فصل في الحج الواجب بالنذر والعهد واليمين

فصل في الحج الواجب بالنذر والعهد واليمين ويشترط في انعقادها: البلوغ، والعقل، والقصد. ] (1) كما نص على ذلك غير واحد. وهو انما يتم لو كان عدم صحة غير حج الاسلام في المسألة السابقة من جهة أن الامر بحج الاسلام يمنع من مشروعية غيره، أو من إمكان التعبد بغيره. أما إذا كان من جهة النصوص فالتعدي عن موردها - وهو حج الاسلام - غير ظاهر. فأدلة المنع ليست كلها مطردة في المقامين. فصل في الحج الواجب بالنذر والعهد واليمين الكلام إما خبر - وهو ما يقصد به الحكاية عن واقع يطابقه فيكون صدقا، أو لا يطابقه فيكون كذبا - وإما انشاء، وهو ما لا يقصد به الحكاية. والثاني إما إيقاع، أو عقد، أو غيرهما. فان قصد به إنشاء

 

===============

 

( 295 )

 

[ والاختيار. فلا تنعقد من الصبي وإن بلغ عشرا وقلنا بصحة عباداته وشرعيتها، لرفع قلم الوجوب عنه (1). وكذا لا تصح ] أمر اعتباري - مثل الزوجية والبيعية ونحوهما - فهو عقد أو ايقاع، وإن لم يقصد به ذلك فهو غيرهما. فالنذر لما كان المقصود به تمليك الله سبحانه - كما عرفت ذلك مرارا - ولا يحتاج إلى القبول فهو من الايقاع. ومثله العهد، فانه يقصد به ايجاد المعاهدة. وأما اليمين فهو وعد وليس من الخبر في شئ، إذ لم يقصد به الحكاية، وإنما قصد به إيقاع مضمونه في المستقبل ادعاء، فإذا لم يقع كان خلفا في الوعد، وهو قبيح، لا أنه كذب. وكذلك الوعيد فإذا لم يقع كان خلفا، وهو حسن، لا أنه كذب: ويظهر من ذلك أن اليمين ليس من سنخ النذر والعهد، فانهما من الايقاع وهو من الوعد. هذا ولا إشكال في وجوب العمل بالجميع، وأن مخالفتها تستوجب الكفارة، كما هو موضح في ابوابها. فلاحظ. (1) يشير بهذا إلى حديث: " رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ " (* 1). وقد اشتهر الاستدلال به على نفي سببية الاسباب إذا كانت صادرة من الصبي، عقدا، أو ايقاعا - كالنذر والعهد - أو غيرهما. كاليمين. والاشكال فيه ظاهر، فان نفي الوجوب في العقد والايقاع أعم من ترتب المضمون، ولذا يصح من الولي ويترتب مضمونه وإن لم يجب على الصبي الوفاء به. كما أن نفي الوجوب في حال الصبا - في غير الايقاع والعقد - لا يقتضي نفي الوجوب بعد البلوغ. فالعمدة في نفي السببية: هو الاجماع. ومن ذلك يظهر لك الاشكال في الاستدلال به في المجنون وبحديث:

 

 

____________

(* 1) المعتبر: المقدمة الاولى من كتاب الحج صفحة: 337 وقد تقدم في اول فصل شرائط وجوب حجة الاسلام.

 

===============

 

( 296 )

 

[ من المجنون، والغافل، والساهي، والسكران، والمكره. والاقوى صحتها من الكافر. وفاقا للمشهور في اليمين (1) خلافا لبعض (2)، وخلافا للمشهور في النذر (3)، وفاقا لبعض. وذكروا في وجه الفرق: عدم اعتبار قصد القربة في اليمين واعتباره في النذر (4)، ولا تتحقق القربة في الكافر. ] رفع التسعة في الغافل والساهي (* 1). نعم انتفاء القصد فيها يقتضي عدم ترتب الاثر، لخروجها عن موضوع الادلة. وأما الاكراه فيدل على عدم ترتب الاثر فيه ما ورد في طلاق المكره، بحيث تضمن عدم صحته، مستدلا بحديث رفع الاكراه (* 2). (1) حكاه في الجواهر عن الشيخ وأتباعه وأكثر المتأخرين. (2) حكاه في الشرائع عن الشيخ في الخلاف، وحكي ايضا عن ابن ادريس. (3) بل في الجواهر: " لا أجد خلافا في عدم صحته - يعني: النذر من الكافر - بين أساطين الاصحاب، كما اعترف به في الرياض. وحكي عن سيد المدارك التأمل فيه - وكذا عن الكفاية - وحكي عن الرياض: أنه لا يخلو من قوة، إن لم يكن الاجماع على خلافه - كما هو الظاهر - إذ لم ار مخالفا سواهما (يعني: سيد المدارك وصاحب الكفاية) من الاصحاب ". (4) قال في الشرائع في مبحث النذر: " يشترط مع الصيغة نية القربة، فلو قصد منع نفسه بالنذر - لا لله - لم ينعقد.. ثم قال بعد ذلك: وأما متعلق النذر فضابطه: أن يكون طاعة لله تعالى مقدورا.. ". وقد ادعى في الجواهر: الاجماع بقسميه على الحكم المذكور. وكذلك

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب 56 من ابواب جهاد النفس حديث: 1، 3. (* 2) الوسائل باب: 12 من ابواب اليمين حديث: 12.

 

===============

 

( 297 )

 

[ وفيه أولا: أن القربة لا تعتبر في النذر، بل هو مكروه (1)، ] غيره، ولكن اختلفوا في المراد منه، فاستظهر في المسالك: أن المراد جعل شئ لله تعالى في مقابل جعل شئ لغيره، أو جعل شئ من دون ذكر أنه له تعالى أو لغيره، وجعله أصح الوجهين. وربما يستفاد من عبارة الدروس، حيث قال: " وهل يشترط فيه القربة للصيغة، أو يكفي التقرب في الصيغة؟ الاقرب الثاني ". وفي الجواهر جعل المراد منه رجحان المنذور وكونه عبادة في مقابل نذر المباح. ويحتمل: أن يكون المراد في مقابل النذر شكرا على المعصية أو زجرا عن الطاعة. وصريح الشرائع خلاف ذلك كله، بل هو - بمعنى كون الايقاع النذري واقعا على وجه العبادة - مما لم يقم عليه دليل، ويقتضي بطلان النذر إذا كان المقصود منه الزجر عما هو مبغوض للناذر، وهو خلاف إطلاق الادلة. وأما الاحتمالات الاخر فكلها صحيحة في نفسها، غير أنها خلاف ظاهر عبارة الشرائع ونحوها، فلا ينبغي حملها عليها. هذا وفي الدروس: " ويصح (يعني: اليمين) من الكافر وإن لم يصح نذره، لان القربة مرادة هناك دون هذا. ولو قلنا بانعقاد نذر المباح اشكل الفرق.. ". وظاهر العبارة: اعتبار القربة بالمعنى الذي ذكره في الجواهر، لا بالمعنى الذي احتمل من عبارته السابقة. (1) قال في الجواهر: " لا إشكال في اعتبار نية القربة فيه. لكن لا على معنى قصد الامتثال بايقاعه - كغيره من العبادات التي تعلق الامر بايجادها على جهة الوجوب أو الندب - ضرورة عدم الامر به، بل ظاهر موثق اسحاق بن عمار كراهة إيقاعه، قال: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إني جعلت على نفسي شكرا لله تعالى ركعتين.. إلى أن قال (عليه السلام): إني

 

===============

 

( 298 )

 

[ وإنما تعتبر في متعلقة، حيث أن اللازم كونه راجحا شرعا (1). ] لاكره الايجاب أن يوجب الرجل على نفسه.. " (* 1). (1) على المشهور، والعمدة فيه: أن اللام في قول الناذر: " لله علي " - سواء كانت للملك والظرف مستقر، أم للغاية والظرف لغو متعلق بالتزمت محذوفا - تقتضي كونه محبوبا لله تعالى - ولو للعنوان التأخرى - فان ما لا يكون محبوبا للمرء لا يكون مملوكا له عند العقلاء، ولا يصح الالتزام به لاجله. فيصح أن تقول: " زيد يملك على عمرو أن يكرمه "، ولا يصح تقول: " يملك عليه أن يهينه ". كما لا يصح أن تقول: " التزمت لزيد أن أهينه "، ويصح أن تقول: " التزمت لزيد أن اكرمه "، وهو من الواضحات. مضافا الى بعض النصوص، مثل صحيح الكناني: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قال: علي نذر. قال (عليه السلام): ليس النذر بشئ حتى يسمى لله شيئا صياما، أو صدقة، أو هديا، أو حجا " (* 2). وقريب منه غيره. ومن ذلك يشكل ما في الدروس: من جواز نذر المباح " لرواية الحسن بن علي عن أبي الحسن (عليه السلام): " في جارية حلف منها بيمين، فقال: لله علي ان لا أبيعها. فقال (عليه السلام): ف لله بنذرك:. وفيه دقيقة.. ". ويشير بذلك إلى ما رواه البزنطي عن الحسن بن علي عن أبي الحسن (عليه السلام): قلت له: إن لي جارية ليس لها مني مكان ولا ناحية، وهي تحتمل الثمن. إلا أني كنت حلفت فيها بيمين، فقلت: لله على أن لا أبيعها أبدا، ولي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف المؤنة. فقال (عليه السلام):

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من أبواب النذر حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 1 من ابواب النذر حديث: 2.

 

===============

 

( 299 )

 

[ وثانيا: أن متعلق اليمين أيضا قد يكون من العبادات (1). وثالثا: أنه يمكن قصد القربة من الكافر أيضا (2). ودعوى عدم إمكان إتيانه للعبادات لاشتراطها بالاسلام مدفوعة: بامكان إسلامه ثم إتيانه، فهو مقدور لمقدورية مقدمته. فيجب عليه حال كفره كسائر الواجبات، ويعاقب على مخالفته، وترتب عليها وجوب الكفارة، فيعاقب على تركها أيضا. وإن أسلم صح إن أتى به، ويجب عليه الكفارة لو خالف. ] ف لله بقولك له " (* 1). لكن الظاهر من الرواية أن السؤال فيها عن جواز رفع اليد عن النذر الصحيح للطوارئ المذكورة، لا عن صحة النذر في نفسه إذا لم يكن متعلقه راجحا، فلا تدل على خلاف ما ذكرناه مع أنها ضعيفة السند، غير مجبورة بعمل. ومثله: خبر يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام): " إن امرأة نذرت أن تقاد مزمومة بزمام في أنفها، فوقع بعير فخرم أنفها، فأتت عليا (عليه السلام) تخاصم فأبطله. فقال (عليه السلام): انما نذرت لله " (* 2). فانه - أيضا - وارد في غير ما نحن فيه. فالبناء ما ذكرنا - من لزوم رجحان المنذور شرعا - متعين. (1) هذا الاشكال مع الاشكال الاول لا يتواردان على أمر واحد، فان الاشكال الاول مبني على ان مرادهم اعتبار القربة في نفس إيقاع النذر، وهذا الاشكال مبني على اعتبارها في متعلقه. (2) هذا بناء على أن المراد قصده التقرب إلى الله تعالى. أما إذا كان المراد وقوعه على نحو يكون مقربا فلا يتم، لعدم صلاحية الكافر للتقرب بفعله، كما ذكره في الجواهر وغيرها.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من ابواب النذر حديث: 11 (* 2) الوسائل باب: 17 من ابواب النذر حديث: 8.

 

===============

 

( 300 )

 

[ ولا يجري فيه قاعدة جب الاسلام، لانصرافها عن المقام (1). نعم لو خالف وهو كافر، وتعلق به الكفارة فأسلم، لا يبعد دعوى سقوطها عنه كما قيل (2). (مسألة 1): ذهب جماعة (3) إلى أنه يشترط في ] (1) وقد ذكر في الشرائع: أنه لو نذر الكافر فأسلم استحب له الوفاء. ومثله في الدروس. وفي الجواهر: " كما صرح به غير واحد ". لكن هذا الكلام - من الشرائع والدروس - مبني على ما ذكراه، من عدم صحته من الكافر، لا بناء على صحته اعتمادا على حديث الجب (* 1). وكيف كان فدعوى الانصراف غير بعيدة، فان الذي ينسبق إلى الذهن إرادة الجب عن الامور التي يقتضيها الكفر، ولذلك لا يجري في الديون الراجعة الى الناس. اللهم إلا أن يكون ذلك من جهة لزوم خلاف الامتنان في حق غيره، والظاهر من الحديث أنه حديث امتناني، فلا يجري إذا لزم منه خلاف الامتنان. اللهم إلا أن يقال: إنه امتناني بالاضافة الى الكافر نفسه، لا مطلقا، ولذلك ورد الحديث في القتل الذي صدر من المغيرة بن شعبة (* 2). فلاحظ موارد الحديث. اللهم إلا أن يقال: القتل الصادر من المغيرة قتل لمهدور الدم والمال. والانصاف أن ظاهر الحديث الامتنان على الكافر بنحو لا يوجب خلاف الامتنان في حق المسلم " وانصرافه إلى خصوص ما كان يقتضي الكفر، فديون الناس لا يشملها من وجهين. وقد تعرضنا للكلام في الحديث في مبحث وجوب الزكاة على الكافر. (2) ذكر ذلك في الدروس، لكن في كفارة اليمين، ولا يبعد أن يستفاد منه كفارة النذر. فلاحظ. (3) حكاه في الرياض عن الارشاد والمسالك، واختاره.

 

 

____________

(* 1) و (* 2) تقدم التعرض اليهما في صفحة: 50 من الجزء السابع من هذا الشرح.

 

===============

 

( 301 )

 

[ انعقاد اليمين من المملوك إذن المولى، وفي انعقاده من الزوجة إذن الزوج، وفي انعقاده من الولد إذن الوالد. لقوله (عليه السلام): " لا يمين لولد مع والده، ولا للزوجة مع زوجها، ولا للمملوك مع مولاه " (1)، فلو حلف أحد هؤلاء بدون الاذن لم ينعقد. وظاهرهم اعتنبار الاذن السابق، فلا تكفي الاجازة بعده (2). مع انه من الايقاعات وادعى الاتفاق على عدم جريان الفضولية فيها (3). وإن كان يمكن دعوى: أن القدر المتيقن من الاتفاق ما إذا وقع الايقاع على مال الغير - مثل: الطلاق، والعتق، ونحوهما - لا مثل المقام مما كان في مال نفسه ] (1) رواه منصور بن حازم - في الصحيح - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يمين للولد مع والده، ولا للملوك مع مولاه ولا للمرأة مع زوجها. ولا نذر في معصية. ولا يمين في قطيعة (* 1). ورواه القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لا يمين لولد مع والده، ولا للمرأة مع زوجها، ولا للملوك مع سيده " (* 2). وفي خبر أنس في وصيه النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " ولا يمين لولد مع والده، ولا لامرأة مع زوجها، ولا للعبد مع مولاه " (* 3). (2) فان الظاهر من الاذن المذكور في كلامهم ذلك إذ اللاحق لا يسمي إذنا، بل يسمى إجازة وامضاء. (3) عن غاية المرام: الاتفاق. على بطلان إيقاع الفضولي ولو مع الاجازة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 10 من ابواب اليمين حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 10 من ابواب اليمين حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 10 من ابواب اليمين حديث: 3.

 

===============

 

( 302 )

 

[ غاية الامر اعتبار رضا الغير فيه (1) ولا فرق فيه بين الرضا السابق واللاحق. خصوصا إذا قلنا: إن الفضولي على القاعدة. وذهب جماعة إلى أنه لا يشترط الاذن في الانعقاد، لكن للمذكورين حل يمين الجماعة إذا لم يكن مسبوقا بنهي أو اذن (2)، بدعوى: أن المنساق من الخبر المذكور ونحوه: أنه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الاب أو الزوج (3). ولازمه: جواز حلهم له، وعدم وجوب ] (1) كما في عتق الراهن العين المرهونة، فان المعروف بينهم الصحة مع الاجازة. وما عن بعض: من القول بالبطلان يحتمل أن يكون من جهة بنائه على بطلان الفضولي حتى لو كان عقدا. أو لاختصاص كلامه بصورة عدم الاجازة. فتأمل. وكما في عتق المفلس عبده بدون إذن الديان، فقد اختار جماعة صحته باجازة الديان. بل الظاهر أن المقام لا حق فيه للغير، بل مجرد الحكم باعتبار رضاه، فلا يرتبط بباب الفضولي في العقد أو الايقاع، والمدار فيه على دليل اعتبار الرضا من حيث شموله للاحق وعدمه. (2) نسبه في الرياض إلى الاكثر، وعن المسالك والمفاتيح: نسبته إلى المشهور. (3) هذه الدعوى ادعاها في الجواهر. وهي غير بعيدة، إذ لو كان المراد أن وجود الوالد مانع - كما يقتضيه الجمود على ما تحت العبارة - كان قوله: " مع والده " زائدا. وكذا قوله: " مع زوجها " و " مع سيده " إذ الولد لا بد أن يكون له والد، وكذا الزوجة والعبد لا بد أن يكون لهما زوج وسيد، فذكر الوالد والزوج والسيد لا بد أن يكون بملاحظة المعارضة والممانعة. ولعله واضح.

 

===============

 

( 303 )

 

[ العمل به مع عدم رضاهم به. وعلى هذا فمع النهي السابق لا ينعقد ومع الاذن يلزم، ومع عدمهما ينعقد، ولهم حله. ولا يبعد قوة هذا القول. مع أن المقدر - كما يمكن أن يكون هو الوجود - يمكن أن يكون هو المنع والمعارضة، أي: لا يمين مع منع المولي مثلا (1). فمع عدم الظهور في الثاني لا أقل من الاجمال، والقدر المتيقن هو عدم الصحة مع المعارضة والنهي، بعد كون مقتضي العمومات الصحة واللزوم. ثم إن جواز الحل - أو التوقف على الاذن - ليس في اليمين بما هو يمين مطلقا - كما هو ظاهر كلماتهم - بل إنما هو فيما كان المتعلق منافيا لحق المولى أو الزوج، وكان مما يجب فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى. وأما ما لم يكن كذلك فلا (2)، كما إذا حلف المملوك أن يحج إذا أعتقه المولى أو حلفت الزوج أن ] (1) هذه الدعوى - ايضا - ذكرها في الجواهر، قال في الرد على الرياض: " وثانيا: أنه قد يقال: إن ظاهر قوله (عليه السلام): " مع والده " نفيها مع معارضة الوالد، إذ تقدير وجوده ليس أولى من تقدير معارضته، بل هذا أولى للشهرة والعمومات.. ". وفيه: ان الاسم الموضوع للماهية إما ان يراد به نفس الماهية التي هي موضوع الوجود والعدم، أو نفس الوجود. فان أريد به نفس الماهية في المقام تعين تقدير الوجود، وإن أريد الماهية الموجودة لم يحتج الى تقدير، بل هو ممتنع إذ لا وجود للوجود، وعند الدوران يتعين الثاني بمقتضى الاصل. وحينئذ لا مقتضي لتقدير المعارضة، والاصل عدمه. مع أن الشهرة لا تصلح لتعيين الظهور. (2) هذه الدعوى ذكرها في الجواهر، وتبعه عليها المصنف (ره).

