فصل في العقد وأحكامه

فصل في العقد وأحكامه (مسألة 1): يشترط في النكاح الصيغة، بمعنى: الايجاب والقبول اللفظيين (2). فلا يكفي التراضي الباطني، ولا الايجاب والقبول الفعليين. وأن يكون الايجاب بلفظ النكاح أو التزويج على الاحوط. فلا يكفي بلفظ المتعة في ] اثنان منهما كان قد جمع بين حرتين وأمة. ولا يجوز للعبد ذلك، فحينئذ يجئ الاشكال السابق. وكذا لو كانت أربع إماء فاعتقت واحدة، فانه لا يجوز للعبد أن يجع بين ثلاث إماء وحرة، فيجري فيه ما سبق. (1) قد عرفت أنه مقتضى القاعدة، وأن الالحاق بصورة ما إذا أسلم الكافر عن اكثر من أربع غير ظاهر. ولو بني عليه لم يكن وجه لتقديم اختيار الزوج على اختيار الامة، أو تقديم اختيارها على اختياره، فان كون اختياره موضوعا لاختيارها وكذا العكس مما لم يشهد به شاهد. والمتعين أن يكون لكل منهما الاختيار، كما لو أعتقت في أثناء العدة الرجعية. فصل في العقد وأحكامه (2) قال في الحدائق: " أجمع العلماء من الخاصة والعامة على توقف النكاح على الايجاب والقبول اللفظيين ". وفي كلام شيخنا الاعظم (ره):

 

===============

 

( 368 )

 

[ النكاح الدائم (1)، وإن كان لا يبعد كفايته مع الاتيان بما يدل على إرادة الدوام. ويشترط العربية مع التمكن منها (2)، ] " أجمع علماء الاسلام - كما صرح به غير واحد - على اعتبار أصل الصيغة في عقد النكاح، لا يباح بالاباحة، ولا المعاطاة ". ونحوهما كلام غيرهما. ولاجل هذا الاجماع افترق النكاح عن غيره من مضامين العقود، فانها يجوز انشاؤها بالفعل، بخلافه. وأما الفارق بينه وبين السفاح فلا يرتبط بذلك، إذ السفاح الوطء لا بعنوان الزوجية، وفي النكاح الوطء بعنوان الزوجية، وإن لم يكن إنشاؤها باللفظ، كما في نكاح بعض أهل الشرائع الباطلة، فانه نكاح وليس بسفاح، وان كان بغير لفظ. فلاحظ. (1) كما عن التذكرة والمختلف. وفي كشف اللثام: نسبته إلى الاكثر وعن ظاهر السيد في الطبريات: الاجماع عليه. وفي المسالك الاستدلال له بأصالة عدم ترتب الاثر عليه، للشك في جوازه، لانه حقيقة في المنقطع، مجاز في الدائم، والعقود اللازمة لا تقع بالمجاز. وفي كلتا المقدمتين منع. وأصالة عدم ترتب الاثر لا مجال لها في قبال عمومات النفوذ والصحة. ولذا اختار في الشرائع، والمختصر النافع، والقواعد، والارشاد: الجواز. ويشهد له ما ورد من انقلاب المنقطع دائما إذا لم يذكر فيه الاجل نسيانا (* 1). (2) قال في التذكرة: " فلو تلفظ بأحد اللفظين بالفارسية أو غيرها من اللغات غير العربية مع تمكنه ومعرفته بالعريبة لم ينعقد عند علمائنا. وهو قول الشافعي وأحمد ". ونحوه عن المبسوط. وعلل في التذكرة: بأن غير العربي بالنسبة إليه كالكناية، فلا يعتبر به. وفي الجواهر: بأنه مقتضى الاصل، الذي لا يعارضه الاطلاق، لانصرافه إلى المتعارف، وفي كشف اللثام: بأنه مقتضى الاصل، والاحتياط في الفروج. والمناقشة في ذلك كله

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 20 من ابواب المتعة.

 

===============

 

( 369 )

 

[ ولو بالتوكيل على الاحوط (1). نعم مع عدم التمكن منها ولو بالتوكيل على الاحوط يكفي غيرها من الالسنه إذا أتى بترجمة اللفظين من النكاح والتزويج. والاحوط اعتبار الماضوية (2) ] ظاهرة، إذ كونه كالكناية ممنوع، كعدم الصحة في الكناية إذا كانت الدلالة ظاهرة. والاصل والاحتياط لا مجال لهما مع الاطلاق. والانصراف إلى العربية - لانه المتعارف - بدوي، لا يعول عليه في رفع اليد عن الاطلاق. مع أن كون المتعارف مطلقا العربية ممنوع، بل المتعارف عند أهل كل لغة ما هو بلغتهم، فلو بني على تقييد المطلق بالمتعارف كان اللازم اعتبار كل لغة عند أهلها، فلا يصح بالعربية لغير العربي - فالبناء على جواز غير العربي - كما عن ابن حمزة - غير بعيد، بل هو المتعين. (1) يظهر من التذكرة الاتفاق منا على الجواز مع عدم القدرة على العربية، وعدم إمكان التعلم، وإن تمكن من التوكيل. وكأنهم استفادوا ذلك مما ورد في طلاق الاخرس من الاجتزاء فيه بالفعل الدال على إنشاء الفرق (* 1). لكن استفادة حكم المقام من ذلك المقام غير ظاهرة. فلو بني على لزوم الاحتياط في الباب كان اللازم عدم الاكتفاء بالترجمة حتى مع عدم إمكان التوكيل. اللهم إلا أن يكون الاجماع هو المستند. (2) كما هو المشهور بين علمائنا خصوص المتأخرين منهم. كذا في المسالك. واستدل له بأن الماضي دال على صريح الانشاء المطلوب في العقود، بخلاف صيغة المضارع والامر، فانهما ليسا موضوعين للانشاء. ولاحتمال الاول الوعد. وللزوم الاقتصار على المتيقن، وغير الماضي مشكوك. ولان تجويز غيره يؤدي إلى انتشار الصيغة وعدم وقوفها على قاعدة. والجميع كما ترى. فان الاول ممنوع. والماضي يكون خبرا تارة، وإنشاء أخرى،

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 19 من ابواب مقدمات الطلاق.

 

===============

 

( 370 )

 

[ وإن كان الاقوى عدمه (1)، فيكفي المستقبل، والجملة الخبرية (2)، كأن يقول: " أزوجك " أو " أنا مزوجك فلانة ". كما أن الاحوط تقديم الايجاب على القبول (3)، ] كالمضارع، بل لا فرق بين الفعلين إلا في الحكاية عن زمان التبلس. واحتمال الوعد لا أثر له مع القرينة على إرادة الانشاء. والاقتصار على المتيقن غير لازم مع وجود الدليل في المشكوك، وكفى بالاطلاق دليلا. مضافا إلى النصوص الورادة في بيان عقد الانقطاع (* 1)، المتضمنة جواز إنشائه بمثل: " أتزوجك متعة على كتاب الله تعالى "، ولا فرق بين الانقطاع والدوام. (1) كما نسب إلى ابن أبي عقيل، والمحقق، وجماعة. (2) فانها كالجملة الفعلية صالحة للخبر والانشاء، وقد اجمع على جواز العتق بمثل: " أنت حر "، وفي " أعتقتك " إشكال كما أجمعوا على صحة الطلاق بمثل: " أنت طالق ". فما الذي دعى إلى الاشكال فيها هنا؟!. (3) كما نسب إلى الاكثر، والاشهر في مطلق العقود. ويقتضيه مفهوم القبول العقدي، فان مفهوم القبول في نفسه وإن كان يتعلق بالامر الاستقبالي كما يتعلق بالامر الماضي، نظير الرضا والحب والبغض ونحوها، بل لا يعتبر فيه وقوع الايجاب لا في الماضي ولا في المستقبل، لتعلقه بالوجود اللحاظي، إلا أن القبول العقدي - أعني: ما يقابل الايجاب - مختص بما يتعلق بالايجاب الماضي، فيكون معنى القبول المقابل للايجاب هو الرضا بما جعل وأنشئ. أما الرضا بما يجعل وينشأ فلا يكون قبولا بالمعنى المقابل للايجاب، فلو تقدم القبول لم يكن قبولا بذلك المعنى. وأما ما ورد في الروايات الواردة في بيان كيفية المتعة المتضمنة: أنه يقول لها: " أتزوجك متعة على كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، فإذا

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 18 من ابواب المتعة.

 

===============

 

( 371 )

 

[ وإن كان الاقوى جواز العكس أيضا. وكذا الاحوط أن يكون الايجاب من جانب الزوجة والقبول من جانب الزوج (1) ]، قالت: نعم فقد رضيت وهي امرأتك " (* 1)، فليس من باب تقدم القبول، بل من باب الايجاب ممن وظيفته القبول، كما سيشير إليه في المتن، فلا مجال للاستدال به على ما نحن فيه. ومثله الايجاب في البيع من المشتري بأن يقول: " إشتريت فرسك بدينار " مثلا، فيقول البائع: " بعت " أو " قبلت "، فانه ليس من تقديم القبول على الايجاب. ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره في الشرائع بقوله: " ولا يشترط تقديم الايجاب، بل لو قال: " تزوجت " فقال الولي: " زوجتك " صح ". لكن في المسالك: " وربما قيل بعدم صحته مقدما، لان حقيقة القبول الرضا بالايجاب، فمتى وجد قبله لم يكن قبولا، لعدم معناه. وفيه منع كون المراد من القبول قبول الايجاب. بل قبول النكاح، وهو متحقق على التقديرين. ولانا نقول بموجبه، فان القبول حقيقة ما وقع بلفظ: " قبلت "، ولا إشكال في عدم جواز تقديمه بهذا اللفظ، وإنما الكلام فيما وقع بلفظ: " تزوجت " أو " نكحت " فهو في معنى الايجاب، وتسميته قبولا مجرد اصطلاح ". وعلى هذا يكون النزاع لفظيا، ويكون مرجع القول بالجواز إلى القول بجواز الايجاب ممن وظيفته القبول، لا جواز تقديم القبول على الايجاب. وهو كما ترى لا يلتئم مع ما في المتن، فان جواز الايجاب من الزوج سيتعرض له بعد ذلك، بل ولا يلتئم مع كلمات جماعة ممن قال بجواز تقديم القبول وأدلتهم عليه. فلاحظ. (1) لا يخفى أن الزوجية المجعولة في عقد النكاح مقابل الفردية، فكأن كل واحد من الرجل والمرأة فرد، فإذا تزوج أحدهما بالاخر صار زوجا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 18 من ابواب المتعة حديث: 1.

