) (* 1)، وهذا عمل بلا نية. فلا يرجع عن الادلة باخبار الآحاد، ولم يوردها، ولم يقل به أحد من أصحابنا سوى شيخنا أبي جعفر، فالرجوع إلى الادلة أولى من تقليد الرجال). ولا يخفى أن ما ذكره من الاستدلال بقوله صلى الله عليه وآله: (إنما الاعمال بالنيات) لا يخلو من غموض، فان المفروض ترك الاحرام نسيانا، لا ترك نية الاحرام، ولا ترك نية غيره من المناسك. ولذلك قال في المعتبر: (ولست أدري كيف تخيل له هذه الاستدلال، وكيف توجيهه؟؟) وعن المنتهى: أنه وهم في ذلك، لان الشيخ اجتزأ بالنية عن الفعل فتوهم أنه اجتزأ بالفعل بغير نية، وهو الغلط من باب إيهام العكس. انتهى. وقد يوجه بوجوه لا تخلو من تكلف. فالعمدة في الدليل هو المرسلة، بناء على أن ضعف سندها منجبر بالعمل - كما هو غير بعيد - كما تقدم أيضا في حكم المغمى عليه. فلاحظ نعم مورد الرواية نسيان إحرام الحج، بقرينة قوله (ع): (فقد تم حجه)، فالتعدي إلى نسيان إحرام العمرة غير ظاهر. وفى المدارك: (لا يخرج عن القياس...) أقول: لا بأس بدعوى عموم الحكم لحج

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمات العبادات حديث: 10.

 

===============

 

( 326 )

 

[ وكذا لو تركه جهلا حتى أتى بالجميع (1).