 

===============

 

( 304 )

 

[ تحج إذا مات زوجها أو طلقها، أو حلفا أن يصليا صلاة الليل مع عدم كونها منافية لحق المولى أو حق الاستمتاع من الزوجة، أو حلف الولد أن يقرأ كل يوم جزءا من القران، أو نحو ذلك مما لا يجب طاعتهم فيها للمذكورين، فلا مانع من انعقاده. وهذا هو المنساق من الاخبار، فلو حلف الولد أن يحج إذا استصحبه الوالد إلى مكة - مثلا - لا مانع من انعقاده، وهكذا بالنسبة الى المملوك والزوجة. فالمراد من الاخبار: أنه ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافيا لحق المذكورين. ولذا استثنى بعضهم الحلف على فعل ] قال (ره): " فالمراد حينئذ من نفي اليمين مع الوالد في الفعل الذي يتعلق بفعله إرادة الولد وتركه إرادة الوالد، وليس المراد مجرد نهي الوالد عن اليمين.. ". فالمعارضة - التي تقدم أنها المنساقة من النصوص - المعارضة في فعل المنذور وتركه - بأن نذر الولد فعله ويريد الوالد تركه وبالعكس - لا في نفس ايقاع اليمين، بأن يريد الولد الايقاع ويريد الوالد ترك الايقاع. وما ذكره (ره) - كما أنه مخالف لظاهر كلماتهم - مخالف لظاهر النصوص، إذ المذكور في الحديث اليمين فهو مورد المعارضة. لا المحلوف عليه، كي يحتمل أنه مورد المعارضة ويحمل الكلام عليه. مع أنه على هذا لا يكون حكما تأسيسيا، فان اليمين على تضييع حقوق الناس باطلة، كما يستفاد مما ورد: " لا يمين في المعصية " (* 1)، فتكون هذه الروايات مؤكدة له. ولا تختص بالزوجة مع زوجها، فانه ايضا لا يمين للزوج مع زوجته - بهذا المعنى الذي ذكره المصنف (ره) -

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب اليمين.

 

===============

 

( 305 )

 

[ الواجب أو ترك القبيح وحكم بالانعقاد فيهما (1)، ولو كان المراد اليمين بما هو يمين لم يكن وجه لهذا الاستثناء (2). ] ولا يمين لكل احد مع من له الحق، كالراهن مع المرتهن، والمفلس مع غريمه، وغيرهم ممن لهم الحقوق. وحمل الروايات على هذا المعنى من أبعد البعيد، كما هو ظاهر. (1) قال في الشرائع: " ولا تنعقد من الولد مع والده إلا مع إذنه، وكذا يمين المرأة والمملوك. إلا أن يكون اليمين في فعل واجب أو ترك قبيح ". ونحوه: ما في غيره. وفي الجواهر: جعل الاستثناء المذكور شاهدا لما ادعاه حسبما بينه والمصنف (ره). وفي الرياض: " ويمكن أن يوجه كلام الجماعة بما لا ينافي ما ذكرناه، بأن يراد من الاحلال: جواز الامر بترك ما حلف على فعله أو فعل ما حلف على تركه، ونفي جواز الاحلال بهذا المعنى لا ينافى عدم انعقاد اليمين أصلا ". وما ذكره " (ره) لا يخلو من إشكال لان الحل بهذا المعنى - مع أنه خلاف الظاهر - لا يرفع الاشكال في العبارة التي كان الاستثناء فيها من جواز الحل، لا فيما كان الاستثناء من عدم الانعقاد بدون الاذن، إذ الاستثناء فيها يقتضي الانعقاد في المستثنى فيرجع الاشكال. (2) أقول: لا يتوجه الاستثناء على كلا القولين، لانه لو بني على ما ذكره في المتن لم يكن للاقتصار في الاستثناء على ما كان في فعل الواجب وترك الحرام وجه، بل كان اللازم استثناء مطلق ما لم يكن فيه تفويت حق الغير وإن لم يكن على ترك حرام أو فعل واجب - كالامور التي ذكرها في المتن - فان اليمين فيها ايضا مستثنى من عدم الانعقاد بدون الاذن، ولا وجه للاقتصار في الاستثناء على الموردين المذكورين. فالاستثناء يتوجه عليه الاشكال على كل من القولين، فلا يصلح قرينة على أحدهما.

 

===============

 

( 306 )

 

[ هذا كله في اليمين، وأما النذر فالمشهور بينهم أنه كاليمين في المملوك والزوجة، وألحق بعضهم بهما الولد أيضا (1). وهو مشكل، لعدم الدليل عليه - خصوصا في الولد - إلا القياس على اليمين، بدعوى: تنقيح المناط. وهو ممنوع. أو بدعوى: أن المراد من اليمين في الاخبار ما يشمل النذر، لاطلاقه عليه في جملة من الاخبار، منها: خبران في كلام الامام (عليه السلام) (2). ومنها: أخبار في كلام الراوي (3) ] (1) حكي ذلك عن الارشاد والدروس، بل حكاه في الرياض عن جملة من كتب العلامة. وعن السيد في شرح النافع: الاقتصار على المملوك واستظهر ايضا من المسالك. (2) أحدهما: موثق سماعة: " إنما اليمين الواجبة - التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها - ما جعل لله تعالى عليه في الشكر إن هو عافاه من مرضه، أو عافاه من أمر يخافه، أو رد عليه ماله، أو رده من سفره، أو رزقه رزقا، فقال: لله علي كذا وكذا شكرا، فهذا الواجب على صاحبه.. " (* 1). وثانيهما: خبر السندي بن محمد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قلت له: جعلت على نفسي مشيا إلى بيت الله. قال (عليه السلام): كفر عن يمينك، فانما جعلت على نفسك يمينا، وما جعلته لله فف به " (* 2). (3) وفي الرياض: أنها مستفيضة وذكر فيه أربعة، منها: رواية الحسن بن علي عن ابي الحسن (عليه السلام)، المتقدمة في اعتبار رجحان المنذور (* 3). ومنها: رواية مسعده بن صدقة قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) - وسئل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 17 من ابواب النذر حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 8 من ابواب النذر حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 17 من ابواب النذر حديث: 11.

 

===============

 

( 307 )

 

[ وتقرير الامام (عليه السلام) له. وهو - أيضا - كما ترى (1). فالاقوى في الولد عدم الالحاق (2). نعم في الزوجة والمملوك لا يبعد الالحاق باليمين (3) لخبر قرب الاسناد عن جعفر (عليه السلام) ] عن رجل يحلف بالنذر، ونيته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقل - قال (عليه السلام): إذا لم يجعل لله فليس بشئ " (* 1)، وغيرهما. (1) لان الاستعمال أعم من الحقيقة. وما في الرياض: من أن الاستعمال على وجه المجاز والاستعارة يدل على المشاركة في الاحكام الشرعية ومنها: انتفاؤها عند عدم اذن الثلاثة. فيه: أنه لا إطلاق في الاستعمال يدل على المشاركة في جميع الاحكام. ومثله: ما ذكره من التأييد بالاستقراء والتتبع التام، الكاشف عن اشتراك النذر واليمين في كثير من الاحكام. فان الاستقراء ناقص. والاشتراك في كثير من الاحكام لا يجدي ما لم يكن في جميعها. ومثله ما ذكره بقوله: " وبالجملة: بملاحظة جميع ما ذكرنا يظهر الظن المعتمد عليه بصحة ما ذهب إليه الاكثر.. ". فان الظن - على تقدير حصوله مما ذكر - ليس بمعتمد، ولا يدخل تحت أدلة الحجية، لانه لا يرجع إلى ظهور الكلام. فلاحظ. (2) كما في كشف اللثام، ومال إليه في الجواهر، وهو ظاهر الشرائع وغيرها مما اقتصر فيه على ذكر المملوك والزوجة. وفي الكشف: " وعن فخر الاسلام: أن أباه افتى به بعد أن تصفح كتب الحديث فلم يظفر بما يدل على مساواته لليمين.. ". وبناء على ما تقدم من المصنف (ره): من اختصاص محل الكلام بما كان منافيا لحق الوالد، يكون التوقف على إذنه مقتضى القاعدة، ولا يحتاج الى الاستدلال عليه بما ذكر، ولا وجه لتقوية العدم. (3) قد عرفت أنه - بناء على ما سبق منه: من اختصاص النصوص

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب النذر حديث: 4.

 

===============

 

( 308 )

 

[ عن أبيه (عليه السلام): " ان عليا (عليه السلام) كان يقول: ليس على المملوك نذر إلا باذن مولاه " (1)، وصحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) (2): " ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق، ولا صدقة، ولا تدبير، ولا هبة، ولا نذر في مالها إلا باذن ] الواردة في اليمين بما يكون منافيا لحقوق الزوج والسيد - لا يحتاج إلى تكلف الاستدلال على الالحاق بما ذكر، لان النصوص المذكورة واردة على حسب مقتضى القاعدة التي لا فرق فيها بين اليمين والنذر، كما لا يخفى. نعم بناء على ما هو ظاهر الاصحاب: من عموم النصوص لما يكون منافيا لحق الزوج والسيد وغيره، يحتاج حينئذ إلى الاستدلال على الالحاق بما ذكر. بل في المملوك لا يحتاج إليه ايضا، لان مادل على قصور سلطنته وولاية المالك عليه يقتضي عدم نفوذ نذره، كغيره من التصرفات الايقاعية، كطلاقه، ونكاحه، وبيعه، وغيرها. وقد استدل الامام (عليه السلام) (* 1) على عدم صحة طلاق العبد بغير إذن مولاه بقوله تعالى: (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ..) (* 2)، وكذا في المقام. فلاحظ. (1) رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر (عليه السلام) (* 3). (2) رواه الصدوق والشيخ باسانيد صحيحة، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (* 4).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 42 من ابواب مقدمات الطلاق حديث: 2. (* 2) النحل: 75. (* 3) الوسائل باب: 15 من ابواب النذر حديث: 2. (* 4) الوسائل باب: 1 من أبواب النذر ملحق حديث: 1.

 

===============

 

( 309 )

 

[ زوجها. إلا في حج، أو زكاة، أو بر والديها، أو صلة قرابتها " (1). وضعف الاول (2) منجبر بالشهرة (3). واشتمال الثاني على ما لا نقول به لا يضر. ثم هل الزوجة تشمل المنقطعة أو لا؟ وجهان (4). وهل الولد يشمل ولد الولد ] (1) كذا في بضع طرق الحديث، وفي بعضها: " أو صلة رحمها " (* 1). (2) الضعف في سند الاول: من جهة الحسين بن علوان، لانه من المخالفين، ولم يثبت توثيقه. أما الحسن بن ظريف فثقة. (3) لم يثبت اعتماد المشهور عليه في فتواهم، بل الظاهر أنه كان اعتمادهم على عموم: " لا يمين للملوك مع مولاه ". ولذا كان بناؤهم على ثبوت الحكم في الولد. نعم مضمون الخبر موافق لفتوى المشهور. لكن الموافقة لفتوى المشهور لا تجدي في جبر الضعف. هذا مضافا إلى ما عرفت: من أن ما دل على قصور ولاية العبد كاف في بطلان نذره، فكيف يمكن دعوى اعتماد المشهور عليه؟! (4) في الرياض: " ينبغي القطع باختصاص الحكم فيها بالدائم دون المتعة " لعدم تبادرها منها عند الاطلاق. مضافا إلى قوة احتمال كون صدقها عليها على سبيل المجاز دون الحقيقة ". وفيه: ما لا يخفى، إذ لا ريب في كونها زوجة كالدائمة، وإن فارقت الدائمة في بعض الاحكام. بل التحقيق: أن الزوجية المنقطعة عين الزوجية الدائمة، والانقطاع جاء من قبل الشرط في ضمن العقد - كما اختاره في الجواهر - لا أنه داخل في مفهوم الزوجية الانقطاعية، فيكون من قبيل الفصول المميزة بينها وبين الدائمية، كما اختاره شيخنا الاعظم (ره). وقد أشرنا إلى ذلك في (نهج الفقاهة) في بعض مباحث المعاطاة. فراجع. كما أن دعوى الانصراف

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب النذر حديث: 1.

 

===============

 

( 310 )

 

[ أولا؟ كذلك وجهان (1). والامة المزوجة عليها الاستئذان من الزوج والمولى، بناء على اعتبار الاذن (2). وإذا أذن المولي للمملوك أن يحلف أو ينذر الحج لا يجب عليه إعطاء ما زاد عن نفقته الواجبة عليه من مصارف الحج (3). وهل عليه تخلية سبيله لتحصيلها أو لا؟ وجهان (4). ثم على القول بأن لهم الحل، هل يجوز مع حلف الجماعة التماس المذكورين ] بنحو يعتد به في رفع اليد عن الاطلاق ممنوعة. (1) وفي الرياض ذكر أن الاول لا يخلو من قرب، ونسب إلى الدروس: الجزم به. ولكنه غير ظاهر، والخروج عن عموم الادلة المقتضية للصحة بدون الاذن لا مقتضي له. (2) لعموم الادلة بناء عليها، كما سبق. (3) إذ لا مقتضي لذلك. ولو شك فالاصل البراءة. (4) أوجههما الاول، لان الاذن في الشئ إذن في لوازمه، وبعد الاذن يسقط حقه في المنع. وعليه يجوز له أن يؤجر نفسه بأجرة ثم يصرفها في سبيل الحج. فان قلت: الاجرة ملك للمولى كسائر أمواله، فكيف يجوز له التصرف فيها ولا يجوز له التصرف في سائر أموال المولى؟!. وحينئذ يتعين صرف نفس المنفعة في الحج، فان أمكنه الحج فهو، وإلا بطل النذر يتعذر المنذور. قلت: لا فرق بين المنفعة والعين في أنهما ملك للمولى، وأنه لا يجوز التصرف فيهما بغير إذن ويجوز مع الاذن، فإذا كان الاذن في الحج إذنا من المولى في التصرف في ماله وجب عليه ذلك وليس للمولى منعه عنه. والتحقيق: أن الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين. الاول: في أن إذن المولى في النذر إذن في صرف ماله في سبيل المنذور. ولا ريب

 

===============

 

( 311 )

 

[ في حل حلفهم أم لا؟ وجهان (1). ] في أن قاعدة: أن الاذن في الشئ إذن في لوازمه قاعدة ظاهرية يبنى عليها ما لم تقم حجة على خلافها، فإذا أذن مالك الدار في الصلاة في داره، وكان يترتب على الصلاة بعض التصرفات فقد اذن في ذلك، ومرجعها إلى الاخذ باطلاق الاذن ما لم تقم قرينة أوما يصلح للقرينية على خلافها. وعليه إذا شك في إذن المولى في سعي العبد وتحصيله المال المحتاج إليه في الحج يجوز له السعي اعتمادا على الاذن الظاهرية المستفادة من الاذن في الحج. بل لو فرض أن العبد عاجز عن تحصيل المال وأذن له المالك في النذر فقد اذن له في أخذ مال المولى الذي في يده وصرفه في الحج. الثاني: في أنه لو أذن المولى في نذر الحج وفي أخذ المال الذي في يده إذنا صريحا، أو اذن له في التكسب وصرف الربح في الحج المنذور، فهل له العدول عن الاذن فيكون النمذور متعذرا ويبطل النذر، أو ليس له العدول؟ وقد عرفت فيما سبق: أنه لا مانع من العدول، وحينئذ لا مانع من منع المولى عبده عن التكسب وصرف الربح في الحج حتى لو كان قد أذن له في ذلك. وعليه يتعذر على العبد العمل بالنذر فيبطل. نعم لو أجر نفسه للخدمة في مقابل ان يحج به المستأجر فقد صحت الاجارة " لانها باذن المولى، فلا مجال للعدول عن الاذن بعد وقوع الاجارة عن الاذن، فينحصر العمل بالنذر في هذه الصورة لا غيرها. نعم قبل وقوع الاجارة المذكورة لا مانع من عدول المولى عن الاذن، فيمنعه عن إيقاع الاجارة المذكورة. بل في الصورة السابقة لما كان الاحجاج عوضا عن الخدمة - التي هي ملك المولى - كان ملكا للمولى، فيمكنه إسقاطه عن المستأجر ومنع العبد عن التصرف فيه. (1) أوجههما الاول، لاصالة البراءة من الحرمة.

 

===============

 

( 312 )

 

[ (مسألة 2): إذا كان الوالد كافرا ففي شمول الحكم له وجهان، أوجههما العدم للانصراف، ونفي السبيل (1). (مسألة 3): هل المملوك المبعض حكمه حكم القن أولا؟ وجهان، لا يبعد الشمول (2). ويحتمل عدم توقف حلفه على الاذن في نوبته في صورة المهاياة (3). خصوصا إذا كان وقوع المتعلق في نوبته. ] (1) لان المنصرف من الدليل: أن ذلك تكريم الاب، والكافر لا يستحق ذلك. وأما آية نفي السبيل فظاهرة - بمناسبة ما قبلها من قوله تعالى: (فالله يحكم بينهم يوم القيامة..) - (* 1) في أنها في أمور الاخرة، فلا تكون مما نحن فيه. (2) لاطلاق ادله نفي سلطنة العبد. وإن كان لا يخلو من إشكال لاحتمال انصرافه الى غير المبعض، بل هو قريب، والمرجع فيه عموم قاعدة السلطنة. لكن الظاهر أنه لا إشكال عندهم في نفي السلطنة المطلقة عنه. (3) هذا الاحتمال موافق لقاعدة السلطنة التي قد عرفت أنها المرجع عند الشك. لكن يشكل: بأن المهاياة تقتضي اختصاص المنافع التي تكون في نوبة المالك بالمالك، فقاعدة سلطنة المالك عليها، تقتضي المنع من التصرف فيها بغير إذنه، وهي غير سلطنته على العبد المنتفية في نوبته. (وبالجملة): عدم صحة النذر تارة: لعدم سلطنة العبد على تصرفه من حيث قيامه به، وأخرى: من حيث تعلق التصرف بمال غيره. فإذا نذر في نوبته ما يتعلق بنوبة المولى، فمن حيث كونه نذرا صادرا من العبد في نوبته يكون تحت سلطانه، ومن حيث كونه متعلقا بما في نوبة المولى لا يكون تحت سلطانه، فلا ينفذ. نعم إذا كان النذر في نوبة العبد ومتعلقا بما في نوبته لم يكن مانع من

 

 

____________

(* 1) النساء: 141.

 

===============

 

( 313 )

 

[ (مسألة 4): الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر والانثى (1)، وكذا في المملوك والمالك (2). لكن لا تلحق الام بالاب (3). ] نفوذه، إذ لا سلطان لغيره عليه، لا في نذره ولا في متعلق نذره. نعم يتوقف ذلك على دليل يدل على استقلاله في نوبته وبما في نوبته، فان تم كان نذره نافذا (1) لعموم الولد للجميع. قال الله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين..) (* 1). (2) الظاهر أنه لا إشكال فيه، ولم يتعرض في كلام أحد للخلاف فيه كما تعرضوا للخلاف في عموم الحكم للام. وكأنه لعموم المملوك والمالك للذكر والانثى، لان المالكية والمملوكية قائمة بالنفس، وهي لا تقبل الذكورة والانوثة. أو لان المناط الملكية وهي مشتركة. وكلا الوجهين لا يخلو من إشكال، ضرورة صحة قولنا: " زيد مالك، وزينب مالكة "، ولا يقال: " زينب مالك ". وكذا الكلام في المملوك والمملوكة. وأما دعوى اشتراك المناط فغير معلومة. مع أنه لا فرق بينها وبين الوالد والوالدة. فالعمدة - إذا - ظهور التسالم على الحكم. مع أنه سبق في النذر: أن الحكم في المملوك على القاعدة لقصور سلطنته، ولا يفرق فيه بين الذكر والانثى. (3) كما نص على ذلك في الرياض، لاختصاص النص والفتوى بالوالد، وهو غير شامل للام. نعم بناء على ما تقدم من المصنف (ره) - تبعا للجواهر - من اختصاص النصوص بما كان منافيا لحق المولى والزوج، وكان مما تجب فيه إطاعة الوالدين يتعين الالحاق. لان النصوص حينئذ تكون واردة على مقتضى القاعدة. فكأن كلام المصنف (ره) مبني على

 

 

____________

(* 1) النساء 11.

