فصل في أقسام العمرة

فصل في أقسام العمرة (مسألة 1): تنقسم العمرة - كالحج - إلى واجب أصلي، وعرضي، ومندوب. فتجب بأصل الشرع على كل مكلف - بالشرائط المعتبرة في الحج - (1) في العمر مرة. ] ماله، وكان لك تسع بما أتعبت من بدنك) (* 1). وفى رواية ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع): (للذي يحج عن رجل أجر وثواب عشر حجج) (* 2). ولعلها في المتبرع دون الاجير، كما عليه حمله في الوسائل. فصل في أقسام العمرة (1) هذا مما لا إشكال فيه ولا خلاف. وفى كشف اللثام: (للاجماع، والنص من الكتاب والسنة، كقوله تعالى: (والله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا...) (* 3). لشمول حجة العمرة، ونص الصادق (ع) عليه في صحيح ابن أذينة الذي في علل الصدوق. قال عمر ابن أذينة: (سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عزوجل: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا...). يعني: به الحج دون العمرة؟ قال (ع) لا، ولكنه يعنى الحج والعمرة جميعا، لانهما مفروضان) (* 4).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب النيابة في الحج حديث: 3. (* 3) آل عمران: 97. (* 4) الوسائل باب: 1 من أبواب العمرة حديث: 7.

 

===============

 

( 133 )

 

[ بالكتاب، والسنة (1)، والاجماع (2). ففي صحيحة زرارة: " العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، فان الله تعالى يقول: وأتموا الحج والعمرة لله... " (3). وفي صحيحة الفضيل: ] (1) كذا في كلام جماعة، منهم كاشف اللثام، والنراقي، وصاحب الجواهر. لكن دلالة الكتاب على الوجوب غير ظاهرة، فان العمرة لم تذكر في الكتاب إلا في قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله، فان أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي...) (* 1). والظاهر منه وجوب الاتمام، لا وجوب العمرة. وإلا في قوله تعالى: (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه...) (* 2). ودلالته أخفى. (2) ادعى في الجواهر الاجماع بقسميه عليه. وفى المستند: (بالاجماع المحقق والمنقول مستفيضا...). ونحوه كلام غيرهما. والمنسوب إلى العامة: القول بالاستحباب. (3) قال: (قلت لابي جعفر (ع): ما الذي يلي الحج في الفضل؟ قال (ع): العمرة المفردة، ثم يذهب حيث شاء. وقال (ع): العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، لان الله تعالى يقول: (وأتموا الحج والعمرة لله...). وإنما نزلت العمرة بالمدينة) (* 3).

 

 

____________

(* 1) البقرة: 196. (* 2) البقرة: 158. (* 3) الوسائل باب: 1 من أبواب العمرة حديث: 2.

 

===============

 

( 134 )

 

[ " في قول الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة...). قال على (ع): هما مفروضان " (1). ووجوبها - بعد تحقق الشرائط - فوري كالحج (2). ولا يشترط في وجوبها استطاعة الحج، بل تكفي استطاعتها في وجوبها، وإن لم تتحقق استطاعة الحج (3) كما أن العكس كذلك، فلو استطاع للحج دونها وجب دونها. والقول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كل منهما، وأنهما ] (1) كذا فيما يحضرني من نسخة الكتاب. لكن الظاهر أنها صحيحة الفضل أبي العباس عن أبي عبد الله (ع) (* 1). والنصوص الواردة في وجوبها كثيرة. فراجع الوسائل وغيرها. (2) بلا خلاف أجده، كما في الجواهر. وحكي عن السرائر: نفي الخلاف فيه، وعن التذكرة: الاجماع عليه. ودليل كلية غير ظاهر، لولا الاجماع. وفى كشف اللثام - بعدما حكى عن المبسوط والسرائر وجوب الفورية - قال: (لم أظفر بموافق لهم ولا دليل، إلا على القول بظهور الامر فيه...). نعم في عمرة التمتع - التي هي جزء من الحج - ظاهر، لما دل على وجوبه فورا، فيدل على وجوبها كذلك. كما أنه بناء على أن مقتضى اللام وجوب الفورية - كما تقدم في مبحث نذر الحج - يدل قوله تعالى: (ولله على الناس...) على فورية العمرة، بضميمة ما ورد في تفسير الحج فيها بما يشمل العمرة (* 2). (3) هذا هو المشهور شهرة عظيمة، كما يقتضيه إطلاق أدلة الوجوب.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب العمرة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب العمرة حديث: 7. وقد تقدم ذكر الرواية في أول الفصل.