 

===============

 

( 372 )

 

[ وإن كان الاقوى جواز العكس. وأن يكون القبول بلفظ: " قبلت " (1). ولا يبعد كفاية " رضيت ". ولا يشترط ذكر المتعلقات، فيجوز الاقتصار على لفظ: " قبلت " من ] بضم الاخر إليه. وهذا الضم كما يمكن لحاظه في الزوجة بأن تنضم إلى الرجل، يمكن لحاظه في الرجل بأن يضم إلى الزوجة. لكن شرافة الذكر تقتضي الاول، لان الضم فيه تابعية ومتبوعية، والرجل أولى بالمتبوعية، كما أن الانثى أولى بالتابعية، فلذلك تعارف إيجاب المرأة بقولها للرجل: " زوجتك نفسي "، ولم يتعارف إيجاب الرجل بقوله للمرأة: " زوجتك نفسي ". فإذا وقع الايجاب من الرجل، فتارة: يكون المعنى الذي يوجبه أن تنضم إليه المرأة، فيقول: " تزوجتك "، فتقول هي: " قبلت " ونحوه. وأخرى: يكون المعنى الذي يوجبه معنى آخر غيره، مثل أن يقول الرجل للمرأة: " زوجتك نفسي ". أما الاول: فلا ينبغي الاشكال في صحته، كما يقتضيه إطلاق الادلة، وما ورد في بيان كيفية المتعة. والاقتصار فيه على مورده ينافيه ما في بعض تلك النصوص، من أنه إذا لم يذكر الاجل انقلب دائما. فتأمل. وأما الثاني: فلا يخلو من إشكال. ومجرد كون المرأة زوجة في الكتاب والسنة والعرف لا يصحح الاستعمال المذكور، لامكان أن يكون الزوجية فيها تبعية لا أصلية، نظير عوضية المبيع للثمن. نعم في مادة النكاح يجوز الايجاب ب‍ " أنكحتك نفسي " من كل من الرجل والمرأة، لورود كل من الامرين في الاستعمال الصحيح، قال الله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) (* 1)، وقال تعالى: (حتى تنكح زوجا غيره) (* 2). (1) للاقتصار عليه في كلام جماعة. وكأنه للانصراف إلى المتعارف.

 

 

____________

(* 1) النساء: 22. (* 2) البقرة: 230.

 

===============

 

( 373 )

 

[ دون أن يقول: " قبلت النكاح لنفسي أو لموكلي بالمهر المعلوم " (1) والاقوى كفاية الاتيان بلفظ الامر (2) كأن يقول: " زوجني ] لكن التعارف لا يوجب تقييد المطلق الدال على الاجتزاء بكل ما دل على القبول، مثل: " رضيت " و " تزوجتك " ونحوهما. (1) بلا خلاف عندنا ولا إشكال. وعن بعض الشافعية: المنع من ذلك، لاحتمال إرادة غير قبول الايجاب. وهو كما ترى. (2) كما عن الشيخ، وابني حمزة وزهرة. وفي الشرائع: انه حسن. لخبر سهل الساعدي، المروي عن الخاصة والعامة. وفي المسالك: أنه المشهور بين العامة والخاصة، ورواه كل منهما في الصحيح. وهو " أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله وهبت نفسي لك، وقامت قياما طويلا. فقام رجل وقال يا رسول الله: زوجنيها إن لم يكن لك فيها حاجة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هل عندك من شئ تصدقها إياه؟ فقال ما عندي إلا إزاري هذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، اجلس التمس ولو خاتما من حديد، فلم يجد شيئا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هل معك من القرآن شئ؟ قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، السور سماها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: زوجتك بما معك من القرآن ". ولم أعرف من روى عن سهل هذه الرواية من أصحابنا غير ابن أبي جمهور الاحسائي في غوالي اللئالي " (* 1)، على ما حكي. نعم في صحيح محمد بن مسلم المروي في الكافي والتهذيب عن أبي جعفر (ع): " قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت: زوجني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من لهذه؟ فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله زوجنيها. فقال: ما تعطيها؟ فقال: مالي شئ قال صلى الله عليه وآله: لا. فأعادت،

 

 

____________

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 1 من ابواب عقد النكاح حديث: 4.

 

===============

 

( 374 )

 

فاعاد رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام، فلم يقم أحد غير الرجل، ثم أعادت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله في المرة الثالثة: أتحسن من القرآن شيئا؟ قال: نعم. قال: قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن. فعلمها إياه " (* 1). وليس في شئ من طرق الحديث أن الرجل أعاد القبول فيكون أمره قبولا مقدما على الايجاب، كما ذكره الجماعة. وعن جماعة آخرين - منهم ابن إدريس والعلامة في المختلف -: عدم الاجتزاء بذلك. وعن الشهيد في شرح الارشاد: تنزيل الرواية على أن الواقع من النبي صلى الله عليه وآله قام مقام الايجاب والقبول، لثبوت الولاية المستفادة من قوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (* 2)، فيكون ذلك من خواصه. وتنظر فيه في المسالك: بأن الولي على الطرفين يعتبر وقوع الايجاب والقبول منه، وأن ذلك موضع وفاق، ولا يكتفي أحد من الفقهاء بلفظ واحد عنهما منه، ولا ضرورة إلى جعل ذلك من خصوصيات النبي صلى الله عليه وآله مع وجود القبول اللفظي وقول جماعة من العلماء به. انتهى. ويريد بالقبول اللفظي الامر بالتزويج. وفيه: أن دعوى الوفاق على ذلك غير ظاهرة بعد بناء الشيهد على تنزيل الرواية على ما ذكر، وقد تقدم في تزويج المولى عبده القول من جماعة بأنه يكفي ايجاب المولى فقط ولا يعتبر قبول العبد، وان ذلك هو الذي يقتضيه التحقيق، وكان الاولى للشهيد تنزيل الرواية على ما تقدم في ذلك المبحث، من أن الوكيل عن الطرفين يجزي إيجابه عن القبول، فان الرجل لما طلب تزويجه من النبي فقد جعله وكيلا عنه أو مأذونا منه في تزويجه، فلا حاجة إلى قبوله حتى لو كان المأذون غير النبي صلى الله عليه وآله، وليس ذلك مبنيا على ولايته صلى الله عليه وآله

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب المهر حديث: 1 وملحقه. (* 2) الاحزاب: 6.

 

===============

 

( 375 )

 

المستفادة من الآية الشريفة. وحينئذ يطرد الحكم المذكور في غير النبي صلى الله عليه وآله من سائر الناس، ولا يكون من خواصه صلى الله عليه وآله. ولعل ذلك مراد المصنف (ره)، لا كون الامر قبولا، كما ذكره الجماعة، فانه غير معقول لان الامر بالتزويج إنشاء لايقاعه من المخاطب المأمور، لا إنشاء لنفسه، كما في " لاتزوج " الذي هو إنشاء لزوجية نفسه. وحمل الامر على غير معناه وهو إنشاء القبول، خلاف المقطوع به. ومن ذلك يظهر أنه لو فرض عدم دلالة الرواية على عدم القبول من الرجل بعد إيجاب النبي صلى الله عليه وآله، لان الراوي ليس في مقام حكاية جميع ما وقع من أجزاء العقد، ولا في مقام الحكاية لجميع ما وقع في ذلك المجلس، بل في مقام الحكاية لما جرى من المرأة من النبي صلى الله عليه وآله، لزم البناء عليه، عملا بالقاعدة، لا بالرواية. ولعله مراد جماعة ممن قال بهذا القول، لا ما يقتضيه ظاهر كلامهم من كون الامر قبولا. نعم لا يتأتى هذا الحمل في كلام الشرائع، لتصريحه بكون الامر قبولا إذا كان بقصد إنشاء القبول. وكذا كلام القواعد، وغيرهما. فيكون الحكم على خلاف القاعدة من وجهين: تقدم القبول على الايجاب، وإنشاء القبول بلفظ الامر، الذي هو من قبيل الانشاء بالالفاظ المستنكرة عرفا. لكن عرفت أن إثبات ذلك بالرواية غير ممكن، لان حمل الامر فيها على إنشاء القبول خلاف المقطوع به. فلاحظ. وبالجملة: مراد الجماعة إن كان هو أن الامر يغني عن القبول، فيترتب الاثر على الايجاب فقط، فذاك مقتضى القاعدة، ولا يحتاج في إثباته إلى الرواية. وإن كان هو أن الامر قبول تعبدا، فذلك مما لا دليل عليه، والرواية لا تثبته. وإن كان هو أن الامر قبول إذا كان صادرا بعنوان إنشاء القبول - كما يظهر من عبارة الشرائع - فالرواية لا تدل عليه

 

===============

 

( 376 )

 