 

===============

 

( 314 )

 

[ (مسألة 5): إذا نذر أو حلف المملوك باذن المالك، ثم انتقل إلى غيره - بالارث أو البيع أو نحوه - بقي على لزومه (1). (مسألة 6): لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثم تزوجت، وجب عليها العمل به (2) وإن كان منافيا للاستمتاع بها، وليس للزوج منعها من ذلك الفعل، ] ما هو ظاهر كلمات الاصحاب. فلاحظ. (1) الكلام فيه تارة: فيما يكون منافيا لحق المولى، وأخرى: في غيره. أما الثاني فالحكم فيه ظاهر، لانه مقتضى الاستصحاب. أو مقتضى العموم الازماني الثابت لدليل اللزوم. وإطلاق ما دل على اعتبار إذن السيد مختص بالسيد حال النذر، فلا يشمل السيد بعده كي يقتضي اعتبار إذنه. وأما الاول فقد يشكل من جهة: أن السيد الوارث أو المشتري تثبت له الاحكام كما تثبت للموروث والبائع، فإذا نهى العبد عن العمل بالنذر لمنافاته لحقه وجب على العبد إطاعته " فيبطل النذر لانه نذر للمعصية. ويعارض ذلك: أن وجوب اطاعة المولى يختص بغير الواجب، فإذا صح النذر وجب المنذور ولم تجز اطاعة المولى في تركه. وقد تقدم نظير ذلك في الفصل السابق في المسألة الثانية والثلاثين، وتقرر هناك: أنه إذا تعارض تكليفان، بحيث إذا ثبت أحدهما رفع موضوع الاخر، كان العمل على السابق منهما زمانا دون اللاحق. (2) الصورتان المتقدمتان في المسألة الخامسة ايضا آتيتان في هذه المسألة، فتارة: تنذر مالا ينافي حق الزوج، وأخرى: تنذر ما ينافيه. ففي الاولى يجب عليها العمل بالنذر، لاطلاق دليل وجوب العمل بالنذر، أو استصحابه. والزوج الثاني لا يشمله قوله (عليه السلام): " لا يمين للمرأة مع

 

===============

 

( 315 )

 

[ كالحج ونحوه بل وكذا لو نذرت أنها لو تزوجت بزيد - مثلا - صامت كل خميس، وكان المفروض أن زيدا أيضا حلف أن يواقعها كل خميس إذا تزوجها، فان حلفها أو نذرها مقدم على حلفه وإن كان متأخرا في الايقاع لان حلفه لا يؤثر شيئا في تكليفها (1). بخلاف نذرها، فانه يوجب الصوم عليها، لانه متعلق بعمل نفسها، فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرجل. ] زوجها " (* 1)، لاختصاصها بالزوج حال النذر، ولا يشمل الثاني. وأما الثانية فقد يشكل فيها الاخذ بالنذر بدعوى: مرجوحية متعلقه حين وقوعه فيبطل. وقد عرفت جوابه، فان المسألتين من باب واحد. (1) من المعلوم أن حلف الزوج موجب لتوجه الخطاب إليه بوجوب العمل، لا أنه يوجب توجه الخطاب إليها، ففرضه لا يوجب اختلاف حكم هذه المسألة عن سابقتها. وحينئذ يرجع إلى حكم المسألة السابقة، فيقال: يتعارض فيها خطاب وجوب العمل بالنذر وخطاب وجوب إطاعة الزوج، ولما كان الاول سابقا زمانا كان دليله مقدما في الحجية على الثاني، لانه رافع لموضوع الثاني، وإذا ارتفع وجوب إطاعة الزوج عنها فكانت لا تجب عليها إطاعته، كان نذر الزوج باطلا، لتعلقه بغير المشروع. وبالجملة: نذر الزوج ونذر الزوجة إن صحا اقتضيا خطابين متوجهين إلى شخصين لا إلى شخص واحد، ولما لم يكونا متوجهين الى شخص واحد لا مجال لتوهم المعارضة بين دليليهما، كي يهتم في تعيين المقدم منهما على الاخر، فيدعى أن دليل المتقدم زمانا مقدم على دليل المتأخر. والخطابان

 

 

____________

(* 1) لاحظ الوسائل باب 10 من ابواب اليمين حديث: 1، 2، 3.

 

===============

 

( 316 )

 

المتعارضان في هذه المسألة أيضا هما وجوب العمل بالنذر، ووجوب اطاعة الزوج، فيجري الكلام السابق فيهما، وتكون النتيجة تقديم دليل الاول - لسبقه زمانا - على دليل الثاني، فإذا سقط الثاني لم يكن لنذر الزوج مجال لانه متعلق بغير المشروع. ومن ذلك يظهر أن المناسب في التعبير: أن يقال - بدل قوله: " فوجوبه عليها يمنع.. " - هكذا " فوجوبه عليها يمنع الرجل أن يعمل بحلفه "، لا أنه يمنع الزوجة من العمل بحلف الرجل، لان المفروض أن حلف الرجل لا يوجب تكليفا للزوجة، ولا عملا عليها. فلاحظ. ثم إنه قد يستشكل في صحة نذر الزوجه الصوم إذا تزوجت، لانها إذا تزوجت وجب عليها إطاعة الزوج، وحينئذ يكون نذرها الصوم إذا تزوجت راجعا إلى نذر تفويت حق الزوج. نظير ما إذا نذرت أنها إذا تزوجت منعت الزوج عن حقه، فيكون باطلا لعدم مشروعية المنذور. ولاجله يشكل نذرها الصوم من دون تقييد بالتزويج، فلا يجوز العمل به إذا تزوجت على كل حال. لانها إذا نذرته مطلقا جاء فيه الاشكال المذكور، لانه إذا فرض أنه لا يصح النذر المقيد لا يصح النذر المطلق. فإذا نذرت الصوم غير مقيد بتقدير الزوجية، فان أخذ مطلقا فهو ممتنع، لان امتناع المقيد يوجب امتناع المطلق الشامل له، وإذا أخذ مهملا لم يشمل حال التزويج، فلا يجب العمل به إذا تزوجت. وإن أخذ مقيدا بغير حال التزويج كان صحيحا، لكن لا يجب العمل به إذا تزوجت لفوات القيد المقيد به النذر. بل من ذلك يظهر الاشكال في نذر زيارة الحسين (عليه السلام) يوم عرفة لمن استطاع بعد ذلك، لانه أيضا إذا نذرها على تقدير الاستطاعة - بأن قال: " لله علي إذا استطعت أن أزور يوم عرفة " - كان نذرا لغير

 

===============

 

( 317 )

 

[ (مسألة 7): إذا نذر الحج من مكان معين - كبلده، أو بلد آخر معين - فحج من غير ذلك المكان لم تبرء ذمته ووجب عليه ثانيا. نعم لو عينه في سنة، فحج في تلك السنة من غير ذلك المكان وجب عليه الكفارة، لعدم إمكان التدارك ولو نذر أن يحج من غير تقييد بمكان، ثم نذر نذرا آخر أن يكون ذلك الحج من مكان كذا، وخالف فحج من غير ذلك المكان، برئ من النذر الاول، ووجب عليه الكفارة لخلف النذر الثاني. كما أنه لو نذر أن يحج حجة الاسلام من بلد كذا فخالف، فانه يجزيه عن حجة الاسلام، ووجب عليه الكفارة لخلف النذر (1). ] المشروع، لانه على تقدير الاستطاعة يجب عليه الحج، فلا يجوز له تفويته بالزيارة، فلا يصح نذرها، وإذا لم يصح النذر مقيدا بتقدير الاستطاعة لم يصح النذر مطلقا، وإذا نذرها نذرا مهملا أو مقيدا بغير الاستطاعة لم يجب العمل به على تقدير الاستطاعة. وفيه: أن الجواب المتقدم ايضا آت هنا، فان النذر على تقدير الاستطاعة إنما يكون نذرا لغير المشروع إذا تقدم دليل وجوب الحج، أما إذا سقط بارتفاع موضوعه بسبق النذر فلا يكون نذرا لغير المشروع. ومثله الكلام في نذر الزوجة. فلاحظ، وتأمل. (1) قد تقدم - في مواضع من هذا الشرح - الكلام في نظير المسألة وحاصله: أن وجود حج الاسلام إن أخذ شرطا للنذر فمع سقوطه بالاداء لا مجال للكفارة إذ لا حنث، وإن أخذ قيدا للمنذور وجب تحصيله. فيرجع قوله: " لله علي أن أحج حج الاسلام من بلد كذا " إلى قوله: " لله علي أن لا أحج إلا من بلد كذا " لان وجوب المحافظة على حصول قيد

 

===============

 

( 318 )

 

] (مسألة 8): إذا نذر أن يحج ولم يقيده بزمان، فالظاهر جواز التأخير الى ظن الموت أو الفوت (1)، فلا يجب عليه المبادرة، إلا إذا كان هناك انصراف، فلو مات قبل الاتيان به - في صورة جواز التأخير - لا يكون عاصيا. والقول ] المنذور يقتضي المنع من حصوله، لئلا يعجز عن أداء المنذور المؤدي الى تركه، فإذا حج من غير البلد المعين حج الاسلام فقد فوت الموضوع وعجز نفسه عن اداء المنذور. وهذا التعجيز حرام عقلا، فيكون تجريا، فلا يصح التعبد به، فإذا بطل - لفوات التقرب - بقي النذر بحاله، فيجب الاتيان بالمنذور بعد ذلك. وحيئذ لا تجب الكفارة، لان الكفارة إنما تجب بترك المنذور، لا بمجرد التجري في تركه وتفويته، الحاصل بالاقدام على إفراغ الذمة عن حجة الاسلام. فراجع ما كتبناه في شرح مسألة: ما لو نذر أن يصلي جماعة. هذا كله مع العمد، وأما مع السهو فلا ينبغي الاشكال في صحة الحج وعدم الكفارة. (1) قال في المسالك: " لا خلاف في جواز تأخير المطلق، إلا أن يظن الوفاة. سواء حصل مانع أم لا. ". وقال في المدارك: " قد قطع الاصحاب: بأن من نذر الحج مطلقا يجوز له تأخيره إلى أن يتضيق الوقت بظن الوفاة. ووجهه واضح، إذ ليس في الادلة النقلية ما يدل على اعتبار الفورية. والامر المطلق إنما يدل على طلب الماهية من غير إشعار بفور ولا تراخ، كما بيناه مرارا.. ". وفي كشف اللثام: عن التذكرة: أن عدم الفورية اقوى. فاحتمال الفورية إما لانصراف المطلق إليها، كما قيل في الاوامر المطلقة. أو لانا إن لم نقل بها لم يتحقق الوجوب لجواز الترك ما دام حيا. أو لضعف ظن الحياة هنا، لانه إذا لم يأت به في عام لم يمكنه الاتيان به إلا في عام آخر. ولاطلاق بعض الاخبار الناهية عن

 

===============

 

( 319 )

 

[ بعصيانه - مع تمكنه في بعض تلك الازمنة وإن جاز التأخير - لا وجه له (1). وإذا قيده بسنة معينة لم يجز التأخير مع فرض تمكنه في تلك السنة، فلو أخر عصى (2)، وعليه القضاء والكفارة (3)، وإذا مات وجب قضاؤه عنه. كما أن في ] تسويف الحج. أقول: الوجوه المذكورة كلها ضعيفة. لمنع الانصراف. وجواز الترك ما دام حيا - لو سلم - فهو ظاهري لا ينافي الوجوب الواقعي. على أنه قد يحصل الظن بالفوات في اثناء فلا يجوز الترك حينئذ. مع أن هذا الاشكال - لو تم - اقتضى المنع من الموسع - موقتا كان أم لا - لاطراد ما ذكر فيه. ومنع ضعف ظن الحياة هنا دائما. وإطلاق بعض الاخبار منصرف إلى حج الاسلام، ولا يشمل الحج النذري، بل هو تابع للنذر من حيث الاطلاق والتقييد. فالعمدة في الاشكال: أن النذر إذا كان مستوجبا حقا لله تعالى كان تأخير الحق بغير إذن ذي الحق حراما. ولذلك ذكروا أن إطلاق البيع والاجارة ونحوهما يقتضي التعجيل. (1) قال في الجواهر: وقد يقال باستحقاقه العقاب بالترك تمام عمره، مع التمكن منه في بعضه، وإن جاز له التأخير إلى وقت آخر يظن التمكن منه. فان جواز ذلك له - بمعنى عدم العقاب عليه لو اتفق حصول التمكن له في الوقت الثاني - لا ينافي استحقاق عقابه لو لم يصادف بالترك في اول أزمنة التمكن.. ". وكأن هذا منه مبني على ان العقاب تابع للواقع لا للاقدام على المخالفة. وهو كما ترى. (2) لان نذر المقيد يقتضي وجوب الاتيان بالمقيد، فتركه عمدا عصيان حرام. (3) في الجواهر: " بلا خلاف أجده فيه، بل هو مقطوع به في

 

===============

 

( 320 )

 

[ صورة الاطلاق إذا مات - بعد تمكنه منه، قبل إتيانه - وجب القضاء عنه. والقول بعدم وجوبه (1)، بدعوى: أن القضاء بفرض جديد، ضعيف لما يأتي. وهل الواجب القضاء ] كلام الاصحاب، كما اعترف به في المدارك.. ". وأشكل عليه في المدارك: بأن القضاء يحتاج إلى أمر جديد، وهو مفقود. وإشكاله في محله، والاصل البراءة من وجوبه. ولا مجال للاستصحاب في المقام ونحوه، مما كان للقضاء وقت معين ينفصل عن وقت الاداء. ووجوب إخراجه من الاصل أو من الثلث لو كان منذورا نذرا مطلقا، لا يقتضي وجوب القضاء عليه في الموقت في حياته، ولا إخراجه من تركته بعد وفاته، لان المقيد يتعذر الاتيان به فلا مجال لاخراجه الا بدليل. وما يأتي من تقريب إخراج الحج من أصل المال إنما يجري في النذر المطلق لا المقيد، لانه يفوت بفوات وقته، وما يؤتى به في غير وقته مباين له. فالعمدة - إذا - في وجوب القضاء: هو الاجماع، كما عرفت من المدارك والجواهر، وهو ظاهر غيرهما. فان وجوب القضاء بعد الوقت مذكور في كلامهم، ومرسل فيه إرسال المسلمات. وأما الكفارة فلمخالفة النذر. (1) ذكر ذلك في المدارك قال: " أما وجوب قضائه من اصل التركة إذا مات بعد التمكن من الحج فمقطوع به في كلام أكثر الاصحاب: واستدلوا عليه بأنه واجب مالي ثابت في الذمة، فيجب قضاؤه من أصل ماله كحج الاسلام. وهو استدلال ضعيف أما أولا: فلان النذر إنما اقتضى وجوب الاداء، والقضاء يحتاج إلى امر جديد - كما في حج الاسلام -، وبدونه يكون منفيا بالاصل السالم عن المعارض. وأما ثانيا: فلمنع كون الحج واجبا ماليا، لانه عبارة عن المناسك المخصوصة، وليس بذل المال داخلا في ماهيته ولا من ضرورياته. وتوقفه عليه في بعض الصور كتوقف

 

===============

 

( 321 )

 

[ من أصل التركة، أو من الثلث؟ قولان، فذهب جماعة إلى القول بأنه من الاصل (1)، لان الحج واجب مالي، وإجماعهم قائم على أن الواجبات المالية تخرج من الاصل. وربما يورد عليه يمنع كونه واجبا ماليا، وإنما هو أفعال مخصوصة بدنية وإن كان قد يحتاج الى بذل المال في مقدماته، كما أن الصلاة أيضا قد تحتاج إلى بذل المال في تحصيل الماء والساتر والمكان ونحو ذلك (2). وفيه: أن الحج في الغالب محتاج الى بذل المال (3)، بخلاف الصلاة وسائر العبادات البدنية، فان كان هناك إجماع أو غيره على أن الواجبات المالية من الاصل يشمل الحج قطعا. وأجاب صاحب الجواهر - رحمه الله - بأن المناط ] الصلاة عليه في بعض الوجوه، كما إذا احتاج الى شراء الماء، أو استئجار المكان والساتر، ونحو ذلك، مع القطع بعدم وجوب قضائها من التركة. وذهب جمع من الاصحاب إلى وجوب قضاء الحج المنذور من الثلث. ومستنده غير واضح ايضا.. ". وظاهره التوقف في أصل وجوب القضاء، وتبعه على ذلك في كشف اللثام والذخيرة والمستند وغيرها. وسيأتى الاشكال فيه. (1) حكى هذا القول في كشف اللثام عن السرائر، وإطلاق المقنعة والخلاف، واختاره في الشرائع. (2) تقدم هذا الايراد في المدارك. (3) لكن ذلك لا يكفي في كونه واجبا ماليا، لان صرف الطبيعة - الذي هو موضوع الوجوب - ليس موقوفا على المال، فضلا عن أن يكون واجبا ماليا.

 

===============

 

( 322 )

 

[ في الخروج من الاصل كون الواجب دينا، والحج كذلك، ] وتفصيل المقام: أن الواجبات التي تكون في الذمة تارة: لا تكون المالية ملحوظة فيها أصلا، مثل الواجبات العبادية الاصلية التي وجبت لمصالح اقتضت وجوبها، كالصوم، والصلاة، والحج، والجهاد، ونحوها. واخرى: تكون المالية ملحوظة فيها. وهذه على قسمين: الاول: ما يكون اشتغال الذمة فيه منتزعا من غير التكليف، ويكون ذلك الاشتغال موضوعا لوجوب الاداء، مثل وجوب اداء الدين، ووجوب اداء نفقة الزوجة، ووجوب أداء الزكاة إذا كان النصاب قد تلف مضمونا على المالك. فان وجوب الدفع وإن اشتغلت به الذمة لكنه منوط باشتغالها بالمال، وذلك الاشتغال منتزع من أمر آخر غير وجوب الاداء. الثاني: ما يكون الاشتغال منتزعا فيه من وجوب الاداء لا غير، مثل وجوب أداء نفقة الاقارب. أما الاول فلا ينبغي التأمل في ان مقتضى العمومات عدم وجوب إخراجها من الاصل، لان الذي تضمنته العمومات إخراج الدين، والظاهر من الدين المال الذي تشتغل به الذمة للغير اشتغالا وضعيا، وقد عرفت أن العبادات البدنية ليست مالا ولم تشتغل بها الذمة اشتغالا وضعيا، فلا تكون دينا. وقد تقدم من المدارك: القطع بعدم وجوب إخراجها من الاصل، وفي الرياض " لا خلاف في أنها تخرج من الثلث، مرسلين له ارسال المسلمات.. ". وأما الثاني فلا ينبغي التأمل وفي وجوب إخراجه من الاصل لعموم الدين. وأما الثالث ففيه تأمل وإشكال، ينشأ من عدم العموم المقتضي لاخراجه من الاصل. ومن الاجماع المدعى على أن الواجبات المالية تخرج من الاصل. لكن في جواز الاعتماد على دعوى الاجماع المذكورة تأمل، بل منع. هذا وقد يشكل الحال في جملة من الموارد من حيث أنها من القسم

 

===============

 

( 323 )

 

[ فليس تكليفا صرفا - كما في الصلاة والصوم - بل للامر به جهة وضعية (1). فوجوبه على نحو الدينية، بخلاف سائر العبادات البدنية، فلذا يخرج من الاصل، كما يشير إليه بعض ] الثاني أو الثالث، مثل: وجوب الفدية على من أفطر لعذر ولم يتمكن من القضاء - كالمريض المستمر به المرض من رمضان إلى رمضان الثاني - أو تمكن من القضاء وأهمله، أو كان شيخا أو شيخة، أو ذا عطاش أو غيرهم. فان وجوب الفداء هل هو من باب وجوب أداء ما في الذمة فيكون من القسم الثاني أو وجوب ابتدائي فيكون من القسم الثالث؟ وكذا فداء المحرم إذا ارتكب بعض المحرمات في الاحرام، فانه يحتمل أن يكون المال في الذمة ويجب اداؤه، ويحتمل أن لا يكون إلا وجوب الاداء لا غير. وإن كان الظاهر من الادلة في امثال ذلك أنه من القسم الثاني، فيجب إخراجها من الاصل. وأما الكفارة المحيرة على من أفطر في شهر رمضان عمدا، وكفارة الجمع، فالظاهر أنهما قسم برأسه، فلا يدخل في واحد من الاقسام المذكورة. ولا دليل على إخراجهما من الاصل. (1) لم يتضح الوجه في ذلك إلا من جهة ما عرفت: من أن دليل التشريع كانت العبارة فيه هكذا: (لله على الناس حج البيت..) (* 1)، وظاهرها أن اللام للملك، فيكون الحج مملوكا لله سبحانه على الناس، فيكون حينئذ من قبيل القسم الثاني. هذا بالنسبة الى حج الاسلام أما بالنسبة الى الحج المنذور فأظهر، لما عرفت مرارا، من أن صيغة النذر مفادها جعل المنذور لله سبحانه وتمليكه إياه، فيكون من قبيل القسم الثاني. هذا ولو كان المراد من عبارة الجواهر ذلك كان المتعين التعبير بغير تلك العبارة مما هو أخصر وأوضح.