 

===============

 

( 135 )

 

[ مرتبطان (1) ضعيف. كالقول باستقلال الحج في الوجوب دون العمرة (2). ] (1) هذا القول حكاه جماعة. وفى الجواهر: (أرسله غير واحد. لكن لم أعرف قائله...). ووجه ضعفه ما عرفت، من إطلاق أدلة الوجوب. وأن أدلة شرطية الاستطاعة منحصرة بما عرفت، مما لا يصلح لاثبات شرطية الاستطاعة للحج في وجوب العمرة، ولا للعكس. (2) هذا القول حكي عن الشهيد في الدروس، قال فيها: (ولو استطاع لها خاصة لم تجب. ولو استطاع للحج مفردا دونها فالاقرب الوجوب) واستدل له في كشف اللثام: بالاصل، وظهور حج البيت في الآيه في غير العمرة. ثم قال: (وهو ممنوع...). ووجهه: ما عرفت من صحيح ابن أذينة (* 1). على أن قصور دلالة الآية على وجوب العمرة لا يقتضى قصور غيرها من أدلة الوجوب التي تقدمت. مع أن الكلام في شرطية الاستطاعة للحج في وجوبها، لا في أصل وجوبها، ثم قال: (ولعدم ظهور وجوب إتمامها في وجوب إنشائها، ومنع استلزامه له). والاشكال فيه كسابقه. ثم قال: (ولانها لو وجبت لكان من استكمل الاستطاعة لها فمات قبلها وقبل ذي الحجة يجب استيجارها عنه من التركة. ولم يذكر ذلك في خبر أو كتاب. وكان المستطيع لها وللحج إذا أتى الحرم قبل أشهر الحج نوى بعمرته عمرة الاسلام، لاحتمال أن يموت، أو لا تبقى استطاعته للحج إلى وقته...). ثم أشكل عليه بقوله: (وفيه: أن المستطيع لها فرضه عمرة التمتع أو قسمية، وليس له الاتيان بعمرة الاسلام إلا عند الحج، فما قبله كالنافلة قبل فريضة الصبح مثلا. واحتمال

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب العمرة حديث: 7. وقد تقدم ذكر الرواية في أول الفصل.

 

===============

 

( 136 )

 

[ (مسألة 2): تجزي العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة. بالاجماع (1)، والاخبار (2). وهل تجب على من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها ولم يكن مستطيعا للحج؟ ] الموت أو فوت الاستطاعة غير ملتفت إليه...). (1) في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه...). بل الاجماع محقق، والسيرة القطعية تشهد به. (2) في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع): (إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة) (* 1)، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) في حديث، قال: (قلت: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج، أيجزئ ذلك؟ قال (ع): نعم) (* 2)، وفى خبر البزنطي: (سألت أبا الحسن (ع) عن العمرة واجبة هي؟ قال. نعم. قلت: فمن تمتع يجزئ عنه؟ قال (ع): نعم) (* 3)، وصحيح يعقوب بن شعيب قال: (قلت لابي عبد الله (ع): قال الله عزوجل: (وأتموا الحج والعمرة لله...)، يكفي الرجل - إذا تمتع بالعمرة إلى الحج - مكان تلك العمرة المفردة؟ قال، كذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه) (* 4)، ومصحح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: (العمرة مفروضة مثل الحج، فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة) (* 5). ونحوها غيرها.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من أبواب العمرة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 5 من أبواب العمرة: حديث 2. (* 3) الوسائل باب: 5 من أبواب العمرة حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 5 من أبواب العمرة حديث: 4. (* 5) الوسائل باب 5 من أبواب العمرة حديث: 6.