[ فلانة "، فقال: " زوجتكها "، وإن كان الاحوط خلافه. (مسألة 2): الاخرس يكفيه الايجاب والقبول بالاشارة مع قصد الانشاء وإن تمكن من التوكيل على الاقوى (1) (مسألة 3): لا يكفي في الايجاب والقبول الكتابة (2). (مسألة 4): لا يجب التطابق بين الايجاب والقبول في ألفاظ المتعلقات (3)، فلو قال: " أنكحتك فلانة ". ] قطعا، والبناء عليه يتوقف على صحة إنشاء القبول بالالفاظ المستنكرة، مثل أن يقول لولي المرأة: " أذنت لك في تزويجي " بقصد انشاء القبول. (1) في جامع المقاصد: " كأنه لا خلاف في ذلك " وفي كشف اللثام: " وهو مما قطع به الاصحاب ". واستدل له بفحوى ما ورد في الاطلاق، كصحيح البزنطي عن الرضا (ع): " في الاخرس الذى لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها؟ قال (ع): بالذي يعرف من أفعاله " (* 1)، وما ورد في قراءته وتلبيته وتشهده (* 2). والعمدة فيه إطلاق نفوذ العقود. والاجماع على اعتبار اللفظ غير منعقد في المقام. (2) كما في القواعد وغيرها. وفي جامع المقاصد: " لا ريب عندنا في أن الكتابة لا تكفي في إيقاع عقد النكاح للمختار ". ويقتضيه ما تقدم من الاجماع على اعتبار اللفظ. ويشكل ما في جامع المقاصد من تعليله بأن الكتابة كناية، ولا يقع النكاح بالكنايات. انتهى، فان الكتابة ليست من الكناية في شئ، ولا مانع من الكناية إذا كانت واضحة الدلالة. (3) كما نص على ذلك في الشرائع. وفي الجواهر: أنه لا خلاف فيه ولا إشكال، لاطلاق الادلة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 19 من ابواب مقدمات الطلاق وشرائطه حديث: 1. (* 2) راجع الوسائل باب: 59 من ابواب القراءة في الصلاة.

 

===============

 

( 377 )

 

[ فقال: " قبلت التزويج "، أو بالعكس كفى. وكذا لو قال: " على المهر المعلوم " فقال الآخر: " على الصداق المعلوم ". وهكذا في سائر المتعلقات. (مسألة 5): يكفي - على الاقوى - في الايجاب لفظ " نعم " (1) بعد الاستفهام، كما إذا قال: " زوجتني فلانة بكذا؟ " فقال: " نعم " (2) فقال الاول: " قبلت ". لكن الاحوط عدم الاكتفاء (3). ] (1) كما عن الشيخ وابن حمزة. وتبعهما في النافع والارشاد. وتردد فيه في الشرائع. واستشكل فيه في القواعد. (2) بقصد إعادة اللفظ للانشاء، لا بقصد جواب الاستفهام. وقد يشير إليه ما في رواية ابان بن تغلب قال: " قلت لابي عبد الله (ع): كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال: تقول أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه. لا وارثة ولا موروثة، كذا وكذا يوما.. إلى أن قال (ع): فإذا قالت: نعم، فقد رضيت وهي أمراتك... " (* 1). (3) لان الظاهر أنه من قبيل الايقاع بالمجازات المستنكرة عرفا، لان الحذف والتقدير اعتمادا على السؤال إنما يكون في الجواب الخبري، لا فيما لو قصد الانشاء، فانه يكون ابتداء كلام. ولذا قد يشكل الامر وإن صرح بالجملة، بأن قال: " نعم زوجت ابنتي من فلان " قاصدا الانشاء بها، لان كلمة " نعم " تقتضي الاخبار، والجمع بينها وبين الجملة بقصد الانشاء يقتضي التنافي بين الكلامين، كما لو قال: " أخبرك أني قد زوجتك ابنتي " قاصدا الانشاء بالجملة، كما أشار إلى ذلك في الرياض. ولا وجه لاستغرابه، كما في الجواهر. وبالجملة: إذا كان الانشاء بنحو مستنكر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 18 من ابواب المتعة حديث: 1.

 

===============

 

( 378 )

 

[ (مسألة 6): إذا لحن في الصيغة، فان كان مغيرا للمعنى لم يكف (1). وإن لم يكن مغيرا فلا بأس به إذا كان في المتعلقات. وإن كان في نفس اللفظين - كأن يقول: " جوزتك " بدل " زوجتك " - فالاحوط عدم الاكتفاء به (2). وكذا اللحن في الاعراب. (مسألة 7): يشترط قصد الانشاء في إجراء الصيغة (3). (مسألة 8): لا يشترط في المجري للصيغة أن يكون عارفا بمعنى الصيغة تفصيلا (4)، بأن يكون مميزا للفعل والفاعل والمفعول، بل يكفي علمه إجمالا بأن معنى هذه الصيغة إنشاء النكاح والتزويج. لكن الاحوط العلم التفصيلي. (مسألة 9): يشترط الموالاة بين الايجاب والقبول (5). ] عرفا لا يصح، لان إطلاق الصحة منزل على العرف، والمستنكر عرفا غير ثابت عندهم، فلم يثبت شمول الاطلاق له. وأما رواية أبان ونحوها: فليست مما نحن فيه، لان " نعم " فيها واقعة موقع القبول، لا موقع الجواب عن الاستفهام. فلاحظ. (1) لانه من المستنكر عرفا. (2) لكن الظاهر أنه ليس من المستنكر عرفا، فيشمله إطلاق النفوذ. (3) لاشتراط ذلك في الايقاع ضرورة. (4) لاطلاق الادلة، ولا سيما وأن أكثر غير العرب لا يعرف ذلك لو كان إجراء الصيغة بالنحو العربي المعلوم صحته. (5) لاعتبارها في ارتباط القبول بالايجاب، لاعتبار الهيئة الاتصالية في العقد.

 

===============

 

( 379 )

 

[ وتكفي العرفية منها، فلا يضر الفصل في الجملة، بحيث يصدق معه أن هذا قبول لذلك الايجاب (1)، كما لا يضر الفصل بمتعلقات العقد من القيود والشروط وغيرها وإن كثرت. (مسألة 10): ذكر بعضهم (2): أنه يشترط اتحاد مجالس الايجاب والقبول، فلو كان القابل غائبا عن المجلس، فقال الموجب: " زوجت فلانا فلانة " وبعد بلوغ الخبر إليه قال: " قبلت " لم يصح. وفيه: أنه لا دليل على اعتباره (4) ] (1) فلو أوجب الموجب، فلم يبادر صاحبه إلى القبول، فوعظه ونصحه حتى اقتنع، فقال: " قبلت "، صح عقدا. لكن الموالاة في المقام غير حاصلة، لا حقيقة ولا عرفا. فالهيئة الاتصالية المعتبرة في صدق العقد لا يعتبر فيها الموالاة الحقيقية، ولا العرفية. نعم يعتبر فيها أن يكون الموجب منتظرا للقبول، فإذا وقع القبول في ذلك الحال كان عقدا. وكأن المراد ذلك. ولذا قال في القواعد: " وكذا (يعني: لم ينعقد) لو أخر القبول مع الحضور، بحيث لا يعد مطابقا للايجاب ". فالمدار على صدق المطابقة، وهي تحصل بما ذكر ولو مع الفصل الطويل. (2) المراد به: العلامة في القواعد. (3) وفي الجواهر: " لا دليل على اعتبار اتحاد المجلس فيه، وفي غيره من العقود ". وفي جامع المقاصد في شرح ما ذكره العلامة قال: " لان العقود اللازمة لابد فيها من وقوع القبول على الفور عادة، بحيث يعد جوابا للايجاب ". فجعل الوجه في اعتبار اتحاد المجلس اعتبار الموالاة، الراجع إلى اعتبار صدق العقد. ومن المعلوم أن صدق العقد لا يتوقف على الفورية، ولا على اتحاد المجلس، بل يكون حاصلا بما ذكرنا، فانه

 

===============

 

( 380 )

 

[ من حيث هو. وعدم الصحة في الفرض المذكور إنما هو من جهة الفصل الطويل، أو عدم صدق المعاقدة والمعاهدة، لعدم التخاطب، وإلا فلو فرض صدق المعاقدة وعدم الفصل مع تعدد المجلس صح، كما إذا خاطبه وهو في مكان آخر لكنه يسمع صوته ويقول: " قبلت " بلا فصل مضر، فانه يصدق عليه المعاقدة. (مسألة 11): ويشترط فيه التنجيز (1) كما في سائر العقود، فلو علقه على شرط أو مجئ زمان بطل. نعم لو علقه على أمر محقق معلوم - كأن يقول: " إن كان هذا يوم ] ما دام الموجب منتظرا للقبول، فإذا حصل صدق العقد، ولو مع الفصل الطويل، كما عرفت. (1) العمدة في اعتباره الاجماع المدعى في كلام الجماعة. وأما دعوى: أن الانشاء إيجاد للمنشأ، وكما أن الايجاد الحقيقي لا يقبل الاناطة والتعليق، كذلك الانشاء، لانه إيجاد إدعائي. فمندفعة بالفرق بينهما، الناشئ من الفرق بين الحقيقة والادعاء، لان باب الادعاء واسع. وتحقيقه: أن الانشاء راجع إلى قصد تحقيق الامر الادعائي، ومن المعلوم أن القصد كما يتعلق بالموضوعات اللحاظية، يمكن أن يناط أيضا بالامور اللحاظية، فيكون موجودا في ظرف لحاظ الشرط، ومفقودا في ظرف عدمه، فإذا فرض الانسان وجود المرض قصد شرب الدواء، وإذا فرض عدمه لم يقصد ذلك، فيكون القصد دائرا مدار لحاظ الشرط وعدمه. مع إمكان دعوى ان التعليق ليس للانشاء، بل للمنشأ، لان الانشاء ليس ملحوظا، فلا يكون موضوعا لاضافة الاناطة بالشرط، بخلاف المنشأ،

 

===============

 

( 381 )

 