 

 

____________

(* 1) آل عمران: 97.

 

===============

 

( 324 )

 

[ الاخبار الناطقة بأنه دين، أو بمنزلة الدين (1). قلت: التحقيق أن جميع الواجبات الالهية ديون الله تعالى، سواء كانت مالا، أو عملا ماليا، أو عملا غير مالي. فالصلاة والصوم أيضا ديون لله، ولهما جهة وضع، فذمة المكلف مشغوله بهما (2). ولذا يجب قضاؤهما، فان القاضي يفرغ ذمة نفسه أو ذمة الميت. وليس القضاء من باب التوبة، أو من باب الكفارة، بل هو إتيان لما كانت الذمة مشغولة به. ولا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل، بل مثل قوله: " لله علي أن أعطي زيدا درهما " دين إلهي لا خلقي (3). ] (1) في صحيح ضريس: " إنما هو مثل دين عليه " (* 1)، وفي حسن معاوية: " إنه بمنزله الدين الواجب " (* 2)، وفي رواية الحارث بياع الانماط: " إنما هي دين عليه " (* 3). والاول يأتي، والاخيران واردان فيمن أوصى أن يحج عنه. (2) قد عرفت أن الاشتغال تارة: ينتزع من التكليف ويكون مترتبا عليه، وأخرى: منتزعا من أمر آخر غير التكليف ويكون التكليف متفرعا عليه. فالدين الذي يخرج من الاصل يختص بالقسم الثاني ولا يشمل القسم الاول، فنفس الاشتغال - في الجملة - لا يقتضي الحكم بالدينية ولا الاخراج من الاصل. (3) هذا مما لا ينبغي الاشكال فيه، وحينئذ يصدق الدين. وكان على المصنف هذا التقرير بالنسبة إلى قوله تعالى: (ولله على الناس حج

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 29 من ابواب وجوب الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب 25 من ابواب وجوب الحج حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 29 من ابواب وجوب الحج حديث: 2.

 

===============

 

( 325 )

 

[ فلا يكون الناذر مديونا لزيد، بل هو مديون لله بدفع الدراهم لزيد، ولا فرق بينه وبين أن يقول: " لله علي أن أحج أو أن أصلي ركعتين "، فالكل دين الله، ودين الله أحق أن يقضى، كما في بعض الاخبار. ولازم هذا كون الجميع من الاصل. نعم إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمة به بعد فوته لا يجب قضاؤه، لا بالنسبة إلى نفس من وجب عليه، ولا بعد موته. سواء كان مالا أو عملا، مثل: وجوب إعطاء الطعام لمن يموت من الجوع عام المجاعة فانه لو لم يعطه حتى مات لا يجب عليه ولا على وارثه القضاء لان الواجب إنما هو حفظ النفس المحترمة، وهذا لا يقبل البقاء بعد فوته. وكما في نفقة الارحام فانه لو ترك الانفاق عليهم - مع تمكنه - لا يصير دينا عليه، لان الواجب سد الخلة، وإذا فات لا يتدارك. فتحصل: أن مقتضي القاعدة في الحج النذري إذا تمكن وترك حتى مات وجوب قضائه من الاصل لانه دين الهي. إلا أن يقال: بانصراف الدين عن مثل هذه الواجبات. وهو محل منع، بل دين الله أحق أن يقضى (1). ] البيت..) (* 1)، فانهما من قبيل واحد. (1) قد عرفت أن هذه الجملة مذكورة في رواية الخثعمية في بعض متونها، وأن الظاهر منها: أن دين الله أحق وأولى أن يصح قضاؤه، لا أنه أحق أن يجب قضاؤه (* 2).

 

 

____________

(* 1) آل عمران: 97. (* 2) تقدم التعرض لها في الجزء: 7 من هذا الشرح صفحة: 117.

 

===============

 

( 326 )

 

[ وأما الجماعة القائلون بوجوب قضائه من الثلث (1)، فاستدلوا بصحيحة ضريس وصحيحة ابن أبي يعفور الدالتين على أن من نذر الاحجاج ومات قبله يخرج من ثلثه (2). وإذا كان نذر الاحجاج كذلك - مع كونه ماليا قطعا - فنذر الحج بنفسه أولى بعدم الخروج من الاصل. وفيه: أن الاصحاب لم ] (1) وهم أبو علي، والشيخ في النهاية والتهذيب والمبسوط، وابنا سعيد في المعتبر والجامع، على ما في كشف اللثام. وزاد في المستند حكايته عن الصدوق والمحقق في النافع. (2) قال ضريس: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل - عليه حجة الاسلام - نذر نذرا في شكر ليحج رجلا الى مكة، فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الاسلام، ومن قبل أن يفي بنذره الذي نذر، قال (عليه السلام): إن ترك مالا يحج عنه حجة الاسلام من جميع المال وأخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره وقد وفى بالنذر. وإن لم يكن ترك مالا إلا بقدر ما يحج به حجة الاسلام حج عنه بما ترك، ويحج عنه وليه حجة النذر. إنما هو مثل دين عليه " (* 1). وقال ابن ابي يعفور: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): رجل نذر لله: إن عافى الله ابنه من وجعه ليحجنه إلى بيت الله الحرام، فعافى الله الابن ومات الاب. فقال: الحجة على الاب يؤديها عنه بعض ولده. قلت: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه؟ فقال: هي واجبة على الاب من ثلثه. أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه " (* 2). قال في كشف الثام: " فان إحجاج الغير ليس إلا بذل المال لحجه، فهو دين مالي محض بلا شبهة، فإذا لم يجب إلا من الثلث فحج نفسه أولى".

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 29 من أبواب وجوب الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 29 من ابواب وجوب الحج حديث: 3.

 

===============

 

( 327 )

 

[ يعملوا بهذين الخبرين في موردهما (1)، فكيف يعمل بهما في غيره؟ وأما الجواب عنهما بالحمل على صورة كون النذر في حال المرض (2)، بناء على خروج المنجزات من الثلث. فلا وجه له بعد كون الاقوى خروجها من الاصل. وربما يجاب عنهما بالحمل على صورة عدم إجراء الصيغة، أو على صورة عدم التمكن من الوفاء حتى مات. وفيهما ما لا يخفى (3). خصوصا الاول. (مسألة 9): إذا نذر الحج مطلقا أو مقيدا بسنة معينة، ] (1) قال في المستند: " قيل: لم يفت به أحد - يعني: الحكم المذكور في الصحيحين - في موردهما، بل أخرجوه من الاصل، لما دل على وجوب الحق المالي من الاصل. ونزلوا الصحيحين تارة: على وقوع النذر في مرض الموت، وأخرى: على وقوعه التزاما بغير صيغة، وثالثة: على ما إذا قصد تنفيذ الحج المنذور بنفسه فلم يتفق بالموت. فلا يتعلق بماله حج واجب بالنذر، ويكون الامر باخراج الحج المنذور واردا على الاستحباب للوارث، وكونه من الثلث رعاية لجانبه.. ". (2) حكاه في كشف اللثام عن المختلف. (3) لان الموجب لارتكاب التأويلين المذكورين الحذر من مخالفة القواعد، وهذا المحذور لازم لهما، فان النذر بلا صيغة أو مع عدم التمكن من الوفاء باطل لا أثر له، فلا وجه لاخراجه من الثلث. كما لا وجه لاخراجه من الاصل، فالتوجيهات المذكورة فيها تخلص عن محذور ووقوع في محذور اخر. ولذلك حكي عن منتقى الجمان: حملهما على صورة عدم التمكن من الاداء وكون الحكم ندبيا. وهو وإن لم يلزم منه محذور، لكن لا موجب

 

===============

 

( 328 )

 

[ ولم يتمكن من الاتيان به حتى مات لم يجب القضاء عنه (1)، لعدم وجوب الاداء عليه حتى يجب القضاء عنه، فيكشف ذلك عن عدم انعقاد نذره (2). ] له. فالاولى إرجاع تعيين المراد منهما إلى قائلهما (عليه السلام). هذا وربما يعارض الصحيحتين حسن مسمع الاتي في المسألة الثالثة عشرة. لكن العمل به في مورده لا يخلو عن إشكال. وسيأتي التعرض لذلك. مضافا إلى احتمال أن يكون نسبته اليهما نسبة المطلق الى المقيد، فيتعين الجمع بينهما بالتقييد، فيحمل الحسن على إرادة الثلث مما ترك أبوه. فلاحظ. (1) بلا خلاف أجده فيه. للاصل السالم عن معارضه خطاب النذر، الذي انكشف عدم تعلقه بعدم التمكن منه، كذا في الجواهر. (2) يعني: عدم وجوب الاداء يكشف عن عدم الانعقاد. وكان المناسب التعليل: بأن عدم التمكن مانع من الانعقاد " إذ من شرائط انعقاد النذر التمكن من المنذور، كما عرفت وأما عدم وجوب الاداء فأعم من عدم الانعقاد، لجواز الانعقاد مع العذر في مخالفة وجوب الوفاء، فانه كما لا يسقط الدين أو الحق بطروء العجز عن الوفاء والاداء يمكن أن يثبت معه ايضا ولا فرق بين الحدوث والبقاء. ولاجل ذلك يتعين القول: بأن اشتراط التمكن من المنذور في انعقاد النذر شرعي لا عقلي، والمرجع فيه دليله من حيث العموم والخصوص. كما أنه على تقدير العموم يقبل التخصيص. نعم إذا لم يكن للانعقاد أثر إلا وجوب الاداء فمع العجز عن الاداء لا يتحقق الانعقاد إذ لا اثر له حينئذ فان الانعقاد من الاعتبارات العقلائية التي لا تصح إلا مع الاثر. وسيأتي القول بصحة النذر مع العجز عن المنذور في بعض الفروض.

 

===============

 

( 329 )

 

[ (مسألة 10): إذا نذر الحج معلقا على أمر - كشفاء مريضه، أو مجئ مسافره - فمات قبل حصول المعلق عليه، هل يجب القضاء عنه أم لا؟ المسألة مبنية على أن التعليق من باب الشرط، أو من قبيل الوجوب المعلق (1). فعلى الاول لا يجب، لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط وإن كان متمكنا من حيث المال وسائر الشرائط. وعلى الثاني يمكن أن يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط عن كونه واجبا عليه من الاول. إلا أن يكون نذره منصرفا الى بقاء حياته حين حصول الشرط. (مسألة 11): إذا نذر الحج - وهو متمكن منه - فاستقر عليه، ثم صار معضوبا - لمرض أو نحوه - أو مصدودا - بعدو أو نحوه - فالظاهر وجوب استنابته حال حياته، لما ] (1) يعني: مبنية على أن الشرط لوحظ شرطا للمنذور نظير شرط الواجب أو شرطا للنذر نظير شرط الوجوب. فعلى الاول لا يجب القضاء عنه، لعدم تحقق الوجوب قبل الشرط. وعلى الثاني يجب لتحقق الوجوب. ويشكل بأن هذا الابتناء غير ظاهر، إذ على الثاني لا وجه لوجوب القضاء - بناء على شرطية التمكن من المنذور في انعقاد النذر - فان المفروض فيه الموت المانع من التمكن، فلا ينعقد النذر، فلا وجوب. وعلى الاول يمكن القول بوجوب القضاء إذا لوحظ الشرط بنحو الشرط المتأخر، لتحقق الحق فعلا، فيستدعي الوجوب الفعلي. وأما تحقيق المبني، فالظاهر الذي لا ينبغي الاشكال فيه: أن الشرط لوحظ شرطا للنذر لا للمنذور، فيكون وجوب القضاء وعدمه تابعين لملاحظته بنحو الشرط المتأخر والمتقدم.

 

===============

 

( 330 )

 

[ مر من الاخبار سابقا في وجوبها (1). ودعوى: اختصاصها بحجة الاسلام ممنوعة كما مر سابقا. وإذا مات وجب القضاء عنه. وإذا صار معضوبا أو مصدودا قبل تمكنه واستقرار الحج عليه، أو نذر وهو معضوب أو مصدود حال النذر مع فرض تمكنه من حيث المال، ففي وجوب الاستنابة وعدمه حال حياته ووجوب القضاء عنه بعد موته قولان (2)، أقواهما ] (1) قد تقدم الكلام في هذه الاخبار في المسألة الثانية والسبعين، وتقدم من المصنف: التوقف في عموم الاخبار للمورد. فراجع. وعن المحقق: أن وجوب الاستنابة حسن، وعن موضع من التذكرة: أنه قريب. (2) أحدهما: الوجوب، نسب في الجواهر إلى الشيخ (ره) وأتباعه. قال في محكي المبسوط: " المعضوب إذا وجبت عليه حجة - بالنذر، أو بافساد - وجب عليه أن يحج عن نفسه رجلا، فإذا فعل فقد أجزأه.. ". واحتمل في توجيهها: أن المراد صورة ما إذا طرأ العذر بعد التمكن، وهو غير بعيد. وحينئذ لا يكون خلاف منه في المسألة. ثم إنه قد يوجه كلامه - بناء على حمله على صورة ما إذا كان النذر حال العذر المانع، كما استظهره في الجواهر -: بفحوى ثبوتها في حجة الاسلام كذلك، بتقريب: أن مشروعيته على الوجه المزبور، فالنذر ملزم به على حسب ما هو مشروع. وفيه: أن المشروعية على الوجه المذكور مختصة بالواجب، والوجوب في المقام ممنوع، لفقد شرط الانعقاد بالعجز. ودليل مشروعية الاستنابة بالنسبة إلى حج الاسلام وإن كان ناظرا إلى اثبات الاستطاعة تعبدا - كما تقدم - لكن ثبوته بالنظر الى المقام غير ظاهر. والانصاف - أنه بناء على عموم نصوص الاستنابة لمن لم يكن مستطيعا

 

===============

 

( 331 )

 

[ العدم، وإن قلنا بالوجوب بالنسبة الى حجة الاسلام. إلا أن يكون قصده من قوله: " لله علي أن أحج " الاستنابة (1). (مسألة 12): لو نذر أن يحج رجلا في سنة معينة، فخالف - مع تمكنه - وجب عليه القضاء والكفارة (2). وإن مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة، لانهما واجبان ماليان بلا إشكال (3). والصحيحتان المشار اليهما سابقا - الدالتان على الخروج من الثلث - معرض عنهما - كما قيل - أو محمولتان على بعض المحامل. وكذا إذا نذر الاحجاج من غير تقييد بسنة معينة مطلقا، أو معلقا على شرط وقد حصل وتمكن منه وترك حتى مات، فانه يقضي عنه من أصل التركة. ] قبل العذر، وعلى عمومها للحج النذري - يكون التفكيك بين الاستطاعة - التي هي شرط وجوب الحج - والقدرة - التي هي شرط انعقاد النذر - من غير وجه. فلاحظ تلك النصوص، وتأمل. (1) فان الوجوب حينئذ ثابت قولا واحدا، كما في الجواهر. وهو ظاهر. (2) تقدم الاشكال في وجوب القضاء، وأنه يحتاج إلى أمر جديد، وهو مفقود. فراجع ما سبق في المسألة الثامنة. (3) أما الاول فلما عرفت من ان المنذور من الحقوق المالية التي تخرج من الاصل. وأما الكفارة فاخراجها من الاصل غير ظاهرة، لما عرفت في المسأله الثامنة: من أن كفارة النذر - سواء قلنا بأنها كفارة يمين، كما هو الظاهر، أم كفارة إفطار شهر رمضان كما اختاره المصنف (ره) في كتاب الصوم - لم يثبت كونها حقا ماليا لله تعالى أو لغيره، فلا تدخل في الدين الذي يخرج من الاصل.

 

===============

 

( 332 )

 

[ وأما لو نذر الاحجاج بأحد الوجوه ولم يتمكن منه حتى مات، ففي وجوب قضائه وعدمه وجهان، أوجههما ذلك. لانه واجب مالي أوجبه على نفسه فصار دينا، غاية الامر أنه ما لم يتمكن معذور. والفرق بينه وبين نذر الحج بنفسه: أنه لا يعد دينا مع عدم التمكن منه واعتبار المباشرة، بخلاف الاحجاج فانه كنذر بذل المال، كما إذا قال: " لله علي أن أعطي الفقراء مائة درهم " ومات قبل تمكنه. ودعوى: كشف عدم التمكن عن عدم الانعقاد ممنوعة (1). ففرق بين إيجاب مال على نفسه، أو إيجاب عمل مباشري وإن استلزم صرف المال، فانه لا يعد دينا عليه، بخلاف الاول (2). (مسألة 13): لو نذر الاحجاج معلقا على شرط - كمجئ المسافر، أو شفاء المريض - فمات قبل حصول الشرط، مع فرض حصوله بعد ذلك وتمكنه منه قبله، فالظاهر وجوب القضاء عنه. إلا أن يكون مراده التعليق على ذلك الشرط مع كونه حيا حينه. ويدل على ما ذكرنا خبر مسمع بن عبد الملك: فيمن كان له جارية حبلى، فنذر إن هي ولدت غلاما أن يحجه أو يحج عنه، حيث قال الصادق (عليه السلام) - بعد ما سئل عن هذا -: " إن رجلا نذر في ابن له إن هو ] (1) هذا خروج عن معقد الاجماع المدعى على اعتبار القدرة على المنذور في انعقاد النذر. (2) هذا التفصيل بلا فاصل.

 

===============

 

( 333 )

 

[ أدرك أن يحجه أو يحج عنه، فمات الاب وأدرك الغلام بعد، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسأله عن ذلك، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يحج عنه مما ترك أبوه " (1). وقد عمل به جماعة (2) ]. (1) قال: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): كانت لي جارية حبلى، فنذرت لله عزوجل إن ولدت غلاما أن أحجه أو احج عنه. فقال: إن رجلا نذر لله عزوجل في ابن له إن هو ادرك أن يحجه أو يحج عنه، فمات الاب وأدرك الغلام بعد، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك الغلام فسأله عن ذلك فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يحج عنه مما ترك أبوه " (* 1). (2) المذكور في الشرائع وغيرها قولهم: " لو نذر إن رزق ولدا يحج به أو يحج عنه، ثم مات الوالد، حج بالولد أو عنه من صلب ماله ". وجعل في الرياض: مفروض المسألة حصول الشرط المعلق عليه النذر في حال الحياة، وحينئذ يكون الوجه فيها: القواعد الاولية. ولذا اعتبر - في محكي المسالك - التمكن من المنذور في حال الحياة، ولا تكون الرواية معمولا بها عند أحد منهم، لانها غير مضمون العبارة المذكورة. قال (ره): " لاتفاق الفتوى على تصوير المسألة بنحو ما فرضناه، ولذا استدل عليها بما اسلفناه أولا.. ". ومراده بما أسلفه من الاستدلال: ما ذكره أولا في شرح المسألة، من أنه حق مالي تعلق بتركته، فيجب قضاؤه منها. وأشكل عليه في الجواهر: بأن الشهيد في المسالك ذكر أن الاصل في هذا الحكم الحسن المذكور، وكذلك سبطه في نهاية المرام، فذلك يدل على أن مفروض المسألة في كلام الاصحاب ما هو مورد السؤال في الرواية - يعني: صورة ما إذا مات قبل حصول الشرط - وأن تعبير الاصحاب بمضمون الرواية كالصريح في ذلك. ولو كان مفروض المسألة كما ذكر من الموت

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 16 من أبواب النذر حديث: 1.