 

===============

 

( 137 )

 

[ المشهور عدمه، بل أرسله بعضهم إرسال المسلمات (1). وهو الاقوى. وعلى هذا فلا تجب على الاجير بعد فراغه عن عمل النيابة وإن كان مستطيعا لها وهو في مكة. وكذا لا تجب على من تمكن منها ولم يتمكن من الحج لمانع. ولكن الاحوط الاتيان بها. ] (1) كأنه يشير إلى ما في المسالك - في شرح ما ذكره في الشرايع من تقسيم العمرة إلى متمتع بها ومفردة، وأن الاولى تجب على من ليس في حاضري المسجد الحرام، والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام - قال (ره): (يفهم من لفظ السقوط: أن المفردة واجبة بأصل الشرع على كل مكلف، كما أن الحج مطلقا يجب عليه، وإنما يسقط عن المتمتع إذا اعتمر عمرته تخفيفا. ومن قوله: (والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام): عدم وجوبها على النائي من رأس. وبين المفهومين تدافع ظاهر. وكأن الموجب لذلك كون عمرة التمتع أخف من المفردة، وكانت المفردة بسبب ذلك أكمل. وهي المشروعة بالاصالة، المفروضة قبل نزول آية التمتع، فكانت عمرة التمتع قائمة مقام الاصلية مجزية عنها، وهي بمنزلة الرخصة من العزيمة. ويكون قوله (ره): (والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام) إشارة إلى ما استقر عليه الحل، وصار هو الحكم الثابت بأصل الشرع. ففي الاول إشارة إلى ابتدائه، والثاني إلى استقراره...) قال في الجواهر - بعد نقله -: (وهو كالصريح في المفروغية عن عدم وجوب عمرة مفردة على النائي. ويؤيده ما ذكرناه...). ويشير به إلى ما ذكره سابقا من السيرة على عدم استقرار عمرة على من استطاع من النائين فمات، أو ذهبت استطاعته قبل أشهر الحج، وعدم

 

===============

 

( 138 )

 

الحكم بفسقه لو أخر الاعتمار إلى أشهر الحج، وقول المحقق في الشرايع وغيره - على وجه لم يعرف فيه خلاف بينهم -: أن العمرة قسمان: متمتع بها، ومفردة، والاولى فرض النائي، والثانية فرض حاضري مكة، وظهور كلامهم في عدم وجوب غير حج التمتع على النائي، لا أنه يجب عليه مع ذلك العمرة... واستدل له في المستند: بصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع): (قال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لان الله تعالى يقول: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي...). فليس لاحد إلا أن يتمتع، لان الله أنزل ذلك في كتابه، وجرت به السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله) (* 1). خرج منه ما خرج فيبقى الباقي. ويشكل: بأن الاطلاق المذكور يقتضي عموم مشروعية العمرة المفردة، وذلك خلاف الضرورة، فلابد من التصرف فيه بحمله على المستطيع للحج إذا كان نائيا - كما يقتضيه ذيله - ولا مجال للبناء على إطلاقه ثم الرجوع إليه عند الشك كما في المقام. وكأنه لذلك: ما حكي - في الجواهر عن معاصريه من العلماء وغيرهم - من وجوب عمرة مفردة على النائين النائبين عن غيرهم، مع فرض استطاعتهم المالية. معللين: بأن العمرة واجبة على كل أحد، والفرض استطاعتهم لها فتجب... اللهم إلا أن يقال بعد أن كانت العمرة قسمين تمتعا وإفرادا، فعمومات الوجوب على من استطاع العمرة لا تجدي في اثبات وجوب العمرة المفردة بالاستطاعة إليها. حتى يثبت إطلاق الدليل المشروعية، يقتضي أن كل من استطاع إلى أي نوع من العمرة وجبت عليه، والاطلاق

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب أقسام الحج حديث: 2.