فانه الملحوظ وانه المجعول طرفا لاضافة الاناطة بالشرط. وحينئذ لا مجال للاشكال المذكور. ودعوى: أنه إذا كان التعليق للمنشأ في الانشاء، يكون أيضا التعليق للمخبر به في الاخبار، فيكون الخبر مطلقا والمخبر به معلقا. ولازم ذلك الكذب في مثل قوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) (* 1)، لتحقق الخبر بلا مخبر به. مندفعة: بأن المخبر به الفساد على تقدير تعدد الالهة، لا الفساد مطلقا، فانتفاء الفساد في الجملة لا يستلزم الكذب، وانما الذي يستلزمه انتفاء الفساد على تقدير تعدد الالهة، لكنه غير منتف. ولا مجال لقياس المقام على بقية قيود المخبر به، كما إذا قال: " يجئ زيد يوم الجمعة "، فانه يكون كذبا إذا لم يجئ زيد في يوم الجمعة، أو جاء لكن في غير الجمعة، فان القيود المأخوذة في المخبر به يقتضي الخبر حصولها، وفي قيد الشرط لا يكون الامر كذلك، فان صدق الخبر لا يقتضي حصوله، بل يقتضي حصول الجزاء على تقدير حصوله. فصدق الشرطية في الاية الشريفة يقتضي تحقق الفساد على تقدير تحقق الشرط، لا تحقق الفساد والشرط معا، كما في سائر القيود. ومن ذلك تعرف أن التحقيق أن التعليق في القضايا الشرطية التي يكون جزاؤها خبرا تارة، وإنشاء أخرى، إنما هو للمخبر به، وللمنشأ، لا لنفس الاخبار به أو انشائه. فان قلت: إذا كان التعليق للمنشأ لا للانشاء يلزم التفكيك بين المنشأ والانشاء إذا كان المعلق عليه استقباليا، لحصول الانشاء بالفعل، وعدم حصول المنشأ، وإلا كان خلفا. والتفكيك بين الانشاء والمنشأ كالتفكيك بين الايجاد والوجود ممتنع، لان الانشاء عين المنشأ، كما أن الوجود عين الايجاد، والاختلاف إنما هو بالاضافة لا غير، ويمتنع التفكيك بين

 

 

____________

(* 1) الانبياء: 22.

 

===============

 

( 382 )

 

[ الجمعة زوجتك فلانة " مع علمه بأنه يوم الجمعة - صح (1) وأما مع عدم علمه فمشكل (2). (مسألة 12): إذا أوقعا العقد على وجه يخالف الاحتياط اللازم مراعاته فان أراد البقاء فاللازم الاعادة على الوجه الصحيح (3)، وإن اراد الفراق فالاحوط الطلاق. ] الشي، ونفسه. قلت: المنشأ حاصل حين الانشاء، لكنه معلق لا مطلق، فإذا أنشأ البيع معلقا على قدوم الحاج فقد حصل البيع المعلق على قدوم الحاج حال الانشاء، والذي لم يحصل هو البيع المطلق وهو غير المنشأ. ولاجل ما ذكرنا لم يكن خلاف ولا إشكال في صحة الوصية التمليكية المعلقة على الموت، وصحة التدبير، وهو العتق المعلق على الموت، وصحة النذر المعلق على أمر استقبالي. ودعوى أن صحة ذلك للدليل على خلاف القاعدة، كما ترى، خلاف المرتكزات العرفية. ولاجل ذلك كان اللازم البناء في وجه المنع عن التعليق في العقود والايقاعات هو الاجماع الذي يقتصر فيه على المتيقن. (1) لعدم دخوله في معقد الاجماع، بل المنسوب إلى الفاضلين، والشهيدين والمحقق الثاني، وغيرهم: هو القول بالصحة. (2) لاحتمال عدم انعقاد الاجماع على البطلان فيه. لكن ظاهر شيخنا الاعظم في مكاسبه وصريح غيره ثبوت الاجماع على البطلان فيه. وإن كان مقتضى بعض الادلة التي سيقت لابطال التعليق عدم الشمول للمورد. (3) من المعلوم أن الزوجية موضوع أحكام لزومية، مثل وجوب الانفاق، ووجوب الوطء في كل أربعة أشهر، ونحو ذلك. وعدم الزوجية أيضا يكون موضوعا لاحكام لزومية، مثل حرمة الاستمتاع. فإذا ترددت

 

===============

 

( 383 )

 

[ وإن كان يمكن التمسك بأصالة عدم التأثير في الزوجية (1). وإن كان على وجه يخالف الاحتياط الاستحبابي، فمع إرادة البقاء الاحوط الاستحبابي إعادته على الوجه المعلوم صحته، ومع إرادة الفراق فاللازم الطلاق. (مسألة 13): يشترط في العاقد المجري للصيغة الكمال بالبلوغ، والعقل، سواء كان عاقدا لنفسه، أو لغيره، وكالة أو ولاية، أو فضولا. فلا اعتبار بعقد الصبي (2)، ولا المجنون ولو كان أدواريا حال جنونه، وإن أجاز وليه أو ] المرأة بين الزوجة وغيرها فقد تردد المكلف بين أحكام إلزامية، قد يمكن التخلص منها بالاحتياط وقد لا يمكن. فإذا أراد ترتيب احكام الزوجية لا يكون معذورا في مخالفة الاحكام الالزامية لعدم الزوجية، وإذا أراد ترتيب أحكام غير الزوجية لا يكون معذورا في مخالفة الاحكام الالزامية للزوجية. فلا بد له في الصورة الاولى من تجديد العقد على الوجه المعلوم الصحة من باب الاحتياط، ليأمن من المخالفة الاحتمالية غير المعذور فيها، وفي الصورة الثانية لا بد له من الطلاق من باب الاحتياط، ليأمن أيضا من المخالفة الاحتمالية غير المعذور فيها. (1) صحة التمسك بالاصل المذكور ينافي كون المورد من موارد الاحتياط اللزومي. (2) استدل له تارة: بحديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم (* 1)، بناء على أن الظاهر منه رفع الحكم أعم من التكليفي والوضعي. وفيه: أن الظاهر من رفع قلم السيئات، ولا يرفع الالزام المؤدي إليها، فلا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من ابواب مقدمات العبادات حديث: 11.

 

===============

 

( 384 )

 

يشمل ما نحن فيه. وأخرى: بالروايات المتضمنة منطوقا أو مفهوما عدم جواز أمر الصبي في البيع والشراء. كخبر حمزة بن حمران عن أبي جعفر (ع) في حديث أنه قال: " الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم، ودفع إليها مالها، وجاز أمرها في الشراء والبيع قال: والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة، أو يحتلم، أو يشعر، أو ينبت، قبل ذلك " (* 1). وفيه: أن الظاهر من الجواز ما كان على نحو الاستقلال في مقابل الجواز الثابت حال البلوغ، يظهر ذلك جدا بالتأمل في الرواية المتقدمة المشتملة على حكم الصبا والبلوغ معا. وثالثة: بالروايات المتضمنة أن عمده بمنزلة الخطأ، كصحيح محمد بن مسلم عن أبى عبد الله (ع): " عمد الصبي وخطؤه واحد " (* 2) ونحوه غيره. وفيه: أن الظاهر منه تنزيل العمد منزلة الخطأ فيما كان للخطأ حكم خاص به. ليكون التنزيل بلحاظه، فيختص بالجناية العمدية. ولا يشمل ما نحن فيه مما لم يكن الحكم فيه إلا للعمد، ويكون حكم الخطأ انتفاء حكم العمد لانتفاء موضوعه. بل التعبير بالعمد والخطأ اللذين تعارف التعبير بهما عن الجناية العمدية والخطأية، تبعا للقرآن المجيد (* 3)، وما في بعض تلك النصوص من التعرض للعاقلة (* 4) كالصريح في الاختصاص بالجنايات العمدية، فيكون أجنبيا عما نحن فيه. وقد يستدل على جواز تصرفه باذن الولي بأمور: الاول: قوله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فان آنستم منهم رشدا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 4 من ابواب مقدمات العبادات حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 11 من ابواب العاقلة حديث: 2. (* 3) النساء: 92، 93. (* 4) الوسائل باب: 11 من ابواب العاقلة حديث: 3.

 

===============

 

( 385 )

 

فادفعوا إليهم أموالهم) (* 1)، فان الظاهر من ابتلائهم ابتلاؤهم بالمعاملة بالاموال، لاختبار رشدهم. وحملها على الابتلاء بمقدمات العقد خلاف الظاهر. والمراد من قوله تعالى: (فادفعوا) ادفعوا بقية أموالهم، فلا ينافي دفع بعض أموالهم لاجل الابتلاء والاختبار. الثاني: رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع): " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن كسب الاماء، فانها إن لم تجد زنت، إلا أمة قد عرفت بصنعة يد. ونهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده، فانه إن لم يجد سرق " (* 2)، فان التقييد والتعليل ظاهران في نفوذ كسبه في الجملة. وإذا حمل النهي على الكراهة فالدلالة أظهر، وحمله على الكسب بنحو الالتقاط والاحتطاب، أو العمل بأمر الغير - مع أنه خلاف الاطلاق - بعيد. ورواية ابراهيم بن أبي يحيى عن أبي عبد الله (ع): " قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله أم سلمة، زوجها إياه عمر بن أبي سلمة، وهو صغير لم يبلغ الحلم " (* 3). الثالث: السيرة التي ادعاها غير واحد من الاعلام على وقوع المعاملة مع الصبيان قبل البلوغ في بلاد الاسلام، وفي جميع الاعصار. وحملها على كونها صادرة من غير المبالين في الدين. كما ترى، خلاف المقطوع به، فان الظاهر استقرار سيرة العقلاء على المعاملة مع المميزين مع رشدهم كالبالغين. ولاجل عدم الردع عنها من الشارع المقدس جرى عليها المتشرعة. نعم تحقق الردع عن الاستقلال كما عرفت، لا عن المعاملة كلية. فلاحظ. فإذا لا يبعد القول بجواز تصرف الصبي باذن الولي، كما عن جماعة،

 

 

____________

(* 1) النساء: 6. (* 2) الوسائل باب: 33 من ابواب ما يكتسب به حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 16 من ابواب عقد النكاح حديث: 1.