 

===============

 

( 334 )

 

[ وعلى ما ذكرنا لا يكون مخالفا للقاعدة (1) كما تخيله سيد الرياض ] بعد التمكن لم يحتج إلى هذه المتعبة العظيمة، إذ الحكم حينئذ يكون موافقا للقواعد.. إلى آخر ما ذكره في تقريب أن مفروض المسألة هو مورد الرواية، وأن الوجه فيه هو الرواية. اقول: قد اشتملت الرواية على فرضين: الاول: ما إذا نذر إن ولد له ولد أن يحجه أو يحج عنه، فولد له ثم مات الوالد. والثاني: ما إذا نذر إن ولد له ولد وأدرك أن يحجه أو يحج عنه، فمات الوالد قبل أن يدرك والمفروض في كلام الاصحاب هو الاول. فلاحظ ما تقدم عن الشرائع. ومثله: ما في النافع والقواعد وغيرها. ولم يتعرض في كلام الاصحاب للفرض الثاني. ولاجل ذلك صح للمسالك وغيرها: قولهم: " الاصل في مفروض الفقهاء هو حسن مسمع ". وليس مرادهم مفروض المتن الموافق للفرض الثاني، وإلا لعبروا به. ولما صح لهم الاستدلال عليه بالقاعدة، فان الشهيد في المسالك - مع أنه ذكر أن الاصل في المسألة رواية مسمع - قال بعد ذلك - في الاستدلال على وجوب القضاء من التركة -: " لانه حق مالي تعلق بالتركة، وهو مدلول الرواية ". ونحوه في كشف اللثام. وبالجملة: العبارة المذكورة في كلام الاصحاب آبية عن الحمل على ما ذكر في الجواهر، ويتعين حملها على ما ذكره في الرياض، الذي هو الفرض الاول في الرواية. فلاحظ. ومن ذلك يظهر: أن الرواية لم يظهر عمل أحد بها في الفرض المذكور في المتن، الذي هو الفرض الثاني المذكور في الرواية، كما سبق. (1) لم يتضح ترتبه على ما ذكره، فانه لم يتقدم منه إلا مجرد الفتوى والاستدلال بالرواية، وكلاهما لا يظهر منه أن مقتضى القاعدة لزوم القضاء وانعقاد النذر. بل قد تقدم منه في المسألة العاشرة: إما البطلان أو التفصيل

 

===============

 

( 335 )

 

[ وقرره عليه صاحب الجواهر، وقال: إن الحكم فيه تعبدي على خلاف القاعدة. (مسألة 14): إذا كان مستطيعا ونذر أن يحج حجة الاسلام انعقد على الاقوى (1). ولا فرق بين المسألتين إلا في أن المنذور في السابقة الحج، وفي هذه المسألة الاحجاج، وهو غير فارق. وقد عرفت في تلك المسألة أنه يمكن التفصيل بين ملاحظة الشرط بنحو الشرط المتأخر وبين ملاحظته بنحو الشرط المتقدم، وهو آت هنا أيضا. ويحتمل أن يكون مراده مما ذكرنا: ما ذكر في المسألة الثانية عشرة من صدق الدين في نذر الاحجاج بخلاف نذر الحج. لكن كان كلامه هناك فيما لو حصل الشرط في حياته ولم يتمكن من المنذور، والكلام هنا فيما لو تمكن من المنذور ولم يحصل الشرط. والفرق بين المقامين ظاهر، فانه مع حصول الشرط يكون استحقاق المنذور فعليا، ولا مانع من انعقاده إلا عدم التمكن، فيمكن منع مانعيته، وفي المقام لم يحصل الشرط، فلم يكن الاستحقاق فعليا. هذا مضافا الى أنه لم يظهر الوجه في اعتباره - في لزوم قضاء المنذور تمكنه منه قبل موته، مع أن التمكن حينئذ لا دخل له في الانعقاد، إذ التمكن المعتبر في انعقاد النذر التمكن من المنذور في حين فعله لا غير، وهو ظاهر جدا. وبالجملة: فكلام المصنف (ره) في المقام لا يخلو من غموض وإشكال. (1) وفاقا لاكثر المتأخرين، كما في الجواهر في كتاب النذر. خلافا للمرتضى والشيخ وأبي الصلاح وابن ادريس، فيمن نذر أن يصوم أول يوم من شهر رمضان. لان صيامه مستحق بغير النذر. ولان صيامه مستحق بالاصل، ولا يمكن ان يقع فيه غيره. وفيه: أن الوجوب بالاصل لا ينافي

 

===============

 

( 336 )

 

الاستحقاق بالنذر، وهو لا يقتضى وقوع غير رمضان في رمضان، وإنما يقتضي ذلك لو نذر أن يصوم غير رمضان فيه، لا ما لو نذر أن يصوم رمضان، كما هو ظاهر. ويشهد بما ذكرنا: ما ورد من النصوص في صحة اليمين على الواجب، كما ذكر في الجواهر. وبالجملة: النذر يقتضي ثبوت شئ زائد على الوجوب، وهو الحق الالهي. وإذا لم نقل بذلك فلا اقل من اقتضائه تأكد الوجوب، الموجب لزيادة الانبعاث. ولا سيما بملاحظة ما يترتب عليه من الكفارة. هذا كله إذا كان مراد المانع - من قوله في الاستدلال: " لان صيامه مستحق... " -: أنه واجب، أما لو كان مراده أنه مستحق بالحق الوضعي - بأن يكون صوم اليوم الاول من شهر رمضان مستحقا لله تعالى ومملوكا له - فهو وإن كان مانعا من صحة النذر، لان النذر مفاده الاستحقاق، فلا يقع على المستحق، لانه لا يقبل التكرر في اليوم الاول لاجتماع المثلين ولا التأكد، فانه لا يصح اعتبار ذلك له عند العقلاء. ومثله أكثر عناوين الايقاعات - مثل: الزوجية، والرقية، والحرية، وغيرها - فانها جميعا لا تقبل التأكيد والتأكد، وليست هي من الماهيات التشكيكية، والاستحقاق، منها، فنذر المستحق لله تعالى لا يوجب استحقاقا له تعالى، فيكون باطلا. لكن ثبوت الاستحقاق من أجل الوجوب ممنوع. ولو ثبت كان مانعا من صحة النذر. ومن ذلك يشكل الامر في نذر حج الاسلام - بناء على ما سبق من أن الظاهر من اللام في قوله تعالى: (ولله على الناس..) (* 1) هو الملكية - فانه إذا كان حج الاسلام مملوكا بالاصل لا يكون مملوكا بالنذر أيضا. وليت المانعين ذكروا ذلك في نذر حج الاسلام، واستدلوا عليه بما ذكر فانه يكون حينئذ في محله ومتين جدا، لكنهم ذكروه في نذر صوم أول

 

 

____________

(* 1) آل عمران: 97.

 

===============

 

( 337 )

 

[ وكفاه حج واحد (1). وإذا ترك حتى مات وجب القضاء عنه والكفارة من تركته (2). وإذا قيده بسنة معينة فأخر عنها وجب عليه الكفارة. وإذا نذره في حال عدم الاستطاعة انعقد أيضا، ووجب عليه تحصيل الاستطاعة مقدمة (3). إلا أن يكون مراده الحج بعد الاستطاعة (4). (مسألة 15): لا يعتبر في الحج النذري الاستطاعة الشرعية، بل يجب مع القدرة العقلية (5). ] يوم من شهر رمضان - على ما حكي عنهم - وقد عرفت الاشكال فيه. فلاحظ. (1) اتفاقا، كما في كشف اللثام. ووجهه ظاهر، إذ هو مقتضى الاطلاق. (2) أما القضاء فلما عرفت. وأما الكفارة فقد عرفت الاشكال في لزوم خروجها من الاصل، ولا سيما بناء على أنها كفارة إفطار شهر رمضان. (3) حسبما يقتضيه إطلاق النذر. لكن في الروضة: " ولا يجب تحصيلها هنا على الاقوى ". ونحوه في المستند. وفي المدارك: " ولا يجب تحصيلها قطعا. وعلله: بأن المنذور ليس امرا زائدا عن حج الاسلام، إلا أن ينذر تحصيلها فيجب. وهو ظاهر كشف اللثام والجواهر، حيث ذكر فيهما: أنه إذا لم يكن مستطيعا استطاعة شرعية توقعها. وضعف ذلك يظهر مما ذكرنا. (4) يعني: الحج على تقدير الاستطاعة، بأن تكون الاستطاعة شرطا للنذر. (5) فأنه ظاهر النص والفتوى، كما في الروضة وغيرها. وهو كذلك. وفي الدروس قال: " والظاهر أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية، فلو نذر الحج ثم استطاع صرف ذلك إلى النذر. فان اهمل واستمرت الاستطاعة إلى القابل وجبت حجة الاسلام ايضا.. ". ولا يخفى أن تفريع ما ذكره يصلح أن يكون قرينة على إرادة غير الظاهر من كلامه، ولو كان مراده

 

===============

 

( 338 )

 

[ خلافا للدروس، ولا وجه له، إذ حاله حال سائر الواجبات التي تكفيها القدرة عقلا (1). (مسألة 16): إذا نذر حجا غير حجة الاسلام في عامه وهو مستطيع لم ينعقد (2). إلا إذا نوى ذلك على تقدير زوالها فزالت. ويحتمل الصحة مع الاطلاق أيضا إذا زالت، حملا لنذره على الصحة (3). (مسألة 17): إذا نذر حجا في حال عدم الاستطاعة الشرعية ثم حصلت له، فان كان موسعا أو مقيدا بسنة متأخرة ] ظاهر الكلام كان اللازم أن يقول: " فلو لم يملك زادا ولا راحلة لم يجب الوفاء بالنذر ". ولذا احتمل في الجواهر: إراده غير الظاهر من كلامه. وستأتي الاشارة إليه. (1) لكن الفرق بينه وبينها: أن اعتبار القدرة فيها عقلي، فلا تكون شرطا في الملاك وإنما تكون شرطا في فعلية الخطاب، واعتبارها فيه شرعي - بمعنى: أنها شرط في الملاك - لما عرفت من أن شرط انعقاد النذر القدرة على المنذور، وبدونها لا ينعقد. (2) لانتفاء القدرة التي هي شرط الانعقاد. وفي المدارك علله: بأنه نذر ما لا يصح فعله. وهو مبني على عدم صحة غير حج الاسلام من المستطيع، وقد تقدم. (3) قال في المدارك - فيمن كان مستطيعا حال النذر وقد نذر حجا غير حج الاسلام: - " فان قيدها بسنة الاستطاعة، وقصد الحج عن النذر مع بقاء الاستطاعة بطل النذر من أصله، لانه نذر ما لا يصح فعله. وإن قصد الحج مع فقد الاستطاعة صح. ولو خلا عن القصد احتمل البطلان،

 

===============

 

( 339 )

 

[ قدم حجة الاسلام لفوريتها، وإن كان مضيقا - بأن قيده بسنة معينة وحصل فيها الاستطاعة، أو قيده بالفورية - قدمه (1) وحينئذ فان بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت، وإلا فلا، لان المانع الشرعي كالعقلي. ويحتمل وجوب تقديم النذر ولو مع كونه موسعا (2)، لانه دين عليه، بناء على أن الدين - ولو كان موسعا - يمنع عن تحقق الاستطاعة. خصوصا مع ظن عدم تمكنه من الوفاء بالنذر إن صرف استطاعته في حجة الاسلام. (مسألة 18): إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فوريا ثم استطاع وأهمل عن وفاء النذر في عامه، وجب الاتيان به في العام للقابل مقدما على حجة الاسلام وإن بقيت الاستطاعة إليه، لوجوبه عليه فورا ففورا، فلا يجب عليه ] لانه نذر في عام الاستطاعة غير حج الاسلام، والصحة حملا للنذر على الوجه المصحح، وهو ما إذا فقدت الاستطاعة.. ". ويشكل: بأن الحمل على الصحة إنما يكون مع الشك لا مع فرض الابهام وانتفاء القصد، لان المبهم الجامع بين المشروع واللا مشروع غير مشروع. نعم يمكن البناء على صحة النذر، لان زوال الاستطاعة يكشف عن صحته حال وقوعه، ولا يكون نذرا في عام الاستطاعة غير حج الاسلام كي يكون باطلا. (1) تقدم الكلام في ذلك مفصلا في المسألة الثانية والثلاثين من الفصل السابق. (2) هذا الاحتمال ذكره في الجواهر في توجيه كلام الشهيد، المتقدم في اعتبار الاستطاعة الشرعية في الحج النذري.

 

===============

 

( 340 )

 

[ حجة الاسلام إلا بعد الفراغ عنه (1). لكن عن الدروس أنه قال - بعد الحكم بأن استطاعة النذر شرعية لا عقلية -: " فلو نذر ثم استطاع صرف ذلك الى النذر، فان أهمل واستمرت الاستطاعة الى العام القابل وجب حجة الاسلام أيضا -. ولا وجه له. نعم لو قيد نذره بسنة معينة، وحصل فيها الاستطاعة فلم يف به وبقيت استطاعته إلى العام المتأخر أمكن أن يقال بوجوب حجة الاسلام أيضا، لان حجه النذري صار قضاء موسعا (2). ففرق بين الاهمال مع الفورية والاهمال مع التوقيت، بناء على تقديم حجة الاسلام مع كون النذر موسعا (3). (مسألة 19): إذا نذر الحج وأطلق من غير تقييد بحجة الاسلام ولا بغيره، وكان مستطيعا أو استطاع بعد ذلك فهل يتداخلان فيكفي حج واحد عنهما، أو يجب التعدد، أو يكفي نية الحج النذري عن حجة الاسلام دون العكس؟ أقوال (4)، ] (1) هذا الاستدلال متين. وقد أشار إليه في الروضه مستشكلا به على ما في الدروس، وتبعه عليه المصنف (ره). (2) والموسع لا يزاحم المضيق، وهو حج الاسلام. (3) تقدم منه تضعيف هذا الاحتمال في المسألة السابعة عشرة. (4) مورد الكلام صورة ما إذا لم يكن المنذور مقيدا بعام الاستطاعة. ثم إن القول بالتداخل محكي عن الشيخ والذخيرة والمدارك، والقول بعدمه محكي عن الخلاف والسرائر والفاضلين والشهدين وغيرهم، بل نسب في

 

===============

 

( 341 )

 

[ أقواها الثاني، لاصالة تعدد المسبب بتعدد السبب (1). والقول بأن الاصل هو التداخل (2) ضعيف. واستدل للثالث بصحيحتي ] المدارك إلى الاكثر، والتفصيل محكي عن النهاية والتهذيب والاقتصاد وغيرها. (1) هذا الاصل بني عليه في الاسباب الشرعية، مثل: " إذا أفطرت فكفر " و " إذا ظاهرت فكفر "، من جهة ظهور القضية الشرطية في السببية المستقلة بمعنى: كون الشرط سببا في وجود الجزاء على وجه الاستقلال، على النحو الذى لا يحصل بالتداخل. وإن كان إطلاق الجزاء يقتضي التداخل، لان ظهور الشرط فيما ذكر أقوى من ظهور الجزاء. وهذا التقريب غير وارد في المقام، لان سببيه النذر للوجود المستقل وعدمه تابع لقصد الناذر، فإذا فرض انه قصد مطلق الطبيعة كفى ذلك في البناء على التداخل، ولا يعارض هذا الاطلاق ظهور آخر كي يقدم عليه. فجعل المقام من صغريات قاعدة التداخل في غير محله. (2) هذا القول اختاره جماعة، منهم السيد في المدارك، قال - في مقام الاشكال على ما ذكر الجماعة من أن اختلاف السبب يقتضي اختلاف المسبب -: " وهو احتجاج ضعيف، فان هذا الاقتضاء إنما يتم في الاسباب الحقيقية دون المعرفات الشرعية. ولذا حكم كل من قال بانعقاد نذر الواجب بالتداخل إذا تعلق النذر بحج الاسلام، من غير التفات إلى اختلاف الاسباب " وضعف ما ذكره يظهر مما سبق، فان المراد من الاقتضاء - في كلامهم - ليس هو الاقتضاء العقلي، بل الاقتضاء الدلالي، أعني: ظهور الكلام في التعدد على ما عرفت. وتفصيله في الاصول في مبحث مفهوم الشرط. فراجع. هذا ولو بني على أصالة التداخل فلا مجال للاستدلال بها في المقام لما عرفت، والمتعين - في إثبات التداخل في المقام - إطلاق المنذور الشامل لحج الاسلام من دون معارض.

 

===============

 

( 342 )

 

[ رفاعة ومحمد بن مسلم، " عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى، هل يجزيه عن حجة الاسلام؟ قال (عليه السلام): نعم " (1). وفيه أن ظاهرهما كفاية الحج النذري عن حجة الاسلام مع عدم الاستطاعة (2)، وهو غير معمول به. ويمكن حملها على أنه نذر المشي لا الحج، ثم أراد أن يحج (3)، ] ثم إنه استدل بعضهم - على عدم التداخل في المقام - بالاجماع المحكي عن الناصريات، وبالخبر المرسل في نهاية الشيخ، فانه - بعد أن نسب ما ذكر فيها من التفصيل الى بعض الروايات - قال " وفي بعض الاخبار: أنه لا يجزي عنه ". وفي هذا الاستدلال ما لا يخفى، فان الاجماع ممنوع، ضرورة وقوع الخلاف. والخبر المرسل لا يصلح للحجية. (1) قال رفاعة بن موسى: " سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى، هل يجزيه عن حجة الاسلام؟ قال: نعم. قلت ارأيت إن حج عن غيره ولم يكن له مال، وقد نذر أن يحج ماشيا، أيجزي ذلك عنه (* 1) من مشيه؟ قال (عليه السلام): نعم " (* 2). وقال محمد بن مسلم: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل... (إلى قوله في الجواب الاول) قال: نعم " (* 3). (2) هذا الاستظهار غير ظاهر ولا قرينة عليه. (3) هذا الحمل ذكره كشف اللثام وغيره. وهو غير بعيد في

 

 

____________

(* 1) في عبارة التهذيب: " عنه ذلك ". (* 2) الوسائل باب: 27 من ابواب وجوب الحج حديث: 3. ونص الرواية في المتن موافق لما في التهذيب جزء: 5 صفحة: 407 طبع النجف الاشرف، وفي الوسائل جمع بين ذلك وبين ما في الكافي جزء: 4 صفحة: 277 طبع ايران الحديثة. (* 3) الوسائل باب: 27 من ابواب وجوب الحج حديث: 1.

 

===============

 

( 343 )

 

[ فسئل (عليه السلام) عن أنه هل يجزيه هذا الحج الذي أتى به عقيب هذا المشي أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) بالكفاية. نعم لو نذر أن يحج مطلقا - أي حج كان - كفاه عن نذره حجة الاسلام، بل الحج النيابي وغيره أيضا، لان مقصوده حينئذ حصول الحج منه في الخارج بأي وجه كان (1). ] الصحيح الاول، بقرينة السؤال الثاني. وعن المختلف: حمل الروايتين على ما إذا نذر حج الاسلام. وهو بعيد جدا، كما اعترف به في المدارك. (1) لا يظهر الفرق بين هذه الصورة والصورة الاولى - التي ذكرها في صدر المسألة - إلا من جهة التصريح بالاطلاق وعدمه، وهو لا يوجب الفرق بينهما في الحكم. وبالجملة: الصور ثلاث: الاولى: أن ينذر حج الاسلام. وقد تعرض لها في المسألة الرابعة عشرة. الثانية: أن ينذر حجا غير حج الاسلام: وقد تعرض لها في المسألة السادسة عشرة. الثالثة: أن ينذر حجا مطلقا. وهذه الصورة قد تعرض لها في هذه المسألة. وهذه الصورة تارة: يصرح فيها بالاطلاق، وأخرى: لا يصرح فيها به والحكم فيهما واحد. وإنشاء النذر لا ظهور فيه في كون المنذور غير واجب، كي يحتمل أن يكون هذا الظهور مقدما على إطلاق المنذور. نعم بناء على كون حج الاسلام مستحقا لله تعالى وأنه لذلك لا يصح نذره لامتناع انشاء استحقاق المستحق - كما أشرنا إلى ذلك في المسألة الرابعة عشرة - فلا مجال للاخذ باطلاق المنذور بنحو يشمل حج الاسلام، ولا بد من البناء على عدم التداخل. وحينئذ لو صرح بالاطلاق كان النذر باطلا. هذا ثم إذا بني على التداخل كفى الفرد الواحد، لكن لا بد من نيتهما معا، فان حج الاسلام لا يصح مع عدم نيته. كما أن الوفاء بالنذر قصدي، فإذا لم يقصد الوفاء لم ينطبق المنذور على المأتي به.