 

===============

 

( 139 )

 

المذكور مفقود. ولان أدله التشريع - التي يكون موضوعها الماهيات المخترعة - إنما تدل على وجوب المشروع لا غير، وحينئذ لا يرجع إليها إلا بعد ثبوت حدود المشروع وقيوده عند الشارع. وهذا بخلاف أدله التشريع المتعلقة بالمفاهيم العرفية، فان مفادها وإن كان ثبوت الحكم على المفهوم، إلا أن الاطلاق المقامي يقتضي الرجوع إلى العرف في ثبوت الانطباق، ولا يحتاج فيه إلى الرجوع إلى الشارع فيه. فالخطاب المتعلق بالمفهوم العرفي والخطاب المتعلق بالمفهوم الشرعي وإن كانا على حد واحد في ثبوت الحكم للطبيعة، لكن يختلفان في أن تطبيق الطبيعة وتحقيق الصغرى في الاول راجع إلى العرف، وفي الثاني راجع إلى الشرع. فالخطاب المتضمن وجوب العمرة وأنها مفروضه لا يرجع إليه إلا بعد بيان الشرع انطباقه لتحقق الصغرى، والعرف لا مجال له. فالدليل المتضمن: أن العمرة مفروضة على من استطاع إليها، أو الحج مفروض على من استطاع إليه، لا يرجع إليه إلا بعد بيان المراد من الحج ومن العمرة. وكذلك الخطاب بوجوب الصلاة والصوم. وبالجملة: بعد أن كانت العمرة عمرتين: عمرة التمتع، وعمرة الافراد، فان كان النائي عن مكة عمرته عمرة الافراد فإذا استطاع إليها وجبت، وان كانت عمرته عمرة التمتع فاستطاعته إلى عمرة الافراد لا تكفي في وجوبها ولابد فيه من استطاعته إليها، ولا تكون إلا باستطاعته إلى الحج. فإذا تردد ما هو وظيفة النائي بين العمرتين، ولم يكن مستطيعا لعمرة التمتع فقد شك في وجوب العمرة عليه، والمرجح حينئذ أصل البراءة. نعم قد يوهم صحيح يعقوب بن شعيب - المتقدم في أدلة وجوب العمرة -: أن المتمتع عليه عمرة الافراد، لكن عمرة التمتع تجزئ عنها

 

===============

 

( 140 )

 

[ (مسألة 3): قد تجب العمرة بالنذر، والحلف، والعهد، والشرط في ضمن العقد، والاجارة، والافساد (1). ] لا أنها فرصة (* 1). لكن يعارضه في ذلك صحيح الحلبي (* 2)، ومصحح أبي بصير (* 3) المتقدمان. بل صحيح معاوية (* 4)، وخبر البزنطي (* 5) أيضا، لظهور الاجزاء في ذلك. مع أن الظاهر أن قوله (ع) في صحيح يعقوب بن شعيب: (كذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله يدل على أن التعبير فيه بالاجزاء عن العمرة المفردة، جار على ما عند المخالفين من أن الواجب هو العمرة المفردة، وعدم إجزاء التمتع عنها، فيدل على أن الواجب هو عمرة التمتع - لا أن الواجب العمرة المفردة - لان المتمتع بها غير واجبة نفسيا وإنما تجب غيريا للحج. أو أنها تجب نفسيا، فيكون المستطيع عليه عمرتان، تجزئ المتمتع بها عن نفسها وعن المفردة. بل الظاهر أن السؤال في الروايات المتقدمة كلها جار على منوال واحد، للشبهة التي جاءت من جهة مذهب المخالفين. وحينئذ تكون كلها دالة على أمر واحد وهو أن الواجب هو عمرة التمتع للمتمتع من دون تعارض بينها في ذلك وإن كانت لا تدل على ما نحن فيه، لانها واردة في الحاج لا فيما نحن فيه، لكنها توجب الشك في التطبيق، الموجب للرجوع إلى أصل البراءة بعد سقوط الاطلاقات. (1) قال في الشرايع: (وقد تجب - يعني: العمرة - بالنذر، وما في معناه، والاستيجار) والافساد، والفوات...). ويريد بالفوات: فوات الحج، فان من فاته الحج وجب عليه التحلل بعمرة - كما قطع به بعضهم - وربما يأتي في محله. والوجه في جميع ذلك ظاهر