 

===============

 

( 386 )

 

[ أجاز هو بعد بلوغه أو إفاقته، على المشهور، بل لا خلاف فيه. لكنه في الصبي الوكيل عن الغير محل تأمل، لعدم الدليل على سلب عبارته إذا كان عارفا بالعربية، وعلم قصده حقيقة وحديث رفع القلم منصرف عن مثل هذا. وكذا إذا كان لنفسه باذن الولي، أو إجازته، أو اجاز هو بعد البلوغ. وكذا لا اعتبار بعقد السكران فلا يصح ولو مع الاجازة بعد الافاقة (1). وأما عقد السكرى إذا أجازت بعد الافاقة ففيه قولان، فالمشهور (2) أنه كذلك. ] منهم الاردبيلي، وقبله الفخر في الايضاح، وقبله المحقق في عارية الشرائع. قال: " ولو أذن الولي جاز للصبي مع مراعاة المصلحة ". وفي كتاب الاجارة قال: " لو أجر المجنون لم تنعقد إجارته. وكذا الصبي غير المميز. وكذا المميز إلا باذن وليه. وفيه تردد ". وظاهره الميل إلى الجواز. وإذا شك في حصول الاذن حمل تصرفه على الصحة. وإذا أخبر بها صدق خبره، من باب إخبار ذي اليد، أو عن النفس. (1) كما هو المشهور. لانتفاء القصد المقوم للايقاع والانشاء، فلا عقد حينئذ، فلا زوجية ولا نكاح. كذا قيل. لكن الظاهر تحقق القصد من السكران، بل والنائم، بل والحيوان، إذ القصد الارادة، والحيوان فصله المميز له عن مطلق الجماد كونه متحركا بالارادة. فالعمدة في عدم صحة عقد السكران والنائم ونحوهما وايقاعهم: خروجه عن منصرف أدلة النفوذ والصحة، لعدم الاعتداد به عند العرف، فلا يكون سببا عندهم، ولا منشأ لاعتبار الاثر، فلا يكون سببا شرعيا، لما عرفت من أن مقتضى الاطلاقات المقامية الرجوع إلى العرف في تشخيص الاسباب. (2) ظاهر المتن: اختصاص الخلاف في عقد السكرى فقط، للرواية

 

===============

 

( 387 )

 

[ وذهب جماعة إلى الصحة (1)، مستندين إلى صحيحة ابن بزيع (2). ولا بأس بالعمل بها، وإن كان الاحوط خلافه، لامكان حملها على (3) ما إذا لم يكن سكرها ] الاتية وظاهر الشرائع: التردد في عقد السكران مطلقا. وفي الجواهر: أنه محل الخلاف وأنه لا يختص الخلاف بعقد السكرى. (1) قال الشيخ في النهاية: " وإذا عقدت المرأة على نفسها وهي سكرى كان العقد باطلا. فان أفاقت ورضيت بفعلها كان العقد ماضيا. فان دخل بها الرجل في حال السكر ثم أفاقت الجارية فان أقرته عل ذلك كان ذلك ماضيا ". وتبعه ابن البراج. وحكي ذلك عن الصدوق في الفقيه والمقنع. وتبعهم على ذلك في شرح النافع، والكفاية، والحدائق، والوسائل. (2) قال: " سالت أبا الحسن (ع) عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوجت نفسها رجلا في سكرها، ثم أفاقت فأنكرت ذلك، ثم ظنت أنه يلزمها ففزعت منه، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج، أحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر، ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال (ع): إذا أقامت بعد ما أفاقت فهو رضا منها. قلت: ويجوز ذلك التزويج عليها؟ فقال (ع): نعم " (* 1). ودلالة الرواية وافية. وحملها في المختلف على سكر لم يبلغ حد عدم التحصيل. وأورد عليه في المسالك: بأنه حينئذ يكون العقد صحيحا بلا حاجة إلى تقريرها، فالجمع بين صحة عقدها واعتبار رضاها بعد ذلك غير مستقيم. بل اللازم إما طرح الرواية رأسا، أو العمل بمضمونها. ولعل الاول اولى. إنتهى. لكن الاولوية ممنوعة بعد صحة الرواية، والعمل بها. (3) قد عرفت أن هذا الحمل ذكره في المختلف، وهو الظاهر من

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من ابواب عقد النكاح حديث: 1.

 

===============

 

( 388 )

 

[ بحيث لا التفات لها إلى ما تقول (1). مع أن المشهور لم يعملوا بها، وحملوها على محامل (2)، فلا يترك الاحتياط. (مسألة 14): لا بأس بعقد السفيه (3) إذا كان وكيلا عن الغير في إجراء الصيغة، أو أصيلا مع إجازة الولي. وكذا ] قول السائل: " فزوجت نفسها ". ولا ينافيه قوله: " فأنكرت ذلك "، لاحتمال أن يكون الانكار بلحاظ كونه على خلاف مصلحتها، لا بمعنى أنها لم تكن شاعرة بوقوعه منها. وحينئذ يكون الخروج بها عن القاعدة من جهة اعتبار الرضا بعد الافاقة في ترتب الاثر على العقد الصحيح عرفا. لا من جهة ترتب الاثر على ما ليس بصحيح عرفا، كما يظهر من الشيخ في النهاية، وغيره. (1) هذا هو المائز بين المقام وبين مثل عقد النائم والمجنون والسكران إذا كان الجنون والسكر غالبا على نحو يعد العقد منهما من قبيل الهذيان. (2) حملها في كشف اللثام على ما إذا كان الزوج جاهلا بسكرها، فانه لا يسمع في حقه قول المرأة، وتجري عليهما أحكام الزوجية ظاهرا، وإن لم يكن لها زوجية واقعا. وبعد ما علمت بالفساد فاحكام التزويج جائزة عليها، أي: ماضية قهرا، وإن وجب عليها الامتناع على التمكين منها ما أمكنها. فتكون الرواية واردة في مقام بيان الحكم في مقام الاثبات، لا الثبوت. وهذا الحمل في غاية البعد ولم أقف على من حملها على غيره. والمتحصل مما ذكرنا: أن الرواية ظاهرة في السكر الذي لا ينافي الايقاع، ودالة على اعتبار الرضا بعد الافاقة. ولا بأس بالعمل بها بعد صحتها، وعمل الجماعة بها. (3) إجماعا. ويقتضيه إطلاق الادلة.

 

===============

 

( 389 )

 

[ لا بأس بعقد المكره (1) على إجراء الصيغة للغير، أو لنفسه إذا اجاز بعد ذلك. (مسألة 15): لا يشترط الذكورة في العاقد (2)، فيجوز للمرأة الوكالة عن الغير في إجراء الصيغة كما يجوز إجراؤها لنفسها. (مسألة 16): يشترط بقاء المتعاقدين على الاهلية إلى تمام العقد، فلو أوجب ثم جن أو أغمي عليه قبل مجئ القبول لم يصح (3). وكذا لو أوجب ثم نام، ] (1) إجماعا. ويقتضيه إطلاق الادلة. وحديث رفع الاكراه (* 1) لا يقتضى البطلان في الصورة الاولى، لعدم الامتنان على المكره في الرفع. وكذا في الصورة الثانية، بل الرفع خلاف الامتنان. (2) كما في الشرائع والقواعد وغيرهما. وفي الجواهر: " بلا خلاف، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه ". وفي كشف اللثام: أنه كذلك عندنا، خلافا للشافعية. والوجه فيه: إطلاق الادلة من دون مقيد. وفي نصوص كيفية عقد المتعة دلالة واضحة عليه. (3) قال في الشرائع: " إذا أوجب ثم جن أو أغمي عليه بطل حكم الايجاب ". وفي الجواهر قال في شرح ذلك: " بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به بعضهم ". ومقتضى إطلاق كلامهم عدم الفرق بين استمرار ذلك إلى حين القبول، وبين ارتفاعه قبل القبول. ومثله ما لو كان القابل حال الايجاب غير قابل للقبول. ومرجع ما ذكروه إلى شرطين، أحدهما: أن يكون كل من الموجب والقابل قابلا للايقاع حال إيقاع الاخر. والثاني: أن يكون ذلك موجودا فيما بين الايجاب والقبول، فلو أوجب ثم نام ثم

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 56 من ابواب جهاد النفس.

 

===============

 

( 390 )

 

أفاق قبل قبول الاخر فقبل حال إفاقته لم يصح العقد. واستدل عليه شيخنا الاعظم (ره) في مكاسبه بتوقف معنى المعاقدة والمعاهدة على ذلك. وفي الجواهر استدل عليه: بأن ظاهر ادلة شرطية القصد والرضا ونحوها في العقد اعتبار ذلك في تمام العقد المركب من الايجاب والقبول، لا اعتبار قصد الموجب في الايجاب فقط، وقصد القابل في القبول فقط، فإذا ارتفعت القابلية بعد الايجاب قبل القبول لم يحصل الشرط في تمام العقد. لكن في المسالك قال: " وجهه أن العقد اللازم قبل تمامه يكون بمنزلة الجائز، يجوز لكل منهما فسخه ويبطل بما يبطل به الجائز، ومن جملته الجنون، والاغماء. ولا فرق بين النكاح والبيع وغيرهما من العقود اللازمة. ولا يضر عروض النوم، كما لا يقدح ذلك في الوكالة. ولكن هل يصح الاتيان بالقبول من الاخر حالته؟ قيل: لا. وبه قطع في التذكرة، لان التخاطب بين المتعاقدين معتبر، وهو منتف مع نوم صاحبه.. إلى أن قال: ويحتمل الصحة هنا، لان الايجاب توجيه إلى هذا القابل قبل النوم. والاصل الصحة ". وظاهره المفروغية عن صحة العقد مع عروض النوم بعد الايجاب ثم الافاقة حال القبول. واحتمل الصحة مع استمرار النوم إلى حين القبول، وإن كان يحتمل البطلان. أقول: أما ما ذكره في الجواهر من الاستدلال ففيه: أن ظاهر أدلة اعتبار الرضا في العقد اعتباره ولو بعد العقد، ولذا قلنا بصحة عقد الفضولي. وظاهر أدلة أعتبار القصد اعتبار قصد الموجب في الايجاب فقط، وقصد القابل في القبول فقط، ولا تدل على اعتبار أكثر من ذلك. وأما ما ذكره في المسالك فالظاهر أنه تبع فيه ما في التذكرة، فقد ذكر فيها أنه لو زال عقله بعد الايجاب بنوم ثم استيقظ لم يبطل حكم الايجاب، إن لم يحصل الفصل بطول الزمان، لانه لا يبطل العقود الجائزة، فكذا هنا.