 

===============

 

( 344 )

 

[ (مسألة 20): إذا نذر الحج - حال عدم استطاعته - معلقا على شفاء ولده مثلا، فاستطاع قبل حصول المعلق عليه فالظاهر تقديم حجة الاسلام (1). ويحتمل تقديم المنذور إذا فرض حصول المعلق عليه قبل خروج الرفقة مع كونه فوريا (2)، بل هو المتعين إن كان نذره من قبيل الواجب المعلق (3). ] ولاجل ذلك يشكل ما ذكره القائلون بالتداخل، من أنه إذا نوى واحدا منهما اجزأ عن الاخر مطلقا، فانه لا وجه له ظاهر. (1) لان الاستطاعة علة لوجوب حج الاسلام، والنذر لا يزاحمها لانه معلق على أمر غير حاصل، فكأنه غير حاصل. (2) فانه - على تقدير هذا الفرض - يكون حصول المعلق عليه موجبا لفعلية النذر، فيكون كاشفا عن عدم الاستطاعة من أول الامر. ولا ينافي ذلك ما ذكرنا في وجه تقديم النذر على الاستطاعة، من أن السبب السابق مقدم على اللاحق، لان النذر سابق - في فرض المسألة - على الاستطاعة، وإنما المتأخر فعليته عنها، والمراد في التقديم هو الانشاء. ومن ذلك يظهر: أنه لو فرض حصول المعلق عليه بعد خروج الرفقة كان الامر كذلك، فان كان قد خرج مع الرفقة بنية حج الاسلام وجب عليه العدول والاتيان به بعنوان الوفاء بالنذر، وإن لم يكن قد خرج مع الرفقة وجب عليه الخروج بعد ذلك مع التمكن والاتيان بالحج النذري. ومع عدم التمكن يبطل النذر إذا كان مقيدا بتلك السنة، ويكون قد استقر عليه حج الاسلام. وإذا لم يكن مقيدا بتلك السنة فقد استقر عليه الحج النذري. وإذا كان ذلك موجبا لانتفاء الاستطاعة - للمزاحمة مع حج الاسلام - انكشف انتفاء الاستطاعة من أول الامر، على ما تقدم تفصيل ذلك في المسألة السابعة عشرة (3) بأن يكون المعلق المنذور لا النذر، فيكون وجوب المنذور فعليا،

 

===============

 

( 345 )

 

[ (مسألة 21): إذا كان عليه حجة الاسلام والحج النذري، ولم يمكنه الاتيان بهما إما لظن الموت (1). أو لعدم التمكن إلا من أحدهما (2)، ففي وجوب تقديم الاسبق سببا (3)، أو التخيير، أو تقديم حجة الاسلام - لاهميتها - وجوه، أوجهها الوسط (4)، وأحوطها الاخير. ] وحينئذ يكون الوجوب النذري سابقا على الاستطاعة، لحصوله بالنذر نفسه. لكن عرفت أنه لو كان نفس النذر معلقا فالحكم كذلك، سواء قلنا بأن إنشاء النذر المشروط بوجب نذرا منوطا بالشرط - كما هو أحد الرأيين - أم لا يوجب ذلك بل يوجب نذرا فعليا متأخرا - كما هو الرأي الثاني - فان النذر الفعلي المتأخر لما كان مستندا إلى الانشاء المتقدم كان بمنزلة المتقدم في كونه مقدما على الاستطاعة عند التزاحم والترافع، فيكون رافعا لها لا أنها رافعة له، لان سببها متأخر عن سببه، والمدار في التقديم هو تقدم السبب لا تقدم المسبب. فلا فرق بين المبنيين في تقديم النذر إلا في الوضوح والخفاء. فلاحظ. (1) فيكون عدم التمكن من جهة ضيق الوقت. (2) يعني: من غير جهة الوقت. (3) تقدم السبب لا اثر له في مقام الترجيح العقلي بعد استقرار الوجوب بالنسبة الى كل منهما. ولذلك لا تكون هذه المسألة من قبيل ما سبق، من تقدم السابق من النذر والاستطاعة، لان ذلك التقديم إنما كان مع الترافع، فيكون التقديم شرعيا، بخلاف المقام " فان التقديم - على تقديره - عقلي لا غير. (4) يعني: التخيير. ووجهه غير ظاهر. ولا سيما بعد بيانه وجه الاخير، وهو الاهمية. فان الاهم إذا كان مقدما في نظر العقل كان اللازم البناء عليه، إذ لا موجب لرفع اليد عنه. وهذا مما لا ينبغي التأمل فيه.

 

===============

 

( 346 )

 

[ وكذا إذا مات وعليه حجتان ولم تف تركته إلا لاحدهما (1). وأما إن وفت التركة فاللازم استئجارهما ولو في عام واحد (2). (مسألة 22): من عليه الحج الواجب بالنذر الموسع يجوز له الاتيان بالحج المندوب قبله (3). ] (1) ذكر في القواعد: أنه تقدم حجة الاسلام. وفي كشف اللثام حكى ذلك عن النهاية والمبسوط والسرائر والجامع والشرائع والاصباح. لوجوبها باصل الشرع، والتفريط بتأخيرها لوجوب المبادرة بها. واستظهر في الجواهر التخيير، واحتمل تقديم ما تقدم سببه. وفيه: أن التخيير المذكور - إن قيل به - عقلي، والعقل لا يحكم بالتخيير مع أهمية أحد المتزاحمين، بل مع احتمال الاهمية ايضا يتعين عنده التقديم. وتقدم السبب لا اثر له في نظر العقل في الترجيح، إلا إذا كان أحد الواجبين رافعا للاخر، كما عرفت: نعم إذا كان زمانه مقدما على زمان الاخر فقد قيل بتقديم السابق، بل لعله المشهور، كما في صورة الدوران بين أجزاء الصلاة، مثل القيام في الركعة الاولى والقيام في الثانية. ولكن التحقيق خلافه. فراجع كلماتهم في الاصول في مباحث مقدمة الواجب، وفي الفقه في مباحث الدوران بين الاجزاء الصلاتية. لكن لو قيل بتقديم ما هو أسبق زمانا فذلك مع التساوي في الاهمية لا مع الاختلاف، وإلا فلا ينبغي الاشكال في تقديم الاهم عقلا وإن تأخر زمانه. فالسبق إنما يكون موجبا للتقديم مطلقا - حتى مع الاهمية - إذا كان المقام مقام ترافع وتدافع في أصل الوجوب والاستقرار في الذمة، فيكون شرعيا لا عقليا، كما هو في المقام. ولذلك صرح في كشف اللثام: بأنه لا فرق بين تقدم النذر على استقرار الحج وتأخره عنه. (2) إذ لا ترتيب بينهما. والظاهر أنه لا إشكال فيه. (3) لاطلاق ادلته. ولا مجال لقياس المقام على من كان عليه حج

 

===============

 

( 347 )

 

[ (مسألة 23): إذا نذر أن يحج أو يحج انعقد ووجب عليه أحدهما على وجه التخيير، وإذا تركهما حتى مات يجب القضاء عنه مخيرا. وإذا طرأ العجز من أحدهما معينا تعين الآخر. ولو تركه أيضا حتى مات يجب القضاء عنه مخيرا أيضا، لان الواجب كان على وجه التخيير، فالفائت هو هو الواجب المخير، ولا عبرة بالتعيين العرضي (1)، فهو كما لو كان عليه كفارة الافطار في شهر رمضان، وكان عاجزا عن بعض الخصال ثم مات، فانه يجب الاخراج من تركته مخيرا وإن تعين عليه - في حال حياته - في إحداها فلا يتعين في ذلك المتعين. نعم لو كان حال النذر غير متمكن إلا من أحدهما معينا، ولم يتمكن من الآخر الى أن مات، أمكن أن يقال باختصاص القضاء بالذي كان متمكنا منه، بدعوى: أن النذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكن منه (2)، بناء على أن عدم التمكن يوجب عدم الانعقاد (3). لكن الظاهر أن ] الاسلام - بناء على عدم جواز إتيانه بالحج المندوب - لاختصاص دليل المنع به - لو تم - ولا يشمل المقام. وكذا القياس على من كان عليه صوم واجب، بناء على أنه لا يجوز له التطوع بالصوم، كما هو المشهور. (1) فانه تعيين عقلي لا شرعي، والمدار في القضاء على التعيين الشرعي والتخيير الشرعي، لانهما موضوع القضاء. (2) وإذا لم ينعقد لا وجوب شرعي بالنسبة إليه، فلا مجال للاجتزاء به في القضاء. (3) قد تقدم: أن المبنى المذكور من المسلمات عندهم، المدعى

 

===============

 

( 348 )

 

[ مسألة الخصال ليست كذلك، فيكون الاخراج من تركته على وجه التخيير وإن لم يكن في حياته متمكنا إلا من البعض أصلا وربما يحتمل - في الصورة المفروضة ونظائرها - عدم انعقاد النذر بالنسبة الى الفرد الممكن أيضا، بدعوى: أن متعلق النذر هو أحد الامرين على وجه التخيير، ومع تعذر أحدهما لا يكون وجوب الآخر تخييريا (1). بل عن الدروس اختياره في مسألة ما لو نذر إن رزق ولدا أن يحجه أو يحج عنه، إذا مات الولد قبل تمكن الاب من أحد الامرين (2). وفيه: أن مقصود ] عليها الاجماع لكن المراد منه، عدم التمكن من المنذور، وذلك لا يحصل بالنسبة إلى المنذور التخييري ألا بعدم التمكن من العدلين معا، وعدم التمكن من أحدهما لا دليل على منعه من انعقاد النذر. (1) المحتمل: الشهيد في المسالك في كتاب النذر، كما سيأتي كلامه. (2) قال في الدروس: " ولو نذر الحج بولده أو عنه لزم، فان مات الناذر استؤجر عنه من الاصل، ولو مات الولد قبل التمكن فالاقرب السقوط ". فان موت الولد إنما يوجب عدم التمكن من أحد العدلين وهو الحج به، إذ يمكن الحج عنه بعد موته. فالبناء على السقوط حينئذ ليس إلا من جهة عدم التمكن من أحد العدلين. قال في المسالك: " ولو مات الولد قبل أن يفعل أحد الامرين بقي الفرد الاخر، وهو الحج عنه. سواء كان موته قبل تمكنه من الحج بنفسه أم لا، لان النذر ليس منحصرا في حجه حتى يعتبر تمكنه في وجوبه. نعم لو كان موته قبل تمكن الاب من أحد الامرين احتمل السقوط، لفوات متعلق النذر قبل التمكن منه، لانه أحد الامرين، والباقي منهما

 

===============

 

( 349 )

 

[ الناذر إتيان أحد الامرين من دون اشتراط كونه على وجه التخيير، فليس النذر مقيدا بكونه واجبا تخييريا حتى يشترط في انعقاده التمكن منهما. (مسألة 24): إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين (عليه السلام) من بلده ثم مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته (1). ] غير احدهما الكلي. وهو خيرة الدروس. ولو قيل بوجوب الحج عنه كان قوى، لان الحج عنه متعلق النذر ايضا، وهو ممكن. ونمنع اشتراط القدرة على جميع افراد المخير بينهما في وجوب أحدهما، كما لو نذر الصدقة بدرهم، فان متعلقه أمر كلي، وهو مخير في الصدقة بأي درهم اتفق من ماله. ولو فرض ذهابه إلا درهما واحدا وجب الصدقة به ". وفي الجواهر: " فيه: أن الفرق واضح بين ما ذكره من المثال وبين ما سمعته من الدروس ". وحاصل ما ذكره في الفرق: أن عدم التمكن من بعض الافراد - في المثال - طارئ بعد التمكن، وفيما ذكره في الدروس قبل التمكن حسبما فرضه. وهو كما ذكر، لكن يكفي في الاشكال النقض بغيره من الامثلة، مثل: ما لو نذر التصدق بدرهم كلي وكان بعض دراهمه مغصوبة، وأمثال ذلك من الموارد التى يكون بعض أفراد المنذور غير مقدور، والاتزام ببطلان النذر في مثل ذلك خلاف المقطوع به. مع أنك عرفت أن دليل اعتبار القدرة لا يشمل مثل ذلك، ولا يصلح لتقييد أدلة النفوذ والصحة. (1) لما عرفت من ان النذر يقتضى أن يكون المنذور حقا لله تعالى كسائر الحقوق المالية التي للناس، فيكون الحال كما لو مات الاجير قبل العمل إذا لم تشترط فيه المباشرة.

 

===============

 

( 350 )

 

[ ولو اختلف أجرتهما يجب الاقتصار على أقلهما أجرة (1)، إلا إذا تبرع الوارث بالزائد، فلا يجوز للوصي اختيار الازيد أجرة وإن جعل الميت أمر التعيين إليه (2). ولو أوصى باختيار الازيد أجرة خرج الزائد من الثلث (3). (مسألة 25): إذا علم أن على الميت حجا ولم يعلم أنه حجة الاسلام أو حج النذر وجب قضاؤه عنه من غير تعيين (4)، وليس عليه كفارة (5). ولو تردد ما عليه بين ] (1) لان الحق بالنسبة الى الاكثر أجرة من قبيل اللامقتضي، فلا يزاحم إرث الوارث. (2) راجع إلى قوله: " يجب الاقتصار.. ". وذلك لان جعل أمر التعيين إلى الناذر غاية ما يقتضي أن يكون حقا له، فيكون موروثا، فيكون أمر التعيين بيد الوارث. وحينئذ لا يجوز للوصي إخراج الاكثر أجرة إذا لم يرض الوارث به. نعم إذا جعل الميت أمر التعيين إلى شخص اخر، وكان من قبيل الحق المجعول له، فإذا اختار الاكثر أجرة من له حق التعيين فليس للوارث منعه، لانه مزاحم للحق المقدم على إرث الوارث. وكذا إذا كان راجعا إلى نذر المعين بتعيين الغير، فما يعينه يكون هو المنذور لا غيره. (3) لانه من الوصايا التي هي كذلك. (4) فانه يكفي في امتثال الواجب المردد. ولو جئ بكل من الفردين بملاحظة الخصوصية برجاء المطلوبية كفى ايضا. (5) لاصالة البراءة منها مع الشك، لاحتمال كون الفائت حجة الاسلام التي لا كفارة في فواتها.

 

===============

 

( 351 )

 

[ الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفارة أيضا. وحيث أنها مرددة بين كفارة النذر وكفارة اليمين (1) فلا بد من الاحتياط ويكفي حينئذ اطعام ستين مسكينا، لان فيه طعام عشرة أيضا الذي يكفي في كفارة الحلف. (مسألة 26): إذا نذر المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب انعقد (2) مطلقا حتى في مورد يكون الركوب أفضل (3)، ] (1) الظاهر أن كفارة النذر هي كفارة اليمين، كما تقدم الكلام فيه - في الجملة - في أواخر كتاب الصوم. (2) المذكور في كلامهم مسألتان: الاولى: ان ينذر الحج ماشيا. وسيأتي التعرض لها. الثانية: أن ينذر المشي في سفره إلى الحج الواجب أو المستحب. وهذه هي التي تعرض لها المصنف هنا. والظاهر التسالم على صحة النذر وانعقاده في الجملة. وتقتضيه النصوص، كصحيح رفاعة بن موسى: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله. قال (عليه السلام): فليمش. قلت: فانه تعب. قال (عليه السلام): فإذا تعب ركب " (* 1) ونحوه خبر سماعة وحفص الآتي (* 2)، ويشير إليه غيرهما، مما يأتي التعرض له. والحكم - في الجملة - لا ينبغي الاشكال فيه، لما عرفت من النصوص وظهور الفتاوى وعمومات الصحة، لكون المشي راجحا، فينعقد نذره كما ينعقد نذر غيره. وسيأتي التعرض لصحيحة الحذاء (* 3). (3) لا يخلو من إشكال.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من ابواب وجوب الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 34 من ابواب وجوب الحج حديث: 10 ويأتي التعرض لها في المسألة الاتية. (* 3) الوسائل باب 34 من ابواب وجوب الحج حديث: 4.

 

===============

 

( 352 )

 

[ لان المشي - في حد نفسه - أفضل من الركوب (1) بمقتضى جملة من الاخبار (* 1) وإن كان الركوب قد يكون أرجح لبعض الجهات، فان أرجحيته لا توجب زوال الرجحان عن المشي في حد نفسه. وكذا ينعقد لو نذر الحج ماشيا - مطلقا - (2) ولو مع الاغماض عن رجحان المشي، لكفاية رجحان أصل الحج في الانعقاد، إذ لا يلزم أن يكون المتعلق راجحا بجميع قيوده وأوصافه. فما عن بعضهم: من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب أفضل (3) لا وجه له. وأضعف منه: دعوى ] (1) هذا لا يجدي في تحقيق الرجحان الموجب للانعقاد، لان الظاهر مما دل على أن الركوب افضل في بعض الموارد: كون المشي - الذي هو ضد الركوب - علة لفوات العنوان الراجح الذي يكون بالركوب، وإذا كان علة لفواته كان مرجوحا بالعرض، ولا فرق بين المرجوح بالذات والمرجوح بالعرض في عدم صحة نذره. نعم لو كان ضدا لما هو أرجح منه لم يخرج بذلك عن كونه راجحا، فلا مانع من نذره. لكنه خلاف ظاهر الادلة. فلاحظ. (2) الاجماع بقسميه عليه، كما في الجواهر. وفى المعتبر: " عليه اتفاق العلماء ". وتقتضيه عمومات صحة النذور ونفوذها. واستفادة ذلك من أكثر النصوص غير ظاهرة فانها واردة في الناذر للمشي. نعم في رواية أنس تعرض لذلك (* 2). ولعله بالتأمل يظهر من غيرها ايضا، ولا يهم لكفاية العمومات في صحة النذر. (3) يشير إلى ما عن العلامة في كتاب الايمان من القواعد، حيث

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 32 من ابواب وجوب الحج. (* 2) الوسائل باب: 34 من ابواب وجوب الحج حديث: 8.

 

===============

 

( 353 )

 

[ الانعقاد في أصل الحج لا في صفة المشي فيجب مطلقا (1). لان المفروض نذر المقيد، فلا معنى لبقائه مع عدم صحة قيده (2). (مسألة 27): لو نذر الحج راكبا انعقد ووجب (3)، ولا يجوز حينئذ المشي وإن كان أفضل، لما مر من كفاية رجحان المقيد دون قيده. نعم لو نذر الركوب في حجه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد، لان المتعلق حينئذ الركوب (4) ] قال: " لو نذر الحج ماشيا، وقلنا المشي أفضل انعقد الوصف " وإلا فلا ". وهو ظاهر كشف اللثام. واستشكل عليه في الجواهر بما في المتن وهو في محله. نعم يتم الاشكال فيما لو نذر المشي - كما عرفت - ولا يجري في نذر الحج ماشيا. (1) حكيت عن الايضاح، حيث قال: " إن انعقاد أصل النذر إجماعي، أما لزوم المشي فمبني على أن المشي أفضل من الركوب، فلو كان الركوب أفضل لم يلزم ". (2) إلا أن يكون النذر على وجه تعدد المطلوب. أو نقول: بأن ذلك لا مجال للاشكال عليه بعد دعوى الاجماع. إلا أن يرجع الاشكال إلى منع الاجماع. (3) لما سبق من عمومات الصحة. (4) يعني: وهو مباح، والمباح لا يتعلق به النذر. ومجرد كون المشي أفضل منه لا يقتضي بطلان نذره، إذ لا يعتبر في المنذور أن يكون أرجح من غيره. والذي يتحصل: أن المنذور تارة: يكون مباحا، وأخرى: يكون راجحا لكنه علة لفوات ما هو أرجح منه، وثالثة: يكون راجحا لكنه ضد لما هو أرجح منه. وفي الاولى لا يصح النذر، لعدم الرجحان، وكذا في الثانية، لانه مرجوح بالعرض وإن كان راجحا

 

===============

 

( 354 )

 

[ لا الحج راكبا. وكذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كل يوم أو فرسخين، وكذا ينعقد لو نذر الحج حافيا. وما في صحيحة الحذاء (1)، من أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بركوب أخت عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي الى بيت الله حافية، قضية في واقعة (2)، يمكن أن يكون لمانع من صحة نذرها، من إيجابه كشفها، أو تضررها، أو غير ذلك. ] ذاتا. وفي الثالثة يصح، لانه راجح ذاتا وعرضا. ووجود ما هو أرجح منه لا يقتضى مرجوحيته ولا يمنع عن رجحانه. وحينئذ لا مانع من نذره حسب ما تقتضيه عمومات الصحة، إذ لا دليل على اعتبار أن لا يكون ضدا لما هو أرجح، كيف وإلا لزم بطلان أكثر النذور " مثل: نذر الصلاة، والصوم، والحج إذا اتفق وجود ما هو افضل؟. هذا في النذر الوارد على القيد نفسه. وأما إذا كان واردا على المقيد به، فإذا كان المقيد بذاته راجحا صح نذره في جميع الصور المذكورة. ولا يضر في الثانية كون القيد علة لترك ما هو أرجح منه، لان النذر وارد على المقيد به لا على نفسه. نعم إذا كان القيد علة لترك ما هو أرجح من المقيد لم ينعقد النذر المتعلق بالمقيد، لانه مرجوح عرضا. (1) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافيا. فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج حاجا، فنظر إلى امرأة تمشى بين الابل، فقال: من هذه؟ فقالوا: أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي الى مكة حافية. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عقبة انطلق الى أختك فمرها فلتركب، فان الله غني عن مشيها وحفاها " (* 1). (2) بهذا أجابا في المعتبر والمنتهى عن الصحيحة المذكورة، وتبعهما

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من ابواب وجوب الحج حديث: 4.