 

 

____________

(* 1)، (* 2)، (* 3)، (* 4)، (* 5) تقدم ذكر الروايات المشار إليها في صدر المسألة:

 

===============

 

( 141 )

 

[ ويجب أيضا لدخول مكة (1)، بمعنى: حرمته بدونها (2)، ] لعموم صحة النذر، واليمين، والعهد، والشرط، والعقد. والمراد من الافساد، إما إفساد نفس العمرة، فان من أفسد عمرته وجب عليه الاعتمار ثانيا، على ما قطع به الاصحاب - كما في المستند - أو إفساد الحج، فيجب الاعتمار بفعله ثانيا، أو يجب عليه التحلل من إجرامه بعمرة - كما في سابقه - وإن كان لا يخلو من إشكال، أو منع. (1) فانه لا يجوز دخولها بلا إحرام. إجماعا ونصوصا. قال في المدارك: (أجمع الاصحاب على أنه لا يجوز لاحد دخول مكة بلا إحرام عدا ما استثني...). وفى الجواهر: (بلا خلاف أجده...). ويشهد به بعض نصوص، كصحيح محمد بن مسلم قال: (سألت أبا جعفر (ع) هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال (ع): لا، إلا أن يكون مريضا، أو به بطن) (* 1)، وصحيح البزنطي عن عاصم بن حميد: (قلت لابي عبد الله (ع): يدخل الحرم أحد إلا محرما؟ قال (ع): إلا مريض)، أو مبطون) (* 2). ونحوهما غيرهما. (2) فيكون وجوب الاعتمار عقليا للتخلص من الحرام، لا شرعي كما ينسبق إلى الذهن من عبارة جماعة، حيث عبروا: بأنه تجب العمرة لدخول مكة. بل قال في المدارك: (ولا يخفى أن الاحرام إنما يوصف بالوجوب مع وجوب الدخول، وإلا كان شرطا غير واجب، كوضوء النافلة. ومتى أخل الداخل بالاحرام أثم، ولم يجب قضاؤه...). وتبعه عليه غيره. وصرح في المستند بالوجوب الشرعي مع وجوب الدخول

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 50 من أبواب الاحرام حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 50 من أبواب الاحرام حديث: 1.

 

===============

 

( 142 )

 

[ فانه لا يجوز دخولها إلا محرما، الا بالنسبة إلى من يتكرر دخوله وخروجه، كالحطاب، والحشاش (1). وما عدا ما ذكر مندوب. ] لوجوب مقدمة الواجب شرعا. لكن عرفت: أن الوجوب في المقام عقلي للتخلص من الحرام، لا شرعي من باب وجوب مقدمة الواجب، إذ لا مقدمية بين الاحرام ودخول مكة، سواء أكان المراد به الدخول الخارجي أم الدخول بما هو موضوع للوجوب. ونظير المقام: وجوب الوضوء لمس المصحف، ووجوب الغسل من الجنابة لدخول المسجد إذا وجب. وقد تقدم في بعض المسائل التعرض لذلك. فراجع. (1) بلا خلاف - في الجملة - ولا إشكال. لصحيح رفاعة بن موسى - في حديث - قال: (وقال أبو عبد الله (ع): إن الحطابة والمجتلية أتوا النبي صلى الله عليه وآله فسألوه، فأذن لهم أن يدخلوا حلالا) (* 1). بناء على أن المنصرف إلى الذهن منه: أن ذكر الحطابة والمجتلية من باب المثال لكل من يتكرر منه ذلك، كالحجارة، والجصاصة) وغيرهم. ولذلك جعل المستثنى - في كلام الاصحاب - من يتكرر منه الدخول. والظاهر من الحطابة والمجتلية من كان مهنته ذلك، فلو بني على كون ذكرهما من باب المثال يتعين التعدي إلى من كانت مهنته تقتضي التكرار، لا مجرد بنائه على التكرار، كما لو كان له مريض، أو زرع يتكرر الخروج منه والدخول. كما أن الظاهر أن التكرار على النحو المتعارف من أهل تلك المهنة، فلو كان التكرار بطيئا أشكل التعدي إليه وإن كان في الشهر مرة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 51 من ابواب الاحرام حديث: 2.