 

===============

 

( 391 )

 

انتهى. ولكنه غير ظاهر من أصله، إذ لا دليل على كون الايجاب في العقد اللازم بمنزلة العقد الجائز، يبطله ما يبطله. وأما ما ذكره شيخنا الاعظم (ره) فتحقيقه أن فقدان الاهلية من كل منهما حال إنشاء الاخر تارة: يكون لوجود مانع من التخاطب من الجنون والاغماء ونحوهما. وإخرى: لوجود ما يمنع من السلطنة على التصرف، كالصبا، والسفه، والتفليس، ونحوها. أما الاول: فالظاهر البطلان فيه، لان التخاطب بين المتعاقدين شرط في صدق المعاقدة والمعاهدة. ودعوى: أن النفوذ لا يختص بذلك، بل التجارة والبيع والنكاح ونحوها أخذت موضوعا للصحة، وهي لا تتوقف على التخاطب. مدفوعة: بأن صيغها وإن لم يؤخذ فيها التخاطب لكنه مأخوذ في حاق معناها، فانها معاقدات ومعاهدات بين طرفين، ولا تكون المعاهدة بين الاثنين إلا إذا كان أحدهما يوحي إلى الاخر ويعاهده، وإذا لم يكن أحدهما قابلا للخطاب لا يكون قابلا للعهد معه. نعم يظهر من التذكرة عدم اعتبار التخاطب بين الموجب والقابل، قال في الفرع الثالث: " لو قال المتوسط: (زوجت ابنتك من فلان)، فقال: (زوجت)، ثم أقبل على الزوج فقال: (قبلت نكاحها)، فقال: (قبلت)، فالاقرب صحة العقد. وهو اصح وجهي الشافعي. لوجود ركني العقد الايجاب والقبول. والثاني: لا يصح، لعدم التخاطب بين المتعاقدين ". والاظهر ما ذكرناه، إذ لا أقل من الشك في أعتبار ذلك عرفا في مفهوم العقد، والاصل عدم ترتب الاثر. وأما ما لا يمنع من صحة التخاطب ولكنه يمنع من صحة الانشاء ونفوذه: فالظاهر عدم اعتباره إلا في حال الانشاء، فإذا كان القابل صبيا وبلغ بعد الايجاب حال القبول صح. وكذا إذا كان محجورا عليه للسفه أو التفليس أو غيرهما فارتفع الحجر عنه بعد الايجاب حال القبول. وإذا

 

===============

 

( 392 )

 

[ بل أو غفل عن العقد بالمرة. وكذا الحال في سائر العقود. والوجه عدم صدق المعاقدة والمعاهدة. مضافا إلى دعوى الاجماع (1) وانصراف الادلة (2). (مسألة 17): يشترط تعيين الزوج والزوجة (3) ] صار الموجب سفيها مفلسا بعد الايجاب قبل القبول لم يضر ذلك في صحة العقد، وإن بقي حال القبول، فضلا عما إذا زال قبل القبول. ولا مجال لمقايسة ذلك بما إذا رد الموجب الايجاب قبل القبول، فان لغوية الايجاب حينئذ لا تقتضي لغويته في الطوارئ المذكورة، لان الرد مانع من تحقق المعاهدة بينهما، بخلاف طرو الحجر عليه. فانه لا دخل له في المعاهدة بين الطرفين بوجه. مع أنه لو تمت المقايسة اختص الحكم بطرو الحجر بعد الايجاب، ولا تصلح لاثبات اعتبار وجدان القابل للقابلية حال الايجاب. فلاحظ. (1) قد عرفت خلاف المسالك في النوم ونحوه مما لا يبطل به العقد الجائز، بل عرفت أن ظاهره المفروغية عن الصحة إذا أفاق حال القبول. (2) إذا تحقق الاطلاق وعدم اشتراط ذلك عرفا فالانصراف بدوي لا يعتد به. (3) إجماعا، كما في التذكرة. واتفاقا، كما في كشف اللثام. وفي الجواهر: حكاه عن غيره أيضا. وفي الحدائق: نسبته إليهم. فإذا كان المراد ما يقابل المردد: فوجهه ظاهر لان المردد لا مطابق له في الخارج ولا مصداق، فلا يكون موضوعا للاحكام. وإن كان المراد ما يقابل الكلي أيضا: فوجهه غير ظاهر، لجواز بيع الكلي وإجارته المعتبر فيهما العلم بالعوضين، ففي المقام الذي لا يعتبر فيه ذلك أولى. وعلله في التذكرة وغيرها: بان الاستمتاع يقتضي فاعلا ومنفعلا معينين لتعينه. انتهى. لكنه

 

===============

 

( 393 )

 

[ على وجه يمتاز كل منهما عن غيره بالاسم، أو الوصف الموجب له (1)، أو الاشارة، فلو قال: " زوجتك إحدى بناتي " بطل (2). وكذا لو قال: " زوجت بنتي أحد إبنيك " أو " أحد هذين ". وكذا لو عين كل منهما غير ما عينه الآخر (3) بل وكذا لو عينا معينا من غير معاهدة بينهما، بل من باب الاتفاق صار ما قصده أحدهما عين ما قصده الآخر. وأما لو كان ذلك مع المعاهدة لكن لم يكن هناك دال على ذلك من لفظ أو فعل أو قرينة خارجية مفهمة فلا يبعد الصحة (4)، ] لا يقتضى التعيين من أول الامر، ولذا تصح إجارة الكلى، مع أن الانتفاع المقصود من الاجارة يتوقف على التعيين. والمتعين أن يكون الوجه فيه: أن الزوجية من الاضافات التي لا تقوم بغير المتعينين، نظير الاخوة والابوة والبنوة، فلا يصح اعتبارها بين غير المتعين، كما لا يصح اعتبارها لغير الحي، أو لغير الانسان. والظاهر أن ذلك واضح بأقل مراجعة لمرتكزات العرف. وكيف كان فالاجماع المدعى كاف في إثبات المدعى. (1) بأن كان الاسم أو الوصف مختصا. (2) قال في التذكرة: " فلو قال: زوجتك إحدى ابنتي، أو زوجت بنتي من أحدكما، أو من أحد إبنيك، لم يصح العقد بلا خلاف ". (3) لانتفاء التطابق بين الايجاب والقبول، الذي قد عرفت اعتباره في مفهوم العقد. ولاجل ذلك كان المناسب أن يجعل هذا من فروعه، لا من فروع اعتبار التعيين. وكذا الكلام في الفرع الاتي. بل الحكم فيه أظهر. (4) وفي الجواهر: " الظاهر القطع بصحة ذلك، كما صرح به في

 

===============

 

( 394 )

 

[ وإن كان الاحوط خلافه. ولا يلزم تمييز ذلك المعين عندهما حال العقد (1)، بل يكفي التميز الواقعي مع إمكان العلم به بعد ذلك، كما إذا قال: " زوجتك بنتي الكبرى " ولم يكن حال العقد عالما بتاريخ تولد البنتين لكن بالرجوع إلى الدفتر يحصل له العلم. نعم إذا كان مميزا واقعا ولكن لم يمكن العلم به ظاهرا - كما إذا نسي تاريخ ولادتهما، ولم يمكنه العلم به - فالاقوى البطلان (2)، لانصراف الادلة (3) عن مثله. فالقول بالصحة والتشخيص بالقرعة ضعيف. (مسألة 18): لو اختلف الاسم والوصف أو أحدهما ] كشف اللثام والمسالك. وتعذر الشهادة بعد عدم اشتراطها عندنا غير قادح ". وفي القواعد: " لو كان له عدة بنات فزوجه واحدة منهن ولم يذكر اسمها حين العقد فان لم يقصد معينة بطل، وإن قصد صح ". وفي التذكرة: " لو كان له بنت واحدة اسمها فاطمة فقال: زوجتك فاطمة، ولم يقل: بنتي فلانة، لم يصح العقد. لكثرة الفواطم. ولو نواها صح عندنا. وهو قول الشافعية. وليس بجيد على رأيهم، لان النكاح عقد يفتقر إلى الشهادة، والشهود إنما يشهدون على اللفظ دون النية ". (1) لاطلاق الادلة من دون مقيد ظاهر، كما نص على ذلك في الجواهر. (2) وفي الجواهر: " لعله لا يخلو من قوة ". (3) هذا غير ظاهر. وقد اعترف في الجواهر: بأن الصحة مقتضى اطلاق الادلة، المقتصر في الخروج عنه على المتيقن، وهو العقد على غير المتميز في الواقع. وهو ظاهر القواعد وكشف اللثام أيضا. لكن بعد ذلك احتمل الرجوع إلى اصالة عدم النقل. ولم يتضح المراد منها. ولعله

 

===============

 

( 395 )

 