 

===============

 

( 355 )

 

عليه جماعة، ومنهم في الجواهر. وفيه: أن جواب أبي جعفر (عليه السلام) عن سؤال الحذاء بما ذكر دليل على أنه الحكم الواقعي الاولي المسؤول عنه، ولو كان قضية في واقعة كان ذكره مستدركا وبقي السؤال بلا جواب. نعم لو كان المخبر غير المعصوم لامكن أن يقال ذلك، لا فيما نحن فيه وأمثاله مما كان الخبر من المعصوم في مقام الجواب. وكأنه لذلك حمل الصحيحة في الدروس على عدم انعقاد نذر الحفا، قال (ره): " لا ينعقد نذر الحفا في المشي، للخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله).. ". لكن الرواية ظاهرة في نذر المشي حافية، وكذلك أمر النبي (صلى الله عليه وآله) لها بالركوب، وكذلك قوله (صلى الله عليه وآله): " إن الله غني عن مشيها وحفاها ". ولعل مراد الدروس ذلك، لان الحفا لا يكون إلا بالمشي. وحينئذ لا بأس بما ذكره أخذا بظاهر الرواية. ولا سيما بملاحظة التعليل، إذ لا بد أن يكون المراد من غنى الله سبحانه عدم المطلوبية والمشروعية، وإلا فان الله غني عن العالمين. فيكون المراد أن الوجه في عدم الانعقاد عدم مشروعية المنذور، فتتأكد دلالتها على بطلان نذر المشي حافيا، كما اختاره في الدروس. وكيف كان فهي غير ما نحن فيه، من نذر الحج ماشيا حافيا، الذي هو المفروض في المتن، فالرواية أجنبية عنه. نعم يعارضها رواية سماعة وحفص، المروية عن نوادر محمد بن عيسى، قالا: " سألنا أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله حافيا قال: فليمش، فإذا تعب فليركب " (* 1). والجمع يقتضى حملها على الاستحباب. اللهم إلا أن تسقط الصححية باعراض الاصحاب عنها، فلا مجال للاعتماد عليها في رفع اليد عن القواعد.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من ابواب وجوب الحج حديث: 10.

 

===============

 

( 356 )

 

[ (مسألة 28): يشترط في انعقاد النذر ماشيا أو حافيا تمكن الناذر وعدم تضرره بهما، فلو كان عاجزا أو كان مضرا ببدنة لم ينعقد (1). نعم لا مانع منه إذا كان حرجا لا يبلغ حد الضرر، لان رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة (2). ] (1) أما مع العجز فلانتفاء شرط انعقاد النذر، وهو القدرة. وأما مع الضرر فللحرمة الموجبة للمرجوحية. ولعدم القدرة، لان غير المقدور شرعا غير مقدور. (2) تقدم في مواضع من هذا الشرح، تقريب ذلك: بأن ادلة نفي الحرج إنما تضمنت نفي الحكم المؤدي إلى الحرج، وحينئذ تكون نسبتها إلى العمومات الدالة على اللزوم - من وجوب أو تحريم - مرددة بدوا بين أن تكون نسبة المخصص الى العام، مثل: " أكرم العلماء إلا زيدا ". وإن تكون نسبة المرخص إلى الملزم، مثل " أكرم، العلماء، واذنت لك في ترك إكرام زيد ". فعلى الاول يكون إكرام زيد خارجا عن العموم بالمرة، كما لو قال: " أكرم من عدا زيد ". وعلى الثاني لا يكون خارجا عنه وانما يكون خارجا عن اللزوم فقط. فدلالة العموم على وجود ملاك وجوب الاكرام في زيد غير معارضة، فتكون حجة وإنما المعارضة بين دلالة العموم على اللزوم ودلالة دليل الترخيص على عدمه. وهذا التردد بدوي، أما بعد التأمل وملاحظة ورود أدلة نفي الحرج مورد الامتنان - بقرينة مناسبة الحكم والموضوع عرفا. - فالجمع يكون بين أدلة نفي الحرج وعمومات اللزوم على النحو الثاني لا الاول. وحينئذ لا تدل على أكثر من نفي اللزوم، فتبقى الملاكات المدلول عليها بالعمومات بحالها. هذا ما يتقضيه الجمع العرفي بينها. وكذلك الكلام في أدلة نفي الضرر، فان مقتضى الجمع العرفي بينها وبين أدلة الاحكام الاولية اللزومية هو

 

===============

 

( 357 )

 

[ هذا إذا كان حرجيا حين النذر، وكان عالما به (1). وأما إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطا للوجوب (2). (مسألة 29): في كون مبدأ وجوب المشي أو الحفاء: بلد النذر أو الناذر، أو أقرب البلدين الى الميقات، أو مبدأ الشروع في السفر (3)، ] ذلك أيضا. نعم قام الدليل - من إجماع وغيره - على حرمة إيقاع النفس في الضرر. ثم إن الظاهر من العزيمة أنه لا يجوز الوقوع في الحرج. لكن الظاهر أن مراد القائل بها عدم المشروعية، لا الحرمة التكليفية، وإلا فلا يظن من أحد الالتزام به. بل خلافه من الضروريات الفقهية، كيف ولا يزال الناس يعملون الاعمال الحرجة ويوقعون الاجارات عليها؟ ولعل ذلك من الضروريات عند المتشرعة. فلاحظ. (1) فانه حينئذ يكون مقدما على الحرج، فلا يشمله دليل نفي الحرج لما عرفت من أنه لما كان امتنانيا اختص بالحرج الآني من قبل الشارع، فلا يشمل الحرج الآتي من قبل العبد لاقدامه عليه، فإذا نذر ما هو حرجي فقد اقدم على الحرج، فتشمله عمومات الصحة من دون معارض. أما إذا كان جاهلا به فدليل نفي الحرج ينفي لزوم النذر، لان لزومه هو الذي يؤدي إلى الحرج، وتبقى مشروعية الوفاء به بحالها. (2) لاطلاق دليله. وعروض الحرج ليس له موضوعية في الحكم، بل من حيث كونه ملازما غالبا للجهل، فالمدار في اللزوم وعدمه العلم والجهل، لا العروض وعدم العروض. (3) اختار الاول في الشرائع، وحكي عن المبسوط والتحرير والارشاد. والثاني ظاهر القواعد والدروس وغيرهما، وفي الحدائق: الميل إليه. وفي الجواهر: " وقيل: يعتبر أقرب البلدين إلى الميقات. وفي المسالك: هو

 

===============

 

( 358 )

 

[ أو أفعال الحج (1) أقوال. والاقوى أنه تابع للتعيين أو الانصراف، ومع عدمهما فأول أفعال الحج إذا قال: " لله علي أن أحج ماشيا "، ومن حين الشروع في السفر إذا قال: " لله علي أن أمشي الى بيت الله " أو نحو ذلك. كما أن الاقوى ] حسن إن لم يدل العرف على خلافه.. ولعله لكون المراد المشي في الجملة الى الحج، وهو يصدق بذلك.. ". وفيه: أن الصدق يتحقق بالمشي بأقل من ذلك إلى الميقات. وفي كشف اللثام: " ويمكن القول بأنه من أي بلد يقصد فيه السفر إلى الحج. لتطابق العرف واللغة فيه ". (1) جعله في الجواهر الاصح. وعلله: بما أشار إليه في المتن، من أن المشي حال من الحج، والحج اسم لمجموع المناسك المخصوصة، فلا يجب المشي إلا حاله. وفي المبسوط - بعد أن حكى القول المذكور واستدل له بما ذكر - قال: " ويدفعه: أصالة عدم النقل.. "، يعنى: يراد من الحج القصد لا الافعال، فيجب المشي من حين الشروع في قصد البيت، فيرجع إلى القول الرابع الذي تقدم عن كشف اللثام. وكيف كان فالنزاع في المقام في مراد الناذر، وما ذكره المصنف (ره) من أنه تابع للتعيين، أو للانصراف. ومع عدمهما.. في محله متين. إلا أن الكلام كله في تحقيق الانصراف وعدمه. ولا يبعد أن يكون المنصرف إليه من قول الناذر: " لله علي أن أحج ماشيا " هو المنصرف إليه من قوله: " لله علي أن أزور الحسين (عليه السلام) ماشيا ". والوجه فيه: أن النذر تعلق بالمشي المشروع على نحو ما شرع في الحج، وهو لا يختص بالمشي حال الحج، بل يعم المشي من حين الشروع في السفر. ويشير إليه - أيضا - ما يأتي في منتهاه.

 

===============

 

( 359 )

 

[ أن منتهاه - مع عدم التعيين - رمي الجمار، لجملة من الاخبار (1) لا طواف النساء كما عن المشهور (2)، ولا الافاضة من عرفات، كما في بعض الاخبار (3). ] (1) منها صحيح جميل: " قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا حججت ماشيا، ورميت الجمرة فقد انقطع المشي " (* 1). وفي صحيح اسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): " قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في الذي عليه المشي في الحج: إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا وليس عليه شئ " (* 2)، وصحيح الحلبي انه سأل ابا عبد الله (عليه السلام) عن الماشي متى ينقضي مشيه؟ قال (عليه السلام): إذا رمى الجمرة وأراد الرجوع فليرجع راكبا فقد انقضى مشيه، وإن مشى فلا بأس " (* 3). والظاهر أن الوجه فيه ما عرفت، من أن المشي المنذور هو المشروع في الحج والمرغوب، وهو يختص بما ذكر، لا أن الحكم تعبدي ولو كان مخالفة للنذر. فلاحظ. (2) اختاره في الشرائع، والدروس. وفي الجواهر وغيرها قيل: انه المشهور. وكأن الوجه فيه: الاخذ بمفهوم الحج، ولا يختص بجزء دون جزء. لكن طواف النساء ليس من أجزاء الحج. اللهم إلا أن يفهم بالتبعية. لكن لا مجال لذلك بعد ورود ما عرفت من النصوص. (3) في خبر يونس بن يعقوب المروي في قرب الاسناد: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) متى ينقطع مشي الماشي؟ قال (عليه السلام): إذا أفاض من عرفات " (* 4). لكن لم يعرف قائل به، وحينئذ لا مجال للاعتماد عليه.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 35 من ابواب وجوب الحج حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 35 من ابواب وجوب الحج حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 35 من ابواب وجوب الحج حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 35 من ابواب وجوب الحج حديث: 6.

 

===============

 

( 360 )

 

[ (مسألة 30): لا يجوز لمن نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه أن يركب البحر لمنافاته لنذره، وإن اضطر إليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره. كما انه لو كان منحصرا فيه من الاول لم ينعقد. ولو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب فالمشهور أنه يقوم فيه، لخبر السكوني (1). والاقوى عدم وجوبه، لضعف الخبر عن إثبات الوجوب (2). ] (1) عن جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): " أن عليا (عليه السلام) سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله فعبر في المعبر. قال (عليه السلام): فليقم في المعبر قائما حتى يجوزه " (* 1). (2) لكن عمل الشيخ وجماعة بالخبر يكفي في جبر ضعفه. مضافا الى أن السكوني قد عول الاصحاب على أخباره، وقد ادعى الشيخ إجماع الاصحاب على ذلك، فرفع اليد عنه غير واضح. ثم إن كان مورد السؤال في الخبر صورة ما إذا نذر المشي في جميع نقاط المسافة، فمقتضى القاعدة بطلان النذر، لعدم القدرة، فان عمل بالخبر كان دالا على الصحة ومخصصا للقاعدة، وكان أيضا دالا على البدلية على خلاف اصل البراءة. فان لم يعمل به تعين البناء على البطلان. وإن كان مورد السؤال صورة ما إذا كان النذر مختصا بالموضع الذي يمكن فيه المشي، فمقتضى القاعدة وجوب المشي في غير المعبر وعدم لزومه فيه، فإذا عمل بالخبر كان دالا على وجوب القيام تعبدا لا بدلا، لعدم وجوب المبدل منه. وظاهر الخبر أن مورده الصورة الاولى، فإذا بني على عدم العمل به تعين

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 37 من ابواب وجوب الحج حديث: 1.

 

===============

 

( 361 )

 

[ والتمسك بقاعدة الميسور لا وجه له (1). وعلى فرضه فالميسور هو التحرك لا القيام (2). (مسألة 31): إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكبا، فان كان المنذور الحج ماشيا من غير تقييد بسنة معينة وجب عليه الاعادة، ولا كفارة (3)، إلا إذا تركها أيضا (4). وإن كان المنذور الحج ماشيا في سنة معينة فخالف وأتى به راكبا وجب عليه القضاء والكفارة (5). وإذا كان المنذور ] البناء فيها على بطلان النذر، ويكون مورد كلام الاصحاب الصورة الثانية. (1) إذ العمدة - في دليل القاعدة - الاجماع، وهو في المقام منتف (2) الحركة وإن كانت مقومة للمشي، لكن - مع انتفاء قطع المسافة بالحركة - لا يصدق عليها عرفا أنها ميسور " بخلاف القيام فانه غير مقوم للمشي، ووجوبه إنما هو من جهة الانصراف، فلا يخرج عن كونه ميسورا بسقوط غيره. ولو منع الانصراف فالقيام ليس بواجب حال المشي، ويكفي المشي في غير حال القيام فيكون أجنبيا عن المشي " وحينئذ لا وجه لكونه ميسورا له. (3) أما الاعادة فلعدم اتيانه بالمنذور. وأما عدم الكفارة فلعدم الموجب لانتفاء المخالفة بعد كون النذر موسعا ومطلقا. (4) يعني: على نحو لا يكون معذورا في الترك، كما إذا اطمأن بالوفاة فانه لما وجبت المبادرة كان تركها مخالفة للنذر وموجبا للحنث. وقد تقدم - في المسألة الثامنة - ماله نفع في المقام. (5) تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثامنة. هذا وفي المعتبر: " ويمكن أن يقال: إن الاخلال بالمشي ليس مؤثرا في الحج، ولا من صفاته بحيث يبطل بفواته، بل غايته: أنه أخل بالمشي المنذور، فان كان مع القدرة

 

===============

 

( 362 )

 

وجبت عليه كفارة خلف النذر، وحجه ماض.. ". ونحوه حكي عن المنتهى والتحرير وغيرهما. وفي كشف اللثام: " هو قوي. إلا أن يجعل المشي في عقد النذر شرطا.. ". أقول: ظاهر كلامهم صورة ما إذا جعله شرطا، وحينئذ لا مجال للبناء على صحته وفاء، لفوات المشروط بفوات شرطه. أما إذا لم يجعله شرطا - بأن نذر أن يحج، ونذر أن يمشي في الحج المنذور - فلا مانع من البناء على الصحة، لان المشي المنذور إن كان قبل الميقات، فإذا ركب قبل الميقات فقد حنث ووجبت الكفارة، وبقي الامر بالحج، فيأتي به على طبق أمره، فيصح وفاء. وإن كان المشي المنذور بعد الاحرام وقبل الطواف، فإذا أحرم صح إحرامه، فإذا ركب بعد ذلك فقد حنث، ولا يقتضي ذلك سقوط الامر بالطواف، وحينئذ يصح طوافه وفاء بالنذر أيضا، وهكذا الكلام الى المواقف. والوجه في ذلك: عدم انطباق عنوان محرم على أجزاء الحج، فلا مانع من التقرب بها. نعم - بناء على أن السير من الميقات إلى مكة من أجزاء الحج فيكون عبادة - تشكل صحته، من جهة أن السير راكبا تفويت لموضوع النذر فيكون حراما. نظير الصلاة فرادى إذا كان قد نذر الصلاة جماعة، فانه لما كان تفويتا لموضوع النذر كانت حراما فتبطل. وقد تقدم نظير ذلك في المسألة السابعة من هذا الفصل، فراجع. ولا يرتبط ما ذكر بالقول بأن الامر بالشئ نهي عن ضده، بل هو من باب أن علة الحرام حرام ولو عقلا على نحو يكون مبعدا، فيمتنع أن يكون مقربا. ولا فرق بين الجزء الاخير من العلة والجزء الاول منها، فانه مع العلم بالترتب يكون الجزء الاول أيضا حراما مبعدا، ومع عدم العلم بالترتب لا يكون آخر الاجزاء منها حراما مبعدا، كما لا يكون أولها كذلك. وبالجملة:

 

===============

 

( 363 )

 

[ المشي في حج معين وجبت الكفارة دون القضاء (1)، لفوات محل النذر. والحج صحيح في جميع الصور (2). خصوصا الاخيرة، لان النذر لا يوجب شرطية المشي في أصل الحج (3) وعدم الصحة من حيث النذر لا يوجب عدمها من حيث ] حرمة السبب المفوت للواجب ومبعديته لا ترتبط بحرمة الضد ومبعديته. وهو واضح بالتأمل. (1) أما الاول فللحنث. وأما الثاني فلما ذكر من فوات محل النذر، لانه لما حج بدون المشي فقد صح حجه وتعذر الاتيان به ثانيا، لامتناع الامتثال بعد الامتثال، فيتعذر الوفاء بالنذر. (2) أما في الصورة الاخيرة فواضح، لوقوعه عن أمره بلا مانع من التقرب به، لعدم انطباق عنوان محرم عليه، الا بناء على ما عرفت من أن السير بين الميقات ومكة أيضا واجب ومن أجزاء الحج، فيكون السير راكبا تفويتا للواجب، فيحرم، فيبطل. وكذا إذا كان يمكنه الرجوع إلى الميقات والسير ماشيا، فانه حينئذ يكون الطواف تفويتا للواجب فيحرم. أما مع عدم إمكان الرجوع فقد حنث بترك المشي من الميقات وسقط الامر النذري، فلا مانع من الطواف. وأما في الصورتين الاخيرتين فلما يأتي (3) هذا التعليل راجع الى الحكم بالصحة في الجميع. وحاصل التعليل: أن الصحة تابعة لوقوع الفعل تام الاجزاء والشرائط، والحج راكبا لا نقص في أجزائه ولا في شرائطه. لان النذر - في الصورتين الاولتين - إنما يقتضي شرطية الركوب للحج المنذور، لا للحج الذي هو موضوع الامر الشرعي. وفي الصورة الثالثة إنما اقتضى وجوب المشي في الحج، لا شرطيته للحج ولا لغيره، فإذا لم يكن الحج المشروع مشروطا بالمشي انطبق على الحج راكبا. فيصح ويسقط به أمره ويحصل بذلك امتثاله.