 

===============

 

( 143 )

 

ولاجل ذلك يشكل ما في كشف اللثام، فانه قال: (إلا المتكرر دخوله كل شهر، بحيث يدخل في الشهر الذي خرج، كالحطاب، والحشاش، والراعي، وناقل الميره ء، ومن كان له ضيعة يتكرر لها دخوله وخروجه للحرج. وقول الصادق (ع) في صحيح رفاعة...). ثم ذكر الروايات المتضمنة للتحديد بالشهر. وحاصل الاشكال: أن الظاهر من التكرار لمثل المجتلية والحطابة الوقوع في الشهر مرات، ولا يكفي التكرار في الشهر مرة. وأشكل منه ما في الجواهر، من أن ظاهر الاصحاب استثناء المجتلية والحطابة في مقابل الاستثناء في الشهر، فلا يعتبر في الاولين التكرار في الشهر مرة فان الظاهر من الاصحاب وإن كان استثناء قسمين، لكن المقابلة بينهما من جهة أنه لا يعتبر في الاولين سبق الاحرام، بخلاف الاستثناء في الثاني فان مورد النصوص هو صورة سبق الاحرام، كما أشار إليه في الجواهر في آخر كلامه. فراجع. وليس وجه المقابلة: أنه لا تعبر في الاولين التكرار في الشهر مرة، فان ذلك خلاف المفهوم من المجتلية والحطابة، كما عرفت. ثم إن المصنف (ره) لم يستثن من دخلها بعد الاحرام قبل شهر، مع أن الظاهر عدم الخلاف فيه. وفى الذخيرة: (لا أعلم خلافا بين الاصحاب في أصل الحكم. ولكن اختلفوا في مبدأ اعتبار الشهر، فذهب جماعة من الاصحاب إلى أن مبدأه من وقت الاحلال من الاحرام...): وكأن وجه إهماله اعتماده على ما سيذكره في المسألة الثانية من مسائل: (فصل: صورة حج التمتع...). وقد اختاره هناك، عدم وجوب الاحرام وإن كان الدخول بعد الشهر من الاحلال - فضلا عن الاحرام - وتوقف في وجوبه إذا كان بعد شهر من خروجه. فلاحظ كلماته هناك، وتأمل.

 

===============

 

( 144 )

 

[ ويستحب تكرارها كالحج. واختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين، فقيل: يعتبر شهر (1). وقيل: عشرة أيام (2). والاقوى عدم اعتبار الفصل، فيجوز إتيانها كل يوم (3). وتفصيل المطلب موكول إلى محله. ] (1) حكاه في كشف اللثام عن النافع، والوسيلة، والتهذيب، والكافي، والغنية، والمختلف، والدروس. (2) حكاه عن الاحمدي، والمهذب، والجامع، والشرائع، وسائر كتب الشيخ. والاصباح. وقيل: سنة، ونسب إلى العماني. وعبارته المحكية غير ظاهرة في ذلك. (3) جعله في الشرائع أشبه، وفى كشف اللثام أقرب، وحكى عن الجمل، والناصريات، والسرائر، والمراسم، والتلخيص، واللمعة. بل في الجواهر والمستند: (نسب إلى كثير من المتأخرين...). ووجه الاختلاف، اختلاف النصوص، فانها طوائف: الاولى: صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (ع): (قال (ع): في كتاب علي (ع): في كل شهر عمرة) (* 1)، وموثق يونس بن يعقوب قال: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إن عليا (ع) كان يقول: في كل شهر عمرة) (* 2)، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع): (كان علي يقول: لكل شهر عمرة) (* 3) ومصحح اسحاق بن عمار قال: (قال أبو عبد الله (ع): السنة اثنا عشر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من أبواب العمرة حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 6 من أبواب العمرة حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 6 من أبواب العمرة حديث: 4.