[ مع الاشارة، أخذ بما هو المقصود (1)، وألغي ما وقع غلطا، مثلا لو قال: " زوجتك الكبرى من بناتي فاطمة " وتبين أن اسمها خديجة، صح العقد على خديجة التي هي الكبرى. ولو قال: " زوجتك فاطمة وهي الكبرى " فتبين أنها صغرى، صح على فاطمة، لانها المقصود، ووصفها بأنها كبرى وقع غلطا، فيلغى. وكذا لو قال: " زوجتك هذه وهي فاطمة " أو " وهي الكبرى " فتبين أن اسمها خديجة، أو أنها صغرى فان المقصود تزويج المشار إليها وتسميتها بفاطمة، أو وصفها بأنها الكبرى وقع غلطا، فيلغى. ] أراد أصالة عدم ترتب الاثر. لكن أصالة الاطلاق حاكمة عليها. (1) قال في التذكرة: " لو قال له: زوجتك بنتي فلانة، وسماها بغير اسمها، ولا بنت له سوى واحدة، فالاقوى الصحة. هو أصح وجهي الشافعية. لان البنتية صفة لازمة، فيتعين، ويلقي الاسم المذكور بعده. والثاني: لا يصح النكاح لانه ليس له بنت بذلك الاسم. ولو قال: زوجتك هذه فاطمة، وأشار إليها، وكان اسمها زينب، فالوجهان للشافعية ". ونحوه في الجواهر. ومنشأ الاشكال: هو أن القيد أخذ على نحو تعدد المطلوب، أو وحدته، فعلى الاول: يصح. وعلى الثاني: يبطل. ولا ينبغي التأمل في أن المرتكزات العرفية تقتضي الاول. ولذا بنوا مع تخلف الشرط على صحة العقد، وخيار الاشتراط، فلو قال: " بعتك هذا العبد الكاتب "، فتبين أنه غير كاتب، صح العقد. وكان له الخيار. نعم إذا كان القيد مقوما للموضوع عرفا وذاتيا من ذاتياته بطل العقد بفقده، كما لو قال

 

===============

 

( 396 )

 

[ (مسألة 19): إذا تنازع الزوج والزوجة في التعيين وعدمه حتى يكون العقد صحيحا أو باطلا فالقول قول مدعي الصحة (1)، كما في سائر الشروط إذا اختلفا فيها. وكما في سائر العقود. وإن اتفقا الزوج وولي الزوجة على أنهما عينا معينا وتنازعا فيه أنها فاطمة أو خديجة، فمع عدم البينة المرجع التحالف (2)، ] له: " بعتك هذا العبد الحبشي "، فتبين انه حمار وحشي. ولاجل ما ذكرنا كان المناسب لصاحب الجواهر (قدس سره) الجزم بالصحة، لا ذكر الوجوه والاحتمالات، وترجيح الصحة. فلاحظ. (1) قد عرفت أن التعيين المعتبر في صحة العقد ما يقابل العقد على المردد أو الكلي، فمدعي التعيين يدعي وقوع العقد على المعين، وخصمه يدعى وقوع العقد على الكلي أو على المردد، فالنزاع يكون حينئذ في موضوع العقد. لكن في كون أصالة الصحة تصلح لاثبات موضوع العقد تأمل، فإذا اختلف البائع والمشتري في أن البيع وقع على عبد البائع أو على ولده، فاثبات وقوعه على العبد بأصل الصحة محل تأمل. والمتيقن أن أصالة الصحة إنما تثبت شرائط العقد، لا مقوماته، فجعل الجميع من باب واحد غير ظاهر. وكذا الحكم في سائر العقود. (2) يظهر من الجواهر أنه مفروغ عنه عندهم. لان كلا منهما مدع ومنكر لما يدعيه الاخر، فان أقام أحدهما البينة عمل بها، لان البينة على المدعي، وإن لم يكن لاحدهما بينة كان على كل منهما اليمين التي هي وظيفة المنكر، فان حلف أحدهما ونكل الاخر حكم للحالف، وإن حلفا معا تبطل الدعويان معا. ومقتضى ذلك الانفساخ. وكذا لو أقام كل منهما البينة على دعواه.

 

===============

 

( 397 )

 

تنبيه فيه أمور: الاول: أن كون المقام من باب التداعي لا من باب المدعي والمنكر مبني على أن المعيار في حصول التداعي والمدعي والمنكر مصب الدعوى، فان دعوى الزوج أن العقد كان على فاطمة مثلا خلاف الاصل، فيكون بذلك مدعيا، وكذا دعوى الولي أن العقد كان على خديجة مثلا. أما إذا كان المعيار هو الغرض المقصود من الدعوى، فقد يكون كل واحد منهما مدعيا، بأن كان لكل واحد منهما غرض يقصد تحصيله، فالزوج يدعي أنها فاطمة يقصد تمكينه من استمتاعه بها، والولى يدعي أنها خديجة يطلب الانفاق عليها، فيكون كل واحد منهما مدعيا ومنكرا لما يدعيه الاخر. أما إذا كان الغرض لاحدهما دون الاخر، كما إذا كانت فاطمة غائبة لا يمكن الاستمتاع بها، فالمدعي يكون هو الولي لا غير. وكذلك إذا كانت خديجة ناشزا أو غائبة على نحو لا تستحق نفقة مثلا، فالمدعي يكون هو الزوج لا غير. فالتداعي يتوقف على أن يكون الغرض من الدعوى من كل منهما المطالبة بحق. الثاني: ان جعل الولي طرف الدعوى يتوقف على كونه وليا في جميع الجهات وعلى جميع الحيثيات. أما إذا كان وليا على العقد لا غير - كما هو الغالب - فهو لا يطالب بحق ولا يطالب بحق. وعلى التقدير الاول يكون من التداعي بالعرض، لا بالاصل، فان الزوج يدعي الحق على فاطمة، وخديجة تدعي الحق عليه، فهناك خصومتان، إحداهما بين الزوج وفاطمة، والاخرى بينه وبين خديجة، والزوج في الاول مدع، وفي الثانية منكر، والولي كالوكيل للزوجتين، ينكر دعوى الزوج على فاطمة ويدعي حقا لخديجة عليه، كما لو ادعى شخص على زيد دينا، وادعى عمرو على ذلك الشخص دينا، وقد وكل زيد وعمرو جميعا بكرا على

 

===============

 

( 398 )

 

[ كما في سائر العقود (1). نعم هنا صورة واحدة اختلفوا فيها وهي ما إذا كان لرجل عدة بنات، فزوج واحدة، ولم يسمها عند العقد، ولا عينها بغير الاسم، لكنه قصدها معينة، واختلفا فيها، فالمشهور على الرجوع إلى التحالف (2)، الذي هو مقتضى قاعدة الدعاوى. وذهب جماعة إلى التفصيل (3) بين ما لو كان الزوج رآهن جميعا فالقول قول الاب، وما لو لم ] المخاصمة مع ذلك الشخص وليس هو من التداعي في شئ. الثالث: أن الزوج تارة: يوكل الامر إلى الولي، فيزوجه الولي، ثم يقع النزاع بينهما في تعيين الزوجة. وأخرى: يشترك معه في العقد، فتارة: يوجب الولي ويقبل الزوج. وأخرى: يوجب الزوج ويقبل الولي. ففي الصورة الاولى لا ينبغي التأمل في أن القول قول الولي بيمينه، لانه وكيل على العمل، فيقبل قوله، ويكون خصمه مدعيا. وأما في الصورة الثانية، ففي كونه كالصورة الاولى لكون الموجب هو المنشئ والقابل تابع له، وعليه يكون الحكم في الصورة الثانية أن القول قول الزوج. أولا، لعدم الاستقلال للموجب في الايقاع، لكونه متوقفا على القبول، فيكون الفعل مشتركا بينهما. وجهان، أقواهما: الثاني. (1) مما ذكرنا تعرف عدم اطراد الحكم المذكور في سائر العقود أيضا. وأشرنا إلى ذلك في فصل التنازع من كتاب الاجارة من هذا الشرح. فراجع. (2) لم أقف على من نسب ذلك إلى المشهور. نعم حكي عن الحلي، والمسالك، والروضة، وشرح النافع. واختاره في جامع المقاصد. (3) نسب إلى الشيخ في النهاية، والقاضي ابن البراج. واختاره الفاضلان، والشهيد في اللمعة، وغيرهم. في المسالك: نسب ما ذكره المحقق الى أكثر الاصحاب.

 

===============

 

( 399 )

 

[ يرهن فالنكاح باطل. ومستندهم صحيحة أبي عبيدة الحذاء (1) وهي وإن كانت صحيحة إلا أن إعراض المشهور عنها (2) ] (1) رواها الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، وعن علي بن ابراهيم عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح عن أبي عبيدة قال: " سألت أبا جعفر (ع) عن رجل كن له ثلاث بنات أبكار، فزوج إحداهن رجلا، ولم يسم التي زوج للزوج ولا للشهود، وقد كان الزوج فرض لها صداقا، فلما بلغ إدخالها على الزوج بلغ الزوج انها الكبرى من الثلاثة، فقال الزوج لابيها: إنما تزوجت منك الصغيرة من بناتك. قال: فقال أبو جعفر (ع): إن كان الزوج رآهن كلهن ولم يسم له واحدة فالقول في ذلك قول الاب. وعلى الاب فيما بينه وبين الله تعالى أن يدفع إلى الزوج الجارية التي كان نوى أن يزوجها إياه عند عقدة النكاح. وإن كان الزوج لم يرهن كلهن، ولم يسم له واحدة منهن عند عقدة النكاح، فالنكاح باطل " (* 1). ورواه الصدوق باسناده عن جميل بن صالح، والشيخ بطريق فيه محمد بن عمرو. (2) قد عرفت أن الاعراض عنها إنما كان من الحلى، الذي يعرف من مذهبه أنه لا يعمل بأخبار الاحاد. وتبعه على ذلك في الروضة والمسالك، على ما قيل. وإن كان في المسالك - بعد ما حكى عن الحلي الرد - قال: " ولعله أجود.. إلى أن قال بعد ذلك: وحينئذ يقوى الاشكال في رد هذه الرواية، نظرا إلى صحتها. وللتوقف في ذلك مجال ". وفى جامع المقاصد: جعل ما عن الحلي أقوى، ومثله عن شرح النافع. وأما المحقق، والعلامة، وأكثر الاصحاب على ما تقدم في المسالك، فقد عملوا بها. لكن بعد تخريجها وحملها على ما لا ينافي القواعد. فلم يكن منهم عمل

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 15 من ابواب عقد النكاح.