 

===============

 

( 364 )

 

[ الاصل، فيكفي في صحته الاتيان به بقصد القربة. وقد يتخيل البطلان، من حيث أن المنوي - وهو الحج النذري - لم يقع، وغيره لم يقصد (1). وفيه: أن الحج في حد نفسه مطلوب، وقد قصده في ضمن قصد النذر، وهو كاف (2). ألا ترى: أنه لو صام أياما بقصد الكفارة ثم ترك التتابع لا يبطل الصيام في الايام السابقة أصلا (3)، وإنما تبطل من حيث ] (1) الذى يظهر من كلمات الاصحاب (رض): أنه يعتبر في صحة العبادة قصد المأمور به بخصوصياته المعتبرة فيه حينما أخذ موضوعا للامر. وأيضا يعتبر فيها قصد الامر بحيث يكون الداعي الى وقوعها أمرها، فإذا فقد أحد هذين فقد بطلت العبادة. وفي المقام لما كان المقصود الحج النذري دون الحج نفسه " فلا يصح الحج النذري لفقد شرطه، ولا الحج الاصلي لعدم قصده، (2) لا ريب في أن الناذر حينما يأتي بالحج المنذور يأتي به بعنوان الوفاء بالنذر، والوفاء من العناوين التقييدية لا من قبيل الداعي. ولذا إذا أعطى زيد عمرا دينارا بعنوان الوفاء بالدين، وعلم عمرو بانتفاء الدين، لا يجوز له أخذ الدينار ولا التصرف فيه. كما لو أعطاه بعنوان المعاوضة، فانه لا يجوز له الاخذ إذا كان يعلم بانتفاء المعاوضة أو بطلانها. وقد ذكروا أن المقبوض بالعقد الفاسد بمنزلة المغصوب لا يجوز التصرف فيه. فإذا كان عنوان الوفاء تقييديا فمع انتفائه لا قصد للفاعل، وحينئذ لا يكون عبادة لانتفاء قصد الامر، كما ذكر في الاشكال. (3) الصيام في الايام السابقة كان الاتيان به بقصد أمر الكفارة الوجوبي وكذلك كان المقصود به الصوم الخاص - وهو صوم الكفارة المشتمل على

 

===============

 

( 365 )

 

[ كونها صيام كفارة؟ وكذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قراءته وأذكاره التي أتى بها من حيث كونها قرآنا أو ذكرا. وقد يستدل للبطلان - إذا ركب في حال الاتيان بالافعال -: بأن الامر باتيانها ماشيا موجب للنهي عن إتيانها راكبا. وفيه: منع كون الامر بالشئ نهيا عن ضده (1). ومنع استلزامه البطلان على القول به. مع أنه لا يتم فيما لو نذر الحج ماشيا ] خصوصيات اقتضت وجوبه - دون طبيعة الصوم، فصحته - إذا بطل صوم الكفارة - تتوقف على عدم اعتبار قصد الامر ولا قصد المأمور به في عبادية العبادة. وقد عرفت: أنه خلاف ما عليه الاصحاب، وخلاف ما بنوا عليه من الفروع، مثل: ما إذا قصد الامر بالوضوء التجديدي فتبين أنه محدث، وما إذا قصد الامر الوجوبي بغسل الجنابة لاعتقاد سعة الوقت فاغتسل فتبين ضيقه، وأمثال ذلك من الفروع التي حكموا فيها بالبطلان إذا كان ذلك على نحو التقييد لا على نحو الداعي. فراجع كلماتهم. ولازمه: أنه إذا صلى الصبح باعتقاد دخول الوقت بطلت وصحت صلاة ركعتين نافله. ومن ذلك تعرف الاشكال في قوله: " لم تبطل قراءته واذكاره " إذا كان مراده أنه لم يبطل التعبد بالقرآن الكريم والذكر. نعم لو كان التقييد بالعناوين المذكورة على نحو تعدد المطلوب كان ما ذكر في محله. لكن الظاهر عدم بنائهم على ذلك في باب الوفاء بالعقود والنذور ونحوهما. اللهم إلا أن يبنى على الفرق بين المقامين، وإجراء حكم تعدد المطلوب في باب العبادات أمثال المقام. أو أن الصحة مستفادة من بعض النصوص الواردة في صحة عمل الاجير إذا خالف الاجارة، كما سيأتي في المسألة الثانية عشرة والثالثة عشرة. فتأمل جيدا. (1) قد عرفت: أن المضادة بين المشي والركوب فقط.

 

===============

 

( 366 )

 

[ مطلقا، من غير تقييد بسنة معينة ولا بالفورية، لبقاء محل الاعادة. (مسألة 32): لو ركب بعضا ومشى بعضا فهو كما لو ركب الكل، لعدم الاتيان بالمنذور، فيجب عليه القضاء أو الاعادة ماشيا (1). والقول بالاعادة والمشي في موضع الركوب، ضعيف لا وجه له. ] (1) كما عن الحلي، واختاره في الشرائع وغيرها. وعن الشيخ والجمع من الاصحاب: أنه يقضي ويمشي موضع الركوب. وعن المختلف الاستدلال له: بأن الواجب عليه قطع المسافة ماشيا، وقد حصل بالتلفيق، فيخرج عن العهدة. ثم أجاب عنه بالمنع من حصوله مع التلفيق. ولعله واضح، إذ لا يصدق عليه أنه حج ماشيا. وفي المدارك: " هو جيد إن وقع الركوب بعد التلبس بالحج، إذ لا يصدق على من ركب في جزء من الطريق - بعد التلبيس بالحج - أنه حج ماشيا. وهذا بخلاف ما إذا وقع الركوب قبل التلبس بالحج، مع تعلق النذر بالمشي من البلد، لان الواجب قطع المسافة في حال المشي وإن فعل في أوقات متعددة، وهو يحصل بالتلفيق. إلا أن يكون المقصود قطعها كذلك في عام واحد. فتأمل ". أقول: من الواضح أن المقصود ذلك، فلا مجال لهذا الاحتمال. وعلى تقديره لا فرق بين المشي قبل الحج وبعده. ثم إنه في خبر ابراهيم بن عبد الحميد: " أن عباد بن عبد الله البصري سأل الكاظم (عليه السلام) عن رجل جعل لله نذرا على نفسه المشي إلى بيته الحرام، فمشى نصف الطريق أو أقل أو أكثر. قال (عليه السلام): ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فليتصدق به " (* 1). ولكنه مهجور لا مجال للعمل به. والظاهر أن المراد من قوله: " من ذلك الموضع " أنه من

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب النذر حديث: 2.

 

===============

 

( 367 )

 

[ (مسألة 33): لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره - لتمكنه منه، أو رجائه - سقط (1). وهل يبقى حينئذ وجوب الحج راكبا أولا، بل يسقط أيضا؟ فيه أقوال: أحدها: وجوبه راكبا مع سياق بدنة (2). الثاني: وجوبه بلا سياق (3). ] موضع انتهاء المشي إلى آخره. (1) الرجاء طريق لا موضوعية له في الانعقاد، فإذا كان الناذر يرجو القدرة فتبين عدمها انكشف عدم انعقاد نذره، لما عرفت من اعتبار القدرة على المنذور في انعقاد النذر. هذا بالنظر إلى القواعد العامة، وربما يكون مقتضى النصوص الآتية عموم الحكم لصورة الرجاء. ولذلك جعل المصنف صورة الرجاء كصورة التمكن وطروء العجز، وقد سبقه في ذلك المستند. فراجع. أما صورة العلم بالعجز فخارجة عن مورد النصوص والفتاوى، لعدم اقدام الناذر فيها على نذر المشي. فلاحظ. (2) نسب إلى الشيخ وجماعة، وعن الخلاف: دعوى الاجماع عليه. لصحيح الحلبي: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله وعجز أن يمشي، قال (عليه السلام): فليركب، وليسق بدنة، فان ذلك يجزي إذا عرف الله تعالى منه الجهد " (* 1)، وصحيح ذريح المحاربي: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل حلف ليحجن ماشيا فعجز عن ذلك فلم يطقه. قال (عليه السلام): فليركب، وليسق الهدي " (* 2). (3) كما عن المفيد، وابن الجنيد، وابن سعيد والشيخ في نذر الخلاف، وفي كشف اللثام: أنه يحتمله كلام الشيخين، والقاضي، ونذر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من أبواب وجوب الحج حديث: 3 (* 2) الوسائل باب: 34 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.

 

===============

 

( 368 )

 

[ الثالث: سقوطه إذا كان الحج مقيدا بسنة معينة. أو كان مطلقا مع اليأس عن التمكن بعد ذلك، وتوقع المكنة مع الاطلاق وعدم اليأس (1). الرابع: وجوب الركوب مع تعيين السنة، أو اليأس في صورة الاطلاق، وتوقع المكنة مع عدم اليأس (2). ] النهاية والمقنعة والمهذب. ويشهد له صحيح رفاعة بن موسى: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): رجل نذر أن يمشي الى بيت الله تعالى. قال (عليه السلام): فليمش. قلت: فانه تعب. قال (عليه السلام): إذا تعب ركب " (* 1)، وصحيح ابن مسلم: " سئل أحدهما (عليه السلام) عن رجل جعل عليه مشيا الى بيت الله تعالى فلم يستطع. قال (عليه السلام): يحج راكبا " (* 2). (1) حكي عن الحلي والعلامة - في الارشاد - والمحقق الثاني في حاشية الشرائع. وكأن الوجه فيه: العمل بالقواعد المقتضية للسقوط مع العجز والانتظار مع رجاء المكنة. لكن كان اللازم البناء على الوجوب مع اليأس إذا فرض حصول المكنة بعد ذلك. (2) نسب إلى العلامة في المختلف. لكن عبارته فيه - فيما لو أخذ المشي شرطا في المنذور - هكذا: " وإن كان الثاني - يعني: أخذ المشي شرطا، وكان النذر موقتا وعجز - سقط عنه النذر، ولم يجب عليه الحج ماشيا ولا راكبا، ولا كفارة عليه. وإن لم يعجز وركب وجب عليه كفارة خلف النذر. وإن لم يكن موقتا وعجز توقع المكنة، فان أيس سقط ولا يجب الحج راكبا ". وظاهره القول الثالث. نعم ظاهر المسالك - وعن الروضة -: اختيار هذا القول، بناء منهما على أن نذر الحج ماشيا راجع

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من ابواب وجوب الحج حديث: 1. الوسائل باب: 34 من ابواب وجوب الحج حديث: 9.

 

===============

 

( 369 )

 

[ الخامس: وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الاحرام، وإذا كان قبله فالسقوط مع التعيين، وتوقع المكنة مع الاطلاق (1). ومقتضى القاعدة وإن كان هو القول الثالث (2). إلا أن الاقوى - بملاحظة جملة من الاخبار - هو القول الثاني، بعد حمل ما في بعضها: من الامر بسياق الهدي، على الاستحباب، بقرينة السكوت عنه في بعضها الآخر مع كونه في مقام البيان (3). ] إلى نذرين: نذر الحج، ونذر المشي، فإذا تعذر الثاني بقي الاول، ومع رجاء القدرة يجب الانتظار عقلا. (1) قال في المدارك: " والمعتمد ما ذهب إليه ابن إدريس إن كان العجز قبل التلبس بالاحرام، وإن كان بعده اتجه القول بوجوب إكماله، وتساق البدنة، وسقوط الفرض بذلك. عملا بظاهر النصوص، والتفاتا إلى اطلاق الامر بوجوب اكمال الحج والعمرة مع التلبس بهما، واستلزام اعادتهما المشقة.. ". وكأن السقوط في الاول عملا بالقواعد، واختصاص النصوص بغيره. وفيه: أن النصوص شاملة للمقامين، ولا تختص بالثاني. مع أن وجوب الاتمام أعم من الاجتزاء به. (2) لكن مع البناء على الوجوب مع اليأس إذا تبينت المكنة، كما عرفت. (3) وهو صحيح رفاعة بن موسى، وصحيح محمد بن مسلم المتقدمان (* 1)، ونحوهما خبر سماعة وحفص (* 2). لكن أشكل في المدارك على الاستدلال بهذه النصوص: بأن السكوت لا يعارض ما هو ظاهر في الوجوب. وهو في محله، فان السكوت لا يبلغ إطلاق المطلق، ومع ذلك يقدم عليه المقيد.

 

 

____________

(* 1) تقدم ذكرهما في القول الثاني من الاقوال المتقدمة في المسألة. (* 2) الوسائل باب: 34 من ابواب وجوب الحج حديث: 10.

 

===============

 

( 370 )

 

[ مضافا الى خبر عنبسة (1)، الدال على عدم وجوبه صريحا فيه. من غير فرق في ذلك بين أن يكون العجز قبل الشروع في الذهاب أو بعده (2)، وقبل الدخول في الاحرام أو بعده (3). ] (1) ابن مصعب، قال: " قلت له - يعني: لابي عبد الله (عليه السلام) -: اشتكى ابن لي، فجعلت لله علي إن هو برئ أن أخرج إلى مكة ماشيا، وخرجت أمشي حتى انتهيت إلى العقبة فلم استطع أن أخطو فيه، فركبت تلك الليلة حتى إذا أصبحت مشيت حتى بلغت، فهل علي شئ؟ قال (عليه السلام): اذبح فهو أحب الي. قال: قلت له: اي شئ هو لي لازم أم ليس لي بلازم؟ قال (عليه السلام): من جعل لله على نفسه شيئا فبلغ فيه مجهوده فلا شئ عليه، وكان الله تعالى أعذر لعبده " (* 1). وأشكل عليها في المدارك: بأنها ضعيفة السند، لان الراوي لها واقفي ناووسي. وظاهره اختصاص الطعن بذلك. لكنه غير قادح على ما حرر في محله. فالعمدة عدم ثبوت وثاقته. إلا أن يكون ظاهر المدارك ذلك. ولعل هذا المقدار - بضميمة اعتماد الجماعة على الرواية. وكون الراوي عنه البزنطي، وما رواه الكليني (ره) في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أحدهما: " لا يجبر الرجل إلا على نفقة الابوين والولد. قلت لجميل: فالمرأة؟ قال: قد رووا أصحابنا - وهو عنبسة بن مصعب " وسورة بن كلب - عن أحدهما: أنه إذا كساها.. " (* 2) - كاف في إثبات وثاقته، ودخول خبره في موضوع الحجية. وكأنه لذلك عده في الجواهر من قسم الموثق. (2) نص على هذا التعميم في الجواهر، أخذ بظاهر النصوص. (3) خلافا لما عرفت من المدارك لاطلاق بعض النصوص المتقدمة،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من ابواب وجوب الحج حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب وجوب النفقات ملحق حديث: 4.

 

===============

 

( 371 )

 

[ ومن غير فرق أيضا بين كون النذر مطلقا أو مقيدا بسنة (1)، مع توقع المكنة وعدمه. وإن كان الاحوط في صورة الاطلاق - مع عدم اليأس من المكنة، وكونه قبل الشروع في الذهاب - الاعادة إذا حصلت المكنة بعد ذلك، لاحتمال انصراف الاخبار عن هذه الصورة (2). والاحوط إعمال قاعدة الميسور أيضا بالمشي بمقدار المكنة. بل لا يخلو عن قوة. للقاعدة، مضافا إلى الخبر: " عن رجل نذر أن يمشي الى بيت الله ] كما عرفت. ولا ينافيه اختصاص بعضها - كصحيح المحاربي، وصحيح محمد ابن مسلم - (* 1) لعدم المنافاة بين المثبتين. (1) كما نص على ذلك في الجواهر. لاطلاق النصوص. (2) قد عرفت - في غير موضع من هذا - الشرح أن دليل بدلية البدل عند الاضطرار وإن كان إطلاق لفظه يقتضى ثبوت البدلية بمجرد حصول الاضطرار في أول الوقت، لكن الارتكاز العرفي في باب الاضطرار يقتضي اختصاصه بصورة استمرار العذر في تمام الوقت، وأن الوجه في تشريعه المحافظة على ملاك المبدل منه من الضياع بالمرة. لا أقل من أن ذلك موجب للتوقف في الاطلاق، الموجب لسقوطه عن الحجية نعم - بناء على أن مقتضى الجمع بين أدلة البدلية وأدلة الواجب الاختياري هو تقييد أدلة الواجب الاختياري بالاختيار - أمكن القول بجواز المبادرة بمجرد الاضطرار آناما، إذ لا مانع حينئذ من الاخذ بالاطلاق. نعم - بناء على ما عرفت في المسألة الثامنة من وجوب المبادرة إلى أداء المنذور إذا كان النذر مطلقا - لا بأس بجواز البدار، لانه حينئذ يكون مضيقا، والاشكال يختص بالموسع. فلاحظ.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من أبواب وجوب الحج حديث: 2، 9.

 

===============

 

( 372 )

 

[ حافيا. قال. (عليه السلام): فليمش، فإذا تعب فليركب " (1). ويستفاد منه كفاية الحرج والتعب في جواز الركوب وإن لم يصل الى حد العجز (2) وفي مرسل حريز: " إذا حلف الرجل أن لا يركب، أو نذر أن لا يركب، فإذا بلغ مجهوده ركب " (* 1). (مسألة 34): إذا نذر الحج ماشيا فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي - من مرض، أو خوف، أو عدو أو نحو ذلك - (3) فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر، أولا لكون الحكم على خلاف القاعدة؟ وجهان. ولا يبعد التفصيل بين المرض ومثل العدو، باختيار الاول في الاول والثاني في الثاني. وإن كان الاحوط الالحاق مطلقا. ] (1) قد عرفت الاشكال في حجية القاعدة، لعدم الدليل عليها كلية والمراد من الخبر صحيح رفاعة. ونحوه خبر سماعة وحفص المتقدمان (* 2). (2) كما نص على ذلك في الجواهر. لما في المتن. (3) المقابلة بين ما ذكر وبين العجز عن المشي غير ظاهرة، فان الجميع يوجب العجز عن المشي. نعم العجز عن المشي قد يكون عن ضعف في الاستعداد، وقد يكون عن مرض - وكلاهما راجع إلى قصور الفاعل - وقد يكون عن مانع في الارض - من شوك، أو ماء، أو نحوهما - فيكون العجز لقصور في الارض، وقد يكون عن مانع آخر - من عدو، أو هواء، (3) المقابلة بين ما ذكر وبين العجز عن المشي غير ظاهرة، فان الجميع يوجب العجز عن المشي. نعم العجز عن المشي قد يكون عن ضعف في الاستعداد، وقد يكون عن مرض - وكلاهما راجع إلى قصور الفاعل - وقد يكون عن مانع في الارض - من شوك، أو ماء، أو نحوهما - فيكون العجز لقصور في الارض، وقد يكون عن مانع آخر - من عدو، أو هواء،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من ابواب وجوب الحج حديث: 12. (* 2) تقدم ذكر الاول في المسألة: 26، 33 من هذا الفصل. وتقدم ذكر الثاني في المسألة: 27 من هذا الفصل. لكن الاول غير مطابق لما جاء في المتن، وانما يطابقه الخبر الثاني كما يطابقه خبر رفاعة وحفص المروي في الوسائل باب: 8 من أبواب النذر والعهد حديث: 2.

 

===============

 

( 373 )

 

أو حيوان، أو نحو ذلك - فيكون قسما ثالثا. ولا ينبغي التأمل في شمول العجز أو عدم الاستطاعة المذكورين في النصوص لذلك كله. نعم قد ينصرفان إلى قصور الفاعل فيشمل المرض ولا يشمل غيره. واحتمال الاختصاص بخصوص ضعف الاستعداد بعيد جدا. (3) المقابلة بين ما ذكر وبين العجز عن المشي غير ظاهرة، فان الجميع يوجب العجز عن المشي. نعم العجز عن المشي قد يكون عن ضعف في الاستعداد، وقد يكون عن مرض - وكلاهما راجع إلى قصور الفاعل - وقد يكون عن مانع في الارض - من شوك، أو ماء، أو نحوهما - فيكون العجز لقصور في الارض، وقد يكون عن مانع آخر - من عدو، أو هواء،