 

===============

 

( 145 )

 

شهرا، يعتمر لكل شهر عمرة) (* 1). ونحوها غيرها. الثانية: خبر علي بن أبي حمزة قال: (سالت أبا الحسن (ع) عن الرجل يدخل مكة في السنة، المرة والمرتين والاربعة، كيف يصنع؟ قال (ع): إذا دخل فليدخل ملبيا، وإذا خرج فليخرج محلا. قال: ولكل شهر عمرة. فقلت: يكون أقل؟ فقال: في كل عشرة أيام عمرة) (* 2)، والموثق الذي رواه في الجواهر: (قال الصادق (ع) السنة اثنا عشر شهرا، يعتمر لكل شهر عمرة. قال: فقلت له: أيكون أقل من ذلك؟ قال: لكل عشرة أيام عمرة) (* 3). ولم أجده في غيرها، فان المذكور في الفقيه وفى الوسائل عند رواية مصحح اسحاق... إلى قوله (ع): (لكل شهر عمرة)، كما نقلنا آنفا. واستدل في المدارك وكشف اللثام والحدائق والمستند: بخبر علي بن أبي حمزة على القول بالعشر ولم يذكروا الموثق الذي ذكره، ومن ذكره ذكره في اخبار الشهر. بل لعل صريح المستند وغيره: انحصار رواية العشر بالخبر. الثالثة: صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع): (قال (ع): العمرة في كل سنة مرة) (* 4)، وصحيح حريز عن أبي الله (ع): (ولا يكون عمرتان في سنة) (* 5). ونحوه صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) (* 6).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب العمرة حديث: 9. (* 2) الوسائل باب: 6 من أبواب العمرة حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 6 من أبواب العمرة حديث: 10. (* 4) الوسائل باب: 6 من أبواب العمرة حديث: 6. (* 5) الوسائل باب: 6 من ابواب العمرة حديث: 7. (* 6) الوسائل باب: 6 من ابواب العمرة حديث: 8.

 

===============

 

( 146 )

 

وعلى الطائفة الاولى عول القائلون بالشهر، ولم يعولوا على خبر علي بن أبي حمزة لضعفة، لاشتمال سنده على جملة من الضعفاء، ولا على الطائفة الثالثة وإن صحت أسانيدها، لمعارضتها بالطائفة الاولى - التي لا يبعد أن تكون متواترة إجمالا - الموجب لطرحها، أو حملها على عمرة التمتع، كما عن الشيخ. وأما القائلون بالعشر فعولوا على خبر علي بن أبي حمزة، لرواية الصدوق له في الفقيه بسنده إليه، وسنده صحيح. وهو إن كان الثمالي فهو ثقة، وإن كان البطائني فالظاهر اعتبار حديثة، لرواية جمع كثير من الاعاظم عنه، وفيهم جمع من أصحاب الاجماع، وجماعة ممن نصوا على أنهم لا يروون إلا عن ثقة، ولغير ذلك من القرائن المذكروة في كتب الرجال. وأما القائل بالسنة - إن ثبت - فمستنده الطائفة الثالثة، التي عرفت لزوم طرحها أو التصرف فيها. وأما القول الاخير فوجهه حمل الطائفتين الاولتين على الفضل - على اختلاف مراتبه - لعدم ظهورهما في المنع من التوالي. بل ظاهر قولهم (ع): (لكل شهر عمرة) - كما في جملة منها -: أن ذلك من وظائف الشهر، فهي تتأكد من حيث الزمان، ففي الشهر أكد منها في العشرة. ويقتضيه الارتكاز العرفي في باب الطاعات والخيرات فانها كلما طال العهد بها اشتد تأكدها. والجمع بين الشهر والعشر - في خبر ابن أبي حمزة - لابد أن يحمل على ذلك. ولاجله يمكن الجمع بينها وبين صحيح الحلبي المتقدم في أخبار السنة بذلك، فيحمل أيضا على التأكد في السنة على نحو يكون أشد تأكدا فيها من الشهر. وبالجملة: الجمع العرفي بين النصوص المذكورة يقتضي ذلك، فلا يدل على المنع التوالي، فلا مانع من الاخذ باطلاقات الحث عليها والترغيب إليها الظاهرة في استحبابها مطالقا. ومقتضاها الاستحباب في كل يوم