 

===============

 

( 400 )

 

[ مضافا إلى مخالفتها للقواعد (1) مع إمكان حملها على بعض المحامل (2)، يمنع عن العمل بها. فقول المشهور لا يخلو عن قوة. ومع ذلك الاحوط مراعاة الاحتياط. وكيف كان لا يتعدى عن موردها. ] واعتماد، ولا إعراض مسقط عن الحجية. (1) المخالفة للقواعد لازمة لاكثر أدلة الاحكام، ولا توجب وهنا ولا انحطاطا عن مقام الحجية. (2) قال في الشرائع: " إذا كان للرجل عدة بنات، فزوج واحدة، ولم يسمها عند العقد، لكن قصدها بالنية، واختلفا في المعقود عليها، فان كان الزوج رآهن فالقول قول الاب، لان الظاهر أنه أوكل التعيين إليه. وعليه أن يسلم إليه التي نواها. وإن لم يكن رآهن كان العقد باطلا ". ونحوه في القواعد وغيرها. لكن في المسالك: " دعوى أن رؤيتهن دلت على الرضا بما عينه الاب، وعدمها على عدمه في موضع المنع، لان كل واحدة من الحالتين أعم من الرضا بتعيين الاب وعدمه. وليس في الرواية على تقدير الاعتناء بها دليل على ذلك. بل في هذا التنزيل تخصيص لها في الحالين. وحينئذ فاللازم إما العمل بالرواية من غير حمل - كما فعله الشيخ - أو ردها رأسا والحكم بالبطلان في الحالين - كما فعل ابن ادريس - ولعله أجود، لان العقد لم يقع على معينة مخصوصة منها، وهو شرط صحته ". ولاجل ذلك قال في كشف اللثام: " لا بعد في أن يكون التفويض إلى الولي جائزا في النساء اللاتي رآهن، لانهن تعين عنده، دون من لم يرهن، لكثرة الجهالة. لا أن الرؤية دليل على التفويض، وأن التفويض جائز مطلقا ". فحمل الرواية على بيان أن الرؤية شرط في صحة التفويض، فإذا لم ير الزوج البنات لا يصح منه تفويض الامر إلى

 

===============

 

( 401 )

 

الاب، وإذا رآهن صح له ذلك. ويشكل: بأن الرؤاية ليست شرطا في صحة التزويج مباشرة، ولا في صحة تفويضه إلى غيره. ضرورة أنه يجوز للانسان أن يفوض تزويجه إلى غيره وإن لم يكن قد رأى امرأة من النساء. فان أراد أن الرؤية شرط في صحة التفويض كلية فذلك مما لا يمكن القول به. وإن أراد ذلك في مورد الرواية بالخصوص - وهو من كان له بنات فأراد انسان تزويج واحدة منهن، فانه لا يجوز له تفويض الامر إليه إلا إذا رآهن كلهن - فذلك إن تم لا يجدي في توجيه الرواية وتطبيقها على القواعد، لان مورد الرواية النزاع في التفويض وعدمه، فلو سلمنا أنه لا يصح التفويض إلا مع رؤية الجميع لم يجد ذلك في تقديم قول الاب. إلا إذا ثبت التلازم بين الرؤية والتفويض، ولا يكفي في تقديم قول الاب شرطية الرؤية للتفويض، كما لعله ظاهر بأقل تأمل. وكاشف اللثام (قده) لم يدع هذه الملازمة، ليصح منه توجيه الرواية وتخريجها على وجه لا تخالف القواعد، المانعة من تقديم قول الاب المدعي للتفويض بلا بينة. بل ظاهرها تقديم قوله بلا يمين أيضا. وهذا الاشكال مشترك بين ما ذكره كاشف اللثام وما ذكره المحقق. اللهم إلا أن تحمل الرواية على إرادة تقديم قوله في الجملة ولو مع اليمين، كما استظهره في الجواهر. لكنه غير ظاهر. وبالجملة: تقديم قول الاب بناء على ما ذكره المحقق ومن وافقه من أن الرؤية أمارة على التفويض، يكون في محله، لان دعوى الاب موافقة للحجة، فيكون القول قوله. نعم ظاهر الرواية عدم الحاجة إلى اليمين، وهو غير جار على القواعد على كل من التخريجين، فان الاب وإن كان منكرا على تخريج المحقق، لكن المنكر لا يقبل قوله بلا يمين. أما بناء على تخريج كاشف اللثام فالاب يكون مدعيا، فقبول قوله بلا يمين ولا

 

===============

 

( 402 )

 

[ (مسألة 20): لا يصح نكاح الحمل وإنكاحه (1) ] بينة أبعد عن العمل بالقواعد، ولاجل ما ذكرنا يشكل التوجيهان معا. وحينئذ يدور الامر في الرواية بين الاخذ بظاهرها، وطرحها. لكن الاول متعين لصحتها، وعدم ما يقتضي وهنها، كما عرفت. فلاحظ. (1) قال في الشرائع: " يشترط في النكاح امتياز الزوجة عن غيرها بالاشارة أو التسمية، أو الصفة. فلو زوجه إحدى بنتيه، أو هذا الحمل، لم يصح العقد ". ومثله في القواعد وغيرها. ويظهر من كلماتهم أنه مما لا خلاف فيه. بل في المسالك: جعل المنع في الحمل أولى، لعدم التعيين لاحتمال كونه واحدا وأزيد. مضافا إلى احتمال كونه غير قابل لنكاح المخاطب، بأن يكون ذكرا أو خنثى مشكلا. انتهى. ويشكل بأن اعتبار التعيين في مقابل الترديد أو جعله كليا تقدم في المسألة السابعة عشرة. وأما التعيين في مقابل الجهالة بالوحدة والتعدد، والذكورة والانوثة، فلا دليل عليه. فلو قال له: " زوجتك من في الحجرة من الجواري واحدة كانت أو متعددة " أو " زوجتكها إن كانت أنثى " فلا دليل على بطلانه، ومقتضى الاطلاقات الصحة. لكن ظاهر الاصحاب المنع من نكاح الحمل وإنكاحه وإن علم أنه واحد، أو انثى، أو ذكر. وحينئذ فلا يكون المنع من جهة فقد التعيين، بل لخصوصية فيه. ولعله إجماع منهم. وفي الجواهر: أن العمدة فيه الاجماع إن تم. انتهى. وكأنه متوقف في تحقق الاجماع على المنع. والمصنف (ره) علل الحكم بالانصراف. وكأن منشأ الانصراف كون الحمل ناقص البشرية، فلا ينصرف إليه الدليل. لكن إن كان توقف فهو في الحمل بعد ولوج الروح فيه. أما قبل ذلك: فلا ينبغي التأمل فيه لاعتبار الانسانية في تحقق الزوجية المفقودة فيه. وأما بعد ولوج الروح: فيمكن أن يكون الوجة أيضا في المنع عدم ثبوت الولاية على الحمل بالنسبة

 

===============

 

( 403 )

 

[ وإن علم ذكوريته أو أنوثيته، وذلك لانصراف الادلة. كما لا يصح البيع أو الشراء منه ولو بتولي الولي. وإن قلنا بصحة الوصية له عهدية (1)، بل أو تمليكية أيضا. (مسألة 21): لا يشترط في النكاح علم كل من الزوج والزوجة بأوصاف الآخر (2) مما يختلف به الرغبات وتكون موجبة لزيادة المهر أو قلته، فلا يضر بعد تعيين شخصها الجهل بأوصافها. فلا تجري قاعدة الغرر هنا (3). ] إلى ذلك، فيكون المنع لقصور في المتصرف، لا في موضوع التصرف. وأما البيع والشراء له: فالظاهر أنه في الجملة لا إشكال فيه، فانه يجوز للوصي بيع التركة، وإن كان بعض الورثة حملا، وإذا عزلت حصة الحمل فخيف عليها جاز للحاكم الشرعي أو غيره بيعها بما لا يخاف عليه. فلاحظ. ومن ذلك تعرف الاشكال في قوله: " كما لا يصح.. " (1) لا إشكال في أنه لا تصح الوصية العهدية إلى الصبي منفردا، فضلا عن الحمل. وأما منضما إلى البالغ - بمعنى كونه وصيا حين الايصاء وإن كان لا يصح تصرفه - فالظاهر الصحة أيضا، لعموم الادلة، ولا يحتاج فيها إلى القبول، كي يدعى عدم الدلالة عليه، فلا تصح: وأما التمليكية: فانه لو توقفت على القبول - كما هو المشهور - كفى القبول بعد الولادة منه بعد البلوغ، أو من وليه قبله. (2) في الجواهر ادعى الضرورة على ذلك. ويقتضيه السيرة القطعية. نعم يظهر من كشف اللثام في المسألة السابقة قدح كثرة الجهالة. ولكنه غير ظاهر. (3) فان النبوي المشهور: " نهى النبي عن بيع الغرر " (* 1) يختص

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 40 من ابواب اداب التجارة حديث: 3، مستدرك الوسائل باب: 31 من ابواب اداب التجارة حديث: 1، كنز العمال الجزء: 2 حديث: 4920، 4923.